من لزمَ الذِّكرَ = أكرمَهُ الله بمعيَّتِه ...
«وأنا معَهُ إذا ذكرَني».
«وأنا معَهُ إذا ذكرَني».
أرْوِقة القلبِ مُظلِمَة مُوحِشَة، فإذا ذُكِر الله أضاءَت سُرُجُه وأنِسَ ...
Forwarded from المنثورات والملح-د.طه نجا
كان الشافعي:
بحراً ثجاجاً،
وسراجاً وهّاجاً.
وكان من سَراة الناس،
مع الشرف والسّخاء،
والبيان والعفّة،
والفقه العجيب،
ونُصرة الحديث.
مع الورع والدّيانة،
والسّتر، والأمانة،
والعفّة والنزاهة،
وظلف النفس والنزاهة.
حتى إنه:
ما رؤي ممن تعاطى الفقه، وبنى عليه=
مثله؛
بياناً،
وعلماً، وفهماً.
وسمّي ببغداد:
ناصر الحديث؛
لحسن مخارج تأويلاته!!
"أبو حيان التوحيدي"!!
بحراً ثجاجاً،
وسراجاً وهّاجاً.
وكان من سَراة الناس،
مع الشرف والسّخاء،
والبيان والعفّة،
والفقه العجيب،
ونُصرة الحديث.
مع الورع والدّيانة،
والسّتر، والأمانة،
والعفّة والنزاهة،
وظلف النفس والنزاهة.
حتى إنه:
ما رؤي ممن تعاطى الفقه، وبنى عليه=
مثله؛
بياناً،
وعلماً، وفهماً.
وسمّي ببغداد:
ناصر الحديث؛
لحسن مخارج تأويلاته!!
"أبو حيان التوحيدي"!!
الشوقُ يُبلي قلوبَ النّاس يُهلِكُها ... والشوق للمصطفى للقلبِ إحياءُ
إن من البلاء أن تتوالى نِذاراتُ قُرْب الأجل بالعبد ولا يزال غافلًا …
أُعِيذك بالله أن تحزنَ لِما فاتك من أمرِ دنياك، ولا تبالي بما فاتك من أمرِ دينك ..
قُرئ (شرح البهجة) على شيخ الإسلام زكريا الأنصاريّ رحمه الله سبعة وخمسين سنة حتى حرّره أتمّ تحرير، ولم ينقل ذلك عن أحدٍ غيره من المؤلفين، وغالبهم يموت عقب مؤلفاته من غير تحرير...
الشيخ عبد الله الشرقاوي رحمه الله ...
الشيخ عبد الله الشرقاوي رحمه الله ...
أَدِم تذكيرَ النفسِ بأمر الآخرة، فإنّها كثيرة التناسِِي واللّهو عن جليل أمرها.
Forwarded from تقريب
«لَمْ تُمسِ بنا نِعمة ظهرتْ ولا بَطَنَتْ، نِلْنا بها حظّاً في دين ودنيا، أو دُفِعَ بها عنا مكروه فيهما، وفي واحد منهما: إلا ومحمد -صلى الله عليه- سَبَبُها، القائدُ إلى خَيرها، والهادي إلى رشدها، الذائدُ عن الهَلَكة ومَوارد السَّوء في خِلاف الرشد، المُنبِّهُ للأسباب التي تُورِد الهَلَكة، القائمُ بالنصيحة في الإرشاد والإنذار فيها. فصلَّى الله على محمد وعلى آل محمد، كما صلَّى على إبراهيم وآل إبراهيم، إنه حميد مجيد».
الإمام الشافعي
الإمام الشافعي
هل خالفَ المذهبُ الشافعيُّ – أو غيرُه – الدليلَ ؟ (حوارٌ مع صديقي غير المتمذهب)
===
بعض أهل الزمان ينفر من مسألة التمذهب ، زاعمًا أن التمذهب خلاف الأخذ بالدليل ، وأن الواجب على طالب العلم أن لا يتبع مذهبًا معينًا ، وإنما يتبع ما دلَّ علبه الدليلُ .
والذي سبب هذا الضرب من الفهم عدة إشكاليات في أفهام بعض أهل الزمان :
• الإشكالية الأولى : محاكمة الأدلة المستدل بها في كتب المذاهب – من جهة الثبوت - إلى كلام عالم واحد أو عالمين في الحديث .
فإذا كان الدليل المحتج به في كتب المذهب قد صححه هذا العالم فالمذهب احتج بالصحيح ، وليتبع ، وإذا كان الدليل المحتج به قد ضعفه هذا العالم فدليل المذهب ضعيف ، وهذا مسلك عجيب ؛ إذ إن الذي يريد أن يرمي مذهبًا بمخالفة صحيح الأدلة في مسألة ، أو بالاستدلال بضعيفها ، عليه أولًا أن يثبت العرش ثم ينقش ، فعليه أن ينظر في أقوال الحفاظ في الدليل صحة وضعفًا ، ولا يحملنا على مذهب العالم أو المحدث الذي يقلده ، مهما بلغ علمه وجلالته .
وبالجملة ؛ فصاحبنا المنكر على المذهب - في الغالب - مقلد لعالم معين في التصحيح والتضعيف ، ومن ثم فلا يجوز له الإنكار على المذهب ، فضلًا عن رمي المذهب بمخالفة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فضلًا عن اتهام أصحابه بالتعصب .
مثالٌ على ذلك : يقول قائلٌ : «إن المذهب الشافعيَّ خالف الدليلَ ، فقد أجاز الإمام الشافعيُّ بيع الحيوان بالحيوان نسيئة ، وقد أخرج الترمذي بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة» .
وصاحبنا هذا قد اتهم المذهب الشافعي بمخالفة الدليل ؛ لأنه ما عرف إلا أحكام هذا العالم ، ولو اطلع – إذا أراد أن يطلع – لوجد الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله – وهو الحافظ الناقد – قد ضعف الحديث ، ويقول : «ليس فيها حديثٌ يعتمد عليه ، ويعجبني أن يتوقاه» ، فضلًا عن كلام الحفاظ النقاد في كل طريق من طرق الحديث .
