🍄 قال الطبري: (وَقَالُوا: إِنَّمَا ذَلِكَ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى ابْتِدَاءِ الْكَلَامِ بِالْخَبَرِ عَنْ عُمُومِ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، إِذْ كَانَتْ مَا كَلِمَةً تَجْمَعُ كُلَّ الْأَشْيَاءِ ثُمَّ تَخُصُّ وَتَعُمُّ مَا عَمَّتْهُ بِمَا تَذْكُرْهُ بَعْدَهَا. وَهَذَا الْقَوْلُ عِنْدَنَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ مَا لَا تُفِيدُ مِنَ الْكَلَامِ مَعْنَى فِي الْكَلَامِ غَيْرُ جَائِزٍ إِضَافَتُهُ إِلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ. وَلَعَلَّ قَائِلًا أَنْ يَقُولَ: هَلْ كَانَ لِلَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ مِنَ الْإِيمَانِ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ فَيُقَالُ فِيهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ؟ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى الْإِيمَانِ هُوَ التَّصْدِيقُ، وَقَدْ كَانَتِ الْيَهُودُ الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهَا هَذَا الْخَبَرَ تُصَدِّقُ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ وَبِالْبَعْثِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَتَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُبُوَّتِهِ، وَكُلِّ ذَلِكَ كَانَ فَرْضًا عَلَيْهِمُ الْإِيمَانُ بِهِ لِأَنَّهُ فِي كُتُبِهِمْ، وَمِمَّا جَاءَهُمْ بِهِ مُوسَى؛ فَصَدَّقُوا بِبَعْضٍ هُوَ ذَلِكَ الْقَلِيلُ مِنْ إِيمَانِهِمْ، وَكَذَّبُوا بِبَعْضٍ فَذَلِكَ هُوَ الْكَثِيرُ الَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَكْفُرُونَ بِهِ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُمْ كَانُوا غَيْرَ مُؤْمِنِينَ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا قِيلَ: {فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} وَهُمْ بِالْجَمِيعِ كَافِرُونَ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: قَلَّمَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا قَطُّ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهَا سَمَاعًا مِنْهَا: مَرَرْتُ بِبِلَادٍ قَلَّمَا تُنْبِتُ إِلَّا الْكُرَّاثَ وَالْبَصَلَ، يَعْنِي: مَا تُنْبِتُ غَيْرَ الْكُرَّاثِ وَالْبَصَلِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي يُنْطَقُ بِهِ بِوَصْفِ الشَّيْءِ بِالْقِلَّةِ، وَالْمَعْنَى فِيهِ نَفْيُ جَمِيعِهِ.

🍄 وَقال صاحبُ المنارِ: (وَمِنْ مَبَاحِثِ اللَّفْظِ فِي الْآيَةِ: أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْمُفَسِّرِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ (مَا) زَائِدَةٌ وَمَا هِيَ بِزَائِدَةٍ وِفَاقًا لِابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، وَجَلَّ الْقُرْآنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كَلِمٌ زَائِدٌ، وَإِنَّمَا تَأْتِي (مَا) هَذِهِ لِإِفَادَةِ الْعُمُومِ تَارَةً وَلِتَفْخِيمِ الشَّيْءِ تَارَةً، وَيَقُولُ ابْنُ جَرِيرٍ: إِنَّمَا يُؤْتَى بِهَا فِي مِثْلِ هَذَا الْمُقَامِ كَمُبْتَدَأِ كَلَامٍ جَدِيدٍ يُفِيدُ الْعُمُومَ، كَأَنَّهُ قَالَ: فَإِيمَانًا قَلِيلًا ذَلِكَ الَّذِي يُؤْمِنُونَ بِهِ. تفسير الطبري (2/ 234)

💦 وَأَمَّا الَّتِي لِتَفْخِيمِ الشَّيْءِ فَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ}. سورة ال عمران: الآية/ 159

أَيْ فَبِسَبَبِ رَحْمَةٍ عَظِيمَةِ الشَّأْنِ خَصَّكَ اللهُ بِهَا لِنْتَ لَهُمْ عَلَى مَا لَقِيتَ مِنْهُمْ، وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى هَذِهِ الرَّحْمَةَ بِقَوْلِهِ فِي وَصْفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}. سورة التَّوْبَةِ: الآية/ 128

🍀 وَقَوْلِهِ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}). سورة الأنبياء: الآية/ 107، تفسير المنار (1/ 314)

🍀 قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ............﴾. سُورَةُ البَقَرَةِ: الْآيَةُ/ 255

⚡️ تأمل الجمع بين هذين الاسمين العظيمين: ﴿الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾، لتعلم أنهما اشتملا على كل كَمَالٍ للَّهِ تَعَالَى ، وَتَضَمَّنَا كل اسم وكلَ صفةٍ للَّهِ تَعَالَى.

