قناة الشيخ / عمرو بسيوني
10.4K subscribers
105 photos
1 video
8 files
243 links
قناة خاصة بالشيخ عمرو بسيوني لنشر كل ما يتعلق به من كتب و مواعيد صدورها وأسئلة هامة على الاسك ومنشورات الفيس بوك والفيديوهات و غيرها.
Download Telegram
كباحثين في التراث، جميعُنا (تقليديين وتجديديين وعلمانيين وحتى غير مسلمين) يعلم أن المباني العامة لابن تيمية هي مبانٍ إسلامية وتراثية بامتياز، وإذا تجاوزنا المساحات الفلسفية والكلامية اللاهوتية، فإن البعد التداولي في حياتنا من تراث ابن تيمية هو تراث إسلامي فقهي (فقهي بالمعنى العام الذي يشمل المفاهيم السياسية والأخلاقية) لا ينفرد ابن تيمية فيه عن كثير من الفقهاء.

السؤال الذي ينبغي أن يشغل التقليديين والتجديديين والعلمانيين وحتى غير المسلمين، هو: لماذا ابن تيمية تحديدًا الذي لم تستطع أي حركة إصلاحية أو تجديدية إسلامية (مؤثرة)، على اليمين أو على اليسار، خلال المائتي عام الأخيرة على الأقل: أن تتجاوز أطروحاته، سواء بالتفعيل، أو البناء، أو التأويل، أو حتى النقد؟

صغت هذا السؤال قديمًا كما يلي: ما الإمكانات التجديدية التي فتحها، ويمكن أن يفتحها، ابن تيمية في الإسلام؟

وهو السؤال الذي يتجاوز كثيرًا سؤال مجرد تبني مقولات ابن تيمية نفسها.
من المغالطات الحجاجية التي يستعملها الكثيرون ويحسن التنبيه إليها:
حكاية مذهب المخالف وتحليله - وقد تكون الحكاية والوصف غير دقيق أحيانا أو مغرضا أيضًا ، وهذه مشكلة أخرى -، ثم لا يتبع ذلك بنقد صحيح له أسس نظرية واضحة، وقد يتبع ذلك بحكاية مذهبه الذي يعتقد أنه الحق، والذي يعتقد القارئ المتابع له أنه الحق أيضًا، دون أن يبين الأسس النظرية الصحيحة الدالة لمذهبه، وهذا ما يسمى بحكاية المذهب، التي يعيبها العلماء في الجدل بأنها ليست حجة. ومن ثَمَّ فلا يكون قد نقد القولَ المخالف له أصلًا.
والأدق من ذلك: أن يحكي عن مخالفه، ثم يتبع ذلك بحكاية مبنى آخر مستقبح، لكنه لا يبين دخول هذا القول تحت هذا المبنى أو النظرية، فيوهم القارئ - وربما هو نفسه متوهم - بدخول قوله المخالف تحته بمجرد الاقتران في الحكاية أو التشابه الظاهري.
مثال ذلك: من يقول: فلانٌ يحل المعازف، ويستدل لها بكذا وكذا، على وجه التشنيع. ثم لا ينقد الأسس النظرية التي يقوم عليها هذا القول أصلًا. أو يتبع ذلك بحكاية مذهبه في التحريم، ولا يستدل له، أو يستدل له استدلالا لا يلزم منه إبطال ما يستدل به الخصم.
أو يقول: فلان يحل المعازف، وهذا تحليل ما حرم الله من اتباع الهوى والتساهل واتباع زلات العلماء، ولا يبين وجه لزوم إباحة المعازف للتساهل واتباع زلات العلماء، فالجهة بينهما منفكة أصلا.
وعلى ذلك فقس، فإن كثيرا مما أراه يسمى ردودًا أو نقدا لا يعدو أن يكون حكاية مذهب الخصم، أو مذهب القائل، دون التزام صحيح بالنقد وإجراءاته.
قراءة لكتاب ابن تيمية لجون هوفر


