الفقه على المذاهب الاربعه
389 subscribers
43 photos
1 video
20 files
89 links
الفقه على المذاهب الاربعه الشافعي والحنفي والمالكي والحنبلي
Download Telegram
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
عن صلاتها فيها، فانظرها تحت الخط (1) .
______
الشمس إلى أن ترتفع، فلو شرع في صلاة الصبح قبل طلوع الشمس ثم طلعت الشمس قبل أن يفرغ من صلاته، بطلت صلاته؛ إلا إذا كان في الركعة الأخيرة وجلس بمقدار التشهد، فإنهم اختلفوا في هذه الحالة، فمنهم من قال تبطل، ومنهم من قال: لا، ثانيها: وقت توسط الشمس في كبد السماء إلى أن تزول، وقد تقدم معنى الزوال في مباحث "أوقات الصلاة، ثالثها: وقت احمرار الشمس حال غروبها إلى أن تغرب، إلا عصر اليوم نفسه، فإنه ينعقد، ويصح بعد احمرار الشمس المذكور عند غروبها مع الكراهة التحريمية، ومثل الصلوات المفروضة في هذا الحكم سجدة التلاوة ولكن عدم صحة سج��ة التلاوة في هذه الأوقات مشروطة بوجوبها قبل دخول هذه الأوقات، بأ، سمعها مثلاً قبل طلوع الشمس، ثم سجد وقت طلوع الشمس، أما إذا سمع آية سجدة في وقت من هذه الأوقات، وسجد فإنه يصح، فلو سمع قارئاً يقرأ آية سجدة عند طلوع الشمس أو وقت توسط الشمس في كبد السماء، أو حال احمرار الشمس عند غروبها، وسجد فإن سجدته تصح، ولكن الأفضل تأخير السجدة إلى الوقت من هذه الأوقات ولم يصل عليها فلا يصح له أن يصلي عليها عند دخول هذه الأوقات، أما إذا حضرت وقت دخولها فإن الصلاة عليها تصح، بل يكره تأخير الصلاة إلى الوقت الذي تجوز فيه الصلاة، وهذا كله في الصلوات المفروضة
(1) الحنفية قالوا: يكره ��لتنفل تحريماً في أوقات، وهي: بعد طلوع الفجر قبل صلاة الصبح، إلا سنتها فلا تكره، وبعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس فلا يصلي في هذا الوقت نافلة، ولو سنة الفجر إذا فاتته، لأنها متى فاتت وحدها سقطت، ولا تعاد، كما تقدم، وبعد صلاة فرض العصر إلى غروب الشمس، وعند خروج الخطيب من خلوته للخطبة، سواء كانت خطبة جمعة أو عيد أو حج أو نكاح أو كسوف أو استسقاء، وعند إقامة المؤذن للصلاة المكتوبة، إلا سنة الفجر إذا أمن فوت الجماعة في الصبح، كما تقدم، وقبل صلاة العيد وبعدها على ما تقدم، وبين الظهر والعصر المجموعتين في عرفة جمع تقديم ولو سنة الظهر، وبين المغرب والعشاء المجموعتين في ا��مزدلفة جمع تأخير، ولو سنة المغرب، وعند ضيق وقت المكتوبة، وإذا وقع النفل في وقت من هذه الأوقات انعقد مع الكراهة التحريميةن ويجب قطعه وأداؤه في وقت الجواز.
الحنابلة قالوا: يحرم التنفل ولا ينعقد، ولو كان له سبب في أوقات ثلاثة، وهي: أولاً: من طلوع الفجر إلى ارتفاع الشمس قدر رمح إلا ركعتي الفجر، فإنها تصح في هذا الوقت قبل صلاة الصبح، وتحرم ولا تنعقد بعده؛ ثانياً: من صلاة العصر، ولو مجموعة مع الظهر جمع تقديم، إلى تمام الغروب، إلا سنة الظهر، فإنها تجوز بعد العصر المجموعة مع الظهر؛ ثالثاً: عند توسط الشمس في كبد السماء حتى نزول، ويستثنى من ذلك كله ركعتا الطواف، فإنها ت��ح في هذه الأوقات مع كونها نافلة، ومثلها الصلاة المعادة. بشرط أن تقام الجماعة وهو بالمسجد، فإنه يصح أن يعيد الصلاة التي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
______
صلاها مع الجماعة، وإن وقعت نافلة، وكذا تحية المسجد إذا دخل حال خطبة الإمام وقت توسط الشمس في كبد السماء فإنها تصح، وإذا شرع في صلاة النافلة قبل دخول وقت من هذه الأوقات ثم دخل الوقت وهو فيها فإنه يحرم عليه إتمامها، وإن كان صحيحة، أما صلاة الجنازة فإنها تحرم في وقت توسط الشمس في كبد السماء إلى أن تزول، وفي وقت شروعها في الغروب إلى أن يتكامل الغربو؛ وفي وقت طلوعها إلى أن تتكامل، فيحرم فعلها في هذه الأوقات، ولا تنعقد إلا لعذر فيجوز.
الشافعية قالوا: تكره صلاة النافلة التي ليس لها سبب تحريماً، ولا تنعقد في خمسة أوقات، وهي: أولاً: بعد صلاة الصبح أداء إلى أن ترتفع الشمس: ثانياً: عند طلوع الشمس إلى ارتفاعها قدر رمح؛ ثالثاً: بعد صلاة العصر أداء، ولو مجموعة مع الظهر في وقته، رابعاً: عند اصفرار الشمس حتى تغرب؛ خامساً: وقت استواء الشمس في كبد السماء إلى أن تزول؛ أما الصلاة التي لها سبب متقدم عليها كتحية المسجد وسنة الوضوء، وركعتي الطواف، فإنها تصح بدون كراهة في هذه الأوقات لوجود سببها المتقدم، وهو الطواف، والوضوء، ودخول المسجد، وكذا الصلاة التي لها سبب مقارن، كصلاة الاستسقاء، والكسوف، فإنها تصح بدون كراهة أيضاً لوجود سببها المقارن، وهو القحط، وتغيب الشمس؛ أما الصلاة التي لها سبب متأخر كصلاة الاستخارة والتوبة، فإنها لا تنعقد لتأخير سببها؛ ويستثنى من ذلك الصلاة بمكة، فإنها تنعقد بلا كراهة في أي وقت من أوقات الكراهة، وإن كانت خلاف الأولى؛ ويستثنى أيضاً من وقت الاستواء يوم الجمعة، فإنه لا تحرم فيه الصلاة، نعم تحرم الصلاة مطلقاً بعد جلوس الخطيب على المنبر يوم الجمعة إلا تحية المسجد، فإنها تسن بشرط أن لا تزيد عن ركعتين، فلو قام لثالثة بطلت صلاته كلها؛ وأما خطبة غير الجمعة فتكره الصلاة فيها تنزيهاً؛ ويكره تنزيهاً التنفل عند إقامة الصلاة المفروضة غير الجمعة؛ أما هي فيحرم التنفل عند إقامتها إن ترتب عليه فوات ركوعها الثاني مع الإمام، ويجب قطع ال��افلة عند ذلك، وإذا شرع في النفل قبل إقامة الصلاة ثم أقيمت وهو يصليه أتمه إن لم يخش فوات الجماعة بسلام الإمام، وإلا ندب له قطعه إن لم يغلب على ظنه الحصول على جماعة أخرى.