• الإشكالية الثانية : الجهل بأصول هذه المذاهب :
أكثر المنكرين على المذاهب إنما يؤتون من جهلهم بأصولها ، ومن يريد أن يحاكم مذاهبًا معينًا من جهة موافقته للدليل وعدمه لا بد أن يلم بأصوله إلمامًا جيدًّا من خلال كتب أصحاب المذهب في الأصول ؛ كيلا يرمي المذهب بمخالفته الدليل .
مثالٌ : كم اعْتُذِر عن الإمام أبي حنيفة – رحمه الله – في قوله : «يجوز للمرأة تزويج نفسها بنفسها بكفءٍ ومهر» بأن الحديث لم يبلغه ، ورغم أن هذه الاعتذار فيه ما يحمد من حيث إنه أدبٌ مع إمام جليل ، إلا أنه يذم من حيث إنه كلام فيما لا يحسن المرء ، وقفزٌ على أصول السادة الحنفية ، ذلك أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله ما ترك العمل بخبر إبطال النكاح بلا ولي ؛ إلا لأن من أصله - كما قال أصحابه* - اشتراط ألا يخالف خبرُ الوَاحِد ما هو أقوى مِنْه من كتابٍ أو سُنَّة متواترةٍ ، وقد خَالَف خبرُ [أَيُّمَا امرأةٍ ...] عِنْدَه – وهو أَصْرَحُ مَا فِي البَابِ - قَولَهُ تَعَالَى ﴿ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾ ، في إسناد النكاح إليهن لا إلى الأولياء ، وكذلك من الجهة الحديثية فإن الزهري راوي الحديث قد أنكر أن يكون قد حدث سليمان بن موسى به ، وهذا قادح عند أبي حنيفة رحمه الله...
اتفق مع هذا أو اختلف ، ولكن المذاهب لا تؤخذ بالصدور والأذرع.
• الإشكالية الثالثة : إشكالية تداخل الأصول .
ونعني بتداخل الأصول أن الدليل الواحد قد يتنازعه أكثر من أصل ، فيتعلق الناظر بأصل ، ويغفل عن الأصول الأخرى ؛ متهمًا المذهب بمخالفة الدليل ، أو بمخالفة أصله الذي سطر في تصانيف الأصول .
فمثلًا : يعترض معترض على تجويز تمني الموت لضر ديني بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به» ؛ متعلقًا بالنهي الوارد في صدر الحديث ، وهذا الدليل قد تداخلت فيه أصول ، منها دلالة النهي على التحريم ، ولكن ثم أصل آخر ، وهو حمل المطلق على المقيد حالة اتحاد الحكم والسبب ، وقد وردت رواية أخرى مقيدة : «لضر نزل به في الدنيا» ، فحمل المطلق على المقيد ، ومن ثم فالضرر الذي يحرم تمني الموت من أجله هو الضرر الدنيوي ، أما الضرر الديني فيجوز فيه تمني الموت .
فصاحبنا قد أُتِي من هذه الجهة : أنه تعلق بأصل ، وغفل عن آخر ، في دليل قد تداخلت فيه الأصول .
الإشكالية الرابعة : إشكالية تصور القرينة .
كثيرٌ من الأوامر التي اتفق علماءُ المذاهب الأربعة على حملها على الاستحباب قد حملها بعض أهل الزمان على الوجوب ، وكذلك الحال في النواهي ، وهذا لإشكال في تصور القرينة ، فبعض أهل الزمان لا يتصور إلا القرينة المقالية ، ولا يسمع بما سماه الأصوليون «القرينة الحالية» ، والتي صرف بها الفقهاء أوامر كثيرة من الوجوب إلى غيره ، وصرفوا بها نواهي من التحريم إلى غيره .
===
بعض أهل الزمان ينفر من مسألة التمذهب ، زاعمًا أن التمذهب خلاف الأخذ بالدليل ، وأن الواجب على طالب العلم أن لا يتبع مذهبًا معينًا ، وإنما يتبع ما دلَّ علبه الدليلُ .
والذي سبب هذا الضرب من الفهم عدة إشكاليات في أفهام بعض أهل الزمان :
• الإشكالية الأولى : محاكمة الأدلة المستدل بها في كتب المذاهب – من جهة الثبوت - إلى كلام عالم واحد أو عالمين في الحديث .
فإذا كان الدليل المحتج به في كتب المذهب قد صححه هذا العالم فالمذهب احتج بالصحيح ، وليتبع ، وإذا كان الدليل المحتج به قد ضعفه هذا العالم فدليل المذهب ضعيف ، وهذا مسلك عجيب ؛ إذ إن الذي يريد أن يرمي مذهبًا بمخالفة صحيح الأدلة في مسألة ، أو بالاستدلال بضعيفها ، عليه أولًا أن يثبت العرش ثم ينقش ، فعليه أن ينظر في أقوال الحفاظ في الدليل صحة وضعفًا ، ولا يحملنا على مذهب العالم أو المحدث الذي يقلده ، مهما بلغ علمه وجلالته .
وبالجملة ؛ فصاحبنا المنكر على المذهب - في الغالب - مقلد لعالم معين في التصحيح والتضعيف ، ومن ثم فلا يجوز له الإنكار على المذهب ، فضلًا عن رمي المذهب بمخالفة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فضلًا عن اتهام أصحابه بالتعصب .
مثالٌ على ذلك : يقول قائلٌ : «إن المذهب الشافعيَّ خالف الدليلَ ، فقد أجاز الإمام الشافعيُّ بيع الحيوان بالحيوان نسيئة ، وقد أخرج الترمذي بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة» .
وصاحبنا هذا قد اتهم المذهب الشافعي بمخالفة الدليل ؛ لأنه ما عرف إلا أحكام هذا العالم ، ولو اطلع – إذا أراد أن يطلع – لوجد الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله – وهو الحافظ الناقد – قد ضعف الحديث ، ويقول : «ليس فيها حديثٌ يعتمد عليه ، ويعجبني أن يتوقاه» ، فضلًا عن كلام الحفاظ النقاد في كل طريق من طرق الحديث .