https://youtu.be/1bJIBfjaprE
العلم بصفة عامة ينبغي أن يكون أخلاقيًّا، والعلم الديني بصفة خاصة ينبغي أن يكون أكثر أخلاقية، ولذا فقد كثر عند الله وعند العلماء: ذم العلم من غير تقوى ولا ديانة.
ولذا فإن انتشار نوعٍ من القارئين أو الباحثين في العلوم الدينية، يتكلمون في مسائل دقيقة من العلم، في الوجود الإلهي والنبوات والجنة والنار، فضلًا عن الأحكام الدينية ومسائل منهجية كالعلموية أو المعرفة أو النسوية إلخ، بالتماجن والتهاتر والعصبيات والأهواء وحتى التعصبات العنصرية والقومية ناهيك عن السب والفحش= هو إنتاج لشياطين يتكلمون في الدين، فإن العلم إذا لم يثمر تحسينًا لأخلاق أصحابه فهو أقبح من الجهل، وذلك كله في نهاية المطاف نوعٌ من علمنة الدين، لأن حقيقة العلمنة هي نزعُ القيمة والقداسة عما هو محل للقيمة والقداسة.
هذه ثلاثة أجوبة قديمة من الآسك حول مسألة فناء النار:

س: شيخنا هل يقول شيخ الإسلام بفناء النار؟

ج: هناك أجوبة سابقة راجعها، وللشيخ فيها كلام مختلف بعضه متقدم على بعض، والصحيح أنه يقول بذلك، وكان قد سبق ذلك ميل منه إليها وتوقف، وله فيها رسالة صحيحة يقطع بذلك العارف بكلامه فيها، وقد حكى خبرها ابن القيم في الغليل، فقال:وكنت سألت عنها شيخ الإسلام قدس الله روحه، فقال لي: هذه المسألة عظيمة كبيرة، ولم يجب فيها بشيء. فمضى على ذلك زمن حتى رأيت في تفسير عبد بن حميد الكشي بعض تلك الآثار التي ذكرت، فأرسلت إليه الكتاب وهو في مجلسه الأخير، وعلمت على ذلك الموضع، وقلت للرسول: قل له هذا الموضع يشكل عليه ولا يدري ما هو. فكتب فيها مصنفه المشهور رحمة الله عليه، فمن كان عنده فضل علم فليحدثه؛ فإن فوق كل ذي علم عليم. انتهى.وهذه صفة الرسالة المطبوعة ففيها الكلام على آثار تفسير عبد بن حميد باستفاضة، وفيها كلام يكتب بزلال العيون.وهذا نص صريح وحكاية صحيحة، وكلام الشيخ في الأول والأخير ليس كلام من يقطع بأبديتها أصلا، وقد رد عليه فئام من معاصريه، أجلهم السبكي، ثم الحصني، والسبكي عالم كبير فاهم للمقالات، ولابد أن هذا القول اشتهر عن الشيخ وعرف وفهم حتى يردوا عليه، ولو كان ذلك كذبا لكان أيسر أن يردها هو أو ابن القيم عنه وقد عمر طويلا، والشفاء بعد الحادي، والظاهر أن الحادي كان في حياة ابن تيمية فلم يترحم عليه فيه مرة، بخلاف الشفاء الذي يترحم عليه فيه، فلهذا لم يذكره من ضمن القائلين به في الحادي، وأورد تلك الحكاية في الشفاء الذي كلامه في المسألة فيه هو تلخيص واضح للحادي.وهذا القول على ضيقه وزلل الأقدام فيه هو من معاظم ابن تيمية الاجتهادية عندي، والعلم عند الله.

