النبراس
96 subscribers
496 photos
127 videos
265 files
49 links
قناة
ثقافية توثيقية
Download Telegram
يعتبر معهد بخت الرضا الذي هو بمثابة أب المعاهد التربوية في السودان، ويجدر بنا أن نذكر أن فكرة معاهد التربية كان الغرض منها إصلاح التعليم في السودان. حيث إنه في أواخر عام 1932م تقدم السيد ج. س. سكوت المفتش الأول للتعليم في السودان آنذاك بمذكرة لمدير المعارف وضمنها أفكاره في إصلاح التعليم في السودان([7]) وبعد ظهور هذه المذكرة قام الحاكم العام بتعيين لجنة عرفت بلجنة (ونتر) ضمت خمسة أشخاص، وعين مستر د. ف. ل قريفث الذى أصبح أول عميد لمعهد التربية بخت الرضا سكرتيراً لها. وقد كُلفت هذه اللجنة بالنظر في الآتي:

أولاً: إعادة النظر في نظم التربية والتعليم لمدارس شمال السودان واقتراح الخطوات اللازمة لتتوافق نظم التعليم مع الإحتياجات العملية للبلاد.
ثانياً: اقتراح أي إجراءات يمكن إتخاذها في المستقبل القريب لتدريب السودانيين في المصالح الإدارية والفنية التابعة للحكومة بهدف زيادة طاقتهم وفتح الطرق أمامهم.

بعد الفراغ من المداولات أوصت اللجنة بأن تقدم كلية غردون تعليماً ثانوياً عاماً لمدة أربع سنوات، وأن يعاد تقويم المعلم في المرحلة الأولية، وأن يقام مركز تدريب في منطقة ريفية بدلاً عن مدرسة العرفاء بالخرطوم، فكان ميلاد بخت الرضا في عام 1934م.([8])

من خلال ما سبق نلاحظ أن السبب في قيام معهد بخت الرضا يعود إلى التوصيات التى رفعها مستر اسكوت مفتش عام التعليم في عهد الانجليز والذي قام باعداد مذكرة اضافية في عام 1933م عدد فيها مقترحاته لاصلاح حال التعليم.وانتقدت المذكرة نظام التلقين والحفظ الموروث الذي انتقل من الخلوة حتى المدارس الوسطى، واقترح انشاء كلية لتدريب معلمين المدارس الاولية يكون من ضمن اهدافها ابداء دراسة من قبل تعليمين لهم معرفة كافية بالاسلام وتاريخ العرب والاداب والتقاليد، واصلاح شروط خدمة المعلمين، وانشاء مدرسة زراعية تشجع المزارعين السودانين على تحسين وسائل الزراعة،والاهتمام بتعليم الكبار من خلال المكتبات المتنقلة والسنما اضافة الى اعادة تنظيم ادارة التعليم بتقسيم شمال السودان الى اربع مناطق تخضع كل واحدة منها لمفتش يشرف على الابحاث والتجارب والاصلاحات.[9] ولتحقيق هذا الغرض تم نقل معهد تدريب معلمي المرحلة الأولية من الخرطوم إلى بخت الرضا التي تقع على بعد ثلاثة كيلومترات شمالي مدينة الدويم، كان مؤسسو بخت الرضا يؤمنون أن المدرسين يجب أن يتدربوا في وسط ريفي، وانصب جل همهم في البحث عن مكان مناسب لكلية صغيرة لتدريب المعلمين تكون رائدة لنهضة تربوية، ([10])كانت بخت الرضا بمثابة النقلة التاريخية في مسيرة تطور التعليم العام في السودان من 1900م إلى 1956م وأدى معهد بخت الرضا دوراً بارزاً في تطوير التعليم ومؤسساته. وكانت أهداف إنشاء المعهد في بدايته تنحصر في خمسة دوافع هي:

جعل التعليم الأولي تعليماً ريفياً يرتبط بالريف وضع الكتب و المناهج التي تخدم هذا الغرض.
إعداد كتب مناسبة للتلاميذ ومراشد للمعلمين.
خلق خدمة تعليمية في محيط ريفي بمستوى أكاديمي ومهني عالي.
القيام بدورات تدريبية تجديدية للمعلمين العاملين لتحسين أدائهم وتمكينهم من تدريس المناهج الجديدة.
التجريب.([11])

بعد ستة اشهر من مذكرة اسكوت عين مجلس الحاكم العام لجنة للنظر في النظام التعليمي في شمال السودان،ونجح كبير المفتشين في مصلحة المعارف وباصرار شديد على توسيع صلاحيات اللجنة لتشمل مسحا للتعليم الاولي.تكونت اللجنة برئاسة ونتر مدير مصلحة المعارف وهارولد ماكمايل السكرتير الاداري وعضوية فاس وماكريقر وعين المستر غريفث سكرتيرا للجنة، ورأت اللجنة ان الكتاب يعتبر اهم مدرسة في القطر والاساس الذي ينبني عليه بقية النظام التعليمي وان حجر الزاوية في اصلاحه وجود مدرستين مقتدرتين.كما ان مدرسة التدريب الموجودة حاليا في الخرطوم غير مقنعه. فخر بجوها لابد ان يدربوا في البيئة الريفية التى سيعملون فيها لاحقا [12]

قبلت حكومة السودان الإنجليزية أنذاك توصيات اللجنة وتأسست بخت الرضا.من خلال ماسبق ذكره يتضح أن الأجواء كانت مهيأة لقيام معهد تربية لإعداد المعلمين لتنفيذ التوصيات التى خرجت بها اللجنة المكلفة لتطوير التعليم في السودان، لذلك ارتبطت فكرة إنشاء بخت الرضا بلجنة ونتر التي اعادت النظر في سياسة التعليم، والتى خرج فيها المستر جزسزسكون المفتش الأول للتعليم بالمذكرة المعروفة التى انتقدت سياسة التعليم السودان وإعداد المعلمين، لكن أهم التوصيات التى خرجت بها هذه اللجنة هي أن يقام مركز تدريب في منطقة ريفية بدلاً من مدرسة العرفاء في الخرطوم.[13]
في عام 1949م بدأت في بخت الرضا دراسة تدريبية لمدرسي المدارس الوسطى مدتها سنتان، وبذلك يكون معهد بخت الرضا قد تجاوز الإنحصار في التعليم الأولي فقط. وإلى جانب ذلك تولت بخت الرضا مهمة التفتيش الفني في المدارس الوسطى والأولية.([14]) كانت البداية الفعلية للمعهد بمدرسة مبروكة لتدريب معلمي المدارس الأولية وإعداد هم ومدة الدراسة بها خمس سنوات. ومن ميزات مدرسة مبروكة أنها كانت تضم تلاميذاً من شتى بقاع البلاد ومعظمهم من مناطق ريفية، وكانت بالمعهد مدرسة إبتدائية من إجل تنفيذ برامج المعهد في مسألة تدريب المعلمين وتجريب المناهج الجديدة، وبجانب ذلك كانت هنالك كلية المعلمين ومدرستان متوسطتان تتيحان الفرصة لتمرين المدرسين بكلية المعلمين ولتجربة المناهج الجديدة، كما تجري فيها دروس المعاينة والتمرين باستمرار.

أهداف معهد بخت الرضا:

تلخصت اهداف بخت الرضا في اول عهدها في الاتي:

1/تدريب معلمين المدارس الاولية.

2/وضع مقررات وكتب للتلاميذ ومراشد للمدرسين الاولية بدلا عن سابقتها التى كانت سائدة انذاك.

3/ تنظيم دورات تجديدية للمعلمين الذين لم يتلقوا تدريبا ببخت الرضا من اجل تحسين قدراتهم وتمطينهم من مواكبة تدريس اجزاء من المقدرات الجديدة.

4/ ترييف التعليم الاولي،ووضع المناهج والكتب التى تخدم اغاراض الترييف .

