💡
{أَیُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰا}
من أهم ما نخرج به من ترحالنا بين سور الكتاب المجيد وورودنا المتجدد على آياته هو معرفة حقيقة الحياة الدنيا وغاية وجودنا فيها، ولذلك نجد كثيرا ما يتكرر ضرب الأمثال لطبيعة هذه الدنيا الفانية ومتاعها المنقطع وزينتها الزائلة.
💡
في سورة الكهف ومن خلال ثلاث آيات نحن على موعد مع تلك الحقيقة الكبرى التي لا يستقيم للمرء عمل حتى يوقن بها يقينا راسخا يتمكن منه ...
أما الآية الثالثة فهي المثل الذي يتكرر في القرآن بأكثر من طريقة ﴿وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا كَمَاۤءٍ أَنزَلۡنَـٰهُ مِنَ السماء فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ فَأَصۡبَحَ هَشِیمࣰا تَذۡرُوهُ ٱلرِّیَـٰحُۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ مُّقۡتَدِرًا﴾
وأما الآيتان الأولى والثانية {إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِینَةࣰ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَیُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰا وَإِنَّا لَجَـٰعِلُونَ مَا عَلَیۡهَا صَعِیدࣰا جُرُزًا} ففيهما تقرير لنفس الحقيقة بأسلوب مباشر واضح صريح، والذي أحب أن أتأمله اليوم هو هذا النص المدهش على الغرض من جعل ما على الأرض زينة لها : {لنبلوهم أيهم أحسن عملا}
فكأننا نرى هنا الدنيا دار عمل وابتلاء/ فتنتها الزينة/ومصيرها الفناء، هذه الحقائق الثلاثة تُشَد الواحدة منها مع الأخرى في رباط وثيق لا ينفصم، فالذي يوقن حقا بسرعة زوال الدنيا مهما طالت لن تغره زينتها مهما تبهرجت، بل يدرك عمق الابتلاء الكامن فيها فيعرض عنها ما أمكنه، ولا يكون همه في إلمامه بها إلا أن يكون أحسن عملا، أو كما يقول الإمام الطبري: [أترك لها وأتبع لأمرنا ونهينا وأعمل فيها بطاعتنا]
💡
لقد فاجأني حقا شبه إجماع من المفسرين على أن المقصود بالأحسن عملا أنه الأزهد في الدنيا والأترك لها، وهذا عجيب، لأنني بينما أتأمل لفظ (أحسن عملا) اليوم قد تبين لي كم تكررت صيغ التفضيل في السورة وأنها انقسمت دوما بين أمرين اثنين لا ثالث لهما: أمر الدنيا وأمر الآخرة، أمر الحال وزينته الفانية وأمر المآل ونعيمه الدائم.
💡
ففي قصة صاحب الجنتين يفخر هذا الكافر على صاحبه {أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا} فتكون هذه الأفضلية الموهومة بداية فتنته وسقوطه في مهاوي الضلال، وأما صاحبه المؤمن فلا يغتر بأكثريته الدنيوية ويراها في حقيقتها الفانية ابتلاء لا لبس فيه، فيسلك طريقا آخر ليتحقق بوصفه تعالى (أحسن عملا) حيث يثبت أمام الفتنة وينكر الكفر ويعلن التوحيد ويطلعنا على مصدر آخر للخيرية {فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا}
ثم تعقيبا على القصة تتقرر هذه الخيرية: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا}
💡
وفي قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح وفي سياق تأويل قتل الغلام الذي رآه موسى عليه السلام شيئا نكرا {فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما}
فهناك موازين مختلفة نقيم بها البشر والأشياء، ولنفس السبب تقريبا يرد ذو القرنين على القوم بينما يعرضون عليه أجرا ليبني لهم السد {قال ما مكني فيه ربي خير}
💡
وبعد،
