كل يوم حديث
597 subscribers
16 links
للبقاء على اتصال مع حديث رسول الله الصحيح في ظل الأجواء الحالية من هجر له وانتشار الأحاديث الموضوعة
Download Telegram
شَكَوْنا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً له في ظِلِّ الكَعْبَةِ فَقُلْنا: ألا تَسْتَنْصِرُ لنا ألا تَدْعُو لَنا؟ فقالَ: قدْ كانَ مَن قَبْلَكُمْ، يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ له في الأرْضِ، فيُجْعَلُ فيها، فيُجاءُ بالمِنْشارِ فيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجْعَلُ نِصْفَيْنِ، ويُمْشَطُ بأَمْشاطِ الحَدِيدِ، ما دُونَ لَحْمِهِ وعَظْمِهِ، فَما يَصُدُّهُ ذلكَ عن دِينِهِ، واللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هذا الأمْرُ، حتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِن صَنْعاءَ إلى حَضْرَمَوْتَ، لا يَخافُ إلَّا اللَّهَ، والذِّئْبَ علَى غَنَمِهِ، ولَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ.

الراوي : خباب بن الأرت | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 6943 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

شرح الحديث:
كان خَبَّابُ بنُ الأرَتِّ رَضيَ اللهُ عنه مِن أشدِّ الصَّحابةِ تَعرُّضًا للعَذابِ في مكَّةَ في بِدايةِ البَعثةِ النَّبويَّةِ، فيُحدِّثُ أنَّه جاء إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مع بَعضِ أصْحابِه وهو نائمٌ مُتوسِّدٌ بُرْدةً في ظِلِّ الكَعبةِ، أي: جعَل تحتَ رَأسِه بُرْدةً، وهي كِساءٌ أسوَدُ مُربَّعٌ، فسَأَلوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَدْعوَ اللهَ لهم، ويَسألَه النَّصرَ والعِزَّ والمَنَعةَ، فأخْبَرَهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ ما همْ فيه لَيسوا مُختصِّينَ به مِن الأُمَمِ، بلْ كان المؤمنُون فيمَن قبْلَنا في الأمَمِ السَّابِقةِ يُعذَّبون أيضًا، وكان مِن طرُقِ تَعْذيبِهم أنْ يُحفَرَ له في الأرْضِ، ثمَّ يُؤْتى به، فيُجعَلَ في تلك الحُفرةِ، فيُجاءَ بالمِنْشارِ -وهو آلةُ قَطْعِ الأخْشابِ- فيُوضَعَ على رأْسِه، فيُشَقَّ نِصفينِ، وما يصُدُّه ذلك عن دِينهِ، ويُمشَطُ بأمْشاطِ الحَديدِ ما دونَ لَحمِه مِن عَظْمٍ أو عَصَبٍ، وما يصُدُّه ذلك عن دِينِه؛ وذلك لقوَّةِ إيمانِهم، وتَصْديقِهم لأنْبيائِهم، ثُمَّ بشَّرَهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بنَصْرِ اللهِ لهم، وأنَّ اللهَ تعالَى سيَكتُبُ النَّصرَ لأهلِ الإسْلامِ حتَّى يُعبَدَ اللهُ تعالَى فيما حَولَهم مِن الأرْضِ، فيَسيرَ الرَّاكبُ مِن صَنعاءَ إلى حَضْرَمَوتَ -وهما مَدينَتانِ باليَمنِ- لا يَخافُ شَيئًا إلَّا اللهَ تعالَى، أو يَخافُ أنْ يَأكُلَ الذِّئبُ غَنَمَه، أمَّا المُشرِكونَ فلا يُخافُ منهم؛ لأنَّهم إمَّا أنْ يَكونوا دخَلوا في الإسْلامِ، أو غُلِبوا، وصاروا أذِلَّةً، ولكنَّكم تَستَعجِلونَ نَصْرَ اللهِ المُحقَّقَ.
قَبَّلَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ وعِنْدَهُ الأقْرَعُ بنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الأقْرَعُ: إنَّ لي عَشَرَةً مِنَ الوَلَدِ ما قَبَّلْتُ منهمْ أحَدًا، فَنَظَرَ إلَيْهِ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ثُمَّ قَالَ: مَن لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ.

الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم : 5997 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قالَ: "أَنْ تَصَدَّقَ وأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وتَأْمُلُ الغِنَى، ولَا تُمْهِلُ حتَّى إذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا، ولِفُلَانٍ كَذَا وقدْ كانَ لِفُلَانٍ."

الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم: 1419 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]


يَروي أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رجُلًا جاء إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فسَأله: أيُّ الصَّدَقةِ أَعْظَمُ أجْرًا وأكثَرُ نفعًا لصاحِبِها؟ فأخبَرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه ما يَتصَدَّقُ بها الإنسانُ وهو صحيحٌ ليس فيه مرَضٌ أو عِلَّةٌ تقْطَعُ أمَلَه في الحياةِ وخاصَّةً وقْتَ الرَّغدِ والنَّعيمِ، فيَكونُ الإنسانُ أكثَرَ حِرصًا، فإذا تصَدَّق مع وجود المَوانعِ والمُغرياتِ الَّتي تَحُثُّه على حِفظِ المالِ فذلك أعظَمُ أجرًا
ثمَّ حذَّره النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن آفةٍ تُصيبُ كثيرًا مِن النَّاسِ، وذلك بأنَّ يَنتظِرَ ويَتمهَّلَ ويؤخِّرَ التصَدُّقَ، حتَّى إذَا بَلَغَت رُوحُه الحُلْقُومَ، وشعَرَ بقُربِ المَوتِ، وتأكَّدَ أنَّ المالَ لن يَنفَعَه، وأنَّه سيَترُكُه- أَوْصى لِفُلَانٍ بكذا، ولِفُلانٍ بكذا، وأخبَرَ أنَّه قدْ كان لِفُلانٍ مِن الدُّيونِ أو الحُقوقِ، وقد أصبَح المالُ مِلكًا للورَثةِ، فهذا أقَلُّ أجرًا.
وفي الحديث أيضا: أنَّ أعمالَ البِرِّ كلَّها إذا صَعُبَتْ كان أجرُها أعظَمَ.
لَمْ يَتَكَلَّمْ في المَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ: عِيسَى، وَكانَ في بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ له: جُرَيْجٌ، كانَ يُصَلِّي، جَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ، فَقالَ: أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي؟ فَقالَتْ: اللَّهُمَّ لا تُمِتْهُ حتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ المُومِسَاتِ، وَكانَ جُرَيْجٌ في صَوْمعتِهِ، فَتَعَرَّضَتْ له امْرَأَةٌ وَكَلَّمَتْهُ فأبَى، فأتَتْ رَاعِيًا فأمْكَنَتْهُ مِن نَفْسِهَا، فَوَلَدَتْ غُلَامًا، فَقالَتْ: مِن جُرَيْجٍ، فأتَوْهُ فَكَسَرُوا صَوْمعتَهُ وَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ، فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَتَى الغُلَامَ، فَقالَ: مَن أَبُوكَ يا غُلَامُ؟ قالَ: الرَّاعِي، قالوا: نَبْنِي صَوْمعتَكَ مِن ذَهَبٍ؟ قالَ: لَا، إِلَّا مِن طِينٍ. وَكَانَتِ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنًا لَهَا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَمَرَّ بهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ، فَقالَتْ: اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ، فَتَرَكَ ثَدْيَهَا وَأَقْبَلَ علَى الرَّاكِبِ، فَقالَ: اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ علَى ثَدْيِهَا يَمَصُّهُ -قالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَمَصُّ إِصْبَعَهُ- ثُمَّ مُرَّ بأَمَةٍ، فَقالَتْ: اللَّهُمَّ لا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هذِه، فَتَرَكَ ثَدْيَهَا، فَقالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا، فَقالَتْ: لِمَ ذَاكَ؟ فَقالَ: الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنَ الجَبَابِرَةِ، وَهذِه الأَمَةُ يقولونَ: سَرَقْتِ، زَنَيْتِ، وَلَمْ تَفْعَلْ.

الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم : 3436 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح] |

شرح الحديث:
المَهْدِ إلَّا ثَلاثةٌ، أي: لم يَتكلَّمْ في حالِ الصِّغَرِ التي لا يَتكلَّمُ فيها الأطفالُ إلَّا ثَلاثةٌ، والمهْدُ: الفِراشُ الَّذي يُهيَّأُ للرَّضيعِ أنْ يُربَّى فيه. وقد وَرَدَ في رِواياتٍ أُخرى كلامُ غيرِ هؤلاء الثَّلاثةِ، وأُجِيبَ عن الحصْرِ في هذا الحديثِ باحتمالِ أنْ يكونَ المعنى: لم يَتكلَّمْ في بَني إسرائيلَ، أو أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَه قبْل أنْ يَعلَمَ الزِّيادةَ.
أوَّلُ هؤلاءِ الثَّلاثةِ: نَبيُّ اللهِ عِيسى ابنُ مَريمَ عليهِ السَّلامُ، حيثُ أنطَقهُ اللهُ عزَّ وجلَّ عِندما اتَّهَمَ القومُ أُمَّه مَريمَ في حَمْلِها به، فنَفى التُّهَمةَ عنها
والثَّاني: الغُلامُ الَّذي اتُّهِمُ به جُريجٌ راهبُ بَني إسرائيلَ، وكان بعْدَ نَبيِّ اللهِ عِيسى عليه السَّلامُ، وكانَ جُريجٌ عابِدًا يُصلِّي مُعتزِلًا النَّاسَ، فجاءَتْه أُمُّه في يومٍ ونادَتْه وهوَ يُصلِّي، فاحتارَ في نفْسِه وتَردَّدَ: هلْ يَقطَعُ صَلاتَه ويُجيبُ نِداءَ أُمِّهِ، أمْ يُكمِلُ الصَّلاةَ تاركًا نِداءَ أُمِّه؟ ففَضَّلَ أنْ يُكمِلَ الصَّلاةَ، وفي رِوايةٍ أُخرى في الصَّحيحينِ: أنَّ أُمَّه كرَّرَت نِداءَها عليه ثَلاثَ مرَّاتٍ، وفي كلِّ مرَّةٍ يَتردَّدُ قائلًا: رَبِّ أُمِّي وصَلاتي؟ ويَمْضي في صَلاتِه، وعدَمُ إجابتِه لها مع تَرديدِ نِدائِها له يُفهِمُ ظاهرُه أنَّ الكلامَ عندَه يَقطَعُ الصَّلاةَ، وإنَّما سَأَل أنْ يُلقيَ اللهُ في قلْبِه الأفضلَ، ويَحمِلَه على أَوْلى الأمْرَينِ به، فحمَلَه على الْتزامِ مُراعاةِ حقِّ اللهِ تعالَى على حقِّ أمِّه، ولَمَّا لم يُجِبْها في الثَّالثةِ، وآثَرَ استمرارَه في صَلاتِه ومُناجاتِه على إجابتِها، واختار الْتزامَ مُراعاةِ حقِّ اللهِ على حَقِّها؛ غَضِبَتْ أُمُّه ودَعَتْ عليهِ أنْ يَرَى قبْلَ مَوتِهِ المومِساتِ، وهُنَّ النِّساءُ البَغايا اللَّاتي يمارِسْنَ الرَّذِيلةَ والزِّنا ويُعرَفْنَ بذلكَ. وقد كان مِن كَرامةِ اللهِ تعالَى لجُريجٍ أنْ ألْهَمَ اللهُ أُمَّهُ الاقتِصادَ في الدَّعوةِ، فلم تَدْعُ عليه بالفِتنةِ بهِنَّ، بلْ دَعَتْ فقطْ بمُجرَّدِ النَّظرِ في وُجوهِهنَّ، فلمْ تَقتَضِ الدَّعوةُ إلَّا كَدَرًا يَسيرًا، بلْ أعْقَبَتْ سُرورًا كَثيرًا، وفي رِوايةِ مُسلِمٍ: «ولو دَعَت عليه أنْ يُفتَنَ لَفُتِنَ».
كل يوم حديث
لَمْ يَتَكَلَّمْ في المَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ: عِيسَى، وَكانَ في بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ له: جُرَيْجٌ، كانَ يُصَلِّي، جَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ، فَقالَ: أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي؟ فَقالَتْ: اللَّهُمَّ لا تُمِتْهُ حتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ المُومِسَاتِ،…
وكانَ جُرَيجٌ في صَوْمَعتِه لا يَخرُجُ منها إلَّا لحاجةٍ، والصَّوْمعةُ: بَيتٌ مِثلُ الدَّيْرِ والكَنيسةِ يَنقطِعُ فيها رُهبانُ النَّصارى للعِبادةِ، فأتَتْه امْرأةٌ وأرادتْ أنْ تُمكِّنَه مِن نفْسِها بالزِّنا، فامتَنَعَ جُرَيجٌ، «فأتَتْ راعيًا فأمكَنَتْه مِن نفْسِها»، أي: فزنَى بها راعٍ يَرْعى الماشيةَ، وقدَّرَ اللهُ عزَّ وجلَّ الأسبابَ التي ستُحقِّقُ في جُريجٍ دَعوةَ أُمِّه عليه، فحَمَلتْ تلك المرأةُ الزَّانيةُ مِن هذا الرَّاعي، حتَّى انقَضَتْ أيَّامُها، فولَدَتْ غُلامًا، ولَمَّا سُئِلتْ عن والدِ الغُلامِ، قالتْ: إنَّه ابنُ جُرَيجٍ صاحبِ الصَّومعةِ؛ إشارةً إلى اتِّهامِه بالزِّنا معها، فذَهبَ إليهِ النَّاسُ فهَدَموا الصَّوْمعةَ وأخرَجوهُ مِنها، وجَعَلوا يُؤذُونَه بالسَّبِّ والشَّتمِ، فتَوضَّأَ جُرَيجٌ وصلَّى، ودَعا اللهَ في صَلاتهِ، ثمَّ أقْبَلَ على الولدِ الَّذي اتُّهِم فيهِ، وسَأَلَه: مَن أبوكَ يا غلامُ؟ فقال: أبِي الرَّاعي، فأنطَقَ اللهُ عزَّ وجلَّ الطِّفلَ بأنَّ الرَّاعي هو أبوهُ، فظَهَرَ للنَّاسِ كَرامةُ جُريَحٍ وبَراءَتُه، فلمَّا عَلِموا بَراءتَه أرادوا أنْ يُعيدوا بِناءَ صَوْمعتِه مِن ذَهبٍ، فرَفَضَ جُريجٌ ذلك، وأمَرَهم أنْ يُعيدوا بِناءَها مِن الطِّينِ، وهذا مِن تَواضُعِه.