• الإشكالية الثانية : الجهل بأصول هذه المذاهب :
أكثر المنكرين على المذاهب إنما يؤتون من جهلهم بأصولها ، ومن يريد أن يحاكم مذاهبًا معينًا من جهة موافقته للدليل وعدمه لا بد أن يلم بأصوله إلمامًا جيدًّا من خلال كتب أصحاب المذهب في الأصول ؛ كيلا يرمي المذهب بمخالفته الدليل .
مثالٌ : كم اعْتُذِر عن الإمام أبي حنيفة – رحمه الله – في قوله : «يجوز للمرأة تزويج نفسها بنفسها بكفءٍ ومهر» بأن الحديث لم يبلغه ، ورغم أن هذه الاعتذار فيه ما يحمد من حيث إنه أدبٌ مع إمام جليل ، إلا أنه يذم من حيث إنه كلام فيما لا يحسن المرء ، وقفزٌ على أصول السادة الحنفية ، ذلك أن الإمام أبا حنيفة رحمه الله ما ترك العمل بخبر إبطال النكاح بلا ولي ؛ إلا لأن من أصله - كما قال أصحابه* - اشتراط ألا يخالف خبرُ الوَاحِد ما هو أقوى مِنْه من كتابٍ أو سُنَّة متواترةٍ ، وقد خَالَف خبرُ [أَيُّمَا امرأةٍ ...] عِنْدَه – وهو أَصْرَحُ مَا فِي البَابِ - قَولَهُ تَعَالَى ﴿ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ﴾ ، في إسناد النكاح إليهن لا إلى الأولياء ، وكذلك من الجهة الحديثية فإن الزهري راوي الحديث قد أنكر أن يكون قد حدث سليمان بن موسى به ، وهذا قادح عند أبي حنيفة رحمه الله...
اتفق مع هذا أو اختلف ، ولكن المذاهب لا تؤخذ بالصدور والأذرع.
• الإشكالية الثالثة : إشكالية تداخل الأصول .
ونعني بتداخل الأصول أن الدليل الواحد قد يتنازعه أكثر من أصل ، فيتعلق الناظر بأصل ، ويغفل عن الأصول الأخرى ؛ متهمًا المذهب بمخالفة الدليل ، أو بمخالفة أصله الذي سطر في تصانيف الأصول .
فمثلًا : يعترض معترض على تجويز تمني الموت لضر ديني بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به» ؛ متعلقًا بالنهي الوارد في صدر الحديث ، وهذا الدليل قد تداخلت فيه أصول ، منها دلالة النهي على التحريم ، ولكن ثم أصل آخر ، وهو حمل المطلق على المقيد حالة اتحاد الحكم والسبب ، وقد وردت رواية أخرى مقيدة : «لضر نزل به في الدنيا» ، فحمل المطلق على المقيد ، ومن ثم فالضرر الذي يحرم تمني الموت من أجله هو الضرر الدنيوي ، أما الضرر الديني فيجوز فيه تمني الموت .
فصاحبنا قد أُتِي من هذه الجهة : أنه تعلق بأصل ، وغفل عن آخر ، في دليل قد تداخلت فيه الأصول .
الإشكالية الرابعة : إشكالية تصور القرينة .
كثيرٌ من الأوامر التي اتفق علماءُ المذاهب الأربعة على حملها على الاستحباب قد حملها بعض أهل الزمان على الوجوب ، وكذلك الحال في النواهي ، وهذا لإشكال في تصور القرينة ، فبعض أهل الزمان لا يتصور إلا القرينة المقالية ، ولا يسمع بما سماه الأصوليون «القرينة الحالية» ، والتي صرف بها الفقهاء أوامر كثيرة من الوجوب إلى غيره ، وصرفوا بها نواهي من التحريم إلى غيره .
• الإشكالية الخامسة : تلقي الفقه المقارن عن كتب مُشَوَّهة ؛ للضعف العلمي لأصحابها .
فمن البلايا المعاصرة ما تراه في بعض السندوتشات الفقهية المعاصرة ، المسماة خطأ بـ«كتب الفقه المقارن» أو «الفقه على الراجح» ... وذلك في طريقة الاستدلال للمذهب المخالف .
حيث ترى صاحبنا حواشًا يستدل بأي شيء وقف عليه في كتب المذهب أو في كتب غيره أو في كتب التخريج ، ولا يفرق بين الدليل المعتمد عليه في الاستدلال والدليل المستأنس به .
مثالٌ : في «سندوتش من السندوتشات الفقهية المعاصرة» (ج1/ص59) : «يجوز السواك بعد الزوال للصائم على الراجح من أقوال أهل العلم ؛ لعموم الأدلة السابقة ... وهذا قول عمر ووو... ومالك وأبي حنيفة والمشهور من مذهب أحمد لعدم وجود دليل مانع من استعماله ؛ حيث أن ما استدل به من منع من السواك بعد الزوال كحديث عليٍّ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا صمتم فصوموا فاستاكوا بالغداة ، ولا تستاكوا بالعشي) ، فالرد عليه أن أن الحديث ضعيف ؛ لجهالة بعض الرواة ولين البعض» .
هكذا طار صاحبنا بتضعيف الحديث لعدم تفريقه بين المعتمد في الاستدلال والمستأنس به ، وأظهر الشافعية (وهم أصحاب هذا القول) بمظهر المستدل بالضعيف ، وصاحبنا المحقق قد بين لهم ضعف دليلهم .
والذي لا يعرفه صاحبُنا أن الشافعية قد بينوا ضعف الحديث منذ ألف سنة تقريبًا قبل أن تكتحل أعينُنا برؤيته الكريمة ، حيث ضعف الحديثَ الإمام البيهقيُّ (ت458هـ) في «معرفة السنن الآثار» (ج6/ص333) ، وكذا من بعده ، وليس الدليل هو المعتمد في الاستدلال أصلًا .
أما الدليل المعتمد في الاستدلال على كراهة السواك بعد الزوال ، فهو حديث البخاري : «لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» ، فقال الشافعية : لما كان الخلوف أثر عبادة مشهود بها بالطيب كرهت إزالته كدمِ الشهيد .
اتفق مع هذا أو اختلف ، ولكن قبل أن تصنف للأمة في الفقه المقارن تعرف على منهج الاستدلال للمذاهب .
