انهيار قطّارة الامام علي (عليه السلام)
الخرافة وما تفعله بالناس!
كشف الجيولوجي الكربلائي المختص صباح حسن عبد الأمير (سأضع كامل كلامه في المصادر أسفل المنشور) عن بعض الأسباب التي أدت الى انهيار مزار قطارة الامام علي عليه السلام.
وأقتبس من كلامه هنا قوله: "اما سبب الانهيار الاخير، فيعود إلى استغلال صاحب المشروع الأخير للقطارة فقام بمد أنابيب ماء في أسفل التلال لديمومة خروج المياه وهو ما سبب تفتت تربة المنطقة بفعل نضوح الماء منها ثم أقام عليها منشاة خراسانية لم تتحملها الطبقات الرملية الهشة ما أدى إلى انهيارها!".. انتهى كلام الجيولوجي صباح حسن.
والسؤال الآن:
ما قصة هذا المزار ولماذا ارتبط بالامام علي عليه السلام؟
الجواب:
يُروى ان الامام علي حين توجه الى معركة صفين لحق بجيشه العطش في الصحراء فازاح الامام عن الارض صخرة فخرج من تحتها ماء أعذب من الشهد وألين من الزبد الزلال.. فشرب أصحاب الامام وسقوا دوابهم.. ثُم تُكمل القصة كيف ان الامام التقى بعدها براهب اسمه شمعون.. وتحدثا بالأمر. (لمراجعة تفاصيل القصة راجع كتاب الأمالي للشيخ الصدوق ص ٢٥١، كما ان هذه الحادثة نقلها المجلسي والطبري والأعثم في الفتوح وغيرهم)
حسنًا..
في ستينيات القرن الماضي تم اكتشاف "مزار القطارة" بحسب موقع مكتبة الروضة الحيدرية.. وتم نسبة هذا المزار الى تلك الحادثة التاريخية وتم الادعّاء بأن هذه القطارة التي يزورها الناس الآن والتي اكتُشفت في القرن الماضي هي نفسها العين التي كشف الامام علي عليه السلام الصخرة عنها في طريق صفّين!.
ثم تمّ الادعّاء بعد ذلك ان الامام علي حين كشف الصخرة عن العين في طريقه لصفّين فان العين بقيت تُخرج الماء الى يوم الناس هذا في هذا المزار.
الغريب في الأمر هو:
عند مراجعة الرواية التي ذكرها الصدوق في الأمالي نجد هذا النص (قال مالك بن الحارث الأشتر: فظهر لنا ماء أعذب من الشهد، وأبرد من الثلج، وأصفى من الياقوت، فشربنا وسقينا، ثم رد الصخرة وأمرنا أن نحثو عليها التراب، ثم ارتحل)
وهنا عليك ان تضع خطًا تحت السطر الأخير (شربنا وسقينا، ثم رد الصخرة وأمرنا أن نحثو عليها التراب، ثم ارتحل)!
في نفس الرواية التي يُستند اليها لاثبات هذه الكرامة للامام، نجد ان الامام اغلق العين بالصخرة وامرهم بأن تُدفن.. فكيف يتم الادعاء انها لازالت تُخرج الماء من تلك الحادثة لليوم؟
ثم كيف وجدها الناس في ستينيات القرن الماضي والامام علي كان قد دفنها أساسًا؟
يُمكننا ان نحلّ شيئًا من اللغز اذا صَدَقت رواية الجيولوجي الكربلائي المختص صباح حسن وعرفنا ان الماء مستمر بالخروج في هذه القطّارة لأن صاحب المشروع مدّ إليها أنابيب ماء -وهي التي تسببت بالانهيار الاخير بعد التراكم الزمني-
———
المصادر المذكورة:
توضيح الجيولوجي الكربلائي صباح حسن:
https://www.nasnews.com/view.php?cat=92320
قصة الصخرة في كتاب الأمالي للصدوق:
http://shiaonlinelibrary.com/الكتب/1134_الأمالي-الشيخ-الصدوق/الصفحة_249#top
تاريخ اكتشاف المزار من مكتبة الروضة الحيدرية:
https://www.haydarya.com/?id=914
الخرافة وما تفعله بالناس!
كشف الجيولوجي الكربلائي المختص صباح حسن عبد الأمير (سأضع كامل كلامه في المصادر أسفل المنشور) عن بعض الأسباب التي أدت الى انهيار مزار قطارة الامام علي عليه السلام.
وأقتبس من كلامه هنا قوله: "اما سبب الانهيار الاخير، فيعود إلى استغلال صاحب المشروع الأخير للقطارة فقام بمد أنابيب ماء في أسفل التلال لديمومة خروج المياه وهو ما سبب تفتت تربة المنطقة بفعل نضوح الماء منها ثم أقام عليها منشاة خراسانية لم تتحملها الطبقات الرملية الهشة ما أدى إلى انهيارها!".. انتهى كلام الجيولوجي صباح حسن.
والسؤال الآن:
ما قصة هذا المزار ولماذا ارتبط بالامام علي عليه السلام؟
الجواب:
يُروى ان الامام علي حين توجه الى معركة صفين لحق بجيشه العطش في الصحراء فازاح الامام عن الارض صخرة فخرج من تحتها ماء أعذب من الشهد وألين من الزبد الزلال.. فشرب أصحاب الامام وسقوا دوابهم.. ثُم تُكمل القصة كيف ان الامام التقى بعدها براهب اسمه شمعون.. وتحدثا بالأمر. (لمراجعة تفاصيل القصة راجع كتاب الأمالي للشيخ الصدوق ص ٢٥١، كما ان هذه الحادثة نقلها المجلسي والطبري والأعثم في الفتوح وغيرهم)
حسنًا..
في ستينيات القرن الماضي تم اكتشاف "مزار القطارة" بحسب موقع مكتبة الروضة الحيدرية.. وتم نسبة هذا المزار الى تلك الحادثة التاريخية وتم الادعّاء بأن هذه القطارة التي يزورها الناس الآن والتي اكتُشفت في القرن الماضي هي نفسها العين التي كشف الامام علي عليه السلام الصخرة عنها في طريق صفّين!.
ثم تمّ الادعّاء بعد ذلك ان الامام علي حين كشف الصخرة عن العين في طريقه لصفّين فان العين بقيت تُخرج الماء الى يوم الناس هذا في هذا المزار.
الغريب في الأمر هو:
عند مراجعة الرواية التي ذكرها الصدوق في الأمالي نجد هذا النص (قال مالك بن الحارث الأشتر: فظهر لنا ماء أعذب من الشهد، وأبرد من الثلج، وأصفى من الياقوت، فشربنا وسقينا، ثم رد الصخرة وأمرنا أن نحثو عليها التراب، ثم ارتحل)
وهنا عليك ان تضع خطًا تحت السطر الأخير (شربنا وسقينا، ثم رد الصخرة وأمرنا أن نحثو عليها التراب، ثم ارتحل)!
في نفس الرواية التي يُستند اليها لاثبات هذه الكرامة للامام، نجد ان الامام اغلق العين بالصخرة وامرهم بأن تُدفن.. فكيف يتم الادعاء انها لازالت تُخرج الماء من تلك الحادثة لليوم؟
ثم كيف وجدها الناس في ستينيات القرن الماضي والامام علي كان قد دفنها أساسًا؟
يُمكننا ان نحلّ شيئًا من اللغز اذا صَدَقت رواية الجيولوجي الكربلائي المختص صباح حسن وعرفنا ان الماء مستمر بالخروج في هذه القطّارة لأن صاحب المشروع مدّ إليها أنابيب ماء -وهي التي تسببت بالانهيار الاخير بعد التراكم الزمني-
———
المصادر المذكورة:
توضيح الجيولوجي الكربلائي صباح حسن:
https://www.nasnews.com/view.php?cat=92320
قصة الصخرة في كتاب الأمالي للصدوق:
http://shiaonlinelibrary.com/الكتب/1134_الأمالي-الشيخ-الصدوق/الصفحة_249#top
تاريخ اكتشاف المزار من مكتبة الروضة الحيدرية:
https://www.haydarya.com/?id=914
لماذا لا تتم إزالة المراقد والمزارات الوهمية؟
يسأل الناس.. ويسألون: لماذا الخرافة في كل مكان؟
ربما علينا احالة هذا السؤال الى سؤال أكبر وأدق لاكتشاف شيء من الاجابة..فهنا في الحقيقة علينا ان نسأل: لماذا يتم تجهيل الناس اساسًا؟ من المستفيد من تفشي الجهل والخرافة وتدمير التفكير الانساني وحتى الذائقة الانسانية؟
لـ آثر سالزبورغر ناشر النيويورك تايمز كلمة ينبغي تأملها، يقول: (احجب المعلومات الصحيحة عن أي انسان، أو قدمها إليه مشوهة أو ناقصة أو محشوة بالدعاية والزيف، تكون قد دمرت كل جهاز تفكيره، ونزلت به الى ما دون مستوى الانسان)..
من العوامل التي تُنتج التخلف الاجتماعي وتنتعش به فيما بعد هي المعلومات المغلوطة المشوهة، الحقائق المشوهة وأنصافها، فيشيع في المجتمع المتخلف الدجالون والكذبة بخرافاتهم وأكاذيبهم.. والجمهور وفير
وبمراجعة التاريخ تجد في أكثر الاحيان ان السلطة المستبدة الانتهازية المتغولة على حقوق الناس تدعم كل ما من شأنه تزييف وعي الناس وحشو أدمغتهم بالتضليل والخرافات والتجهيل، وتحارب هذه الانظمة المستبدة كل ما من شأنه رفع مستوى وعي الناس او تسليحهم بالعلم الحقيقي لا الزائف.