💦 فَالْحَيُّ تَضَمَّنَ كُلَ اسمٍ، وكل صِفَةِ ذاتٍ للَّهِ تَعَالَى.

💦 وَالْقَيُّومُ تَضَمَّنَ كُلَ اسمٍ، وكل صِفَةَ فعلٍ له تَعَالَى.

فهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَيٌّ بِحَيَاةٍ لَمْ تَزَلْ وَلَا تَزُولُ، وهو الْبَاقِي الَّذِي لَا سَبِيلَ لِلْفَنَاءِ عَلَيْهِ، وكل حَيِّ سِوَاهُ مَسْبُوقٌ بالعَدَمِ، ويَلْحَقُهُ الْفَنَاءُ.

وهو سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دَّائِمُ الْقِيَامِ بِتَدْبِيرِ خَلْقِهِ وَحِفْظِهِم، وَقَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ.

☀️ فله الكمالُ المطلقُ في كلِ صفةٍ، وله الكمالُ المطلقُ في كلِ فعلٍ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

🌱 وإذا دعا العبد ربه تعالى بهذين الاسمين، فقد دعاه بكل أسماءه وصفاته، وأثبت له كلَ كمالٍ.

لذلك قيل إن هذه الآية تشتمل على اسْمِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى.

🍒 رَوَى الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ لَفِي ثَلَاثِ سُوَرٍ مِنَ الْقُرْآنِ: فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَآلِ عِمْرَانَ، وَطَهَ " فَالْتَمَسْتُهَا فَوَجَدْتُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ آيَةَ الْكُرْسِيِّ: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [البقرة: 255] ، وَفِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ: ﴿الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ [آل عمران: 2] ، وَفِي سُورَةِ طَهَ: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ [طه: 111]. رواه الحاكم، والطبراني في الكبير، والأوسط

🍒 وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾، وَ ﴿الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾ إِنَّ فِيهِمَا اسْمَ اللهِ الْأَعْظَمَ». رواه أحمد

🌾 اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الْأَعْظَمِ، الَّذِي إِذَا دُعِيتَ بِهِ أَجَبْتَ، وَإِذَا سُئِلْتَ بِهِ أَعْطَيْتَ، وَإِذَا اسْتُرْحِمْتَ بِهِ رَحِمْتَ، أَنْ تَجْعَلَ القُرْآنَ العَظِيمَ رَبِيْعَ قُلُوبِنَا، ودَلِيلَنَا إِلَى رِضْوَانِكَ وَالجَنَّةِ.

🍀 قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ............﴾. سُورَةُ البَقَرَةِ: الْآيَةُ/ 255

⚡️ تأمل قولَهُ تَعَالَى: ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ﴾. لتعلم أن المراد ليس مجرد نفي السِّنَةِ والنَّوْمِ عنه سبحانه، ولو كان كذلك لكان الكلام: (لا يأْخُذُهُ نَوْمٌ ولا سِنَةٌ).

💦 وإنما المرادُ كَمَالُ حَيَاتِهِ تَعَالَى؛ فإن النَّوْمَ هو الوَفَاةُ الصُّغْرَى، وَكَمَالُ قَيُّومِيَّتِهِ تَعَالَى، فلو اعترته سِنَةٌ لاختل نظام الكون، فكيف بالنوم؟

🍏 وهذا ما يسميه علماء البلاغة: "الترقي"؛ لأَنَّ النَّوْمَ أَعْظَمُ أثرًا من السِّنَةِ.

🍒 ودل على هذا المعنى قَولُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَرْفَعُ الْقِسْطَ وَيَخْفِضُهُ، وَيُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ النَّهَارِ بِاللَّيْلِ، وَعَمَلُ اللَّيْلِ بِالنَّهَارِ». رواه مسلم

فقَولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ،......». لكمال حياته، وكمال قيوميته.

🌾 يَا رَبِّ لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِكَ وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ.