• الإشكالية السادسة : القصور في الاطلاع على آثار الصحابة :
لا يخفى على أحد أن الكتب المعتنية بآثار الصحابة كمصنف ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وسنن البيهقي الكبرى وتهذيب الطبري ونحوها لا يكاد يطلع عليها في هذا الزمان إلا قليلٌ من الناس ، فلهذا القصور تتهم كثير من آراء الأئمة بأنها لا سلف لها ، أو أنها تخالف إجماعًا سكوتيًّا ، أو نحو ذلك .
فترى مثلًا قائلًا يقول لك : «إن مذهب الشافعية قد خالف الدليل حيث كره الإسبال لغير خيلاء ، ولم يحرمه ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أنكر على الشاب الذي أتاه يعوده في مرض موته ، فقال له : (ارفع ثوبك ؛ فإنه أتقى لربك ...) .
وصاحبنا هذا عنده مشكلتان ، مشكلة في فهم دلالة الأثر ، ومشكلة في الاطلاع على آثار السلف .
أما المشكلة الأولى : فإن قول عمر رضي الله عنه من أقوى ما يستدل به على الكراهة التنزيهية لا الحرمة ؛ إذ في استعمال عمر رضي الله عنه لصيغة التفضيل دلالةٌ واضحةٌ على ذلك ، كما لو قلت : «زيد أتقى من خالد» ؛ فإنك لا تنفي التقى عن خالد ، وإنما تثبت فضيلة لزيد على خالد في التقي ، فكذلك أثبت عمر رضي الله عنه فضيلة لحال تقصير على الإزار على إسباله .
فالأثر في الحقيقة دال على الكراهة التنزيهية لا التحريمية .
وأما المشكلة الثانية فهي عدم الاطلاع على آثار السلف في المسألة ، مع كثير من التجرأ على نسبة فهمه هو – هو هو – إلى السلف في المسألة الفروعية ، وهذان أثران عن السلف في المسألة ، فضلًا عن أثر عمر رضي الله عنه ذي الدلالة القوية على الكراهة :
• فقد ثبت عن أبي إسحاق السبيعي أنه قال : «رأيتُ ابنَ عبَّاس - رضي الله تعالى عنه - أيام منى طويل الشعر ، وعليه إزار فيه بعض الإسبال ، وعليه رداء أصفر» .
هذا الأثر أخرجه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (1/314) وابن سعد في «الطبقات» (6/344) والطبراني في «المعجم الكبير» (10/288) من طريق الفضل بن دكين وزحمويه كلاهما عن شريك عن أبي إسحاق السبيعي به.
وشريك هو ابن عبد الله النخعي ، وفيه مقال مشهور من جهة تغير حفظه بعد توليه القضاء ببغداد ، إلا أنَّ أحد الراويين عنه واسطي ، وهو زكريا بن يحيى بن صبيح اليشكري الواسطي ، الشهير بزحمويه ، وحديث أهل واسط عن شريك جيد ، فقد قال ابن حبان – رحمه الله - في «الثقات» (6/444) : «سماعُ المتقدمين عنه الذين سمعوا منه بوَاسِط ليس فيه تخليط مثل يزيد بن هارون وإسحاق الأزرق ، وسماع المتأخرين عنه بالكوفة فيه أوهام كثيرة».
وقد حسَّنَ الأثرَ الهيثميُّ رحمه الله في «مجمع الزوائد» (9/464) .
• ثبت عن أبي وائل أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يسبل إزاره ، فقيل له ، فقال : «إني رجل حمش الساقين» .
فمن البلايا المعاصرة ما تراه في بعض السندوتشات الفقهية المعاصرة ، المسماة خطأ بـ«كتب الفقه المقارن» أو «الفقه على الراجح» ... وذلك في طريقة الاستدلال للمذهب المخالف .
حيث ترى صاحبنا حواشًا يستدل بأي شيء وقف عليه في كتب المذهب أو في كتب غيره أو في كتب التخريج ، ولا يفرق بين الدليل المعتمد عليه في الاستدلال والدليل المستأنس به .
مثالٌ : في «سندوتش من السندوتشات الفقهية المعاصرة» (ج1/ص59) : «يجوز السواك بعد الزوال للصائم على الراجح من أقوال أهل العلم ؛ لعموم الأدلة السابقة ... وهذا قول عمر ووو... ومالك وأبي حنيفة والمشهور من مذهب أحمد لعدم وجود دليل مانع من استعماله ؛ حيث أن ما استدل به من منع من السواك بعد الزوال كحديث عليٍّ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إذا صمتم فصوموا فاستاكوا بالغداة ، ولا تستاكوا بالعشي) ، فالرد عليه أن أن الحديث ضعيف ؛ لجهالة بعض الرواة ولين البعض» .
هكذا طار صاحبنا بتضعيف الحديث لعدم تفريقه بين المعتمد في الاستدلال والمستأنس به ، وأظهر الشافعية (وهم أصحاب هذا القول) بمظهر المستدل بالضعيف ، وصاحبنا المحقق قد بين لهم ضعف دليلهم .
والذي لا يعرفه صاحبُنا أن الشافعية قد بينوا ضعف الحديث منذ ألف سنة تقريبًا قبل أن تكتحل أعينُنا برؤيته الكريمة ، حيث ضعف الحديثَ الإمام البيهقيُّ (ت458هـ) في «معرفة السنن الآثار» (ج6/ص333) ، وكذا من بعده ، وليس الدليل هو المعتمد في الاستدلال أصلًا .
أما الدليل المعتمد في الاستدلال على كراهة السواك بعد الزوال ، فهو حديث البخاري : «لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» ، فقال الشافعية : لما كان الخلوف أثر عبادة مشهود بها بالطيب كرهت إزالته كدمِ الشهيد .
اتفق مع هذا أو اختلف ، ولكن قبل أن تصنف للأمة في الفقه المقارن تعرف على منهج الاستدلال للمذاهب .
