القول في تأويل قوله تعالى: ﴿عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ (٣٥) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) ﴾
يقول تعالى ذكره: ﴿فَالْيَوْمَ﴾ وذلك يوم القيامة ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله في الدنيا ﴿مِنَ الْكُفَّارِ﴾ فيها ﴿يَضْحَكُونَ عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ﴾ يقول: على سررهم التي في الحِجال ينظرون إليهم وهم في الجنة، والكفار في النار يعذّبون.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ﴾ قال: يعني: السُّرر المرفوعة عليها الحِجال. وكان ابن عباس يقول: إن السور الذي بين الجنة والنار يُفتح لهم فيه أبواب، فينظر المؤمنون إلى أهل النار، والمؤمنون على السرر ينظرون كيف يعذّبون، فيضحكون منهم، فيكون ذلك مما أقرّ الله به أعينهم، كيف ينتقم الله منهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ذُكر لنا أن كعبا كان يقول: إن بين الجنة والنار كوى، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدّو كان له في الدنيا، اطلع من بعض الكوى، قال الله جل ثناؤه: ﴿فَاطَّلَعَ فَرَآهُ في سَوَاءِ الجَحِيم﴾ أي في وسط النار، وذُكر لنا أنه رأى جماجم القوم تغلي.
(الطبري)
يقول تعالى ذكره: ﴿فَالْيَوْمَ﴾ وذلك يوم القيامة ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله في الدنيا ﴿مِنَ الْكُفَّارِ﴾ فيها ﴿يَضْحَكُونَ عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ﴾ يقول: على سررهم التي في الحِجال ينظرون إليهم وهم في الجنة، والكفار في النار يعذّبون.
* ذكر من قال ذلك:
⁕ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ﴾ قال: يعني: السُّرر المرفوعة عليها الحِجال. وكان ابن عباس يقول: إن السور الذي بين الجنة والنار يُفتح لهم فيه أبواب، فينظر المؤمنون إلى أهل النار، والمؤمنون على السرر ينظرون كيف يعذّبون، فيضحكون منهم، فيكون ذلك مما أقرّ الله به أعينهم، كيف ينتقم الله منهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ذُكر لنا أن كعبا كان يقول: إن بين الجنة والنار كوى، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدّو كان له في الدنيا، اطلع من بعض الكوى، قال الله جل ثناؤه: ﴿فَاطَّلَعَ فَرَآهُ في سَوَاءِ الجَحِيم﴾ أي في وسط النار، وذُكر لنا أنه رأى جماجم القوم تغلي.
(الطبري)
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿هُوَ اجْتَباكُمْ﴾
أَيِ اخْتَارَكُمْ لِلذَّبِّ عَنْ دِينِهِ وَالْتِزَامِ أَمْرِهِ، وَهَذَا تَأْكِيدٌ لِلْأَمْرِ بِالْمُجَاهَدَةِ، أَيْ وَجَبَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُجَاهِدُوا لِأَنَّ الله اخْتَارَكُمْ لَهُ.
القرطبي
أَيِ اخْتَارَكُمْ لِلذَّبِّ عَنْ دِينِهِ وَالْتِزَامِ أَمْرِهِ، وَهَذَا تَأْكِيدٌ لِلْأَمْرِ بِالْمُجَاهَدَةِ، أَيْ وَجَبَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُجَاهِدُوا لِأَنَّ الله اخْتَارَكُمْ لَهُ.
القرطبي
وفي قولِه تعالى: ﴿تَوَلَّوْا وأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا ألاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ﴾ أنّ النَّفْسَ الصادقةَ تَحزَنُ على فَوْتِ الخيرِ لها، ولو كانَتْ مأجورةً عليه بلا عَمَلٍ، لقَصْدِها وعَجْزِها، وهذا يكونُ فيمَن عَظُمَ إيمانُه.