فإن المرء لطالما رأى في أصحاب قصص سورة الكهف نماذج بشرية مثالية تعد معيارا يُتحاكم إليه عند تقييم الناس والأفعال، ويُحتذى بها في مسالك الحياة ويُهتدى بهديها، وهكذا شأن كل ما ذكر الله من قصص الأنبياء وأوصاف الصالحين {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} ، ولقد كنت أظن اليوم وأنا أتوقف عند غاية الابتلاء {لنبلوهم أيهم أحسن عملا} أنني سأسهب في تبيين كيف كانت أفعالهم واختياراتهم وأقوالهم _على اختلاف الفتنة التي تعرضوا لها_ نموذجا لوصف (أحسن عملا) وأننا على اختلاف درجاتنا قربا وبعدا منهم لابد أن نسعى إلى التحقق بهذا الأحسن وتكميل معانيه في أنفسنا، حيث يصير مجرد السعي إلى بلوغ تلك المقامات الرفيعة خير ما يبذل الإنسان فيه جهده، لكنني بدلا من ذلك وجدتني أتوقف عند معنى واحد لا أبرحه، وهو أنه من وراء هذه الأعمال والأقوال والاختيارات التي تبدو غريبة للبعض كان الزهد في الدنيا والإعراض عن زينتها، واليقين في أن ما عند الله خير وأبقى هو الدافع الأساس ليتحقق أبطال هذه القصص بوصف (أحسن عملا) على اختلاف تفاصيل القصة وطبيعة الأعمال، ربما لذلك نجد مناط عقاب الكافرين وثواب المؤمنين متوقفا على هذا الأمر تحديدا:
{قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِینَ أَعۡمَـٰلًا ٱلَّذِینَ ضَلَّ سَعۡیُهُمۡ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَهُمۡ یَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ یُحۡسِنُونَ صُنۡعًا أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِمۡ وَلِقَاۤىِٕهِۦ فَحَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَلَا نُقِیمُ لَهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ وَزۡنࣰا}
#وقفات_مع_سورة_الكهف
#إنه_القرآن
{أَیُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰا}
من أهم ما نخرج به من ترحالنا بين سور الكتاب المجيد وورودنا المتجدد على آياته هو معرفة حقيقة الحياة الدنيا وغاية وجودنا فيها، ولذلك نجد كثيرا ما يتكرر ضرب الأمثال لطبيعة هذه الدنيا الفانية ومتاعها المنقطع وزينتها الزائلة.
💡
في سورة الكهف ومن خلال ثلاث آيات نحن على موعد مع تلك الحقيقة الكبرى التي لا يستقيم للمرء عمل حتى يوقن بها يقينا راسخا يتمكن منه ...
أما الآية الثالثة فهي المثل الذي يتكرر في القرآن بأكثر من طريقة ﴿وَٱضۡرِبۡ لَهُم مَّثَلَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا كَمَاۤءٍ أَنزَلۡنَـٰهُ مِنَ السماء فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ فَأَصۡبَحَ هَشِیمࣰا تَذۡرُوهُ ٱلرِّیَـٰحُۗ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ مُّقۡتَدِرًا﴾
وأما الآيتان الأولى والثانية {إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِینَةࣰ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَیُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰا وَإِنَّا لَجَـٰعِلُونَ مَا عَلَیۡهَا صَعِیدࣰا جُرُزًا} ففيهما تقرير لنفس الحقيقة بأسلوب مباشر واضح صريح، والذي أحب أن أتأمله اليوم هو هذا النص المدهش على الغرض من جعل ما على الأرض زينة لها : {لنبلوهم أيهم أحسن عملا}
فكأننا نرى هنا الدنيا دار عمل وابتلاء/ فتنتها الزينة/ومصيرها الفناء، هذه الحقائق الثلاثة تُشَد الواحدة منها مع الأخرى في رباط وثيق لا ينفصم، فالذي يوقن حقا بسرعة زوال الدنيا مهما طالت لن تغره زينتها مهما تبهرجت، بل يدرك عمق الابتلاء الكامن فيها فيعرض عنها ما أمكنه، ولا يكون همه في إلمامه بها إلا أن يكون أحسن عملا، أو كما يقول الإمام الطبري: [أترك لها وأتبع لأمرنا ونهينا وأعمل فيها بطاعتنا]
💡
لقد فاجأني حقا شبه إجماع من المفسرين على أن المقصود بالأحسن عملا أنه الأزهد في الدنيا والأترك لها، وهذا عجيب، لأنني بينما أتأمل لفظ (أحسن عملا) اليوم قد تبين لي كم تكررت صيغ التفضيل في السورة وأنها انقسمت دوما بين أمرين اثنين لا ثالث لهما: أمر الدنيا وأمر الآخرة، أمر الحال وزينته الفانية وأمر المآل ونعيمه الدائم.