==

س: وليه المسألة دى بالتحديد الى حضرتك قلت عليها من معاظم شيخ الإسلام الإجتهادية عندك ؟

ج: من معاظمه الاجتهادية لأنها تبين الآفاق السلفية الحقيقية والحفر المعرفي المبكر ما قبل التنميط عند ابن تيمية، وهذا فتح ابستمولوجي وليس مجرد اختيار في مسألة عقدية


==
س: قال بال‍فناء او تسويغه ابن تيمية وابن القيم، طيب ابن القيم معروفة.. فين قال ابن تيمية كدا وازاي نوفق بين كدا وانه بينقل الاجماع كتير على بقائها ؟


نقله عنه ابن القيم، وللشيخ رسالة في الموضوع، والإجماعات التي ذكرها ليست في محل البحث لأنها في الرد على القول إن الجنة و‍النار تفنيان، وهذا قول الجهمية، وليس قول أحد من السلف.
قطعة من مقال لي بعنوان (التراث وفهم التراث) نُشر عام (2017):
==
أضرب مثالًا على النقطة الأخيرة المتعلقة بالسياق الموضوعي للعلم وأثرها في فهم النص التراثي، وكيف يتسبب عدم الإحاطة بها أو الانتباه إليها إلى أخطاء جسيمة.
أضرب مثالًا بنص يسيء استعمالَه بعضُ الغلاة من الدواعش ونحوهم نتيجة لسوء فهمه، ويستدلون فيه بكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية، على أن قتل الولد لوالده المشرك جائز، وقد يقولون إن له أولوية. ولذا قاموا بعملياتٍ قتل فيها الولد والدَه، أو عمَّه، أو خاله، ونحو ذلك من الغدر والغيلة والفتك، المضاف إلى سفك الدم.
يقول ابن تيمية في ذلك النص: (({وبالوالدين إحسانا} فهذا فيه تقييد. فإن الوالد إذا دعا الولد إلى الشرك ليس له أن يطيعه بل له أن يأمره وينهاه وهذا الأمر والنهي للوالد هو من الإحسان إليه. وإذا كان مشركا جاز للولد قتله وفي كراهته نزاع بين العلماء)) انتهى.
فيفهمون من ذلك أن الشيخ يجيز قتلَ الولد لوالده المشرك، بإطلاق – وهذا بقطع النظر عن بطلان تكفيرهم الغالي الفاسد -.
والحال إن الفاهم لطبيعة الموضوعات العلمية وسياقها، يعلم أن الشيخ في تعليقه على آية (وبالوالدين إحسانًا) وبعد أن فرغ من جواز أمر الوالد ونهيه إن أمر ولدَه بالشرك، وأن هذا نوع من التقييد لعموم الإحسان، وأنه نفسه من الإحسان، دلَّل على ذلك بمسألة أخرى وهي جواز قتل الولد لوالده المشرك في القتال، يعني في ساحة المعركة والقتال إن التقى بوالده مشركًا مقاتلًا، وليس قتلًا محضًا غيلة، وإن كان ذلك نفسه مكروها عند بعض الفقهاء، كما حكى الشيخ نفسُه.
فقوله: (وإذا كان مشركًا…) = مسألة مستأنَفـة ليست متعلقة بدعوة الوالد للشرك، فإن القرآن نص ألا يطيعه، وأن يصاحبه معروفًا: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفً} [لقمان: 15]؛ فكيف يجيز أحد قتله ضد النص!
فهي مســألة ذكرها الشيخ استطرادا للدلالة على أن الإحسان للوالدين ليس واجبًا في كل حال، بل يتقيد في مواضع، واستدل على ذلك بهذه المسألة المعروفة عند الفقهاء، وهي قتل الوالد المشرك في الحرب والحرابة، كما قتل ‍طلحة أباه، وكما قتل الرجل أباه الساب للنبي، وكذا نحوها من مسائل الفقهاء كحكم حدِّ الولد أباه في القطع والجلد ونحوها، مما يكرهه أكثر الفقهاء، ويبيحه بعضهم بلا كراهة، وهي مسائل دارجة معروفة في كتب فروع الفقه.
