‏ ‌‏ ‏سَوْرَة المَرُوح
5.48K subscribers
166 photos
74 videos
5 files
17 links
هنا العسل المُصفّى، يَنساغ في الأفهام، انسياغَ البُرْء في الأسقام.

عربيّة اللسان، وقلبُها أعرب منها.
Download Telegram
طلّق الوليد بن يزيد زوجتَه سُعدى، فلما تزوجت اشتدَّ عليه ذلك، وندِمَ على ما كان منه.
فدخلَ عليه أشعب، فقال له الوليد:
-هل لك أن تبلِّغَ سُعدى عني رسالة، ولك عندي خمسةُ آلاف درهم؟
قال: عجّلها.
فأمر له بها، فلمّا قبضَها قال:
هات رسالتَك.
قال: ائتِها وأنشدها:

«أَسُعدى هل إليكِ لنا سبيلٌ
ولا حتى القيامةِ من تلاقِ؟

بلى ولعلّ دهرًا أن يواتي
بموتٍ من خَليلِكِ أو فراقِ»

فأتاها أشعب، فاستأذن عليها، فأذنت له، فقالت: ما بدا لك في زيارتنا يا أشعب؟
فقال: أرسَلني إليك الوليد برسالة. وأنشدها الشعر.
فقالت لجواريها: عليكنّ بهذا الخبيث.
فلما هَممن به قال لها: لقد جعل لي الوليدُ خمسةَ آلاف درهم إن أنا فعلت.
فقالت له: والله لئن لم تَرجع إليه برسالتي هذه لأُعاقبنّك.
فقال أشعب: ياسيدتي اجعلي لي أجرا.
فقالت: لك بساطي هذا. فأخذه وقال: هاتِ رسالتك.
قالت: قل له:

«أَتبكي على سُعدى وأنت تركتَها؟
لقد ذَهبَت سُعدى فما أنت صانعُ؟»

فلما بلغت الرسالةُ الوليد، ضاق صدرُه واغتاظ غيظًا شديدا، وقال لأشعب:
اختر مني ثلاثا: إما أن نقتلَك، أو نطرحَك من هذا القصر، وإما أن نُلقيَك إلى هذه السباع.
فتحيّرَ أشعب وأطرق، ثم رفع رأسَه فقال:

«يا سيدي، ما كنت لِتُعذِّبَ عينَين نَظرتَا إلى سُعدى

فتبسّم الوليدُ وخلّى سبيلَه.

مَن يَجمَعُ الجسمَ والقلبَ اللّذَيْنِ إذا
يُقضىٰ لغيرِك بي؛ صارا شَتيتَينِ؟!

جَعلتُ ربيَ في يومٍ أُساءُ بهِ
يا قاضيًا لا تُفرِّقني علىٰ اثنينِ
«إذا أَنبضَ الرّامونَ عنها ترنَّمتْ
ترنُّمَ ثَكلىٰ أوجَعتها الجنائزُ»
لا أَثِق بالمَرءِ خَلِيَّ البال غيرَ آبهٍ وهو الذي خُلِقَ هَلوعا، ولا أصدِّقُه هانئًا سعيدًا وهو الذي حُمِلَ كُرهًا ووُضِعَ كُرها.
إنّك إن تثقْ؛ فبسليمِ فِطرة، وإن تُصدِّق؛ فمَن حاكت جِبْلَتُهُ في حالِه وحياته حتّى لكأنّك تراها في مِشيَتِه وجلستِه ووجهِه وصوتِه.
إنّك إن كنتَ مُصدِّقا فأَولىٰ بك الإنسانَ الأوّل؛ مَن علَّمَ نفسَهُ طبيعَتَها بنفسِه، وأَخذَا بمجامعِها يدُه وقلبُه، فلم يُعلِّمها تطبُّعٌ مَوروثٌ، ولم تأخذ بها أيدٍ وارثة.
وإنّ كُلًّا منا لَيولَدُ إنسانًا أوّلا، يَظلُّ كذلك ما وافقَ طبيعتَهُ ومالَ إليها، حتّى إذا ما مالَ عنها؛ صارَ إنسانًا ثانيا.
«وإنّي لَأرضىٰ من بُثينةَ بالذي
لوَ ابصَرَهُ الواشي لَقرَّتْ بلابلُهْ

بِلا، وبألّا أستطيعَ، وبالمُنى
وبالوعدِ حتىٰ يسأمَ الوعدَ آمِلُهْ

وبالنّظرةِ العَجلىٰ، وبالحَولِ تَنقضي
أواخِرُهُ لا نلتقي وأوائلُهْ»
كان الإمامُ أحمدُ بن حنبل مُتّكِئًا من عِلَّة، فذُكِرَ عندَه إبراهيمُ بن طهمان، فاستوى جالسًا وقال:
«لا ينبغي أن يُذكَرَ الصالحون فيُتَّكَأ.»
أورد بعض الرواة -منهم الأصفهاني في الأغاني-:

أن محمد بن الحجاج قال:
جاءنا بشّار بن بُرد يومًا، فقلنا له: مالك مُغتمّا؟
فقال: مات حِماري، فرأيتُه في النوم، فقلتُ له: ويلك! لماذا متَّ؟ ألم أكن أُحسِنُ إليك؟
فقال الحمار:

«سَيِّدي مِلْ بِعَناني
نَحوَ باب الأَصْبهاني

إنَّ بالبابِ أتانًا
فَضَلَتْ كُلَّ أتانِ

تيَّمتني يَومَ رُحْنا
بثناياها الحِسانِ

تيَّمتني بِبَنانٍ
وَبِدَلٍّ قد شجاني

وبِحُسنٍ ودلالٍ
سَلَّ جِسمي وبراني

ولها خَدٌّ أسيلٌ
مِثلُ خَدِّ الشَّيفرانِ

فبها مِتُّ ولو عِشـ
ـتُ إذن طال هواني»


فقال له أحدهم: ما الشَّيفران؟
قال: وما يُدريني؟ هذا من غريب الحمير، فإذا لقيت حمارًا فاسأله.

___
قلت: هذا شعرُ حمارِ بشّار، فكيف ببشار؟ ☺️
#أشباه_ونظائر في مدح السّنان وفضل اللسان:

لحسّان بن ثابت -رضي الله عنه-:

«لعَمْرُ أبيكِ الخيرِ يا شَعثُ ما نَبا
عليَّ لساني في الخُطوبِ ولا يَدي

لساني وسَيفي صارمانِ كلاهُما
ويبلُغُ ما لا يَبلُغُ السّيفُ مِذوَدي»

والمِذوَد: اللسان.

ولجرير:

«وليس لسَيفي في العِظامِ بقيَّةٌ
ولَلسّيف أشوىٰ وقعةً من لِسانيا»

وأشوى: أبقى.
Forwarded from ‏صومعة.
هناك صور وتعابير جافّة يعمدُ الناس لها لسرعة حضورها ولقلّة ما تتطلبه من كدٍ وتقليب في النفس، والأديب لا تكفيه من الغيث قطرة، إنّ حاله وقد أرّق المعنى روحه كمن بات يقطع الصحاري وحيدًا حتى إذا وجد بُغيته تفجّرت ينابيع ثرّة تُغدق الإنسانيّة شعرًا ونثرًا..
هم يتحسسون الوجود بروح طفل أرهقه قصور اللفظ عن التحليق بجناحي الخيال.

#لغة
لسان الدين بن الخطيب:

«العربُ لم تفتخر قطّ بذَهبٍ يُجمَع، ولا ذُخرٍ يُرفَع، ولا قصرٍ يُبنى، ولا غرسٍ يُجنى.
إنّما فخرُها عدوٌّ يُغلب، وثناءٌ يُجلب، وجُزُرٌ تُنحر، وحديثٌ يُذكر، وجُودٌ على الفاقة، وسماحةٌ بحسب الطاقة.»

- الحديقة/ ٦٤.
ذكر أبو الفتح؛ ابن جنيّ في كتابه (الفتح الوهبي على مشكلات المتنبي/١٨٢) أنّ أبا الطيب المتنبي قال له يومًا:

«أتظنُّ أنّ هذا الشعرَ إنّما أَعملُه لهٰؤلاء الممدوحين؟
هٰؤلاء يكفيهم منه اليسير، إنّما أعمَلُه لك لتَستحسنَه، -أي: لك ولأمثالك-.»


وأبو الفتح؛ المشهور بابن جني، عالمٌ نحويّ.
أراد المتنبي من قوله؛ أنه لا يقول الشعرَ إلا ليثيرَ إعجابَ النّحاة وعلماء اللغة من الناس.

وأشار إلى ذلك الوحيد الأزدي في تعليقاته على كتاب الفَسْر لابن جني (١٤٣/٢) في قوله:
«كان -أي المتنبي- يحبّ الإغرابَ لِيُعلمَ الناسَ أنّه لُغويّ.»

أو كما قال ابن رشيق في العمدة (٢٢٦/٢):

«كان يأتي بالمُستغرَب ليدُلَّ على معرفتِه.»
لله درها من شاعرة! قاتلها الله! والله ليبقين الشعر في العرب!