قد نسأل لماذا يشيع في المجتمع المتخلف العلم الزائف؟ والجواب ان نوع السلطات الانتهازية المستبدة من مصلحتها ومما يخدم بقائها هو تدمير التفكير الانساني واغراقه بالخرافة، ليتحول الانسان الى ما هو أقل من الانسان على حد تعبير سالزبورغر.. فيسهل التحكم به وبموارد بلده والحط من شأنه واذلاله وقيادته وسلبه حقوقه وهو "الممنون" على ذلك.. بل قد يدافع عن جلّاديه، فمركز التفكير في رأسه قد انحطّ وانتهى!
يفتح الاستبداد أبوابه لكل ما من شأنه ان يشوه العلم الحقيقي والحقائق التاريخية، ويفتح ابوابه لكل ما من شأنه أن يشوه الأدب والفنّ، فيشيع الفن الهابط السخيف الذي يساهم في ادامة المجتمع المتخلف، وتزداد المسارح التجارية والمؤخرات رأس مالها، وتكثر في مجتمعات الطغيان والاستبداد الفنون الرديئة التي تُسمى بالفن ظلمًا، ،وينتشر الهراء بعنوان الأدب، وفي سياق هذا التجهيل والتدمير المُتعمد تنتشر الخرافات والمراقد الوهمية بعنوان "المقدسات".. فاغراق السوق بالبضائع الزائفة سيضيع على الناس البضائع الحقيقية.
الحقائق، التفكير المنطقي، ادارك الاشياء بسياق عقلي، كل هذه سيوف بوجه الدكتاتوريات، وخناجر في خواصر الانتهازيين والفاسدين.. فتراهم حين يحكمون يحاولون ابعاد الناس عن الحقائق باغراقهم بالزيف والخرافة، ويتخلصون من الفهم بفتح الابواب لكل نطيحة ومتردية.. حتى اصبحنا نتغنى بالخرافة وندافع عنها باستقتال ونحن نقرأ في القرآن: (أفلا يعقلون؟) لكننا لا نعقل.. لأنهم نزلوا بنا الى ما دون مستوى الانسان.
يسأل الناس.. ويسألون: لماذا الخرافة في كل مكان؟
ربما علينا احالة هذا السؤال الى سؤال أكبر وأدق لاكتشاف شيء من الاجابة..فهنا في الحقيقة علينا ان نسأل: لماذا يتم تجهيل الناس اساسًا؟ من المستفيد من تفشي الجهل والخرافة وتدمير التفكير الانساني وحتى الذائقة الانسانية؟
لـ آثر سالزبورغر ناشر النيويورك تايمز كلمة ينبغي تأملها، يقول: (احجب المعلومات الصحيحة عن أي انسان، أو قدمها إليه مشوهة أو ناقصة أو محشوة بالدعاية والزيف، تكون قد دمرت كل جهاز تفكيره، ونزلت به الى ما دون مستوى الانسان)..
من العوامل التي تُنتج التخلف الاجتماعي وتنتعش به فيما بعد هي المعلومات المغلوطة المشوهة، الحقائق المشوهة وأنصافها، فيشيع في المجتمع المتخلف الدجالون والكذبة بخرافاتهم وأكاذيبهم.. والجمهور وفير
وبمراجعة التاريخ تجد في أكثر الاحيان ان السلطة المستبدة الانتهازية المتغولة على حقوق الناس تدعم كل ما من شأنه تزييف وعي الناس وحشو أدمغتهم بالتضليل والخرافات والتجهيل، وتحارب هذه الانظمة المستبدة كل ما من شأنه رفع مستوى وعي الناس او تسليحهم بالعلم الحقيقي لا الزائف.
قد نسأل لماذا يشيع في المجتمع المتخلف العلم الزائف؟ والجواب ان نوع السلطات الانتهازية المستبدة من مصلحتها ومما يخدم بقائها هو تدمير التفكير الانساني واغراقه بالخرافة، ليتحول الانسان الى ما هو أقل من الانسان على حد تعبير سالزبورغر.. فيسهل التحكم به وبموارد بلده والحط من شأنه واذلاله وقيادته وسلبه حقوقه وهو "الممنون" على ذلك.. بل قد يدافع عن جلّاديه، فمركز التفكير في رأسه قد انحطّ وانتهى!
يفتح الاستبداد أبوابه لكل ما من شأنه ان يشوه العلم الحقيقي والحقائق التاريخية، ويفتح ابوابه لكل ما من شأنه أن يشوه الأدب والفنّ، فيشيع الفن الهابط السخيف الذي يساهم في ادامة المجتمع المتخلف، وتزداد المسارح التجارية والمؤخرات رأس مالها، وتكثر في مجتمعات الطغيان والاستبداد الفنون الرديئة التي تُسمى بالفن ظلمًا، ،وينتشر الهراء بعنوان الأدب، وفي سياق هذا التجهيل والتدمير المُتعمد تنتشر الخرافات والمراقد الوهمية بعنوان "المقدسات".. فاغراق السوق بالبضائع الزائفة سيضيع على الناس البضائع الحقيقية.
الحقائق، التفكير المنطقي، ادارك الاشياء بسياق عقلي، كل هذه سيوف بوجه الدكتاتوريات، وخناجر في خواصر الانتهازيين والفاسدين.. فتراهم حين يحكمون يحاولون ابعاد الناس عن الحقائق باغراقهم بالزيف والخرافة، ويتخلصون من الفهم بفتح الابواب لكل نطيحة ومتردية.. حتى اصبحنا نتغنى بالخرافة وندافع عنها باستقتال ونحن نقرأ في القرآن: (أفلا يعقلون؟) لكننا لا نعقل.. لأنهم نزلوا بنا الى ما دون مستوى الانسان.
واحد من أكبر المقالب "الدينية" الوهمية في حياة شيعة العراق من سنوات هو مرقد شريفة بنت الحسن الذي لا دليل عليه على لسان كبار علماء الشيعة قبل غيرهم!.
قبل ٥ سنوات صنعت فيديو من ٢٠ دقيقة عن الموضوع
للي يحب هذا رابط الفيديو على صفحتي بالفيسبوك:
https://www.facebook.com/husseinalmost/videos/927557440725507/
نتمنى لكم مشاهدة ممتعة خالية من المقالب والكلاوات والمهازل.
قبل ٥ سنوات صنعت فيديو من ٢٠ دقيقة عن الموضوع
للي يحب هذا رابط الفيديو على صفحتي بالفيسبوك:
https://www.facebook.com/husseinalmost/videos/927557440725507/
نتمنى لكم مشاهدة ممتعة خالية من المقالب والكلاوات والمهازل.
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
صوت: محسن جاووشي
دراجة: حسين تقريبًا
دراجة: حسين تقريبًا
حسين تقريبًا
صوت: محسن جاووشي دراجة: حسين تقريبًا
يقسّم بعض الفلاسفة كابن سينا وملا صدرا اللذائذ التي تبعث على السعادة الى:
-لذائذ مادية (طعام/جنس/وغيرها)
-لذائذ روحية (الحب/العاطفة/النجاح/وغيرها)
-لذائذ عقلية (المعرفة عموماً/معرفة النفس/وغيرها)
ويكتب ملا صدرا: "إن التعاسة الحقيقية هي حين يستبدل الإنسان لذته العقلية والروحية بعالم اللذائذ المادية"
لأن اللذة المادية (وإن كانت ضرورية وطبيعية) لا تبعث على السعادة الإنسانية بشكل حقيقي.. فلذة الطعام والجنس تشاركنا فيها الحيوانات التي تعيش في الوحل.
بينما نفارق بقية المخلوقات ونمتاز بآدميتنا بالسعادة التي يكون مصدرها روحي أو عقلي.
-لذائذ مادية (طعام/جنس/وغيرها)
-لذائذ روحية (الحب/العاطفة/النجاح/وغيرها)
-لذائذ عقلية (المعرفة عموماً/معرفة النفس/وغيرها)
ويكتب ملا صدرا: "إن التعاسة الحقيقية هي حين يستبدل الإنسان لذته العقلية والروحية بعالم اللذائذ المادية"
لأن اللذة المادية (وإن كانت ضرورية وطبيعية) لا تبعث على السعادة الإنسانية بشكل حقيقي.. فلذة الطعام والجنس تشاركنا فيها الحيوانات التي تعيش في الوحل.
بينما نفارق بقية المخلوقات ونمتاز بآدميتنا بالسعادة التي يكون مصدرها روحي أو عقلي.
وفي هذا يقول الشيخ ابن تيمية:
الرجل اذا تعلق قلبه بامرأة، ولو كانت مباحة له، يبقى قلبه أسيرا لها، تحكم فيه وتتصرف بما تريد، وهو فى الظاهر سيدها، وفي الحقيقة هو أسيرها ومملوكها، لا سيما إذا دَرَت بفقره إليها وعشقه لها، فإنها حينئذ تحكم فيه بحكم السيد القاهر الظالم في عبده المقهور الذي لا يستطيع الخلاص منه.. بل أعظم، فإن أسر القلب أعظم من أسر البدن.. واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن.
الرجل اذا تعلق قلبه بامرأة، ولو كانت مباحة له، يبقى قلبه أسيرا لها، تحكم فيه وتتصرف بما تريد، وهو فى الظاهر سيدها، وفي الحقيقة هو أسيرها ومملوكها، لا سيما إذا دَرَت بفقره إليها وعشقه لها، فإنها حينئذ تحكم فيه بحكم السيد القاهر الظالم في عبده المقهور الذي لا يستطيع الخلاص منه.. بل أعظم، فإن أسر القلب أعظم من أسر البدن.. واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن.