ولمَّا كان الشيخ يتداول بحثًا استدلاليًّا فنيًّا، فإنه يتكلم في مسائل العلم بالمعهود بين المشتغلين، وقال تلك العبارة التي لا يفهم منها فقيهٌ قطُّ إلا ذلك الذي ذكرناه. ثم يأتي الجاهل المفتقد لأبسط الأدوات العربية والفنية (فلم يقرأ دائرةً كاملة في الفقه قط) فيقرأ مثل تلك العبارة، ويجهل فحواها وإشارتها وسياقها المعهود، وربما تحدّاك: بأن ما تذكره تخصيص، وليس في كلام الشيخ إلا العموم! والحال إنه لا عموم إلا في ذهنه الفارغ من العلم، الغافل عن الانتباه إلى السياق.
السواء النفسي من عدمه هو سبب المودة أو الاحترام أو البغض والشحناء.
فليس الخلاف في الآراء هو الحامل على البغضاء إن كان بحتًا خالصًا، بل لابد معه من فساد في القلب من طرف أو كليهما.
ولذلك امتنّ الله على المؤمنين بأنه ألَّف بين قلوبهم، قال بعض العارفين: لو كان المعوَّل على العقول وتُرك الناس لاختلاف الآراء: لكان أدنى خلاف في الرأي سببًا في الفتنة والفرقة.
ولذا جعل الرسول أعظم عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، وجعل محبته شرطًا في الإيمان، فلو قُدر أن شخصًا عرف بعقله صدق الرسول ولكن أبغضه بقلبه أو لم يذعن له بقلبه لم يكن مسلمًا، ولذا جعل من أعظم الإيمان أن يكون الهوى تبعًا لما جاء به الرسول، فكم من عقل عارف بصحة الشرع لكن هواه يعصيه لكبر أو شهوة.
وجرِّبْ هذا من نفسِك، فإنك أن أحببتَ الإنسان أو الجماعة من الناس، وإن خالفتَهم؛ لم تجد قلبَك وَجَد عليهم ولا أبغضهم، بل يحتمل لهم، ويرجو المعاذير، ثم يغفر ويسامح، وإن لم يقدر: تجاوز هذا الفعل أو القول بخصوصه ونظر إلى غيره.
أما إن أبغضت الإنسان أو الجماعة من الناس، فإنك لا ترضى عنهم، وإن وافقوك التمست الذرائع لتنفي عنهم موافقتك، وإن خالفوك كان أنفع شيء لتبيين بغضك لهم.
فاختلاف القلوب شر من اختلاف الآراء، وائتلاف القلوب مطلوب أعظم من اتفاق الآراء، فإنه وإن كان حبذا اتفاق القلوب والآراء جميعًا إلا أنه متعذر، والاختلاف سنة كونية، ولذا أمر الله عند التنازع بالرد إلى الله ورسوله، وهذا لا يستلزم رفع الخلاف ولكن المقصود التسليم أن الحق المطلق عند الله ورسوله لا عند أحد المختلفين فإن أمكن الإلزام بذلك فهو المنبغي وإلا فليتفقا على ذلك وليتعاذرا، ويكون المحكم ما أمر الله به من التعاون على البر والتقوى، وقد ذكر بعض المحققين أن هذا الفقه المقارن كله وما فيه من الحجج والجدل والخلافيات لم يرفع الخلاف في مسألة!
أما تمحيص القلوب من الهوى والشحناء والكبر وحظ النفس فهو وإن كان أعوص لكن طريقه التقوى والذكر والاستغفار للنفس وللغير والتنزه من الحسد والحقد.
يصدر قريبًا إن شاء الله
محمد رسول السلام
وسط صراع الإمبراطوريات
للدكتور خوان كول
بترجمتي بالاشتراك مع الصديق هشام سمير

