كل يوم حديث
600 subscribers
14 links
للبقاء على اتصال مع حديث رسول الله الصحيح في ظل الأجواء الحالية من هجر له وانتشار الأحاديث الموضوعة
Download Telegram
أنَّ خُزَاعَةَ قَتَلُوا رَجُلًا مِن بَنِي لَيْثٍ - عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ - بقَتِيلٍ منهمْ قَتَلُوهُ، فَأُخْبِرَ بذلكَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَخَطَبَ، فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ حَبَسَ عن مَكَّةَ القَتْلَ، أوِ الفِيلَ - قَالَ أبو عبدِ اللَّهِ كَذَا، قَالَ أبو نُعَيْمٍ واجْعَلُوهُ علَى الشَّكِّ الفِيلَ أوِ القَتْلَ وغَيْرُهُ يقولُ الفِيلَ - وسَلَّطَ عليهم رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمُؤْمِنِينَ، ألَا وإنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي، ولَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ بَعْدِي، ألَا وإنَّهَا حَلَّتْ لي سَاعَةً مِن نَهَارٍ، ألَا وإنَّهَا سَاعَتي هذِه حَرَامٌ، لا يُخْتَلَى شَوْكُهَا، ولَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا، ولَا تُلْتَقَطُ سَاقِطَتُهَا إلَّا لِمُنْشِدٍ، فمَن قُتِلَ فَهو بخَيْرِ النَّظَرَيْنِ: إمَّا أنْ يُعْقَلَ، وإمَّا أنْ يُقَادَ أهْلُ القَتِيلِ. فَجَاءَ رَجُلٌ مِن أهْلِ اليَمَنِ فَقَالَ: اكْتُبْ لي يا رَسولَ اللَّهِ، فَقَالَ: اكْتُبُوا لأبِي فُلَانٍ. فَقَالَ رَجُلٌ مِن قُرَيْشٍ: إلَّا الإذْخِرَ يا رَسولَ اللَّهِ، فإنَّا نَجْعَلُهُ في بُيُوتِنَا وقُبُورِنَا؟ فَقَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إلَّا الإذْخِرَ إلَّا الإذْخِرَ.

الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم : 112 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

شرح الحديث
هذا الحديثِ يَحكي أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ قَبيلةَ خُزاعةَ قتَلوا رجُلًا مِن بني لَيثٍ بقَتيلٍ منهم قَتَلوه في الجاهليَّةِ، وكان ذلك عامَ فتْحِ مكَّةَ في السَّنةِ الثامنةِ مِن الهِجرةِ، فعَلِمَ بذلك النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فخطَبَ النَّاسَ وهو على راحلتِه -وهي ناقتُه التي يَركَبُها- ووضَّح لهم أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ قد حبَسَ القَتْلَ أو الفِيلَ عن مكَّةَ يومَ أنْ حاوَلَ أبرهةُ الحَبشيُّ هدَمَ الكَعبةَ
وإنَّما ذكَّرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أصحابَه رَضيَ اللهُ عنهم بحادثِ الفِيلِ في مَعرضِ خُطبتِه فيهم؛ لبَيانِ حُرمةِ القتْلِ في مكَّةَ
ولم يَحِلَّ في مكَّةَ القِتالُ إلَّا وَقتَ دُخولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إيَّاها فَاتِحًا مع أصحابِه، ثُمَّ عادَتْ حُرْمَتُها كما كانتْ، وأنَّها لم تَحِلَّ لأحدٍ قبْلَه، ولنْ تَحِلَّ لأحدٍ بعدَه؛ لأنَّ تَحريمَ مكَّةَ أمْرٌ قَديمٌ، وشَريعةٌ سالفةٌ ومُستمِرَّةٌ، ليس ممَّا أحْدَثهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أو اختُصَّ بشَرْعِه، وقد عادَتْ إليها حُرمتُها بعْدَ الفتْحِ.

ثمَّ حرَّمَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يُقطَعَ نَباتُها؛ لا الشَّجَرُ الكِبارُ ولا الشَّجَرُ الصِّغارُ، أوِ النَّباتُ الصَّغيرُ الذي هو الحَشيشُ الرَّطبُ، إلَّا نَباتَ الإذخِرِ؛ لحاجةِ النَّاِس إليه، وهو: نَباتٌ عُشبيٌّ عَريضُ الأوراقِ، له رائحةٌ لَيمونيَّةٌ عَطِرةٌ، أزهارُه تُستَعملُ مَنقوعةً كالشَّايِ، وهو نَباتٌ نافِعٌ في حَرْقِه بَدَلًا مِنَ الحَطَبِ، ويَجعَلونَه في أسقُفِ بُيوتِهم، وكذا لِسُقُفِ قُبورِهم، فاستَثناهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنَ النَّهيِ عن قَطْعِه

وحرَّمَ أنْ تُؤخَذَ لُقَطَتُها إلَّا لِمَن عرَّفها، فلا يُؤخَذُ شَيءٌ سَقَطَ مِن صاحبِه في مكَّةَ، بلْ يُترَكُ مكانَه حتَّى إذا رَجَعَ صاحبُه وجَدَه، ولا يَأخُذه إلَّا مَن نَوى أنْ يُعرِّفَه ويَحفَظَه حتَّى يَأتِيَ صاحبُه.ثم خيَّر النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أولياءَ الدَّمِ بيْن قَبولِ الدِّيَةِ «العقْل» وبيْن القَوَدِ وقَتْلِ القاتلِ قِصاصًا، وذلك في قتْلِ العمْدِ؛ وإلَّا فإنَّ القتْلَ الخطَأَ لا يكونُ فيه إلَّا الدِّيةُ.

وفي هذا الموقِفِ جاءَ رَجُلٌ مِن أهْلِ اليَمَنِ -وهو أبو شاهٍ، كما في الصَّحيحينِ- فطلَبَ مِن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَكتُبَ له بَعضَ السُّننِ التي تَنفَعُه، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «اكْتُبُوا لأبِي فُلَانٍ»، وهذا أمرٌ صَريحٌ بالكِتابةِ، وإنْ كان قد سَبَقَ مِن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ النَّهيُ عن كِتابةِ السُّننِ، فقال أكثرُ أهلِ العِلمِ: إنَّ أحاديثَ الأمْرِ بالكِتابةِ ناسِخةٌ لأحاديثِ النَّهيِ عنها
كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَفَرٍ، وكانَ معهُ غُلَامٌ له أسْوَدُ يُقَالُ له أنْجَشَةُ، يَحْدُو، فَقَالَ له رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ويْحَكَ يا أنْجَشَةُ رُوَيْدَكَ بالقَوَارِيرِ.