This media is not supported in your browser
VIEW IN TELEGRAM
اخوان صعدت عالتلّ ما لگيت البعير
عندي سوالف مالها علاقة ببهلوانيات السياسيين بالعراق.. آني راح اكتب للي يحب يقراهن.. وأمرنا لله
اللقاء لا البقاء
لم يتغنَّ عارفٌ او متصوفٌ بالبقاء بعد اللقاء، لأنهم لا يؤمنون بطول اللقاء، لا يؤمنون بصحّة البقاء بعد اللقاء، بل باللقاء، اللقاء دون البقاء.
وحين أقول لا يؤمنون بصحة البقاء بعد اللقاء فإن لعدم البقاء هنا معنيين، والثاني أصحُ من الأول: المعنى الأولى هو اللقاء ثم الفراق لتمني اللقاء مرة اخرى، والثاني هو ترك اللقاء للارتقاء الى لقاء أكثر وأشد حضورًا.. وفي اللقاء الثاني صاحب الحضور الاشد لا يقرّ المُحب بل يغادر الى لقاء أشد حضورًا من الحضور الأشد.. وهكذا في سلسلة لا نهائية، وما الهيام غير ان يكون ضياع لا نهائي.
في مثل هذا كان يقول الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي في فتوحاته المكية (مَنْ حَدَّ الحبَّ -أي وضع له حدًا- ما عَرَفَه! وَمَنْ قال: رَوِيْتُ منه ما عرفه! فالحب شُرْب بلا رِيٍّ. قال بعض المحجوبين: شرِبتُ شربةً فلم أظمأ بعدها أبدًا. فقال أبو اليزيد البسطامي : الرجل مَنْ يحسو البحار، ولسانه خارج على صدره من العطش. وهكذا هو الحب، حنين متجدد، وشوق مستمر، وظمأ دائم لا حَدَّ له ولا غاية؛ لأنه متجدد مع الأنفاس، فالشوق لا نهاية له؛ لأن أمر الحق لا نهاية له، فما من حالٍ يبلغها المحب إلا ويعلم أن وراء ذلك ما هو أتم وأوفى).. الفتوحات المكية/ محي الدين بن عربي.
وهذا ما يفسر لنا بعض مقصده حين كتب في رسالة الذي لا يعول عليه (كل شوق يسكن باللقاء لا يعوّل عليه) فالاشتياق عندهم لا يسكن باللقاء، بل يكون اللقاء فيه دار استراحة للانطلاق الى اشتياق أعلى وأشد.. وقد أفصح عن هذا المقصد بشكل جلي في موضع آخر حين نجده يقول (والاشتياق يهيج بالالتقاء، ولا يعرف الاشتياق الا العشّاق، فمن سكن باللقاء فما هو عاشق… من قام بثيابه الحريق كيف يسكن؟ للنار إلتهاب وملكة، فلابد من حركة، والحركة قلق، فمن سكن ما عشق..)
يتغنى العرفاء والصوفيون دومًا بالوصال، ذلك اما انهم يجدون الحب في السعي دون الوصول، او في الشوق المستمر الى ما هو أعلى مما وصلوا اليه.. كما انهم يجدون ان الحب سعي دائم، ومن كبير المصائب ان يتوهم من يظن نفسه محب بانه قد وصل وانتهى السعي حين ينال مرتبة او مراتب من القرب من الحبيب، فهنا سيصدق عليه ما قاله اوسكار وايلد مرة (ثمة مصيبتان في الحياة، الاولى ان لا تحصل على ما تريد، والثانية ان تحصل عليه!)
ويفضل المتصوفة هنا عدم الحصول على الحصول.. ذلك ان الحصول ليس سوى وهم. فالمحب بتعبير ابو يزيد البسطامي السابق (الرجل مَنْ يحسو البحار، ولسانه خارج على صدره من العطش). لا يمكن لمُحب أن يصل..
يتبع..
لم يتغنَّ عارفٌ او متصوفٌ بالبقاء بعد اللقاء، لأنهم لا يؤمنون بطول اللقاء، لا يؤمنون بصحّة البقاء بعد اللقاء، بل باللقاء، اللقاء دون البقاء.
وحين أقول لا يؤمنون بصحة البقاء بعد اللقاء فإن لعدم البقاء هنا معنيين، والثاني أصحُ من الأول: المعنى الأولى هو اللقاء ثم الفراق لتمني اللقاء مرة اخرى، والثاني هو ترك اللقاء للارتقاء الى لقاء أكثر وأشد حضورًا.. وفي اللقاء الثاني صاحب الحضور الاشد لا يقرّ المُحب بل يغادر الى لقاء أشد حضورًا من الحضور الأشد.. وهكذا في سلسلة لا نهائية، وما الهيام غير ان يكون ضياع لا نهائي.
في مثل هذا كان يقول الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي في فتوحاته المكية (مَنْ حَدَّ الحبَّ -أي وضع له حدًا- ما عَرَفَه! وَمَنْ قال: رَوِيْتُ منه ما عرفه! فالحب شُرْب بلا رِيٍّ. قال بعض المحجوبين: شرِبتُ شربةً فلم أظمأ بعدها أبدًا. فقال أبو اليزيد البسطامي : الرجل مَنْ يحسو البحار، ولسانه خارج على صدره من العطش. وهكذا هو الحب، حنين متجدد، وشوق مستمر، وظمأ دائم لا حَدَّ له ولا غاية؛ لأنه متجدد مع الأنفاس، فالشوق لا نهاية له؛ لأن أمر الحق لا نهاية له، فما من حالٍ يبلغها المحب إلا ويعلم أن وراء ذلك ما هو أتم وأوفى).. الفتوحات المكية/ محي الدين بن عربي.
وهذا ما يفسر لنا بعض مقصده حين كتب في رسالة الذي لا يعول عليه (كل شوق يسكن باللقاء لا يعوّل عليه) فالاشتياق عندهم لا يسكن باللقاء، بل يكون اللقاء فيه دار استراحة للانطلاق الى اشتياق أعلى وأشد.. وقد أفصح عن هذا المقصد بشكل جلي في موضع آخر حين نجده يقول (والاشتياق يهيج بالالتقاء، ولا يعرف الاشتياق الا العشّاق، فمن سكن باللقاء فما هو عاشق… من قام بثيابه الحريق كيف يسكن؟ للنار إلتهاب وملكة، فلابد من حركة، والحركة قلق، فمن سكن ما عشق..)
يتغنى العرفاء والصوفيون دومًا بالوصال، ذلك اما انهم يجدون الحب في السعي دون الوصول، او في الشوق المستمر الى ما هو أعلى مما وصلوا اليه.. كما انهم يجدون ان الحب سعي دائم، ومن كبير المصائب ان يتوهم من يظن نفسه محب بانه قد وصل وانتهى السعي حين ينال مرتبة او مراتب من القرب من الحبيب، فهنا سيصدق عليه ما قاله اوسكار وايلد مرة (ثمة مصيبتان في الحياة، الاولى ان لا تحصل على ما تريد، والثانية ان تحصل عليه!)
ويفضل المتصوفة هنا عدم الحصول على الحصول.. ذلك ان الحصول ليس سوى وهم. فالمحب بتعبير ابو يزيد البسطامي السابق (الرجل مَنْ يحسو البحار، ولسانه خارج على صدره من العطش). لا يمكن لمُحب أن يصل..
يتبع..
ان لم نصل.. هل تعاقبنا؟
استعرت العنوان هنا من اُنسي الحاج في كتابه خواتم.. حيث سأل (ان لم أصل، هل تعاقبني؟) ويبدو انه كان يسأل من يسعى اليه.. فتاة كان أو إلهًا أو معنىً.. هو يسأل (ان لم أصل.. هل تعاقبني؟) وبالنسبة لي ينطوي هذا السؤال على سعي مستمر للوصول.. فكلما طوينا مرتبة لاحت الأعلى.. وكلما انهينا سعيًا لمرتبة بدأنا ونحن في الأعلى من الاسفل لمرتبة أعلى، في سعي مستمر كأننا سيزيف اسطورة العذاب الأبدي، الذي تحدثنا عنه الاسطورة الاغريقية، حين غضب كبير الآلهة زيوس على سيزيف "فعاقبه بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعود إلى رفعها إلى القمة، ويظل هكذا إلى الأبد، فأصبح رمزًا للعذاب الأبدي"
يعيش العرفاء في هذا الطريق، طريق السعي دون الوصول.. طريق الحب دون النظر.. وقد كتب المنفلوطي في كتابه العبرات ما يعبّر عن هذا وهو من روائع ما أبدع إذ كتب (كان حبي لها حب الراهب المتبتل الى صورة العذراء الماثلة بين يديه في صومعته، يعبدها ولا يتطلع إليها)
وهكذا يجد المحب نفسه في سعيّ مستمر.. اذ لا يُمكن لمحبٍ أن يصل.. مهما كان شجاعًا مقدامًا، واخبرنا عمر بن الفارض مرةً عن حاله وهو باسل في الحروب:
عجبًا في الحرب اُدعى باسلًا
ولها مستبسلًا في الحب كيّ.
يتبع..