💡
ففي قصة صاحب الجنتين يفخر هذا الكافر على صاحبه {أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا} فتكون هذه الأفضلية الموهومة بداية فتنته وسقوطه في مهاوي الضلال، وأما صاحبه المؤمن فلا يغتر بأكثريته الدنيوية ويراها في حقيقتها الفانية ابتلاء لا لبس فيه، فيسلك طريقا آخر ليتحقق بوصفه تعالى (أحسن عملا) حيث يثبت أمام الفتنة وينكر الكفر ويعلن التوحيد ويطلعنا على مصدر آخر للخيرية {فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك ويرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا}
ثم تعقيبا على القصة تتقرر هذه الخيرية: {المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا}
💡
وفي قصة موسى عليه السلام مع العبد الصالح وفي سياق تأويل قتل الغلام الذي رآه موسى عليه السلام شيئا نكرا {فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما}
فهناك موازين مختلفة نقيم بها البشر والأشياء، ولنفس السبب تقريبا يرد ذو القرنين على القوم بينما يعرضون عليه أجرا ليبني لهم السد {قال ما مكني فيه ربي خير}
💡
وبعد،
فإن المرء لطالما رأى في أصحاب قصص سورة الكهف نماذج بشرية مثالية تعد معيارا يُتحاكم إليه عند تقييم الناس والأفعال، ويُحتذى بها في مسالك الحياة ويُهتدى بهديها، وهكذا شأن كل ما ذكر الله من قصص الأنبياء وأوصاف الصالحين {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} ، ولقد كنت أظن اليوم وأنا أتوقف عند غاية الابتلاء {لنبلوهم أيهم أحسن عملا} أنني سأسهب في تبيين كيف كانت أفعالهم واختياراتهم وأقوالهم _على اختلاف الفتنة التي تعرضوا لها_ نموذجا لوصف (أحسن عملا) وأننا على اختلاف درجاتنا قربا وبعدا منهم لابد أن نسعى إلى التحقق بهذا الأحسن وتكميل معانيه في أنفسنا، حيث يصير مجرد السعي إلى بلوغ تلك المقامات الرفيعة خير ما يبذل الإنسان فيه جهده، لكنني بدلا من ذلك وجدتني أتوقف عند معنى واحد لا أبرحه، وهو أنه من وراء هذه الأعمال والأقوال والاختيارات التي تبدو غريبة للبعض كان الزهد في الدنيا والإعراض عن زينتها، واليقين في أن ما عند الله خير وأبقى هو الدافع الأساس ليتحقق أبطال هذه القصص بوصف (أحسن عملا) على اختلاف تفاصيل القصة وطبيعة الأعمال، ربما لذلك نجد مناط عقاب الكافرين وثواب المؤمنين متوقفا على هذا الأمر تحديدا:
{قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِینَ أَعۡمَـٰلًا ٱلَّذِینَ ضَلَّ سَعۡیُهُمۡ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَهُمۡ یَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ یُحۡسِنُونَ صُنۡعًا أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِ رَبِّهِمۡ وَلِقَاۤىِٕهِۦ فَحَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فَلَا نُقِیمُ لَهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ وَزۡنࣰا}
#وقفات_مع_سورة_الكهف
#إنه_القرآن
📝
﴿إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِینَةࣰ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَیُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰا﴾
تقرير يكشف حقيقة هذه الحياة وطبيعتها الفانية، كل ما على هذه الأرض مما يبتهج له القلب وتشتهيه النفس جعله الله زينة لها فتنة واختبارا (لنبلوهم أيهم أحسن عملا)
من ضمن الابتلاء أصلا أن يُزيَّن متاع الدنيا للإنسان فيشتهيه ويطلبه ثم يحزن إن فقده أو لم يدركه، ولو لم يكن مزينا له ولو لم يكن في قلبه رغبة فيه وطلب له، لما كان للابتلاء معنى!