يُعتَبر الكتاب أحدث القراءات الغربية للسيرة النبوية بشكل كامل وإجمالي، ومن مؤرخ متخصص ومرموق وله خبرته، وتأتي أهميته من كونه أول قراءة سياقية كاملة للسيرة النبوية في سياقها السياسي التاريخي الإقليمي والدولي، وهو بصورة أساسية: حدوث البعثة النبوية في خضم الحرب العالمية الضخمة التي استمرت نحو خمس وعشرين سنة بين الروم والفُرس.

قد لا نتفق مع بعض النماذج التفسيرية للكاتب، وبعض تناوله لبعض الأحداث، لكن أهمية الكتاب التاريخية والتحليلية ومصادره غير الإسلامية المعاصِرة لزمن السيرة تبقى عظيمة، وتُضيف أبعادًا جديدة لقارئ السيرة النبوية ربما لم يكن واعيًا لها، وتزيد من عُمق فهمه وتصوُّره للبيئة والأحداث والسياق التاريخي ودور ذلك كله في مسيرة الإسلام الأولى.

أما بالنسبة للسياق الغربي فالكتاب أحدث تأثيرًأ مهمّا في الأوساط الأكاديمية والإعلامية الغربية، وعمل على خلخلة الرؤية التقليدية المتأثرة بالإسلاموفوبيا والاتهام بالعنف والتقليل من القيمة التاريخية والإنسانية للإسلام.
ما أحسن أن تقوم على صيانة الثغر الذي تقوم عليه بخدمة الدين، فيما تحسن، بقدر ما تحسن، لا تراعي في ذلك إلا خدمة سيدك الذي ترجو منه الرضى، وتخاف منه السخط.
فإن حظيتَ من الناس بشيء من ثنائهم ومدحهم = فتشتَ في نفسك عن قصورها، وحذَّرْتَها مغبَّةَ تصديق كلام مَن لا يعرفك، وتكذيب عِلم نفسك التي تعرفك، وهربت من مراقبة الغافل عنك، وغفلتَ عمن يلاحظك.
وإن نالك من الناس شيء من أذاهم ووَضَرهم = بحثت في كلامهم عن نفع يعود عليك، ووَدَعْتَ ما فيه من الآفات على حاله، لم تُثره بفحص، ولم تشعثه بتفتيش، ونظرتَ فيه بعين القَدر، لا بعين القُدْرة .
لماذا طلب سليمان ملكا لا يكون لأحد من بعده؟

ج/ حتى ذكر عن الحجاج أنه قرأ تلك الآية على المنبر، فقال: إن كان سليمان لحسودا! ولو ثبت هذا عنه فهو ردة.

وقد قال بعض أهل العلم إن هذا لم يكن رغبة به إلى الدنيا، ولكن معنى الآية: هب لي ملكا لا يسلبني أحد إياه، وذلك لما كان من سلب ملكه لما ألقي على كرسيه جسدا أربعين يوما.
وقيل المراد في حياته فقط. وقيل المراد لا يرثه أحد من أهل زماني وليس بعام. وقيل المراد أنه لما استغفر وأناب وتاب أحب أن يعلم منزلته عند الله فسأله ذلك كي يطمئن قلبه أن الله تعالى قد قبله وقربه مرة أخرى. وهذا حاصل ما أجاب به الإمام الطبري رحمه الله.

أما الذي عندي: فإن هذا الدعاء لم يقبح من سليمان لأن طلب الدنيا من الأهل الكفء القادر على القيام بحق الله فيها = من الجائزات الحسنة المستحبة بل قد تجب في حقه. كما قال يوسف: اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم.

أما سؤاله ألا تكون لأحد بعده، فهو عندي على وجهه من أنه لا يبلغ أحد ملكه إلى يوم القيامة، كما يدل على ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم مع الجن = ففيه احتمالان: أن مراده التكثر من الخير، لأنه لو عظم ملكه ولم يلحقه فيه أحد، كان قيامه بحق الله فيه أعظم من غيره، فأراد بذلك تعميم الخير وأمر الله على كل الملك ولا يلحقه في ذلك أحد، وهذا جائز لمن حسنت نيته فيه، وهو - في حقيقته - ليس أكثر من طلب كثرة الثواب والحسنات، كمن يسأل الله كثرة الجهاد في سبيله، أو كثرة التعليم فيه، أو كثرة العبادة له، وكل ميسر لما خلق له. وهو من المنافسة في الدين، ودخول الدنيا فيه ليس بمؤثر أو مبطل إذا كانت تلك هي النية، فليس هو أكثر من دخول الوسيلة على الغاية. كما صح في حديث من أوتى مالا فسلطه على هلكته في الحق وأنه في المرتبة العليا.