استعرت العنوان هنا من اُنسي الحاج في كتابه خواتم.. حيث سأل (ان لم أصل، هل تعاقبني؟) ويبدو انه كان يسأل من يسعى اليه.. فتاة كان أو إلهًا أو معنىً.. هو يسأل (ان لم أصل.. هل تعاقبني؟) وبالنسبة لي ينطوي هذا السؤال على سعي مستمر للوصول.. فكلما طوينا مرتبة لاحت الأعلى.. وكلما انهينا سعيًا لمرتبة بدأنا ونحن في الأعلى من الاسفل لمرتبة أعلى، في سعي مستمر كأننا سيزيف اسطورة العذاب الأبدي، الذي تحدثنا عنه الاسطورة الاغريقية، حين غضب كبير الآلهة زيوس على سيزيف "فعاقبه بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصل القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعود إلى رفعها إلى القمة، ويظل هكذا إلى الأبد، فأصبح رمزًا للعذاب الأبدي"
يعيش العرفاء في هذا الطريق، طريق السعي دون الوصول.. طريق الحب دون النظر.. وقد كتب المنفلوطي في كتابه العبرات ما يعبّر عن هذا وهو من روائع ما أبدع إذ كتب (كان حبي لها حب الراهب المتبتل الى صورة العذراء الماثلة بين يديه في صومعته، يعبدها ولا يتطلع إليها)
وهكذا يجد المحب نفسه في سعيّ مستمر.. اذ لا يُمكن لمحبٍ أن يصل.. مهما كان شجاعًا مقدامًا، واخبرنا عمر بن الفارض مرةً عن حاله وهو باسل في الحروب:
عجبًا في الحرب اُدعى باسلًا
ولها مستبسلًا في الحب كيّ.
يتبع..
الشبلي يشعر بالحسرة من ابليس.
(وروحي التي أغلقت عينها عن كلام العالمين قد احترقت غيرةً من ابليس في هذا الزمان، فما أكثر ما وقع عليه خطاب اللعنات.. وان هذه الزيادة في خطاب الله له دون ان يخاطبنا ولو باللعنات لتصيبني بالحسرات) الشبلي وهو يتحسر من ذكر الله لابليس دون أن يرى نفسه مذكورًا في خطاب الله.. من كتاب منطق الطير، لفريد الدين العطار، ص ٨٩.
قد يتمنى المحب خطابًا أو ذكرًا من المحبوب ولو كان لعنة ان لم يصح الوصل والقرب، قد يتمنى المُحب خطابًا من المحبوب ولو كان أمرًا او قرارا بالطرد والمغادرة، ذلك أقرب الى قلب المُحب من التجاهل التام، ذلك أقربُ الى قلب المحب من عدم الخطاب أساسًا.. فما أسوأ من عدم الوصل الا التجاهل.
في روايته المقامر يحدثنا دستويفسكي على لسان بطل الرواية وهو يسأل نفسه عن موقف پاولين بطلة الرواية الأخرى منه.. فيقول (أأنا أحبها؟ مرة أخرى لم أستطع أن أجد لهذا السؤال جوابًا، أو قل إنني أجبت للمرة المائة بأنني أكرهها، نعم أكرهها.. مرت بي لحظات -خاصة في ختام الأحاديث التي تقوم بيننا- تمنيت فيها أن أهب نصف عمري في سبيل أن أخنقها! أقسم أنه لو كان في وسعي أن أغمد خنجرًا مسنونًا في صدرها على مهل، لشعرت من ذلك بمتعة فيما أظن.. ومع ذلك أقسم بأقدس ما أقدّس أنني لو طلبت مني ونحن على جبل شلانجنبرج أن ألقي بنفسي من أعلى قمة يرتادها الناس لرميت نفسي فورًا ولشعرت من ذلك بغبطة..)
لو أننا قرأنا المقامر كمن يقرأ دستويفسكي في أول مرة ووصلنا الى هذا الجزء لفهمنا من هذا المقطع ان دستويفسكي يُحدثنا عن مخبول.. لكننا لو قرأنا لدستويفسكي أكثر من عمل لفهمنا ما يتطلع اليه في هذا النص، انه يتحدث عن أي وسيلة للقرب.. هو يتحدث عن أي صيغة للقرب، لقد كان البطل في المقامر يحلم بخطاب من پاولين، حين تتجاهله كان يتمنى موتها، وفي نفس هذه اللحظات يُصرّح لنا لو انها أمرته بأن يُلقي بنفسه من قمة الجبل لفعل ذلك دون تردد.. كان ليفضّل أي شيء غير التجاهل من پاولين.. وقد صرّح دستويفسكي عن هذه الحقيقة في روايته المراهق حين كتب (كان قد وهن صوته وتابع كلامه يقول كالمختنق وهو يبتسم: ماذا تريدين؟.. إنه لجنون مني أن أقول لك هذا الكلام، أظن انني مستعد أن أقف مسمرًا على ساق واحدة مدة ثلاثين سنة إذا كان هذا يرضيكِ، أرى انك تشعرين نحوي بشفقة، وجهكِ يقول لو استطعت لأحببتك لكنني لا أستطيع.. أليس هذا صحيحًا؟.. لا ضير، لستُ بذي كبرياء، انني مستعد لأن أقبل منكِ أية صدقة، كشحاذ، هل تسمعين؟ أية صدقة.. أنّى لشحاذ أن يكون ذا كبرياء؟)
لا أقرأ في هذه السطور تعبيرًا عن الضعة، بل أقرأ فيها ما كان يتحدث عنه عمر بن الفارض:
عجبًا في الحرب اُدعى باسلًا
ولها مستبسلًا في الحب كيّ.
والنص شراكة بين الكاتب والمتلقي كما قال أحد الكبار، فـ لي أن أفهم النص كما أفهمهُ ولكم ان تفهموه كما تريدون.. على أي حال ليس هذا موضوعنا، موضوعنا أن نرجع للشبلي، وللعرفاء أمثال الشبلي وأبو يزيد البسطامي والشيخ الأكبر.. لماذا كان احدهم لا يجد الوصال، لماذا كانوا دومًا في الطريق يسعون.. لماذا كانوا في توسلٍ دائم من القصائد الى الأدعية والصلوات، الجواب كما افهم: انهم لا يستسهلون الوصال، ولا يقنعون بالبقاء.. ولا يريدون في الحب أن يتساوى لهم يومان، وكما ورد في ميزان الحكمة عن امامنا الصادق وامامنا الباقر وسيدنا وامامنا علي بن أبي طالب (من اعتدل يوماه فهو مغبون) أي من تساوى يومه بغده فهو مخدوع.
انتهى.
(وروحي التي أغلقت عينها عن كلام العالمين قد احترقت غيرةً من ابليس في هذا الزمان، فما أكثر ما وقع عليه خطاب اللعنات.. وان هذه الزيادة في خطاب الله له دون ان يخاطبنا ولو باللعنات لتصيبني بالحسرات) الشبلي وهو يتحسر من ذكر الله لابليس دون أن يرى نفسه مذكورًا في خطاب الله.. من كتاب منطق الطير، لفريد الدين العطار، ص ٨٩.
قد يتمنى المحب خطابًا أو ذكرًا من المحبوب ولو كان لعنة ان لم يصح الوصل والقرب، قد يتمنى المُحب خطابًا من المحبوب ولو كان أمرًا او قرارا بالطرد والمغادرة، ذلك أقرب الى قلب المُحب من التجاهل التام، ذلك أقربُ الى قلب المحب من عدم الخطاب أساسًا.. فما أسوأ من عدم الوصل الا التجاهل.
في روايته المقامر يحدثنا دستويفسكي على لسان بطل الرواية وهو يسأل نفسه عن موقف پاولين بطلة الرواية الأخرى منه.. فيقول (أأنا أحبها؟ مرة أخرى لم أستطع أن أجد لهذا السؤال جوابًا، أو قل إنني أجبت للمرة المائة بأنني أكرهها، نعم أكرهها.. مرت بي لحظات -خاصة في ختام الأحاديث التي تقوم بيننا- تمنيت فيها أن أهب نصف عمري في سبيل أن أخنقها! أقسم أنه لو كان في وسعي أن أغمد خنجرًا مسنونًا في صدرها على مهل، لشعرت من ذلك بمتعة فيما أظن.. ومع ذلك أقسم بأقدس ما أقدّس أنني لو طلبت مني ونحن على جبل شلانجنبرج أن ألقي بنفسي من أعلى قمة يرتادها الناس لرميت نفسي فورًا ولشعرت من ذلك بغبطة..)
لو أننا قرأنا المقامر كمن يقرأ دستويفسكي في أول مرة ووصلنا الى هذا الجزء لفهمنا من هذا المقطع ان دستويفسكي يُحدثنا عن مخبول.. لكننا لو قرأنا لدستويفسكي أكثر من عمل لفهمنا ما يتطلع اليه في هذا النص، انه يتحدث عن أي وسيلة للقرب.. هو يتحدث عن أي صيغة للقرب، لقد كان البطل في المقامر يحلم بخطاب من پاولين، حين تتجاهله كان يتمنى موتها، وفي نفس هذه اللحظات يُصرّح لنا لو انها أمرته بأن يُلقي بنفسه من قمة الجبل لفعل ذلك دون تردد.. كان ليفضّل أي شيء غير التجاهل من پاولين.. وقد صرّح دستويفسكي عن هذه الحقيقة في روايته المراهق حين كتب (كان قد وهن صوته وتابع كلامه يقول كالمختنق وهو يبتسم: ماذا تريدين؟.. إنه لجنون مني أن أقول لك هذا الكلام، أظن انني مستعد أن أقف مسمرًا على ساق واحدة مدة ثلاثين سنة إذا كان هذا يرضيكِ، أرى انك تشعرين نحوي بشفقة، وجهكِ يقول لو استطعت لأحببتك لكنني لا أستطيع.. أليس هذا صحيحًا؟.. لا ضير، لستُ بذي كبرياء، انني مستعد لأن أقبل منكِ أية صدقة، كشحاذ، هل تسمعين؟ أية صدقة.. أنّى لشحاذ أن يكون ذا كبرياء؟)
لا أقرأ في هذه السطور تعبيرًا عن الضعة، بل أقرأ فيها ما كان يتحدث عنه عمر بن الفارض:
عجبًا في الحرب اُدعى باسلًا
ولها مستبسلًا في الحب كيّ.