تم تنفيذ فكرة بخت الرضا بالرغم من الصعوبات المالية والشكوك في سداد الفكرة وصحتها.,فشيدت في البداية مباني ادارة المعهد الحالية كفصول للمدرسة كما شيدت بعض المنازل للمعلمين،ومنزل للعميد،وشيدت داخليات للطلاب ومنازل العمال من الغش وكانت الداخليات تشغل موقع مباني المركز الثقافي لطلاب كلية المعلمين الوسطى ومحل مباني كلية المعلمين الوسطى (السنتين).[15]

5/المشاركة في تنمية المحتمعات المحلية.

اذا كان الهدف من انشاء معهد بخت الرضا في مدينة الدويم هو تدريب المعلم على العمل في ظروف الشدة وهو يعمل معلما بالمدارس الاولية اساساً وينبع هذا الاهتمام بالمعلم حتى يكون مؤهلاً ويجب أن يتوفر الأتي:

أن يكون مزوداً بثقافة علميه ومهنية.
أن يتحلى بكل الصفات النفسية والاجتماعية الحميدة التى تكفل له النجاح في مهنته.
أن يكون ملماً بالمادة التى يدرسها محبا لتلاميذه،مؤمناً بها.
أن يكون مخلصاً في أداء واجبه.ويكون قوي الإرادة حازماً وقادراً على ضبط نفسه،هادئاً ، وأن يكون مطلعاً على واقع الحياة الاجتماعية في مجتمعه ويسعى في حلها، وأن يبذل جهداً لجعل تلاميذه يستمتعون بسلامة البدن ونمو العقل وبسمو الخلق وتحمل المسؤلية.[16]

هكذا كان الاهتمام بالمعلم في مرحلة الابتدائي،لإخراجه معلماً مؤهلاً تأهيلاً يمكنه من العمل في كل بيئات السودان المختلفة،ولعلنا نلاحظ أن اختيار منطقطة بخت الرضا تم على أساس أنها منطقة ريفية معزولة عن مدينة الدويم ، وتتوافر فيها كل مقومات البيئة الريفية التى كانت سائدة في جميع أنحاء السودان آنذاك، فكان يتم إعداد المعلمين في المعهد ومن ثم إرسالهم إلى الريف السوداني للعمل هناك وتدريب التلاميذ وتعليمهم، فكانوا لا يجدون اختلاف بين بيئة بخت الرضا، والبيئة التي يعملون بها،وهذا بدوره كان له أثراً فعالاً في أداء المعلم.

لقد كان تأسيس معهد التربية ببخت الرضا نتيجةً مباشرةً للدراسات والتوجيهات التي تقدمت بها لجنة ونتر، والتي أوصت بضرورة مراعاة أن يتدرب المعلم في وسط ريفي يبعث فيهم الاهتمام بالحياة الريفية ويعودهم على تحمل المشاق، وقد اُقتُرِحت أماكن عُدة لموضع المهعد ووقع الاختيار على موقعه الحالي، ففي أكتوبر 1934م ، نقل معهد تدريب معلمين المدارس الأولية في الخرطوم إلى بخت الرضا التي تقع على بعد ثلاثة كيلو مترات شمالي مدينة الدويم ، وقد تضافرت عدة عوامل لاختيار هذا الموقع منها:

1/ وجود مشروع هناك لتدريب تلاميذ المدارس الأوليه كان يعتبر فريداً من نوعه ، إذ كان يهدف إلى تحسين التدريب والإرشاد الزراعي بمشاريع ري الطلمبات وكان علم الزراعة من بين المواد التي تدرس في المدارس الأولية، كما كان الطلاب يمنحون خططاً زراعيةً لزراعتها بإشراف ضباط الزراعة .

2/ وجود مدرسة داخلية بها عدد من أبناء زعماء العشائر من كل أنحاء السودان.

3/ الحماسة التي ابداها أهل مدينة الدويم، وذلك بتنازلهم عن الأراضي الزراعية والمساهمة في تشييد المباني.

4/ موقع الدويم في وسط السودان.

5/ سهوله إقناع أهل الدويم بالتعليم وتجاوبهم في تمكين الحصول على عدد كافي من الأطفال الصغار لإمداد المدرسة الأولية للتدريب والتجريب .

6/ سهولة الحصول على أراضٍ زراعيةٍ تسقى بالآلات والمطر.

كانت الدويم آنذاك مدينة تجارية زراعية ، وهي تقع على الضفة الغربية لنيل الابيض على بعد 120 ميلا جنوب الخرطوم ويمكن الوصول إليها عن طريق البواخر التي تستغرق يومين من الخرطوم أو عن طريق العربات في خمس ساعات .[17]
توصيف مباني إدارة المعهد:
قد كان لإفتتاح كلية غردون في عام 1902م الأثر العظيم في وضع اللبنات الأولى لتطور التعليم بصورة مطردة في السودان، حيث شكلت هذه الكلية النواة الأولى، ومنها تخرج معظم الرعيل الأول الذي قاد البلاد فيما بعد للإستقلال. وأُنشئت مدرستان إبتدائيتان إحداهما في سواكن، والأخرى في حلفا عن طريق التبرعات التي جمعها كتشنر من المواطنين في بريطانيا.([1]) ومن ثم بدأ التعليم الحديث في السودان يجد بعض الاهتمام من الإدارة البريطانية ، ففتحت المدارس الأولية ووضع سلماً تعليمياً ثلاثياً، كل مرحلة فيه أربع سنوات، وقامت التربية على مفهوم ذاتي يعتمد على تذويد الفرد بمجموعة من المعارف والمعلومات النظرية، وهكذا شهد السودان في بداية الحكم البريطاني ميلاد لنظام تعليمي جديد وضعه وخطط له اللورد كرومر، وكتشنر وبخت الرضا، ووضع أهدافه وقام بتفيذه السيد جيمس كري، أول مدير لمصلحة المعارف السودانية عام 1900م، وقد تلخصت أهداف التعليم أنذاك في الأتي:

نشر قدر من التعليم بين أبناء الشعب يُمكِنهم من فهم الأسس التي تقوم عليها الإدارة الحكومية، وخاصة فيما يتعلق بالمساواة وعدم التحييز في إدارة القضاء.
إيجاد طبقة من الصناع المهرة الذين تفتقر إليهم البلاد.
إيجاد طائفة من الإداريين من الأهالي الأصليين لملء الوظائف الإدارية الصغرى في الحكومة، وكان ذلك بهدف إحلال هؤلاء محل المصريين والسوريين في الجيش، والوظائف الحكومية الصغرى. وعلى ضوء هذه الأهداف وضع جيمس كري السلم التعليمي الثلاثي في السودان.[2]

هذا ما كان يتعلق من أمر التعليم، أما فيما يتعلق بأمر تدريب المعلمين، فقد اهتمت الإدارة الإنجليزية بتدريب الكوادر التعليمية(الاساتذة)، فأنشأت في العام 1900م أول كلية لتدريب المعلمين والقضاة بأم درمان وسميت عام 1902م بمدرسة (العرفاء)، أو قسم العرفاء بكلية غردون التذكارية (جامعة الخرطوم حاليا)، وخًرّجَت خمسة معلمين عام 1905م، وكان أساتذة مدرسة العرفاء يُختارون من مصر والشام وبريطانيا، ويختار الطلاب للمدرسة ممن أكملوا تعليمهم الأولي (الكتاب) بنجاح، ويتلقون تدريباً لمدة ثلاث سنوات في طرائق التدريس، ويتدربون بمدرسة الكتاب بالخرطوم والمدارس المجاورة، ويتم التدريس بواسطة أربعة من معلمين المدارس الإبتدائية (الوسطى) تحت إشراف ناظر مدرسة الخرطوم الإبتدائية الذي يقدم محاضرات للدارسين في مواد محددة.[3]
نشأة وتطور معهد التربية ببخت الرضا:

لايتم الحديث عن بخت الرضا بمعزل عن اهم شخصيتين لهما دوراً رئيساً وعظيماً في سبيل نشأة وتطور ذلك الصرح التعليمي الشامخ بخت الرضا، وهما البريطاني مستر قريفث Griffith والأستاذ ومربي الأجيال عبدالرحمن علي طه الذي صار فيما بعد أول وزير معارف سوداني في عهد الإستقلال حيث لعب الأستاذ عبدالرحمن علي طه دوراً بارزاً في مسيرة التعليم في السودان.وسوف نبدأ بالمستر قريفث بإعتباره المؤسس.