المالكية قالوا: يحرم التنفل، وهو كل ما عدا الصلوات الخمس المفروضة، كالجنازة التي لم يخف عليها التغير، وسجود التلاوة وسجود السهو، في سبع أوقات، وهي من ابتداء طلوع الشمس إلى تمامه، ومن ابتداء غروب الشمس إلى تمامه، وحال خطبة الجمعة اتفاقاً، والعيد على الراجح، وحال خروج الإمام للخطبة، وحال ضيق الوقت الاختياري، أو الضروري للصلاة المكتوبة، وحال تذكر الفائتة - إلا الوتر لخفته - لأنه يجب قضاءها بمجرد تذكرها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "من نسي صلاة فليصليها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك" وحال إقامة الصلاة للإمام الراتب، لقوله عليه الصلاة والسلام: "وإذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" ويكره ما ذكر من النفل وما ماثله مما تقدم في أوقات. الأول: بعد طلوع الفجر إلى قبيل طلوع الشمس، ويستثنى من ذلك أمور: رغيبة الفجر، فلا
قضاء النافلة إذا فات وقتها أو فسدت بعد الشروع
إذا فاتت النافلة فلا تقضى إلا ركعتي الفجر، فإنهما يقضيان من وقت حل النافلة بعد طلوع الشمس إلى الزوال، على التفصيل المتقدم، باتفاق الحنفية، والمالكية، وخالف الشافعية والحنابلة فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
______
تكره قبل صلاة الصبح، أما بعدها فتكره، والورد، وهو ما رتبه الشخص على نفسه من الصلاة ليلاً، فلا يكره فعله بعد طلوع الفجر. بل يندب، ولكن بشروط:
-1 - أن يفعله قبل صلاة الفجر والصبح، فإن صلى الصبح فات الورد، وإن تذكره في أثناء ركعتي الفجر قطعهما وصلى الورد، وإن تذكره بعد الفراغ منهما صلى الورد وأعاد الفجر، لأن الورد لا يفوت إلا بصلاة الصبح، كما تقدم 2 - أن يكون فعله قبل الاسفار؛ فإن دخل الاسفار كره فعله 3 - أن يكون معتاداً له، فإن لم يعتد التنفل في الليل كره له التنفل بعد طلوع الفجر 4 - أن يكون تأخيره بسبب غلبة النوم آخر الليل، فإن أخره كسلاً كره فعله بعد طلوع الفجر 5 - أن لا يخاف بفعله فوات صلاة الصبح في جماعة، وإلا كره الورد إن كان الشخص خارج المسجد، وحرام إن كان فيه. وكانت الجماعة للإمام الراتب، ويستثنى أيضاً من الكراهة في الوقت المذكور صلاة الشفع والوتر إذا لم يصلهما حتى طلع الفجر، فإنه يطالب بهما ما دام لم يصل الصبح إلا إذا أخر الصبح حتى بقي على طلوع الشمس مقدار صلاته فقط، فإنه يترك الشفع والوتر حينئذ ويصليه، ويستثنى أيضاً صلاة الجنازة، وسجود التلاوة إذا فعل قبل الإسفار ولو بعد صلاة الصبح.
فلا تكرهان، أما بعد الإسفار فتكره صلاتهما، إلا إذا خيف على الجنازة التغير بالتأخير فلا تؤخر؛ الثاني: من أوقات الكراهة بعد تمام طلوع الشمس إلى أن ترتفع قدر رمح، وهو اثنا عشر شبراً بالشبر المتوسط، الثالث: بعد أداء فرض العصر إلى قبيل الغروب، ويستثنى من ذلك صلاة الجنازة، وسجود التلاوة إذا فعلا قبل اصفرار الشمس، أما بعد الاصفرار فتكرهان، إلا إذا خيف على الجنازة التغير، الرابع: بعد تمام غروب الشمس إلى أن تصلى المغرب، الخامس: قبل صلاة العيد أو بعده�� بالمصلى، على التفصيل السابق، وإنما ينهى عن التنفل في جميع الأوقات السابقة - أوقات الحرمة والكراهة - إذا كان مقصوداً، فمتى قصد التنفل كان منهياً عنه نهي تحريم أو كراهة، على ما تقدم، ولو كان منذوراً، أو قضاء نفل أفسده، أما إذا كان النفل غير مقصود كأن شرع في فريضة وقت النهي فتذكر أن عليه فائتة بعد صلاة ركعة من الفرض الحاضر فإنه يندب أن يضم إليها ركعة أخرى، ويجعله نفلاً ولا يكره، وإذا أحرم بنفل في وقت النهي وجب عليه قطعه إن كان في أوقات الحرمة إلا من دخل المسجد والإمام يخطب، فشرع في النفل جهلاً أو نسياناً فلا يقطعه، أما إذا خرج الخطيب إلى المنبر بعد الشروع في النفل فلا يقطعه، ولو لم يعقد ركعة، بل يجب الإتمام، وندب له قطعه في أوقات الكراهة، ولا قضاء عليه فيهما

(1) الشافعية قالوا: يندب قضاء النفل الذي له وقت كالنوافل التابعة للمكتوبة والضحى
وإذا شرع في النفل ثم أفسده فلا يجب عليه قضاؤه، لأنه لا يتعين بالشروع فيه، باتفاق الشافعية والحنابلة، وخالف المالكية؛ والحنفية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .

هل تصلي النافلة في المنزل أو في المسجد؟
صلاة النافلة في المنزل أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام: "صلوا أيها الناس في بيوتكم، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"، رواه البخاري؛ ومسلم ويستثنى النافلة التي شرعت لها الجماعة كالتراويح؛ فإن فعلها في المسجد أفضل على التفصيل المتقدم في مبحثها.

صلاة النفل على الدابة
وتجوز صلاة النافلة على الدابة بلا عذر، على تفصيل في المذاهب، فانظره تحت الخط (2) .
______
والعيدين، أما ما ليس له وقت فإنه لا يقضي، سواء كان له سبب، كصلاة الكسوف، أو ليس له سبب كالنفل المطلق.
الحنابلة قالوا: لا يندب قضاء شيء من النوافل إلا السنن التابعة للفريضة والوتر
(1) الحنفية قالوا: إذا شرع في النفل المطلوب منه ثم أفسده، لزمه قضاءه: فإن نوى ركعتين أو لم ينو عدداً، ثم أفسده، لزمه قضاء ركعتين، وكذا إن نوى أربعاً على الصحيح، ولو شرع في نفل يظنه مطلوباً منه، ثم تبين له أثناء الصلاة أنه غير مطلوب لم يلزمه قضاءه.
المالكية قالوا: يجب قضاء النفل إذا أفسده فإن نوى ركعتين أو لم ينو عدداً ثم أفسده وجب عليه قضاء ركعتين. أما إذا نوى أربع ركعات، ثم أفسدها: فإن كان الافساد قبل عقد الركعة الثالثة برفع رأسه من ركوعها مطمئناً معتدلاً وجب قضاء ركعتين، وإن كان بعد عقد الركعة الثالثة بما ذكر وجب عليه قضاء أربع ركعات
(2) الشافعية قالوا: صلاة النافلة على الدابة جائزة إلى الجهة التي يقصدها المسافر، ولا يجوز له الانحراف عنها إلا للقبلة، فإن انحراف لغير القبلة عالماً عامداً بطلت صلاته. وإنماتجوز بشرط السفر، ولو لم يكن سفر قصر؛ ويصليها صلاة تامة بركوع وسجود. إلا إذا الشافعية قالوا: عليه ذلك فإنه يومئ بركوعه وسجوده، بحيث يكون انحناء السجود أخفض من انحناء الركوع إن سهل، وإلا فعل ما أمكنه ويجب عليه فيها استقبال القبلة إن لم يشق علي��. فإن شُق عليه استقبالها في كل الصلاة وجب عليه أن يستقبلها عند افتتاح الصلاة بتكبيرة الإحرام، فإن شُق عليه ذلك أيضاً سقط استقبال القبلة بشروط ستة:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
______
الأول: أن يكون السفر مباحاً، الثاني: أن يقصد السفر إلى مكان لا يسمع فيه نداء الجمعة.