والنص شراكة بين الكاتب والمتلقي كما قال أحد الكبار، فـ لي أن أفهم النص كما أفهمهُ ولكم ان تفهموه كما تريدون.. على أي حال ليس هذا موضوعنا، موضوعنا أن نرجع للشبلي، وللعرفاء أمثال الشبلي وأبو يزيد البسطامي والشيخ الأكبر.. لماذا كان احدهم لا يجد الوصال، لماذا كانوا دومًا في الطريق يسعون.. لماذا كانوا في توسلٍ دائم من القصائد الى الأدعية والصلوات، الجواب كما افهم: انهم لا يستسهلون الوصال، ولا يقنعون بالبقاء.. ولا يريدون في الحب أن يتساوى لهم يومان، وكما ورد في ميزان الحكمة عن امامنا الصادق وامامنا الباقر وسيدنا وامامنا علي بن أبي طالب (من اعتدل يوماه فهو مغبون) أي من تساوى يومه بغده فهو مخدوع.
انتهى.
كتب دوستويفسكي مرةً في احدى رواياته عن عجوز كهل كان قد طرد ابنته من داره لأنها اختارت طريق تعاستها مع حبيب أبله، وكان العجوز يكنّ لها مشاعر الكراهية التي لا تنقطع، ويشتمها ويبرأ منها كلما ذكرها أو ذُكرت أمامه.. وفي احدى المرات التي طلبت منه زوجته العجوز هي الاخرى اعادة الفتاة الى منزلها رفض واشتد به الغضب وصرخ بعصبية مفرطة وانتفخت اوداجه من فرط الغضب.. حتى سقط منه أمام زوجته نيشانًا كان يحتوي على صورة ابنته الصغيرة..
كان يحمل صورتها أينما حلّ، كان يتصنع كرهها والبراءة منها.. داس على صورتها بحذائه أول الامر حين سقطت ولعنها كثيرًا وصرخ انني اكرهها، ليبرهن لزوجته انه يكرهها وانه يعرف ما يفعل.. لكنه لم يستطع التمثيل كثيرًا.. توقف فجأة كالمجنون وتهاوى على ركبتيه ورفع الصورة من الأرض وضمها الى صدره وأخذ يُغرق وجه ابنته في الصورة بالقُبل.. منتحبًا باكيًا وقد استبد به الحزن.. لأنه كان مشتاقًا لها..
لقد كان العجوز في قصة دوستويفسكي يتصنع القوة المفرطة.. لكنه كان بحاجة الى ان يبكي وينتحب كطفل صغير من حبه لابنته.
نحنُ في أحيان كثيرة نكون هذا العجوز.. في أوج الاصرار والمكابرة والغضب سنضطر الى الاعتراف في أعماقنا بالخسارة، وان رهاننا قد فشل.. وان الامور لم تسر معنا كما كنا نظن، وان امامنا الكثير لنتعلمه في هذه الحياة.. واننا تجرأنا كثيرًا في زهو وغرور أحمق طائش حين تصورنا ان ما نعرفه كافٍ لخوض غمار التحدي.. واننا مع كل هذه الثقة ضعاف وعلينا الجلوس كطفل صغير يحتضن الصور التي يدعي كرهها ليمطرها بدموعه بغزارة..
كان يحمل صورتها أينما حلّ، كان يتصنع كرهها والبراءة منها.. داس على صورتها بحذائه أول الامر حين سقطت ولعنها كثيرًا وصرخ انني اكرهها، ليبرهن لزوجته انه يكرهها وانه يعرف ما يفعل.. لكنه لم يستطع التمثيل كثيرًا.. توقف فجأة كالمجنون وتهاوى على ركبتيه ورفع الصورة من الأرض وضمها الى صدره وأخذ يُغرق وجه ابنته في الصورة بالقُبل.. منتحبًا باكيًا وقد استبد به الحزن.. لأنه كان مشتاقًا لها..
لقد كان العجوز في قصة دوستويفسكي يتصنع القوة المفرطة.. لكنه كان بحاجة الى ان يبكي وينتحب كطفل صغير من حبه لابنته.
نحنُ في أحيان كثيرة نكون هذا العجوز.. في أوج الاصرار والمكابرة والغضب سنضطر الى الاعتراف في أعماقنا بالخسارة، وان رهاننا قد فشل.. وان الامور لم تسر معنا كما كنا نظن، وان امامنا الكثير لنتعلمه في هذه الحياة.. واننا تجرأنا كثيرًا في زهو وغرور أحمق طائش حين تصورنا ان ما نعرفه كافٍ لخوض غمار التحدي.. واننا مع كل هذه الثقة ضعاف وعلينا الجلوس كطفل صغير يحتضن الصور التي يدعي كرهها ليمطرها بدموعه بغزارة..
يبدو اننا نحاول جاهدين اقناع أنفسنا بأن هناك من يتشارك معنا آلامنا.. هناك فعلًا من يفعل، لكننا وللأسف لا نبوح بآلامنا الحقيقية.
يشاركنا الآخرون الآلام التي نُفصح عنها، وهي في الغالب آلام مزيفة نتخذها ذريعة وغطاءً وجدارًا نلوذ خلفه مبررين ضعفنا وحزننا ووجوهنا القاطبة وانهياراتنا.
يشاركنا الآخرون آلامًا لا نشعر بها بشكل حقيقي لنبادلهم الشعور بالتعاطف على آلام لا يشعرون بها بشكل حقيقي أيضًا.
حياة من الزيف المستمر.. الذي لا مفرّ منه.
من ذا الذي سيسير معنا في شوارع أنفسنا المعتمة، التي لا نعرف من أين نبدأ السير فيها والى أين سننتهي.. انهم يشاركوننا ما نقول.. لكننا ننطفئ بانتظار من يشاركنا ما لا نقول.. حتى اذا وصل إلينا هربنا منه لأننا نخاف أن نخسر كآبتنا..نحرسها كأننا جُبلنا على حبها.
نرفض أي نافذة.. ونغلق أي باب للخروج من هذا المأزق.. ونُظهر ما لا نُخفي.. ربما لأننا لم نألف الأمان بعد.. وربما لأن الحزن المنفرد يطهر الروح ويجلي مرآة النفس.. ومشاركته تبدد قدسيته ولاجلها لا نفعل.
يشاركنا الآخرون الآلام التي نُفصح عنها، وهي في الغالب آلام مزيفة نتخذها ذريعة وغطاءً وجدارًا نلوذ خلفه مبررين ضعفنا وحزننا ووجوهنا القاطبة وانهياراتنا.
يشاركنا الآخرون آلامًا لا نشعر بها بشكل حقيقي لنبادلهم الشعور بالتعاطف على آلام لا يشعرون بها بشكل حقيقي أيضًا.
حياة من الزيف المستمر.. الذي لا مفرّ منه.
من ذا الذي سيسير معنا في شوارع أنفسنا المعتمة، التي لا نعرف من أين نبدأ السير فيها والى أين سننتهي.. انهم يشاركوننا ما نقول.. لكننا ننطفئ بانتظار من يشاركنا ما لا نقول.. حتى اذا وصل إلينا هربنا منه لأننا نخاف أن نخسر كآبتنا..نحرسها كأننا جُبلنا على حبها.
نرفض أي نافذة.. ونغلق أي باب للخروج من هذا المأزق.. ونُظهر ما لا نُخفي.. ربما لأننا لم نألف الأمان بعد.. وربما لأن الحزن المنفرد يطهر الروح ويجلي مرآة النفس.. ومشاركته تبدد قدسيته ولاجلها لا نفعل.
العرفاء والصوفيون، لا يتحدثون في غزلياتهم عن النساء.. كما ان الانوثة التي يتحدثون عنها لهم فيها مقاصد اخرى.
تنتشر بين الناس الاشعار الصوفية والكلمات العرفانية وكأنها كلمات غزلية بين الرجال والنساء، غير ان ذلك الامر -في غالبه- غير دقيق.
لو اننا رجعنا الى المختصين في هذا لوجدنا ان العرفاء حين يتحدثون بصيغة المؤنث فانهم عادة ما يتحدثون عن "النفس الكاملة" او عن "مظاهر جمالية" أعم من الرجل والمرأة، أو عن الله احيانًا.
يكتب الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي في فتوحاته المكية النص التالي عن النبي محمد (شاهدتهُ في حضرة الجلال مكاشفةً، ولما شاهدته في ذلك العالم سيدًا معصوم المقاصد، محفوظ المشاهد منصورًا مؤيدًا… وجميع الرسل بين يديه مصطفون، والختم عليه السلام بين يديه يخبره بحديث الانثى، وعلي -بن ابي طالب- يترجم الختم بلسانه…)
هل ترى ان محي الدين حين ذكر حديث الانثى هنا كان يعني النساء؟ قطعًا لا.. هو يتحدث عن شيء آخر تمامًا.. فأنت تراه يقول في شعره:
إنّا اُناثٌ لما فينا يوحدهُ
فالحمد لله ما في الكونِ من رجلِ!
هل يتحدث هنا حين يذكر الانوثة وينسبها لكل الكون عن النساء؟ لا بكل تأكيد، من الواضح جدًا في هذا البيت الشعري ان الشيخ الاكبر لم يكن يتحدث عن النساء.. فحديثه وحديثهم عن الانوثة له مقاصد رمزية اخرى قد يرمزون بها الى النفس الكاملة او الى مشاهد الجمال والجلال.. كما ان منهم من كان يتحدث عن رمز الانوثة لاعتقادهم ان الكون مؤنث.. وهذا التأنيث غير التأنيث البيولوجي.. هو تأنيث بمعنى آخر تمامًا.