الراوي : أنس بن مالك | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم : 6161 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

شرح الحديث:
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَحيمًا رفيقًا بأُمَّتِه، وخاصَّةً بالضُّعَفاءِ مِثلِ الأطفالِ والنِّساءِ.
وفي هذا الحَديثِ يروي أنَسُ بنُ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان في سَفَرٍ، وكان غُلامٌ يَحدُو بِهِنَّ -أي بالنِّساءِ- وكان اسمُه: أَنْجَشَةُ، والحَدْوُ: سَوْقُ الإبلِ والغِناءُ لها لتخِفَّ في الحركةِ وتُسرِعَ المشيَ، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «رُوَيْدَكَ» أي: أَمْهِل « بالقَوَارِيرِ»، ويقصِدُ بهِنَّ ضَعَفةَ النِّساءِ، والقَوَارِيرُ: جمعُ قَارُورُةٍ، سُمِّيت بذلك لاستِقرارِ الشَّرابِ فيها، وكَنَى عن النِّساءِ بالقَوَارِيرِ (مِن الزُّجَاج)؛ لِضَعْفِ بِنْيَتِهِنَّ ورِقَّتِهِنَّ ولَطَافَتِهِنَّ، والمعنى: تمَّهْل في سَوقِك بالجِمالِ، وسُقْ بها كما تُساقُ إذا حُمِلَ عليها القواريرُ، وتمهَّلْ؛ لأنَّ الإبِلَ إذا سمعت الحُداءَ أسرعت في المشيِ واستلذَّتْه، فأزعَجَت الراكِبَ وأتعبَتْه، فنهاه عن ذلك لأنَّ النِّساءَ يَضعُفْنَ عند شِدَّةِ الحَركةِ ويُخافُ ضَرَرُهنَّ وسُقوطُهنَّ.
وفي الحَديثِ: مَشروعيَّةُ الحُداء والترنُّم بالأرجازِ في مَواضعِها؛ مِن سَوقِ الإبلِ، وقَطْعُ الأسفارِ، وإنشادُ الرَّقيقِ مِن الشِّعرِ بالأصواتِ الحَسَنةِ.
وفيه: رَحمةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالنِّساءِ، وأمْرُ السُّوَّاقِ لمَطاياهنَّ بالرَّفقِ بهنَّ.
مَن كانَ معهُ فَضْلُ ظَهْرٍ، فَلْيَعُدْ به علَى مَن لا ظَهْرَ له، وَمَن كانَ له فَضْلٌ مِن زَادٍ، فَلْيَعُدْ به علَى مَن لا زَادَ له. قالَ: فَذَكَرَ مِن أَصْنَافِ المَالِ ما ذَكَرَ، حتَّى رَأَيْنَا أنَّهُ لا حَقَّ لأَحَدٍ مِنَّا في فَضْلٍ.

الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم: 1728 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

في الحديثِ: الحثُّ على الصَّدَقَةِ، والمُواساةِ والإحسانِ إلى الرُّفْقَةِ والأصحابِ والاعتِناءِ بِمَصالِحِهم، والسَّعْيِ في قَضاءِ حاجةِ المُحتاجِ.
أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ كانَ علَى جَبَلِ حِرَاءٍ فَتَحَرَّكَ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: اسْكُنْ حِرَاءُ؛ فَما عَلَيْكَ إلَّا نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيدٌ. وَعليه النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ، رَضِيَ اللَّهُ عنْهمْ.

الراوي: أبو هريرة | المحدث: مسلم | المصدر: صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم: [2417] | خلاصة حكم المحدث: [صحيح].
أَيُحِبُّ أحَدُكُمْ إذا رَجَعَ إلى أهْلِهِ أنْ يَجِدَ فيه ثَلاثَ خَلِفاتٍ عِظامٍ سِمانٍ؟ قُلْنا: نَعَمْ، قالَ: فَثَلاثُ آياتٍ يَقْرَأُ بهِنَّ أحَدُكُمْ في صَلاتِهِ، خَيْرٌ له مِن ثَلاثِ خَلِفاتٍ عِظامٍ سِمانٍ.

الراوي : أبو هريرة | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم : 802 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

شرح الحديث:
«أَيُحِبُّ أحدُكم إذا رَجَعَ إلى أَهْلِهِ»، أي: إذا رَجَعَ إلى بَيْتِهِ، حيث يُوجَدُ أهلُهُ وأولادُهُ
«ثَلاثَ خَلِفَاتٍ» جَمْعُ خَلِفَةٍ، وهي الحاملُ مِنَ النُّوقِ، وهي مِن أَعَزِّ أموالِ العربِ.
خَمِّرُوا الآنِيَةَ، وأَوْكُوا الأسْقِيَةَ، وأَجِيفُوا الأبْوَابَ واكْفِتُوا صِبْيَانَكُمْ عِنْدَ العِشَاءِ، فإنَّ لِلْجِنِّ انْتِشَارًا وخَطْفَةً، وأَطْفِئُوا المَصَابِيحَ عِنْدَ الرُّقَادِ، فإنَّ الفُوَيْسِقَةَ رُبَّما اجْتَرَّتِ الفَتِيلَةَ فأحْرَقَتْ أهْلَ البَيْتِ، قالَ: ابنُ جُرَيْجٍ وحَبِيبٌ، عن عَطَاءٍ فإنَّ لِلشَّيَاطِينِ.

الراوي : جابر بن عبدالله.
المحدث : البخاري.
المصدر : صحيح البخاري.
الصفحة أو الرقم: 3316.
خلاصة حكم المحدث : [صحيح].

غَطُّوا الإناءَ، وأَوْكُوا السِّقاءَ، وأَغْلِقُوا البابَ، وأَطْفِئُوا السِّراجَ؛ فإنَّ الشَّيْطانَ لا يَحُلُّ سِقاءً، ولا يَفْتَحُ بابًا، ولا يَكْشِفُ إناءً، فإنْ لَمْ يَجِدْ أحَدُكُمْ إلَّا أنْ يَعْرُضَ علَى إنائِهِ عُودًا، ويَذْكُرَ اسْمَ اللهِ، فَلْيَفْعَلْ؛ فإنَّ الفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ علَى أهْلِ البَيْتِ بَيْتَهُمْ [وفي روايةٍ لم يَذْكُر قوله]: وأَغْلِقُوا البابَ.
وفي رِوايةٍ: قالَ: وأَكْفِئُوا الإناءَ، أوْ خَمِّرُوا الإناءَ.

الراوي: جابر بن عبدالله.
المحدث: مسلم.
المصدر: صحيح مسلم.
الصفحة أو الرقم: 2012.
خلاصة حكم المحدث: [صحيح].