والثاني: أن يكون فيه نوع من حظ النفس، وحظ النفس ليس بمذموم مطلقا، فقد يكون للولي من شدة القرب أن يحب أن يكون له من الحظوة عند مولاه ما ليس لغيره، ولهذا نظائر معروفة في غيرة الأولياء على مقاماتهم، بل ورد مثل ذلك في بعض ما روي عن موسى عليه السلام وسؤاله عن مقام النبي عليه الصلاة والسلام وتفضيله عليه، وهو من مقامات المحبة، ولكنه مقام مفضول عن غيره من مقامات الكمال، ولذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه راعى دعوة سليمان تلك، وهذا من تمام جلال مقام النبي عليه الصلاة والسلام ومروءته، وكذا ما وفقه الله له من عظم مقام العبودية عن مقام الملك، مع ما جمع الله له بين المقامين في كثير من الأحوال، فكانت حاله أكمل كما مقامه أكمل.

فيكون قول سليمان الحكيم من جنس قول موسى عليه السلام: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير، وقول أيوب: لا غنى لي عن بركتك، والطمع في الله ليس بمذموم: وادعوه خوفا وطمعا. ولا يقدح في ذلك ما تقدم من أنه سأل الدنيا، لأنه بالمعنى السابق، فهذا من جنس عطية ذي القرنين، فقط أثنى الله عليه أنه: (مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا، فأتبع سببا)، ثم كانت سيرة ذي القرنين المعروفة الحسنة في ذلك الملك، وكذا سيرة سليمان الحسنة في ذلك الملك وإقامة حكم الله فيه وتوحيده، كما قص القرآن من شأن سبأ، وقصص بني إسرائيل، وغير ذلك، وهذا غاية الدنيا وكمال الحال فيها، فلا يذم.
مجرد مدح ترك الدنيا: ليس في كتاب الله ولا سنة رسوله.
ولا تنظر إلى كثرة ذم الناس الدنيا ذما غير ديني؛ فإن أكثر العامة إنما يذمونها لعدم حصول أغراضهم منها.
فإنها لم تصْفُ لأحد قط، ولو نال منها ما عساه أن ينال.
وما امتلأت دارٌ حَبْرَةً، إلا امتلأت عَبْرَةً.
فالعقلاء يذمون الجهال الذين يركنون إليها، ويظنون بقاء الرياسة والمال وتناول الشهوات فيها، وهم مع هذا يحتاجون إلى ما لا بد لهم منه منها.
وأكثرهم طالبٌ لما يذمُّه منها.
وهؤلاء حقيقةُ ذمِّهم لها ذمٌّ دنيوي لما فيها من الضرر الدنيوي، كما يذم العقلاءُ التجارةَ والصناعة التي لا ربح فيها بل فيها تعب، وكما تذمُّ معاشرةَ من يضرك ولا ينفعك في التزويج بسيئة الخلق ونحو ذلك من الأمور، التي لا تعود مضرتها ومنفعتها إلا إلى الدنيا أيضًا.
ولا ريب أن ما فيه ضرر في الدنيا؛ مذموم إذا لم يكن نافعا في الآخرة، كإضاعة المال والعبادات الشاقة التي لم يأمر الله بها ولا رسوله.
وما فيه منفعة في الدنيا؛ مذموم إذا كان ضارا في الآخرة، كنيل اللذات وإدراك الشهوات المحرمة.
وكذلك اللذات والشهوات المباحات إذا حصل للعبد بها وهن وتأخير في أمر الآخرة وطلبها.
وما كان مضرا في الدنيا والآخرة؛ فهو شر وشدة.
وما كان نافعا في الآخرة؛ فهو محمود، وإن كان ضارا في الدنيا، كإذهاب النفوس والأموال.
فأكثر ذم الناس للدنيا ليس من جهة شغلها لهم عن الآخرة، وإنما هو من جهة ما يلحقهم من الضرر فيها، وهي مذمومة من ذلك الوجه.
وأعلى وجوه الذم: هو ما شغل عن الآخرة.
ولكن الإنسان قد يعدد المصائب، وينسى النعم. فقد يذم أمورا كثيرة لمضرة تلحقه، ويكون فيها منافع كثيرة لا يذكرها.
وهذا الذم من نوع الهلع والجزع.
ابن تيمية.
الداء قديم، والدواء واضح، والطبيب جبان، والمريض جاهل متجاسر، يقتل نفسَه.
ربنا بيقول (وإن منكم إلا واردها) هو كده كلنا لازم هنخش النار ولا إيه؟

ج/ وإن منكم إلا واردها. يعني يصل إليها ويمر عليها، كما قال تعالى عن موسى (ولما ورد ماء مدين)، وقد وصل إليه ولم يشرب منه لما وجد المرأتين تذودان.