مستر قريفث(Griffith):

عندما ناتي للحديث عن نشاة وتطور معهد التربية بخت الرضا،1934-1995،لابد من الحديث عن الرجل الذى كان له اليد العليا في نشأت وتطور معهد التربية بخت الرضا وهو المستر قريفث.

تخرج مستر قريفث في كلية كبيل باكسفور عام 1923م وعمل اربع سنوات بكلية سانت اندروز بالهند،وبدا عمله بالسودان مفتشا للتعليم بمصلحة المعارف.جاء قريفث الى السودان يحمل معه تجاربه الثرة من الهند والهامه بجوانب فلسفة غاندي التربوية ذات الطابع الريفي، وكتب قريفث العديد من الكتب بالاشتراك مع ذراعه الأيمن الأستاذ عبدالرحمن علي طه.(ف.ل.قريفث)، بتجربة التعليم رواية لمحاولات تحسين تعليم البنين في المراحل الأولية بالسودان الانجليزي.[4] وللحق كان لهذين الرجلين دوراً رئيساً في قيام معهد التربية بخت الرضا، وبالتالي كل الفوائد التعليمية التى قدمها هذا المعهد ليس للسودان فقط، وإنّما لكل بقاع إفريقيا بصورة عامة، هذا بالإضافة إلى وضع الرياده الذي حاز عليه السودان في مجال تدريب وإعداد المعلمين.قبل الخوض في موضوع النشأة والتطور، لابد من التعرض لأصل تسمية المعهد ببخت الرضا، ومن أين جاءت هذه التسميه، وماهو أصل (الرضا)؟ وهذا ماسوف نستعرضه في السياق التالي:

أصل تسمية بخت الرضا:

يرجع الأصل في اسم بخت الرضا الى إمراة عجوز كانت تحرس مطامير الذرة (مخازن العيش)، في المكان الحالي(بخت الرضا)، ثم تجمعت بعض المباني حول هذا المكان وورثت الاسم عنه.[5]

غير أن الروايات الشفاهية لسكان مدينة الدويم التى قام بها معهد بخت الرضا، تقول بأن أصل التسمية يرجع إلى إمراة اسمها الرضا، وكانت تقطن منطقة المعهد وعندما كان مستر غريفث يبحث عن مكانه لإنشاء المعهد وقع اختياره على المنطقة التى تقطن فيها المرأة التي تسمى الرضا، والتى قبلت بأن يتسمى المعهد باسمها، وكلمة (بخت)، تعني بالعامية السوداني( حظ) ، وبناءاً على ذلك فإن اسم بخت الرضا يعني حظ الرضا لانه المعهد تسمى باسمها. [6]

نشأت معهد التربية بخت الرضا:
كانت مباني إدارة المعهد كفصول لمدرسة المعلمين الأولية، وكانت مباني الإدارة عبارة عن مبنى واحد من الطين والقش، سقفه من الزنك (مُلقم) بالبروش لتخفيف حرارة الزنك، ويطلق عليه المبنى الرئيسي، ويحتوي هذا المبنى على الفصول من الأول إلى الخامس، ومكتب العميد مستر قريفث، ونائبه الأستاذ عبد الرحمن علي طه، يشمل المبنى كذلك مكاتب المعلمين، ومكتبة التسليف بالبريد، والحسابات، والكتبة وقاعة الاجتماعات، وأمام المبنى مسرح صغير في شكل نصف دائرة، كما أن المباني جميعها من الطين والقش، كمنازل المعلمين، وداخليات الطلاب، وفي العام 1948م، تحول جميع الطلاب من ذلك المبنى الرئيسي إلى مبروكة للدراسة والسكن بالداخليات، ثم يتم تحويلهم إلى بخت الرضا للصف السادس للدراسة والتدريب.[18]

وحدة المناهج والبحث التربوي:

أما مسالة إعداد المناهج الجديدة فكانت من هموم الشُعب المختلفة ،وعادة ما يقوم رؤساء الشُعب بالمعهد بتأليف الكتب المدرسية، وهي من المآخذ التي أخذت على مناهج المعهد(الاحتكار)، بجانب المبالغة في التأكيد على التجربة بعد الإستقلال، وفي عام 1957م قام أول فوج للتفتيش من بخت الرضا إلى مدارس الجنوب الإولية. واستفاد المعهد في عام 1960م من مال المعونة الأمريكية في تنفيذ بعض برامجه حيث أجريت تجربة المدرسة ذات الفصلين. نظم المعهد بالتعاون مع قسم التعليم بإدارة العون الأمريكي حلقة تعليم المدرسين في مدرسة وادي سيدنا في مايو 1962م حضرها سبعون معلماً من مختلف مراحل التعليم السودانية. كانت مهمة كلية المعلمين الوسطى ، إعداد معلمي المدارس الوسطى، وكانت يُلحق بها الحائزون على الشهادة الثانوية السودانية أو ما يعادلها، وكانت هناك كليات للمعلمات بأمدرمان مهمتها إعداد المعلمات، وسوف نتحدث عنها بالتفصيل في قسم تعليم البنات. ومع توسع التعليم بعد الإستقلال ازدادت الحاجة إلى تدريب المعلمين بصورة جيدة ليواكب التوسع الكمي مع المحافظة على الجودة. لذلك أخذ المعهد في التوسع بإنشاء فروع تابعة له في مناطق أخرى فتم إنشاء فرعين في كل من شندي والدلنج، ثم في كسلا ودارفور في عام 1963م وازداد عدد الأنهر في المعاهد الجديدة.([19])

تعتبر إدارة المناهج بمعهد التربية بخت الرضا من أقدم الإدارات في هذا المجال على النطاق المحلي والإقليمي، وقد ساهمت بشكل فعال في وضع المناهج التربوية التي اعتمدت عليها السياسة التعليمية في السودان الحديث عبر مراحله المختلفة، ولا تزال إدارة المناهج والبحوث بمعهد التربية بخت الرضا هي الجهة المسؤولة حالياً عن تطوير المناهج التربوية والتعليمية في السودان.

لوائح قبول الطلاب بمعهد بخت الرضا:

يخضع قبول الطلاب لبخت الرضا إلى لوائح ونظم مشددة، وذلك حسب العام الذي يُطلب القبُول به، فهناك التلاميذ الذين يُقبلون بالسنةِ الأولى في منطقة مبروكة وهي شمال المعهد، (أنظر خريطة المعهد في ملاحق الدراسة)، وهؤلاء يبدأ قبولهم من المدارس الأولية ثم يخضعون لمعاينة يتم فيها قبُول صفوة الصفوة منهم، وعند وصولهم للسنة الخامسة يُسمَون ب(خامسة غرب).[20]

هذا فيما يختص بالقبول للمرحلة الأولية، أما فيما يختص بالقبول للمرحلة الوسطى، يتم قبُول الطلاب ب(خامسة شرق)، وذلك عن طريق لجنة خاصة للمعاينات على أُسس تربوية مُعينة مع مراعاة المستوى التعليمي والرغبة الصادقة للمهنة، كما أن المعهد في هذه المرحلة يضم طلاباً أجانب من أنحاء مختلفة خارج السودان مثل: عدن، حضرموت، الصومال، نيجيريا وجزر القمر.[21]

إعداد المعلمين:

مدرسة مبروكة لإعداد المعلمين:

أُطلق هذا الاسم على المدرسة بناءً على قرية مجاورة للمعهد من جهة الشمال تُسمى مبروكة، على نسافة كيلو مترات قليلة من المعهد، وهي من منظومة المدارس التي تتكون منها خارطة بخت الرضا الإدارية، مبروكة، سادسة، النيل الأبيض الوسطى، الريفية، الوسطى، الدويم الوسطى، المدرسة الأولية (أنظر خريطة المعهد بملاحق الدراسة). ومبنى مبروكة يتكون من عدة فصول ومكاتب للأساتذة: مكتب المدير، نادي صغار المزارعين، حجرة التربية الفنية، حجرة النجارة، المسرح، ملاعب السلة والكرة، كما يقع شرق ملعب القدم حوض السباحة، (أنظر ملاحق الدراسة، صورة لحوض السباحة)، ومن الناحية الغربية للمبنى أربع داخليات، بها مكاتب لأباء المنازل: الزبير، عنجة، دقنة، النجومي .....ألخ، وقد سميت هذه المنازل بأسماء القواد والأبطال في تاريخ السودان، وتقع غرب هذه الداخليات، منازل الأساتذة، منازل العمال، كما تقع غرب منازل العمال والموظفين، الأراضي الزراعية لمبروكة التي يقوم الطلبة بزراعتها حسب المواسم، ذرة أو قطناً في شكل أنقايات أي (قطع)، إذ أن لكل طالب أنقاية أي قطعة من الأرض يزرعها ويجمع محصولها ويسلمه للجنة صغار المزارعين بإيصال ويستلم استحقاقاته بعد ذلك، ويضعها في حسابه لدى بنك صغار المزارعين، الذي تديره لجنة منتخبة من الجمعية العمومية للطلبة، ويشرف على البنك مدير وعاملون تحت لوائه.[22]
في العام 1948م نُقِلت مباني الكلية إلى مبروكة لتكون كلية المعلمين الأولية، ذات الست سنوات، خمس منها بمبروكة وسنة واحدة بسادسة، وهنا اتبعت بخت الرضا أساليب وتجارب متعدد لتطوير الأداء لمعلمي المرحلة الأولية.[23]

تنقسم الدراسة بكلية المعلمين الأولية إلى ست سنوات، من حيث طبيع المنهج وعدد السنوات إلى قسمين: الأول: القسم الأكاديمي مبروكة ومدة الدراسة فيه خمس سنوات تبدأ بالسنة الأولى وتنتهي بالخامسة وتتم الدراسة في هذا القسم بمبروكة. الثاني: الإعداد المهني (سادسة)، ويتم في السنة السادسة في مباني سادسة وتقع بالناحية الجنوبية الشرقية للمعهد (إدارة المناهج حالياً).[24]

ويُقبل للقسم الإعدادي بمبروكة الطلاب الذين أكملوا المرحلة الأولية بنجاح، ويتم اختيارهم من كافة أنحاء السودان بنظام الكوتة، أوتخصيص عدد معين من الفرص لتلاميذ كل منطقة مع الوضع في الاعتبار المناطق المتخلفة عن ركب التعليم، وكان يشترط عند اختيار التلاميذ للسنة الأولى ألا يزيد عمر التلميذ من 13 سنة ولا يقل عن 11 سنة، ويشترط أن يكون قد نال شهادة في مستوى حسن في إمتحان الدخول للمدرسة الوسطى.[25] ومستوى جيد في مادتي اللغة العربية والحساب، وتعطى الأفضلية للتلميذ ذو المهارة الفنية أو الرياضية، ويراعى عند الإختيار سلامة الأجسام من العاهات، ويطلب إبراز شهادة الميلاد أو التسنين، ويقبل التلاميذ بالمجان.[26]

المناشط الطلابية:

ويتلقى هؤلاء الطلاب ضروب شتى من العلوم مثل، اللغة العربية، التربية الإسلامية، اللغة الإنجليزية وغيرها، كما يتلقون جرعة من الأنشطة المدرسية الأخرى وفقاً لمناهج وضعتها إدارة المعهد بصورة مُحكمة، يتعلم منها الطالب الكثير، وتسهم في سعة أفقه، وتكوين وصقل شخصيته، بما فيه تحقيق تربية متكاملة، عقلية وجسمية، ووجدانية واجتماعبة، وتجعل منه فرداً متجانساً مع مجتمعه داخل المدرسة وخارجها، وقد اختلفت أوجه النشاط المدرسي فكان منها النشاط الديني، الإذاعة المدرسية، وهنالك النشاط الفني باستخدام الفنون الجميلة والتطبيقية، والصحافة المدرسية، وقد كان النشاط المسرحي يشكل حضوراً دائماً في مناهج التعليم ببخت الرضا، وكذلك الحال بالنسبة للنشاط الرياضي، ونشاط أخر غاية في الأهمية وهو نشاط الجمعيات المدرسية مثل جمعية الإصلاحات حيث يمارس الطالب فيها نشاط النجارة والخياطة، وجمعية العلوم، ونادي صغار المزارعين، وجمعية الأعمال وتنبثق منها جمعية الحلاقة، والبنك، نادي الزوارق، جمعية الثقافة، والتي نزود الطالب بوسائل الثقيف المقروءة أو المسموعة، كما تُحيّ الليالي الأدبية.[27] غير أن أهم نشاط كان هو نشاط المعسكرات وهو جزء مهم من جزئيات التدريب العملي، والخُلُقي، يُحظى باهتمام كبير، ويقوم الطلاب بمعسكرين خلال العام مرة كل أسبوع، أيضاً نشاط الرحلات، وهو يقتصر على طلاب المستوى الخامس، فهم يقومون برحلة سنوية تستغرق ما بين ثلاثة أو أربعة أسابيع، يزورون خلالها منطقتين من مناطق السودان المختلفة يُلِمون بلمحات من تاريخها ويتعرفون على مختلف أوجه النشاط البشري فيها، فيقفون على مدى التطور الذي أصابته تلك المناطق في شتى المجالات.[28] وقد كتب الأستاذ عبد الرحمن علي طه مع مجموعة من أساتذة المعهد نشيداً طويلاً يعكس الفائدة التي جناها طلاب المعهد من نشاط الرحلات نورد مقطعاً منه:

في القولد إلتقيتُ بالصديق أنعم به من فاضل صديقي

خرجت امشي معه في الساقية فيالها من ذكريات باقية

فكم أكلت معه "الكابيد" وكم سمعت "أورو" "الوده"

ودعته والأهل والعشير ثم قصدت من هناك "ريرة"

نزلتها " والقرشي مضيفي وكان ذاك في أوان الصيف

وجدته يسقي جموع الإبل من ماء بئرٍ جره بالعجل. إلخ....... [29]

من المناشط المهمة أيضاً أعياد بخت الرضا، والنشاط الموسيقي، والنشاط المدرسي الريفي أو التربية الريفية، ومن خلالها يتعرف الطالب على إمكانيات البيئة المادية والمعنوية بما في ذلك جغرافيتها، وتاريخها، وحالتها الزراعية والاقتصادية، وإدراك تقاليدها وعاداتها وقيمها ومعاييرها الاجتماعية، ومن مجالات التربية الريفية، تربية الدواجن، والحيوانات المختلفة، وزراعة المحاصيل من أعلاف وخضر وفاكهة ونباتات زينة، والصناعة الريفية، والغذاء والتغذية، والحديقة المدرسية.[30]

كلية المعلمين الوسطى:

سميت كلية المعلمين الوسطى بالسنتين لأن الطالب يمكث بها سنتين ثم يتخرج معلماً بالمدارس الوسطى، وتتكون الكلية من مكتب المدير، وحجرة الفنون، ومكاتب المعلمين (الشُعب)، والمسرح، وقاعة المحاضرات، وعلى الجنوب تقع مكتبة الكلية، أما الداخليات فتقع في الجزء الشمالي من الميدان الرئيسي.[31]
وبعد نجاح بخت الرضا في تجربتها في إعداد معلمي المدارس الأولية، وإعداد المناهج، والكتب الدراسية، ولجت بخت الرضا تدريب معلمي المدارس الوسطى وإصلاح مناهجها، فقد كان يتولى التدريب في المدارس الوسطى خريجي كلية غُوردون الوسطى، وتبعهم خريجون يقضُون عاماً واحداً بعد الثانوي في التدريب على التدريس إلى أن انضم إليهم خريجي المدارس العليا، وفي العام 1939م، أجرت بخت الرضا أولى محاولاتها لتحسين مستوى التدريس بالمدارس الوسطى وذلك في العام 1940م، ثم أخذت بعد ذلك في تدريب خريجي المدارس العليا من كلية غُوردون ليكونوا معلمين بالمدارس الوسطى من خلال استقبالهم في فرقة تجديدية، واستمرت بخت الرضا على هذا المنوال لمدة عشر أعوام، لكنها رُغم ذلك لم تحرز تقدماً ملموساً في توفير العدد الكافي من المعلمين المُدَربِّين، ومن خلال هؤلاء المعلمين وخريجي المدارس العليا، تيسر إدخال التدريب العلمي على التربية الوطنية، وإثارة الاهتمام بالأخلاق بهدف تنشئة الشباب على الإعمال والعوامل المكونة للأمم.[32]