الثالث: أن يكون السفر لغرض شرعي، كالتجارة، الرابع: دوام السفر حتى يفرغ من الصلاة التي شرع فيها، فلو قطع السفر وهو يصلي لزمه استقبالها، الخامس: دوام السير، فلو نزل أو وقف للاستراحة في أثناء الصلاة لزمه الاستقبال ما دام غير سائر السادس: ترك فعل الكثير بلا عذر، كالركض والعدو بلا حاجة في أثناء الصلاة المذكورة، أما إن كان لحاجة فلا يضر، ويجب أن يكون مكانه على الدابة طاهراً؛ بخلاف ما إذا بالت الدابة أو دمي فمها أو وطئت نجاسة رطبة: فإن كان زمامها بيده بطلت صلاته، وإلا فلا، أما إن كانت النجاسة جافة فإن فارقتها الدابة حالاً صحت الصلاة، وإلا فلا تصح، ومن جعل دابته تطأ نجاسة بطلت صلاته مطلقاً، ويجوز للمسافر أن يتنفل ماشياً، فإن كان في غير وحل لزمه إتمام الركوع والسجود والتوجه فيهما إلى القبلة، كما يجب عليه التوجه إليها عند إحرامه والجلوس بين السجدتين، ولا يمشي إلا في قيامه واعتداله من الركوع قائماً، وتشهده وسلامه كذلك، ومن كان ماشياً في نحو ثلج أو وحل أو ماء جاز له الإيماء بالركوع والسجود، إلا أنه يلزمه استقبال القبلة فيهما، والماشي إذا وطئ نجاسة عمداً في أثنائها بطلت صلاته مطلقاً، فإن وطئها سهواً صحت صلاته إن كانت جافة وفارقها حالاً، وإلا بطلت صلاته.
المالكية قالوا: يجوز للمسافر سفراً تقصر فيه الصلاة - وسيأتي بيانه - أن يصلي النفل، ولو كان وتراً، على ظهر الدابة، بشرط أن يكون راكباً لها ركوباً معتاداً، وله ذلك متى وصل إلى مبدأ قصر للصلاة على الأحوط، ثم إن كان راكباً في "شقدف وتختروان" ونحوهما مما يتيسر في الركوع والسجود عادة صلى بالركوع والسجود قائماً أو جالساً إن شاء بالإيماء، ويقوم استقبال جهة السفر مقام استقبال القبلة، وإن كان راكباً لأتان ونحوها صلى بالركوع والإيماء للسجود، بشرط أن يكون الإيماء للأرض لا للسرج ونحوه، وأن يحسر عمامته عن جبهته، ولا تشترط طهارة الأرض التي يومئ لها. ولا يجب عليه استقبال القبلة أيضاً. ويكفيه استقبال جهة السفر، فلو انحرف عنها عمداً لغير ضرورة بطلت صلاته. إلا إن كان الانحراف للقبلة فتصح، لأن القبلة هي الأصل، ويندب للمسافر المذكور أن يبدأ صلاته لجهة القبلة، ولا يجب ولو تيسر، أما الماشي والمسافر سفراً لا تقصر فيه الصلاة لكونه قصيراً أو غير مباح مثلاً، وكذا راكب الدابة ركوباً غير معتاد - كالراكب مقلوباً - فلا تصح صلاته إلا بالاستقبال والركوع والسجود. ويجوز للمتنفل على الدابة أن يفعل ما لا بد منه من ضرب الدابة بسوط ونحوه، وتحريك رجله، وإمساك زمامها بيده، ولكنه لا يتكلم ولا يلتفت، وإذا شرع في الصلاة على ظهرها ثم وقف، فإن نوى إقامة تقطع حكم السفر نزل وتمم بالأرض بالركوع والسجود، وغلا خفف القراءة وأتم على ظهرها، وأما الفرض على ظهر الدابة ولو كان نفلاً منذوراً، فلا يصح إلا في الهودج ونحوه، بشرط استقبال القبلة والركوع والسجود والقيام، أما على الأتان ونحوها فلا يصح إلا لضرورة، كما تقدم في مباحث "استقبال القبلة في صلاة الفرض".
الحنفية قالوا: تندب الصلاة على الدابة إلى أي جهة توجهت إليها دابته؛ فلو صلى إلى جهة غير
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
______
التي توجهت إليها دابته لا تصح لعدم الضرورة، ولا يشترط في ذلك السفر، بل يتنفل المقيم بلا عذر، متى جاوز المصر إلى المحل الذي يجوز للمسافر فيه الصلاة فيه، وينبغي أن يومئ لأن الصلاة على الدابة شرعت بالإيماء، فلو سجد على شيء وضعه أو سجد على السرج اعتبر سجوده إيماء إن كان أخفض من الركوع، ولا يشترط استقبال القبلة في ابتداء الصلاة، لأنها لما جازت إلى غير جهة الكعبة جاز الافتتاح إلى غير جهتها، نعم يستحب ذلك مع عدم المشقة، ويجوز أن يحث دابته على السير بالعمل القليل، كما يجوز له أن يفتتح صلاته على الدابة، ثم ينزل عنها بالعمل ال��ليل ويتمها بانياً على ما صلاه؛ أما إذا افتتح الصلاة وهو على الأرض، فلا يجوز له أن يتمها بانياً على ظهر الدابة، ولو افتتح صلاته خارج المصر، ثم دخل المصر أتم على الدابة، وأما صلاة الفرض والواجب وسنة الفجر، فإنها لا تجوز على الدابة إلا لضرورة، كخوف من لص أو سبع على نفسه أو دابته أو ثيابه لو نزل، وقد تقدم بيانه في "استقبال القبلة"، ولا يمنع صحة الصلاة على الدابة نجاسة كثيرة عليها. ولو كانت في السرج والركابين في الأصح، ولا يجوز للماشي أن يتنفل ماشياً بل يقف إذا أراد التنفل، ويؤدي الصلاة تامة.
الحنابلة قالوا: يجوز للمسافر سفراً مباحاً إلى جهة معينة، سواء كان سفر قصر ��و لا أن يتنفل على ظهر الدابة أو على الأرض إذا كان ماشياً؛ ويجب على المتنفل على الدابة أن يركع ويسجد ويستقبل القبلة في جميع الصلاة متى أمكنه ذلك بلا مشقة. فإن شُق عليه شيء من ذلك فلا يجب، فيستقبل جهة سفره إن شُق عليه استقبال القبلة، ويومئ للركوع، أو السجود إن تعسر واحد منهما، ويلزم أن يكون الإيماء للسجود أخفض من الإيماء للركوع إن تيسر، وأما الماشي فيلزمه افتتاح الصلاة إلى جهة القبلة. وأن يركع ويسجد بالأرض إلى جهة القبلة أيضاً، ويفعل باقي الصلاة وهو ماس مستقبلاً جهة مقصده، ومن كان يتنفل على الدابة وهو ماش، وكان مستقبلاً جهة مقصده، ثم عدلت به دابته أو عدل هو عنها فإن كان العدل لجهة القبلة صحت وإن كان لغيرها، فإن كان لغير عذر بطلت صلاته مطلقاً، وإن كان لعذر وطال العدول عرفاً بطلت، وإلا فلا، ويشترط طهارة ما تحت الراكب المتنفل من برذغة ونحوها بخلاف الحيوان، فلا تشترط طهارته، أما من سافر ولم يقصد جهة معينة، وكذا من سافر سفراً مكروهاً أو محرماً فإنه يلزمه كل ما يلزم في الصلاة من استقبال القبلة وغيرها
مباحث الجمعة
يتعلق بها مباحث: أحدها: حكمها ودليله: ثانيها: وقتها، ثالثها: متى يجب السعي لصلاة الجمعة، رابعها: شروطها، خامسها: شرح بعض هذه الشروط، وهي حكم حضور النسار الجمعة، حكم تعدد المساجد التي تقام فيها الجمعة في البلد الواحد، الجماعة التي تصح بها الجمعة، الخطبة - أركانها - شروطها - سننها - مكروهاتها - الكلام حال الخطبة وعند خروج الخطيب من خلوته وجلوسه على المنبر - الترقية بين يدي الخطيب، سادسها: بيان ما لا يجوز فعله يوم الجمعة في المسجد أو يره، كتخطي رقاب الناس في المسجد، وعدم جواز السفر يومها، سابعها: هل يجوز لمن فاتته الجمعة أن يصلي الظهر قبل فراغ الإمام من ��لجمعة؛ ثامنها: هل يجوز لمن فاتته الجمعة أن يصلي الظهر جماعة؛ تاسعها: بيان حكم من أدرك إمام الجمعة في بعض الصلاة؛ عاشرها: مندوبات صلاة الجمعة، وإليك بيان هذه المباحث بالتفصيل.