وأمَّا الغلامُ الثَّالثُ: فهو رَضيعُ امرأةٍ مِن بَني إسْرائيلَ، قدْ مَرَّ بها رجُلٌ راكبٌ لهُ هَيْبةٌ وهَيْئةٌ حَسنةٌ يُشارُ إليه بها، فقالَتِ الأُمُّ -لمَّا ظَهَرَ لها مِن عَظيمِ شَأنِ هذا الرَّجلِ-: «اللَّهمَّ اجْعَلِ ابْني مِثلَه»، فدَعَتِ اللهَ عزَّ وجلَّ أنْ يَجعَلَ ولَدَها مِثلَ هذا الرَّجلِ في عُلوِّ الشَّأنِ والمَكانةِ، فتَركَ الطِّفلُ الرَّضاعةَ مِن ثَدْيِ أُمِّهِ وتَوجَّهَ بنَظَرِه إلى الرَّاكبِ، فقالَ: «اللَّهمَّ لا تَجعلْني مِثلَه»، أي: فيما يُبطِنُ مِن التَّجبُّرِ والتَّكبُّرِ، وهذهِ كرامةٌ للغُلامِ؛ حيثُ نطَقَ في المهْدِ، ثمَّ عادَ الطِّفلُ مرَّةً أُخرى للرَّضاعةِ. فأخبَرَ أبو هُرَيرَة رَضيَ اللهُ عنه كأنَّه يَنظُرُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصِفُ حالةَ رَضاعِ الطِّفلِ، فمَصَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إِصْبعَه تَوضيحًا وتَصويرًا، ثمَّ أكمَلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِكايةَ الطِّفلِ معَ أُمِّه وهوَ يَرضَعُ، فأخبَرَ أنَّه مرَّ قومٌ بأَمَةٍ -أي: بامْرأةٍ مَملوكةٍ- يَظهَرُ عليها أثرُ الإذلالِ، فقالتِ الأمُّ: «اللَّهُمَّ لا تَجعَلِ ابْني مِثلَ هذِهِ»، لمَّا ظَهَرَ لها مِن إذْلالِ الممْلوكةِ وإهانتِها، دَعتِ اللهَ ألَّا يَجعَلَ ابْنَها مِثلَ تلكَ المرأةِ، فتَرَكَ الطِّفلُ ثَدْيَ أُمِّه مرَّةً ثانيةً ودَعا: اللَّهمَّ اجْعَلْني مِثلَ هذه الجاريةِ المملوكةِ. فسَأَلتِ المرأةُ ابْنَها لِمَا ظَهَرَ لها أنَّ كلامَه في مَهدِه لم يكُنْ عَبثًا: لِمَ دَعَوتَ اللهَ بعَكسِ ما ظهَرَ لي وبَعكسِ ما دَعَوتُ لكَ؟ فأجاب الغلامُ مُخاطِبًا أُمَّه ومُوضِّحًا لها أنَّ الرَّاكبَ إنَّما هو جبَّارٌ ظالمٌ مُتكَبِّرٌ، فلا أُحِبُّ أنْ أكونَ مِثلَه، وأمَّا الأَمةُ التي تَظهَرُ بمَظهَرِ الذُّلِّ والهَوانِ، حيث يَتَّهِمونها بالسَّرقةِ والزِّنا، لكنَّها في حَقيقةِ أمْرِها مَظلومةٌ؛ لم تَسرِقْ ولم تَزنِ، واللهُ معَ المظلومِ وناصرُهُ، وهيَ تَلتجِئُ إلى اللهِ تعالَى أنْ يُجيرَها وأنْ يُثِيبَها، فأحببْتُ أنْ أكونَ مِثلَها.

وفي الحديثِ: فضْلُ طاعةِ الأُمِّ والحذَرُ مِن إغضابِها.
وفيه: أنْ يُحسِنَ العبدُ ظَنَّه برَبِّه في شَدائدِه.
وفيه: أنَّ مَن أهمَّهُ أمرٌ فليَفْزَعْ إلى اللهِ تعالَى، وليُقبِلْ عليهِ بالصَّلاةِ والدُّعاءِ.
وفيه: إثباتُ كَراماتِ الأولياءِ.
وفيه: أنَّ صاحبَ الصِّدقِ مع اللهِ لا تَضُرُّه الفِتَنُ.
وفيه: أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ يَجعَلُ لأوليائِه مَخارجَ عندَ ابتلائِهِم، وإنَّما يَتأخَّرُ ذلك عن بَعضِهم في بَعضِ الأوقاتِ تَهذيبًا وزِيادةً في الثَّوابِ.
أنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَمَرَ بقَتْلِ الوَزَغِ، وقالَ: كانَ يَنْفُخُ علَى إبْرَاهِيمَ عليه السَّلَامُ.