ترجع فكرة إنشاء كلية المعلمين الوسطى إلى العام 1937م، بناءً على اقتراح من السير جيمس كري، فقد تقدم المستر موري أحد أعضاء اللجنة بوجوب إنشاء كلية لتدريب معلمي المدارس الوسطى مماثلة لبخت الرضا، أو ذات صلة وثيقة بالمجتمع على أقل تقدير خاصة وأن نطاق الالتحاق بالتدريس قد ضاق، لأن عدد كبير من مدرسي المدارس الوسطى من خريجي المدارس العليا رفعوا للتدريس بالمدارس الثانوية، ونظراً لإتجاه خريجي المدارس العليا الجدد في المصالح الحكومية وغيرها، دعت الضرورة إلى تعزيز القلة من المعلمين العاملين بتدريس عدد من موظفي الخدمة المدنية الذين أكملوا التعليم للمساهمة في سد النقص الكبير فيها، فضلا عن التوسع المطرد في المدارس الوسطى الحكومية والأهلية على السواء والتي تجاوز عددها الضعف في عام 1949م.[33]ومن هنا برزت الحاجة لإنشاء كلية المعلمين الوسطى (السنتين).

كان هذا فيما يتعلق من أمر نشأة معهد بخت الرضا، من حيث الطلاب وتدريب المعلمين، ووضع المناهج وغيره، وبمرور الزمن اقتضت الضرورة إدخال بعض التغيرات على المعهد لغرض التطوير.
خطوات التطوير في العهود الوطنية:

في أواخر شهر مارس 1967م كون وزير التربية والتعليم لجنة برئاسة عميد معهد التربية ببخت الرضا وقتذاك أحمد حامد الفكي، وكانت مهمة هذه اللجنة بحث سُبل تطوير معاهد التربية ورفع مدة الدراسة فيها ،وضمت تلك اللجنة في عضويتها عدداً من المدرسين ورؤساء الشعب في بخت الرضا، ونُخبة من أساتذة الجامعات، وعدداً من الممثلين لإتحاد المعلمين ،وقد أوصت تلك اللجنة برفع مدة الدراسة في معاهد التربية إلى أربع سنوات بعد المرحلة المتوسطة.([34])

أوصت اللجنة ألا تقبل كلية المعلمين الوسطى إلا من أحرز الدرجة الثانية على الأقل في الشهادة السودانية حيث كان النظام المعمول به في الشهادة السودانية نظام الدرجات وليس النسب. أو بنسبة نجاح 65% فما فوق في الشهادة التوجيهية المصرية. كان الهدف الأساسي من هذه الزيادة رفع كفاءة معلمي المرحلة الأولية للنهوض بمستويات التعليم، والزيادة في مدة الدراسة تعطي المعلم نوعاً من النضوج يساعده في القيام برسالته بصورة أفضل. وعلى ضوء توصية اللجنة أصبحت مدرسة مبروكة كلية للمعلمين في عام 1968م ،وتم قبول أول دفعة لها بالنظام الجديد (أربع سنوات)(*) وكانت البداية عبارة عن فترة تجريب في كل من مبروكة وكليات المعلمات بأمدرمان، ثم عمم هذا النظام على بقية المعاهد حيث ادخل على معهد شندي عام 1969م ثم بقية المعاهد بعد تطبيق السلم التعليمي الجديد في عام 1970م. [35]

في عهد حكومة مايو عقد مؤتمر التربية القومي في عام 1969م وشهد هذا العهد تغييراً في السياسة التعليمية في البلاد وأصبح التوجيه السياسي للتعليم سمة غالبة على سياسات الحكومة التعليمية إبتداء من إعلان مسألة التوجه الإشتراكي التى أعلنها رئيس وزراء حكومة مايو جعفر محمد نميرى فى أفتتاح المؤتمر 1969م ثم مسألة الوحدة الثقافية العربية. أثرت هذه السياسات على دور المعهد. ونستطيع القول إن المعهد الذي بدأ بتدريب معلمي المرحلة الأولية وإعداد المناهج، ثم تطور ليشمل التوجيه الفني، والتقويم التربوي والبحوث التربوية والوسائل التعليمية والتوثيق والنشر، كان يمكن أن يتطور ويلعب دوراً أساسياً في مسألة تطور التعليم في السودان لولا قلة الدعم والتدخلات السياسية. [36]

أما معاهد التربية فقد أدت الدور الأكبر في مسألة تطور التعليم في السودان بصورة عامة لأنها كانت بمثابة العمود الفقري وحجر الأساس لهذا التطور، فبدون المعلم المدرب الجيد الإعداد لا يُمكن أن تكون هنالك نهضة تعليمية ،وقد وجدت هي الأخرى الإهتمام من قبل الوزارة و شهدت تطوراً من الناحيتين الفنية والإدارية وتوسعت بصورمتتالية ولم تتوقف عند حدود معهد بخت الرضا. [37]
الخاتمة:
مثل معهد التربية بخت الرضا منارة للعلم والنور في أفريقيا والسودان بصفة عامة، وفي مدينة الدويم بصورة خاصة، ومن دور هذا المعهد استحقت مدينة الدويم لقب مدينة العلم والنور، وقد لعب المعهد دوراً أساسياً في تأهيل وتدريب المعلمين في السودان مما انعكس إيجاباً على مسيرة التعليم في السودان.

فقد كان المعهد عبارة عن مؤسسة تربوية متكاملة الأركان، قُسمت إلى أقسام منظمة لكل قسم منها دور يلعبه في خدمة المعهد، ومن أهم أقسام المعهد قسم المناهج والبحوث التربوية، وهو الجهة الوحيدة التي كانت تضع المقررات الدراسية لكل مراحل التعليم في السودان. ومن الأجسام المهمة أيضاً مكتبة المعهد المركزية التي لم تزل إلى اليوم تقدم خدماتها لجمهور الطلاب في المستويات التعليمة المختلفة.
النتايج والتوصيات :

النتائج:

نتج من هذه الدراسة أن المعهد خلق مجتمع جديد هو مجتمع تربوي قائم على أسس وضوابط تربوية صارمة، ساهم بدور كبير في تطوير التعليم في السودان، لعب المعهد دوراً عظيماً في تأهيل الكوادر التربوية التي وضعت بصمتها التعليمية في المجتمع السوداني.

التوصيات:

توصي الدراسة بالأتي:

ضرورة تسليط المزيد من الضوء على مسيرة بخت الرضا العريقة في مجال خدمة العلم، من الجيد السير بنفس الخطى التي سارت عليها سياسة التعليم بالمعهد لتطوير قطاع التعليم بالسودان، أيضاً يجب على الجهات المعنية أن تولي اهتماماً أكبر بالمعهد وتحاول إعادة سيرته الأولى لأنه خير مثال للتطوير.
المصادر والمراجع

[1]- محمد عمر بشير، تطور التعليم في السودان 1898 – 1956م، ترجمة هنري رياض وآخرون، دار الجيل، بيروت، الطبعة الثانية، 1983م.صـ89.

[1] -صديق احمد ابو زيد،بخت الرضا،المعهد التربوي الرائد (الفكره-التجربه والحصاد)الشارقة2012،ص،8-9.

[1] -عثمان احمد الامين،بخت الرضا ستة قرون في مسيرة التعليم (1934-1935،1994-1995)-منشورات الخرطوم عامة الثقافة العربية،2005م.ص، 10.