وقد ذكَرَ اللهُ الباكينَ الذين لا يَجِدُونَ مَحمَلًا يَحمِلُهم إلى الجهادِ في سِياقِ المدحِ لهم، وبِمِقْدارِ قوَّةِ إيمانِ العبدِ يكونُ حزنُهُ على ما فاتَهُ مِن الطاعةِ، وكلَّما ضَعُفَ إيمانُهُ، قَلَّ تأثُّرُهُ، حتّى يَبلُغَ بالمنافِقِ الفرَحُ بفَوْتِ الطاعةِ وعُذْرِهِ بتَرْكِها، ولهذا قال الله عن المؤمنينَ: ﴿تَوَلَّوْا وأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا﴾، وقال عن المُنافِقينَ: ﴿رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوالِفِ﴾، فالعبادةُ واحدةٌ، ولكنَّ المؤمِنَ حزينٌ على فَواتِها، والمُنافِقَ راضٍ فَرِحٌ بذلك.
وفي الآيةِ: عِظَمُ الإيمانِ باللهِ وأثَرُهُ على بيعِ النفوسِ له، فيَبْكونَ أنّهم لا يَجِدُونَ مَن يأخُذُ نفوسَهُمْ إلى حيثُ مَصْرَعُها في جَنْبِ اللهِ.
واللهُ لم يَمْدَحْهم لمجرَّدِ الحَزَنِ، وإنّما لأنّ الجالِبَ له محمودٌ، وهو حُبُّ الطاعةِ وكَراهةُ فَوْتِها، ولا يَبْكي على فَوْتِ الطاعةِ إلاَّ قويُّ الإيمانِ باللهِ، كما بَكى الصحابةُ ألاَّ يَجِدُوا ما يَحمِلُهم معَهُ في سبيلِ اللهِ، وفرقٌ بينَ المؤمِنِ والمُنافِقِ، فالمؤمِنُ يُريدُ الجهادَ وهو عاجزٌ، ويَبْكِي إنْ لم يَجِدْ، والمنافِقُ يَعتذِرُ وهو غنيٌّ ويَفرَحُ لعُذْرِه: ﴿إنَّما السَّبِيلُ عَلى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وهُمْ أغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوالِفِ﴾.
الطريفي
وقد ذكَرَ اللهُ الباكينَ الذين لا يَجِدُونَ مَحمَلًا يَحمِلُهم إلى الجهادِ في سِياقِ المدحِ لهم، وبِمِقْدارِ قوَّةِ إيمانِ العبدِ يكونُ حزنُهُ على ما فاتَهُ مِن الطاعةِ، وكلَّما ضَعُفَ إيمانُهُ، قَلَّ تأثُّرُهُ، حتّى يَبلُغَ بالمنافِقِ الفرَحُ بفَوْتِ الطاعةِ وعُذْرِهِ بتَرْكِها، ولهذا قال الله عن المؤمنينَ: ﴿تَوَلَّوْا وأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا﴾، وقال عن المُنافِقينَ: ﴿رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوالِفِ﴾، فالعبادةُ واحدةٌ، ولكنَّ المؤمِنَ حزينٌ على فَواتِها، والمُنافِقَ راضٍ فَرِحٌ بذلك.
وفي الآيةِ: عِظَمُ الإيمانِ باللهِ وأثَرُهُ على بيعِ النفوسِ له، فيَبْكونَ أنّهم لا يَجِدُونَ مَن يأخُذُ نفوسَهُمْ إلى حيثُ مَصْرَعُها في جَنْبِ اللهِ.
واللهُ لم يَمْدَحْهم لمجرَّدِ الحَزَنِ، وإنّما لأنّ الجالِبَ له محمودٌ، وهو حُبُّ الطاعةِ وكَراهةُ فَوْتِها، ولا يَبْكي على فَوْتِ الطاعةِ إلاَّ قويُّ الإيمانِ باللهِ، كما بَكى الصحابةُ ألاَّ يَجِدُوا ما يَحمِلُهم معَهُ في سبيلِ اللهِ، وفرقٌ بينَ المؤمِنِ والمُنافِقِ، فالمؤمِنُ يُريدُ الجهادَ وهو عاجزٌ، ويَبْكِي إنْ لم يَجِدْ، والمنافِقُ يَعتذِرُ وهو غنيٌّ ويَفرَحُ لعُذْرِه: ﴿إنَّما السَّبِيلُ عَلى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وهُمْ أغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوالِفِ﴾.