الراوي : أم شريك | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم : 3359 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

شرح الحديث
شَرَعَ الإسلامُ ما يَحفَظُ على المَرءِ حَياتَه وأمْوالَه مِن التَّلَفِ، ومِن ذلك أنَّه أقَرَّ قتْلَ بَعضِ الحَيواناتِ والطُّيورِ؛ لِما تُسبِّبُه مِن أذًى وضَرَرٍ على النَّاسِ.
وفي هذا الحَديثِ تُخبِرُ أمُّ شَريكٍ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَمَرَ بقَتْلِ الوَزَغِ، وهو دابَّةٌ صَغيرةٌ تَتسلَّقُ الجُدرانَ تُشبِهُ التِّمساحَ في الشَّكلِ، وله في كُلِّ بلدٍ اسمٌ يُطلِقُه العامَّةُ عليه، وقال: إنَّه كان يَنفُخُ على إبراهيمَ عليه السَّلامُ، وهذا بَيانٌ لخُبْثِ هذا النَّوعِ منَ الدَّوابِّ وفَسادِه، وأنَّه بَلَغَ في ذلك مَبلغًا استعمَلَه الشَّيطانُ، فحَمَلَه على أنْ يَنفُخَ في النَّارِ الَّتي أُلْقِيَ فيها خَليلُ اللهِ صَلواتُ اللهِ عليه، وسعَى في اشتِعالِها
خَيْرُ أُمَّتي قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، - قالَ عِمْرانُ فلا أدْرِي: أذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أوْ ثَلاثًا - ثُمَّ إنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ ولا يُسْتَشْهَدُونَ، ويَخُونُونَ ولا يُؤْتَمَنُونَ، ويَنْذُرُونَ ولا يَفُونَ، ويَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ.

الراوي : عمران بن الحصين
المحدث : البخاري
المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم : 3650
خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

ثُمَّ يأتي بَعْدَهم قَومٌ يَنذِرونَ، والنَّذْرُ هو إيجابُ المرْءِ فِعلَ أمْرٍ على نَفْسِه لم يُلزِمْه به الشَّارعُ، كأنْ يقولَ الإنسانُ: علَيَّ ذَبيحةٌ، أو أتصدَّقُ بكذا إنْ شفَى اللهُ مَريضي؛ فهو في صُورةِ الشَّرطِ على اللهِ عزَّ وجلَّ، ومع ذلك لا يوفون بهذا النَّذرِ إن تحقَّق مَطلَبُهم.
«ويَخونونَ» فيُضَيِّعون الأماناتِ «ولا يُؤْتَمَنونَ»؛ لِأَنَّهُم يَخونونَ خِيانةً ظاهِرةً، بِحَيثُ لا يَأْمَنُهم أحَدٌ بعْدَ ذلكَ، «ويَشهَدونَ ولا يُسْتَشْهَدونَ»، أي: يَتَحمَّلونَ الشَّهادةَ بِدونِ التَّحميلِ، أو يُؤدُّونها بِدونِ الطَّلَبِ، استِهْتارًا وليسَ منْ بابِ الحِرصِ على إيصالِ الحقوقِ لأصحابِها.
وهذا يبدو مخالِفًا في الظَّاهِرِ للحديثِ الآخَرِ عند ابنِ ماجَهْ: «خَيْرُ الشُّهُودِ مَنْ أدَّى شهادَتَهُ قَبْلَ أنْ يُسأَلَها»، والجَمعُ بينهما إمَّا بأن يُحمَلَ الذَّمُّ على من بادر بالشَّهادةِ في حَقِّ من هو عالمٌ بها قبل أن سألها صاحِبُها، ويكونُ المدحُ لمن كانت عنده شهادةٌ لأحَدٍ لا يَعلَمُ بها، فيُخبِرُه ليستشهِدَ به عند القاضي، أو يُحمَلَ الذَّمُّ على الشَّهادةِ الباطِلةِ التي هي شهادةُ الزُّورِ، أمَّا المبادرةُ إلى الشَّهادةِ الصَّحيحةِ مِن أجْلِ إظهارِ الحَقِّ، وإعانةِ المظلومِ، ودَفْعِ الظُّلمِ عنه، فإنها عمَلٌ صالحٌ يُؤجَرُ ويثابُ عليه صاحِبُه، والأحاديثُ يُفَسِّرُ بَعْضُها بعضًا.
ومن علامةِ هؤلاء الضَّالِّين أنْ يَظهَر فيهم السِّمَنُ، وهو كَثرةُ اللَّحمِ والشَّحمِ في الأجسامِ، أو هُم يَتكثَّرون بِما لَيْسَ فيهم مِن الشَّرَفِ، أو يَجمَعونَ الأموالَ أو يَغفُلونَ عن أمْرِ الدِّينِ.
جَاءَ أعْرَابِيٌّ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَقَالَ: تُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ؟ فَما نُقَبِّلُهُمْ، فَقَالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أوَأَمْلِكُ لكَ أنْ نَزَعَ اللَّهُ مِن قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ!

الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم : 5998 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: "تَصَدَّقُوا، فَسَيَأْتي علَيْكُم زَمَانٌ يَمْشِي الرَّجُلُ بصَدَقَتِهِ، فيَقولُ الرَّجُلُ: لو جِئْتَ بهَا بالأمْسِ لقَبِلْتُهَا مِنْكَ، فأمَّا اليومَ فلا حَاجَةَ لي فِيهَا."

