الشيخ: كمال المرزوقي.

ناسٌ:
ــــــــ

ذكرت يوما في أحد المساجد في درس عامّ عن خطورة الكلمة واستسهال النّاس للكلام، وأنّ ربّ كلمة يتكلّم بها الرّجل لا يلقي لها بالا يهوي بها في جهنّم سبعين خريفا، ومثلّت لذلك بالقذف بالزّنا وسهولة رمي النّاس به وجريان ذلك على ألسنتهم بلا بيّنة شرعيّة وهم بنادون بتحكيم الشّريعة وأنّها لو قامت لكان الحدّ في ظهورهم ولكان الشّرع عليهم لا لهم، ومن أجلّ صور ذلك أن يأتوا لمن ظاهرهم الفسق فلا يقنعون بأن يصفوهم بوصف لا تعدّي فيه فلو كانت رقّاصة مثلا مجاهرة بفسقها يأى أن يقول راقصة أو فاسقة حتّى يقول هي زانية!
فقام رجل من آخر المسجد فقال: فماذا تريدنا أن نسمّيها إذن، أستاذة؟

قلت: ليس في ذعنك إلّا هذان: زانية وأستاذة؟ ما عليك لو قلت كما هو الواقع فعلا راقصة بل لولو وصفت ذلك بالوصف الشّرعيّ فاسقة مجاهرة مثلا ..
فقال: بل هي زانية وهذا أمر واضح.
فقلت: وهو خلاف الشّرع وأمره واضح
فقال: لا ينبغي الدّفاع عن هؤلاء
(والكلام كلّه هكذا أمام عموم النّاس والدّرس معطّل ونهيت من أرادوا إسكاته أن يفعلوا حتّى يفرغ الرّجل ممّا عنده)
فقلت: فلم تفهم أنّني أدافع عنك أنت قبلها، فإنّني أحذّرك أن يكبّك لسانك وحصاده في النّار، وأن يأخذ فاسق من حسناتك وأنت غافل، وأن توقع نفسك في كبيرة من الكبائر وأنت لا تدري، وأن تظنّ نفسك أشدّ غيرة من الشّرع فتقع في تكذيبه ولا تدري ما يفعل بك ... الخ الخ
وبعد الثّورة طلع رجل خطيبا لا يقيم جملة بغير لحن، كانوا يسمّونه أسد المنابر، أي واللّه هكذا! فقذف رجلا وامرأة بالزّنا وتبيّن كذبه فيما قال وهو من داعة تحكيم الشّريعة فأبى حتّى أن يعتذر عن ذلك ويتوب جهرة كما قذف جهرة، ولو كانت الشّريعة قائمة وصدقوا كان لزاما عليهم إقامة الحدّ على مثله ثمانين في ظهره، وما زال من الغوغاء من ذوي اللّحى من يدفع عنه إلى اليوم.
وبالأمس عن خطورة القذف كلمتين لم أزد فيهما عن نقل الآية من كتاب الله كما هي تقريبا، فوصلني من الشّتم واللّعن والسّبّ بأفحش ما أنت راءٍ بل والقذف ما الله به عليم، لأجل أنّني بيّنت حكم الله تعالى لهؤلاء الّذين لا يعدّون كلامهم من عملهم ولا يقتاتون الورع إلّا باردا.
فهذا مؤدلج يزعم أنّني أدافع عن نداء تونس أصلا!
وذاك محروق ذو عداوة نفّس عنها بإنكار ما نقول في كلّ باب حقّا كان أو باطلا .. وذاك لا يدري ما القضيّة ولا لي به سبب خالف ما قلته هواه فلم يراع في سبيل ذلك أن يقع في كلّ منا خالف ..
وآخر ظاد للطّنبور نغمة فصار ينازع في هل تلك محصنة أم لا، ولا يدري ما محصنة أصلا ولا ما معناها، ولا الحكم صلدا من غير تزظيل كيف هو، فهو منتقل من نجاسة الذّنب إلى بير القول على الله وفي دين الله بلا علم.
وذاك وذاك ...
مع أنّ الرّجل الّذي زعموه رأى لو ثبت أنّه رأى بعينه ذلك الرّجل المتهومة به يولج فيها كما يولج المرود في المكحلة فلم ينضمّ لشهادته شهادة ثلاثة رأوا ما رأى لم تكن تلك بيّنة شرعيّة في شرعنا، لمن يريد الشّرع لا الهوى.
وبعضهم زعم أنّه ما قذف ولا قال وإنّما هو مدافع فقط عن ذلك الحارس المسكين الّذي ظلموه.
واليوم خرج الحارس الّذي يدافعون عنه بزعمهم (تنبّه!) لينفي أن يكون هو نفسه رأى بعينه شيئا ممّا زعموه فاحشة وزنا.
أفترى معتذرا أو مقرّا بذنب حتّى بعدما تبيّن!
كلّا وربّك بل صار الحارس نفسه كاذبا باع قضيّته وخان وتستّر .. وما دام سبقت منّا هي زانية فهي كذلك لا يبدّل القول لدينا، بل في الكذب وليجة ومهرب وكذبة على كذبات لن تقتل والذّنب ذنب!

ذنب سمّاه ربّنا البهتان العظيم، وتوعّد عليه بالعذاب العظيم، ولعن فاعله، وجعله من الموبقات السّبع، وحدّ له حدّا من الحدود الشّرعيّة، وهو من حقوق الخلق الّتي يعلم العالم خطرها ومعضلة الرّجوع عنها، وليس أهون منه على النّاس!
ذنب تجتمع فيه دواعي الكلام وهوانه واللّسان ثعبان متفلّت، مع تنفيس عن نوازع كبت نفسيّ وجسديّ، وطهرانيّة ابتدعوها ورثوها عن الأمّتين من قبلنا، ومسارعة للأحكام بالظّنّة من عقول لا تميز القطع من اليقين، وحبّ للتّسلّط على الخلق ومعاملتهم معاملة الأرباب لا العبيد، وبصر بالقذى في عيون الغير وإهمال جذوع النّخيل في عيوننا ...

إنّما أعظكم وأذكّركم بواحدة:
أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض.

ربّ يسّر وأعن!

1.7K views23:06