وذلك الورود على النار هو ما يكون على الصراط لأن الصراط يضرب على متن جهنم، من وقع عنه وقع في النار. ومن نجا فقد نجا، وهذا قوله تعالى عقب ما سبق: (ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا).
نقد ميثودولوجي سوسيومعرفي بيداغوغي حول استعمال المصطلحات الفكرية غير العربية :D

س: ما المعيار الذي يقاس به كون المثقف مثقفًا حقًّا، أم متعالمًا يخفي جهله؟

ج: هو فقط البحث المضموني معه فيما يقدمه من مادة ثقافية.

أما إذا كان المعيار : مجرد استعمال التراكيب والمصطلحات المعرفية الحديثة التي لا يعرفها كثير من الناس:

فكذا المتحدث بالعربية الفصيحة - مجرد الفصيحة، وليس الفصحى العالية - فإنه يعسر على أغلب الناس كما هو مشاهد أن يفهموا عليه كل كلامه، وكذا على من يطرح بحوثًا أو معلومات تاريخية لا يعرفها الغالب، ومن يستعمل المصطلحات الكلامية أو النحوية أو الأصولية أو الفقهية أو الفلسفية أمام من لا يعرفها، ومن يطرح صورًا فنية ورسومات أمام غير خبير بها، ومن يطرح كشفًا علميًّا أو منجزا تقنيًّا أمام غير متخصص فيه أو مهتم به.
فما الذي اختص الأول - صاحب المصطلح الديماغوغي والنيوليبرالي والبراجماتي - بأن يكون متعالمًا يخفي جهلَه، أو متكبرًا يستطيل على الناس بمعرفته، دون الباقين، والحال أنهم لم يختلفوا إلا في المادة ، لا المبدأ - وهو طرح ما لا يعلمه كثير من قارئيه قبل أن يقرأوه له -؟

فكل هؤلاء لا يفهم عليهم أغلب الناس ما يريدونه جملة، أو على نحو مطابق، ولا يعلمون كل ما يقوله قبل أن يقوله - بطبيعة الحال، وإلا ما كان هو مثقفًا، وهم عامة، أو دونه ثقافةً، أو غير مقفين في المجال الذي يتكلم فيه.

ولا أنكر أنه يقع لأصحاب الاصطلاح خللٌ في ذلك الاستعمال، لكن ذلك الخلل ليس في مجرد الاستعمال، وإنما يكون في حالين:

الأول: أن يكون استعمالها غير مطابق لمضمونها، وإنما هو لإضفاء قيمة ثقافية على مضمون غير مطابق - أو مخالف وهذا أسوأ - لذلك الاصطلاح.

الثاني: أن يكون استعمالها مطابقا لمضمونها، لكن يغني عنه - على نحو مطابقي - = غيره، فإنه يستحب - وقد يكون الأصل إن كان الخطاب جماهيريا - أن يكون التعبير بأيسر ما يفهمه الناس.
وهذا الثاني خفيف، لأنه لا يلزم أن يكون المتكلم يريد بكلامه غير من يفهم عليه من أهل اصطلاحه ومجاله، وليس كلامه للعامة. فهذا كله من باب سياسة العلم، لا الصواب والخطأ.
وقصارى هذا الثاني على كل حال أنه عيبٌ أسلوبي، ما لم يكن الاصطلاح المتروك شرعيًّا يلزم من تغييره تغيير شيء من مضمونه. فلا يعيب ذلك صاحبه من جهة المادة الثقافية والمكنة العلمية على كل تقدير.