[1] - غريفث، ف.ل، تجربة في التعليم: رواية لمحاولات تحسين تعليم البنين في المراحل الأولية بالسودان الإنجليزي المصري المسلم، 1934 - 1950، ف. ل. قريفيث، 1955، ترجمة فدوى عبدالرحمن علي طه 2014، مطبعة جامعة الخرطوم. ،ص14

[1] -غريفث، ف.ل، نفس المرجع، ص،7

[1] -مقابلة شخصية مع الحاج،محمد علي سيد احمد،احد سكان بخت الرضا ،في اكتوبر 2016م

[1] -دار الوثائق القومية، الخرطوم، تربية وتعليم، 11/3/15، مذكرة عن المعاهد الدينية والكلية الإسلامية، 1965م.

[1]- وزارة التربية، مركز التوثيق التربوي، من سلسلة التراث التربوي، بخت الرضا نصف قرن في خدمة التعليم في السودان، 1984م، صـ11.

[1] - فدوى عبدالرحمن علي طه،استاذ الاجيال عبدالرحمن علي طه1901-1969 بين التعليم،والسياسه،واربجين،دار جامعة الخرطوم للنشر ،دار عزة للنشر،2004،ص95-ص66)

[1]- المصدر السابق، صـ13.

[1]- دار الوثائق القومية، الخرطوم، مركز التوثيق التربوي، مجلة رسالة المعلم، العدد 3، على محمد علي، مناهج التعليم في السودان خلفياتها وتطورها، 1972م، صـ30.

[1] - M.w daly,imperial sudan the anglo-egy ptina condo minuim,1934-1956, pp.105-106.

[1] - عثمان احمد الامين،مرجع سابق،ص،17-18.

[1]- ناصر السيد، تاريخ السياسة والتعليم في السودان، دار جامعة الخرطوم للنشر، الخرطوم الطبعة الثانية، 1990م، صـ195.

[1] -عثمان احمد الامين ،مرجع سابق،ص،19

[1] - الغالي الحاج محمد سليمان،بخت الرضا،الخبر والاثر،شركة مطابع السودان للعملة المحدودة،2009،ص،16-17)

[1] -صديق احمد ابوزيد ، مرجع سابق، ص، 24_25

[1] - الغالي الحاج محمد، مرجع سابق، ص، 32.

[1]- زيادة أرباب، التعليم في العهد الوطني، وزارة التربية والتعليم، مكتب النشر، الخرطوم، ط3، 1961م، صـ50.

[1] - صالح حسين عبد الرحمن، علاقة التوجيه بالإدارات التربوية، والدورات التدريبية لموجهي وموجهات المتوسطة، بخت الرضا، 1990، ص، 24.

[1] - الغالي الحاج محمد، مرجع سابق، ص، 17.

[1] - نفسه، ص، 44.

[1] - صالح خسين عبد الرحمن، مرجع سابق، ص، 24.

[1] - نفس المرجع، ص، 11.

[1] - عثمان أحمد، أحمد الأمين، مرجع سابق، ص، 25.

[1] - صالح حسين عبد الرحمن، مرجع سابق، ص، 11.

[1] - الغالي الحاج محمد، مرجع سابق، ص، 55 وما بعدها.

[1] - نفسه ص،62-63.

[1] - نفسه، ص، 188.

[1] - نفسه ص،64-66.

[1] - نفسه، ص، 109.

[1] - محجوب زيادة، الإسلام في السودان، دار المعارف، 1956.

[1] - تقرير لجنة تطوير مناهج التعليم الأولي، 1967.

[1]- المصدر السابق، صـ74.

(*) كان النظام القديم يدخل الطالب بعد إكمال المرحلة الأولية مدرسة مبروكة لمدة خمس سنوات ليتخرج بعدها معلم للمرحلة الأولية، أما النظام الجديد، بعد أن يكمل الطالب المرحلة الوسطى يلتحق بعدها بكلية المعلمين في مبروكة أو المعاهد الأخرى.
[1] - داؤود ساغة محمد عبد الله، تطور التعليم في السودان في الفترة من 1956 إلى 1970م، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة الخرطوم، كلية الآداب، 2005م، ص، 90.

[1] - نفس المرجع، ص، 91.

[1] - نفسه، ص، 91.
خريطة توضح موقع معهد التربية بخت الرضا
مستر قريفث: أول مدير لمعهد التربية بخت الرضا
قائمة بأسماء عمداء معهد التربية بخت الرضا منذ تأسيسه 1934 حتى 1996م.
نموذج من النشاط التربوي في بخت الرضا (رياضة الجمباز)
نموذج من حصص التدريب الموسيقي
حوض السباحة ببخت الرضا، وهو من أوائل أحواض السباحة في السودان
نموذج من حصص الفنون، التشكيل بالطين الصلصال
العيد الثاني والأربعون لبخت الرضا بشعار المعهد
المصدر: بيت التراث، المركز القومي للمناهج والبحث التربوي، بخت الرضا
Ibrahim Abbakar Suleiman:

في القولد التقيت بالصديق

كتب عبد الرحمن على طه مع آخرين فى بخت الرضا كتاباً عن الجغرافيا ليدرّس فى السنة الثالثة الأولية سُمي: سبل كسب العيش فى السودان وموضوعه زيارات حقيقية قام بها نفر من أساتذة بخت الرضا الى مناطق شملت شمال وجنوب وشرق وغرب البلاد.
وقد قام بهذه الرحلات الاساتذة: مكى عباس والنور ابراهيم والشيخ مصطفى وعبد العزيز عمر الأمين وعبد الحليم جميل واحمد ابراهيم فزع وعبد الرحمن على طه وعثمان محجوب ومستر ومسز سمث وسر الختم الخليفة.
وكان إسهام عبد الرحمن على طه الإضافى الى الكتاب أنشودة رائعه لخصت الرحلات التى تمت، وظل التلاميذ فى المدارس يرددونها لعقود من الزمان.
يعلق الأستاذ المرحوم الفكى عبد الرحمن على هذه الأنشودة بقوله: إن عبدالرحمن على طه ممثل وكاتب مسرحي، أدخل الجغرافيا باب الأدب..
وقد كنت وما زلت مولعاً بالأنشودة مما جعلنى فى حالة بحث دائم عن نصها الأصلى إلى أن وجدته فى نسخة من الكتاب المدرسى الشهير (سبل كسب العيش فى السودان) وايضاً فى كتاب آخر للدكتورة فدوى عبد الرحمن على طه بعنوان (أستاذ الأجيال عبد الرحمن على طه) وكل المعلومات فى صدر هذا المقال منقولة من هذا الكتاب القيم.
ولعل سبب ولعى بهذا النشيد هو افتتان به شأن كل قديم نفيس، لذا مضيت أقرأ الأنشودة وأعيد قراءتها المرة تلو الأخرى، بل ظللت أنشدها مع أطفالى بلحنها المميز بعد أن رويتها لهم فى شكل زيارات فتوطدت أواصر المودة بينهم وبين: صديق عبد الرحيم فى القولد..محمد القرشى فى ريرة..سليمان فى الجفيل..محمد الفضل فى بابنوسة..منقو زمبيرى فى يامبيو ..حاج طاهر فى محمد قو ..احمد فى ود سلفاب..ادريس فى امدرمان..وآخرهم عبد الحميد فى عطبرة.
ولا أجد ما أقدم به أنشودة الزمن الجميل سوى كلمات الاستاذ مكي أبو قرجه التى يقول فيها: (ظلت حناجر الأطفال الغضة لأكثر من خمسين عاماً تردد نشيداً شجياً فى كل المدن والقرى والبوادى السودانية بحماس وغبطة وحبور فى آخر كل حصة للجغرافيا فى السنة الثالثة الابتدائية..كان هذا النشيد الذى شدّ نياط القلوب بأوتار لا ترتخي بكل بقاع الوطن من القولد حتى يامبيو ومن محمد قول حتى بابنوسة، وفعل فى النفوس فعل السحر ولا يزال يتوهج فينا نحن الكبار بعد مرور عشرات السنين ويبعث حنيناً وروحاً وطنية متأججة فى كل الأجيال).

