السيد سامي البدري
3.51K subscribers
312 photos
70 videos
71 files
544 links
Download Telegram
🌑.. على مائدة القرآن الكريم
عرض لدروس شهر رمضان المبارك سماحة المحقق السيد سامي البدري
الحلقة - ١٨ -
https://m.youtube.com/watch?v=nZCQg0s6YjM&feature=youtu.be
بسم الله الرحمن الرحيم
أعظم الله لكم الأجر
في هذه الليلة التي صيح بها:
تهدّمت والله أركان الهدى
فيها أستُشهد الشاهد العظيم
لرسول الله النبي الخاتم ص وآله
أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ
وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ
وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ
أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۚ
وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ۚ
فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ ۚ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ هود / ١٧

هذه الآية الكريمة من كرائم الآيات في علي بن أبي طالب ع، ولكن حتى نصل إلى هذه النتيجة لابد من ثلاثة بحوث:

🌑 البحث الاول :
البحث اللُّغَوي في الآية، في قوله تعالى : "أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ"، هنا استفهام، وهذ الإستفاهم يُقال عنه في اللغة استفهام تقريري، يجيئ إستفهاماً من عالِمٍ إلى عالِم، ليُقرِّرَه بالحقائق التي يعرفها، يطلب منه أن يُقرِّر موقفه،
"أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ".
هذه الجملة الأولى، وتمثل الحقيقة الأولى، وهي أنَّ محمداً ص وآله، والخطاب لمحمد ص وآله لاشك ولا ريب،
"أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ"،
هو محمد النبي الخاتم ص وآله، وبَيِّنَتَهُ هي القرآن الكريم،
لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ، رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً، فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ، وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ"
البينة / ١ - ٤.
وتعلم قريش أنَّ محمداً ص وآله على بَيِّنَةٍ من أمره، لأنه جآءهم بالقران الكريم، وتحدَّاهم بالقرآن العزيز، وتدرَّج بالتحدي من الإتيان بمثله إلى الإتيان بعشر سور من مثله إلى الإتيان بسورة واحدة من مثله، وعجزوا عن ذلك، وهم يعلمون حق العلم أنَّ هذا القرآن فوق مستواهم وفوق قدرتهم، فهذه حقيقة يعلمونها، وهذا الإستفهام يطالبهم أن يُرتِّبوا أثرا عليها،
"أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ"،
الضمير في "رَّبِّهِ" هو محمد ص وآله، وهذه هي الحقيقة الأولى.

والحقيقة الثانية هي:
"وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ":
"وَيَتْلُوهُ": الضمير هنا في "يَتْلُوهُ" يعود لمحمد ص وآله، أي أن هناك شئُ أو أمرٌ ما يتلو محمداً ص وآله.
كلمة"يَتْلُو": من تلا، وكلمة "تلا" يعني تَبَع، يُقال: "ناقة تُلو أو ناقة مُتلِي"، يعني لها تِلو يتبعها حيثما دارت، ويمشي معها حيثما إنتقلت، ناقة مُتلي يعني لها إبن أو فصيل يمشي خلفها ويدور حيثما دارت.
وَيَتْلُوهُ : يعني أنَّ محمداً ص وآله له تِلو مقترن به، فإذا رؤي محمد ص وآله سُئِل عنه، أين هذا التِلو الذي معك؟، أين هذا الشخص؟، أين هذا التِلو الذي هو الشاهد في الآية الكريمة؟،
"وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ":
وهنا الضمير أيضا يعود لمحمد ص وآله، يعني من شاهد من أهل بيته ص وآله، أي ويتبعه شاهدٌ.

شاهد يعني عالم،
" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا" الأحزاب/٤٥،
محمد ص وآله شاهد، وله شاهد من أهل بيته ع، وهذا الشاهد يتلو محمداً ص وآله، أي يتَّبِعه إتّباع الفصيل إثر أمه، مقترن به، بحيث إذا رؤي هذا الشاهد سوف يُسئل أين صاحبك، وإذا رؤي محمد ص وآله سوف يُسئل عن صاحبه ع، هذا معنى "يَتْلُوهُ" يعني يتَّبعه ويجري ويسير معه، شاهدٌ من أهل بيته ع، وهذه حقيقة ثانية.
إنَّ هذه الحقيقة معروفة، تعرفها قريش في أنَّ النبي ص وآله لم يُبعث مفرداً، وإنَّما بُعث معه شاهد تابع له وصاحب لا يفارقه، سيأتي الكلام عن تشخيص هذا الشاهد من أهل بيت النبي ص وآله من هو ، ومن باب الشئ بالشئ يُذكر، فقد جاء في نهج البلاغة من خطب امير المؤمنين ع أنه قال في خطبة طويلة:
"ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه"، نهج البلاغة- الخطبة ١٩٢- ص ٣٠٠-٣٠٢.
كما وأن حديث المنزلة المتواتر عند المسلمين قاطبة، حيث يُقرن عليٌّ ع بمحمدٍ ص وآله، كما يُقرن هارون ع بموسى ع، في تناظر يكسر كل شبهة ويمحو كل أرتياب، في تفصيل تناظري يأتي في محله مستقبلاً بإذن الله تعالى.
الحقيقة الثالثة :
والتي أيضا تعرفها قريش ويعرفها غيرهم، في قوله تعالى :
"وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ"،
إنّ هذه الاية الكريمة
"أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ"
وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ"
فهنا شهادة كتاذ موسى ع على حقيقة الازم بين محمد ص وآله وعلي ع.

هذه مجموعة من ثلاث حقائق ذكرناها بإجاز مختصر، يأتي تفصيله في دروس مقبلة بإذن الله تعالى، ويقرِّرها الإستفهام المبدوءةِ به الآية الكريمة، طبعا هذا المبتدأ (أَفَمَن كَانَ)في هذه الحقائق الثلاث لابد له من خبر، والخبر محذوف، بمعنى فمن كان له هذه الحقائق الثلاثة:
١- كتاب يشهد له، بأنه من الله تعالى، وهو صادق في دعواه.
٢- وله شاهد من أهل بيته يتلوه وطنّبع خطواته ويشهد على صدقه.
٣- ومن قبله كتاب موسى ع يشهد له، هذه ثلاثة شهود .

إذن الآية الكريمة في الإستفاهم التقريري، الذي يريد قائله، من خلال صيغة الإستفاهم، أن يقرر حقائق معينة ثابتة ومعروفة ومشهورة في المجتمع، هذه الآية تقول:
أفمن كان له ثلاثة شهود يشهدون على صدق دعواه، كمن لا شاهد له، كمن ليس معه إلاّ الكذب والافتراء، فهذا الإستفهام هو نوع إستفهام تقريري بلاغي، جاء ليقرّر بصيغة إستفهام، وأخفى خبره بالحدف لبداهة ووضوح هذا الخبر المحذوف، والحذف في اللغة العربية من أساليب البلاغة التي يستعملها القران الكريم لبيان وضوح الأمر الذي يُراد تبليغه، والأمثلة تبعا لذلك كثيرة نأتي إليها في محلِّها.
هذا هو تمام البحث الأول ، بهذا المقدار نختصره .
🌑ثم يأتي البحث الثاني :
من هو هذا الشاهد في الآية الكريمة؟
من هو هذا الشاهد الذي تذكره الآية الكريمة، والذي كان مع النبي ص وآله يرافقه طيلة حياته الكريمة منذ ولادته في مهده ع وإلى بعثة النبي ص وآله ثم رحيل النبي الخاتم ص واله، يتبعه كما كان الفصيل إبن الناقة يسير تابعا خطى أمِّه، وهذا أمرٌ عرفته قريش، فإنَّ قريش أدركت هذا التلازم ومنذ البداية، من حين ولادته ع (علي ابن أبي طالب ع) في البيت الحرام، وداخل الكعبة المشرفة، وإلى شهادته عليه السلام في المحراب. .

والروايات هنا - محل الكلام - نوعان:
فاما روايات الشيعة عموما فتقول أن الشاهد في الآية الكريمة هو الإمام علي عليه السلام، تقول بصريح العبارة هذا هو علي ع، وهذه الرواية مأثورة عن علي ع نفسه.

وأما في روايات السنة فنجد طائفتين: الطائفة الأغلب من الروايات أيضا تقول أن الشاعد هو علي ع،
وهناك روايتان من مجموع عشرات الروايات في المصادر السنية، رواية عن عروة بن الزبير، وعروة مُتَّهم في علي ع، وبالتالي يصرف الرواية عن علي ع، فيقول أن الشاهد هو لسان النبي ص وآله، يقول يا بني(وهي رواية تُروى عن ابن الحنفية) قال أنه قال ع وددت أني الشاهد، وهذه هي الرواية عن عروة بن الزبير، وعروة بن الزبير لايمكن الإعتماد عليه كماقلنا،
وأيضا هناك رواية أخرى أوردتها كتب السنة ولايمكن الإعتماد عليها في قبال الروايات الأكثر، على الأقل حينما تردنا رويات من كتب السنة المختلفة، روايات يبلغ عددها الخمسين أو الأربعين رواية وفي قبالها روايتين، تنفيان أن الشاهد هو علي ع، طبعا الرواية الأخرى يرويها صاحب التبيان الشيخ الطوسي في كتابه التبيان، ومعلوم أن الشيخ الطوسي رضوان الله عليه روى هذه الرواية عن مصادر العامة وقد وردت بصيغتين، مرة بصيغة يرويها عن الحسن ع، ومرة بصيغة عن الحسين ع، وحينما بحثنا فيهما وجدنا أن الرواية التي تُسند إلى الحسين ع فيها تصحيف، لمَّا رجعنا إلى مصدرها الأساس، وكذلك الرواية التي تُنسب الى الحسن ع، يعني بالأصل هي الرواية عن الحسن ع، وليس هو الحسن بن علي ع، لأن الحسن بن علي والحسين بن علي إذا أرادا أن يرويا رواية في التفسير لا يعدوان رواية أبيهما علي ع، وقد أُثر عن علي في كتب العامة فضلا عن كتب الخاصة أنه يُفسِّر هذه الآية بنفسه، فيقول أن الشاهد هو علي ع، وهذا بحث حديثي نكتفي منه بهذه الإشارة .