ولي تأصيل كتبته سابقًا في تصحيح استعمال تلك المصطلحات الغربية، وبيان وجاهته، وموافقته للعربية الأولى، واللسان الأول، وتصرفات سلف الأمة وأئمتها.

فيبقى، يا صاحبي، الوقوف على الخلل الذي يقع لأصحاب المصطلحات بتحليل مضمون كلامهم، للوقوف على نوعي الخلل المذكورين فوق، أو أحدهما، لا مجرد العيب باستعمال المصطلح، فإنه في نفسه مما لا يذم ولا يمدح، بل هو مجرد آلة محضة لتوصيل المعنى، مثله كمثَل رسوم التعابير في الفيسبوك، تمامًا، الفرق بينهما فحسب هو في التعبير عن القيمة الثقافية في الأول، والقيمة الشعورية في الثاني.
ولا يكون وصف كلامهم بالخلل، أو التعالم والتثاقف والتكبر والجهل = بمجرد ذلك الاستعمال.
أما إن كنت لا تعرف تلك المصطلحات، ومن ثم يضيق ذَرْعُك بها وبمن يستعملها؛ فالحل إما ألا تقرأها، وإما أن تتعلمها، لتفهم على من يستعملها، وليكون نقدُك له نقدًا علميًّا صحيحًّا، لا من جنس الضَّجَر الذي يصدر من الطفل الذي لا يفهم معادلات الكيمياء، فيصف الكيمياء بأنها (مادة سخيفة وخلاص).
صدقوني هذا أنفع لنا جميعا من استغلال جهل الناس في الاصطفاف في صفوفنا ومتابعتنا على كُرهِنا وحُبِّنا للآخرين.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.

=
أصل المادة إعادة نشر (2014)
كانوا مع حسن القصد، وصحة النية غالبًا، يخافون من الكلام، وإظهار المعرفة والفضيلة، واليوم يُكثرون الكلام مع نقص العلم، وسوء القصد، ثم إن الله يفضحهم، ويلوح جهلهم وهواهم واضطرابهم فيما علموه، فنسأل الله التوفيق والإخلاص.

الإمام الذهبي.
قال الإمام الشعبي رحمه الله:
زَيْنُ العلمِ حِلْم أهلِه.
الرسول كان غني أم فقير ماليا ؟

ج/ الرسول أغناه الله بنص القرآن، وذلك قبل البعثة بكفالة من كفله، ثم بتزويجه خديجة عليها السلام وما كانت فيه من الثراء، ثم بما فرض الله له صيانة لجنابه الشريف من الأخماس والحقوق الشرعية، وقد تمّ ذلك بعد نحو أربع سنين من الهجرة لما كثر الجهاد وزادت حقوقه، وبذلك يجاب على ما ورد في بعض الأحاديث الثابتة من عسرته في بعض الأحيان في السنين الأولى بعد الهجرة قبل أن يشرع الجهاد،

فالإنصاف والصحيح من كلام العلماء في ذلك أن يقال إنه بعد الهجرة والجهاد كان غنيًّا بالقدرة والتصرف، وكان يجتمع عنده من المال الشيء الكثير، وهذا العباس أخذ من أمامه من المال ما يحمل إنسان قدر طاقته من دنانير الذهب، ولو قيل إن هذا كان عشرين كيلو فحسب، فهذا ملايين كثيرة،

ولكنه لم يكن واجدا للمال في كل حال بسبب نفقته في سبيل الله، وعدم رده السائل حتى لو سأله رداءه، وكان لا يستحل أن يبيت وفي بيته مال يوما أو يومين، وكانت مصارفه الشرعية من الأخماس ونحوها يجعل منها قوت أهله طعاما في أكثره، وينفق أكثرها في سبيل الله أيضا،

ومنع الشرع من إرث ماله وأراضيه، وأوجب عليه في أصح القولين نفقة ما عنده في الليلة والليلتين، ومات وكانت درعه مرهونة، وله مواعيد وهبات أنفذها أبو بكر كما في الصحيح، وكل ذلك ليدفع عنه الشرع الشريف الظنة والتهمة، وليكون خفيفا من حملها في الدنيا والآخرة، ويكون له ذخرها في الآخرة.