• الإشكالية السادسة : القصور في الاطلاع على آثار الصحابة :
لا يخفى على أحد أن الكتب المعتنية بآثار الصحابة كمصنف ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وسنن البيهقي الكبرى وتهذيب الطبري ونحوها لا يكاد يطلع عليها في هذا الزمان إلا قليلٌ من الناس ، فلهذا القصور تتهم كثير من آراء الأئمة بأنها لا سلف لها ، أو أنها تخالف إجماعًا سكوتيًّا ، أو نحو ذلك .
فترى مثلًا قائلًا يقول لك : «إن مذهب الشافعية قد خالف الدليل حيث كره الإسبال لغير خيلاء ، ولم يحرمه ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أنكر على الشاب الذي أتاه يعوده في مرض موته ، فقال له : (ارفع ثوبك ؛ فإنه أتقى لربك ...) .
وصاحبنا هذا عنده مشكلتان ، مشكلة في فهم دلالة الأثر ، ومشكلة في الاطلاع على آثار السلف .
أما المشكلة الأولى : فإن قول عمر رضي الله عنه من أقوى ما يستدل به على الكراهة التنزيهية لا الحرمة ؛ إذ في استعمال عمر رضي الله عنه لصيغة التفضيل دلالةٌ واضحةٌ على ذلك ، كما لو قلت : «زيد أتقى من خالد» ؛ فإنك لا تنفي التقى عن خالد ، وإنما تثبت فضيلة لزيد على خالد في التقي ، فكذلك أثبت عمر رضي الله عنه فضيلة لحال تقصير على الإزار على إسباله .
فالأثر في الحقيقة دال على الكراهة التنزيهية لا التحريمية .
وأما المشكلة الثانية فهي عدم الاطلاع على آثار السلف في المسألة ، مع كثير من التجرأ على نسبة فهمه هو – هو هو – إلى السلف في المسألة الفروعية ، وهذان أثران عن السلف في المسألة ، فضلًا عن أثر عمر رضي الله عنه ذي الدلالة القوية على الكراهة :
• فقد ثبت عن أبي إسحاق السبيعي أنه قال : «رأيتُ ابنَ عبَّاس - رضي الله تعالى عنه - أيام منى طويل الشعر ، وعليه إزار فيه بعض الإسبال ، وعليه رداء أصفر» .
هذا الأثر أخرجه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (1/314) وابن سعد في «الطبقات» (6/344) والطبراني في «المعجم الكبير» (10/288) من طريق الفضل بن دكين وزحمويه كلاهما عن شريك عن أبي إسحاق السبيعي به.
وشريك هو ابن عبد الله النخعي ، وفيه مقال مشهور من جهة تغير حفظه بعد توليه القضاء ببغداد ، إلا أنَّ أحد الراويين عنه واسطي ، وهو زكريا بن يحيى بن صبيح اليشكري الواسطي ، الشهير بزحمويه ، وحديث أهل واسط عن شريك جيد ، فقد قال ابن حبان – رحمه الله - في «الثقات» (6/444) : «سماعُ المتقدمين عنه الذين سمعوا منه بوَاسِط ليس فيه تخليط مثل يزيد بن هارون وإسحاق الأزرق ، وسماع المتأخرين عنه بالكوفة فيه أوهام كثيرة».
وقد حسَّنَ الأثرَ الهيثميُّ رحمه الله في «مجمع الزوائد» (9/464) .
• ثبت عن أبي وائل أن ابن مسعود رضي الله عنه كان يسبل إزاره ، فقيل له ، فقال : «إني رجل حمش الساقين» .
هذا الأثر قد أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (8/202) قال : حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن أبي وائل عن ابن مسعود به ، وهذا إسنادٌ لو قرئ على مجنون لأفاق !
وقد جوَّده الحافظ ابن حجر رحمه الله في «فتح الباري» (10/264) ، وللأثر طريق أخرى أخرجها البغوي في «معجم الصحابة» (3/465) ، ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (33/149) ، عن زياد بن أيوب نا هشيم أخبرنا سيار عن أبي وائل أن ابن مسعود رأى رجلًا قد أسبل فقال : «ارفع إزارك» ، فقال : «وأنتَ يا ابن مسعود فارفع إزارك» ، فقال عبد الله : «إني لست مثلك ، إن بساقي حموشة ، وأنا أؤم الناس» ، فبلغ ذلك عمر ، فجعل يضرب الرجل ، ويقول : «أتَرُدُّ على ابن مسعود ؟!» .
قال ابن منظور في «لسان العرب» (11/321) : « يُقالُ : أسبلَ فلانٌ ثيابَه إذا طوَّلَها وأرسلَهَا إلى الأرض» .
• الإشكالية السابعة : التوهم أن نظره يساوي نظر المجتهد في الدليل :
أكثر الذين يزعمون الاجتهاد في الأدلة ، ويردون على الأئمة استدلاتهم لا يزعمون بألسنتهم مساواتهم في العلم والفضل للأئمة الكبار ، وإنما يزعمون ذلك بالفعل ، فإذا ذكرتُ لكَ احتجاجَ الشافعي على مسألة معينة تسمع ردود من أنواع : «ليس في الحديث دلالة ... استدلال ضعيف ... يخالف القاعدة التي تقول ... ونحو ذلك » .
وصاحبنا هذا لا بد أن يعلم أن الفرق بين عينه الناظرة في الدليل وعين الشافعي وأحمد ومالك وأبي حنيفة والأوزاعي وغيرهم كالفرق بين عين مجردة وعين ميكروسكوبية .
فالمجتهد حينما ينظر في الدليل يتبدى له أضعاف أضعاف ما يتبدى لك من استنباطات وإيرادات على الاستنباطات وإيرادات على الإيرادات .
مثالٌ على ذلك : الحديث المشهور في صلاة الجماعة بهم النبي صلى الله عليه وسلم بتحريق المتخلفين عن الجماعة ، في كل جملة من جمل هذا الحديث استنباطات وإيرادات تأتي على ذهن المجتهد ، قد خطرت لك حين النظر في الدليل .