🌑 ثم يأتي البحث الثالث :
في الحديث عن قوله تعالى :
"ومن قبله كتاب موسى اماما ورحمة" .
فعندنا إذن:
الجملة الأولى :
أفمن كان على بينة من ربه:
الضمير في "ربه" يعود إلى محمد ص وآله، والبيِّنة هي القرآن الكريم.
الجملة الثانية:
ويتلوه شاهد منه، أي من أهل بيت محمد ص وآله، وهذا الشاهد كما ورد في الرواية هو علي ع، وقد أُثر عن علي ع قوله كنت أتَّبِعه إتّباع الفصيل أثر أمه، ملازمة بينه وبين النبي ص وآله، حتى في قصة عُمْرَة القضاء حينما إنتهت الثلاثة أيام، جاءت قريش إلى علي ع، قالوا له قل لصاحبك، يعني علي ع صاحب النبي ص وآله، وصاحب النبي ص وآل هو علي ع، لإقترانهما، قل لصاحبك قد إقترن الأجل فليخرج.
الجملة الثالثة :
"ومن قبله كتاب موسى اماما ورحمة"
ومِن قَبْلِه، الضمير من قَبْل محمد ص وآله كتاب موسى ع، فالذي عليه أهل الكتاب في كتبهم أنهم كانوا يُبشِّرون بمحمد ص واله، ولا يبشرون بمحمد ص وآله بمجرد ذكر محمد ص وآله أو بذكر نبي يُِبعث، وإنّما حينما نرجع إلى أقدم هذه الكتب، وهي توراة موسى ع، نجد أن موسى ع كان يُبَشِّر بنبي مثله، يعني مثل موسى ع، فما هي الخصوصية التي ميّزت موسى ع عن بقية الأنبياء؟
لمّا كُلِّف موسى ع بالرسالة طلب من الله تعالى أن يؤيده بأخيه هارون ع، يدرءٌ عنه ويُصدِّقه، وقد أجابه الله تعالى سؤله.
" وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ"القصص / ٣٤.
إذن موسى ع إستخدم هذه الخصوصية لنفسه فبشّر بنبي يُبعث من مكة مثل موسى ع، يعني نبي يُبعث ومعه وزير من أهل بيته كما لموسى ع وزير من أهل بيته.

إذن هذه الآيات الثلاثة هي عبارة عن شهود ثلاثة يشهدون لمحمد ص وآله بصدقه أنّه رسول من الله تعالى، القرآن وعلي ع يشهدان، لذلك حينما نقرأ قوله تعالى في سورة الرعد:
"وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا ۚ قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ" الرعد / ٤٣، والروايات التي وردت في تفسير هذه الأية تفيد أن الذي عنده علم الكتاب هو علي ع، فشهادته تماما مساوقة لشهادة كتاب الله على أن محمداً ص وآله رسول.
طبعا هذا مبحث مفصل نحتاج أن نفصل فيه فيما يأتي، وإنَّما نريد أن نقول أنًَ هذه الآية أبرزت بين أيدينا ثلاثة شهود يشهدون على صدق محمد ص وآله في الرسالة،
والشاهد الثالث هو كتاب موسى ع، وكتاب موسى ع حينما نذهب إليه نجد أن موسى ع يقول لبني إسرائيل سوف يبعث الله لكم نبيا مثلي، يعني نبيا له وزيرا من أهل بيته، شدَّ الله عضده به، كما شدَّ الله عَضُدَ موسى ع بأخيه هارون ع.
هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي، كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا، وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا، إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا، قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ...."طه / ٣٠ - ٣٦]
هذه الأمور وزيادة كلها تُنسب إلى علي ع وصاحبه محمد ص وآله وفق حديث المنزلة القطعي الصدور، والقطعي الدلالة بقرائن وشهادات الآيات الكريمة من سورة طه وغيرها.
إن في سورة طه شواهد عظيمة جليلة لا يسع المجال لعرضها، نتركها للقارئ التدبر فيها، ونعرض لها في وقت آخر بإذن الله تعالى.

هذه الآية من سورة هو د من كرائم الآيات، وهناك للمفسرين كلمات لا يسع المجال لأن نذكرهافي البيت الحرام، لكن نحن نعطي بشكل مختصر، ولقد أعطينا هذه الآفاق بشكل مختصر، ولمن أراد التفصيل عليه أن يراجع إما محاضراتنا المفصلة، وإما يراجع البحث مطبوعا في القريب إن شاء الله.
(والحديث جُلُّه لسماحة السيد البدري، يتخلله بعض الإيضاحات)
والحمدلله ربً العالمين
ونسألكم الدعاء

🌑🌑🌑🌑🌑
إعداد خادم أستاذه وخادمكم:
عبدالله عيسى فيروز
الأحد ١٨ من شهر رمضان المبارك
١٤٤٤ هجرية
٩ / ٤ / ٢٠٢٣
🌑.. على مائدة القرآن الكريم
عرض لدروس شهر رمضان المبارك سماحة المحقق السيد سامي البدري
الحلقة - ١٩ -
https://m.youtube.com/watch?v=HkSC_H6lkOE&feature=youtu.be
بسم الله الرحمن الرحيم
أعظم الله لنا ولكم الأجر، باستشهاد مولى المتقين.
"تهدّمت والله أركان الهدى"

"قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ، وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ۖ
إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ،
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ۚ، وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَٰذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ،
وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ
وَهَٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ"
الأحقاف / ١٠ - ١٢.

إنَّ الآية الكريمة التي تحدثنا عنها أمس كانت في سورة هود، وهذه الآيات في حديث اليوم من سورة الاحقاف.
أمّا الآية التي في سورة هود فهي:
"أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ
وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ
أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ۚ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ ۚ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ" هود / ١٧

لقد كانت هذه الآية ضمن مقطع يتألف من ١٢ آية، وموضوع هذه الآيات ينصبُّ حول الإمامة، إمامة أهل البيت ع، وأيضا تأتي معنا هذه الآية الكريمة في ضمن مقطع من ١٢ آية من سورة الأحقاف، وكذلك موضوعها هو الإمامة ومحورها المركزي قوله تعالى :
"وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ۖ " ،

حينما نراجع كلمات المفسرين قاطبة من السنة والشيعة في هذه الآية، ونسألهم: من هو هذا الشاهد؟،
يجيب أكثرهم، وأغلبهم، أن هذا الشاهد هو عبدالله بن سلام، لأن الآية تقول:
" وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ" ،
فهي صريحة، تتكلم عن شاهد من بني إسرائيل، ولابد أن يأتوا بشخص عالم من علماء بني اسرائيل، والذي يتردد على لسانهم هو عبدالله بن سلام، وعلى قول آخر، يذكره القليل جدا، وينسبونه إلى مسروق الأجدع، أن الشاهد هو موسى ع.
أمَّا قولهم أنَّ الشاهد هو عبدالله بن سلام فيرد عليهم البعض أن الآيات مكية وعبدالله بن سلام أسلم في المدينة، لذلك يأتي بعضهم بإسم عالم آخر من أجل أن يحلّوا الإشكال، ولكن الإشكال يبقى أن هذا العالم الآخر لايذكره التاريخ، بأن هناك عالم من علماء اليهود أسلم في العهد المكي، وإنما من أسلم من اليهود، فقد أسلموا في العهد المدني، أو يضطر البعض أن يقول هذه الآيات مدنية.
اما قول القائل أن الشاهد هو موسى ع، فقد رفضه أكثرهم باعتبار الكلمة التي تأتي بعد، وشهد شاهد من بني اسرائيل على مثله، "فآمن"، حيث يصرفون الفعل هنا " آمن " بالنبي ص واله، ويقولون أنَّ موسى ع لم يكن معاصرا للنبي ص وآله، المهم هناك إتجاه عام للمفسرين سوآء منهم الشيعة أو السنة لا يتجاوز هذا الأمر، أنَّ الشاهد هو عبدالله بن سلام أو موسى في القليل،

وهناك رأي آخر جاء به الرازي، ولكن ما استطاع أن يطبقه على الكلمات، وإنما هو أعطى فكرة هي في نفسها صحيحة، ولكن لم يطبقها، أو لم يثبت لنا أو يُرينا كيف انتزع هذه الفكرة من كلمات الآية، حيث قال أن الشاهد هو كتاب موسى ع لما فيه من الدلائل على بعثة النبي ص وآله، فهرب من الموضوع.

إنَّ الآية صريحة واضحة"، "وشهد شاهد من بني اسرائيل على مثله "، إذن تعال وفَسِّر لنا الضمير في كلمة "مثله"، إلى من يعود؟
هم حاولوا أن يعودوا به إلى "القرآن"، والقرآن غير مذكور في هذه الآيات وإنما هو ضمير، القرآن مذكور في أول السورة، في قوله تعالى:
" حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم" ، ثم يقول " أم يقولون افتراه" الضمير يعود في "افتراه " الى هذا الكتاب،
الآن يريدون أن يرجعوا عبارة "وشهد شاهد من بني اسرائيل على مثله" أن الضمير في مثله يعود إلى القرآن، ولكن لا يأتي هذا الارجاع، إذا أرجعنا وقلنا، "وشهد شاهد" يعني شهد عبدالله بن سلام على مثله، على مثل أي شئ؟ هل على مثل القران؟.
لايمكن أن يعطي هذا معنىً نافعا، لذلك هرب منه هؤلاء وذكروا أن الشاهد هو موسى ع، ومع ذلك لم يقبله الكثير منهم.