والامثلة التي تشير الى هذا المطلب كثيرة جدًا.
لقد قضى ابن عربي وشهاب الدين السهروردي وحيدر آملي وجلال الدين الرومي وغيرهم من الكبار وهم يتحدثون في هيامهم وغزلياتهم ومكاشفاتهم عن مقاصدٍ عُليا تمامًا، وحتى حين تحدث بعضهم عن النساء فانهم جمحوا في الخيال أيضًا الى تلك المقاصد وهم أبعد ما يكون عن الذي يحدث من استعمال اشعارهم وكلماتهم للمغازلات بين الرجل والمرأة في هذا الزمان.
تنتشر بين الناس الاشعار الصوفية والكلمات العرفانية وكأنها كلمات غزلية بين الرجال والنساء، غير ان ذلك الامر -في غالبه- غير دقيق.
لو اننا رجعنا الى المختصين في هذا لوجدنا ان العرفاء حين يتحدثون بصيغة المؤنث فانهم عادة ما يتحدثون عن "النفس الكاملة" او عن "مظاهر جمالية" أعم من الرجل والمرأة، أو عن الله احيانًا.
يكتب الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي في فتوحاته المكية النص التالي عن النبي محمد (شاهدتهُ في حضرة الجلال مكاشفةً، ولما شاهدته في ذلك العالم سيدًا معصوم المقاصد، محفوظ المشاهد منصورًا مؤيدًا… وجميع الرسل بين يديه مصطفون، والختم عليه السلام بين يديه يخبره بحديث الانثى، وعلي -بن ابي طالب- يترجم الختم بلسانه…)
هل ترى ان محي الدين حين ذكر حديث الانثى هنا كان يعني النساء؟ قطعًا لا.. هو يتحدث عن شيء آخر تمامًا.. فأنت تراه يقول في شعره:
إنّا اُناثٌ لما فينا يوحدهُ
فالحمد لله ما في الكونِ من رجلِ!
هل يتحدث هنا حين يذكر الانوثة وينسبها لكل الكون عن النساء؟ لا بكل تأكيد، من الواضح جدًا في هذا البيت الشعري ان الشيخ الاكبر لم يكن يتحدث عن النساء.. فحديثه وحديثهم عن الانوثة له مقاصد رمزية اخرى قد يرمزون بها الى النفس الكاملة او الى مشاهد الجمال والجلال.. كما ان منهم من كان يتحدث عن رمز الانوثة لاعتقادهم ان الكون مؤنث.. وهذا التأنيث غير التأنيث البيولوجي.. هو تأنيث بمعنى آخر تمامًا.
والامثلة التي تشير الى هذا المطلب كثيرة جدًا.
لقد قضى ابن عربي وشهاب الدين السهروردي وحيدر آملي وجلال الدين الرومي وغيرهم من الكبار وهم يتحدثون في هيامهم وغزلياتهم ومكاشفاتهم عن مقاصدٍ عُليا تمامًا، وحتى حين تحدث بعضهم عن النساء فانهم جمحوا في الخيال أيضًا الى تلك المقاصد وهم أبعد ما يكون عن الذي يحدث من استعمال اشعارهم وكلماتهم للمغازلات بين الرجل والمرأة في هذا الزمان.
كان الانسان ولا زال ينشد سعادته في كل تصرفاته.. اخبرنا استاذ الفلسفة مرةً في الحوزة العلمية ان الانسان في كل تقلباته لا يبحث سوى عن "الأنس" او السعادة، في هذا العالم المهول والمظلم الذي لا تقوى على انارته الشمس.
السارق ينشد الأنس.. والأمين يفعل.. الصادق والكاذب، الخائن والوفي، الشريف والمبتذل، العزيز والذليل، النبيل والحقير.. كلنا نطلب الأنس ونهدف الوصول إليه بكل هذه أفعالنا.. نريد المتعة.. لكن أكثرنا يضلّ الطريق دائمًا.
يكذب الكاذب لتصوره أن هذا السبيل الأفضل للنجاة.. ويصدق الصادق لنفس السبب.
نتزوج ونعزف عن الزواج.
نبكي ونضحك.
نساعد الناس او لا نساعدهم.
نهدّم البلدان ونخّرب الأرض.
نبني ونعمّر ونُثمر.
لكل منا تصوّره الخاص حول طريق السعادة، وهكذا ينحدر السافل، لأنه يضل طريق السعادة ليس إلا، فيا له من مسكين.. ويا لنا من مساكين وحيارى وحمقى في كثير من الأحيان.. نريد أن نعيش سعداء، ولا نعرف كيف.. نحن كالأطفال، نخطئ دائمًا باختيار الطعام المناسب.
لقد كتبَ كازنتزاكيس مرةً: "ما أبسط الحياة يا حبيبتي إذا تأملنا حقيقتها وما أقل ما يلزم الإنسان كي يكون سعيدًا، لكنه يفضل أن يضيع جريًا وراء أمجاد وهمية"
حسين تقريبًا
٢٠١٨
السارق ينشد الأنس.. والأمين يفعل.. الصادق والكاذب، الخائن والوفي، الشريف والمبتذل، العزيز والذليل، النبيل والحقير.. كلنا نطلب الأنس ونهدف الوصول إليه بكل هذه أفعالنا.. نريد المتعة.. لكن أكثرنا يضلّ الطريق دائمًا.
يكذب الكاذب لتصوره أن هذا السبيل الأفضل للنجاة.. ويصدق الصادق لنفس السبب.
نتزوج ونعزف عن الزواج.
نبكي ونضحك.
نساعد الناس او لا نساعدهم.
نهدّم البلدان ونخّرب الأرض.
نبني ونعمّر ونُثمر.
لكل منا تصوّره الخاص حول طريق السعادة، وهكذا ينحدر السافل، لأنه يضل طريق السعادة ليس إلا، فيا له من مسكين.. ويا لنا من مساكين وحيارى وحمقى في كثير من الأحيان.. نريد أن نعيش سعداء، ولا نعرف كيف.. نحن كالأطفال، نخطئ دائمًا باختيار الطعام المناسب.
لقد كتبَ كازنتزاكيس مرةً: "ما أبسط الحياة يا حبيبتي إذا تأملنا حقيقتها وما أقل ما يلزم الإنسان كي يكون سعيدًا، لكنه يفضل أن يضيع جريًا وراء أمجاد وهمية"
حسين تقريبًا
٢٠١٨
عن عظمة المبدأ..عن عدم تحول المثقف الى دكان يبيع للناس تلميع السلطة والحكّام بعنوان "التفاؤل"..
يكتب أحمد مطر:
لا ترتكبْ قصيدةً عنيفة
طَبْطبْ على أعجازِها طَبْطَبةً خفيفةْ
إنْ شئتَ أنْ تُنشرَ أشعاركَ في الصَّحيفَةْ!
حتى إذا ما باعَنا الخليفةْ؟!
(ما باعنا)... كافيةٌ
لا تذكُرِ الخليفةْ
حتى إذا أطلقَ منْ ورائنا كلابَهْ؟
أطلقَ من ورائنا كلابهُ... الأليفةْ
لكنها فوقَ لساني أطبقتْ أنيابها!
قُلْ: أطبقتْ أنيابَها اللطيفةْ!
لكنَّ هذي دولةٌ
تزني بها كلُّ الدُّنا
ومَا لنا؟
قل إنها زانيةٌ عَفيفة..
وهاهُنا
قَوّادُها يزني بنا!
لا تَنفعِلْ
طاعتُنا أمرَ وليِّ أمرنا
ليستْ زِنا
بل سَمِّها: انبطاحةً شريفهْ..
الكذبُ شيءٌ قذرٌ
نَعَمْ، صَدقتَ ...
فاغسلْهُ إذنْ بكذبةٍ نظيفةْ..
أيتها الصَحيفةْ
الصِّدْقُ عندي ثورة
وكِذبتي.. إذا كَذَبت مرَّة
ليستْ سوى قذيفة
فلتأكلي ما شئتِ
لكنِّي أنا
مهما استبدَّ الجوعُ بي
أرفضُ أكلَ الجِيفَةْ
أيتُها الصحيفةْ
تمسَّحي بِذُلَّةٍ
وانطرحي بِرهبَةٍ
وانبطحي بِخِيفَة
أمّا أنا
فهذهِ رِجلي بأمِّ هذهِ الوظيفَةْ
يكتب أحمد مطر:
لا ترتكبْ قصيدةً عنيفة
طَبْطبْ على أعجازِها طَبْطَبةً خفيفةْ
إنْ شئتَ أنْ تُنشرَ أشعاركَ في الصَّحيفَةْ!
حتى إذا ما باعَنا الخليفةْ؟!
(ما باعنا)... كافيةٌ
لا تذكُرِ الخليفةْ
حتى إذا أطلقَ منْ ورائنا كلابَهْ؟
أطلقَ من ورائنا كلابهُ... الأليفةْ
لكنها فوقَ لساني أطبقتْ أنيابها!
قُلْ: أطبقتْ أنيابَها اللطيفةْ!
لكنَّ هذي دولةٌ
تزني بها كلُّ الدُّنا
ومَا لنا؟
قل إنها زانيةٌ عَفيفة..
وهاهُنا
قَوّادُها يزني بنا!
لا تَنفعِلْ
طاعتُنا أمرَ وليِّ أمرنا
ليستْ زِنا
بل سَمِّها: انبطاحةً شريفهْ..
الكذبُ شيءٌ قذرٌ
نَعَمْ، صَدقتَ ...
فاغسلْهُ إذنْ بكذبةٍ نظيفةْ..