شرح الحديث:
في هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ناصحًا أُمَّتَه: «غَطُّوا الإناءَ» أي: اجْعَلوا فوْقَ كُلِّ إناءٍ فيهِ طَعامٌ أوْ شَرابٌ غِطاءً، «وَأَوْكُوا السِّقاءَ» مِن الإيكاءِ، وهو: الشَّدُّ والرَّبطُ، والوِكاءُ: اسمُ ما يُشَدُّ بهِ فَمُ القِرْبةِ، والسِّقاءُ: ما يُوضَعُ فيهِ الماءُ أو اللَّبِنُ ونحوُ ذَلِكَ، مِثلُ القِرَب الَّتي تَحْفَظُ الماءَ، والمقصودُ: ارْبِطوا أَفْواهَ القِرَبِ بِرِباطٍ؛ مِن أَجْلِ حِفْظِ ما فيها مِن الماءِ وغيرِه، وفي رِوايةٍ: «وَأكْفِئُوا الإناءَ»، أي: اقْلِبُوا الإناءَ، واجْعَلوا فتْحَتَه لأَسْفَلَ؛ وذلكَ إذا كان فارغًا، وفي أُخرى: «خَمِّروا الإناءَ»، أي: غَطُّوا الإناءَ بشَيْءٍ.

وأرشَدَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى إغلاقِ أبوابِ البيوتِ، وألَّا تُترَكَ مَفتوحةً باللَّيلِ، وأنْ يُطفَأَ السِّراجُ، وهي المصابيحُ الَّتي كانت تُوقَدُ بالنَّارِ، فلا يَترُكَها الإنسانُ مُشتعِلةً ويَنامُ عنها؛ ثمَّ علَّل النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وبيَّن أنَّ الشَّيطانَ إذا وَجَدَ قِرْبَةً مَرْبوطَةً فإنَّه لا يَفُكُّ رِباطَها، وكذلك فإنَّ الشَّيطانَ إذا وجَد بابًا مُغلَقًا فإنَّه لا يفتحُهُ، وإذا وَجَد إناءً مُغَطًّى فإنَّه لا يَكشِفُه.
وإذا لم يَجِدِ الإنسانُ ما يُغَطِّي به إناءَهُ فَلْيَضَعْ عليه أيَّ شَيْءٍ، ولو عُودًا مِن حَصِيرٍ، أو عصًا، وما شابَهَ ذلك، ويَذْكُرِ اسْمَ اللهِ على الإناءِ، والسَّببُ في ذلك «أنَّ الفُوَيْسِقَةَ» وهي الفَأْرَةَ، تَصغيرُ فاسقٍ، مِنَ الفِسْقِ، وهو الخُروجُ، سُمِّيَت بذلك؛ لخُروجِها عن مُعظمِ غيرِها منَ الحَشراتِ بالإيذاءِ والإفسادِ، «تُضْرِمُ»، أي: تُشْعِلُ النَّارَ، على أَهْلِ البيتِ، فتُحَرِّكُ المِصْباحَ المُشْتَعِلَ وَأَهْلُ البيتِ نِيَامٌ، فَتُحْرِقُ البيتَ على أهلِهِ.

وفي الحديثِ:
الحثُّ على ذِكرِ اللهِ تعالَى.
وفيه: الأخذُ بالأسبابِ مع التَّوكُّلِ الكاملِ على اللهِ تعالَى.
وفيه: إبرازُ أهمِّيَّةِ الاحترازِ مِن كلِّ ما يَضُرُّ المسْلمَ ماديًّا ومعنويًّا.
ما مِنكُم أحَدٌ إلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ ليسَ بيْنَهُ وبيْنَهُ تُرْجُمانٌ، فَيَنْظُرُ أيْمَنَ منه فلا يَرَى إلَّا ما قَدَّمَ مِن عَمَلِهِ، ويَنْظُرُ أشْأَمَ منه فلا يَرَى إلَّا ما قَدَّمَ، ويَنْظُرُ بيْنَ يَدَيْهِ فلا يَرَى إلَّا النَّارَ تِلْقاءَ وجْهِهِ، فاتَّقُوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ. وفي رواية: ولو بكلمة طيبة

الراوي : عدي بن حاتم الطائي | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم : 7512 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

وليس بيْنَه وبيْنه تَرْجُمانٌ يُتَرجِمُ له»، أي: ليس بيْنه وبيْن اللهِ سُبحانه واسِطةٌ، والتَّرجُمانُ هو ناقِلُ الكَلامِ مِن لُغةٍ إلى لُغةٍ أُخْرى،

ثمَّ يَنظُرُ الرَّجلُ عن يَمينِه فلا يَرى إلَّا جَهنَّمَ، ويَنظُرُ عن يَسارِه، فلا يَرى إلَّا جَهنَّمَ؛ لارتِكابِه السَّيِّئاتِ، والظَّاهرُ أنَّ هذا كِنايَةٌ عنِ الإحاطةِ، وأنَّ الخَلاصَ منها ليس إلَّا بالمُرورِ عليها، كما قال تعالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} [مريم: 71، 72].
ثمَّ أمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ المسلمَ أنْ يَجعَلَ بيْنه وبيْن النَّارِ حاجِزًا منَ الصَّدَقةِ، ولو أنْ يَتصدَّقَ بنِصفِ تَمرةٍ، فإنْ لم يَجِدْ ما يَتصدَّقُ به، فلْيَتصدَّقْ بكَلمةٍ طيِّبةٍ تَطِيبُ بها النَّفْسُ، وفيها تَطْييبٌ لقُلوبِ النَّاسِ، وهذا يدُلُّ على أنَّ الكَلمةَ الطَّيِّبةَ صَدَقةٌ، يُتَّقى بها النَّارُ، كما أنَّ الكَلمةَ الخَبيثةَ تُوجِبُ النَّارَ؛ فعلى المُسلِمِ ألَّا يَحتقِرَ مِن الصَّدَقةِ شيئًا، ولو كان قَليلًا؛ فإنَّه يَنفَعُ المُتصدِّقَ، ويَنفَعُ المُتصَدَّقَ عليه.
أَثْنَى رَجُلٌ علَى رَجُلٍ عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: ويْلَكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ أخِيكَ - ثَلَاثًا - مَن كانَ مِنكُم مَادِحًا لا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: أحْسِبُ فُلَانًا، واللَّهُ حَسِيبُهُ، ولَا أُزَكِّي علَى اللَّهِ أحَدًا، إنْ كانَ يَعْلَمُ

الراوي : أبو بكرة نفيع بن الحارث | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم : 6162 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