الطريفي
القول في تأويل قوله: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ الله وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾
يقول تعالى ذكره للمؤمنين الذين أمرهم بقتال هؤلاء المشركين، الذين نقضوا عهدهم الذي بينهم وبينه بقوله: ﴿قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم﴾، حاضًّا على جهادهم: ﴿أم حسبتم﴾ أيها المؤمنون أن يترككم الله بغير محنة يمتحنكم بها، وبغير اختبار يختبركم به، فيعرف الصادقَ منكم في دينه من الكاذب فيه.
﴿ولما يعلم الله الذين جاهدوا﴾ ، يقول: أحسبتم أن تتركوا بغير اختبار يعرف به أهل ولايته المجاهدين منكم في سبيله، من المضيِّعين أمرَ الله في ذلك المفرِّطين.
﴿ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله﴾ ، يقول: ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم، والذين لم يتخذوا من دون الله ولا من دون رسوله ولا من دون المؤمنين ﴿وليجة﴾، وإنما عنى بها في هذا الموضع: البطانة من المشركين. نهى الله المؤمنين أن يتخذوا من عدوهم من المشركين أولياء، يفشون إليهم أسرارهم.
﴿والله خبير بما تعملون﴾ يقول: والله ذو خبرة بما تعملون،من اتخاذكم من دون الله ودون رسوله والمؤمنين به أولياءَ وبطانةً، بعد ما قد نهاكم عنه، لا يخفى ذلك عليه، ولا غيره من أعمالكم، والله مجازيكم على ذلك، إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًّا فشرًّا.
(الطبري)
يقول تعالى ذكره للمؤمنين الذين أمرهم بقتال هؤلاء المشركين، الذين نقضوا عهدهم الذي بينهم وبينه بقوله: ﴿قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم﴾، حاضًّا على جهادهم: ﴿أم حسبتم﴾ أيها المؤمنون أن يترككم الله بغير محنة يمتحنكم بها، وبغير اختبار يختبركم به، فيعرف الصادقَ منكم في دينه من الكاذب فيه.
﴿ولما يعلم الله الذين جاهدوا﴾ ، يقول: أحسبتم أن تتركوا بغير اختبار يعرف به أهل ولايته المجاهدين منكم في سبيله، من المضيِّعين أمرَ الله في ذلك المفرِّطين.
﴿ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله﴾ ، يقول: ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم، والذين لم يتخذوا من دون الله ولا من دون رسوله ولا من دون المؤمنين ﴿وليجة﴾، وإنما عنى بها في هذا الموضع: البطانة من المشركين. نهى الله المؤمنين أن يتخذوا من عدوهم من المشركين أولياء، يفشون إليهم أسرارهم.
﴿والله خبير بما تعملون﴾ يقول: والله ذو خبرة بما تعملون،من اتخاذكم من دون الله ودون رسوله والمؤمنين به أولياءَ وبطانةً، بعد ما قد نهاكم عنه، لا يخفى ذلك عليه، ولا غيره من أعمالكم، والله مجازيكم على ذلك، إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًّا فشرًّا.
(الطبري)
Audio
🎧تسجيل لقاء الليلة:
الدعاء ونزغات الشيطان | د.أحمد عبد المنعم
إحالات اللقاء:
درس النظر إلى السماء (1)
درس النظر إلى السماء (2) | محررًا
مقطع: تعجبات ملك
#هو_اجتباكم
#إنه_القرآن
الدعاء ونزغات الشيطان | د.أحمد عبد المنعم
إحالات اللقاء:
درس النظر إلى السماء (1)
درس النظر إلى السماء (2) | محررًا
مقطع: تعجبات ملك
#هو_اجتباكم
#إنه_القرآن
خاطَبَ اللهُ المؤمِنِينَ وأَمَرَهُمْ بالعدلِ والقسطِ وألاَّ ينتصِرُوا لأنفسِهِمْ، فقال: ﴿كُونُوا قَوّامِينَ لِله﴾، يعني: لا لأنفسِكُمْ، فتأخذوا بالثأرِ لها، فتقيموا أنفسكُمْ مقامَ اللهِ، وتظنُّوا أنكم تنتصِرونَ له.