🌑 نحن نقول (والقول لسماحة السيد البدري): أن الشاهد كما في اللغة، "وشهد شاهد"، الشاهد هنا جيئ به بصيغة النكرة للتعظيم، فالنكرة يُؤتى بها للتعظيم، فيصبح المعنى : "أعظم شاهد"، كأنه قال: وشهد أعظم شاهد من بني اسرائيل،
تُرى من يمكن أن يكون هو أعظم شاهد من بني اسرائيل؟،
بلا شك ولا ربب أن اعظم عالم وأعظم شاهد من بني اسرائيل هو النبي المعصوم موسى ع،
فالضمير في "مثله" نحن ( والقول لازال السيد البدري) نرجعه وفق أصول اللغة العربية بأن الضمير يرجع إلى أقرب أسم ظاهر، وأقرب أسم ظاهر هو الشاهد، إذن"وشهد شاهد من بني اسرائيل على مثله" يعني على نفسه، شهد على نفسه، فما معناه ؟
يعني شهد موسى ع على مثله، على نبي مثله يبعثه الله في آخر الزمان، والقرآن الكريم، وكل الكلمات البليغة في اللغات، تقوم على "أسلوب الحذف" لا تقوم على التفصيل، فقوله: "على مثله" يعني على نبي مثله، حيث حُذفت كلمة نبيّ"هنا، وشهد شاهد من بني اسرائيل، يعني وشهد موسى ع، وشهد موسى ع على نبي بصفته، يعني بصفة موسى ع ، طبعا الأمر يبقى نظرياً وقد لايقبله أحد، ما الذي يحسم الموضوع حسما تامّاً؟

إنَّ الذي يحسم الأمر هو الرجوع إلى كتاب موسى ع، لنبحث هل أن موسى ع بشّر بنبي مثله في كتابه التوراة؟
نذهب الى سفر التثنية، (وهو من الأسفار الخمسة الأولى للتوراة) الاصحاح ١٨، سوف نجد هناك العبارة صريحة وكأن القران الكريم قد إستعار هذه اللفظة من التوراة ليوثِّقها وليوظِّفها في البشارة،
هناك موسى ع يقول في التوراة في سفر التثنية الفصل ١٨، الآية ١٥:
"سوف يبعث الله لكم نبيا من إخوتكم مثلي، فأسمعوا له".
فإذن "وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ"، فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ۖ،
فمن هو ذلك الذين آمن على مثل موسى ع( وهو محمد ص وآله)؟
لا شك أن الذي آمن هم بنو اسرائيل، كما جاء في سورة الشعراء: "أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني اسرائيل" ، يعني حينما يُسألون، يُسأل علماء بني إسرائيل زمن محمد ص وآله في العهد المكي، حيث قريش تسأل علماء أهل المدينة من اليهود تقول لهم في كتبكم ترون أن محمداً ص وآله نبيا؟ والجواب : أنهم يقولون نعم، نجد صفته في كتبنا، ثم أيضا، هم قريش أنفسهم يحملون البشارة بمحمد ص وآله جيلا بعد جيل، من زمن إسماعيل ع حيث جاءت البشارة به، والقرآن الكريم يوثِّق هذا المطلب.
إذن ، "وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِهِ" فآمن واستكبرتم " ، فآمن المنصفون من علماء بني اسرائيل من أتباع موسى ع، لما وجدوا البشارة في كتبهم تنطبق على محمد ص وآله، كيف ؟
إذن موسى ع بشّر بنبي مثله، بصفاته، ما هي خصوصية موسى ع؟
خصوصية موسى أن الله تعالى بعثه وأرسل معه هارون أخاه وزيراً، يشاركه في الامر يدرأ عنه ينصره ويؤدي عنه
، هذه خصوصية موسى ع، لانجد في القران الكريم نبيّا قصّ الله تعالى علينا قصته أنه بعث معه وزيراً إلاَّ موسى ع وبطلب من موسى ع، أنَّ يؤيده بوزير من أهل بيته هو هارون ع.
الأمر نفسه يجدونه في محمد ص وآله وفي علي ع، يعني محمد ص وآله لما كلَّفه الله تعالى في غار حراء، حيث يُروي أنه كان مع رسول الله ص وآله علي ع يسمع الصوت ولكن لايرى الشخص، وأنه ع سمع هدّة عظيمة، سأل عنها رسول الل ص وآله ، حيث قال ع أنّي أسمع صوتاً، قال ص وآله هذا الشيطان قد يأس من عبادتي، إنك تسمع ما أسمع أنك لوزير، لست بنبي ولكنك وزير.
والقرآن الكريم يقول " أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ، وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ، الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ، وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ" الشرح / ١ -٤، الروايات عن أهل البيت ع تقول شرح الله صدره بعلي ع،

ومن جهة أحرى، موسى ع يقول: قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي، يَفْقَهُوا قَوْلِي، وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي، هَارُونَ أَخِي، اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي..." طه / ٢٥- ٣٢
هذه "الم نشرح لك صدرك" في سورة الشرح، جاءت بصيغة الماضي: ، وتلك في سورة طه جاءت بصيغة الطلب من الله سبحانه وتعالى ، والمقايسة والمقارنة بين هارون ع وبعثة هارون ع وتكليف موسى ع بالرسالة وتكليف محمد ص وآلع بالرسالة يثير أمورا عجيبة حقاً.

فإذن هنا الآية الكريمة تقول : "وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ مِثْلِه "، يعني شهد موسى ع بنبٍّي، أو أن الله تعالى سوف يبعث نبياً من أهل مكة بصفة موسى ع، يعني له وزير من أهل بيته ع، فحينما كلف الله تعالى محمداً ص وآله بالرسالة كان معه علياً ع، وصُنع علي ع على عين النبي ص وآله، ويروى عن علي ع أنه قال: لقد صليت مع النبي قبل أن تصلي الملائكة على الناس بسبع سنين، يعني كان علي منذ أن صار عمره ٦ سنوات تقريباً قد أخذه النبي ص وآله معه إلى غار حراء، وفي النهج عن علي ع: "يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِه عَلَماً"، ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه" ، فلما توفرت الشروط أن يكلف الله تعالى رسوله ص وآله بالرسالة، فكأنه بلسان الحال وسياق المقال قد طلب محمدٌ ص وآله من ربه كما طلب موسى ع من ربه، أن يؤيده بعلي ع، فكتاب الله يشهد أن موسى ع قد طلب من الله تعالى أن يؤيّده بهارون
ع، باعتبار أن هارون ع كان مع موسى ع وكان أكبر سنّاً من موسى ع، وكانا يتدارسان أمر المجتمع وأمر التوحيد وأمر الأنبياء فيما بينهما، يقول الله تعالى:" إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا"، فيقول يارب أيِّدني بهارون لأنه فصيح، أو أنه أفصح مني لساني، ولأنه يشاركني في الهم، فأجاب الله تعالى سؤله،:
"قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ" طه / ٣٧
وهنا، والحال نفسه مع النبي الخاتم محمد ص وآله، بلسان الحال، يارب أشرِك علياً معي، واجعله وزيراً، لأني قد ربيته، وما رزقتني من العلم أعطيته لعلي ع، وهو مثلي في الهم.
إنّ الأمر بمحمد ص وآله هو بتمامه الأمر في موسى ع مع هارون ع، وفي محمد ص وآله في علي ع، أمراً بأمر.

فإذن موسى ع بشّر بنبي بصفته، وهو محمد ص وآله، واليهود يقولون حينما يسمعون أخبار النبي ص وآله من قريش، كانوا يقولون: أنه محمد ص وآله، ومعه شاب عمره ١٣ او ١٤ سنة، معه يصدِّقه ويسير معه، وهكذا يقرأون قصة موسى ع.
وحينما هاجر النبي ص وآله إلى المدينة، فإذا بهم فعلا يجدون عليا ع، من النبي ص وآله كهارون ع من موسى ع، فطبعا يؤمنون.
فإذن "وشهد شاهد من بني اسرائيل على مثله فآمن"، أي أنه قد"آمن" علماء بني اسرائيل حينما رأوا انطباق البشارة، واستكبرتم، الخطاب لقريش.

نرجع للآية الكريمة، ماذا تقول؟،
تقول: قل أرأيتم، ياقريش، أن كان من عند الله، يعني أن كان هذا القرآن من عند الله يؤيد محمداً ص وآله ويصدِّق محمدا ص وآله، وكفرتم أنتم، من الذي سيخسر؟
"وشهد شاهد من بني اسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم"، من الذي سيخسر ،؟
"ومن قبله كتاب موسى اماما ورحمة"، كأنه يقول: افتحوا كتاب موسى ع ستجدون البشارة بمحمد ص وآله وعلي ع من كتاب موسى ع،
"قل أرأيتم ان كان من عند الله وشهد شاهد من بني اسرائيل على مثله ومن قبله كتاب موسى "، هذا يؤكد ما بيَّنَّاه أنَّ هذا الشاهد من بني اسرائيل هو موسى ع، وأن موسى ع بشّر بنبي مثله.

فإذن المقطع في سورة الأحقاف هو عين المقطع في سورة هود، وفي هذا بحث جميل ومفصَّل حينما نستعرض المقطعين ونقارن بين المقطعين حينئذ نجد خصائص واحدة في اتهامهم للنبي ص وآله: عماده قوله تعالى: " أم يقولون افتراه" ، متكررة هنا في سورة هود، وهناك ايضا الأحقاف: "ام يقولون افتراه"، وهكذا حينما يتحدث عن البشارة بالنبي ص وآله وعلي ع في زمن موسى ع، ايضا الامر نفسه.
نسأل الله أن يوفقنا للإستفادة من القرآن الكريم في معرفة الذين أنعم عليهم، حين نقرأ يوميا في سورة الفاتحة: اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، من هم الذين أنعم الله عليهم؟

لقد تحدثنا عنهم مفصلا في السور الأخرى، القرآن الكريم يتكفل الحديث بتفصيل عن الذين أنعم الله عليهم وجعل الله تعالى صراطهم صراطه، "اهدنا الصواط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ".
لقد جائتنا الفاتحة بمفتاح عظيم، ودلتنا على هذا المفتاح، أن صراط الله المستقيم هو صراط هؤلاء، وهؤلاء هم الذين أنعم الله عليهم، ولقد فصّل القرآن الكريم فيهم وعلي أوَّلهم علي بن ابي طالب ع.
إن هذه الآيات الآن، الآيات في سورة الأحقاف، والآيات في سورة هود تعطينا أمراً عجيبا في الحق الذي أوجبه الله تعالى لهم علينا، وما أوجب تبعا لذلك إتِّباعهم.
والحمدلله رب العالمين
ونسألكم الدعاء
🌑🌑🌑🌑🌑
إعداد خادم أستاذه وخادمكم:
عبدالله عيسى فيروز
الأثنين ١٩ من شهر رمضان المبارك
١٤٤٤ هجرية
١٠ / ٤ / ٢٠٢٣
🔰 على مائدة القران الكريم
🔶 سماحة العلامة المحقق السيد سامي البدري
🎥 الحلقة العشرون
22:41 دقيقة
https://youtu.be/6DN7JsxVq5g
🔰 على مائدة القران الكريم
🔶 سماحة العلامة المحقق السيد سامي البدري
🎥 الحلقة الحادية والعشرون
17:46 دقيقة
https://youtu.be/eX7Zt05ddZw
🔰 على مائدة القران الكريم
🔶 سماحة العلامة المحقق السيد سامي البدري
🎥 الحلقة الثانية والعشرون
17:11 دقيقة
https://youtu.be/DjcvqXmjC-A
🌑.. على مائدة القرآن الكريم
عرض لدروس شهر رمضان المبارك سماحة المحقق السيد سامي البدري
الحلقة - ٢٠ -
https://m.youtube.com/watch?v=6DN7JsxVq5g&feature=youtu.be
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله عليك يا سيدي يا أمير المؤمنين، يا علي بن أبي طالب
أعظم الله لنا ولكم الأجر، باستشهاد مولى المتقين.
"تهدّمت والله أركان الهدى"
🌑🌑🌑
تحدثنا في الليالي السابقة من اليوم السابع عشر مناسبة معركة بدر، وبعدها بحديثين، تحدثنا فيها عن أمير المؤمنين ع في بدر، وعن وصف أمير المؤمنين ع وعلاقته بالنبي ص وآله من خلال آيتين: الآية ١٧ من سورة هود، والآية ٨ من سورة الاحقاف.