شرح الحديث:
تَزكيةُ النَّاسِ بالخيرِ أو ذَمِّهم بالشَّرِّ أمرٌ خَطيرٌ، وقدْ وَضَعَ الإسلامُ ضَوابطَ لذلك، فجَعَلَ مَعرفةَ الموصوفِ مَعرفةً جيِّدةً شَرْطًا في وَصْفِه بالخيرِ أو الشَّرِّ، كما حذَّرَ مِن وصْفِ الإنسانِ بما ليس فيه، وغيرِ ذلك.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أبو بَكرةَ نُفيعُ بنُ الحارثِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رجُلًا مَدَح رَجلًا آخَرَ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ويلَك! -وهي كَلمةٌ لا يُرادُ بها الدُّعاءُ على الشَّخصِ، ولكِنْ يُرادُ بها الزَّجرُ أو الحثُّ على شَيءٍ معيَّنٍ، وهي كَلمةُ تَرحُّمٍ وتَوجُّعٍ تُقالُ لمَن وقَعَ في هَلَكةٍ لا يَستحِقُّها- قطَعتَ عُنُقَ صاحِبِك، أي: أهْلَكْتَه وأضرَرْتَ به، فربَّما جَرَّه ذلك المدحُ إلى العُجبِ والغُرورِ، فيُصبِحُ كالمقطوعِ الرَّأسِ المتوقِّفِ عن الحركةِ، يُكرِّرُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذا القولَ كَثيرًا؛ تَحذيرًا وتَنبيهًا لهَولِ الكلمةِ، ثمَّ بيَّن صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أنَّه إذا كان لا بُدَّ مِن المدْحِ؛ لأنَّ المَقامَ يَقتضي الثَّناءَ عليه اقتضاءً شَرعيًّا، كتَزكيةِ الشَّاهدِ مَثلًا، أو لا بُدَّ مِن الثَّناءِ عليه لمَصلحةٍ مَشروعةٍ أُخرى، فلْيَقُلْ: «أحسِبُ فلانًا، واللهُ حَسيبُه، ولا أُزكِّي على الله أحدًا، أحسِبُه كذا وكذا، إنْ كان يَعلَمُ ذلك منه»، فلْيَقتصِرْ على وَصْفِه بما يَعلَمُ فيه مِن خِصالِ الخيرِ الموجودةِ، ويَقولُ أثناءَ وصْفِه له: أحسِبُه رجلًا عدْلًا، أو صالحًا، أو كَريمًا مَثلًا، فلا يَقطَعُ ولا يَجزِمُ بعاقبةِ أحدٍ بخَيرٍ أو غيرِه؛ لأنَّ اللهَ يَعلَمُ سِرَّه، وهو الذي يُجازِيه؛ إنْ خَيرًا فخَيرًا، وإنْ شرًّا فشَرًّا، ولا يَقُلْ: أتيقَّنُ ولا أتحقَّقُ أنَّه مُحسِنٌ، جازمًا به.
أَلا أُنَبِّئُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبائِرِ قُلْنا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ، وكانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فقالَ: ألا وقَوْلُ الزُّورِ، وشَهادَةُ الزُّورِ، ألا وقَوْلُ الزُّورِ، وشَهادَةُ الزُّورِ فَما زالَ يقولُها، حتَّى قُلتُ: لا يَسْكُتُ.

الراوي : أبو بكرة نفيع بن الحارث | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم : 5976 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]
سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ، ما أدْنَى أهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً، قالَ: هو رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ ما أُدْخِلَ أهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، فيُقالُ له: ادْخُلِ الجَنَّةَ، فيَقولُ: أيْ رَبِّ، كيفَ وقدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنازِلَهُمْ، وأَخَذُوا أخَذاتِهِمْ، فيُقالُ له: أتَرْضَى أنْ يَكونَ لكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِن مُلُوكِ الدُّنْيا؟ فيَقولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فيَقولُ: لكَ ذلكَ، ومِثْلُهُ ومِثْلُهُ ومِثْلُهُ ومِثْلُهُ، فقالَ في الخامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ، فيَقولُ: هذا لكَ وعَشَرَةُ أمْثالِهِ، ولَكَ ما اشْتَهَتْ نَفْسُكَ، ولَذَّتْ عَيْنُكَ، فيَقولُ: رَضِيتُ رَبِّ، قالَ: رَبِّ، فأعْلاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أرَدْتُ غَرَسْتُ كَرامَتَهُمْ بيَدِي، وخَتَمْتُ عليها، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، ولَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، ولَمْ يَخْطُرْ علَى قَلْبِ بَشَرٍ، قالَ: ومِصْداقُهُ في كِتابِ اللهِ عزَّ وجلَّ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لهمْ مِن قُرَّةِ أعْيُنٍ} [السجدة: 17].

الراوي: المغيرة بن شعبة | المحدث: مسلم | المصدر: صحيح مسلم | الصفحة أو الرقم: [189] | خلاصة حكم المحدث: [صحيح].

شرح الحديث:
• «أولَئِكَ الَّذين أردْتُ»: الَّذينَ اختَارَهُمُ اللهُ واصطَفاهُم.

• «غرَسْتُ كَرامتَهم بيَدي، وختَمْتُ عليها»: ومَعنَى ذلك أنَّهُم مَن ممن تَولَّاهُمُ اللهُ؛ فلا يَتطرَّقُ إلى كَرامَتِهِم تَغييرٌ.

• {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17]: أي فلا يَعلَمُ أحَدٌ عَظَمةَ ما أخْفى اللهُ تَعالَى لهم في الجنَّاتِ منَ النَّعيمِ المُقيمِ، واللَّذَّاتِ التي لم يَطَّلِع على مِثلِها أحدٌ ممَّا تَقَرُّ وتُنَعَّمُ به أعيُنُهم، وهو كِنايةٌ عنِ السُّرورِ؛ وذلك لأنَّهُم لمَّا أخفَوا أعمالَهُم، أخْفى اللهُ لهم منَ الثَّوابِ جَزاءً وِفاقًا؛ فإنَّ الجَزاءَ من جِنسِ العَملِ.

وفي الحديثِ: بَيانُ أنَّ الجنَّةَ دَرَجاتِ.

وفيه: ثُبوتُ صِفةِ اليدِ للّه عزَّ وجلَّ على ما يَليقُ بذاتِ وجَلالِه؛ من غَيرِ تَشبيهٍ أو تَعطيلٍ.
أنَّ رسولَ اللَّه صلَّى اللَّه علَيهِ وسلَّمَ أخذَ بيدِهِ، وقالَ: يا مُعاذُ، واللَّهِ إنِّي لأحبُّكَ، واللَّهِ إنِّي لأحبُّك، فقالَ: أوصيكَ يا معاذُ لا تدَعنَّ في دُبُرَ كلِّ صلاةٍ تقولُ: اللَّهمَّ أعنِّي على ذِكْرِكَ، وشُكْرِكَ، وحُسنِ عبادتِكَ

الراوي: معاذ بن جبل | المحدث : أبو داود | المصدر: سنن أبي داود

الصفحة أو الرقم: 1522 | خلاصة حكم المحدث: صحيح

#أذكار
كُنَّا مع رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَارٍ، فَنَزَلَتْ {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا}، فإنَّا لَنَتَلَقَّاهَا مِن فِيهِ، إذْ خَرَجَتْ حَيَّةٌ مِن جُحْرِهَا، فَابْتَدَرْنَاهَا لِنَقْتُلَهَا، فَسَبَقَتْنَا فَدَخَلَتْ جُحْرَهَا، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كما وُقِيتُمْ شَرَّهَا.