الراوي : حارثة بن وهب الخزاعي | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 1424 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

يأمُرُنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أن نُبادرَ بإخراجِ الزَّكاةِ والصَّدقةِ، قبْلَ أنْ يأتيَ علينا زمانٌ يَكثُرُ فيه المالُ، ويكونُ ذلك قُرْبَ قِيامِ السَّاعةِ وهو مِن علاماتِها الصُّغرى، وقيل إنَّه يمشي الرَّجُلُ الغنيُّ بصَدَقتِه وزَكاةِ مالِه، يبحَثُ عن فقيرٍ يُعطيها له فلا يَجِدُه، فيقولُ الرَّجُلُ الَّذي تُقَدَّمُ له الزَّكاةُ: لو جِئتَ بها بالأمسِ لقَبِلْتُها منك، أمَّا اليَومَ فلا حاجةَ لي فيها، فأَعتذِرُ إليك عن قَبولِ زَكاتِك؛ لأنَّه صارَ غنيًّا ومعه مالٌ، وقيل: يَصيرُ الناسُ راغِبينَ في الآخِرةِ، تارِكينَ لِلدُّنيا، ويَقنَعون بِقُوتِ يَومٍ، ولا يَدَّخِرون المالَ.
وقيل: إنَّ هذا الحديثَ خرَج مخرَجَ التَّهديدِ على تأخيرِ الصَّدقةِ، وهذا التَّهديدُ مَصروفٌ لِمَن أخَّرَها عن مُستحِقِّها وماطَلَه بها حتَّى استَغْنَى ذلك الفَقيرُ المستحِقُّ؛ فغِنَى الفَقيرِ لا يُخلِّصُ ذِمَّةَ الغنيِّ المُماطِلِ في وَقتِ الحاجةِ.
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ مِن التَّسويفِ في إخراجِ الزَّكاة؛ لأنَّه قد يكونُ التَّأخيرُ سببًا في عدَمِ وُجودِ مَن يَقْبَلُها.
وفيه: عَلامةٌ مِن عَلاماتِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
من صُنعَ إليهِ معروفٌ فقالَ لفاعلهِ جزاكَ اللَّهُ خيرًا فقد أبلغَ في الثَّناءِ

الراوي : أسامة بن زيد | المحدث : الترمذي | المصدر : سنن الترمذي | الصفحة أو الرقم : 2035 | خلاصة حكم المحدث : حسن جيد غريب
يُقالُ لصاحِبِ القرآنِ اقرأ وارتَقِ ورتِّل كما كنتَ ترتِّلُ في الدُّنيا فإنَّ منزلَكَ عندَ آخرِ آيةٍ تقرؤُها

الراوي : عبدالله بن عمرو | المحدث : أبو داود | المصدر : صحيح أبي داود

الصفحة أو الرقم: 1464 | خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح

شرح الحديث:
القرآنُ هو كلامُ اللهِ عزَّ وجلَّ، وهو خيرُ الكلامِ وأفضلُه، وحامِلُه في صَدرِه خيرُ النَّاسِ وأفضلُهم في الدُّنيا والآخِرَةِ.
وفي هذا الحديثُ بعضُ فَضائلِ حامِلِ القُرآنِ، حيث يقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: "يُقالُ" أي: معَ دُخولِ الجَنَّةِ "لصاحِبِ القُرآنِ"، وهو القارِئُ للقرآنِ، العامِلُ بما فيه، الملازمُ له تِلاوةً وحِفظًا؛ فالناس تتفاوتُ مكانتُهم في الجَنَّةِ بحَسَبِ تَفاوُتِهم في حِفظِه والعملِ بما فيه، وتَدبُّره؛ ولذلك يُقالُ له: "اقْرَأ" القرآنَ "وارْتَقِ" في دَرجاتِ الجَنَّةِ، "ورَتِّلْ كما كُنْتَ تُرتِّلُ في الدُّنيا" بقِراءتِه بتَأنٍّ وطُمَأنينةٍ مُجوَّدًا؛ فالجَنَّةُ دارُ جزاءٍ لا تَكْليفٍ، فهي قِراءةُ مُتْعةٍ؛ "فإنَّ مَنْزِلَك عِنْدَ آخرِ آيةٍ تَقْرَؤُها.

وفي الحَديثِ: أنَّ درَجاتِ الجَنَّةِ تُضاهي عددَ الآياتِ.
وفيه: فضيلةُ حافِظِ القرآنِ العاملِ به.
وفيه: فضيلةُ تَرتيلِ القراءةِ وتجويدِها على الإسراعِ فيها.
أنَّ الحَارِثَ بنَ هِشَامٍ سَأَلَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كيفَ يَأْتِيكَ الوَحْيُ؟ قالَ: كُلُّ ذَاكَ يَأْتِينِي المَلَكُ أحْيَانًا في مِثْلِ صَلْصَلَةِ الجَرَسِ، فَيَفْصِمُ عَنِّي، وقدْ وعَيْتُ ما قالَ، وهو أشَدُّهُ عَلَيَّ، ويَتَمَثَّلُ لي المَلَكُ أحْيَانًا رَجُلًا فيُكَلِّمُنِي، فأعِي ما يقولُ.
الراوي : عائشة أم المؤمنين.
المحدث : البخاري.
المصدر : صحيح البخاري.
الصفحة أو الرقم: 3215.
خلاصة حكم المحدث : [صحيح].


شرح الحديث:
كان الصَّحابةُ رَضِيَ الله عنهم يَسألون النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن الوَحْيِ، ويَترَقَّبونَه عندَ مَجيئِه، ومِن ذلك ما جاء في هذا الحديثِ، حيثُ سألَ الحارِثُ بنُ هِشامٍ رَضِيَ الله عنه رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: كيف يَنزِل عليك الوَحْيُ من السَّماء؟ والمُرادُ بالوَحْيِ: ما يَنزِلُ به جِبْريلُ عليه السَّلامُ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أمْرِ اللهِ سُبحانَه، فأخبَرَه رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه في بعضِ أوقاتِه يأتيه مِثلُ صَلْصَلةِ الجَرَسِ، وهو الصَّوتُ الَّذي يخرُجُ مِن الحديدِ عندَ تَدارُكِ الضَّربِ عليه، والجَرَسُ: قِطعةٌ مَعْدِنيَّةٌ تُصدِرُ صَوتًا عندَ اهتزازِها، وهذه الصُّورةُ أشدُّ أنواعِ الوَحْيِ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عندَما يأتيه؛ لِثِقَلِها، فينتهي مِن الشِّدَّةِ الَّتي يجدُها بانتهاءِ الوَحْيِ، وقد جمَعَ وحَفِظَ عن الوَحْيِ ما أَوْحى به مِن كلامِ الله عزَّ وجلَّ. وأحيانًا أُخرى يَتمثَّلُ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المَلَكُ رَجُلًا، فيأتي في صُورةِ إنسانٍ؛ فيُكَلِّمُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيَحفَظُ عنه ما أَوْحى به إليه مِن كَلامِ الله عزَّ وجلَّ.وفي الحديثِ: بَيانُ ثِقَلِ الوَحْيِ كما قال تعالَى: {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا} [المزمل: 5]؛ وذلِكَ لضعْفِ القُوَّةِ البشريَّةِ عن تحمُّلِ ذلك الوارِدِ العظيمِ مِن الجَنابِ الجَلِيلِ، وللوجَلِ مِن توقُّعِ تَقصِيرٍ فيما يُخاطَبُ به مِن قَولٍ أو فِعلٍ.
 لَمَّا نَزَلَتْ {الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا} [الأنعام: 82] إيمَانَهُمْ بظُلْمٍ، قُلْنَا: يا رَسولَ اللَّهِ، أَيُّنَا لا يَظْلِمُ
 نَفْسَهُ؟ قالَ: ليسَ كما تَقُولونَ {لَمْ يَلْبِسُوا إيمَانَهُمْ بظُلْمٍ} [الأنعام: 82] بشِرْكٍ، أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إلى قَوْلِ لُقْمَانَ لِابْنِهِ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ باللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ.


