رأيت الشيخ بن عثيمين رحمه الله تعالى في جامعه بعنيزه لايسمح لبشر أن يقاطعه مطلقاً وهو يردد أوراده بعد السلام من الصلاة، ويرفع صوته بها وما يزال على تلك الحال حتى يفرغ منها، وجرّبت زماناً من عمري لا أقوم من مكاني حتى آتي بأذكار الصباح والمساء، وإذا تساهلت وقمت عنها لأي عارض كانت عرضة للنسيان أو النقص أو خلل بقية الأوقات، ومن فقهك أن تتدرّب ألا تقوم من مقعد صلاتك حتى تفرغ منها.
واحدة من مشكلاتنا أننا في غمرة الحياة وطول الزمان وكثرة المتغيرات ننسى أولئك الذين وقفوا معنا يوماً من الزمان، ودفعوا لنا مشاعرهم، وبذلوا لنا من أوقاتهم، وشاركونا أفراحنا، أو وقفوا معنا في حوادث الزمان، ومن حق هؤلاء علينا أن نشركهم في دعائنا، ونصنع لهم وفاء مقابلاً، ونتشبّث بهم ما بقي الزمان، وما الحياة لولا هؤلاء ؟! وفي مثل هؤلاء قال الأول:
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة
يواسيك أو يسليك أو يتوجع .
ولا بد من شكوى إلى ذي مروءة
يواسيك أو يسليك أو يتوجع .
من فضل الله تعالى علىّ ونعمته وكرمه ومنّه أنني لا أعلم أحداً من الناس أسدى إلىّ معروفاً ولو كان بسيطاً ثم مات إلا وهو شريكي في دعائي من ليلة وفاته لا أتخلّف عن الدعاء له في وتر ، أو ساعة جمعة، أو على الصفا في وقت عمرة، ولبعضهم سنوات، وهذا قليل للذين طوُقوا أعناقنا بجميلهم يوماً من الزمان!
هل تخيلت لحظة وقوفك أمام إشارة مرور طويلة الانتظار وأوشك المكان الذي تريد أن تصل إليه على الإقفال ؟! هي ذات اللحظة التي ينبغي أن نتعامل بها مع الدنيا، وذات الموقف الذي ينبغي أن يصحبنا ونحن ندير مشاريعنا الشخصية، وإذا كانت التسبيحة تغرس لك نخلة في الجنة فالمشاريع الكبرى تصنع لك الحياة.
عبّر صلى الله عليه وسلم للتعامل مع الدنيا تعبيراً دقيقاً حين قال لابن عمر (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) وفقه ابن عمر رضي الله عنه هذا المعنى فقال (إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح) وحياتك في الدنيا كالعامل الذي تعاقدت معه لينجز لك عملاً وهو يجهد يومه كله وأنت تلاحقه في كل مرة : أنجز، تأخرت، متى تنتهي؟ ولن تفقه ما يقال لك حتى ترى موازين الحساب وتنتظر رجحان إحدى الكفتين.
كلما رأيتُ شيخاً كبيراً قعد به الزمن في آخر عمره..
أدركتُ كم هي حاجتنا لاستثمار أيام الشباب.
[ بوح المشاعر، ص٩٩، @Malfala7i ]
أدركتُ كم هي حاجتنا لاستثمار أيام الشباب.
[ بوح المشاعر، ص٩٩، @Malfala7i ]
إن صاحب القرآن تلاوة وحفظا وتدبرا واستشفاء من أكثر الناس عافية وألذهم عيشا وأعظمهم أنسا وألطفهم نفسا وأقواهم معرفة ووعيا وأقربهم للحياة، ولا أعرف شيئا يداني هذا المعنى أو يقاربه البتة، وفرق بين ما يقال، وبين ما يجري تجربة وواقعا وتطبيقا.
[ القرآن وصناعة الدهشة، ص٢٣، @Malfala7i ]
[ القرآن وصناعة الدهشة، ص٢٣، @Malfala7i ]
﴿يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة﴾
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر ولا تدعوهم هملاً فتأكلهم النار يوم القيامة.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى :
مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر ولا تدعوهم هملاً فتأكلهم النار يوم القيامة.
