من خمسة عشر عاماً كان لنا صديق تخرج من كل التربية قسم اللغة العربية بتقدير جيد جداً، وبطبيعة الحال فقد وجد بسهولة فرصة عمل كبائع في محل عطارة بائس بأحد الأسواق الشعبية.

كانت المساحة التي أمام المحل عصر كل يوم حيث تخف حركة الزبائن هي دار ندوتنا، نجتمع فيها ونتناقش.

من ضمن دائرة الأصدقاء الذين يحضرون جلستنا كان هناك صديق من عائلة ثرية، ورغم بؤس كل شيء لم يكن يلفت نظره إلا نوع المشتروات التي كانت تشتريها نساء تلك المنطقة، من عينة: بجنيه زيت، وربع كيلو أرز، وبجنيه مكرونة.

كل ما تعود هو على شرائه في أكياس مغلقة وعبوات كبيرة، كان يباع في هذا المحل سائباً سائلاً مجزءًا.

لم يفهم منطق الموضوع حتى شرحنا له أن هذه هي الطريقة التي يعيش بها من يترزقون بطريقة اليوم بيومه، هي خمسة جنيه لازم البيت يمشي بيها النهارده وبالتالي لا توجد رفاهية شراء زجاجة زيت أو كيلو سكر أو كيس مكرونة.

كان يُذهله شيء واحد: أنه لم يكن يدري عن وجود هذا العالم.

نعم. يعلم أن هناك فقراء، لكنه العلم الإجمالي، تفاصيل طبيعة هذا الفقر ودركاته= كانت غائبة تماما عنه.

كان شخصًا حساسًا من أهل الديانة، وكانت عاقبة هذا أنه فقد الاستمتاع بحياته لمدة طويلة.

كان يتصدق ويحاول نفع الناس، لكن كل من اقترب من عالم احتياجات الناس= يدرك أنها أكبر بكثير من طاقته.
من الناس من يتعايش، ومنهم من يفقد الاستمتاع بحياته كلها من فرط الإحساس بالأسى والعجز.

على الجانب الآخر: أعرف من يصمون آذانهم ويستغشون ثيابهم؛ كي لا يشعروا بهذا العالم، وكي تسلم لهم حياتهم، وكي ينفق نفقته على كمالياته المترفة، ويترك لله فضلات يده.
وأسوأ هؤلاء: من صار يشرعن إمساك يده ويُلبس بخله لباس الاحتراز من وضع المال في غير موضعه.

لا شيء يهدر حياة الإنسان ويصيرها عبثًا مثل الغفلة.

الغفلة عن الآخرة.
الغفلة عن العاقبة.
الغفلة عن حاجات الناس.
الغفلة عن مسؤولياته التي يجب عليه تحملها في هذه الحياة.

الله لم يستخلفنا في هذه الدنيا لنصيرها جنة نأكل فيه ونشرب كما تأكل الأنعام وتشرب.

قيمة الإنسان هي فيما ادخره لآخرته.

وخير الناس أنفعهم للناس.

في شرفِ معنى أن تميل النفسُ لكتمان مصابها فتبدي من الحال أحسنه تعففًا:

ولي أُسوةٌ بالبدر يُنفق نورَه
‏ فيخفَى إِلى أن يستجدَّ ضياءَ

¶ الطغرائي
#شعر
#أدب

إسراءٌ

قُوّتانِ في الإنسانِ تُسيّرانه منذُ الأزل. تتجاذبان وجدانه، وتنحتان مصيرهُ ومصير العالمِ. ثمرتانِ من تفاعل صُلبه مع الكونِ هُما المعرفةُ والإرادة.

وليسَ ممثِّلُ الإرادةِ القلبُ دونَ العقلِ ضرورةً، كما أنه لا يمثل المعرفةَ العقلُ دون القلبِ ضرورةً..

ويُحسبُ أن الإرادة ما هي إلا معرفة عميقة، إذا استبطنت فاحتجبت عنْ عينِ مراقبها، وأنَّ المعرفة في الإنسانِ ما هي إلا معرفتهُ السطحية.
والقولُ بهذا يفسرُ نزعة القوتينِ الدئوبة للاتصال والتطابقِ ويشرعنها: فما كانَ من الجنسِ نفسه لا يسكنُ إلا باجتماعِ أجزائه واكتِمالِ جوهره..