لعلَّ بذي الأيامِ يومًا رَجوتُهُ
لَأسنىٰ إلىٰ عَينِي من الدُّرِّ في النَّحْرِ

وقد أَدَّتِ الدنيا مُنايَ وقرَّبتْ
هَميسَك مِن سَمعي وصدرَك من صدري

فلا ضَمّني مِن قبلِ أَيدِيكَ غَيرُها
ولا ضمّني مِن بَعدِهنَّ سِوىٰ قبري

وليس بحسبي منه عُمْرٌ مُخلَّدٌ
وحسبي بهذا اليوم مِن خالدِ العُمْرِ
يقول ابن عبد البر:
«ما زالت العربُ تمدحُ البيانَ والفصاحةَ في أشعارها وأخبارها، فمن ذلك قول حسان بن ثابت في ابن عباس -رضي اللهُ عن جمعهم-:

«إذا ما ابنُ عبّاسٍ بدا لك وجهُهُ
رأيتَ له في كلِّ أحوالِهِ فَضْلا

إذا قال لم يَترُك مقالًا لقائلٍ
بمُلتَقطاتٍ لا تَرىٰ بينَها فَصْلا

كفىٰ وشَفىٰ ما في النّفوسِ فلم يَدَعْ
لِذي إربَةٍ في القولِ جِدًّا ولا هَزْلا»
المتنبي:

«إذا غَدَرَت حَسناءُ وفّتْ بعَهدها
فمِن عَهدِها ألّا يَدومَ لها عَهدُ

وإنْ عَشِقَت كانت أشَدَّ صَبابَةً
وإن فَرِكت فاذهب فما فِرْكها قَصدُ

وإن حقَدَت لم يَبقَ في قَلبِها رِضًى
وإن رَضِيَت لم يَبقَ في قَلبِها حِقدُ

كذٰلك أخلاقُ النّساءِ وربّما
يَضِلُّ بها الهادي ويخفىٰ بها الرُّشدُ»
كم مِن حَديثٍ طالما ذَيَّلتُهُ
بالمَزْحِ إلا أنني أَعنِيهِ!
يُروىٰ عن إمامنا الشافعي أنه قال:
«سِيروا إلى الله عُرْجًا ومكاسيرَ، فإن انتظارَ الصحةِ بطالة.»

وفي معناه..
ما أخرجه أبو نعيم في الحلية: (٣٣٥/٢):

عن حجّاج الأحول قال: سمعتُ قتادة يقول:

«يا ابن آدم؛ إن كنتَ لا تريد أن تأتيَ الخيرَ إلا عن نشاط، فإن نفسَك مائلةٌ إلى السآمةِ وإلى الفَتْرَةِ وإلى المَلَّة، ولكنّ المؤمنَ هو المتحامِل، والمؤمن هو المتقوِّي، والمؤمن هو المُتشدِّد، وإنّ المؤمنين هم العجّاجون إلى الله الليلَ والنهار، واللهِ ما يزالُ المؤمنون يقولون ربَّنا ربَّنا في السرِّ والعلانيةِ حتى يُستجاب لهم‏.‏»
إلىٰ اللهِ أشكو قَسْوَ حِبٍّ يَصُدُّني
علىٰ أنّهُ في غيرِ صدِّيَ ليِّنُ

تَزهَّدَ في قلبي فهانَ فَواتُهُ
وفَوتُ الذي يَجري بهِ الزُّهدُ هيِّنُ
Forwarded from مداك العروس (خالد الحمدان)
الأصمعي: قلت لأعرابي: حدِّثني عن ليلتك مع فلانة. قال: نعم، خلوتُ بها والقمرُ يُرينيها، فلما غابَ؛ أرتنيه. قلتُ: فما كان بينكما؟ قال: أقربُ ما أحلّ الله مما حرّم؛ الإشارةُ بغير ما باس، والدنوّ من غير إمساس، ولعمري لئن كانت الأيام طالت بعدها لقد كانت قصيرةً معها!
Forwarded from أيوب
ومن أعياه علم العروض فليتعلل بهذه الحكاية التى حكاها ابن جني في الخصائص ٣٦٣/١:
(أراد الأصمعي من الخليل أن يعلمه العروض، فتعذر ذلك على الأصمعي وبعُد عنه، فيئس الخليل منه، فقال له يومًا: يا أبا سعيد كيف تقطع قول الشاعر:
إذا لم تستطع شيئا فدعه
وجاوزه إلى ما تستطيع

قال: فعلم الأصمعي أن الخليل قد تأذى ببعده عن علم العروض فلم يعاوده فيه).

فليس على غير الأصمعي جناح :)
قال الهيثم بن عَديّ:
لما انفرد سُفيانُ بن عُيينة، ومات نُظراؤه من العلماء، تكاثرَ عليه الناس يسألونَه، فأنشأَ يقول -متمثِّلا-:

«خَلتِ الدِّيارُ فسُد
ْتُ غيرَ مُسوِّدِ
ومِن الشَّقاءِ تَفرُّدي بالسُّؤدَدِ»


العقد الفريد (١٤٨/٢).

يُروى البيتُ عن الحارثة الغداني، وقيل: لأبي نخيلة الراجز.
الرافعي:

«ومَن كان فاسقًا أساءَ الظنَّ بكلِّ الفتيات، ووجدَ السبيلَ من واحدةٍ إلى قَولٍ يقوله في كلِّ واحدة.

ومن كان عفيفًا سَمعَ من الفاسق، فوجد من ذلك متَعلَّقا يَتعلَّقُ به، وقياسًا يقيسُ عليه؛ والفتنةُ لا تصيب
ُ الذين ظلموا خاصّة، بل تعُم.»


وحي القلم (١٨٣/١).