💡
من أجل ذلك يأتي التحذير ثانية في السورة:
﴿وَٱصۡبِرۡ نَفۡسَكَ مَعَ ٱلَّذِینَ یَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِیِّ یُرِیدُونَ وَجۡهَهُۥۖ وَلَا تَعۡدُ عَیۡنَاكَ عَنۡهُمۡ تُرِیدُ زِینَةَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمۡرُهُۥ فُرُطࣰا﴾ [الكهف ٢٨]
💡
لن يتم صبرك على طاعة الله مع صحبة صالحة إلا إذا قصرت عينك عليهم فلم تمدها إلى زينة الحياة الدنيا تتتبعها عند غيرك فينفرط القلب وراءها رغبة وحسرة، لن يتم صبرك ويُجمع عليك أمرك إلا إذا قرت عينك في طاعة الله (وجعلت قرة عيني في الصلاة) وإن قرار العين لهو علامة قرار القلب وجمعيته وسكونه
💡
ثم ينضبط الميزان لتتقرر عند التعارض الأولويات ويعرف المرء ما يجب أن يُؤثِر حقا، وما يحتمل أن يأخذ منه إن شاء أو يدع:
﴿ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِینَةُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَٱلۡبَـٰقِیَـٰتُ ٱلصَّـٰلِحَـٰتُ خَیۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابࣰا وَخَیۡرٌ أَمَلࣰا﴾ [الكهف ٤٦]
فالمال والبنون حقا زينة الحياة الدنيا، لكن هذا ليس مبررا للانشغال بهما طول الوقت ولا لحصر السعي في تحصيلهما، لأن ثمة ما هو خير عند ربك ثوابا وخير أملا، يا الله! كم يؤمِّل المرء في ماله وولده! كم يخلقان في قلبه أحلاما كبارا وآمالا حلوة تزدان بها الحياة وتمتد وتتسع! ثم رغم ذلك (والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا)
إذ أنَّى يقارن أمل الدنيا الفانية بأمل الآخرة الباقية وأنّى يقارن الأمل المحتمل المحدود بالأمل الممتد بلا حدود؟!
💡
إن طول الأمل في الدنيا، يزل بسببه الإنسان ويتمادى في الزلل، ويَقصُر به عن الطاعة ويستعذب الكسل ﴿ذَرۡهُمۡ یَأۡكُلُوا۟ وَیَتَمَتَّعُوا۟ وَیُلۡهِهِمُ ٱلۡأَمَلُۖ فَسَوۡفَ یَعۡلَمُونَ﴾ [الحجر ٣]
💡
لو توقفنا قليلا عند معنى قوله تعالى (وخير أملا) وربطنا بين الباقيات الصالحات والمعنى الصحيح للأمل، لفهمنا أنه لا يجب أن يتعلق أمل الإنسان بزينة الدنيا الزائلة من مال وبنين، وإنما يتعلق فقط بالآخرة والسعي لها.
كأن الآية تحذرنا من أن يطول أملنا في متاع الحياة الدنيا وزينتها، وتوجهنا إلى أن يكون جل أملنا وغايته ومنتهاه في نعيم الآخرة وما يوصل له من أعمال صالحة
💡
فرق كبير حقا بين أن يلهك الأمل، وبين أن يدفعك للعمل الصالح والسعي للآخرة!