ثم إن لِطواف مكنونهما بينهما تيارا واردا اتجاههُ من السطحِ للعُمق، هو التعلم والتطبعُ والاكتسابُ.
وتيارا آخر فوَّارا قويًّا ينطلقُ من العمقِ نحوَ السطحِ، هو التعبير والتغيير والفِعلُ. وقد جَازَ لنا بفعل هذه الميكانيكا النفسية العجيبة بل بفضل هذه السنن الدقيقة المعجزة أن نقول: تُهذِّبُ المعرفةُ الإرادةَ، وتُوجِّهُ الإرادة المعرفة. وتراهنُ المعرفةُ على الإرادة لأنها أشد منها وطئا وقوة ودواما وأعسرُ تشكُّلا وأصلبُ معدنا! ..

وإن المبادلات التي تحصل بفعل انصباب التيارينِ في نهايتيْهِما،
والأخذَ والعطاءَ، والقبض والإرسالَ ما بينهما، تُخبِرُ النفسَ عن النَّقصِ والازدِيادِ، والفِعلِ والانفِعالِ، وتفتحُ إذ ذاك باب المقارناتِ بين طبائع وخصائص المعرِفتينِ. لكنَّ انتباه صاحبها لإسرائها ومِعراجها يظلُّ شبيهَ انتباهه لسريان الكهرباء الدؤوب في جسده: مُجهِدًا عسيرًا.

والملحوظُ أن ازدِيادَ مَخزونِ السطحِ أسرعُ من ازدياد مخزون العمقِ، وتغيير مخزون السطح أيسرُ من تغيير مخزون العمقِ. وكأن مجازات خلق الانسان من تُرابٍ تفرِضُ نفسها ههنا، لتكون حركة المعرفة في النفسِ صعودا ونزولا كارتحالِ الماء في باطن الأرض، تتباطئ وتتناقص بفعل اختلاط الحامل بالمحمولِ وتعرجات المسير وجاذبية المركز ومسافاتِ الوصول.

#سنن
#أرأيت
#في_المعرفة_و_الإرادة

وكما أن كلكم راعٍ، فكُلكم مُعمِّرٌ.
الجميعُ مستغرقون في البناء بشكل أو بآخر، مجازا وحقيقةً، إلا أن الموفق منهم من يُهيِّئُ لبنائه بهدمِ ما لا يستقيم، والصابرَ فيهم من يصبرُ على وجعِ الهدمِ ومشقته حتى ينتهي منهُ ويُحسنه. في الآن نفسه يحاولُ الكثيرون عبثا إقامة أبنيتهم على هياكل خاوية لا تستطيع لهم ولبنيانهم حملاً.

#في_استنطاق_الداء
#في_تشخيص_الدواء

ثبت سمائي اللَّهُمَّ في عُلُوِّها
ولا توطئ لي سقفا لوهنٍ في نفسي، وهبني لوصولها قوّة في الجناح ووضوحا في الرؤية.

#دعاء

كسوف الشمس الحلقي

يا رب العظمة، أدرِكنا!

#آية

يا نور آتِ عقولنا وعزائِمَنا رُشدها.
وقلوبنا فاشرحْهَا وقِنا ضياعَ السّعي والجُهدِ والقصدِ. اللهم ما قصدنا فتممهُ لنا وما استصعبنا فيسِّرهُ لنا. نسألك توفيقك يا ربنا وأنسا بك وفيك في هذه الطرق الملتوية التي قُذفنا فيها، أعنا على وعورتها والتفافها وسخر لنا تياراتها يا رب العالمين. أغثنا يا رب، أدركنا!

إحدى تبعات الذّوق الرّفيع الدّقيق .. ألاّ ترضى بعد الذي يوصلك إليه بما هو أدنى منه.

المحجوبُ عن حقيقةِ ذاتك بِحُكمهِ، الذي يراكَ بِعينِ حاجتهِ، أو بِعينِ غيره، أو بعينِ نقصه، أو بعين ماديته، ولا يراك بعين الروح للروح، وعين الصاحب للمصاحب، وعين الصادق للمصدوق، ولا يراك بنور اللهِ المكنون في عينه..
لا تعوِّل عليه.
عليكَ نفسكَ، ليس عليك إصلاح بصرِهِ، ولا انفتاح بصيرته على ذاتك، فالنور فيهِ لم يبرحهُ، والعين عينه لم تهجُرهُ، والحكم حكمهُ، وهو بحكمهِ رهينة.
كلما أوضحت لهُ ازداد لُبسُهُ، وكلما صدقته ازداد تكذيبه، وكلما بانَ معدنك وتبلورت حقيقتك أمامه تولَّى عنهما، ارحم نفسك، عليك نفسك فالزمها.