الراوي : عبدالله بن مسعود | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم : 3360 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
مَن حَمَلَ عليْنا السِّلاحَ فليسَ مِنَّا، ومَن غَشَّنا فليسَ مِنَّا.

الراوي : أبو هريرة
المحدث : مسلم
المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم : 101
خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِئَةَ جُزْءٍ، فأمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وتِسْعِينَ جُزْءًا، وأَنْزَلَ في الأرْضِ جُزْءًا واحِدًا، فَمِنْ ذلكَ الجُزْءِ يَتَراحَمُ الخَلْقُ، حتَّى تَرْفَعَ الفَرَسُ حافِرَها عن ولَدِها، خَشْيَةَ أنْ تُصِيبَهُ.

الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم : 6000 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
*أَتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟" قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: "إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ."

الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 2581 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
عَنِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أنَّه كانَ في جَنَازَةٍ فأخَذَ عُودًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ في الأرْضِ، فَقالَ: ما مِنكُم مِن أحَدٍ إلَّا كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ أوْ مِنَ الجَنَّةِ، قالوا: ألَا نَتَّكِلُ؟ قالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، {فَأَمَّا مَن أعْطَى واتَّقَى} [الليل: 5].

الراوي: علي بن أبي طالب | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم: 7552 | خلاصة حكم المحدث: [صحيح]

شرح الحديث:
ذكَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه ما مِنهُم مِن أحَدٍ وما مِن نَفْسٍ مَولودةٍ ومَخلوقةٍ، إلَّا كُتِبَ مَكانُها -يعني: قُدِّر وعُيِّن- الَّذي تَصيرُ إلَيه مِن الجَنَّةِ والنَّارِ، إلَّا وقَدْ كُتِبَتْ شَقيَّةً، أي: مُعَذَّبةً بالنَّارِ، أو سَعيدةً وفَرِحةٌ بالْجَنَّةِ، فَسَأَلَ رجلٌ: «يا رَسولَ اللهِ، أفَلا نَتَّكِلُ عَلى كِتابِنا ونَدَعُ العَمَلَ؟»
حاصِلُ الجَوابِ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنَّه لا مشَقَّةَ؛ لأنَّ كُلَّ أحدٍ مُيَسَّرٌ لِما خُلِق له، وهو يسيرٌ على من يسَّره اللهُ عليه.
فمنع أصحابه عن الاتِّكالِ، وتَرْكِ العَمَلِ، وأمرهم بالتزامِ ما يجِبُ على العَبدِ مِن العُبوديَّةِ، مع عدمِ جَعلِ العِبادةِ وتَرْكِها سببًا مُستَقِلًّا لدُخولِ الجنَّةِ والنَّارِ، بل هي علاماتٌ فقط. ثُمَّ قَرَأَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -تصديقًا لإجابتِه- قوْلَ اللهِ تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} [اللّيل: 5]

في الحديث: مشروعيَّةُ الموعِظةِ عند القَبرِ.
وفيه: الجَمعُ بين الإيمانِ بالقَدَرِ، والأخذِ بالأسبابِ في العَمَلِ.
أنَّ أُنَاسًا في زَمَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، هلْ نَرَى رَبَّنَا يَومَ القِيَامَةِ؟ قَالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: نَعَمْ، هلْ تُضَارُّونَ في رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بالظَّهِيرَةِ ضَوْءٌ ليسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ قالوا: لَا، قَالَ: وهلْ تُضَارُّونَ في رُؤْيَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ ضَوْءٌ ليسَ فِيهَا سَحَابٌ؟ قالوا: لَا، قَالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما تُضَارُونَ في رُؤْيَةِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ يَومَ القِيَامَةِ إلَّا كما تُضَارُونَ في رُؤْيَةِ أحَدِهِمَا؛ إذَا كانَ يَوْمُ القِيَامَةِ أذَّنَ مُؤَذِّنٌ: تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ ما كَانَتْ تَعْبُدُ، فلا يَبْقَى مَن كانَ يَعْبُدُ غيرَ اللَّهِ مِنَ الأصْنَامِ والأنْصَابِ إلَّا يَتَسَاقَطُونَ في النَّارِ، حتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا مَن كانَ يَعْبُدُ اللَّهَ بَرٌّ أوْ فَاجِرٌ، وغُبَّرَاتُ أهْلِ الكِتَابِ، فيُدْعَى اليَهُودُ فيُقَالُ لهمْ: مَن كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قالوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ، فيُقَالُ لهمْ: كَذَبْتُمْ؛ ما اتَّخَذَ اللَّهُ مِن صَاحِبَةٍ ولَا ولَدٍ، فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ فَقالوا: عَطِشْنَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا، فيُشَارُ ألَا تَرِدُونَ، فيُحْشَرُونَ إلى النَّارِ كَأنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيَتَسَاقَطُونَ في النَّارِ، ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى فيُقَالُ لهمْ: مَن كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قالوا: كُنَّا نَعْبُدُ المَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ، فيُقَالُ لهمْ: كَذَبْتُمْ، ما اتَّخَذَ اللَّهُ مِن صَاحِبَةٍ ولَا ولَدٍ، فيُقَالُ لهمْ: مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَكَذلكَ مِثْلَ الأوَّلِ، حتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا مَن كانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِن بَرٍّ أوْ فَاجِرٍ، أتَاهُمْ رَبُّ العَالَمِينَ في أدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتي رَأَوْهُ فِيهَا، فيُقَالُ: مَاذَا تَنْتَظِرُونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ ما كَانَتْ تَعْبُدُ، قالوا: فَارَقْنَا النَّاسَ في الدُّنْيَا علَى أفْقَرِ ما كُنَّا إليهِم ولَمْ نُصَاحِبْهُمْ، ونَحْنُ نَنْتَظِرُ رَبَّنَا الذي كُنَّا نَعْبُدُ، فيَقولُ: أنَا رَبُّكُمْ، فيَقولونَ: لا نُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا، مَرَّتَيْنِ أوْ ثَلَاثًا.

الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 4581 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

شرح الحديث:
والتشبيهُ الواقِعُ هنا إنما هو في الوُضوحِ وزَوالِ الشَّكِّ لا في المقابَلةِ والجِهةِ وسائِرِ الأُمورِ العادِيَّةِ عندَ رُؤيةِ المحْدَثاتِ؛ فالرؤيةُ له تعالى حقيقةٌ، لكِنَّا لا نكَيِّفُها، بل نَكِلُ كُنْهَ معرفَتِها إلى عِلْمِه تعالى. قيل: هذه رُؤيةُ الامتحانِ الممَيِّزةِ بين مَن عبدَ اللهَ وبينَ مَن عَبدَ غَيرَه، لا رؤيةُ الكرامةِ التي هي ثوابُ أوليائِه في الجنَّةِ.

فلا يبقى أحدٌ ممن كان يعبدُ الأصنامَ -جمعُ صَنَمٍ، وهو ما عُبِد من دونِ اللهِ- والأنصابَ -جمعُ نُصُبٍ، وهو حَجَرٌ كان يُنصَبُ ويُذبَحُ عليه، فيحمَرُّ بالدَّمِ ويُعبَدُ-.

وذكر صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه بعد أن يَدخُلَ كُلُّ مَن يَعبُدُ غيرَ اللهِ النَّارَ، ولم يَبْقَ إِلَّا مَن كانَ يَعبُدُ اللهَ مِن بَرٍّ طائعٍ للهِ حالَ حياتِه في الدُّنيا، أو فاجِرٍ -وهو العاصي المنهَمِكِ في المعصِيَةِ- جاءهمْ ربُّ العالَمينَ، وأَشْهَدَهُم رُؤيَتَهُ سُبحانَه، من غيرِ تكييفٍ ولا تشبيهٍ ولا تمثيلٍ «في أقْرَبِ صِفةٍ مِنَ الَّتي» عَرَفوهُ فيها سُبحانَه وتعالى، فَيُقالُ: «ماذا تَنتَظِرونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ ما كانَت تَعبُدُ، قالوا: فارَقْنا النَّاسَ» الَّذينَ زاغوا في الدُّنيا عَن الطَّاعةِ في الدُّنيا وابتعَدْنا عن مُتابَعَتِهم «عَلَى أفقَرِ» أي: أَحوَجِ «ما كُنَّا إِلَيهِم» في مَعايِشِنا وَمَصالِح دُنيانا، «وَلَم نُصاحِبْهُم» بَلْ قاطَعناهُم، «وَنَحنُ نَنتَظِرُ رَبَّنا الَّذي كُنَّا نَعبُدُ في الدُّنيا، فَيَقولُ: أنا رَبُّكُم، فَيَقولونَ: لا نَشْرِكُ بِاللهِ شَيئًا مَرَّتَينِ أو ثَلاثًا»، وإِنَّما قالوا ذلك؛ لأنَّهُ سُبحانَهُ وَتَعالَى تَجَلَّى لَهُم بِصِفةٍ لَم يَعرِفوه. قيل: إنما حجَبَهم عن تحقيقِ الرُّؤيةِ في هذه المرَّةِ مِن أجْل مَن معهم مِن المنافِقين الذين لا يَستَحِقُّونَ الرُّؤيةَ، وهم عن رَبِّهم محجوبون، فإذا تميَّزوا عنهم رُفِعَت الحُجُب، فيقولون عندما يَرَونَه: أنت رَبُّنا.
وفي الحَديثِ: رُؤيةُ المؤمنينَ للهِ تَبارَك وتعالَى يومَ القِيامَةِ كما يَشاءُ سُبحانَه.
سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، يقولُ: مَن أنْفَقَ زَوْجَيْنِ في سَبيلِ اللَّهِ، دَعَتْهُ خَزَنَةُ الجَنَّةِ، أيْ فُلُ هَلُمَّ فَقالَ أبو بَكْرٍ: ذَاكَ الذي لا تَوَى عليه، قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أرْجُو أنْ تَكُونَ منهمْ.
فقال أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه: أفْدِيك بأبِي وأُمِّي يا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ليس على الشَّخصِ الَّذي يُدْعى مِن أيِّ بابٍ مِن تلك الأبوابِ ضَرَرٌ يَلحَقُه أبدًا؛ لأنَّ مآلَهُ الفوزُ بنَعيمِ الجنَّةِ. ويَحتمِلُ أنْ يكونَ المعْنى: أنَّ مَن دُعِيَ مِن بابٍ مِن تلك الأبوابِ لَيستْ له حاجةٌ إلى أنْ يُدْعى مِن جَميعِ الأبوابِ؛ إذ البابُ الواحِدُ يَكفي لدُخولِه الجنَّةَ.

الراوي : أبو هريرة.
المحدث : البخاري.
المصدر : صحيح البخاري.
الصفحة أو الرقم: 3216.
خلاصة حكم المحدث : [صحيح].

