( بوح )
11.1K subscribers
1.17K photos
209 videos
4 files
708 links
في رحاب الأفكار والمفاهيم ندق جرس الذكرى ونصنع مباهج التغيير .
Download Telegram
في مثل هذا الزمان الذي تتغيّر فيه القناعات، وتتبدل فيه الآراء، وتنقلب فيه المواقف، وتتبعثر فيه المفاهيم يدهشك أولئك الثابتون على الطريق كما هم تماماً منذ شرقت شمس الهداية على قلوبهم وما زادتهم الأيام إلا شغفاً بمشاريعهم وتركيزاً على ثغورهم وعطاء ووهجاً لدينهم ويطول زمان الفتن في واقعهم ويطول في المقابل زمان الفأل والأمل في قلوبهم ومشاعرهم وبمثل هؤلاء تزدان الحياة في قلوب العالمين.
لا أعلم متعة في حياتي كلها أعظم ولا أدهش على قلبي ومشاعري بعد الهداية من علاقتي بكتاب الله تعالى (حفظاً وتفسيراً وتدبراً) ولو حدثتك ما بقي من عمري عن لحظات الورد الذي لا أنظر فيه للمصحف، والأوقات التي أقضيها في مساحات التفسير والتدبر لما أوصلت إليك بعضاً من الأفراح التي تزدلف في قلبي ومشاعري، والمشهد ياصديقي فوق ما أصف ومثله تتقاصر الحروف والكلمات عن نقله وعرضه وتصويره كما هو، وفرق بين موقف تعرض فيه حالاً، وتجربة تحس وتذاق في كل لحظة من عمر إنسان.
مات ابن كثير رحمه الله تعالى في شعبان سنة (٧٧٤) وكان عمره (٧٣) عاماً قال رحمه الله تعالى وهو يؤلف كتابه (جامع المسانيد) لا زلت في الليل والسراج ينونص حتى ذهب بصري معه. وكان رحمه الله قد ذهب بصره قبل وفاته بسنوات وأبقى الله تعالى بصيرته وأحيا الله تعالى به أمماً من العالمين، وهذه القصاصة وهو في الطريق إلى أعظم المشاريع التي كتبها للأمة في زمانه.
قابلته هذا المساء في غاية سروره، قلت له ما هذا السرور على وجهك؟ فقال لي : بدأت ختمتي الأسبوعية وكنت أعاني من تفلت الورد اليومي وأجزاء من القرآن ثم ما زلت مستمراً حتى فتح الله تعالى علىّ حتى أني أعود لختمتي في الأسبوع الآخر وكأنني قرأتها كلها مجتمعة البارحة، هذا أفراحي ياصديقي التي تبدت لك حينما رأيتني، وصدق من قال يوماً أن الورد المستمر وكثرة المراجعة مفضية بصاحبها للأفراح!
كل الذين يتوفون في زمانك يهرع الناس بعد وقاتهم إلى تاريخهم وسجلاتهم وإنتاجهم ومشاريعهم إن وجدوا شيئاً وأعادوا بها ذكرياته في العالمين، وكم من مخبوء أُخرج في مشاهد تلك الوفاة، ومن فقهك وكمال عقلك أن تترك وراءك ما يحيي ذكرك ويمد في أثرك ويصنع لك أماني ذلك الكبير (واجعل لي لسان صدق في الآخرين)
قال لي : سأقول لك سراً ما بحت به لأحد من قبلك: كنت أعاني من فوضى وضياع أوقات وعدم تركيز، وهدر في مالي، وبيتي ليس كما أريد حتى أقبلت على الصلاة ويممت وجهي إلى الله تعالى فرتبت صلاتي انضباطاً وتبكيراً وخشوعاً فأجرى الله تعالى علىّ الخيرات وأغاثني بالطمأنينة وبارك لي في وقتي ومالي وبيتي وأبشرك في قلبي من الأفراح، وفي حياتي من التوفيق ما لا عهد لي به من زمان طويل، وما كنت أدري أن الصلاة تصنع كل هذا حتى جربت بنفسي فوجدت في النهاية كل شيء.