#في_استنطاق_الداء
#في_تشخيص_الدواء
#سنن

" كأنَّ الحُبَّ دائرةٌ بِقلبـــــي
فحيثُ الإنتهاءُ الابتداءُ。"

صاحبُ هذا العملِ صدقَ وأجملَ ودلَّ!
#مقتبس
#لحون

❄️
إن الإنسان إن تمكن من إدراكِ جذور اعتلاله وتفهم ملامحهِ، يكونُ حينها خرج من نفق الظّلامِ إلى بداية الشفاء،
ومن شدّةِ الأمرِ إلى يُسرِهِ، ومن الضعفِ وقلة الحيلةِ إلى إستنباطِ الحيلةِ والزهوِ بها.

#لحون
#في_استنطاق_الداء

''WRITE HARD AND CLEAR ABOUT WHAT HURTS'' - Ernst Hemingway

#مقتبس

لهذا الذي للحقِّ قد سقمَــا
سعيٌ في سُبلِ الطَّلَبِ يعالجُهُ

He who for virtue grieves, only heals within a quest for more.

شفاءُ النَّصبِ الذي في سبيل الخيرِ مزيدٌ من الخيرِ، وعلاجُ سقامهِ سعيٌ أعمقُ استغراقًا وأصدقُ طلبًا في سُبُلِهِ. وما الوجعُ المُحصَّلُ من شُحِّ الفضيلةِ غيرُ نداءٍ خفيٍّ يدعُو عودةً كُبرى إليها، وحجًّا أعظمَ قِبلَتُهُ اللّٰه.
فاللَّهُمَّ إليكَ القصدُ.

#في_تشخيص_الدواء

يا بُنيٌّ؛
قلمك الآن صار مُتّقدا،
على المعاني مُتوثِّبا، يجذبك إلى الورقِ والمساحاتِ البيضاءِ جذبًا!
فأنصت: ليس كلُّ ما يُكتبُ قابلاً للنَّشرِ، وليس كل ما يجول في الخاطرِ يكتبُ. فبعضُهُ شائنٌ يتركُ، وبعضهُ ناقصٌ لمّا يُبلغْ قصدُهُ وبعضُهُ لو قُرِأَ يفتِنُ. وثمة ما يُكتبُ حتى يسهُل طيُّهُ ونسيانهُ وتجاوزهُ وما يكتبُ ليكونَ حجر أساسٍ يبنى عليهِ. فيا بني تأدب مع حرفك واتقِ اللّٰه فيه، وأحسِن، أحسن الله إليكَ!

#أرشيف
#أدب

إنه من يجمع بين الحق والباطلِ لم يجتمعا له وكان الباطلُ أولى به، وإن الحقَّ لم يزل ينفر من الباطل، ولم يزل الباطل ينفر من الحق!

| عامر بن الظرب العدواني
#سنن
#مقتبس

عظيمةٌ هي رهبتي من الخطأِ بحيثُ لا مجالَ معهَا أن أُصيبَ!

#في_استنطاق_الداء
#في_استنطاق_الخوف

ما تصنعه يصنعك. وما تفعلُ فيهِ بالمثلِ يفعلُ فيكَ. وما استغرقتُ أكتبُهُ على مر السنين أعمَرَ قلبي وعقلي بالكثيرِ الجميل، وأصلح لي من شأني قدرا لا يستهانُ به، وأنبتَ ثمارًا جنيتها وفتحَ في السماء ألف سبيلٍ.. أصبحت لي أوتادي التي تثبِّتُني وتضمنُ تماسُك بُنياني، وأصبحت لي ذاكرتِي الذَّكية التي تنسى ما يجب أن يُنسى وتحتبسُ الثمينَ من الدرس والتجربة. الزبدُ ذهبَ جُفاءً وبقي ما ينفعُ.

#حديث_الزمن

قصدُنا التوكُّلُ عليك لا على أنفُسنا والاتكالُ إليكَ لا إلى ذواتِنَا! أي ربي ربَّ هذا المعنى آتنا منهُ رزقا طيبًا وفضلاً.

#آية