وأضرب مثالًا بقضية واحدة ، وهي قضية الهم ، هم النبي صلى الله عليه وسلم بفعل معين ، هل هو فعل أو قول أو قسم برأسه ؟ وهل هو حجة مطلقًا أو ليس بحجة ؟ وإذا كان حجة فهلْ ثَمَّ تفصيلٌ بين المَعْدُول عنْهُ والمُحَال دُونَهُ والخَارجِ مخرجَ الذَّمِّ ؟ وهل ثم تفصيلٌ بين المعدول عنه لمصلحة راجحة أو لمجيء وحي أو لصواب في خلافه ؟ وهل ثم تفصيلٌ بين المُحَال عنه بشرعيٍّ أو حسيٍّ ، وهل وهل ؟
كل هذا في كلمة واحدة في الحديث : «لقد هممتُ .... » ، فما بالك بما يرد على ذهنه في بقية كلمات الحديث ؟!!
ثم إذا أجبت عن هذه الأسئلة - ولا إخالك - فهل يَطَّردُ ذلك معك في بقية الفروع الفقهية من الطهارة إلى أمهات الأولاد أو ستخالف قاعدتك ؟!
نسأل الله أن يعلمنا ...
رجاء أخير : قبل أن تتعقب هذا المنشور – أخي الحبيب فضلًا – بقاعدة أصولية ، أو قاعدة فقهية ، أو قولٍ عن السلف الكرام عليهم الرضوان ، أو قولٍ لأحد أهل العلم ، برجاء تحقيق فهمه عند أهل العلم ، ولا يكون شقشقة تُرَدَّد !
والسلام ...
____________________________
*«أصول الشاشي» (ص280) ، «أصول الجصاص»( ج3/ص183) ، «كشف الأسرار عن أصول البزدوي» (ج3/ص97) .
وقد جوَّده الحافظ ابن حجر رحمه الله في «فتح الباري» (10/264) ، وللأثر طريق أخرى أخرجها البغوي في «معجم الصحابة» (3/465) ، ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (33/149) ، عن زياد بن أيوب نا هشيم أخبرنا سيار عن أبي وائل أن ابن مسعود رأى رجلًا قد أسبل فقال : «ارفع إزارك» ، فقال : «وأنتَ يا ابن مسعود فارفع إزارك» ، فقال عبد الله : «إني لست مثلك ، إن بساقي حموشة ، وأنا أؤم الناس» ، فبلغ ذلك عمر ، فجعل يضرب الرجل ، ويقول : «أتَرُدُّ على ابن مسعود ؟!» .
قال ابن منظور في «لسان العرب» (11/321) : « يُقالُ : أسبلَ فلانٌ ثيابَه إذا طوَّلَها وأرسلَهَا إلى الأرض» .
• الإشكالية السابعة : التوهم أن نظره يساوي نظر المجتهد في الدليل :
أكثر الذين يزعمون الاجتهاد في الأدلة ، ويردون على الأئمة استدلاتهم لا يزعمون بألسنتهم مساواتهم في العلم والفضل للأئمة الكبار ، وإنما يزعمون ذلك بالفعل ، فإذا ذكرتُ لكَ احتجاجَ الشافعي على مسألة معينة تسمع ردود من أنواع : «ليس في الحديث دلالة ... استدلال ضعيف ... يخالف القاعدة التي تقول ... ونحو ذلك » .
وصاحبنا هذا لا بد أن يعلم أن الفرق بين عينه الناظرة في الدليل وعين الشافعي وأحمد ومالك وأبي حنيفة والأوزاعي وغيرهم كالفرق بين عين مجردة وعين ميكروسكوبية .
فالمجتهد حينما ينظر في الدليل يتبدى له أضعاف أضعاف ما يتبدى لك من استنباطات وإيرادات على الاستنباطات وإيرادات على الإيرادات .
مثالٌ على ذلك : الحديث المشهور في صلاة الجماعة بهم النبي صلى الله عليه وسلم بتحريق المتخلفين عن الجماعة ، في كل جملة من جمل هذا الحديث استنباطات وإيرادات تأتي على ذهن المجتهد ، قد خطرت لك حين النظر في الدليل .
وأضرب مثالًا بقضية واحدة ، وهي قضية الهم ، هم النبي صلى الله عليه وسلم بفعل معين ، هل هو فعل أو قول أو قسم برأسه ؟ وهل هو حجة مطلقًا أو ليس بحجة ؟ وإذا كان حجة فهلْ ثَمَّ تفصيلٌ بين المَعْدُول عنْهُ والمُحَال دُونَهُ والخَارجِ مخرجَ الذَّمِّ ؟ وهل ثم تفصيلٌ بين المعدول عنه لمصلحة راجحة أو لمجيء وحي أو لصواب في خلافه ؟ وهل ثم تفصيلٌ بين المُحَال عنه بشرعيٍّ أو حسيٍّ ، وهل وهل ؟
كل هذا في كلمة واحدة في الحديث : «لقد هممتُ .... » ، فما بالك بما يرد على ذهنه في بقية كلمات الحديث ؟!!
ثم إذا أجبت عن هذه الأسئلة - ولا إخالك - فهل يَطَّردُ ذلك معك في بقية الفروع الفقهية من الطهارة إلى أمهات الأولاد أو ستخالف قاعدتك ؟!
نسأل الله أن يعلمنا ...
رجاء أخير : قبل أن تتعقب هذا المنشور – أخي الحبيب فضلًا – بقاعدة أصولية ، أو قاعدة فقهية ، أو قولٍ عن السلف الكرام عليهم الرضوان ، أو قولٍ لأحد أهل العلم ، برجاء تحقيق فهمه عند أهل العلم ، ولا يكون شقشقة تُرَدَّد !
والسلام ...
____________________________
*«أصول الشاشي» (ص280) ، «أصول الجصاص»( ج3/ص183) ، «كشف الأسرار عن أصول البزدوي» (ج3/ص97) .
لا ينبغِي لأحدٍ أن يَسُبَّ الريح؛ فإنها خلقٌ لله عز وجل مُطِيعٌ، وجندٌ من أجنادِهِ، يجعلها رحمة ونقمة إذا شاء.
الإمام الشافعي رضي الله عنه.
الإمام الشافعي رضي الله عنه.
حرفان في «مختصر البويطيّ»
وقع في «مختصر البويطيِّ» (ص267): «ولا بأسَ بالمشي إلى الفُرَج في الصلاة أمامك، ومن لم يجد مدخلًا في الصف فليقف حيث شاء ويجبذ إليه رجلًا».