حكم الجمعة، ودليله
صلاة الجمعة فرض على كل من استكملت فيه الشروط الآتي بيانها، وهي ركعتان، لما روي عن عمر رضي الله عنه عنه أنه قال: "صلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم" رواه أحمد والنسائي، وابن ماجة بإسناد حسن، وهي فرض عين على كل مكلف قادر مستكمل لشروطها، وليست بدلاً عن الظهر فإذا لم يدركها فرض عليه صلاة الظهر أربع ركعات، وقد ثبتت فرضيتها بالكتاب والسنة وال��جماع؛ أما الكتاب فقد قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، فاسعوا إلى ذكر الله، وذروا البيع} ، وأما السنة فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: "لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أحرق على رجال يتخلفوا عن الجمعة بيوتهم" رواه مسلم، وقد انعقد الاجماع على أن الجمعة فرض عين.

وقت الجمعة، ودليله
وقت الجمعة وهو وقت الظهر، من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد ظل الاستواء، كما تقدم بيانه في مبحث "أوقات الصلاة" فلا تصح الجمعة قبل هذا الوقت، ولا
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
بعده باتفاق الحنفية، والشافعية، وخالف الحنابلة، والمالكية، فانظر مذهبهم تحت الخط (1) وإذا خرج الوقت وهم في صلاة الجمعة، ففي حكم صلاتهم خلاف في المذاهب، فانظره تحت الخط (2) ، أما دليل وقتها فهو ما رواه البخاري في "صحيحه" عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة حين تميل الشمس، وأخرج مسلم عن سلمة بن الأكوع، قال: كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتتبع الفيء (الظل) .

متى يجب السعي لصلاة الجمعة، ويحرم البيع؟، الأذان الثاني
يجب السعي لصلاة الجمعة على من تجب عليه الجمعة إذا نودي لها بالأذان الذين بين يدي الخطيب، ويحرم البيع في هذه الحالة لقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله، وذروا البيع} فقد أمر الله تعالى بالسعي إلى الصلاة عند النداء، ولم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم سوى هذا الأذان، فكان إذا صعد صلى الله عليه وسلم المنبر أذن المؤذن بين يديه، وقد روى ذلك البخاري، وأبو داود، والنسائي، والترمذي، وقد زاد عثمان
______
(1) الحنابلة قالوا: يبتدئ وقت الجمعة من ارتفاع الشمس قدر رمح، وينتهي بصيرورة ظل كل شيء مثله، سوى ظل الزوال، ولكن ما قبل الزوال وقت جواز يجوز فعلها فيه، وما بعد الزوال وقت وجوب يجب إيقاعها فيه، وإيقاعها فيه أفضل.
المالكية قالوا: وقتها من زوال الشمس إلى غروبها، بحيث يدركها بتمامها مع الخطبة قبل الغروب، فإن علم أن الوقت الباقي إلى الغروب لا يسع إلا ركعة منها بعد الخطبة. فلا يسرع فيها، بل يصلي الظهر فإن شرع يصح
(2) الحنفية قالوا: تبطل صلاتهم بخروج الوقت قبل تمامها لفوات الشرط، ولو بعد القعود قدر التشهد.
الشافعية قالوا: إذا شرعوا في صلاتها، وقد بقي من الوقت ما يسعها، ولكنهم أطالوا فيها حتى خرج الوقت لم يبطل ما صلوه، بل يتمونها ظهراً بانين على صلاتهم الأولى من غير نية الظهر، ويسر الإمام فيما بقي. ويحرم أن يقطعوا الصلاة. ويستأنفوا الظهر من أوله، أما إذا شرعوا فيها بع�� أن ضاق الوقت ظانين أنه يسعها فلم يسعها، وخرج وهم في الصلاة بطلت صلاتهم، ولا تنقلب ظهراً.
الحنابلة قالوا: إذا شرعوا في صلاة الجمعة آخر وقتها فخرج الوقت وهم فيها أتموها جمعة.
المالكية قالوا: إن شرع في الجمعة معتقداً إدراكها بتمامها ثم غربت الشمس قبل تمامها، فإن كان الغروب بعد تمام ركعة بسجدتيها أتمها جمعة، وغلا أتمها ظهراً
رضي الله عنه نداء قبل هذا عندما كثر الناس، روي عن السائب بن يزيد، قال: كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر، وعمر. فلما كان زمن عثمان، وكثر الناس، زاد النداء الثاني على الزوراء، وفي رواية زاد الأذان الثالث ولكن المراد به هنا الأذان، وإنما سماه ثالثاً لأن الإقامة تسمى أذاناً؛ ومما لا ريب فيه أن زيادة هذا الأذان مشروعة، لأن الغرض منه الإعلام، فلما كثر الناس كان إعلامهم بوقت الصلاة مطلوباً، وسيدنا عثمان من كبار الصحابة المجتهدين الذين عرفوا قواعد الدين ونقلوها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد اتفق ثلاثة من الأئمة على أنه يجب على المكلف بالجمعة أن يسعى إليها متى سمع النداء الذي بين يدي الخطيب، لأنه هو المقصود بالآية الكريمة، وخالف الحنفية فقالوا: متى سمع أذان الجمعة بعد زوال الشمس فإنه يجب عليه أن يسعى، فالأذان المعروف الآن على المئذنة ونحوها يوجب السعي إلى الصلاة، لأنه نداء مشروع، والآية عامة، فلم تخصه بالأذان الذي بين يدي الخطيب، كما يقول الثلاثة.
أما البيع فقد اتفق الحنفية، والشافعية على أنه حرام عند أذان الجمعة. وإن كان صحيحاً، إلا أن الشافعية أرادوا الأذان الذين بين يدي الخطيب، والحنفية، أرادوا الأذان الذي قبله إلى انتهاء الصلاة، أما المالكية، والحنابلة؛ فانظر مذهبهم تحت الخط (1) .
هذا حكم من تجب عليهم الجمعة، أما من لا تجب عليهم فإنه لا يجب عليهم السعي، ولا يحرم عليهم البيع، فإن كان أحد المتعاقدين يلزمه، والآخر لا يلزمه، فإنه يحرم عليهما معاً، وذلك لأن من لا تجب عليه أعان من تجب عليه على المعصية. ومن هذا تعلم أنه لا يجب السعي، ولا يحرم البيع قبل الأذان المذكور على الخلاف المتقدم؛ نعم يجب السعي على من كانت داره بعيده عن المسجد بقدر ما يدرك به أداء الفريض.
______
(1) المالكية قالوا: إذا وقع البيع وقت الأذان المذكور كان فاسداً ويفسخ، إلا إذا تغيرت ذات المبيع، كأن ذبح أو أكل منه أو نحو ذلك، وكذا إذا تغير سوقه، كأن نزل ثمنه أو صعد ونحو ذلك مما يفوت به البيع الفاسد، كما يأتي في "الجزء الثاني" فإذا وقع شيء من ذلك فإن البيع يمضي، وتجب قيمة المبيع يوم قبضه لا الثمن الذي وقع العقد عليه.
الحنابلة قالوا: إذا وقع البيع في هذا الوقت لا ينعقد رأساً
شروط الجمعة، تعريف المصر والقرية
يشترط لصلاة الجمعة ما يشترط لصلاة الظهر وغيره من الصلوات المذكورة في صحيفة 161 وما بعدها في مبحث "شروط الصلاة" المتقدم بيانها، ولكن للجمعة شروط زائدة على شروط الصلاة المتقدمة، فلنذكرها لك مجتمعة عند كل مذهب تحت الخط (1) ، ثم نبين المتفق عليه، والمختلف فيه.