كم مرة حركك الأذان للصلاة؟ وكم مرة كنت من أوائل الداخلين إلى بيوت الله تعالى ؟ وهل تذكر صلاة وقفت فيها وشعرت أنك تقف بين يدي الله وأنت في كامل طمأنينتك وخشوعك؟وما ذا بقي في ذاكرتك من لحظة تشعر أنك خرجت من المسجد وأنت مشبع بأثر الصلاة في قلبك وروحك ومشاعرك ؟ وهل مر بك في صلاة من صلواتك أنك شعرت بلذة المناجاة بينك وبين ربك أثناء قراءتك للفاتحة؟ قل لنا متى آخر مرة عشت هذه المشاهد المدهشة في حياتك؟ فإن لم يكن من ذلك شيء فهذا أوان البدايات.
العودة بمشاعرك للأخطاء التي وقعت منك، واسترجاع تلك العثرات في ذاكرتك واحد من أخطر السجون التي تواجهك في حياتك على الإطلاق، سجن يجعلك منغلق على ذلك الظلام بين الجدران الأربعة حتى لا تكاد ترى سواه ويبقى تفكيرك منحصر في الأحداث التي وقعت، ولماذا وقعت؟ حتى أنك لا تكاد ترى ثقباً من نور ولا نافذة تطل بك على نجاحاتك التي هي الأصل وتلك الأخطاء من عوارض الطريق، ولو أنك جاوزتها بقليل لخضت بقلبك ومشاعرك زماناً من الدهر في مباهج الربيع.
ما مشروع التركيز لديك خلال الفترة القادمة من عمرك ؟ وما أهم ثلاث أولويات تديرها كل يوم مع مشروع التركيز ؟
(إذا استطعت أن تجيب على هذين السؤالين بوضوح واستعنت بالله تعالى وسألته ملحاً في كل وقت وقدمت بين يدي نجواك صدقات وقربات صالحة فسيدهشك تعالى بالنهايات.
كان نشيطاً في الدعوة ، ويدير مشروعاً، وباذلاً من وقته وماله ثم غاب عني فالتقينا على غير ميعاد ودار بيني وبينه حديث طويل عرض فيه بعضاً من الظروف التي واجهته والمشكلات التي يعاني منها ثم أدهشني حين قال : ولكن ما زال وردي ثلاثة أجزاء كل يوم وأختم في عشرة أيام عن ظهر قلب، وقريباً سأعود لحياض المشاريع من جديد، وأدركت حينها أن صاحب القرآن لا يضيعه الله ولو طال زمان القعود.
قابلني في الحرم في المسعى وسألني عن السعي فلما أجبته استثمرت الموقف فدعوت الله تعالى له طويلاً وقلت له أتظن أنك قدمت من بلادك وتكبدت سفرك الطويل وتركت أهلك تريد ما عند الله تعالى ولن يكرمك ؟ والله لئن أحسنت الظن به وسألته ملحاً ليدهشنّك بما لم يكن لك على بال، فغمرته الأفراح، وثارت مشاعر البهجة في نفسه، ودعا لي، وتركته مدهوشاً باللحظة التي عرضت له، فيارفاق استثمروا اللحظات العارضة، وهبوا للآخرين من قلوبكم ومشاعركم، وافتحوا لهم أبواباً على الربيع، ودعوهم يعيشون مبتهجين بالحياة.
جزء من مشكلاتنا أنه حتى خيارتنا الشخصية وقراراتنا الخاصة المؤثرة في حياتنا بقوة نُشارك الآخرين في صناعتها ولا علاقة لهم بها في شيء (الزواج ، وشراء السيارة، وبناء البيت أنموذجاً) ولا أعني الاستشارة الشرعية وإنما أعني المواصفات غير المؤثرة في تلك القرارات والمُكْلفة في ذات الوقت على صاحب القرار)
جرّب شهراً واحداً أن تنتظم في صلاتك وتخشع فيها،وتحافظ على أورادك العبادية (من أذكار وتلاوة ونوافل صلوات وصيام وصدقات وصلة رحم) وتضبط جوارحك من أن تخوض في حرمات الله تعالى، وليأتين علىك زمان تذوق فيه مباهج الطمأنينة في قلبك وسكينة جوارحك، وحلاوة الإيمان في مشاعرك.
ياصديقي:
ما تعيشه من صخب واقعك، وفوضى زمانك، وعبث وسائل التواصل في جوارحك سيدمي قلبك ومشاعرك مالم تلاحقه بمباهج الطاعات فدونك الحياة.