أيتها الصَحيفةْ
الصِّدْقُ عندي ثورة
وكِذبتي.. إذا كَذَبت مرَّة
ليستْ سوى قذيفة
فلتأكلي ما شئتِ
لكنِّي أنا
مهما استبدَّ الجوعُ بي
أرفضُ أكلَ الجِيفَةْ
أيتُها الصحيفةْ
تمسَّحي بِذُلَّةٍ
وانطرحي بِرهبَةٍ
وانبطحي بِخِيفَة
أمّا أنا
فهذهِ رِجلي بأمِّ هذهِ الوظيفَةْ
مقتطفات من مأدبة افلاطون.
"هذا يا أريكسماكوس ختام خطابي على الحب".. وصمت أريسطوفانوس على مأدبةٍ لمدح إله الحب جمعت أصدقاء الشاعر أغاثون كما يحدثنا أفلاطون في كتابهِ (المأدبة)
لكن أريسطوفانوس قبل أن يسلّم حديثه الى الذي يليه على المأدبة وهو أجاثون.. أخبرهم انه لم يأت الى هنا لامتداح الحب وإله الحب وحسب، بل ليخبرهم ما هو أعظم من ذلك.. "وإذا أردنا أن نمجِّد إلهًا بصفته خالقَ هذه السعادة فلا بد من تمجيد الحب بأغاني الفرح، لأنه في حالنا الحاضرة يعضدنا ويساعدنا لدى الضيق، ويعطينا آمالًا كبرى في أن يعيدنا سيرتنا الأولى إذا استمررنا على التقى نحو الآلهة، ويُمنِّينا بأن يَهِبَنا السعادةَ التامة التي لا يلائم طبائعَنا سواها"
وقد قصّ عليهم قصة ليسند إليها دعواه، قصة ولادة الحب في قديم الزمان:
"ينبغي لكم أولًا أن تعرفوا طبيعة الإنسان والحوادث التي مرَّت عليه، لأن طبيعته كانت في قديم الزمان مخالفةً لما هي عليه الآن، ففي بداية الأمر لم يكن الانسان مقسَّمًا إلى جنسي الذكر والأنثى، بكل كان نوعًا مختلفا، وكان هذا النوع قويًّا مملوءًا بالأفكار السامية، وأفراده أوَّل مَن حارب الأرباب، وما رواه هوميورس عن أفيلاتوس وأوتس من أنها حاولت الصعود إلى السماء لخلع الأرباب وإنزالها عن عروشها كان لا شكَّ متعلِّقًا بهذا النوع.. وقد تشاور جوبيتر ومَن معه من الأرباب فيما ينبغي عمله في مثل هذه الأزمة مع هذا الانسان القوي.. لأن الأرباب لم تكن تريد إهلاك هذا النوع لئلا تُحرَم من الضحايا التي كان يقدمها، ولم تكن كذلك لتصبر على وقاحتهم وتعنُّتهم وكفرهم، فطلب أحدهم أن يسود السكونُ ليتكلَّم.. ثم قال: أظنني وجدتُ طريقةً لإضعاف الجنس البشري، وتقليل وقاحته دون أن نشرع في هلاكهم، فسأشقُّ كلَّ واحد منهم نصفين، وبذا يَضْعفون جميعًا، ولكن يبقى نفعهم لكثرة عددهم، وسيسير كل واحد منهم على قدميه مستقيمًا -وهذا ما حدث، قسمّت الآلهة الانسان الأول الى نصفين ليعيش ضعيفًا- فكل واحد منَّا هو نصف ناقص لواحدٍ كامل، وغايةُ كلٍّ منَّا هي البحث عن نصفنا الآخر.. وعندما يلتقي هذان النِّصفان فيرتبطان برابطة الحب السابق، وبرابطة الحب والرغبة وحاجة الاجتماع، لا يريد أن ينفصل أحدهما عن الآخر ولو لحظةً. هؤلاء هم الذين يعطي كل واحد منهم حياته للآخر بشوق ولوعة لا طائل تحتها للحصول على شيء لا يفهمونه، لأنه ليس فقط حرصهم الحسي باختلاطهم الذي من أجله يَهِبُ كلُّ واحد منهم ذاته للآخر، إنما نفس كل واحد منهما تظمأ لشيء في الآخَر لا يمكن التعبير عنه، وتبقى النفس في حَيرة"
قبل أن يُحدثهم أريسطوفانوس بهذهِ القصة بقليل، أخبرهم بوسانياس رأيه في الحب وكأنه ينطلق من المنطلق ذاته:
""إن لنا رأيًا متعلِّقًا بالعشاق، مؤداه أنه لا يكون من الذل أو المخجِل أن يقوم العاشق بأنواع الخدمة، وأن يذل لأجل المعشوق، ورَأْيُنا في ذلك كرأي مَن يقاسي الألم والهوان لأجل الفضيلة، كذلك نحن لا نعتبر ذلًّا أو هوانًا خضوعَ الرجل ليتعلَّم العلم، أو ليتصف بالفضائل، كذلك نحن نعتبر مذلَّةَ العاشق مفخرةً، لأن غايتها كغاية الذُّل في سبيل الفضيلة إذا كان العِشْق يُعتبر شيئًا جميلًا، لأنه عندما يبلغ العاشق والمعشوق نقطة واحدة تتميز حالُ كلِّ واحدٍ منهما، فالأول يَقدِر أن ينمي عقل صاحبه ويساعده على كسب الفضائل، والثاني لا يزال طالبًا للعلم والنور، فباجتماع هذه الشروط دون سواها ينبغي للمعشوق أن يعطي حبَّه للعاشق، ففي هذه المذلَّة لا يوجد عارٌ حتى إذا خُدعنا وهُزمنا في الحصول على غايتنا، مع أن كل هزيمة في غير ذلك تُعَد عارًا، سواء كنا مخدوعين أو غير مخدوعين"
وأنت ما قولك يا أجاثون؟.. بدأ أجاثون الكلام بعد مجادلة ساخرة بينه وبين سقراط وفيدروس:
"وبعد الكلام على عدلِ الحب واعتداله وقوَّته بقي الكلام على حكمته، فأقول: إن هذا الرب شاعرٌ عاقلٌ، حتى إنه يستطيع أن يَخلُق شاعرًا من رجلٍ لم يكن كذلك؛ لأن كل إنسان مهما كانت حال نفسه مضطربة قبل الحب، فإنه بفضل الحب يصير شاعرًا، وهذا دليلٌ على أن الحب شاعر وماهر في هذا الفن حسب قواعد الموسيقى؛ لأن ما لا يملكه الإنسان أو يجهله لا يستطيع أن يعطيه أو يعلِّمه سواه، ومَن ذا الذي يُنكِر أن الشِّعر الإلهي الذي يُخرِج سائرَ الأشياء الحية الموجودة على ظهر الأرض ليس منسجمًا بحكمة الرب؟ أليس من الثابت أن الحب واضعُ فنون الحياة التي نعرفها؟ ومَن كان الحب معلِّمه يصير عظيمًا وكبيرًا، كما أن مَن يجهل الحب يبقَ حياته غير مُلتَفَتٍ إليه خاملًا"
"هذا يا أريكسماكوس ختام خطابي على الحب".. وصمت أريسطوفانوس على مأدبةٍ لمدح إله الحب جمعت أصدقاء الشاعر أغاثون كما يحدثنا أفلاطون في كتابهِ (المأدبة)
لكن أريسطوفانوس قبل أن يسلّم حديثه الى الذي يليه على المأدبة وهو أجاثون.. أخبرهم انه لم يأت الى هنا لامتداح الحب وإله الحب وحسب، بل ليخبرهم ما هو أعظم من ذلك.. "وإذا أردنا أن نمجِّد إلهًا بصفته خالقَ هذه السعادة فلا بد من تمجيد الحب بأغاني الفرح، لأنه في حالنا الحاضرة يعضدنا ويساعدنا لدى الضيق، ويعطينا آمالًا كبرى في أن يعيدنا سيرتنا الأولى إذا استمررنا على التقى نحو الآلهة، ويُمنِّينا بأن يَهِبَنا السعادةَ التامة التي لا يلائم طبائعَنا سواها"
وقد قصّ عليهم قصة ليسند إليها دعواه، قصة ولادة الحب في قديم الزمان:
"ينبغي لكم أولًا أن تعرفوا طبيعة الإنسان والحوادث التي مرَّت عليه، لأن طبيعته كانت في قديم الزمان مخالفةً لما هي عليه الآن، ففي بداية الأمر لم يكن الانسان مقسَّمًا إلى جنسي الذكر والأنثى، بكل كان نوعًا مختلفا، وكان هذا النوع قويًّا مملوءًا بالأفكار السامية، وأفراده أوَّل مَن حارب الأرباب، وما رواه هوميورس عن أفيلاتوس وأوتس من أنها حاولت الصعود إلى السماء لخلع الأرباب وإنزالها عن عروشها كان لا شكَّ متعلِّقًا بهذا النوع.. وقد تشاور جوبيتر ومَن معه من الأرباب فيما ينبغي عمله في مثل هذه الأزمة مع هذا الانسان القوي.. لأن الأرباب لم تكن تريد إهلاك هذا النوع لئلا تُحرَم من الضحايا التي كان يقدمها، ولم تكن كذلك لتصبر على وقاحتهم وتعنُّتهم وكفرهم، فطلب أحدهم أن يسود السكونُ ليتكلَّم.. ثم قال: أظنني وجدتُ طريقةً لإضعاف الجنس البشري، وتقليل وقاحته دون أن نشرع في هلاكهم، فسأشقُّ كلَّ واحد منهم نصفين، وبذا يَضْعفون جميعًا، ولكن يبقى نفعهم لكثرة عددهم، وسيسير كل واحد منهم على قدميه مستقيمًا -وهذا ما حدث، قسمّت الآلهة الانسان الأول الى نصفين ليعيش ضعيفًا- فكل واحد منَّا هو نصف ناقص لواحدٍ كامل، وغايةُ كلٍّ منَّا هي البحث عن نصفنا الآخر.. وعندما يلتقي هذان النِّصفان فيرتبطان برابطة الحب السابق، وبرابطة الحب والرغبة وحاجة الاجتماع، لا يريد أن ينفصل أحدهما عن الآخر ولو لحظةً. هؤلاء هم الذين يعطي كل واحد منهم حياته للآخر بشوق ولوعة لا طائل تحتها للحصول على شيء لا يفهمونه، لأنه ليس فقط حرصهم الحسي باختلاطهم الذي من أجله يَهِبُ كلُّ واحد منهم ذاته للآخر، إنما نفس كل واحد منهما تظمأ لشيء في الآخَر لا يمكن التعبير عنه، وتبقى النفس في حَيرة"