وكثيرًا ما ينتصِرُ الرجلُ لنفسِهِ ويظنُّ أنه ينتصرُ لله، وذلك عند اختلاطِ حقِّه بحقِّ الله فيمتزجانِ، فتنشطُ النفسُ إذا بُغِيَ عليها أكثَرَ مِن نشاطِها للحقِّ مَعَ عَدَمِ البغيِ عليها.
الطريفي
وكثيرًا ما ينتصِرُ الرجلُ لنفسِهِ ويظنُّ أنه ينتصرُ لله، وذلك عند اختلاطِ حقِّه بحقِّ الله فيمتزجانِ، فتنشطُ النفسُ إذا بُغِيَ عليها أكثَرَ مِن نشاطِها للحقِّ مَعَ عَدَمِ البغيِ عليها.
الطريفي
Forwarded from قناة أحمد عبد المنعم
وعن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: «لما عرج بي ربي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم». رواه أبو داود.
قوله: «يخمشون» أي يخدشون، ولما كان خمش الوجه والصدر من صفات النساء النائحات، جعلهما جزاء من يغتاب ويفري من أغراض المسلمين؛ إشعارًا بأنهما ليسا من صفات الرجال، بل هما من صفات النساء في أقبح حالة وأشوه صورة.
(شرح الطيبي على المشكاة)
وأظن والله أعلم أنه لمّا أراد أن يشوّه صورة أخيه بالوقوع في عرضه= شَوّه وجه نفسه بيده.
قوله: «يخمشون» أي يخدشون، ولما كان خمش الوجه والصدر من صفات النساء النائحات، جعلهما جزاء من يغتاب ويفري من أغراض المسلمين؛ إشعارًا بأنهما ليسا من صفات الرجال، بل هما من صفات النساء في أقبح حالة وأشوه صورة.
(شرح الطيبي على المشكاة)
وأظن والله أعلم أنه لمّا أراد أن يشوّه صورة أخيه بالوقوع في عرضه= شَوّه وجه نفسه بيده.
Forwarded from معهد المالية الإسلامية
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
(قوله ﷺ: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) تمثيل يفيد الحض على معونة المؤمن للمؤمن ونصرته، وأن ذلك أمر متأكد لا بد منه، فإنَّ البناء لا يتم أمره، ولا تحصل فائدته إلا بأن يكون بعضه يمسك بعضا ويقويه، فإن لم يكن كذلك انحلت أجزاؤه، وخرب بناؤه. وكذلك المؤمن لا يستقل بأمور دنياه ودينه إلا بمعونة أخيه ومعاضدته ومناصرته، فإن لم يكن ذلك عجز عن القيام بكل مصالحه، وعن مقاومة مضاده، فحينئذ لا يتم له نظام دنيا ولا دين، ويلتحق بالهالكين.
(المفهم للقرطبي)
.......
وَفِي الحَدِيث: «مثل الْمُؤمنِينَ فِي توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الْجَسَد». إِنَّمَا جعل الْمُؤمنِينَ كجسد وَاحِد لِأَن الْإِيمَان يجمعهُمْ كَمَا يجمع الْجَسَد الْأَعْضَاء، فلموضع اجْتِمَاع الْأَعْضَاء يتَأَذَّى الْكل بتأذى الْبَعْض وَكَذَلِكَ أهل الْإِيمَان، يتَأَذَّى بَعضهم بتأذي الْبَعْض.
(كشف المشكل لابن الجوزي)
...........
لقد قرر الحديث الشريف معنى الاتحاد الذي يجب أن يكون بين جميع أفراد المؤمنين على أكمل وجه في التصوير، وأبلغه في التأثير، فقد شبههم بالبنيان، وذلك وحده كاف في إفادة الاتحاد، وزاد عليه التصريح بالشد والتقوية ليبين أن في ذلك الاتحاد القوة للجميع تأكيدا للزوم الاتحاد بذكر فائدته، ثم زاد عليه التصوير بالمحسوس، لما شبّك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه. هذا كله ليبين للمؤمنين لزوم الاتحاد وضرورته.