عجيب شأن هذا الدين وعجيب أمر هذا الوحي، إنه يراقب ليس فقط ظاهر الأعمال وإنما ينفذ إلى سرائر النفوس ودقائق خفاياها، حتى الأمل الذي ينبت فيها يراقبه ويوجهه ويعيد تشكيله، والحقيقة أنه من بذرة الأمل تنمو كل أعمال الإنسان وسلوكياته، وبحسب طبيعة هذا الأمل تكون طبيعة هذه السلوكيات والأعمال، فإن كان الأمل دنيويا محضا كان قوام الأعمال الطمع والجشع والأنانية، وإن كان أخرويا كان قوام الأعمال الزهد والإيثار والتقوى.
💡
لقد تعلمنا في سورة الكهف اليوم كيف ننظر إلى زينة الحياة الدنيا نظرة استبصار متزنة: كيف ندرك جوهرها وغايتها (لنبلوهم أيهم أحسن عملا)، كيف نسلك معها فلا تغفل بها قلوبنا عن طاعة ربها (ولا تعدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا) ولا نؤثرها على ما هو خير لنا عند ربنا ثوابا وخير أملا (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا)
اللهم وفقنا للباقيات الصالحات واجعلها لنا خيرا ثوابا وخيرا أملا آمين
#وقفات_مع_سورة_الكهف
﴿إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِینَةࣰ لَّهَا لِنَبۡلُوَهُمۡ أَیُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلࣰا﴾
تقرير يكشف حقيقة هذه الحياة وطبيعتها الفانية، كل ما على هذه الأرض مما يبتهج له القلب وتشتهيه النفس جعله الله زينة لها فتنة واختبارا (لنبلوهم أيهم أحسن عملا)
من ضمن الابتلاء أصلا أن يُزيَّن متاع الدنيا للإنسان فيشتهيه ويطلبه ثم يحزن إن فقده أو لم يدركه، ولو لم يكن مزينا له ولو لم يكن في قلبه رغبة فيه وطلب له، لما كان للابتلاء معنى!
💡
من أجل ذلك يأتي التحذير ثانية في السورة:
﴿وَٱصۡبِرۡ نَفۡسَكَ مَعَ ٱلَّذِینَ یَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِیِّ یُرِیدُونَ وَجۡهَهُۥۖ وَلَا تَعۡدُ عَیۡنَاكَ عَنۡهُمۡ تُرِیدُ زِینَةَ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن ذِكۡرِنَا وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمۡرُهُۥ فُرُطࣰا﴾ [الكهف ٢٨]
💡
لن يتم صبرك على طاعة الله مع صحبة صالحة إلا إذا قصرت عينك عليهم فلم تمدها إلى زينة الحياة الدنيا تتتبعها عند غيرك فينفرط القلب وراءها رغبة وحسرة، لن يتم صبرك ويُجمع عليك أمرك إلا إذا قرت عينك في طاعة الله (وجعلت قرة عيني في الصلاة) وإن قرار العين لهو علامة قرار القلب وجمعيته وسكونه
💡
ثم ينضبط الميزان لتتقرر عند التعارض الأولويات ويعرف المرء ما يجب أن يُؤثِر حقا، وما يحتمل أن يأخذ منه إن شاء أو يدع:
﴿ٱلۡمَالُ وَٱلۡبَنُونَ زِینَةُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَاۖ وَٱلۡبَـٰقِیَـٰتُ ٱلصَّـٰلِحَـٰتُ خَیۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابࣰا وَخَیۡرٌ أَمَلࣰا﴾ [الكهف ٤٦]
فالمال والبنون حقا زينة الحياة الدنيا، لكن هذا ليس مبررا للانشغال بهما طول الوقت ولا لحصر السعي في تحصيلهما، لأن ثمة ما هو خير عند ربك ثوابا وخير أملا، يا الله! كم يؤمِّل المرء في ماله وولده! كم يخلقان في قلبه أحلاما كبارا وآمالا حلوة تزدان بها الحياة وتمتد وتتسع! ثم رغم ذلك (والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا)
إذ أنَّى يقارن أمل الدنيا الفانية بأمل الآخرة الباقية وأنّى يقارن الأمل المحتمل المحدود بالأمل الممتد بلا حدود؟!