قبل أن يُحدثهم أريسطوفانوس بهذهِ القصة بقليل، أخبرهم بوسانياس رأيه في الحب وكأنه ينطلق من المنطلق ذاته:
""إن لنا رأيًا متعلِّقًا بالعشاق، مؤداه أنه لا يكون من الذل أو المخجِل أن يقوم العاشق بأنواع الخدمة، وأن يذل لأجل المعشوق، ورَأْيُنا في ذلك كرأي مَن يقاسي الألم والهوان لأجل الفضيلة، كذلك نحن لا نعتبر ذلًّا أو هوانًا خضوعَ الرجل ليتعلَّم العلم، أو ليتصف بالفضائل، كذلك نحن نعتبر مذلَّةَ العاشق مفخرةً، لأن غايتها كغاية الذُّل في سبيل الفضيلة إذا كان العِشْق يُعتبر شيئًا جميلًا، لأنه عندما يبلغ العاشق والمعشوق نقطة واحدة تتميز حالُ كلِّ واحدٍ منهما، فالأول يَقدِر أن ينمي عقل صاحبه ويساعده على كسب الفضائل، والثاني لا يزال طالبًا للعلم والنور، فباجتماع هذه الشروط دون سواها ينبغي للمعشوق أن يعطي حبَّه للعاشق، ففي هذه المذلَّة لا يوجد عارٌ حتى إذا خُدعنا وهُزمنا في الحصول على غايتنا، مع أن كل هزيمة في غير ذلك تُعَد عارًا، سواء كنا مخدوعين أو غير مخدوعين"
وأنت ما قولك يا أجاثون؟.. بدأ أجاثون الكلام بعد مجادلة ساخرة بينه وبين سقراط وفيدروس:
"وبعد الكلام على عدلِ الحب واعتداله وقوَّته بقي الكلام على حكمته، فأقول: إن هذا الرب شاعرٌ عاقلٌ، حتى إنه يستطيع أن يَخلُق شاعرًا من رجلٍ لم يكن كذلك؛ لأن كل إنسان مهما كانت حال نفسه مضطربة قبل الحب، فإنه بفضل الحب يصير شاعرًا، وهذا دليلٌ على أن الحب شاعر وماهر في هذا الفن حسب قواعد الموسيقى؛ لأن ما لا يملكه الإنسان أو يجهله لا يستطيع أن يعطيه أو يعلِّمه سواه، ومَن ذا الذي يُنكِر أن الشِّعر الإلهي الذي يُخرِج سائرَ الأشياء الحية الموجودة على ظهر الأرض ليس منسجمًا بحكمة الرب؟ أليس من الثابت أن الحب واضعُ فنون الحياة التي نعرفها؟ ومَن كان الحب معلِّمه يصير عظيمًا وكبيرًا، كما أن مَن يجهل الحب يبقَ حياته غير مُلتَفَتٍ إليه خاملًا"
حسين تقريبًا
مقتطفات من مأدبة افلاطون. "هذا يا أريكسماكوس ختام خطابي على الحب".. وصمت أريسطوفانوس على مأدبةٍ لمدح إله الحب جمعت أصدقاء الشاعر أغاثون كما يحدثنا أفلاطون في كتابهِ (المأدبة) لكن أريسطوفانوس قبل أن يسلّم حديثه الى الذي يليه على المأدبة وهو أجاثون.. أخبرهم…
فأكمل سقراط بعد أجاثون:
"ينبغي لنا أولًا أن نتكلم عن طبيعة الحب، ثم عن أعماله. قالت لي ديوتيما النبية: إن الحب ليس جميلًا، وليس خيرًا، إنما هو بين الاثنين، إنه شيطان، والشيطان وسَطٌ بين الرباني والإنساني. فسألتها عن قوَّته وطبيعته فقالت: إنه يفسِّر الأشياء الربانية، والأشياء الإنسانية، ويصل بينها… "إن الذي يتوق إلى الحب الحقيقي ينبغي له منذ صباه أن يسعى في الاتصال بالأشكال الجميلة، ثم يجعل شكلًا واحدًا جميلًا موضعًا لحبِّه، ثم يُلقِّحه بالمفاخر العقلية، ثم عليه أن يعتقد أن الجمال أينما حلَّ هو شقيق الجمال في أي شكل آخَر، فإذا كان واجبه أن يتقصَّى أثر الجمال في الأشكال، فيكون من الجهل ألا يعلم أن الجمال واحد وإن تعددت الأشكال، فيطفئ قليلًا من جَذْوة تعلُّقه بشكل واحد ليقف حبه على سائر الأشكال، ثم هو كذلك يعتبر جمال النفوس أرقى من جمال الأبدان، فإذا وجد شخصًا ذا نفس جميلة، ولكن زهرتها ذوت، فإن ذلك لا يمنعه عن وقف حبِّه وعنايته على هذا الشخص واتخاذه رفيقًا لإنتاج الأشياء الجميلة التي تحملها نفسه، ثم يكون واجبه أن يهذِّب هذا الشخص، فيبدأ بتعليمه العلمَ ليرى فيه جمال الحكمة، وبذا يتأمل في الجمال فيخلص من رَبَق عبادة الجمال والحب في شكل خاص، بل يلتفت بعين نفسه إلى محيط الجمال العقلي، فيستخرج بجمال الأشكال التي يراها ما كان كامنًا في نفسه من أفكار الحكمة، فإذا قوي واشتد يشتغل بعلم واحد وهو علم الجمال العام… "هذا هو يا فيدروس ما قالته لي تلك النبية الغريبة، وقد اقتنعت بقولها فشغلت نفسي من ذلك الحين بإقناع الآخرين بأنه لا يوجد رفيق غير الحب لإيجاد الاتصال بين الخلود وبين طبيعتنا البشرية الفانية، لذا أطلب من كلٍّ منكم أن يكرِّم الحب ويشرِّفه؛ ولهذا أنا الآن أحمد الحب على قدْر استطاعتي، وهذا المقال الذي قلته هو هدية وثناء وصلاة مني إلى الحب"
"ينبغي لنا أولًا أن نتكلم عن طبيعة الحب، ثم عن أعماله. قالت لي ديوتيما النبية: إن الحب ليس جميلًا، وليس خيرًا، إنما هو بين الاثنين، إنه شيطان، والشيطان وسَطٌ بين الرباني والإنساني. فسألتها عن قوَّته وطبيعته فقالت: إنه يفسِّر الأشياء الربانية، والأشياء الإنسانية، ويصل بينها… "إن الذي يتوق إلى الحب الحقيقي ينبغي له منذ صباه أن يسعى في الاتصال بالأشكال الجميلة، ثم يجعل شكلًا واحدًا جميلًا موضعًا لحبِّه، ثم يُلقِّحه بالمفاخر العقلية، ثم عليه أن يعتقد أن الجمال أينما حلَّ هو شقيق الجمال في أي شكل آخَر، فإذا كان واجبه أن يتقصَّى أثر الجمال في الأشكال، فيكون من الجهل ألا يعلم أن الجمال واحد وإن تعددت الأشكال، فيطفئ قليلًا من جَذْوة تعلُّقه بشكل واحد ليقف حبه على سائر الأشكال، ثم هو كذلك يعتبر جمال النفوس أرقى من جمال الأبدان، فإذا وجد شخصًا ذا نفس جميلة، ولكن زهرتها ذوت، فإن ذلك لا يمنعه عن وقف حبِّه وعنايته على هذا الشخص واتخاذه رفيقًا لإنتاج الأشياء الجميلة التي تحملها نفسه، ثم يكون واجبه أن يهذِّب هذا الشخص، فيبدأ بتعليمه العلمَ ليرى فيه جمال الحكمة، وبذا يتأمل في الجمال فيخلص من رَبَق عبادة الجمال والحب في شكل خاص، بل يلتفت بعين نفسه إلى محيط الجمال العقلي، فيستخرج بجمال الأشكال التي يراها ما كان كامنًا في نفسه من أفكار الحكمة، فإذا قوي واشتد يشتغل بعلم واحد وهو علم الجمال العام… "هذا هو يا فيدروس ما قالته لي تلك النبية الغريبة، وقد اقتنعت بقولها فشغلت نفسي من ذلك الحين بإقناع الآخرين بأنه لا يوجد رفيق غير الحب لإيجاد الاتصال بين الخلود وبين طبيعتنا البشرية الفانية، لذا أطلب من كلٍّ منكم أن يكرِّم الحب ويشرِّفه؛ ولهذا أنا الآن أحمد الحب على قدْر استطاعتي، وهذا المقال الذي قلته هو هدية وثناء وصلاة مني إلى الحب"