مدهشة تلك الأسر التي لا يكاد يغيب أبناؤها عن المساجد في كل صلاة ولا فرق عند تلك الأسر بين أيام الدوام والإجازات، وإذا أدركنا الغاية التي خلقنا لأجلها والآخرة التي سنقف فيها بين يدي الله تعالى تجلّت هذه الحقيقة في مثل هذه الصور، ووا أسفاه على أسر أشبه ما تكون بالجثث الموتى تنام وتستيقظ، وأعظم أركان الإسلام في آخر سلّم الأولويات والاهتمامات.
ثمة أشخاص تخالطهم فتتعلّم منهم عظمة الصلاة في نفوسهم ووضوح رؤيتهم ونضالهم على أولوياتهم فإذا أذن المؤذن أوقف اجتماعه بك، وقطع كل صلاته بالعوارض لأجلها، وأقبل على أدهش قضية في الدنيا كلها، وأناس تعود مريضاً من لقائك بهم لما ترى من التهاون فيها والتأخر في وقتها والتساهل في جماعتها،ومن هاتت عليه صلاته فلا مفروح به في شيء.
كلما رأيت ضياعاً في البيوت وتهاوناً في تعظيم شعائر الله تعالى وفوضى في الأولويات وضياعاً لأعظم القيم والأهداف تذكرت وصيته صلى الله عليه وسلم للأزواج (فاظفر بذات الدين تربت يداك) !
إذا أردت أن تعرف الفرق فانظر لبيتين : الأول يجل أبناؤه الصلاة،ومتفوقون في حلق التحفيظ، ومنظرهم مدهش نظافة وخلقاً وانتظاماً في مدارسهم، وبيوت متخلفة عن المساجد، ولا علاقة لها بحلق التحفيظ، ومناظر الأبناء في المدارس تقتل فيك كل صور الجمال.
إذا أردت أن تعرف الفرق فانظر لبيتين : الأول يجل أبناؤه الصلاة،ومتفوقون في حلق التحفيظ، ومنظرهم مدهش نظافة وخلقاً وانتظاماً في مدارسهم، وبيوت متخلفة عن المساجد، ولا علاقة لها بحلق التحفيظ، ومناظر الأبناء في المدارس تقتل فيك كل صور الجمال.
تقدم لوظيفة فطلبوا منه سيرته الذاتية فكتب فيها كل شيء ، ونسي أن يكتب (ما زلت متخلفاً عن صلاة الجماعة من سنوات، ولم أنتظم فيها بعد)
فإن نجح من خلال تلك السيرة فسيكون السطر الذي نسيه هو الذي سيناقش فيه في أول لقاء له بين يدي ربه في عرصات القيامة، فليكن ذلك منه على بال.
فإن نجح من خلال تلك السيرة فسيكون السطر الذي نسيه هو الذي سيناقش فيه في أول لقاء له بين يدي ربه في عرصات القيامة، فليكن ذلك منه على بال.
كان يدعوني لجلسة الشاي في مساء كل أسبوع ويتعاهدتي في الأيام البيض برسالة عن القمر ولياليه ومباهجه وأنا أمنّيه أنني سأخرج معه قريباً وفاته أنني أطارد واحداً من أبهج مشاريعي وأبذل له خمسة عشر ساعة في كل يوم، وعثر علىّ هذا المساء في مناسبة اجتماعية واقتادني من الطريق إلى استراحته تاركاً ذلك المشروع وما بقي من أهدافه اليومية، وما تصنع بأصدقاء الروح في عرض الطريق!
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
هذه وجهة نظر صديقي للعاكفين على مشاريعهم!!
صديقي البارحة كثيراً ما قال لي ليلة واحدة توقف فيها أهدافك لا تؤثر على مشروعك،، وفطرت اليوم مع أحد العمال وكان يحاول جاهداً أن آكل كل ما جاء به وحين اعتذرت منه بلطف قال لي لك أن تتجاوز اليوم في وجبتك ثم تعود لنظامك،وزميلك يحاول بكل ما يملك أن يكسر عاداتك لتسافر معه للخارج مرة واحدة، وكل يحاول أن يغريك بالتمرد على عاداتك وقناعاتك، وفي المقابل تشتهي من يحرّضك على بناء عادة جديدة،أو التمسك بقيمة مؤثرة، أو التحلّق حول فكرة ملهمة فلا تكاد تجد من يغريك بالجمال.