💡
إن طول الأمل في الدنيا، يزل بسببه الإنسان ويتمادى في الزلل، ويَقصُر به عن الطاعة ويستعذب الكسل ﴿ذَرۡهُمۡ یَأۡكُلُوا۟ وَیَتَمَتَّعُوا۟ وَیُلۡهِهِمُ ٱلۡأَمَلُۖ فَسَوۡفَ یَعۡلَمُونَ﴾ [الحجر ٣]
💡
لو توقفنا قليلا عند معنى قوله تعالى (وخير أملا) وربطنا بين الباقيات الصالحات والمعنى الصحيح للأمل، لفهمنا أنه لا يجب أن يتعلق أمل الإنسان بزينة الدنيا الزائلة من مال وبنين، وإنما يتعلق فقط بالآخرة والسعي لها.
كأن الآية تحذرنا من أن يطول أملنا في متاع الحياة الدنيا وزينتها، وتوجهنا إلى أن يكون جل أملنا وغايته ومنتهاه في نعيم الآخرة وما يوصل له من أعمال صالحة
💡
فرق كبير حقا بين أن يلهك الأمل، وبين أن يدفعك للعمل الصالح والسعي للآخرة!
عجيب شأن هذا الدين وعجيب أمر هذا الوحي، إنه يراقب ليس فقط ظاهر الأعمال وإنما ينفذ إلى سرائر النفوس ودقائق خفاياها، حتى الأمل الذي ينبت فيها يراقبه ويوجهه ويعيد تشكيله، والحقيقة أنه من بذرة الأمل تنمو كل أعمال الإنسان وسلوكياته، وبحسب طبيعة هذا الأمل تكون طبيعة هذه السلوكيات والأعمال، فإن كان الأمل دنيويا محضا كان قوام الأعمال الطمع والجشع والأنانية، وإن كان أخرويا كان قوام الأعمال الزهد والإيثار والتقوى.
💡
لقد تعلمنا في سورة الكهف اليوم كيف ننظر إلى زينة الحياة الدنيا نظرة استبصار متزنة: كيف ندرك جوهرها وغايتها (لنبلوهم أيهم أحسن عملا)، كيف نسلك معها فلا تغفل بها قلوبنا عن طاعة ربها (ولا تعدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا) ولا نؤثرها على ما هو خير لنا عند ربنا ثوابا وخير أملا (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا)
اللهم وفقنا للباقيات الصالحات واجعلها لنا خيرا ثوابا وخيرا أملا آمين
#وقفات_مع_سورة_الكهف
وهكذا نجد أن مواجهة الكفر والبغي والطغيان كانت أول ما كانت في كلمة يقولها مؤمن في ثقة بربه وإيمان تام بوحدانيته وقدرته، كلمة قالها موسى عليه السلام وقالها أصحاب الكهف وقالها صاحب صاحب الجنتين، كلمة كانت فارقا بين الحق والباطل، بين الظلمات والنور، بين عهود القهر والاستضعاف وعهود التمكين والاستخلاف، كلمة ظهرت عندها أيام الله وتجلت فيها نعمائه على المؤمنين وبطشه بالظالمين في آيات باهرات لا يعمى عن أنوارها إلا أعمى القلب مطموس البصيرة، فينام الفتية في كهف أكثر من ثلاثمائة عام ثم يبعثون كأنهم ما لبثوا إلا يوما أو بعض يوم، وتصبح جنة الكافر خاوية على عروشها، وينقلب البحر طريقا يبسا في غمضة عين فينجو المؤمنون ويغرق الكافرون.