وفي رواية قالَ: وإنَّا لَنَتَلَقَّاهَا مِن فيه رَطْبَةً.

الراوي : عبدالله بن مسعود.
المحدث : البخاري.
المصدر : صحيح البخاري.
الصفحة أو الرقم: 3317.
خلاصة حكم المحدث : [صحيح]


شرح الحديث:
بيْنَما نَحْنُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَارٍ بمِنًى، إذْ نَزَلَ عليه: (والمُرْسَلَاتِ) وإنَّه لَيَتْلُوهَا، وإنِّي لَأَتَلَقَّاهَا مِن فِيهِ، وإنَّ فَاهُ لَرَطْبٌ بهَا؛ إذْ وثَبَتْ عَلَيْنَا حَيَّةٌ، فَقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: اقْتُلُوهَا. فَابْتَدَرْنَاهَا، فَذَهَبَتْ، فَقالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وُقِيَتْ شَرَّكُمْ كما وُقِيتُمْ شَرَّهَا.

الراوي: عبدالله بن مسعود.
المحدث: البخاري.
المصدر: صحيح البخاري.
الصفحة أو الرقم: 1830.
خلاصة حكم المحدث: [صحيح].
التخريج: أخرجه البخاري (1830)، ومسلم (2234).

------------------------
بيَّنَ اللهُ عزَّ وجلَّ ورَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما يَحِلُّ للمُحرِمِ فِعلُه، وما يَحرُمُ عليه، ونَقَلَ ذلك الصَّحابةُ الكرامُ رَضيَ اللهُ عنهم أجمعينَ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهم كانوا مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غارٍ بمِنًى، وهذا إشارةٌ إلى إحرامِهِم، ومِنًى وادٍ قُربَ الحَرَمِ المَكِّيِّ، يَنزِلُه الحُجَّاجُ لِيَبيتوا فيه يومَ التَّرويةِ وأيَّامَ التَّشريقِ، ويَرْموا فيه الجِمارَ، وأثناءَ وُجودِه معه نزَلَ الوحْيُ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بسُورةِ (المُرسَلاتِ)، فتلقَّاها عبدُ اللهِ بنُ مسعود رَضيَ اللهُ عنه مِن فَمِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُباشرةً، ولا يَزالُ فمُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَطْبًا لم يَجِفَّ رِيقُه بها -وهذا كِنايةٌ عن سُرعةِ أخْذِهم على الفورِ حِين سَمِعوه وهو يَقرَأُ، مِن غيرِ تَأخيرٍ ولا تَوانٍ- فاجأَتْهم حَيَّةٌ، فوَثَبَتْ نَحْوَهم، فحَثَّهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على قتْلِها، وفي رِوايةِ مُسلِمٍ: «أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمَرَ مُحرِمًا بقتْلِ حيَّةٍ بمِنًى»؛ فهو تأكيدٌ لتلبُّسِهم بالإحرامِ، فأسْرَعوا إليها -استجابةً لأمْرِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لِيَقتُلوها، فلمَّا لم يَتمكَّنُوا منها واستطاعَتِ الهرَبَ، قال لهم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وُقِيَتْ شَرَّكم، ووُقِيتُم شَرَّها، أي: إنَّ اللهَ سلَّمها منكم كما سلَّمكم منها، ولم يَلحَقْها ضرَرُكم، كما لم يلحَقْكم ضررُها.
وفي هذا تَلطُّفُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الخِطابِ، وإزالةُ ما في النُّفوسِ؛ لأنَّه لا شكَّ أنَّ الصَّحابةَ لَمَّا ابتدَرُوها وفاتَتْهم، صار في نُفوسِهم شَيءٌ: كيف لم نُدرِكْها فنَفعَلَ ما أمَرَنا به النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟! فقال لهم: إنَّها وُقِيَتْ شَرَّكم كما وُقِيتُم شَرَّها، فهذه بتلك.

وفي الحَديثِ:
بَيانُ وقْتِ ومَوضعِ نُزولِ سُورةِ (المُرْسلاتِ).
وفيه: مَشروعيَّةُ دفْعِ المحرِمِ للأذى عن نفْسِه أو مَن حَولَه.
وفيه: مَشروعيَّةُ قتْلِ الحَيَّةِ في الحرَمِ.
جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ أَجْرًا؟ قالَ: أَنْ تَصَدَّقَ وأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الفَقْرَ، وتَأْمُلُ الغِنَى، ولَا تُمْهِلُ حتَّى إذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلَانٍ كَذَا، ولِفُلَانٍ كَذَا وقدْ كانَ لِفُلَانٍ.

الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم : 1419 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

شرح الحديث

فأخبَرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه ما يَتصَدَّقُ بها الإنسانُ وهو صحيحٌ ليس فيه مرَضٌ أو عِلَّةٌ تقْطَعُ أمَلَه في الحياةِ، وهو وقتٌ يُصادِفُ مَن يكونُ مِن شأنِه الشُّحُّ، وهو البُخلُ مع الحِرصِ، ويَخافُ مِن الوُقوعِ في الفَقرِ، ويَأْمُلُ الغِنَى ويَرجوه ويَطمَعُ فيه لِنفْسِه، وهذا في فَترةِ الحياةِ كلِّها، وخاصَّةً وقْتَ الرَّغدِ والنَّعيمِ، فيَكونُ الإنسانُ أكثَرَ حِرصًا، فإذا تصَدَّق مع كلِّ هذه المَوانعِ والمُغرياتِ الَّتي تَحُثُّه على حِفظِ المالِ فذلك أعظَمُ أجرًا، ثمَّ حذَّره النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن آفةٍ تُصيبُ كثيرًا مِن النَّاسِ، وذلك بأنَّ يَنتظِرَ ويَتمهَّلَ ويؤخِّرَ التصَدُّقَ، حتَّى إذَا بَلَغَت رُوحُه الحُلْقُومَ، وشعَرَ بقُربِ المَوتِ، وتأكَّدَ أنَّ المالَ لن يَنفَعَه، وأنَّه سيَترُكُه- أَوْصى لِفُلَانٍ بكذا، ولِفُلانٍ بكذا، وأخبَرَ أنَّه قدْ كان لِفُلانٍ مِن الدُّيونِ أو الحُقوقِ، وقد أصبَح المالُ مِلكًا للورَثةِ، فهذا أقَلُّ أجرًا.
بيْنَا النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقْسِمُ ذَاتَ يَومٍ قِسْمًا، فَقالَ ذُو الخُوَيْصِرَةِ، رَجُلٌ مِن بَنِي تَمِيمٍ: يا رَسولَ اللَّهِ اعْدِلْ، قالَ: ويْلَكَ، مَن يَعْدِلُ إذَا لَمْ أعْدِلْ فَقالَ عُمَرُ: ائْذَنْ لي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ، قالَ: لَا، إنَّ له أصْحَابًا، يَحْقِرُ أحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مع صَلَاتِهِمْ، وصِيَامَهُ مع صِيَامِهِمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمُرُوقِ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنْظَرُ إلى نَصْلِهِ فلا يُوجَدُ فيه شيءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلى رِصَافِهِ فلا يُوجَدُ فيه شيءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلى نَضِيِّهِ فلا يُوجَدُ فيه شيءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلى قُذَذِهِ فلا يُوجَدُ فيه شيءٌ، قدْ سَبَقَ الفَرْثَ والدَّمَ، يَخْرُجُونَ علَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ إحْدَى يَدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ المَرْأَةِ، أوْ مِثْلُ البَضْعَةِ تَدَرْدَرُ قالَ أبو سَعِيدٍ: أشْهَدُ لَسَمِعْتُهُ مِنَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأَشْهَدُ أنِّي كُنْتُ مع عَلِيٍّ حِينَ قَاتَلَهُمْ، فَالْتُمِسَ في القَتْلَى فَأُتِيَ به علَى النَّعْتِ الذي نَعَتَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.

الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم : 6163 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

شرح الحديث:
ذَكَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه سيَخرُجُ بعْدَه خَوارجُ يُقاتِلونَ أهلَ الإسْلامِ، وذَكَر صِفاتِهم وعَلاماتِهم، وقدْ وقَعَ ذلك في عَهدِ الخَليفةِ علِيِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه.
وفي هذا الحَديثِ يَحْكي أبو سَعيدٍ الخُدْريُّ رَضيَ اللهُ عنه أنَّهُم بيْنَما هُم معَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يَقسِمُ قَسْمًا، وقد بيَّنَت رِوايةُ الصَّحيحَينِ أنَّ علِيَّ بنَ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه بَعَث مِن اليمَنِ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذُهَيْبةٍ؛ وهي القِطْعةُ مِنَ الذَّهبِ، وكانت ممَّا أخَذَه علِيٌّ رَضيَ اللهُ عنه مِن زَكَواتِ أهلِ اليَمَنِ، فقَسَمَها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْن أربَعةِ نَفَرٍ: الأقْرَعِ بنِ حَابِسٍ الحَنظَليِّ المُجاشِعيِّ، وعُيَيْنةَ بنِ بَدرٍ الفَزاريِّ، وزَيدٍ الطَّائيِّ، وعَلْقَمةَ بنِ عُلاثةَ العامِريِّ، وهم رُؤساءُ في أقْوامِهم، وقد كانوا حَديثي عَهدٍ بكُفرٍ، فتَألَّفَهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بهذا المالِ؛ ليَثبُتوا على الإسْلامِ، فيَثبُتُ قَومُهم معَهم، فلمَّا خَصَّهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بهذا العَطاءِ، غَضِب بعضُ النَّاسِ، وفي هذا الوَقتِ أتاهُ ذو الخُوَيْصِرةِ، واسمُه حُرْقُوصُ بنُ زُهَيْرٍ، وهو رَجلٌ مِن بَني تَميمٍ، فقال: يا رَسولَ اللهِ، اعدِلْ في القِسْمةِ، وهذا قَولٌ يدُلُّ على قِلَّةِ فِقهِ هذا الرَّجلِ، فغَضِب صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وقال للرَّجلِ: «ويْلَكَ! ومَن يَعدِلُ إذا لم أعْدِلْ؟!» والمَعنى أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هو أَوْلى النَّاسِ بالعَدلِ، وأقدَرُهم على ذلك، وأكثَرُهم عَدْلًا؛ لأنَّه رَسولُ اللهِ، ولذلك قال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «قد خِبتَ وخَسِرْتَ إنْ لم أكُنْ أعْدِلُ»، وفي رِوايةٍ في الصَّحيحينِ: «مَن يُطِعِ اللهَ إذا عَصيْتُ؟!»، وهذا الكَلامُ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَحمِلُ مَعنى التَّعجُّبِ والإنْكارِ لقَولِ الرَّجلِ، «فقال عُمَرُ رَضيَ اللهُ عنه: يا رَسولَ اللهِ، ائْذَنْ لي فيه، فأضْرِبَ عُنُقَه»؛ لأنَّه ظَهَر نِفاقُه، فمَنَعَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن قَتلِه تَأْليفًا لغَيرِه، وأمَرَه أنْ يَترُكَه
تتمة الشرح:
وأخبَرَ أنَّ له أصْحابًا يَحقِرُ -أي: يَستَقِلُّ- أحَدُكم صَلاتَه معَ صَلاتِهم، وصِيامَه معَ صيامِهم، يَقرَؤونَ القُرْآنَ لا يُجاوِزُ تَراقيَهم، جَمعُ تَرْقوةٍ، وهي العَظمُ ما بيْن ثُغْرةِ النَّحْرِ والعاتِقِ، وفي رِوايةٍ في الصَّحيحَينِ: «إنَّ مِن ضِئْضِئِ -أي: مِن نَسلِ- هذا أو في عَقِبِ هذا قَومًا يَقرَؤونَ القُرآنَ لا يُجاوِزُ حَناجِرَهم»، يُريدُ أنَّ قِراءتَهم لا يَرفَعُها اللهُ ولا يَقبَلُها؛ لعِلمِه باعْتِقادِهم، أو أنَّهم لا يَعمَلونَ بها، فلا يُثابونَ عليها، أو لَيس لهم فيه حَظٌّ إلَّا مُرورُه على لِسانِهم، فلا يَصِلُ إلى حُلوقِهم، فَضلًا عن أنْ يصِلَ إلى قُلوبِهم؛ لأنَّ المَطْلوبَ تَعقُّلُه وتَدَبُّرُه؛ لوُقوعِه في القَلبِ. «يَمرُقونَ»، أي: يَخرُجونَ سَريعًا مِن دِينِ الإسْلامِ مِن غَيرِ حَظٍّ يَنالُهم منه، كما يَمرُقُ السَّهمُ مِن الرَّميَّةِ، فشبَّهَ مُروقَهم وخُروجَهم مِن الدِّينِ بالسَّهمِ الَّذي يُصيبُ الصَّيدَ، فيَدخُلُ فيه ويَخرُجُ مِن النَّاحيةِ الأُخْرى، ولشِدَّةِ سُرعةِ خُروجِه لا يَعلَقُ بالسَّهمِ مِن جسَدِ الصَّيدِ شَيءٌ، ثمَّ يُنظَرُ إلى «نَصْلِه»، وهي حَديدةُ السَّهمِ، فلا يُوجَدُ في النَّصلِ شَيءٌ مِن دَمِ الصَّيدِ ولا غَيرِه، ثمَّ يُنظَرُ إلى «رِصافِه»، وهو عَقِبٌ يُلْوى فَوقَ مَدخَلِ النَّصلِ أوِ السَّهمِ، فما يُوجَدُ فيه شَيءٌ، ثمَّ يُنظَرُ إلى «نَضيِّه»، وهو عودُ السَّهمِ قبْلَ أنْ يُراشَ ويُنصَلَ، أو هو ما بيْنَ الرِّيشِ والنَّصلِ، وسُمِّيَ بذلك؛ لأنَّه بُرِيَ حتَّى عادَ نِضْوًا، أي: هَزيلًا، فلا يُوجَدُ فيه شَيءٌ، ثمَّ يُنظَرُ إلى «قُذَذِه»، جَمعُ قُذَّةٍ؛ الرِّيشِ الَّذي على السَّهمِ، فلا يُوجَدُ فيه شَيءٌ، قدْ سبَقَ السَّهمُ «الفَرْثَ»، وهو ما يَجتَمِعُ في الكَرِشِ، «والدَّمَ» فلم يَظهَرْ أثَرُهما فيه، بلْ خَرَجا بعْدَه، وكذلك هؤلاء لم يتَعَلَّقوا بشَيءٍ مِن الإسْلامِ، وهذا نَعتُ الخَوارِجِ الَّذين لا يَدينونَ للأئمَّةِ، ويَخرُجونَ عليهم.
«وآيَتُهم»، أي: عَلامَتُهمُ الَّتي يُعرَفونَ بها إذا ظَهَروا، أو عندَ أولِ ظُهورٍ لهم: أنَّه يكونُ فيهم رَجلٌ أسْوَدُ إحْدى «عَضُدَيْه» -وهو ما بيْنَ المِرْفَقِ إلى الكَتِفِ- مِثلُ ثَدْيِ المَرْأةِ، أو قال: مِثلُ البَضْعةِ، وهيَ القِطْعةُ منَ اللَّحْمِ. «تَدَرْدَرُ»، أي: تَتحَرَّكُ وتَذهَبُ وتَجيءُ، وأصْلُ الدَّرْدِ: حِكايةُ صَوتِ الماءِ في بَطنِ الوادي إذا تَدافَعَ، ويَخرُجونَ على حِينِ فُرقةٍ، أي: في زَمانِ افْتِراقٍ مِن النَّاسِ، وهو زَمانُ علِيِّ بنِ أبي طالِبٍ وأصْحابِه رَضيَ اللهُ عنهم.
قال أبو سَعيدٍ الخُدْريُّ رَضيَ اللهُ عنه: فأشهَدُ أنِّي سمِعتُ هذا الحَديثَ مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأشهَدُ أنَّ عَليَّ بنَ أبي طالِبٍ رَضيَ اللهُ عنه قاتَلَ خَوارجَ عَصرِه، وكانوا بهذه الصِّفةِ، وأنا معَه بالنَّهْرَوانِ سنةَ (38هـ)، وهي مِنطَقةٌ بالقُربِ مِن بَغدادَ في العِراقِ، فأمَرَ علِيٌّ رَضيَ اللهُ عنه أنْ يَبحَثَ المُقاتِلونَ عن ذلك الرَّجلِ الَّذي قال فيه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «إحْدى عَضُدَيْه مِثلُ ثَدْيِ المَرْأةِ»، فطُلِبَ في القَتْلى، فوَجَدوه، فأَتَوا به. ورآهُ أبو سَعيدٍ رَضيَ الله عنه على الصِّفةِ التي وَصَفَه بها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحَديثِ: أنَّ قِراءةَ القُرْآنِ معَ اخْتِلالِ العَقيدةِ غَيرُ زاكيةٍ، ولا حاميةٍ صاحِبَها مِن سَخطِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وفيه: عَلامةٌ مِن عَلاماتِ النُّبوَّةِ.
وفيه: بَيانُ أنَّ مِن صِفةِ وَعادةِ المُنافِقينَ التَّشكيكَ في أحْوالِ وأفْعالِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ومُخالَفةَ هَدْيِه في كلِّ عَصرٍ، معَ التَّلْبيسِ على النَّاسِ في تَوْجيهِ الأفْعالِ والأحْوالِ.
ثلاثةٌ حقٌّ على اللهِ عونهم: المجاهدُ في سبيلِ اللهِ، والْمُكَاتَبُ الذي يريدُ الأداءَ، والناكحُ الذي يُرِيدُ العفافَ.