كذا وقع في طبعة دار المنهاج: «ويجبذُ إليه رجلًا»، وليس ثَمَّ سقطٌ من المطبوع، فهو كذلك في نسختي أحمد الثالث (ل11) ومراد ملا (ل33)، وقد استشكلتُه، وقلتُ: «كأنَّ الصوابَ: [ولا] يجبذُ إليه رجلًا»؛ إذ هو خلافُ المَحْكِيِّ عن نقل «مختصر البويطيّ» في تصانيف العراقيين والخراسانيين ومن بعدهم.
فمن الذين حكوا نقل «البويطي» على غير هذا الوجهِ: المتوليُّ رحمه الله، فقد نَسَبَ القولَ بأنه «لا يَجْذِبُ إليه رَجُلًا» لمختصر البويطيِّ، فقال في «التتمَّة» (2/ل110/أحمد الثالث): «لو لم يجد المأمومُ في الصف فرجةً، فمِنْ أصحابنا مَنْ قالَ: يجذبُ من الصفِّ واحدًا إلى نفسه، ويستحبُّ لذلك الرجل أن يتأخرَ مساعدة له»، ثم قال: «وحكى البويطي عن الشافعيِّ أنه قال: يقف حيث شاءَ ولا يجذب أحدًا».
ويوافقه نصُّ العبدريّ رحمه الله في «مختصر الكفاية» (1/ل145/ييل)، وهو شديد التوثق في منقولِهِ، فقال: «فأما إذا لم يجد في الصفِّ مدخلًا وقف حيث شاءَ، ولا يجبذ رجلًا، نصّ الشافعيُّ على ذلك في مختصر البويطيّ».
وهو ما يدل عليه حكاية القاضي أبي الطيب رحمه الله كذلك، فقد ذكر المسألة، وصحَّحَ عدمَ الجذب، ونسبه لنصّ الشافعيّ في «البويطيّ»، فقال $ في «التعليقة» (2/ل67/أحمد الثالث): «قال في (مختصر البويطي): (إذا لم يكن في الصف فُرجة، ولا له موضعٌ يقف فيه، فإنه يقف حيث شاء)، وقال أبو بكر ابن المنذر: ومن الناس من قال: يجذب رجلًا من الصفِّ ويقفان ويصليان، وحكى هذا الشيخ أبو حامد عن مذهبنا، وليس بشيء»، فجعل القول بالجذب مقابلًا لمنقول البويطي رحمه الله.
ونحوه عند الرويانـي رحمه الله، مع كونه ناقلًا عن القاضي أبي الطيب الطبري، حيث قال في «بحر المذهب» (273/2): «لو دخل المسجد، ولم يجد في الصف فُرجة، يُصَلِّي خلف الصف وحده، وذكر أبو حامد أنه يستحب له أن يجذب رجلًا من القوم ليقف معه خلف الصف، فإن لم يفعل هذا كُرِه وأجزأه، وبه قال جماعة من أصحابنا، وقالوا: (لا نصّ فيه)، وذكر القاضي الطبري أن الشافعي رحمه الله نصّ في (البويطيّ) أنه يقف وحده، ولا يجذب رجلًا، وهو أصحُّ».
وكذلك فعل العمرانـي في «البيان» (433/2) حكى القولَ بالجذب عن الشيخ أبي حامد والمحاملي وسليم، ومقابله عن نص «البويطي».
وكذلك صنعَ الرافعي رحمه الله في «الشرح الكبير» (175/2)، فنَسَبَ القولَ بالجذب إلى أكثر الأصحاب، وحكى مقابله منسوبًا للبويطي.
ويوافقه صنيعُ النوويِّ رحمه الله في «المجموع» (297/4) حيث قال: «إذا وجدَ الداخلُ في الصف فرجة أو سعة دَخَلَها، وله أن يخرقَ الصفَّ المتأخرَ إذا لم يكن فيه فرجة، وكانت في صف قُدَّامَهُ لتقصيرهم بتركها، فإن لم يجد فُرجة ولا سَعَةً ففيه خلاف حكوه وجهين، والصواب أنه قولان، أحدهما: يقف منفردًا، ولا يجذب أحدًا، نصّ عليه في (البويطيّ)؛ لئلا يَحْرِمَ غيرَه فضيلةَ الصفِّ السابقِ، وهذا اختيار القاضي أبي الطيب، والثاني - وهو الصحيح ونقله الشيخ أبو حامد وغيره عن نص الشافعي وقطع به جمهور أصحابنا - أنه يستحب أن يجبذ إلى نفسه واحدًا من الصف».
ويُوافقه حكاية ابنِ الرفعة رحمه الله، فقد قال في «المطلب» (4/ل22/دار الكتب): «فإن لم يجد فرجة ولا سَعَةً في الصف فماذا يفعل؟ فيه قولان، أحدهما رواه البويطي: أنه يقف منفردًا، ولا يجذب إليه أحدًا؛ لأنه لو جذب واحدًا لفوت عليه فضيلة الصف الأول، ولوقع الخلل فيه، واختاره القاضيان الطبري والروياني وابن الصباغ، ورواه العمراني عن مالك، وأصحهما، وهو المذكور في الكتاب، ونسبه البندنيجي إلى الأصحاب، وقال: (المنصوصُ الأولُ)، أنه يجذب إلى نفسه واحدًا».
أما ابن الصباغ في «الشامل» (1/ل42/الأزهرية) فقد خَفِيَ عليه نصُّ البويطي فقال: «ذكر الشيخ أبو حامد في (التعليق) أنه يجذب رجلًا يصلي معه، فإن لم يفعل كُرِهَ له أن يصلي وحده، قال: وليس فيه نص، والمذهب هذا».
ويبعد أن يتفق جميع هؤلاء على سقط في نسخهم من «مختصر البويطي»، على أني لم أقف إلى الساعة عمن حكى عن البويطي القول بالجذب، فالظاهر والعلم عند الله أن صواب العبارة عند البويطي: «ولا يجبذ إليه رجلا».