ألا ترى البنيان كيف يتركب من الحجارة الكبيرة، والحجارة الصغيرة والمواد الأخرى التي تلحم بها الحجارة وتكسى، وكل ذلك محتاج اليه في تشييد البنيان، فكذلك بنيان المؤمنين فإنه متكون من جميع أفرادهم، على اختلاف طبقاتهم، فالكبير والجليل له مكانه، والصغير والحقير له مكانه، وعلى كل حال أن يسد الثغرة التي من ناحيته، مع شعوره بارتباطه مع غيره من جميع أجزاء البنيان التي لا غناء لها عنه، كما لا غناء له عن كل واحد منها فكل واحد من المؤمنين عليه تبعته، بمقدار المركز الذي هو فيه، والقدرة التي عنده، ولا يجوز لأحد وان كان أحقر حقير أن يخل بواجبه من ناحيته، فإنه إذا أزيل حجر صغير من بنيان كبير دخل فيه الخلل بمقدار ما أزيل، وإذا ابتدأ الخلل من الصغير تطرق للكبير.
(ابن باديس)
(المفهم للقرطبي)
.......
وَفِي الحَدِيث: «مثل الْمُؤمنِينَ فِي توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الْجَسَد». إِنَّمَا جعل الْمُؤمنِينَ كجسد وَاحِد لِأَن الْإِيمَان يجمعهُمْ كَمَا يجمع الْجَسَد الْأَعْضَاء، فلموضع اجْتِمَاع الْأَعْضَاء يتَأَذَّى الْكل بتأذى الْبَعْض وَكَذَلِكَ أهل الْإِيمَان، يتَأَذَّى بَعضهم بتأذي الْبَعْض.
(كشف المشكل لابن الجوزي)
...........
لقد قرر الحديث الشريف معنى الاتحاد الذي يجب أن يكون بين جميع أفراد المؤمنين على أكمل وجه في التصوير، وأبلغه في التأثير، فقد شبههم بالبنيان، وذلك وحده كاف في إفادة الاتحاد، وزاد عليه التصريح بالشد والتقوية ليبين أن في ذلك الاتحاد القوة للجميع تأكيدا للزوم الاتحاد بذكر فائدته، ثم زاد عليه التصوير بالمحسوس، لما شبّك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه. هذا كله ليبين للمؤمنين لزوم الاتحاد وضرورته.
ألا ترى البنيان كيف يتركب من الحجارة الكبيرة، والحجارة الصغيرة والمواد الأخرى التي تلحم بها الحجارة وتكسى، وكل ذلك محتاج اليه في تشييد البنيان، فكذلك بنيان المؤمنين فإنه متكون من جميع أفرادهم، على اختلاف طبقاتهم، فالكبير والجليل له مكانه، والصغير والحقير له مكانه، وعلى كل حال أن يسد الثغرة التي من ناحيته، مع شعوره بارتباطه مع غيره من جميع أجزاء البنيان التي لا غناء لها عنه، كما لا غناء له عن كل واحد منها فكل واحد من المؤمنين عليه تبعته، بمقدار المركز الذي هو فيه، والقدرة التي عنده، ولا يجوز لأحد وان كان أحقر حقير أن يخل بواجبه من ناحيته، فإنه إذا أزيل حجر صغير من بنيان كبير دخل فيه الخلل بمقدار ما أزيل، وإذا ابتدأ الخلل من الصغير تطرق للكبير.
(ابن باديس)
(رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةࣰ لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ)
دَعَوْا في ألّا يَجْعَلَهم فِتْنَةً لِلظَّلَمَةِ، والمَعْنى: لا تُنْزِلْ بِنا بَلاءً بِأيْدِيهِمْ أو بِغَيْرِ ذَلِكَ مُدَّةَ مُجاوَرَتِنا لَهم فَيُفْتَنُونَ ويَعْتَقِدُونَ أنَّ إهْلاكَنا إنَّما هو بِقَصْدٍ مِنكَ لِسُوءِ دِينِنا وصَلاحِ دِينِهِمْ وأنَّهم أهْلُ الحَقِّ، قالَهُ مُجاهِدٌ وغَيْرُهُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
فَهَذا الدُعاءُ -عَلى هَذا التَأْوِيلِ- يَتَضَمَّنُ دَفْعَ فَصْلَيْنِ، أحَدُهُما: القَتْلُ والبَلاءُ الَّذِي تَوَقَّعَهُ المُؤْمِنُونَ، والآخَرُ: ظُهُورُ الشِرْكِ بِاعْتِقادِ أهْلِهِ أنَّهم أهْلُ الحَقِّ، وفي ذَلِكَ فَسادُ الأرْضِ.