🌑 عزيزي القارئ، لا تملّ ولا تضجر من التكرار، فإنّ الحديث عن أهل البيت ع عبادة، وهو إحياءٌ لأمرهم ولذكرهم.

إذن خلاصة القول أن:
الإمام علي ع، هو أوَّل الوارثين المُجْتَبَين المقرّبيِن الذين أنعم الله عليهم، والذين جاء ذكرهم في سورة الفاتحة بصفتهم صراط الله،
"اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ"
فما هو صراط الله هذا، الصراط المستقيم؟
إنّه صراط الذين أنعم الله عليهم، وهذه خصوصية سورة الفاتحة أنَّها قدَّمت للداعي ربه بالهداية المستديمة، قدّم الذين أنعم الله عليهم، بأن صراطهم وطريقتهم ومنهجهم في الحياة هو المنهج الذي رضيه الله تعالى وجعله صراطه المستقيم.
إنَّ الأصل أنَّ صراط الله هو دينه، ويمثّله كتابه، ويمثِّله نبيه، النبي ص وآله الذي يأتي ويدعو لكتاب الله، والله يؤسِّس للبشر منهحا بكتابه، فمن هو الذي يأتي بعد الكتاب؟، كتاب الله ومحمد ص وآله صاحب الكتاب، من هو الذي يدعو إلى الله ورسوله على خط مستقيم؟
بحيث أنَّ الناس يبحثون عن الإمتداد الرسمي لكتاب الله ولسنة نبيه، الله تعالى قد عيّن هؤلاء وسمَّاهم، وأنعم عليهم بالطهارة، أنعم عليهم بالقرب، وأنعم عليهم بأن يرثوا كتاب الله وسنة نبيه، وكان أوّل هؤلاء المُنعَم عليهم الذين تذكرهم السورة:
"اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ"،
أوّلهم علي ع، صِنو النبي ونفسه ص وآله، في آية المباهلة،هو صنوه بقول علي ع :
"أنا من رسول الله كالصنو من الصنو".

الصنو: هي النخلة ولها جذع واحد، ويصير لها رأسين يحملان التمر، بحيث يكون التمر في الرأس الثاني كالتمر في الرأس الأوَّل، وإذا أثمرت النخلة الأصلية تمراً برحيَّاً، فالفرع الثاني كذلك لا بد وأن يكون برحيّاً أيضا، فلايمكن أن يختلفا، فهما صنوان، هما صنوان، رسول الله ص وآله وعلي ع .
ويُروى عن علي ع: أنه يقول
"أنا من النبي ص وآله كالصِّنو من الصِّنو،"، وكأنه يريد القول بلسان الحال :" أنهما يحملان ثمراً واحداً، هذا الثمر الواحد أصله رسول الله ص وآله، قد أفاضه على علي ع بأمر الله، وأصله وحي الله إلى النبي ص وآله"، ثم يأتي من بعد ذلك القرآن الكريم ببيانه،
"فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ" القيامة / ١٨ - ١٩
هذا القرآن له تفسير إلهي، وهذا التفسير الإلهي يُسمِّيه البيان، والله أوحاه إلى محمد ص وآله ثم النبي ص وآله يمليه على علي ع، علي ع هو الكاتب الرسمي الوحيد للنبي ص وآله.
ما كُتب القرآن إلاَّ بخطِّ علي ع، ومِن إملاء النبي ص وآله، صحيح أن لكل صحابيٍّ مصحفه الخاص، ولكن هناك مصحف رسمي، قرآن رسمي، وكتاب رسمي، المصحف يعني القرآن وهو مجموع بين دفتين، بين جلدين، القرآن النسخة الرسمية المكتوبة باملاء النبي ص وآله هي بخط علي ع، هذه النسخة عليها تفسيرٌ يُمليه النبي ص وآله بهامش هذا القرآن، وتفصيل هذا التفسير في صحف أخرى، فعليٌّ ع له مع رسول الله ص وآله لقاءات خاصة يوميا بعد صلاة الفجر، وله لقاء آخر بعد صلاة العشاء، هذا الوقت مخصص لإملاء النبي ص وآله القرآن وتفسيره والأحكام على علي ع ليكتبها بيده ولتكون ميراثا إلهيَّاً، هذا موقع علي ع، وهذا الموقع بُيّن في الكتب الأُولى كما بُشّر برسول الله ص وآله فيها، لقد بُشّر برسول الله ص وآله ومعه علي ع وزيره من أهل بيته كوزارة هارون من موسى عليهما السلام، وقد تحدثنا في الحديثين الماضيين عن ذلك.