فى القولد التقيت بالصديـق
أنعم به من فاضل ، صديقى
خرجت أمشى معه للساقية
ويا لها من ذكريات باقيــة
فكم أكلت معــه الكابيدا
وكــم سمعت آور أو ألودا

ودعته والأهل والعشيرة
ثم قصدت من هناك ريره
نزلتها والقرشى مضيفى
وكان ذاك فى أوان الصيف
وجدته يسقى جموع الإبل
من ماء بئر جره بالعجـل

ومن هناك قمت للجفيـل
ذات الهشاب النضر الجميل
وكان سفري وقت الحصاد
فســرت مع رفيقى للبــلاد
ومر بي فيها سليمان على
مختلف المحصول بالحب إمتلا

ومرةً بارحت دار أهـلى
لكي أزور صاحبى ابن الفضل
ألفيته وأهله قد رحلـوا
من كيلك وفى الفضـاء نزلوا
فى بقعة تسمى بابنوسـة
حيث اتقوا ذبابة تعيســــة

ما زلت فى رحلاتي السعيدة
حتى وصلت يا مبيو البعيدة
منطقة غزيرة الاشجــار
لما بها من كثرة الأمطــار
قدم لى منقو طعـام البفره
وهو لذيذ كطعام الكسـره

وبعدها استمــر بى رحيلى
حتى نزلت فى محمد قـــول
وجدت فيها صاحبي حاج طاهر
وهو فتى بفن الصيد ماهر
ذهبت معه مرةً للبحـــــر
وذقت ماء لا كماء النهـــر

رحلــت من قول لودْ سلفاب
لألتقى بسابع الأصحــــاب
وصلته والقطن فى الحقل نضر
يروى من الخزان لا من المطر
أعجبنى من أحمد التفكيـــر
فى كــــل ما يقوله الخبيرُ

ولست أنسى بلدة أم درمان
وما بها من كثرة السكـــان
إذا مرّ بي إدريس فى المدينة
ويا لها من فرصـــة ثمينة
شاهدت أكداساً من البضائع
وزمراً من مشتر وبــــائعْ

وآخر الرحلات كانت أتبره
حيث ركبت من هناك القاطره
سرت بها فى سفر سعيد
وكان سائقى عبد الحميـــد
أُعجبت من تنفيذه الأوامر
بدقة ليسلم المســـــافر

كل له فى عيشه طريقـة
ما كنت عنها أعرف الحقيقـة
ولا أشك أن فى بــلادى
ما يستحق الدرس باجتهـــاد
فإبشر إذن يا وطني المفدي
بالسعي مني كي تنال المجدا

(هدية للجيل الجديد وتذكير للقدامى)
«سماهاني» للسوداني عبد العزيز بركة ساكن: رواية التخيل التاريخي ومقاومة الاستبداد

التغيير
الثلاثاء, 27 فبراير, 2018 زمن القراءة المقدر: 2 دقيقة
ابتسـام القشّوري*

لطالما كانت علاقة الرواية بالتاريخ علاقة شائكة ومتغيّرة، لذلك حاول الناقد العراقي عبد الله إبراهيم الحدّ من هذا التداخل باستنباط ما سماه «بالتخيل التاريخي» حتى يبعد العمل الروائي الذي ينهل من التاريخ على أن يكون وثيقة تاريخية. فالروائي يذهب إلى الماضي بطريقة تتداخل فيها شخصيات تاريخية مرجعية بشخصيات متخيلة، وهو يرى التاريخ بعيون الحاضر ورؤى المستقبل، وهذا ما يسمح له بالتنقل بسهولة بين وقائع التاريخ والتخيل، فيقدم عملا روائيا يوهم بوقائع حقيقية غالبا ما تكون متخيلة.
من هذا المدخل نستطيع قراءة رواية عبد العزيز بركة ساكن «سماهاني» الصادرة عن دار مسكلياني، والممتدة على ثلاثمئة وثلاثين صفحة. والعنوان كما يتبين ليس باللغة العربية ف»سامهاني» تعني «المعذرة» باللغة السواحلية لغة شرق إفريقيا وبالتحديد أنغوجا (تانزانيا اليوم) حيث تدور أحداث هذه الرواية، أمّا الزمن فهو زمن الاستبداد سنة 1652 وهو تاريخ دخول الأساطيل العمانية وسلاطينها لتكون أنغوجا «جنتهم الموعودة».
وعلى عكس التاريخ الرسمي الذّي يؤكد نجاح العرب المسلمين في نشر اللغة العربية في هذه الربوع، ونشر الإسلام وازدهار التجارة وبناء القصور، سكت على جانب مهم من القهر والظلم الذي عاناه الأفارقة أصحاب الأرض، نتيجة تجارة الرق والخدمة في قصور السلاطين العرب، وانطلاقا من هذا التاريخ المنسي ومن خلال سيرة سليمان بن سليم، السلطان العماني وابنته الأميرة وخادميهما «مطيع» و»سندس» يدخلنا بركة ساكن إلى هذا الجحيم: جحيم الاستعباد والظلم ليرسم بريشته الكاريكاتيرية الساخرة لوحة فنية يجمع فيها بين التاريخي والمتخيل، مركزا على الجانب الوجداني للشخصيات. فهو لا يحاكي التاريخ وإنّما يرسم رحلة الإنسان في مسيرته نحو التحرر والحب والتسامح.

الرواية وتاريخ الاستبداد

إنّ طقوس الاستعباد والقمع متشابهة في كل الأزمان، رغم تطور الآليات، لكنها دائما تستمد قوتها من منبع واحد هو هواجس السلطة الدائمة ولذّة ممارسة السلطة مؤكدة على قولة الغزالي «إنّ لذة الجاه ألّذ من اللذة». وهذا ما كان يشعر به السلطان سليمان بن سليم، من خلال هذه الرواية، فهو يرى نفسه الإله على الأرض فيقول: «أنا السّيد الأبدي والنهائي والدائم والمسيطر والمالك»، ولذلك كان يشّرع لنفسه استعباد كلّ الأفارقة ويرى أنّهم لا يملكون حياتهم إلاّ بأمره، ويرى أن «كل الزنوج أغبياء وفيهم بلادة» وعلى خلاف قولة عمر بن الخطاب «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا»، يشّرع هذا السلطان وبنصوص دينية استعباد الأفارقة: فتفنن في تعذيبهم وقمعهم، وذلك عن طريق الكيّ بالنار والضرب بالسّياط والسجن الانفرادي في السجون التي تُبنى خصيصا في كهوف القصور فلا ترى فيها لا شمسا ولا هواء. والحرمان من الأكل والشراب وأسر الناس وتشتيت العائلات وتدمير القرى وخطف النساء واغتصابهم فهو يرى «أن نكاح الأسيرات لا حرمة فيهّ». ومن هذه الحوادث اغتصابه لسيدة صغيرة بعد سبيها مع أهلها، يغتصبها السلطان بوحشية، تنزف حتى الموت تاركة ابنها رضيعا في الخلاء هذا الرضيع يُنقذ من طرف كلبة أرضعته وأعادته إلى أهله لتكون هذه الكلبة أرحم من العباد، وسمي هذا الطفل بـ»ابن الكلبة» وهو شخصية سيكون لها شأن وتدخل كبير في مصائر الشخصيات الرئيسية.
كما صوّر لنا بركة ساكن تلك الحفلات الوحشية التّي يحضر فيها السلطان بنفسه تقام لخصي الزنوج، ومنها ما عاناه مطيع الذى كان زعيم قومه وقد تعرض للسبي أوّلا مُقادا بالسّلاسل ثم للخصي مع ابنه الأصغر «نانو» الذي سيسمى لاحقا بـ»سندس» حيث تم خصيهما بوحشية، الأب أوّلا بحضور الابن، ثم الابن بحضور الأب الغائب عن الوعي، على إثرها يصاب سندس بالبكم فيعيش فترة طويلة في صمت عميق، الأب سيصبح خادم السلطان «المطيع» و»سندس» خادما للأميرة ابنة السلطان الوحيدة فلا عيب أن يتكشف أسير زنجي مخصّي على أميرة عربية مسلمة. غير انّ بركة ساكن في هذه الرواية لا يقتصر على هذا النوع من الاستبداد ثنائية السيد والعبد، وإنما يتطرق أيضا إلى نوع آخر من الاستبداد وهو الاستبداد الاجتماعي في علاقة بثنائية الرجل بالمرأة. وينقد استعباد المرأة في المجتمع الذكوري من خلال علاقة السلطان بابنته، أو علاقة زوج الأميرة بها. فالمرأة لا مكانة لها في مجتمع يرى أنّها مشروع فضيحة يقول السلطان «البنت ليست سوى فضيحة» فيرفض أن تُوّلى العرش وتصبح سلطانة، ويبقى يُمّنى نفسه بإنجاب ولد حتى يورثه السلطنة. كما أنّه لا يعطى المرأة الحق في إبداء رأيها في الزواج أو الحب حتى إن كانت أميرة، فهو الذي يُزوجها ويختار لها زوجا. كما أن الأميرة ككلّ البنات في تلك المنظومة الظالمة تتعرض للختان وحرمانها من اللذة الجنسية، وليس لها الحق في الاعتراض على زواج زوجها بأخريات، فإن له الحق فيما ملك
ت أيمانه.
ولا يجد بركة ساكن حرجا في انتقاد عبودية الإنسان لله، ففي معرض حديثه عن الحياة الإفريقية منتقدا مسيرة الإنسان، الذي عليه أن يثبت وجوده ولا يعتمد على الأوهام، حيث أن «الذين يفضلون البقاء حيث الرب وتحت رعايته هؤلاء هم اليائسون الذين لا يرجون خيرا من الحياة الخائفون من الشر»، ولذلك سيجعل كل هذه الشخصيات تتمرد كل على طريقته. وكما يقول أدوارد خراط «هناك في مقابل القمع دائما صرخة الحرية المحرضة تخفت أحيانا وتجلجل أحيانا أخرى، ولكنها لا تموت ولا تنطفئ».