بيتك الجميل الذي تسكنه،وسيارتك الفارهة التي تركبها،وشهادتك العلمية التي تحملها، ووظيفتك ومكانتك الاجتماعية التي تتبوأها لاتستطيع مجتمعة أن تسعد قلبك وتبهج مشاعرك وتلبسك حلل الجمال التي تبحث عنها وإن صنعت لحظات عارضة من ذلك إلا أنها لاتملك أن تبسط لك مشاهد الربيع في قلبك ومشاعرك زماناً من الدهر فيمم وجهك لله، واصلح ما بينك وبينه وسترى ما لا عهد لك به من مشاهد الجمال والدهشة في حياتك على الإطلاق.
الذين يشعرون بك ويتناغمون معك ويشتاقون إليك هم أولئك الذين وجدوا فيك بعضاً من قلوبهم وشيئاً من أرواحهم ومشاعرهم،ولولا ذلك لما بقوا أسرى لذكرياتك يوماً من الزمان.
ياصديقي:
حين تجد من يشاكلك في فكرة، ويشاطرك في هم، ويقاسمك في قضية يصبح جزءاً منك وتجري أحداثه في شعاب قلبك وتعيش منتظراً لطارق الباب من تلك الذكريات ما بقيت بك الحياة.
حين أقدم صلى الله عليه وسلم على قرار الهجرة يمم وجهه بعد الله تعالى إلى صديق الروح أبي بكر رضي الله عنه فترافقا في الطريق، وما أكثر ما كان يستعين على ظروف الحياة ونجاح مشروعه بصاحبيه فيقول (خرجت أنا وأبو بكر وعمر، وفعلت أنا وأبو بكر وعمر، وانطلقت أنا وأبو بكر وعمر)، وحين أراد أن يقيم حظاً لدين الله في المدينة آخي بين المهاجرين والأنصار.
فخذوا يارفاق الطريق معكم من يشبهكم في الأماني، ويشاكلكم في الهموم، ويقاسمكم الظروف وتعاونوا على طول الطريق بأنفاس المحبين.
كنت مسافراً وجرّبت كيف نقتاد أنفسنا للفقر ونضيع ما نملك من أموال باسم الترفيه على النفس، تغديت في مطعم، ودفعت (٢٥٠) ريالاً، وتعشيت في آخر ودفعت قريباً من (٢٠٠) ريالاً، وفطرت في ثالث وقاربت ال (١٠٠)، وشربت قهوة في مكان رابع ب (٤٠) ريالاً وكان يمكن أن تكون هذه الوجبات كلها مجتمعة لا تجاوز ثمن واجبة واحدة فقط، والفارق بين هذه المطاعم باهظة الثمن والأخرى ليس في قيمة الطعام ونوعه بقدر ما هي في ديكور المكان وشكله وأناقته وكانوا أذكياء جداً حين أخذوا تكلفة الصور من جيبي وأعطوني ذات الطعام، وخسرت جداً حين خضت الأوهام باسم الترفيه على نفوسنا وذواتنا.
دفع تكالفينا اليومية وما نحتاجه من مشتريات من خلال الجوال رغم كل ما قدمه لنا من تسهيلات وخفف علينا من أعباء إلا أنه في المقابل هوّن علينا ضياع أموالنا، وسهّل علينا العبث بها وأفقدنا قيمتها الكبرى وأبقانا في مرات كثيرة أسرى للظروف والمشكلات والأزمات، وفرق بين من يملك ميزانية شهرية يضبط فيها نفسه ويصرف من خلال بطاقة خاصة، وبين من لا يملك ميزانية ويصرف مباشرة من بطاقة راتبه الأساسية.
لست مع الذين يرون المال كل شيء ويكنزونه رغم حاجتهم إليه ويشحون على أنفسهم به، ولا مع الذين يعبثون به ويصبحون مع الزمان عالة على الآخرين، ومنهج الوحي (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً) وقلت مرة لزميل في صورة مزاح وأنا جاد فيما أقول (المال جالب لراحتك وخشوعك في صلاتك) ولن تدرك هذا المعنى حتى ترى أثر الديون على أصحابها وما خلفته من شتات وهموم وأمراض، ودور التوازن على أهله وكيف يعيشون ومشاعرهم خالية من رهق الظروف والأزمات.
ثمة فارق ضخم جداً بين ثمن ما تشتريه من الصيدليات (من الصابون والشامبو والمعجون) وثمنها من الأسواق العادية فسألت طبيباً متخصصاً عن ذلك الفارق وهل يعتبر ما في تلك الصيدليات أفضل صحياً ؟ فقال لي : لافرق، وتلك الزيادة التي تأخذها تلك الأمكنة مقابل ديكورها الجديد ولا علاقة لها بالصحة في شيء.