شرح الحديث:
حَثَّ اللهُ عزَّ وجلَّ عِبادَه على المُسارَعةِ إلى الخَيراتِ، ووَعَدَ عليها بالثَّوابِ الجَزيلِ في الدُّنيا والآخِرةِ.
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي أبو هُرَيرةَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخبَرَ أنَّ مَن تَصدَّقَ بعَدَدِ اثنَينِ مِن أيِّ شَيءٍ كان صِنفَين أو مُتشابِهَينِ، كبَقَرَتينِ، أو دِرهمَينِ، أو رَغيفَينِ، أو ثَوبينِ، ويَحتمِلُ أنْ يُرادَ به الإنفاقُ مرَّةً بعْدَ أُخرى، أي: جاعلًا الإنفاقَ عادةً له. وقولُه: «في سَبيلِ اللهِ»، أي: في طَلَبِ ثَوابِه، وهو أعمُّ مِن الجِهادِ وغيرِه مِن العِباداتِ؛ فمَن فَعَلَ ذلك نادَتْه الملائكةُ يومَ القِيامةِ مِن أبوابِ الجنَّةِ مُرحِّبةً بقُدومِه إليها، وهي تَقولُ: «يا عبدَ اللهِ، هذا خَيرٌ»، أي: هذا العمَلُ الَّذي عَمِلْتَه خَيرٌ مِن الخَيراتِ، والتَّنوينُ في «خيرٌ» للتَّعظيمِ، أي: خَيرٌ عَظيمٌ، فلَفْظُ «خَيرٌ» بمعْنى فاضِلٍ، لا بمعْنى أفضَلَ، وإنْ كان اللَّفظُ قدْ يُوهِمُ ذلك؛ ففائدتُه زِيادةُ تَرغيبِ السامعِ في طَلَبِ الدُّخولِ مِن ذلك البابِ، أو المرادُ: هذا البابُ الَّذي تُدْعى إليه لِتَدخُلَ منه خَيرٌ، أي: فيه خَيرٌ كثيرٌ، وإنَّما قِيل له هذا تَعظيمًا له وتَشريفًا.

وفي الحَديثِ:
أنَّ الملائكةَ يُحِبُّون صالحِي بَني آدَمَ، ويَفرَحون بهم.
وفيه: أنَّ الإنفاقَ كلَّما كان أكثَرَ كان أفضَلَ.
وفيه: أنَّ تَمنِّيَ الخيرِ في الدُّنيا والآخِرةِ مَطلوبٌ.
وفيه: فَضيلةٌ ظاهرةٌ لأبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه: بَيانُ فَضلِ مَن جَمَعَ بيْن خِصالِ الخيرِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ مَدْحِ الإنسانِ في وَجْهِه إذا لم يُخَفْ عليه فِتنةٌ مِن إعجابٍ وغيرِه.
 كُنَّا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في دَعْوَةٍ، فَرُفِعَ إلَيْهِ الذِّرَاعُ -وكَانَتْ تُعْجِبُهُ- فَنَهَسَ منها نَهْسَةً. وَقالَ: أَنَا سَيِّدُ القَوْمِ يَومَ القِيَامَةِ، هلْ تَدْرُونَ بمَ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ في صَعِيدٍ واحِدٍ، فيُبْصِرُهُمُ النَّاظِرُ ويُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي، وتَدْنُو منهمُ الشَّمْسُ، فيَقولُ بَعْضُ النَّاسِ: أَلَا تَرَوْنَ إلى ما أَنْتُمْ فِيهِ إلى ما بَلَغَكُمْ؟ أَلَا تَنْظُرُونَ إلى مَن يَشْفَعُ لَكُمْ إلى رَبِّكُمْ؟ فيَقولُ بَعْضُ النَّاسِ: أَبُوكُمْ آدَمُ، فَيَأْتُونَهُ فيَقولونَ: يا آدَمُ، أَنْتَ أَبُو البَشَرِ، خَلَقَكَ اللَّهُ بيَدِهِ، ونَفَخَ فِيكَ مِن رُوحِهِ، وأَمَرَ المَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، وأَسْكَنَكَ الجَنَّةَ، أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إلى رَبِّكَ؟ أَلَا تَرَى ما نَحْنُ فيه وما بَلَغَنَا؟ فيَقولُ: رَبِّي غَضِبَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، ولَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، ونَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إلى غيرِي، اذْهَبُوا إلى نُوحٍ، فَيَأْتُونَ نُوحًا، فيَقولونَ: يا نُوحُ، أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إلى أَهْلِ الأرْضِ، وسَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا، أَما تَرَى إلى ما نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى إلى ما بَلَغَنَا؟ أَلَا تَشْفَعُ لَنَا إلى رَبِّكَ؟ فيَقولُ: رَبِّي غَضِبَ اليومَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، ولَا يَغْضَبُ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، نَفْسِي نَفْسِي، ائْتُوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَيَأْتُونِي فأسْجُدُ تَحْتَ العَرْشِ، فيُقَالُ: يا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ، وسَلْ تُعْطَهْ. قالَ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدٍ: لا أَحْفَظُ سَائِرَهُ.

الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري

الصفحة أو الرقم: 3340 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

التخريج : أخرجه البخاري (3340) واللفظ له، ومسلم (194)

شرح الحديث:
في هذا الحَديثِ إثباتُ كَرامةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على ربِّه سُبحانَه، وإثباتُ الشَّفاعةِ العامَّةِ له صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والشَّفاعةُ العامَّة هي شَفاعتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأهلِ المحشَرِ جَميعًا أنْ يَبدَأَ الحِسابُ، فيَرْوي أبو هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم كانوا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في دَعوةٍ وضِيافةٍ على طَعامٍ، فقَدَّمَ الدَّاعون إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذِراعَ الشَّاة، وهي اليدُ الأماميَّةُ مِن الذَّبيحةِ مع الكتِفِ، وكانتْ تُعجِبُه؛ لنُضْجِها وسُرعةِ استِمرائِها، مع زِيادةِ لذَّتِها وحَلاوةِ مَذاقِها، وبُعدِها عن مَواضعِ الأذَى، فنهَسَ منها نَهْسةً، أي: قَطَع منها بأسنانِه، ثمَّ قال: أنا سيِّدُ القومِ يومَ القِيامةِ، والسيِّدُ هو الَّذي يفوقُ قومَه ويُفْزَعُ إليه في الشَّدائدِ، وخَصَّ يومَ القِيامةِ بالذِّكرِ لارتفاعِ سُؤدُدِه وتسليمِ جَميعِ الخَلْقِ له، ولكونِ آدَمَ عليه السَّلامُ وجميعِ ولَدِه تحتَ لِوائِه، وهذا لا يُنافِي السِّيادةَ في الدُّنيا؛ فهو صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سيِّدُ ولَدِ آدمَ في الدُّنيا والآخِرةِ