______
(1) الحنفية قالوا: تنقسم شروط الجمعة الزائدة على شروط الصلاة إلى قسمين: شروط وجوب؛ وشروط صحة، فشروط وجوبها عندهم ستة، أحدها: الذكورة، فلا تجب على الأنثى، ولكن إذا حضرتها وأدتها، فإنها تصح منها، وتجزئها عن صلاة الظهر، ثانيها: الحرية، فلا تجب على من به رق، ولكن إذا حضرها وأ��اها فإنها تصح منه، ثالثها: أن يكون صحيحاً، فلا تجب على المريض الذي يتضرر بالذهاب لحضورها ماشياً، فإن عجز عن الذهاب إلى المسجد ماشياً سقطت عنه الجمعة، وإن وجد من يحمله باتفاق الحنفية، أما الأعمى الذي لا يمكنه الذهاب إليها بنفسه فالإمام يقول: إنها تسقط عنه؛ ولو وجد قائداً متبرعاً، أو بأجر يقدر عليه، والصاحبان يقولان إن قدر على الذهاب، ولو بقائد متبرع، أو بأجر يقدر عليه لزمه الذهاب، فيجوز للأعمى أن يقلد أحد الرأيين، ولكن الأحوط أن يقلد مذهب الصاحبين، خصوصاً أن الجمعة تصح منه باتفاق، رابعها: الإقامة في المحل الذي تقام فيه الجمعة، أو في محل متصل به، فمن كان في مح�� يبعد عن مكان الجمعة فإنها لاتجب عليه، وقدروا مسافة البعد بفرسخ، وهو ثلاثة أميال، والميل ستة آلاف ذراع، وهي - خمسة كيلو مترات، وأربعون متراً - وهذا هو المختار للفتوى، وبعضهم قدر هذه المسافة بأربعمائة ذراعٍ؛ وتسمى "غلوة"، وبذلك تعلم أنها لا تجب على المسافر إلا إذا نوى أن يقيم خمسة عشر يوماً، خامسها: أن يكون عاقلاً، فلا تجب على المجنون ومن في حكمه؛ سادسها: البلوغ، فلا تجب على الصبي الذي لم يبلغ.
هذا، ولا يشتبه عليك عد العقل والبلوغ من شروط وجوب الجمعة الزائدة على شروط وجوب الصلاة، وذلك لأن الحنفية عدوا في كتبهم المشهورة شروط الصلاة مقصورة على شروط الجواز والصحة، وإلا فمما لا شك في أن البلوغ من شروط وجوب الصلاة، وكذلك القدرة في شرائط الجمعة اكتفاء بعدّها في شروط الصلاة كان له وجه حسن؛ وأما شروط صحتها فهي سبعة أحدها: المصر، فلا تجب على من كان مقيماً بقرية لقول علي رضي الله عنه: "لا جمعة ولا تشريق ولا صلاة فطر، ولا أضحى إلا في مصر جامع أو مدينة عظيمة" رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" موقوفاً على علي "رضي الله عنه"، وكذلك رواه عبد الرزاق، والفرق بين القرية والمصر أن المصر ما لا تسع أكبر مساجده أهله المكلفين بصلاة الجمعة، ولو لم يحضروا بالفعل، وبهذا أفتى أكثر فقهاء الحنفية، وعليه فتصح
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
______
الجمعة في كل بلاد القطر المصري التي بها مساجد تقام فيها الجمعة، إذ لا توجد قرية يسع أكبر مساجدها جميع أهلها المكلفين، فإذا فرض ووجدت قرية صغيرة، ويقال لها: نزلة، لا ينطبق عليها هذا الشرط، فإنه لا يصح من أهلها الجمعة إذا لم يكن بينها وبين بلدة أخرى أقل من مسافة فرسخ، وإلا فإنه يلزمهم الذهاب إلى هذه البلدة لأداء الجمعة؛ ولكن المشهور من مذهب أبي حنيفة أن المصر هو كل موضع له أمير وقاض يقدر على إقامة أكثر الحدود، وإن لم ينفذها بالفعل، فلا تصح الجمعة على هذا الرأي في مساجد البلدان التي لا ينطبق عليها هذا الشرط وحيث أن معظم علماء المذهب أفتوا بالرأي الأول فمن الحيطة العمل به خصوصاً أن جميع الأئمة لم يشترطوا هذا الشرط، فالذين يتركون صلاة الجمعة بناء على ما اشتهر عند بعض الحنفية في تعريف المصر لم يأخذوا بالأحوط لديهم، خصوصاً إذا ترتب على ترك الجمعة تشكيك العامة واستهانتهم بأداء واجباتهم الدينية، على
أن عندهم الذي يعولون عليه في هذا هو ما رواه ابن أبي شيبة عن علي موقوفاً، وقد نقل الزيلعي في كتابه "نصب الراية" أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه في هذا الموضوع شيء، وعلى فرض أنه حديث صحيح فمن أين جاء تعريف المصر بأنه ما كان له أمير وقاض ينفذ الحدود؟، فالحق واضح، والارتكاز على هذا لا يفيد مطلقاً، ولهذا جرى جمهور محققي الحنفية على أن المصر هو ما كان أكبر مسجد فيه لا يسع أهله الذين تجب عليهم الصلاة، وإن لم يحضروا فعلاً؛ أما الأئمة الآخرون فإنهم لم يعولوا على هذا الأثر الذي نقل عن علي كرم الله وجهه، وستعرف شرائطهم بعد هذا؛ ثانيها: إذن السطان أو نائبه الذي ولاه إمارة، فإذا ولى الإمام خطيباً فغن له أن يولي غيره، ولو لم يأذن بالإنابة على الظاهر، وبعضهم يقول: لا يجوز إلا إذنه بإنابة غيره: ثالثها: دخول الوقت، فلا تصح الجمعة إلا إذا دخل وقت الظهر، وقد عرفت أن دخول الوقت شرط لصحة الصلاة مطلقاً، ولو غير جمعة، كما هو شرط لوجوبها، ولكنهم ذكروه أيضاً في شرائط صحة الجمعة تساهلاً، وإذا خرج الوقت قبل تمام صلاتها فإن صلاتهم تبطل، ولو بعد القعود قدر التشهد؛ وقد عرفت أن وقت الجمعة هو وقت الظهر، وهو من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله بعد ظل الاستواء؛ رابعها: الخطبة، وسيأتي بيانها؛ خامسهاً: أن تكون الخطبة قبل الصلاة؛ سادسها: الجماعة، فلا تصح الجمعة إذا صلاها منفرداً، ويشترط في الجماعة عند الحنفية أن يكونوا ثلاثة غير الإمام، وإن لم يحضروا الخطبة، كما سيأتي في مبحث "الجماعة التي لا تصح الجمعة إلا بها"؛ سابعها: الإذن العام من الإمام - الحاكم - فلا تصح الجمعة في مكان يمنع منه بعض المصلين، فلو أقام الإمام الجمعة في دا��ه بحاشيته وخدمه، فإنها تصح مع الكراهة، ولكن بشرط أن يفتح أبوابها، ويأذن
للناس بالدخول فيها، ومثلها الحصن والقلعة، على أنه لا يضر إغلاق الحصن أو القلعة لخوف من العدو، فتصح الصلاة فيها مع إغلاقها متى كان مأذوناً للناس بالدخول فيها، وتصح صلاة الجمعة في الفضاء، بشرطين: أحدهما إذن الإمام؛ ثانيهما: أن لا يبعد عن المصر أكثر من فرسخ، أو يكون له علاقة بالمصر، كالمحل الذي أعد لسباق الخيل، أو لدفن الموتى، وسيأتي في مبحثه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
______
المالكية قالوا: تنقسم شروط الجمعة إلى قسمين: شروط وجوب، وشرط صحة، فأما شروط وجوبها فهي كشروط وجوب الصلاة المتقدمة، وتزيد عليها أمور؛ أحدها الذكورة، فلا تجب الجمعة على المرأة، ولكن إن صلتها مع الجماعة فإنها تصح منها، وتجزئها عن صلاة الظهر؛ ثانيها: الحرية، فلا تجب على العبد، ولكن إذا حضرها وأداها فإنها تصحمنه، وهذا الشرطان متفق عليهما في المذاهب بنصهما، ثالثها: عدم العذر المبيح لتركها، فتسقط عن المريض الذي يتضرر بالذهاب إليها راكباً أو محمولاً، فإذا قدر على السعي لها، ولو بأجرة لا تجحف به، فإنها تجب عليه، وإذا كان م��عداً فإنه لا يلزمه الذهاب إلى الجمعة، إلا إذا وجد من يحمله، ولم يتضرر من ذلك؛ رابعها: أن يكون مبصراً، فلا تجب على الأعمى إذا تعذر عليه الحضور بنفسه، أو لم يجد قائداً، فإن أمكنه المشي بنفسه، أو وجد قائداً، فإنها تجب عليه؛ خامسها: أن لا يكون شيخاً هرماً يصعب عليه الحضور، سادسها: أن لا يكون وقت حر أو برد شديدين، ومثل الحروالبر الشديدين المطر والوحل الشديدان، سابعها: أن يخاف من ظالم يحبسه أو يضربه ظلماً، أما إن كان يستحق ذلك فإن الجمعة لا تسقط عنه، ثامنها: أن يخاف على مال أو عرض أو نفس، ويشترط في المال أن يكون ضياعه مجحفاً به، تاسعها: أن يكون مقيماً بالبلد الذي تقام ��ه الجمعة، أو مقيماً بقرية أو خيمة تبعد عنه ثلاثة أميال وثلث ميل.