ـ╗══════════🍃🌹🍃═╔
🌿 القواعد المثلى في التدبر 🌿

🍄 القاعدة التاسعة - ٤ 🍄
ـ╝═🍃🌹🍃══════════

💎 الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةُ - 4

☀️ (لَيسَ فِي الْقُرْآنِ شَيءٌ زَائِدٌ)

💦 الْآيَةُ الثَّالِثَةُ:

ومن تلك الآيات التي قال عنها بعضهم أن فيها لفظًا زائدًا قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ}. سورة الأعراف: الآية/ 12

قال السمعاني في قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ}. ("لَا" زَائِدَة، وَالْمرَاد: مَا مَنعك أَن تسْجد؟). تفسير السمعاني (2/ 168)

🍁 والصحيح أن الفعل: "مَنَعَ" من قوله تعالى: {مَنَعَكَ} تَضَمَّنَ مَعْنَى فِعْلٍ آخَر تَقْدِيرُهُ: مَا أَحْوَجَكَ وَأَلْزَمَكَ وَاضْطَرَّكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ، وهذا اختيار ابن جرير رحمه الله.

🍄 قال ابْنُ جَرِيرٍ مَعْنَاهُ: (مَا مَنَعَكَ مِنَ السُّجُودِ فَأَحْوَجَكَ أَنْ لَا تَسْجُدَ؟ فَتَرَكَ ذِكْرَ أَحْوَجَكَ اسْتِغْنَاءً بِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ). تفسير الطبري (10/ 84)

🍄 وقال ابن كثير: (وَهَذَا الْقَوْلُ قَوِيٌّ حَسَنٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ). تفسير ابن كثير (3/ 392)

💎 تَدَبَر – 305

🍀 قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ............﴾. سُورَةُ البَقَرَةِ: الْآيَةُ/ 255

النوم دليل الضعف، وعلامة العجز، وهو سلطان قاهر، وهل أدل على ذلك من أَنْ ينام أحدهم في مؤتمرٍ عُقِدَ من أجله؟

⚡️ وهل أدلُ على ذلك مِنْ أن ينامَ أحدهم وهو في برنامج على الهواء مباشرة؟

⚡️ وهل أدل على ذلك من أن ينام أحدهم وهو يقود سيارته، وهو يعلم أن ذلك قد يكون سبب هلاكه؟

فإن نفاه الله تعالى عن نفسه فهو دليل كمال حياته التي لا يعتريها نقص.

ودليل كمال قيوميته التي لا يتطرق إليها خلل.

ودليل كمال قوته التي لا يشوبها ضعف.

💦 وكيف ينام السَّمَاءُ وَالأرْضُ تَقُومَان بِأَمْرِهِ؛ ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأرْضُ بِأَمْرِهِ﴾. سورة الرُّومِ: الآية/ 25

💦 وكيف ينام وهو يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ لِئَلا تَزُولا؛ ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ أَنْ تَزُولا﴾. سورة فَاطِرٍ: الآية/ 41

🌾 اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ

ـ╗══════════🍃🌹🍃═╔
🌿 القواعد المثلى في التدبر 🌿

🍄 القاعدة التاسعة - ٥ 🍄
ـ╝═🍃🌹🍃══════════

💧 الْقَاعِدَةُ التَّاسِعَةُ - 5 💧

✨ (لَيسَ فِي الْقُرْآنِ شَيءٌ زَائِدٌ)

☀️ الْآيَةُ الرَّابِعَةُ:

💦 ومن تلك الآيات التي قال عنها بعضهم أن فيها لفظًا زائدًا قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ}. سورة النساء: الآية/ 11

⚡️ زَعَمَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ أَنَّ لفظةَ: {فَوْقَ}، زَائِدَةٌ، وَتَقْدِيرُ الكلام: (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ)، وهذا القول باطل بدليل ضمير الجمع في لفظ: {كُنَّ}، وضمير الجمع بعدها في لفظ: {فَلَهُنَّ}.