إنَّ الثمرة العملية لهذا الموقع، لموقع علي الذي شخصته الآيات، تظهر بعد النبي ص وآله بعد وفاة النبي ص وآله، والله تعالى يقول في القرآن الكريم: " وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ آل عمران / ١٤٤،
إنّه إنباء من الله تعالى أنه بعد محمد ص وآله، سواء مات أو قُتل سيحصل إنقلاب في المجتمع، "انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ"، والخطاب موجه للمسلمين عامة، ولكنه هو خطاب لقريش خاصة، والتي تركت الحرب وأعلنت الاسلام، وخططت لأن تحتوي الإسلام من الداخل، قرَّرَت أن تستلم خلافة النبي ص وآله، وَتَحُول بين الخليفة الذي عيَّنه الله تعالى،
والامام الذي عيَّنه الله أن تَحُول بينه وبين أن يواصل حركة النبي ص وآله في تعليم المجتمع، هذه قضية يُنبئ بها القرآن الكريم ليس بآية واحدة، فهذه الآية هنا صريحة، ولكن آيات كثيرة أخرى كما في قوله تعالى:"لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ" الانشقاق / ١٩، يعني لتظلمُنَّ يا قريش المسلمة آل محمد ص وآله، الذين عرّفتهم آية المباهلة: " ...فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ .." آل عمران / ٦١، فهناك شخص بمنزلة نفس النبي ص وآله هو علي ع، لأنَّه من روى قصة المباهلة ذكر عليا وفاطمة عليهما السلام، التي هي تمثل نساء النبي ص وآله، بنت النبي ص وآله، وذكر الأبناء الذين هم الحسن والحسين ع، فعلي ع نفس النبي ص وآله، لذلك حينما يقول علي ع أنا من رسول الله ص وآله كالصنو من الصنو، لم يتجاوز الحد في هذا التعريف، وأيضا قال وكالذراع من العضُد ، الذراع هو هذا المقطع الأوَّل الذي يباشر الأعمال، والعضُد هو الذي يربط اليد كلها بجسم الإنسان، ولايمكن تصور نشاط ليد الإنسان بلا ذراع، فالذراع هو الذي يباشر الحوادث اليومية التي تخص الإنسان، ذراعه أولاً ثم عضده هو الواسطة الذي يربط بين الذراع وبين جسم الإنسان، فعلي ع هو ذراع النبي ص وآله في حروبه، الذراع تعني القوة فيما تعني، علي ع حينما نستعرض حروب النبي كما عرضنا في معركة بدر، كان علي ع هو الأول في هذه المعركة، هو ذراع النبي ص وآله، وحينما وصف القرآن الكريم أن معركة بدر آية، يعني أن الإنتصار والنصر الذي سجله النبي ص وآله ومن معه على المشركين، هذا آية لله تعالى، وكما قلنا أن معطيات الأمور ما كانت تسمح بأن ينتصر المسلمون لولا وجود علي ع ومؤمنون معه، ولكن علي ع هو الأصل، هو الذراعٌ لرسول الله ص وآله.
إنَّ هذا الذراع هو الذي طلبه النبي ص وآله من الله تعالى أن يؤيده به، وكذلك هو نفسه الذي رآه الأنبياء ع في الإسراء حينما كُشف العرش للنبي ص وآله أو للأنبياء من قبل يقرأون أسم محمد خاتم الآنبياء ص وآله ، محمد رسولي أيدته بعلي، صلوات الله عليهما.
تحدثنا عن هذا، الكلام بعد وفاة النبي ص وآله، الإنقلاب على الاعقاب، ما الذي جرى بعد
وفاة النبي؟.
لقد طُوِّقت سُنَّة النبي ص وآله في المجتمع، أصدرت الخلافة نهياً للمسلمين عن أن يتداولوا سنة النبي ص وآله بحرية، فلايحق لكم تداول السنة إلاّ بمقدار ما نسمح لكم، ثم اجتهادات حصلت من قبل الخلفاء إزاء سنة النبي ص وآله، مُتعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أُحرمهما، باجتهاد وفُرض هذا التحريم على المسلمين بالقوة بالحديد والنار، وخرّب حُكمين شرعيين هما من عيون الأحكام في الشريعة الاسلامية:
١- الحج شاقٌّ على الناس من خلال فرض الإحرام، إذا أحرم الإنسان في الحج حرُمت عليه أكثر من عشرين قضية، وبالتالي كل قضية إذا مارسها عليه أن يدفع فدية أو كفارة، فعلى سبيل المثال، إذا قام بحكِّ جلده وخرج دم فعليه أن يكفّر، فبالتالي الإنسان يحاول أن يُقصّر من مدة الإحرام من أجل أن لا يقع في الإحراج، لذلك كان بين العمرة وبين الحج فاصلة، فجاء الخليفة الثاني وقال هذه الفاصلة التي تسمى "متعة الحج"، هذه أنا أحرِّمها، فبالتالي قدّم للناس حجّا صعبا، ولكن ولله الحمد فيما بعد أحيا علي ع الشعيرة الصحيحة بإعادة العمل بالتشريع الصحيح.
٢- والأمر والحكم الآخر هو نهيه عن متعة النساء، ومتعة النساء كما يقول يِروى عن أمير المؤمنين ع قوله: لولا تحريم عمر للمتعة ما زنى إلاّ شقيِّ، اليوم يشكل الزنا مشكلة أساسبة في المجتمع العالمي، وأنبت وانجب هذا الزنا المثلِيَّة، باكتفاء الرجال بالرجال والنساء بالنساء والعياذ بالله، وهذه كلها من تبعات الزنا، فهذا النوع من الفساد يتحدى السنن الإلهيّة ويهدد إستمرار الجنس البشري حينما يكتفي المثل بالمثل، ولذلك قال علي ع لولا تحريم عمر للمتعة ما زنى إلاّ شقيٌّ، نحن لا نريد أن ندخل في تفاصيل هذه الأدلة، فالأدلة مطروحة في كتب شيعية وفي كتب روائية معتمدة عند السنة، المسألة مفصلة، وإنما نريد أن نشير إلى أن القران والسنة جآءا ليقدّموا للانسان منهاج حياة ميُسَّر تُحلُّ به المشاكل، والمجتمع حينما يطبق حكم الله تعالى، من خلال كتاب الله وسنة نبيه، ثقوا لا تبقى مشكلة في الأرض، وإنَّ أساس المشاكل هو الابتعاد عن كتاب الله وسنة النبي ص وآله.
إذن حسنما قال الله تعالى:
" وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ" آل عمران/ ١٤٤،
فما الذي كانت عليه قريش في الأعقاب(في جذورها) ؟ حوّلت دين إبراهيم ع السمح، الحنيفية السمحاء، حولتها إلى طبقية، حولت الدين إلى هدف يُستغل للإنسان، فبدل أن يكون الدين من أجل الإنسان ومظلة يحتمي به لحل مشكلاته وتيسير الحياة السعيدة على الأرض، حولت الأهواء البشريّة الدين إلى عقدة وعقبة، فجعلت مصلحة الإنسان تتعلق بتغيير شعائر وأحكام الدين، ولكن بتحريفات قريش قبل الإسلام حولت دين ابراهيم ع إلى طقوس يُفنىٰ الإنسان فيها بدل أن تفنى في الإنسان وإصلاح حاله ليرتقى إلى مقام لقاء الله ربه سبحانه وتعالى.
لقد جاءت الأحكام الشرعية من أجل تربية وتهذب الإنسان، ولقد بلغ الأمر في دين قريش قبل البعثة النبوية أن حرّفت الحج وجعلته صعبا واستثنت نفسها من الوقوف بعرفة، وفرضت على الناس أن يطوفوا بثياب قرشيِّة بحيث نشأت طبقيّة واضحة، وسُحق الانسان الإعتيادي في طبقة تَفْجُر، طبقة تستفيد من الدين والآخرون يعملون لصالحها .
فإذن ما حصل بعد وفاة النبي ص وآله إنقلاب على الأعقاب بمعنى رجوع الأمر إلى الجاهلية، يعني إلى ما كانت عليه قريش الجاهليّة، ولذلك نجد أن قريشاً حرَّمت حج التمتع وحرمت أمورا اخرى، أسوة بإنقلاب قريش الكافرة بعد عبدالمطلب، يعني أحيت دين قريش بإطار محمد ص وآله الذي ما كان لهم القدرة على الكفر به خاصة بعد الفتح العظيم في مكة المكرّمة، بمعنى أنهم استغلوا شعار الشهادة لمحمد ص وآله .
ومن تلك الإنحرافات هو التفاوت بين الأنساب، فمن بعد الحكم بأن لا فضل لعربي على عجمي إلاّ بالتقوى وجعله هو الأساس الذي بُني عليه المجتمع الاسلامي، صار في المجتمع بعد وفاة النبي ص وآله بإنقلاب قريش المسلمة صار هناك فرق بين العربي والأعجمي، بحيث صار العربي مُفضَّل، وصار الاعجمي المتدين ليس كفؤا للمسلمة العربية المتدينة، بحيث لا يحوز أن يزوجوه، وشهدت الشعوب التي دخلت للإسلام بالفتوح (المعروفة بمُسلِمة الفتوح) شهدت حالات أحسَّت أنه لم يختلف شيئ عما كانت تعيشه في مجتمعاتها الجاهلية.
إذن سنة النبي ص وآله وكتاب الله قد طُوِّقا، فمن هو الذي فكَّ وكسر هذا الطوق عن سنة النبي ص وآله وأحياها من جديد، وأعاد للإسلام سماحته من خلال إعادة سنن النبي إلى المجتمع؟.
إنّه الإمام علي ع، علي ع هو تَرِكة النبي ص وآله بعد أن أحسن إعداده ليقوم بهذا الدور في مواجهة الإنقلاب القرشي الجديد والوارث لإنقلابات قريش قبل البعثة على أولياء الله الأوصياء من بني إسماعيل ع.
إنَّ القرآن الكريم يصف هؤلاء الوارثين السابقين المقرّبين بقوله تعالى:
" أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ۚ
فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ" الأنعام / ٨٩
إنّ قوله تعالى : "فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ" يعني قريشاً، إذا كفرت، يعني إذا كفرت بالسنة، بحيث تؤمن بالكتاب، وتقول أنَّ الكتاب "كتاب الله"، وتقول مع هذا القول أيضا "حسبنا كتاب الله".
إنَّ معنى قولهم "حسبنا كتاب الله" يعني أنهم لا يحتاجون إلى سنة النبي ص وآله، وبالتالي يُعْمِلون آراءهم.
إنَّ القرآن الكريم، كتاب الله سبحانه فيه آيات محكمات هن أم الكتاب وأُخَر متشابهات، فاما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه، وإنَّ الآيات المتشابهة هي آيات يكثر فيها الجدل ويمكن أن تحمل أكثر من معنى، فلذلك كان الحلُّ الحاسم لما يُراد أو للمراد الجِدِّي من المتشابه هو الرجوع إلى المحكمات من كلام الله وإلى السُنَّة، لأن الله تعالى بيّن المراد الجدي من هذه الآيات المتشابه لرسوله ص وآله، حين إعلمه تأويل القرآن الكريم ورسوله ص وآله بَيّنَه للناس، وهذا صريح في قوله تعالى في هذه الآية المحكمة التي تمثل مسطرة وميزان وضمان لعدوم حصول الزيغ بإتباه الأهواء في عملية التأويل الخاطئة:

"هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ" آل عمران / ٧.

وهؤلاء الإنقلابيّون حين رفعوا شعار "حسبنا كتاب الله"، وحين رفضوا للسنة أوجدوا حالة من الزيغ ومدخل للفتنة في المجتمع، ولقد جاء علي ع الذي إدخره الله ورسوله لمثل هذه الفِتن، والذي كان قد أعده الله واعده رسوله من أجل أن يواجه إنقلاب قريش على السنة النبوية .
ولقد جاء في :الخبر
"إنَّ منكم مَن يُقاتِلُ على تَأْويلِه، كما قاتَلتُ على تَنزيلِه"، قال: فقام أبو بكْرٍ، وعمرُ فقال: "لا، ولكنَّه خاصِفُ النَّعلِ"، وعليٌّ يَخصِفُ نَعلَه.
الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : شعيب الأرناؤوط | المصدر : تخريج المسند لشعيب
الصفحة أو الرقم: 11289 | خلاصة حكم المحدث : صحيح

صلى الله عليك يا سيدي يا أمير المؤمنين، حين أعدّك النبي ص وآله بأمر من الله تعالى لتواجه الإنقلاب على الأعقاب، وقد نجحت فيما قمت لأجله، خلافا لما يقوله كثير من المعاصرين أنّ عليّاً لم ينجح، وأنَّ عليا كان يُعْوِزُه الدهاء ويعوزه السياسة، وما ذُكر أن علي ع كان عنده علم ولكن لم تكن عنده سياسة.
لا ، علي ع كان البطل وعلي كان الدبلوماسي، وإنَّ صلح الحديبية كشف لنا عن الدبلوماسي الأول بعد النبي ص وآله، وأنَّه هو المقاتل الأول هو علي ع، وعادة لا تجتمع أن يكون مقاتلا من الطراز الأول وأن يكون زاهدا عابدا فارسا راهبا بالليل وأن يكون دبلوماسيا، علي ع قد جمعها الله سبحانه له.
صلى الله عليك يا أمير المؤمنين في أايام شهادتك .
والحمدلله رب العالمين
ونسألكم الدعاء
🌑🌑🌑🌑🌑
إعداد خادم أستاذه وخادمكم:
عبدالله عيسى فيروز
الثلاثاء ٢٠ من شهر رمضان المبارك
١٤٤٤ هجرية
١١ / ٤ / ٢٠٢٣
🌑.. على مائدة القرآن الكريم
عرض لدروس شهر رمضان المبارك سماحة المحقق السيد سامي البدري
الحلقة - ٢١ -
https://m.youtube.com/watch?v=eX7Zt05ddZw&feature=youtu.be
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله عليك يا سيدي يا أمير المؤمنين، يا علي بن أبي طالب
أعظم الله لنا ولكم الأجر، باستشهاد مولى المتقين.
"تهدّمت والله أركان الهدى"
أشقى الأوّلين عاقر ناقة صالح
وأشقى الآخِرين قاتل مولى المتقين

مرة أخرى يأتي التناظر بين الأوَّلين والآخِرن، ولكن هذه المرة لبيان مظهر أشقاها، من الأولين والآخِرين، وبما أن الآخِرين من السابقين المقرَّبين الذي نتاجات عطاءهم الكثير لعظيم المقام، يتبين كم هي شديدة العقوبة، ومن سنن الله تعالى أنَّه كلما تأخرت العقوبة وظهر حلم الحليم، كلما بان للعقول عظيم الغضب.
فإن كان غضب الحليم سبحانه على عقر ناقةٍ من الأوّلين قوله تعالى
فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا"الشمس / ١٤
تُرى كيف يكون غضبه سبحانه في طبر قامة إمام المتقين؟

وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ" النمل / ٨٢

وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ"
النمل / ٩٣
🌑🌑🌑
صلى الله عليك يا أمير المؤمنين في يوم شهادتك، وقد عرَّف رسول الله ص وآله شخصك في يوم الشهادة بناقة صالح:
"يا علي ! أشقى الأوَّلين عاقر الناقة،
وأشقى الآخِرين قاتلك"
وفي رواية: من يخضب هذه من هذا (وأشار إلى لحيته ويافوخه)
تفسير نور الثقلين , ج5 , ص587

أشقى الأوَّلين عاقر ناقة صالح:
ناقة صالح كانت تسقي أهل القرية حليبا يستفيدون منه كامل الإستفادة مجانا، كانت تتحرك على البيوت ليأخذ كل بيت منها ما يحتاجه، وكان شرطها، شرط نبي الله صالح ع على قريته أنَّ الماء يكون يوما لناقة صالح تشربه، ويوما لهم، في اليوم الذي يكون الماء لناقةصالح تعوِّضهم الناقة بالحليب، ويستطيعون أن يستفيدوا من هذا الحليب لإنتاج مشتقاته، وبالتالي عَمُرت حياتهم بعد القحط، مرّوا بقحط إبتلاهم الله تعالى به، فصارت عدة نياق مما يملكون لا تُعطي شيئا يُسمن، ولا تُعطي شيئا من الحليب يروي، فأنعم الله تعالى عليهم بما قصَّه علينا من القصص.
غير أنَّ أشقياء منهم طغت، وليس كل الناس، فأحيانا عامة الناس بريئون وصالحون ولكن تظهر فئة منهم منحرفة، فلا ينهضوا العامّة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليقفوا أمام هؤلاء العابثين، وبالتالي يحرمون الناس ويحرمون أنفسهم بإنحراف عدد أفراد محدودين، وهكذا الذي حصل.
كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ" المائدة / ٧٩
نهض عليٌّ ع في المجتمع المسلم الذي يُعلِن يوميا الشهادتين، وكان سَنام عقيدته التوحيد والنبوة، كما ويؤدي الفرائض، ولكنه لايعلم ركائز سُّنَّة النبي ص وآله، واحيانا تُحرَّف معاني آيات الكتاب وتزيغ القلوب بإتباع تآويلات الأهواء ونزغ الشيطان.
فبالتالي ترى أنَّ المجتمع إطاره العام إطار إسلامي صحيح، تكثر دور العبادة فيه، بل وحفظ القرآن فيه الريادة والسيادة، وترتيل وتجويد أشجى، غير أنه يغيب عنه ما يتقوّم به الدين ويحيا به الذكر الحميد من محور الإعتقاد، وهو وجود إمام هدى يمحو عن الدين كل إرتاب، ويحمل الناس على بصيرة من أمر الله تعالى، ولكن يصبح المجتمع وعمله وثقافته قد إبتعدت عن الصحيح، مثل حال هذا المجتمع مثل الطبيب المتخصص الذي أعطى وصفة صحيحة للمريض ولكن هذه الوصفة الصحيحة حُرّفت وشوّهت، وبالتالي حينما يأخذ المريض الدواء وبانتظام، لكنه لا ينتج العلاج، هكذا كان الأمر في عصور مختلفة من مسيرة البشر مع خط الهدى الإلهي، فإنَّ الاسلام الذي جاء به محمد ص وآله إسلام يصنع الإنسان النموذجي السعيد في حياته، والمتعاون السِّلمي الآمن.
كانت قريش قد جاءت وحرّفت ذلك الهدى الإبراهيمي، وخلطت إلى جنب تحريفاتها لسنة النبي ص وآله، خلطت الثقافة المنحرفة لأهل الكتاب بثقافة الاسلام، فانتشرت البِدع، حينما تسلّط من يفسّر القرآن الكريم، فيينشر قصص التوراة المحرَّفة والتي من طبيعتها وشأنها أن تشوّه معالم الهدى بتشويه سيرة وسنة الأنبياء، فنشرت القصص بين المسلمين، وجعلت المسلمين يتعاملون مع هذه الثقافة على أنها هي الأصح، والقرآن الكريم يصفهم على أنهم يحرِّفون الكلم عن مواضعه:
"فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ
يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ ..."المائدة/١٣
فالإنحراف كما البناء لا يأتي فجأة، ولكن له سنن، تبدأ بالغفلة فالإعراض، فالصدّ عن السبيل، ثم المجاهرة بالفسوق، لينتج من ذلك مجتمع منسوخ بمسخ أفراده قردة وخنازير.
وهذا شأن الواقع المعاصر، عندما تسللت خيالات علوم الثقافة الغربية المعاصرة في عملية غزو مبرمجة حصدت ما تبقى من ثقافة دين مبتورة فجعلت المجتمعات الإسلامية تهيم على وجهها تكاد تكون فاقدة كل مقوّات النهوض.
فصار في المجتمع القرشي أخلاط من مجاميع ضالة من أهل الكتاب وغيرهم يُسرّبون في المجتمع ثقافة اسرائيلية منحرفة، ساعدتها اجتهادات في تأويلات زائغة من عنديّات بعض الأصحاب في قبال السنة النبوية.

لقد فُتحت البلاد شرقا وغربا على هذا الحال ونشأ جيل قام على أكتاف مُسلِمة الفتوحات، لا يعلمون من تراث أهل البيت ع ما يشرح صدورهم للإسلام الصافي، وبنفس الوقت صارت البلاد تُحكم بديكتاتورية مقيتة، أمويّة وعباسيّة، ثم توالت الفتن حتى وصلنا اليوم إلى حالة أشبه بالغيبوبة التّامة مع الغزو الثقافي الغربي، في فتنتها العظمى.
قد يستغرب الإنسان من هذا الوصف، غير أن التاريخ الإسلامي يُعطي نماذج من بدايات الإنحراف عن التفسير والتأويل الصحيح، إذ يذكر في مجاميع التاريخ والتفسير مثالاً طلب فيها شاب من المسلمين تفسير آية من القرآن، في مصادر تذكره كل كتب التفسير، والآية هي " وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا"، فصدر أمر بالمنع من التفسير، بل والمنع من سؤال عن تفسير آية، يذكر المفسرون، هذه القصة، ان رجلا أسمه "صَبيغ التميمي" كان في حلقة من حلقات القرآن في الكوفة، فأقرأهم المقرئ "وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا"، فسأل صَبيغ هذا المقرئ، ما معنى "وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا"، قال نهانا فلان، نحن منهيّون على أن نجيب على أسئلة في القرآن الكريم، وكُتب تقرير أن فلان يسأل، وكُتب التقرير، ثم إلتحق صبيغ بالحج ومن الحج إلى المدينة، ووصلت الأخبار أن صبيغ بالمدينة، وأُتي إلى حيث القضاء، وكان قد حُضِّر له عراجين النخل، عثوق النخل إذا يبست تصير مثل السياط، وضُرب صَبيغ، بعد أن جُرِّد من ملابسه، والدماء تتطاير من على رأسه، وصَبيغ هذا للتو جاء من الحج، لا يدري على ماذا يُضرب، لا ذنب له، ولايخطر بباله، أنَّ السؤال عن تفسير آية يُعتبر جريمة !! إلى أن وصل الحال بصبيغ أن يقول إن كنت تريد قتلي فاقتلني غير هذه القتلة، وإن كنت تريد شفائي مما بي، فقد شُفيت، ولن اسأل بعدها.
هي قصة نُقلت مع التصرف، تعكس هذا الجو من الديكتاتورية، جوّاً لا يمتُّ بصلة لهدي النبي الخاتم ص وآله، والذي أُسس المجتمع عليه، من حرية السؤال والمناقشة، حتى أن النبي ص وآله في أواخر أيامه عرض نفسه :أن أيُّها الناس يوشك أن أُدعى فأُجيب، فمن ضربته بسوط فليقتص مني، إن هذا شئ وتلك القصة شئ آخر.
وهكذا شهد الناس من مُلك قريش تصرفات أذلَّتهم، ولكن كان الخوف سيد المواقف.

لقد أحيا علي بن أبي طالب ع سماحة الإسلام وثقافته الصحيحة، وأحيا صور التصرف الذي ينبغي أن يكون عليه الحاكم، والحديث لا يسع أن نُفصِّل فيه.

نهض علي ع في المجتمع، مجتمع البلاد المفتوحة، شرقا وغربا، والتي تربّت على هذه السياسة وتصورتها هي سياسة النبي ص وآله، ووفق هذه المعلومات المتاحة، وتصورت أنّها هي المعلومات الصحيحة، فمثلا ، من الإسرائيليات التي انتشر بينهم هي قصة داوود وأوريَّا، حينما يأتي ليفسر الآيات الكريمة في داوود ع، مثل كعب الأحبار لايفسر إلاّ بما يجده في التوراة، فما الذي يجده كعب في التوراة؟، للقارئ أن يراجع القصة من التوراة، وتفسيرها المنقول في كتب التفسير.
فحينما يقرأ الانسان مثل هذه القصص، والتي بها يُفسَّر القرآن، وبها يُعرَّف نبي الله داوود ع، فماذا يتبقى من الحرمة للأنبياء؟ وبالتالي للدين نفسه؟.