وتعتبر هذه المسافة من المنارة التي في طرف البلد إن جاز تعدد مساجد الجمعة، بأن كان هناك ضرورة توجب التعدد، أما إذا منع تعدد المساجد فتعتبر هذه المسافة من منارة الجامع الذي أقيمت فيه الجمعة أولاً، فالمقيم والمسافر الذي نوى إقامة أربع أيام تامة تجب عليه الجمعة، وإن كانت لا تنعقد بالمسافر الذي نوى الإقامة؛ أما الاستيطان، وهو الإقامة بنية التأبيد، فهو شرط لوجوبها ابتداء ولصحتها، فلاتجب الجمعة ابتداء إلا على قوم أقاموا في بلدة على التأبيد بحيث يمكن حمايتها والذود عنها من الطوارئ الغالبة؛ عاشرها: أ�� يكون في بلدة مستوطنة، فلو نزل جماعة كثيرة بمكان ونووا فيه الإقامة شهراً مثلاً، وأرادوا أن يقيموا جمعة في ذلك المكان، فلا تجب عليهم ولا تصح، ولا يشترط في بلد الجمعة أن يكون مصراً، فتصح في القرية وفي الأخصاص، وهي البيوت المبنية من الجريد أو القصب الفارسي - البوص -؛ وأما بيوت الشعر فلا تجب الجمعة على أهلها، ولا تصح، لأن الغالب عليهم الارتحال، إلا إذا كانوا قريبين من بلدها، فتجب عليهم تبعاً، كما تقدم.
وأما شروط صحة الجمعة فهي خمسة: الأول استيطان قوم ببلدة أو جهة، بحيث يعيشون في هذا البلد دائماً آمنين على أنفسهم من الطوارئ الغالبة، وكما أن الاستيطان شرط في الصحة، فهو شرط في الوجوب، كما تقدم بيانه في "شرائط الوضوء": الثاني: حضور اثني عشر غير الإمام، ويلزم حضور جميع أهل البلد، ولو في أول جمعة على الصحيح؛ نعم يشترط وجودهم في البلد أو قريباً منه بحيث يمكن الاستنجاد بهم في كلجمعة؛ الثالث: الإمام ويشترط فيه أمران: أحدهما: أن يكون مقيماً أو مسافراً نوى إقامة أربعة أيام، وقد تقدم. ثانيهما: أن يكون هو الخطيب، فلو صلى بهم غير من خطب، فالصلاة باطلة إلا إذا منع الخطيب من الصلاة مانع يبيح له الاستخلاف، كرعاف، ونقض
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
______
وضوء، فيصح أو يصلي غيره إن لم ينتظر زوال عذره في زمن قريب، وإلا وجب انتظاره؛ والقرب مقدار صلاة الركعتين الأوليين من العشاء وقراءتهما: الرابع الخطبتان، وقد تقدم الكلام عليهما؛ الخامس: الجامع، فلا تصح الجمعة في البيوت ولا في أرض براح مثلاً، ويشترط في الجامع شروط أربعة الأول: أن يكون مبنياً، فلا تصح في مسجد حوط عليه بأحجار أو طوب من غير بناء؛ الثاني: أن يكون بناؤه مساوياً على الأقل للبناء المعتاد لأهل البلد، فلو كان البلد أخصاصاً صح بناء المسجد من البوص؛ الثالث: أن يكون في البلد أو قريباً منها، بحيث يصل إلى المكان المقي�� به دخان البلد التي تقام فيها الجمعة، الرابع: أن يكون المسجد واحداً فلو تعددت المساجد في البلد الواحد فلا يصح إلا في الجامع القديم، على التفصيل الذي تقدم في "مبحث تعدد المساجد".
الشافعية قالوا: تنقسم شروط الجمعة إلى قسمين: شروط وجوب: وشروط صحة، فأما شروط وجوبها الزائدة على ما تقدم في شروط وجوب الصلاة، فمنها الشروط التي ذكرها المالكية إلى الشرط العاشر، فمنهم متفقون معهم في أن الجمعة لا تجب على المريض والمقعد والأعمى إلا بالشروط التي ذكرها المالكية في شرائط الوجوب، وكذا لا تجب في حال البرد والحر الشديدين جداً، كما يقول المالكية، ومثلهما المطر والوحل والخوف من ��دو ظالم أو حاكم ظالم كذلك، وكذا لا تجب على من خاف ضياع مال، سواء كان مجحفاً به أو لا، خلافاً للمالكية في ذلك، وكذا لا تجب على من خاف على عرضه أو نفسه، كما لا تجب على المرأة والرقيق، ولكنها تصح منهما، وقد وافق الحنابلة على هذه الشروط أيضاً، إلا أن الحنابلة قالوا: لا تجب على الأعمى، إلا إذا وجد قائداً أو ما يقوم مقامه من علامة يستند إليها حتى يصل إلى المسجد، كجدار يمكنه أن يستند إليه أو حبل يمسكه أو نحو ذلك، وقد عرفت أن الحنفية يقولون: تسقط عن المريض الذي يتضرر بالذهاب لحضورها ماشياً، فإن عجز عن ذلك سقطت عنه، وإن وجد من يحمله باتفاق، أما الأعمى ففيه خلاف، فبعضهم يق��ل: تسقط عنه، ولو وجد قائداً متبرعاً، ومنهم من يقول: إذا قدر الذهاب ولو بقائد متبرع أو بأجر يقدر عليه فإن الذهاب يجب عليه. كما تقدم في شرائط الوجوب عند الحنفية، وقد وافق الحنفية جميع الأئمة على أن الجمعة لا تجب على من خاف من ظالم يعتدي على ماله أو عرضه أو نفسه، بشرط أن يكون ضياع ماله مجحفاً به، كما يقول المالكية، والحنابلة، خلافاً للشافعية، أما إن كان ظالماً، فإن الجمعة لا تسقط عنه بالخوف من القصاص.
ومن شروط وجوب الجمعة عند الشافعية الإقامة بمحل الجمعة أو بمحل قريب منه، كما يقول غيرهم من الأئمة، إلا أن لهم في ذلك تفصيلاً، وهو أنهم يشترطون فيمن كان مقيماً بمحل قر��ب من محل الجمعة أن يسمع الأذان أو النداء، فلا تجب الجمعة على من كان مقيماً بمكان بعيد لا يسمع أهله النداء، إلا إذا بلغ عددهم أربعين، فتجب عليهم في هذه الحالة إقامة الجمعة بمحلهم.