💡
هكذا نجد أن الكلمة التي بلغ فيها الإيمان ذروته هي نفسها الكلمة التي بلغ عندها الكفر نهايته، هكذا نرى أن الكلمة التي حملت عمرا من اليقين والتوحيد والجهاد قد استمد أهل الحق والإيمان منها أعمارا جديدة مديدة، وحصل لأهل الباطل والظلم والكفر بسببها الهلاك والفناء فلم تبق لهم باقية
💡
﴿كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾
كلمة في يوم من أيام الله قالها موسى عليه السلام في مواجهة كيد فرعون، هي كلمة نستصحبها على طول الزمان في مواجهة كل فرعون، آملين ونحن نصوم فرحا بيوم نجى الله فيه المؤمنين وأهلك الظالمين أن نفرح عما قريب بنجاة كل مؤمن وهلاك كل ظالم اللهم آمين
#مقالات
#وقفات_مع_سورة_الكهف
#إنه_القرآن
💡
هكذا نجد أن الكلمة التي بلغ فيها الإيمان ذروته هي نفسها الكلمة التي بلغ عندها الكفر نهايته، هكذا نرى أن الكلمة التي حملت عمرا من اليقين والتوحيد والجهاد قد استمد أهل الحق والإيمان منها أعمارا جديدة مديدة، وحصل لأهل الباطل والظلم والكفر بسببها الهلاك والفناء فلم تبق لهم باقية
💡
﴿كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾
كلمة في يوم من أيام الله قالها موسى عليه السلام في مواجهة كيد فرعون، هي كلمة نستصحبها على طول الزمان في مواجهة كل فرعون، آملين ونحن نصوم فرحا بيوم نجى الله فيه المؤمنين وأهلك الظالمين أن نفرح عما قريب بنجاة كل مؤمن وهلاك كل ظالم اللهم آمين
#مقالات
#وقفات_مع_سورة_الكهف
#إنه_القرآن
🗒📝🗒
••في افتتاح سورة الكهف كل جمعة إشعار بوجوب الحمد لله على نعمة إنزال هذا الكتاب:
(الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عِوجا)
لكني منذ مدة أستشعر مكانة الحمد في شرائع الدين ومقاصده وأتتبع مكانته وسط آيات القرآن وفي افتتاح سوره.
خمس سور في القرآن تُفتتح بحمد الله أولها سورة الفاتحة، إنه لأمر جلل أن يُفتتح الكتاب كله بالحمد لله رب العالمين، إنه لأمر جلل أن يفرض علينا تكرار هذا الحمد في كل ركعة في كل صلاة، إنه لأمر جلل أنه من لم يقر هذا الحمد فلا صلاة له.
💡
هذا شأن البدايات وأمر الاستفتاح، فما ظنك بالخواتيم ونهايات الأمور؟
تكرر في القرآن أن أواخر كل شيء تكون دوما بحمد الله، انظروا معي كيف يلهج أهل الجنة بحمد الله بعد أن استقروا فيها منعمين مكرمين:
(وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق)
(وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور)
(وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين)
💡
ثم ختاما وتأكيدا على أن عاقبة أمرهم كله هي الحمد:
(دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين)
،فكأن آخر ما يقول أهل الجنة هو (الحمد لله رب العالمين)
••ثم المشهد المهيب في ختام سورة الزمر، المشهد الذي يتوقف عنده الإنسان وهو يتنهد راحة وطمأنينة وفرحا، حين تصل الأمور إلى غاياتها وحين تنتهي كل الدنيا بابتلاءاتها وحين تنقضي أهوال يوم القيامة وفزع مشاهد الحساب وحين يستقر أهل النعيم في الجنات ويمكث أهل النار في العذاب وحين لا يبقى موت بل حياة إلى الأبد وخلود لا ينقطع، في هذه اللحظات ترى هذا المشهد:
(وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين)
💡
كأنما الكون كله يقول الحمد لله رب العالمين لا الملائكة وحدهم، كأنه ما قامت الدنيا إلا لأجل ذلك المشهد ولأجل ذلك القول، كأنه حتى وهناك من يعذب في النار فإن الحمد لله رب العالمين لأنه لم يترك عباده سدى ولم يخلقهم عبثا ولم يُسوِّ بين المؤمنين والكفار ولم يجعل المتقين كالفجار.