🍄 قَالَ ابن كثير: (قَالَ بَعْضُ النَّاسِ: قَوْلُهُ: {فَوْقَ} زَائِدَةٌ وَتَقْدِيرُهُ: فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً اثْنَتَيْنِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأعْنَاقِ}. سورة الْأَنْفَالِ: الآية/ 12
وَهَذَا غَيْرُ مُسَلَّم لَا هُنَا وَلَا هُنَاكَ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ شَيْءٌ زَائِدٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ، ثُمَّ قَوْلُهُ: {فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا قَالُوهُ لَقَالَ: (فَلَهُمَا ثُلُثَا مَا تَرَكَ). وَإِنَّمَا اسْتُفِيدَ كَوْنُ الثُّلُثَيْنِ لِلْبِنْتَيْنِ مِنْ حُكْمِ الْأُخْتَيْنِ فِي الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى حَكَمَ فِيهَا لِلْأُخْتَيْنِ بِالثُّلُثَيْنِ. وَإِذَا وَرِثَ الْأُخْتَانِ الثُّلُثَيْنِ فَلَأَنْ يَرِثَ الْبِنْتَانِ الثُّلُثَيْنِ بِطْرِيقِ الْأَولَى وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ لِابْنَتَيْ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ بِالثُّلُثَيْنِ، فَدَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ}، فَلَوْ كَانَ لِلْبِنْتَيْنِ النِّصْفُ أَيْضًا لَنَصَّ عَلَيْهِ، فَلَمَّا حَكَمَ بِهِ لِلْوَاحِدَةِ عَلَى انْفِرَادِهَا دَلَّ عَلَى أَنَّ الْبِنْتَيْنِ فِي حُكْمِ الثَّلَاثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ). تفسير ابن كثير (2/ 226)

🍄 وَقال القرطبي: (وَرَدَّ هَذَا الْقَوْلَ النَّحَّاسُ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَقَالَا: هُوَ خَطَأٌ، لِأَنَّ الظُّرُوفَ وَجَمِيعَ الْأَسْمَاءِ لَا يَجُوزُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ تُزَادَ لِغَيْرِ مَعْنًى.

🍄 قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَلِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ) هُوَ الْفَصِيحُ، وَلَيْسَتْ فَوْقَ زَائِدَةً بَلْ هِيَ مُحْكِمَةٌ لِلْمَعْنَى، لِأَنَّ ضَرْبَةَ الْعُنُقِ إِنَّمَا يَجِبُ أَنْ تَكُونَ فَوْقَ الْعِظَامِ فِي الْمَفْصِلِ دُونَ الدِّمَاغِ. كَمَا قَالَ دُرَيْدُ بْنُ الصِّمَّةِ: اخْفِضْ عَنِ الدِّمَاغِ وَارْفَعْ عَنِ الْعَظْمِ، فَهَكَذَا كنت أضرب أَعْناقَ الْأَبْطَالِ). تفسير القرطبي (5/ 63)

🍄 وقال أبو حيان: (وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ}، اثْنَتَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا، وَأَنَّ قُوَّةَ الْكَلَامِ تَقْتَضِي ذلك كابن عَطِيَّةَ، أَوْ أَنَّ فَوْقَ زَائِدَةٌ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّ فَوْقَ قَدْ زِيدَتْ فِي قَوْلِهِ: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ} فَلَا يُحْتَاجُ فِي رَدِّ مَا زَعَمَ إِلَى حُجَّةٍ لِوُضُوحِ فَسَادِهِ). البحر المحيط في التفسير (3/ 537)

🍀 قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ﴾. سُورَةُ البَقَرَةِ: الآية/ 255

💦 تأمل قوله تعالى: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ﴾، الذي يدل على كمال غناه سبحانه وتعالى.

💦 وتأمل التعبير بلفظ: (مَا) الذي يفيد العموم، فيدخل في ذلك كل متحرك وساكن، وعاقل وغير عاقل، وصغير وكبير.

✨ ولا يملك أحد مع الله تعالى مثقال ذرة؛ قَالَ تَعَالَى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ﴾. سُورَةُ سَبَإٍ: الْآيَة/ 22

وَهْوَ الْغَنِيُّ بِذَاتِهِ سُبْحَانَهُ * جَلَّ ثَنَاؤُهُ تَعَالَى شَانُهُ

وَكُلُّ شَيْءٍ رِزْقُهُ عَلَيْهِ * وَكُلُّنَا مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ

⚡️ ولعل هذا المعنى في هذه الآية هو الذي من أجله قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ». رواه النسائي في السنن الكبرى، والطبراني في الكبير والأوسط بسند صحيح

🍏 فكأن العبد يتوسل إلى الله تعالى بكمال غناه، ويسأله من عظيم فضله، ولما كانت الجنةُ دليلَ رضوانه، ومطلوبَ عباده، جعلها الله تعالى جزاء من توسل إليه بغناه، وتقرب إليه بكلامه.

🌾 اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.