ولا يلزمهم السعي للبلد القريب منهم، ولا يشترط في وجوب الجمعة الاستيطان، وهو الإقامة على التأبيد، بحيث لا يرحلون عن محلهم صيفاً أو شتاءً إلا لحاجة، كالمعتاد في القاطنين ببلد، وإنما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
______
الاستيطان المذكور شرط لانعقاد الجمعة، فلا تنعقد الجمعة إلا بمن كان مستوطناً، بمعنى أنه لو حضر من المستوطنين أقل من أربعين، وكمل العدد بغير متوطن، فإن الجمعة لا تنعقد، ولا تصح، كما لا تجب عليهم من أول الأمر، ومن شروط وجوب الجمعة الإقامة، فلا تجب الجمعة على المسافر، إلا إذا نوى المسافر إقامة أربعة أيام في بلد الجمعة، وإذا خرج للسفر من بلده بعد فجر الجمعة فإنها تجب عليه إذا أدرك الجمعة في المحل المسافر إليه، إما إذا خرج من بلده قبل فجر يوم الجمعة، فإنها لا تجب عليه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون السفر طويلاً أو قصيراً، إلا إذا كان يريد الذهاب إلى مكان قريب يسمع فيه أذان الجمعة من البلدة التي خرج منها، أما إذا سمع النداء من بلدة غيرها فإنها لا تجب عليه، وعلى هذا إذا خرج الحصادون والعمال من بلدهم إلى مكان أعمالهم قبل الفجر، فإن الجمعة عند الشافعية فهي ستة أشياء: الأول: أن تقع كلها وخطبتاها في وقت الظهر يقيناً: الثاني: أن تقع بأبنية مجتمعة، سواء كانت مصراً أو قرية، أو بلداً، أو غاراً بالجبل، أو سرداباً، فلا تصح في الصحراء، والضابط المعتمد لصحة الجمعة في الأبنية ما لا تقصر الصلاة فيه تصح فيه الجمعة كفضاء داخل سور البلد، وما تقصر الصلاة فيه لا تصح فيه، الثالث: أن تقع الصلاة جماعة بشرائطها المتقدمة، الرابع: أن يكون عدد جماعتها أربعين بالشروط المتقدمة، الخامس. أن تكون صلاة الجمعة متقدمة على غيرها في مكانها، وسيأتي تفصيل ذلك في مبحث "تعدد الجمعة"، السادس: تقدم الخطبتين بالأركان والشروط الآتي بيانها.
الحنابلة قالوا: تنقسم شروط الجمعة الزائدة على شرائط الصلاة المتقدمة إلى شروط وجوب. وشروط صحة، فأما شروط وجوبها الزائدة على ما تقدم، فمنها الشروط التي ذكرت عند المالكية، والشافعية، والحنفية، ومنها الحرية، فلا تجب على العبد، والذكورة، فلا تجب على الإناث، وتصح منهم إذا حضروها، ومنها عدم العذر المبيح لتركها، فلا تجب على المريض الذي يتضرر بالذهاب إليها راكباً أو محمولاً، أما إذا قدر ولو بأجرة لا تجحف به، فإنها تجب عليه، ومثل المريض المقعد، ومنها أن يكون مبصراً، فلا تجب على الأعمى ولو وجد قائداً؛ إلا إذا أمكنه أن يستند إلى حبل متصل بمسجد الجمعة، ومنها أن لا يكون وقت حر أو برد شديدين، أو وقت مطر ووحل شديدين كذلك، ومنها أن يخاف من حبس ونحوه، وهو مظلوم لا ظالم، ومنها أن يخاف على مال من الضياع، أو يخاف على عرض أو نفسه، ويشترط أن يكون ضياع المال مجحفاً به، ومنها الإقامة ببناء يشمله اسم واحد كمصر، فكل القاطنين في مدينة مصر تجب عليهم الجمعة، ولو كان بينهم وبين المحل التي تقام فيه فراسخ كثيرة، لأنها مدينة واحدة لها اسم واحد، أما الجهات التي لها أسماء خاصة بها، كعين شمس، ومصر الجديدة، والزيتون ومعادي الخبيري، ونحو ذلك، فإن كل جهة منها مستقلة بنفسها في هذا الشرط، بحيث لا تجب الجمعة إلا على من كان متوطناً بها إذا كانت الجمعة تقام فيها، فإن لم تكن بها مساجد تقام فيها الجمعة، ولكن بجوارها جهة أخرى تقام فيها الجمعة، فإنه يجب أن يذهب إلى
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
اود في البداية التقدم بالتهنئة لكم بمناسبة قدوم شهر رمضان المبارك
جعلنا الله واياكم من العتقاء من النار
ورزقنا الله واياكم حسن الخاتمة وحسن الاخلاق
حضور النساء الجمعة
قد عرفت أن الذكورة شرط في وجوب الجمعة، فلا تجب على المرأة، ولكن تصح منها إذا صلتها بدل الظهر، وهل الأفضل للمرأة أن تصلي الجمعة، أو تصلي الظهر في بيتها؟ في ذلك تفصيل المذاهب، فانظره تحت الخط (1) ، أما غير المرأة ممن تجب عليهم الجمعة، كالعبد، فإنه يستحب له حضور الجمعة.
______
الجهة التي تقام فيه الجمعة، بشرط أن تكون بين الجهتين مسافة فرسخ فأقل.
أما إذا كانت المسافة أكثر فإن الجمعة لا تجب، وقد عرفت حد الفرسخ فيما مضى من مذهب الحنفية، ولا تجب الجمعة على سكان الخيام، ولا على أهل القرى الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها أربعين، فإن كانوا أربعين فأكثر، فإن الجمعة تجب عليهم إذا كانوا لا يفارقونها صيفاً ولا شتاءً، ومن شروط وجوب الجمعة الإقامة، فلا تجب على المسافر إلا إذا نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام؛ وأقل مسافة السفر المعتبرة عند الحنابلة أن يكون بين المسافر وبين المحل التي تقام فيه الجمعة فرسخ فأقل، وإلا فلا تجب عليه؛ وأما شروط صحة الجمعة فهي أربعة: أحدها. دخول الوقت، فلا تصح قبله ولا بعده، ولكن وقت الجمعة عندهم كوقت صلاة العيد، فمتى طلعت الشمس وارتفعت بمقدار ما تحل فيه الصلاة النافلة. فإن صلاة الجمعة تبتدئ عندهم، وقد تقدم توضيح مذهبهم في مبحث "وقت الجمعة" فارجع إليه أن شئت، ثانيها: أن يكون مقيماً بمدينة أو قرية على الوجه المتقدم ذكره في شروط الوجوب، فلا تصح الصلاة عندهم في صحراء أو خيمة أو نحو ذلك، خلافاً للحنفية الذين قالوا: تصح في الصحراء، ثالثها: أن يحضرها أربعون فأكثر بالإمام، وإن كان بعضهم أخرس، أما إن كانوا كلهم كذلك فإن الجمعة لا تصح، رابعها: الخطبتان بشروطهما وأحكامهما

(1) الحنفية قالوا: الأفضل أن تصلي المرأة في بيتها ظهراً، سواء كانت عجوزاً أو شابة، لأن الجماعة لم تشرع في حقها.
المالكية قالوا: إن كانت المرأة عجوزاً انقطع منها ارب الرجل جاز لها أن تحضر الجمعة، وغلا كره لها ذلك، فإن كانت شابة وخيف من حضورها الافتتان بها في طريقها أو في المسجد، فإنه يحرم عليه الحضور دفعاً للفساد.
الشافعية قالوا: يكره للمرأة حضور الجماعة مطلقاً في الجمعة وغيرها إن كانت مشتهاة، ولو كانت في ثياب رثة، ومثلها غير المشتهاة إن كانت تزينت أو تطيبت، فإن كانت عجوزاً وخرجت في أثواب رثة، ولم تضع عليها رائحة عطرية، ولم يكن للرجال فيها غرض؛ فإنه يصح لها أن تحضر الجمعة بدون كراهة؛ على أن كل ذلك مشروط بشروطين: الأول: أن يأذن لها وليها بالحضور، سواء كانت شابة أو عجوزاً، فإن يأذن حرم عليها؛ الثاني: أن لا يخشى من ذهابها للجماعة افتتان أحد بها، وإلا حرم عليها الذهاب.