💡
فتأمل كيف كان حمد الله بداية كل شيء ومنتهاه، كيف بدأت به قصة الخلق وكيف خُتمت به، كيف لهجت به ألسنة المؤمنين في الدنيا شكرا وعرفانا فألهموه في الجنة حبا وامتنانا، فإن من عاش على شيء مات عليه ومن مات على شيء بُعث عليه، ولعلنا إن عشنا على الحمد متنا عليه فبعثنا عليه وكان آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
(الحمد لله رب العالمين)
#وقفات_مع_سورة_الكهف
#إنه_القرآن
••في افتتاح سورة الكهف كل جمعة إشعار بوجوب الحمد لله على نعمة إنزال هذا الكتاب:
(الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عِوجا)
لكني منذ مدة أستشعر مكانة الحمد في شرائع الدين ومقاصده وأتتبع مكانته وسط آيات القرآن وفي افتتاح سوره.
خمس سور في القرآن تُفتتح بحمد الله أولها سورة الفاتحة، إنه لأمر جلل أن يُفتتح الكتاب كله بالحمد لله رب العالمين، إنه لأمر جلل أن يفرض علينا تكرار هذا الحمد في كل ركعة في كل صلاة، إنه لأمر جلل أنه من لم يقر هذا الحمد فلا صلاة له.
💡
هذا شأن البدايات وأمر الاستفتاح، فما ظنك بالخواتيم ونهايات الأمور؟
تكرر في القرآن أن أواخر كل شيء تكون دوما بحمد الله، انظروا معي كيف يلهج أهل الجنة بحمد الله بعد أن استقروا فيها منعمين مكرمين:
(وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق)
(وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور)
(وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين)
💡
ثم ختاما وتأكيدا على أن عاقبة أمرهم كله هي الحمد:
(دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين)
،فكأن آخر ما يقول أهل الجنة هو (الحمد لله رب العالمين)
••ثم المشهد المهيب في ختام سورة الزمر، المشهد الذي يتوقف عنده الإنسان وهو يتنهد راحة وطمأنينة وفرحا، حين تصل الأمور إلى غاياتها وحين تنتهي كل الدنيا بابتلاءاتها وحين تنقضي أهوال يوم القيامة وفزع مشاهد الحساب وحين يستقر أهل النعيم في الجنات ويمكث أهل النار في العذاب وحين لا يبقى موت بل حياة إلى الأبد وخلود لا ينقطع، في هذه اللحظات ترى هذا المشهد:
(وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين)
💡
كأنما الكون كله يقول الحمد لله رب العالمين لا الملائكة وحدهم، كأنه ما قامت الدنيا إلا لأجل ذلك المشهد ولأجل ذلك القول، كأنه حتى وهناك من يعذب في النار فإن الحمد لله رب العالمين لأنه لم يترك عباده سدى ولم يخلقهم عبثا ولم يُسوِّ بين المؤمنين والكفار ولم يجعل المتقين كالفجار.
💡
فتأمل كيف كان حمد الله بداية كل شيء ومنتهاه، كيف بدأت به قصة الخلق وكيف خُتمت به، كيف لهجت به ألسنة المؤمنين في الدنيا شكرا وعرفانا فألهموه في الجنة حبا وامتنانا، فإن من عاش على شيء مات عليه ومن مات على شيء بُعث عليه، ولعلنا إن عشنا على الحمد متنا عليه فبعثنا عليه وكان آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
(الحمد لله رب العالمين)
#وقفات_مع_سورة_الكهف
#إنه_القرآن