تذكّر في كل مرة أن ابتساماتك الجميلة ومواقفك الإيجابية، وعطاءاتك الكثيرة لن تضيع يوماً من الدهر،ستظل بلسماً للجروح، وملهماً للأرواح، وضوءاً يدفع عنا ظلام الليل ومشكلات الدهر وملمات الزمان، وتطل بنا في ذات الوقت على مباهج الفجر ومشاهد الجمال ومفاتن الربيع،وستبقى ياصديقي ذكرى مدهشة ما بقيت بنا الأيام ، وعند الله لك أوفر الجزاء !
واشوقاه للذين يكفكفون دمعك ، ويمسحون جراحك، ويداون كدر الأيام من قلبك وروحك!
واشوقاه للذين يكفكفون دمعك ، ويمسحون جراحك، ويداون كدر الأيام من قلبك وروحك!
بنا شوق يارفاق للذين يحسنون العمل ويلازمون الثغور ويمسكون برايات المشاريع ويرفضون التخلي عنها مهما كانت ظروف الزمان، ويفعلون كل ذلك وقلوبهم مليئة بالفأل والأمل وأن صبح الأفراح قاب قوسين أو أدنى من واقع الحياة.
يارفاق الروح:
تذكروا أن ملازمتكم للثغور، وتحلّقكم حول المشاريع، ونضالكم من أجل الغايات الكبرى هو الذي يصنع لكم الذكريات الملهمة في الدارين، وما عدا ذلك فليس من أعماركم على الإطلاق.
يارفاق الروح:
تذكروا أن ملازمتكم للثغور، وتحلّقكم حول المشاريع، ونضالكم من أجل الغايات الكبرى هو الذي يصنع لكم الذكريات الملهمة في الدارين، وما عدا ذلك فليس من أعماركم على الإطلاق.
مدهش إلى أقصى مدى مشهد تلك المرأة التي رغم ظروفها والتزاماتها ما تزال متحلّقة حول مشروعها وفكرتها، وملازمة لثغرها، وتبذل كل يوم لدينها ومنهجها (من خلال تعليم كتاب الله تعالى، أو تربية وتأهيل أبنائها، أو البذل في محاضن العلم والتربية ، أو من خلال دورها الدعوي والاجتماعي) وقررت أن تكون وصلاً للحياة، وجزءاً من الربيع، وبعضاً من مشاهد الجمال، ومن حولها يتحدث عن المشكلات وهي تبني مشاهد للجمال والإبداع.
وا أسفاه على رجل فراغه أكثر من شغله، وهمومه لاتسقي من حوله شربة ماء، ومرابط على شهواته وملذاته، ويصبح ويمسي وليس لديه مشروع يحركه، ولا فكرة تأسره، ولا قضية يصنع من خلالها الفأل في واقعه، وثغور العمل تنتظره وما زال في ساحات الفراغ!
وا أسفاه على أرواح لا حظ لها في المشاريع، وعلى قلوب لا تشاركك هموم الجادين في ساحات الحياة.
وا أسفاه على أرواح لا حظ لها في المشاريع، وعلى قلوب لا تشاركك هموم الجادين في ساحات الحياة.
في مثل هذا الزمان الذي تتغيّر فيه القناعات، وتتبدل فيه الآراء، وتنقلب فيه المواقف، وتتبعثر فيه المفاهيم يدهشك أولئك الثابتون على الطريق كما هم تماماً منذ شرقت شمس الهداية على قلوبهم وما زادتهم الأيام إلا شغفاً بمشاريعهم وتركيزاً على ثغورهم وعطاء ووهجاً لدينهم ويطول زمان الفتن في واقعهم ويطول في المقابل زمان الفأل والأمل في قلوبهم ومشاعرهم وبمثل هؤلاء تزدان الحياة في قلوب العالمين.
لا أعلم متعة في حياتي كلها أعظم ولا أدهش على قلبي ومشاعري بعد الهداية من علاقتي بكتاب الله تعالى (حفظاً وتفسيراً وتدبراً) ولو حدثتك ما بقي من عمري عن لحظات الورد الذي لا أنظر فيه للمصحف، والأوقات التي أقضيها في مساحات التفسير والتدبر لما أوصلت إليك بعضاً من الأفراح التي تزدلف في قلبي ومشاعري، والمشهد ياصديقي فوق ما أصف ومثله تتقاصر الحروف والكلمات عن نقله وعرضه وتصويره كما هو، وفرق بين موقف تعرض فيه حالاً، وتجربة تحس وتذاق في كل لحظة من عمر إنسان.