الحنابلة قالوا: يباح للمرأة أن تحضر صلاة الجمعة، بشرط أن تكون غير حسناء؛ أما إن كانت حسناء، فإنه يكره لها الحضور مطلقاً
تعدد المساجد التي تقام فيها الجمعة
الغرض من صلاة الجمعة هو أن يجتمع الناس في مكان واحد خاشعين لربهم، فتتوثق بينهم روابط الإلفة، وتقوى صلات المحبة، وتحيا في أنفسهم عاطفة الرحمة والرفق، وتموت عوامل البغضاء والحقد، وكل منهم ينظر إلى الآخر نظرة المودة والإخاء، فيعين قويهم ضعيفهم، ويساعد غينيهم فقيرهم، ويرحم كبيرهم صغيرهم، ويوقر صغيرهم كبيرهم، ويشعرون جميعاً بأنهم عبيد الله وحده، وأنه هو الغني الحميد، ذو السلطان القاهر، والعظمة التي لا حد لها.
ذلك بعض أغراض الشريعة الإسلامية من حيث الناس على الاجتماع في العبادة؛ ومما لا ريب فيه أن تعدد المساجد لغير حاجة يذهب بهذه المعاني السامية، لأن المسلمين يتفرقون في المساجد. فلا يشعرون بفائدة الاجتماع، ولا تتأثر أنفسهم بعظمة الخالق الذي يجتمعون لعبادته خاضعين متذللين، فمن أجل ذلك قال بعض الأئمة: إذا تعددت المساجد لغير حاجة فإن الجمعة لا تصح إلا لمن سبق بها في هذه المساجد، فمن سبق بيقين كانت الجمعة له، وأما غيره فإنه يصليها ظهراً، وإليك بيان آراء المذاهب في هذا الموضوع تحت الخط (1) .
______
(1) الشافعية قالوا: إما أن تتعدد الأمكنة التي تقام فيها الجمعة لغير حاجة إلى هذا التعدد، أو تتعدد لحاجة، كأن يضيق المسجد الواحد عن أهل البلدة، فإذا تعددت المساجد أو الأمكنة التي تقام فيها الجمعة لغير حاجة كانت الجمعة لمن سبق بالصلاة، بشرط أن يثبت يقيناً أن الجماعة التي صلت في هذا المكان سبقت غيرها بتكبيرة الإحرام، أما إذا لم يثبت ذلك، بل ثبت أنهم صلوا جميعاً في وقت واحد، بأن كبروا تكبيرة الإحرام معاً، أو وقع شك في أنهم كبروا معاً، أو سبق أحدهم بالتكبير فإن صلاتهم تبطل جميعاً، وفي هذه الحالة يجب عليهم أن يجتمعوا معاً، ويعيدوها جمعة إن أمكن ذلك، وإن لم يمكن صلوها ظهراً. أما إذا تعددت لحاجة، فإن الجمعة تصح في جميعها، ولكن يندب أن يصلوا الظهر بعد الجمعة.
المالكية قالوا: إذا تعددت المساجد في بلد واحد، فإن الجمعة لا تصح إلا في أول مسجد أقيمت فيه الجمعة من البلد، ولو كان بناءه متأخراً، مثلاً إذا كان في البلد - زوايا - لم تقم فيها الجمعة، ثم بني مسجد أقيمت فيه الجمعة، ثم بني بعده مسجد آخر أقيمت فيه الجمعة، فإن الجمعة لا تصح إلا في المسجد الذي أقيمت فيه الجمعة أولاً، ولكن هذا الحكم عندهم مشروط بأربعة شروط: أحدها: أن لا يهجر القديم بالصلاة في الجديد، بأن يترك الناس الصلاة في القديم رغبة في الجديد بدون عذر؛ ثانيها: أن يكون القديم ضيقاً، ولا يمكن توسعته، فيحتاج الناس إلى الجديد، - والمسجد الضيق هو الذي لا يسع من يغلب حضورهم الجمعة وإن لم تكن واجبة عليهم -، ثالثها: أن لا يخشى من اجتماع أهل البلدة في مسجد واحد حدوث فتنة أو فساد، كما إذا كان بالبلدة أسرتان متنافستان
هل تصح صلاة الجمعة في الفضاء؟
اتفق ثلاثة من الأئمة على جواز صحة الجمعة في الفضاء، وقال المالكية: لا تصح إلا في المسجد وقد ذكرنا بيان المذاهب تحت الخط (1) .
______
إحداهما شرقي البلد، والثانية غربيها، فإنه يصح لكل منهما أن تتخذ لها مسجداً خاصاً؛ رابعها: أن لا يحكم حاكم بصحتها في المسجد الجديد.
الحنابلة قالوا: تعدد الأماكن التي تقام فيها الجمعة في البلد الواحد إما أن يكون لحاجة أو لغير حاجة، فإن كان لحاجة، كضيق مساجد البلد عمن تصح منهم الجمعة، وإن لم تجب عليهم، وإن لم يصلوا فعلاً - فإنه يجوز، وتصح الجمعة، سواء أذن فيها ولي الأمر، أو لم يأذن، وفي هذه الحالة يكون الأولى أن يصلي الظهر بعدها، أما إن كان التعدد لغير حاجة، فإن الجمعة لا تصح إلا في المكان الذي أذن بإقامتها فيه ولي الأمر، ولا تصح في غيره حتى ولو سبقت، وإذا أذن ولي الأمر بإقامتها في مساجد متعددة لغير حاجة، أو لم يأذن أصلاً، فالصحيحة منها ما سقت غيرها بتكبيرة الإحرام، فإن وقعت الصلاة في وقت واحد، بأن كبروا تكبيرة الإحرام معاً بطلت صلاة الجميع إن تيقنوا ذلك، ثم إذا أمكن إعادتها جمعة أعادوها، وإلا صلوها ظهراً، أما إذا لم تعلم الجمعة السابقة، فإن الجمعة تصح في واحد غير معين، فلا تعاد جمعة، ولكن يجب على الجميع أن يصلوا ظهراً.
الحنفية قالوا: تعدد الأماكن التي تصح فيها الجمعة لا يضر، ولو سبق أحدها الآخر في الصلاة على الصحيح، ولكن إذا علم يقيناً من يصلي الجمعة في مسجد أن غيره سبقه من المصلين في المساجد الأخرى، فإنه يجب عليه أن يصلي أربع ركعات بنية آخر ظهر بتسليمة واحدة، والأفضل أن يصليها في منزله حتى لا يعتقد العامة أنها فرض، وقد عرفت أن الواجب عند الحنفية أقل من الفرض، وإن شئت قلت: إنه سنة مؤكدة. أما إذا شك في أن غيره سبقه فإنه يندب له أن يصلي أربع ركعات بنية آخر ظهر فقط، وعليه أن يقرأ في كل ركعة سورة أو ثلاث آيات قصار، لاحتمال أن تكون هذه الصلاة نافلة، وقد تقدم أن قراءة السورة ونحوها واجبة في جميع ركعات النفل، وهل يصلي الركعات الأربع المذكورة قبل صلاة أربع ركعات سنة الجمعة أو بعدها؟ والجواب: يصليها بعدها فإذا صلاها قبلها فقد خالف الأولى والأمر في ذلك سهل، وعلى هذا يطلب ممن يصلي الجمعة أن يصلي بعدها أربع ركعات سنة الجمعة، ثم يصلي بعدها أربع ركعات بنية آخر ظهر، على الوجه المتقدم، ثم يصلي بعدها ركعتين سنة وقت الظهر كما تقدم في السنن

(1) المالكية قالوا: لا تصح الجمعة في البيوت ولا في الفضاء، بل لا بد أن تؤدي في الجامع.
الحنابلة قالوا: تصح الجمعة في الفضاء إذا كان قريباً من البناء، ويعتبر القرب بحسب العرف فإن لم يكن قريباً فلا تصح الصلاة، وإذا صلى الإمام في الصحراء استخلف من يصلي بالضعاف.
الشافعية قالوا: تصح الجمعة في الفضاء إذا كان قريباً من البناء، وحد القرب عندهم المكان