السخرية كفعل مقاومة

وللتخفيف من حدّة هذا الألم المنتشر عبر أرجاء الرّواية، يتخذ بركة ساكن كعادته السخرية كأداة فنّية ويتحول إلى رسام كاريكاتيري يرسم نقدا لاذعا للشخصيات فالأدب السّاخر هو أرقى ألوان الفكاهة، خاصة المصبوغ منه بالصبغة السياسية، لذا فهو أداة للتهكم والتقريع ووسيلة من وسائل التحدي والتعرية، وكانت السخرية في هذا المتن الروائي عبر رسم البورتريهات وعبر اللغة وعبر مصائر الشخصيات. وقد رسم بركة ساكن صورة كاريكاتيرية للسلطان فيها نقد لاذع وتهكم كبير، بداية من الاسم الذي كان يرفقه الكاتب دائما بلقب السلطان الذي «باركه الرب مُؤخرا» لاكتشاف السلطان أنّه من سلالة النبي سليمان ولكنّه كان اكتشافا متأخرا.
أمّا من الناحية الفيزيولوجية فقد صوّره ضخم الجثة، لا يعرف في الحياة غير الأكل وجني المال ومضاجعة النساء، فقد كانت له تسعة وتسعون جارية لا يعرف أسماءهن يساعده عبده «مطيع» في كل تفاصيل حياته من أوّل جلوسه على الوعاء الضخم للتبرز، الذّي لم يكن في «مخيلة صانعيه أن هناك مؤخرة في حجم ارداف السلطان» كما أن حجمه الكبير وبطنه الضخمة لم تكن تساعده في مضاجعة نسائه فكان «مطيع» يساعده في ذلك أيضا».
وفي الحقيقة لم تختصر الصورة الكاريكاتيرية على السلطان، بل تعداه إلى نقد الأفارقة أو سكّان «أنغوجا» وإن سعوا إلى التحرر، وكانت لهم أخلاق الشهامة إلاّ انّهم بقوا حبيسي أوهامهم وأساطيرهم وللسحر الأسود والتعاويذ، فليس لأنغوجا اليوم ثقافة ولا كتب تصدر بالسواحلية، بقيت ثقافتهم بدائية لم ترتق إلى ثقافة منتجة وبناءة فـ»المحاربون الأفارقة لا يعرفون شيئا يسمى كتابا».
أما قمة السخرية فهي التي انتصر فيها بركة ساكن على عكس التاريخ للعدالة، فكانت في مصائر الشخصيات ونهاياتهم، فمن السخرية أن يجعل الأميرة تعشق عبدها المخصي وتهرب معه يوم ثار الزنوج على السلطان في 1964 ومن السخرية أيضا أن يُخصى السلطان بالطريقة الوحشية نفسها التي عامل بها الأفارقة، ويبقى يعد ذلك سلطانا صوريا تحت الحكم البريطاني، ومن السخرية أن ينتقم «ابن الكلبة» لأمه فيغتصب الأميرة ويقتلها. ولذلك نقول إن السخرية أبعد ما تكون عن الإضحاك، وإنّما هي كما يقول محمد الماغوط «ذروة الألم».

«سامهاني» «انتصار الهامش على المركز

عادة ما تنتصر الرواية في صيغها الحديثة للهامشي والمقصي والمستضعفين، وفي أحد حواراته يقول بركة ساكن «أنا أنحاز إلى الشارع « أي إلى كل الذين لا صوت لهم ولذلك نتفهم أن يكون عنوان روايتة بالسواحلية، وهو انتصار لهذا الشعب ولمسيرته التحررية ولهويته. والسواحلية لغة غير معقدة فهي خليط من اللغات المحلية وبعض الإنكليزية والكثير من العربية التى اعتادها الإنسان الإفريقي من أكثر من ألفي قرن، وكل الشخصيات في الرواية تتكلم السواحلية فهو انتصار لهدا الهامش الذي عاش القهر والاستبداد. كما أن بركة ساكن من خلال العنوان، الذي يعنى المعذرة أو سامحنى باللغة العربية يرسخ لثقافة الاعتذار، فعلى الحكومات التي قامت بجرائم ضد الإنسانية كالذي وقع لسكان «أنغوجا» أن تعتذر على هذا الاستبداد الذّي ارتكبته في حق شعوب معزولة ومستضعفة.
ولأنّ الرواية عكس التاريخ، هي تروى ما ينبغي أن يكون وليس ما كان، أسس بركة ساكن لهذه الثقافة بجعل شخصياته تعتذر لبعضها، فـ«سامهاني» تعاد ثلاث مرات في الرواية: تقولها الأميرة العربية المسلمة باسم ابيها لسندس غلامها المخصي، تعتذر له عما فعله والدها له ولشعبه. وفي المرة الثانية يقولها «ابن الكلبة» للأميرة لأنه انتقم من الشخص غير المناسب، ويقولها سندس للأميرة عندما وجدها مقتولة لأنه فرط فيها ولم يحمها باعتبارها كانت تمثل حريته. كما أن الكاتب اراد أن يؤسس لقيمة التسامح وعدم مقابلة الشر بالشر.
ولذلك فإنّ رواية «سامهاني» لعبد العزيز بركة ساكن تجاوزت التاريخ والماضي لتؤسس للحاضر وللمستقبل، وكانت طريفة من حيث البناء، حيث أن النهاية لم تكن لا في البداية ولا في النهاية، وإنما في الوسط حيث أن مصائر الشخصيات عرفت منذ الفصول الأولى، لأن بركة ساكن لم يكن تهمه النهاية بقدر ما كان مهتما برسم مسيرة الإنسان في هذه الحياة، هي رحلة الإرادة للشعوب التي تعيش تحت الاستبداد التي جسدها الكاتب في رحلة السواحلية من أجل تحررهم، هي رحلة الفرد الروحية نحو إكمال الذات واكتساب المعنى، كما كانت رحلة «سندس» العجيبة لاسترجاع أعضائه المبتورة وإكمال روحه المنقوصة، هي