هذا نوع من التحرك جرى في المجتمع بفعل السياسة السابقة، فانتشرت قصص الإسرائيليات تُهين الأنبياء، مع إنتشار بضع أحكام محرفة عن متعة الحج وغيرها، لذا نهض علي ع ليعيد للإسلام أَلَقَه ونقاءه، وعادت للظهور صفحات البهاء في ثقافة وسيرة الحاكم الإسلامي.
علي ع حينما كان يصلي في الكوفة (بعد معركته في النهروان ضدالخوارج)، وكان ابن الكوَّا واحد من هؤلاء ممن أراد أن يُعرِّض بعلي ع، فقرر أن يُعرّض بعلي وقت الصلاة، والصلاة جماعة في مسجد الكوفة، وعلي يقرأ (الفاتحة)، واذا بهذا يقول بصوت عالي: " ولئن أشركت ليحبطن عملك" ، هذا قرآن وذاك قرآن فعلي سكت، لأنه لا يجوز اللغو في القرآن، وتركه يكمل، حتى إذا سكت أكمل قراءته، وهكذا كرر إبن الكوَّا ، إلى أن سكت وأكمل علي ع الصلاة ولم يصنع به شيئا غير توبيخه، ولم يسجنه.
أنظرو كيف يسير علي ع بالحرب مع أعداءه من الخوارج :
يُروى أنه ع يقول لأصحابه نحن نقاتلهم بعد الزوال حتى نفسح لأحدهم المجال بالتراجع حينما يَعُضُّه السيف، والله لأن ينجو أو يهرب مني إنسان أحب إليّ من أقتله على الضلالة، أُحب أن تَعْشُو إليَّ أُناس إلى الهدى.
هذا الإنسان(علي ع) في قبال من يقتل من لايبايعه، لماذا قُتل مالك بن النويرة وسعد بن عبادة؟ قِتلوا لأنهم لم يبايعوا.
إذن علي ع في سيرته وفي نهضته صَحَّح الأوضاع تصحيحا كاملا ونجح، لكن نجح في النصف الشرقي من البلاد الاسلامية، واستطاع معاوية أن يطوِّق البلاد الغربية وتبقى على جهلها بعلي ع، ولكن نهضة علي ع حينما نجح في كسر الإطار الذي أُقيمت عليه حكومة من قبله، ماهو هذا الإطار؟
الاطار هو أن يُبايع على كتاب الله وسنة نبيه وسيرة الشيخين، طبعا عُرضت أول مرة على علي ع، فيُروى أنه ع قال لهم إذا كانت سيرة الشيخين مطابقة لسنة النبي ص وآله فلا داعي لذكرها، وإن كانت مخالفة فلا حاجة للعمل بها، "إن كتاب الله وسنة نبيه لا يحتاجان إلى إجّيرا أحد(يعني مساعدة أو تقويم أحد)، فرفض سلام الله عليه عرض الخلافة، وعُرضت على عثمان فنهض بها.
إذن الآن الدولة تقوم على كتاب الله وسيرة الشيخين، وصارت سيرة الشيخين جزء من دستور الدولة، وجرى ما جرى في تسلسل الأحداث ما يعرفه القارئ المنصف.
نهض علي ع سنة ٢٧ هجرية، وتؤرخها حادثة "عُسفان" في مسير علي ع وإهلاله بحج التمتع، معلنا أن يحج حج التمتع، وحين سُئل عن سيرة الشيخين فيها، يِروى أنه قال: هذه السيرة تخالف سيرة النبي ص وآله، فجرى حوار بينه وبين عثمان في عُسفان حول متعة الحج، علي ع يُهِلُّ بعمرة وحج والمسلمون يُهلّون بحج فقط، فاستدعاه عثمان وقال: لماذا نأمر أمرا وتخالفنا الى غيره، فيُروى أن عليًا ع قال: والله ما كنت لأدع سنة رسول الله لقول أحد من الناس، هذا مسطور في البخاري، بمعنى آخر أنّ هذه السيرة التي تعاتبني عليها أن أعمل بها ليست سيرة النبي ص وآله.
إذن أظهر الإمام علي ع للناس أنَّ ما عُرف بسيرة الشيخين إنّما هي اجتهادات في قبال سنة النبي ص وآله، وبذلك فُتح الباب لمُسلِمة الفتوح أن ينفتحوا فيه على كتاب الله وسنة النبي ص وآله، حيث نجح علي ع في نهضته في النصف الشرقي من البلاد الاسلامية(الكوفة)، في أن يفتح من جديد حالة في المجتمع تتحرر فيها من سيادة الرأي الواحد ويؤسس بذلك التعددية، ويُعرِّف الناس أن الرأي الصحيح هو ما عليه الكتاب والسنة.

صلى الله عليك يا أمير المؤمنين، لولاك ما اهتدى الناس إلى حجِّهم وإلى كثير من سنن نبيهم ص وآله،
سلام الله عليك لقد كنت كناقة صالح تمنح المجتمع الطعام الهنيِّ والماء النقي، فأبى بعض النّاس إلاّ عقر ناقة محمد ص وآله، وواصل من بعدك وِلدُك، من أجل هذه السيرة، وأن يُحيُوا سنة النبي ص وآله.
ما كان لعلي ولا للحسن ولا للحسين ولا للتسعة من ذرية الحسين صلوات الله وسلامه تعالى عليهم، أجمعين، من هَمٍّ إلاَّ إحياء سنة النبي ص وآله، وعنهُ تلقِّى شيعته، شيعة أهل البيت ع، فإنَّ شيعة علي ع إنّما هم الآخذون بسنة النبي ص وآله والتي أحياها علي ع.

صلى الله عليك يا أمير المؤمنين، وحشرنا الله تعالى من شيعتك وأتباعك، لِنَضْمَن لأنفسنا أنّنا من أتباع رسول الله ص وآله ومن المُصدِّقين بسنته.

أعزتي،،،
إنّ هذا النَفَس المنهجي من الطرح العقائدي من خلال السيرة والتاريخ والتفسير إنّما هو لكشف "منهج"علي ع في نهضته، ولقد استغرق سيدنا الأستاذ سامي البدري شبابه وشيبته في حصد منظومة دينية ثقافية تناسب كل الأجيال والأعمار.
إن نهضة عليّ ع هي أوّل عملية تصحيح لإنحراف لولاها لما بقي من الثقلين- كتاب والله وعترته- شئ، ولتعرّض هذا الدين لعملية هدم وتحريف ليس لها سابقة.
" لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ" آل عمران / ١٦٤.
ورسول الله ص وآله منظومة كاملة، بعثها الله تعالى رحمة للعالمين، بمحمد ص وآله وعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين والتسعة المعصومين من ذرية الحسين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

والحمدلله رب العالمين
ونسألكم الدعاء
🌑🌑🌑🌑🌑
إعداد خادم أستاذه وخادمكم:
عبدالله عيسى فيروز
الأربعاء ٢١ من شهر رمضان المبارك
١٤٤٤ هجرية
١٢ / ٤ / ٢٠٢٣
🌑.. على مائدة القرآن الكريم
عرض لدروس شهر رمضان المبارك سماحة المحقق السيد سامي البدري
الحلقة - ٢٢ -
بسم الله الرحمن الرحيم
https://m.youtube.com/watch?v=DjcvqXmjC-A&feature=youtu.be

هذه الحلقة مكرّسة للتوسّع في الحديث عن سورة الإسراء، هذه السورة قد إستهل الله تعالى بها مجموع آياتها بقوله سبحانه:

"سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" الإسراء / ١

ما علاقة حادثة الإسراء ببحثنا؟
الإسراء هو وصفٌ لعملية السير ليلا كما أشرنا سابقا، يبدأ بالليل، إلى قبل أن ينقضي الليل وينتهي، وقبل أن يطلع الفجر.
هي رحلة ليليَّة لخاتم الأنبياء ص وآله من مكة إلى فلسطين، وإلى بيت المقدس، وكان بيت المقدس آنذاك مهدوما، ومرّ ص وآله بمسجد الكوفة وهو في الطريق إلى بيت المقدس، فهي رحلة في التاريخ يزور فيها النبي ص وآله مكانين مهمّين ومقدّسين في حركة الأنبياء ع، بيت المقدس الذي شُيّد لألف سنة قبل الميلاد من داوود وسليمان عليهما السلام، فداوود ع نذر وأسس هذا البيت الأقصى المُكرّم، وسليمان ع أكمل بناءه، وكان الأقصى قِبلةً خاصّة لبني إسرائيل وأنبيائهم إلى عيسى بن مريم عليهما السلام، مبنيَّاً عامراً، وهُدّم في المرة الأولى على يد البابلي نبوخذ نصّر سنة ٥٨٦ ق م، وجُدّد بناءه في عهد كورش(ذو القرنين) حاكم الدولة الإخمينيّة، الذي حرّر بني إسرائيل من الأسر البابلي بعد عدة عقود من الأسر وهدم الهيكل، ولكن لما غزا الرومان بيت المقدس سنة ١٣٥ ميلاديّة، هدّموا هذا البيت تماما وأزالوا آثاره عدا حائط المبكى القائم حاليا، وأجلَوا اليهود وقتلوهم، وبقي الأقصى مهدوما وإلى اليوم، كما انبأ عيسى ع:
" هو ذا بيتكم يا بني اسرائيل، وبيت عزكم، قبلتكم، سوف يبقى خرابا، هو ذا بيتكم يُترك لكم خرابا" ،
إذن البيت- الهيكل- هو قبلة بني إسرائيل الخاصة هُدمَ منذ سنة ١٣٥ م على يد الرومان وإلى اليوم، وكان قبلة للمسلمين طيلة الفترة المكية من البعثة النبوية إلى ثمانية عشر شهرا من قدوم النبي ص وآله إلى المدينة حيث تم تحويل القبلة في ١٨ شعبان من السنة الثانية للهجرة إلى مكة المكرمة في البيت الحرام.
نعود للحديث عن زيارة النبي ص وآله للمسجد الأقصى في معجزة الإسرآء،
فما هو هدف هذه الزيارة؟

هدف الزيارة، كما تكشفه روايات أهل البيت ع خاصة والروايات لدى عامّة المسلمين، هو أن يلتقي النبي الخاتم ص وآله مع الأنبياء الذين رافقوا وساهموا في مسيرة بيت المقدس، منذ زمن داوود ع وسليمان ع إلى زمن عيسى ع، باعتبار أن هذه الأمة، أمة بني اسرائيل وما كتب الله تعالى أن يكون لها رسالة قد بُدء أمرها من زمن موسى ع، فكان اللقاء أيضا مع موسى ع وآل هارون ع،
فإذن السفر والرحلة إلى بيت المقدس ترمز إلى لقاء النبي ص وآله مع الأنبياء من بني إسرائيل ليُحدِّثوه عن هذه التجربة التي إقترنت بالبيت وامتدت إلى ألف سنة، وما قبلها أيضا بحدود ٦٠٠ أو ٧٠٠ سنة، بحدود ٢٠٠٠ سنة من تاريخ بني إسرائيل، يحدثونه عن تجاربهم الماضية، وكيف أفسد بنو إسرائيل، وما هو إفسادهم.
إنّ إفسادهم الأكبر يتمثل بقتلهم الأئمة والأنبياء من آل هارون ع، فعاقبهم الله تعالى عقوبتين تاريخيَّتين، كما جاء في الآيات الأُوَل من سورة الإسراء الكريمة،

" فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا" النساء / ١٥٥

وفي ذلك الوقت كان مسجد الكوفة أيضا مهدوما، ولا يعرف الناس في أهل المنطقة، أهل الحيرة، ما هو هذا المكان، إلاّ فيما يرون في "مسجد السَّهلة" من تاريخهم المقدس، ولكن هذه المعلومة لا تشكل حالة عامة اليوم، اليوم لايعرفون قيمة أو علاقة مسجد السهلة في الكوفة بقبلتهم الأولى قبل أن يبني داوود وسليمان عليهما السلام المسجد.
في رواياتنا أن مسجد السهلة كان هو مسجد إدريس ع، جد أبو نوح ع، وأيضا هو المكان الذي خرج منه داوود لقتال جالوت، لا نريد أن ندخل الآن في هذا المطلب.
في ذلك الوقت أيضا الله تعالى جمع بين النبي الخاتم ص وآله وبين الأنبياء الذين ترتبط مسيرتهم ودعوتهم مع الكوفة، بَدءاً من آدم ع بإعتباره هو أول من شيّد هذا المسجد، كما هي الرواية عن علي ع:
" يا أهل الكوفة لقد حباكم الله بما لم يحبوا به أحدا من العالمين، إنَّ مسجدكم هذا مسجد أبيكم آدم ع"، وأيضا حَّدثوه ص وآله عن هذه المسيرة.
بقي النصف المستقبلي، النصف الآخر، ما يتعلق بمستقبل هذين المسجدين وكذلك مستقبل المسجد الحرام، المسجد الحرام أيضا تاريخه يتمثل بأنه ص وآله قد إلتقى مع آدم ع ومع إبراهيم ع.
فإذن لقاء الإسراء هو إجتماع مع الأنبياء ع، والإسراء هو الحركة من مكان إلى مكان آخر على الأرض في الليل قبل أن ينجلي الليل،
أما المعراج فهو العروج إلى السماء، إلتقى ص وآله بالأنبياء ع عند البيت المعمور فوق مكة في السماء الأولى وصلَّى بهم وتحدث عنهم (معهم)، لم يكن الحديث على الأرض مباشرة، تلَقَّى عنهم المعلومات التاريخية لتجاربهم في هذه الأمكنة الثلاثة.
وتلَقَّى عن العليِّ الأعلى، عن الله سبحانه وتعالى، حين كان منه قاب قوسين أو أدنى، تلقى منه الحديث عن المسار المستقبلي لهذه الأماكن الثلاثة، إلى أين ستنتهي هذه المسيرة، وما الذي سيجري بعده من إنقلاب، وما الذي سيلاقيه أهل بيته من هذا الإنقلاب وما الذي سيؤثّره هذا الإنقلاب على رسالة محمد ص وآله، وكيف سيُحافظ على الرسالة بآل محمد ع ويكون سببا في تصدِّيهم لمواجهة من يعمل على تحريف الرسالة لصالحة،
إنَّ من عادة السلطات الحاكمة في القديم ما كانت ترغب في أحكام الدين، كانت ترغب أن تحرِّف الدين، وأن تجيِّر الدين لصالحها وتجعل الناس يطيعونهم طاعة مطلقة، الدين يدعو إلى الطاعة المطلقة لشرع الله تعالى، الطاعة المطلقة لنبيِّ الله لأنه يُبلِّغ شرع الله تعالى، الطاعة المطلقة للأئمة من آل محمد ع، لأنهم يبلِّغون ما بلَّغه النبي محمد ص وآله، فالطاعة المطلقة هنا ليست بصفتهم حُكَّاما في المجتمع إجتمعت عليهم الناس، وإنما بصفة كونهم أنبياء،
فمحمد ص وآله نبيٌّ وخاتمُ الأنبياء، يُبلِّغ عن الله تعالى، وعلي ع والأئمة الأحد عشر من ذريته إلى المهدي ع بصفتهم ورثة لهذا العلم، وحُجَجٌ على الناس بهذا العلم، فالطاعة طاعة مطلقة لأمر الله تعالى الذي بلّغه محمداً ص وآله والذي حفظه من بعده الأئمة ع من أهل بيته، الحاكم السياسي ليس مكانه في النظرية الإسلامية للحكم أن تكون له الطاعة مطلقا، أبداً، الحاكم متقيِّد بالقانون، ومن هنا رأينا سيرة النبي ص وآله وسيرة أهل بيته تجسد هذه النظرية حينما تَعلَّم الناس أن لهم صفتين، صفة بما هم يبلِّغون عن الله تعالى، هنا الطاعة تكون مطلقة لما يبلّغون، أما بصفتهم حكاما على الناس فهم متقيِّدون بالقانون وهم سواء مع الناس في العمل بهذا القانون،

على كل حال تفصيل هذا الموضوع يحتاج إلى عرض آخر، والمستقبل لما يجري على رسالة النبي محمد ص وآله الذي آشار إليه القرآن الكريم يتضح في سورة آل عمران:
" وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ" آل عمران / ١٤٤،
وفعلا حينما ندرس الأوضاع في زمن الأمويين خاصة كان الحال مصداق للقول: لم يبقى من الإسلام إلاّ اسمه ولم يبقى من القرآن إلاّ رسمه.

على كل حال، إذن في هذه الرحلة نشأت حركة فكرية مكثَّفة إنفتح عليها النبي ص وآله من خلال تلقي التاريخ، تاريخ المسيرة في هذه المحاور والأمكنة الثلاثة عن الأنبياء الذين إرتبطوا بتلك الأمكنة وتلقِّى ص وآله المستقبل لها عن طريق العليِّ الأعلى مباشرة، حادثة الإسراء كانت أعظم محطة تعبوية مرّ بها النبي ص وآله.
النظرية في هذه السورة من معجزة الإسراء والمعراح أن الله تعالى وثّق حركة بني اسرائيل، وثّق حركة موسى ع وتبليغه للكتاب، وتبليغ موسى ع أمته بآله بآل هارون ع هُداة من بعده، يهدون إلى الله تعالى وأنبأهم بوصيَّة موسى ع: " وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا" الإسراء / ٤،
هذه وصية موسى ع نجدها واضحة في سفر التثنية، السفر الأخير من أسفار موسى ع الخمسة، ولقد أوصاهم موسى ع، أخبرهم بما يجري من بعد موته إنكم ستنقلبون بعدي، وحينما فعلا نرجع إلى هذا السفر نجد الحديث مفصلا عن الأمر الذي ذكره القرآن الكريم من القضاء، وقضينا في محل الكلام في الآية الكريمة يعني "أخبرنا"

( وقد جاءت عبارة "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه"، بمعنى أمر بذلك، وقال: {وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب} فهذا قضاء بالاعلام والفصل في الحكم أي أعلمناهم وأوحينا إليهم وحياً جزماً وعلى هذا النسق قوله تعالى "وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع".)

أخبرنا بني إسرائيل على لسان موسى ع في التوراة أنهم سيفسدون في الأرض مرتبن، لا يتحدث عن إفساد متكرر عادة من الحكام أو من المنحرفين، لا، بل يتحدث عن إفساد نوعيّ في طول تاريخ بني اسرائيل، يعني تجربة بني اسرائيل من زمن موسى وإلى ظهور عيسى ع في آخر الأمر هذه الفترة الزمنية ، فهي ٢٠٠٠ سنة الآن من عيسى ع و ١٥٠٠ سنة، يعني مجموع ٣٥٠٠ سنة تمتد هذه المسيرة مسيرة بني اسرائيل، أنبأت
التوراة بثلاثة إفسادات نوعيّة وبثلاثة عقوبات نوعية أكَّدها القرآن الكريم، فهذه معلومة عن بني إسرائيل، معلومة نعبِّر عنها أنها معلومة دقيقة ومركزية في تاريخ بني إسرائيل ومستقبلهم.
إنَّ القرآن الكريم يوظِّف هذه النبوءة ومراحل الإفساد والعقوبة للإخبار عن ثلاثة إفسادات نوعيَّة في مسيرة قريش المسلمة، قريش حاربت النبي ص وآله ثم أسلمت وتصدَّت للقيادة على مستوى أوَّل وثاني وثالث، يعني الأمويُّون وقبلهم الخلافاء الثلاثة والعباسيُّون، والأمويُّون والعباسيُّون الجُدُد.
قريش كبني اسرائيل، قريش المسلمة هي التي حكمت المسلمين وأضلّتهم في قبال دعوة النبي ص وآله ودعوة أهل بيته، فعلى الناس وعلى المسلمين اليوم أن يدرسوا هذه المسيرة ليكتشفوا من الذي إنقلب على الأعقاب ومن الذي كتم دين محمد ص وآله وحرّفه وغيّره، وبالتالي الفرد المسلم اليوم عليه أن يتَّبع صراط الله المستقيم الذي دعى إليه محمد ص وآله في كتاب الله تعالى، والذي حافظ عليه من شخصهم القران أنتم: "الذين أنعم الله عليهم" عندما ندعو الله تعالى بقولنا، " اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم" ، فإنَّ صراط الله هو صراط هؤلاء، من هم هؤلاء؟، هؤلاء خط واحد، هم آل محمد ص وآله الذين أوضح القرآن عصمتهم، وأوضح القرآن منزلتهم في آية المباهلة أنهم مُستَجابوا الدعوة، مطهّرون ووارثون لعلوم محمد ص وآله، وقد كلَّفهم الله تعالى كما في قوله تعالى: " " أُولَٰئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ۚ
فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَٰؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ،
أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ" الأنعام/٨٩ - ٩٠، إنّ هذا الخطاب موجه للمسلم،

ويأتي الكلام إن شاء الله في الحلقات المقبلة لتفصيل ما أجملته سورة الإسرآء عن هاتين المسيرتين.

والحمدلله رب العالمين
ونسألكم الدعاء
🌑🌑🌑🌑🌑
إعداد خادم أستاذه وخادمكم:
عبدالله عيسى فيروز
الخميس ٢٢ من شهر رمضان المبارك
١٤٤٤ هجرية
١٣ / ٤ / ٢٠٢٣
🔰 على مائدة القران الكريم
🔶 سماحة العلامة المحقق السيد سامي البدري
🎥 الحلقة الثالثة والعشرون
15:54 دقيقة
https://youtu.be/zO1jTX6xa70