وقع في «مختصر البويطيِّ» (ص267): «ولا بأسَ بالمشي إلى الفُرَج في الصلاة أمامك، ومن لم يجد مدخلًا في الصف فليقف حيث شاء ويجبذ إليه رجلًا».
كذا وقع في طبعة دار المنهاج: «ويجبذُ إليه رجلًا»، وليس ثَمَّ سقطٌ من المطبوع، فهو كذلك في نسختي أحمد الثالث (ل11) ومراد ملا (ل33)، وقد استشكلتُه، وقلتُ: «كأنَّ الصوابَ: [ولا] يجبذُ إليه رجلًا»؛ إذ هو خلافُ المَحْكِيِّ عن نقل «مختصر البويطيّ» في تصانيف العراقيين والخراسانيين ومن بعدهم.
فمن الذين حكوا نقل «البويطي» على غير هذا الوجهِ: المتوليُّ رحمه الله، فقد نَسَبَ القولَ بأنه «لا يَجْذِبُ إليه رَجُلًا» لمختصر البويطيِّ، فقال في «التتمَّة» (2/ل110/أحمد الثالث): «لو لم يجد المأمومُ في الصف فرجةً، فمِنْ أصحابنا مَنْ قالَ: يجذبُ من الصفِّ واحدًا إلى نفسه، ويستحبُّ لذلك الرجل أن يتأخرَ مساعدة له»، ثم قال: «وحكى البويطي عن الشافعيِّ أنه قال: يقف حيث شاءَ ولا يجذب أحدًا».
ويوافقه نصُّ العبدريّ رحمه الله في «مختصر الكفاية» (1/ل145/ييل)، وهو شديد التوثق في منقولِهِ، فقال: «فأما إذا لم يجد في الصفِّ مدخلًا وقف حيث شاءَ، ولا يجبذ رجلًا، نصّ الشافعيُّ على ذلك في مختصر البويطيّ».
وهو ما يدل عليه حكاية القاضي أبي الطيب رحمه الله كذلك، فقد ذكر المسألة، وصحَّحَ عدمَ الجذب، ونسبه لنصّ الشافعيّ في «البويطيّ»، فقال $ في «التعليقة» (2/ل67/أحمد الثالث): «قال في (مختصر البويطي): (إذا لم يكن في الصف فُرجة، ولا له موضعٌ يقف فيه، فإنه يقف حيث شاء)، وقال أبو بكر ابن المنذر: ومن الناس من قال: يجذب رجلًا من الصفِّ ويقفان ويصليان، وحكى هذا الشيخ أبو حامد عن مذهبنا، وليس بشيء»، فجعل القول بالجذب مقابلًا لمنقول البويطي رحمه الله.
ونحوه عند الرويانـي رحمه الله، مع كونه ناقلًا عن القاضي أبي الطيب الطبري، حيث قال في «بحر المذهب» (273/2): «لو دخل المسجد، ولم يجد في الصف فُرجة، يُصَلِّي خلف الصف وحده، وذكر أبو حامد أنه يستحب له أن يجذب رجلًا من القوم ليقف معه خلف الصف، فإن لم يفعل هذا كُرِه وأجزأه، وبه قال جماعة من أصحابنا، وقالوا: (لا نصّ فيه)، وذكر القاضي الطبري أن الشافعي رحمه الله نصّ في (البويطيّ) أنه يقف وحده، ولا يجذب رجلًا، وهو أصحُّ».
وكذلك فعل العمرانـي في «البيان» (433/2) حكى القولَ بالجذب عن الشيخ أبي حامد والمحاملي وسليم، ومقابله عن نص «البويطي».
وكذلك صنعَ الرافعي رحمه الله في «الشرح الكبير» (175/2)، فنَسَبَ القولَ بالجذب إلى أكثر الأصحاب، وحكى مقابله منسوبًا للبويطي.
ويوافقه صنيعُ النوويِّ رحمه الله في «المجموع» (297/4) حيث قال: «إذا وجدَ الداخلُ في الصف فرجة أو سعة دَخَلَها، وله أن يخرقَ الصفَّ المتأخرَ إذا لم يكن فيه فرجة، وكانت في صف قُدَّامَهُ لتقصيرهم بتركها، فإن لم يجد فُرجة ولا سَعَةً ففيه خلاف حكوه وجهين، والصواب أنه قولان، أحدهما: يقف منفردًا، ولا يجذب أحدًا، نصّ عليه في (البويطيّ)؛ لئلا يَحْرِمَ غيرَه فضيلةَ الصفِّ السابقِ، وهذا اختيار القاضي أبي الطيب، والثاني - وهو الصحيح ونقله الشيخ أبو حامد وغيره عن نص الشافعي وقطع به جمهور أصحابنا - أنه يستحب أن يجبذ إلى نفسه واحدًا من الصف».
ويُوافقه حكاية ابنِ الرفعة رحمه الله، فقد قال في «المطلب» (4/ل22/دار الكتب): «فإن لم يجد فرجة ولا سَعَةً في الصف فماذا يفعل؟ فيه قولان، أحدهما رواه البويطي: أنه يقف منفردًا، ولا يجذب إليه أحدًا؛ لأنه لو جذب واحدًا لفوت عليه فضيلة الصف الأول، ولوقع الخلل فيه، واختاره القاضيان الطبري والروياني وابن الصباغ، ورواه العمراني عن مالك، وأصحهما، وهو المذكور في الكتاب، ونسبه البندنيجي إلى الأصحاب، وقال: (المنصوصُ الأولُ)، أنه يجذب إلى نفسه واحدًا».
أما ابن الصباغ في «الشامل» (1/ل42/الأزهرية) فقد خَفِيَ عليه نصُّ البويطي فقال: «ذكر الشيخ أبو حامد في (التعليق) أنه يجذب رجلًا يصلي معه، فإن لم يفعل كُرِهَ له أن يصلي وحده، قال: وليس فيه نص، والمذهب هذا».
ويبعد أن يتفق جميع هؤلاء على سقط في نسخهم من «مختصر البويطي»، على أني لم أقف إلى الساعة عمن حكى عن البويطي القول بالجذب، فالظاهر والعلم عند الله أن صواب العبارة عند البويطي: «ولا يجبذ إليه رجلا».