الراوي : أبو هريرة | المحدث : الترمذي | المصدر : سنن الترمذي | الصفحة أو الرقم: 1655 | خلاصة حكم المحدث : حسن

الشرح:
- "المجاهدُ في سبيلِ اللهِ"، أي: المحارِبُ بسِلاحِه لنَشرِ كَلمةِ اللهِ تعالى، ويكونُ العونُ بتَيسيرِ أمورِ الجهادِ مِن أسلحةٍ وغيرِها.
- "والمكاتَبُ"، أي: العَبدُ الَّذي اتَّفَق مع مالِكِه على عِتْقِه إذا دفَع أو أدَّى إلى مالِكِه ما اتَّفَقا عليه مِن مالٍ أو غيرِه "الَّذي يريدُ الأداءَ"، أي: يُريدُ أداءَ ما اتَّفَق عليه مع مالكِه، فيُيسِّرُ اللهُ له ذلك
- "النَّاكِحُ الَّذي يريدُ العفافَ"، أي: الَّذي يُريدُ أن يتزوَّجَ ليُحصِّنَ نفْسَه مِن الزِّنا.
كانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا أرَادَ أنْ يَنَامَ قالَ: باسْمِكَ اللَّهُمَّ أمُوتُ وأَحْيَا، وإذَا اسْتَيْقَظَ مِن مَنَامِهِ قالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الذي أحْيَانَا بَعْدَ ما أمَاتَنَا وإلَيْهِ النُّشُورُ.

الراوي: حذيفة بن اليمان | المحدث: البخاري | المصدر: صحيح البخاري | الصفحة أو الرقم: [6324] | خلاصة حكم المحدث: [صحيح].

#أذكار
أُتَي الله تعالى بِعبْد من عِباده آتاه الله مالاً، فقال له: ماذا عَمِلْت في الدنيا؟ -قال: ولَا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثًا- قال: يا رَبِّ آتَيْتَنِي مَالَك، فكُنت أُبَايعُ الناس، وكان من خُلُقِي الجَوَاز، فكُنت أَتَيَسَّرُ على المُوسِرِ، وأنْظِر المُعْسِر. فقال الله تعالى: أنا أحَقُّ بِذَا مِنك تَجَاوزُوا عن عَبْدِي

الراوي: حذيفة بن اليمان | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ في هِرَّةٍ رَبَطَتْهَا، فَلَمْ تُطْعِمْهَا، ولَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِن خَشَاشِ الأرْضِ.

الراوي : عبدالله بن عمر.
المحدث : البخاري.
المصدر : صحيح البخاري.
الصفحة أو الرقم: 3318.
خلاصة حكم المحدث : [صحيح].
إنْ كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَيَقُومُ لِيُصَلِّيَ حتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ - أَوْ سَاقَاهُ - فيُقَالُ له فيَقولُ: أَفلا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا.

الراوي : المغيرة بن شعبة
المحدث :البخاري
المصدر :صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 1130
خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

وفي هذا الحديثِ بَيانٌ لحالِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في العِبادةِ واجتهادِه فيها؛ فإنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَقومُ مِن اللَّيلِ حتَّى تَرِمَ قَدَماهُ، أي: تَتورَّمَ وتَنتفِخَ، ولَمَّا سُئِل عن سَببِ هذا الاجتهادِ وقد غَفَر اللهُ له ذَنْبَه، قال: أفلا أكونُ عَبْدًا شَكورًا؟ فمَن عَظُمَتْ عليه نِعَمُ اللهِ، وجَبَ عليه أنْ يَتلقَّاها بعَظيمِ الشُّكرِ، لا سيَّما أنبيائِه وصَفْوتِه مِن خَلْقِه الَّذين اختارَهم، وخَشيةُ العِبادِ للهِ على قَدْرِ عِلْمِهم به؛ فمعنى قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «أفلا أكونُ عبدًا شَكورًا»، أي: كيف لا أشكُرُه وقد أنعَمَ علَيَّ وخصَّني بخيرَيِ الدَّارينِ؟!
أنَّ رَجُلًا أتَى رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ هَلَكْتُ، قالَ: ويْحَكَ قالَ: وقَعْتُ علَى أهْلِي في رَمَضَانَ، قالَ: أعْتِقْ رَقَبَةً قالَ: ما أجِدُهَا، قالَ: فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قالَ: لا أسْتَطِيعُ، قالَ: فأطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا قالَ: ما أجِدُ، فَأُتِيَ بعَرَقٍ، فَقالَ: خُذْهُ فَتَصَدَّقْ به فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أعَلَى غيرِ أهْلِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، ما بيْنَ طُنُبَيِ المَدِينَةِ أحْوَجُ مِنِّي، فَضَحِكَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حتَّى بَدَتْ أنْيَابُهُ، قالَ: خُذْهُ تَابَعَهُ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وقالَ عبدُ الرَّحْمَنِ بنُ خَالِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: ويْلَكَ.

الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم : 6164 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

شرح الحديث:
رَمَضانُ شَهرٌ كَريمٌ، وصيامُه فَرْضٌ على العاقِلِ البالِغِ القادِرِ، وللفِطْرِ العَمْدِ فيه أحكامٌ، وفي هذا الحَديثِ بيانٌ للكَفَّارةِ لِمن جامَعَ أهْلَه في نهارِ رَمَضانَ، فيروي أبو هُرَيْرَةَ رضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَجُلًا جاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالَ: «هَلَكْتُ!» أي: فَعَلْتُ ما هو سَبَبٌ لِهَلاكي، فسَألَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ما شَأنُك؟» فأخبر أنَّه جامع امرأتَه في نهارِ رَمَضانَ، فسَألَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن استطاعتِه أنْ يُعتِقَ رَقبةً، ويُرادُ بها العبْدُ المملوكُ أو الأَمَةُ، فقالَ: لا أسْتَطيعُ، فسَألَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن استطاعتِه أنْ يَصومَ شَهْرَينِ مُتَتابِعَين، لا يَفصِل بيْنَ الشَّهرَيْنِ بأيَّامِ فِطْرٍ لغيرِ عُذرٍ، فقالَ: لا أسْتَطيعُ، فسَألَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن استطاعَتِه أن يُطعِمَ سِتِّين مِسكينًا، قال: لا، فأوضَحَ الرَّجُلُ أنَّه فقيرٌ وعاجِزٌ عن أداءِ أيٍّ من أنواعِ الكَفَّاراتِ الثَّلاثةِ.
فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم له: «اجْلِسْ»، وإنما أمره بالجُلوسِ لانتظارِ الوَحْيِ في حَقِّه، وقيل: أو عرَف أنَّه سيؤتى بشَيءٍ يعينُه به، فانتظَرَ الرَّجُلُ حتى أُتِيَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِعَرَقٍ فيه تَمْرٌ، والعَرَقُ: المِكتَلُ أو الوِعاءُ الضَّخمُ يَسَعُ خَمْسةَ عَشَرَ صاعًا، والصَّاعُ يُساوي بالجرامِ (2036) في أقلِّ تَقديرٍ، وفي أعْلى تَقْديرٍ يُساوي (4288) جرامًا، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم له: «خُذْ هذا» العَرَقَ بِتَمْرِه «فتَصدَّقْ به» على الفُقَراءِ والمحتاجين، فقال الرَّجُلُ: «أعلى أفْقَرَ منَّا؟!» أي: أتصَدَّقُ به على شَخصٍ أفقَرَ مِنَّا؟! كأنَّه قال: ليس هناك في المدينةِ من هو أفقَرُ مِن أهلِ بيتي، فأنا أَوْلى بهذه الصَّدَقةِ من غيري، فضَحِكَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتَّى ظَهَرَت «نَواجِذُه» وهي آخِرُ الأسنانِ أو هي الأضراسُ؛ تَعجُّبًا مِن حالِه؛ حيث إنه جاءه خائفًا على نَفْسِه راغبًا في فدائِها، فلمَّا وجد الرُّخصةَ طَمِعَ أن يأكُلَ ما أُعطِيَه من الكَفَّارةِ! وقيل: ضحك مِنْ حسْنِ بيانِ المتكَلِّمِ وتلَطُّفِه في الخِطابِ وتوَسُّلِه في التوَصُّلِ إلى مَقصِدِه. ثُمَّ قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أطعِمْه عِيالَك».
وفي الحَديثِ: أنَّ كَفَّارةَ الجِماعِ في نَهارِ رَمَضانَ مُرَتَّبةٌ إعتاقًا، ثُمَّ صَومًا، ثُمَّ إطعامًا.
وفيه: إعانةُ المُعسرِ في الكَّفارةِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ المُبالَغةِ في الضَّحكِ عندَ التَّعجُّبِ.
وفيه: استِعمالُ الكِنايةِ فيما يُستَقْبَح ظُهورُه بصَريحِ لَفظِه.
وفيه: الرِّفقُ بالمُتعلِّم، والتَّلطُّفُ في التَّعليمِ، والتَّأليفُ على الدِّين.
وفيه: النَّدمُ على المَعصيةِ، واستِشعارُ الخَوفِ.