(ابن عطية)
وفي الآية قول آخر، وهو قول عطية، قال: معناها: لا تسلطهم علينا فيفتنوننا، أي لا تمكنهم من ظلمنا بما يحملنا على الانصراف عن ديننا، وعلى هذا القول سألوا ألا تقع بهم الفتنة بسبب قوم فرعون، والفتنة أريد به المفعول؛ أي مفتونين بهم.
(البسيط للواحدي)
دَعَوْا في ألّا يَجْعَلَهم فِتْنَةً لِلظَّلَمَةِ، والمَعْنى: لا تُنْزِلْ بِنا بَلاءً بِأيْدِيهِمْ أو بِغَيْرِ ذَلِكَ مُدَّةَ مُجاوَرَتِنا لَهم فَيُفْتَنُونَ ويَعْتَقِدُونَ أنَّ إهْلاكَنا إنَّما هو بِقَصْدٍ مِنكَ لِسُوءِ دِينِنا وصَلاحِ دِينِهِمْ وأنَّهم أهْلُ الحَقِّ، قالَهُ مُجاهِدٌ وغَيْرُهُ.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
فَهَذا الدُعاءُ -عَلى هَذا التَأْوِيلِ- يَتَضَمَّنُ دَفْعَ فَصْلَيْنِ، أحَدُهُما: القَتْلُ والبَلاءُ الَّذِي تَوَقَّعَهُ المُؤْمِنُونَ، والآخَرُ: ظُهُورُ الشِرْكِ بِاعْتِقادِ أهْلِهِ أنَّهم أهْلُ الحَقِّ، وفي ذَلِكَ فَسادُ الأرْضِ.
(ابن عطية)
وفي الآية قول آخر، وهو قول عطية، قال: معناها: لا تسلطهم علينا فيفتنوننا، أي لا تمكنهم من ظلمنا بما يحملنا على الانصراف عن ديننا، وعلى هذا القول سألوا ألا تقع بهم الفتنة بسبب قوم فرعون، والفتنة أريد به المفعول؛ أي مفتونين بهم.
(البسيط للواحدي)
قوله: ﴿نتلو عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون﴾ أي: نذكر لك الأمر على ما كان عليه، كأنك تشاهد وكأنك حاضر.
ثم قال: ﴿إن فرعون علا في الأرض﴾ أي: تكبر وتجبر وطغى. ﴿وجعل أهلها شيعا﴾ أي: أصنافا، قد صرف كل صنف فيما يريد من أمور دولته.
وقوله: ﴿يستضعف طائفة منهم﴾ يعني: بني إسرائيل. وكانوا في ذلك الوقت خيار أهل زمانهم. هذا وقد سُلّط عليهم هذا الملك الجبار العنيد يستعملهم في أخس الأعمال، ويكدهم ليلا ونهارا في أشغاله وأشغال رعيته، ويقتل مع هذا أبناءهم، ويستحيي نساءهم، إهانة لهم واحتقارا، وخوفا من أن يوجد منهم الغلام الذي كان قد تخوف هو وأهل مملكته من أن يوجد منهم غلام، يكون سبب هلاكه وذهاب دولته على يديه.
فاحترز فرعون من ذلك، وأمر بقتل ذكور بني إسرائيل، ولن ينفع حذر من قدر؛ لأن أجل الله إذا جاء لا يؤخر، ولكل أجل كتاب؛ ولهذا قال: ﴿ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونُمكّن لهم في الأرض ونُري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون﴾، وقد فعل تعالى ذلك بهم.
أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى، فما نفعه ذلك مع قدر الملك العظيم الذي لا يُخَالَف أمرُه القدري، بل نفَذ حكمُه وجرى قلمه في القدم بأن يكون إهلاك فرعون على يديه، بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده، وقتلت بسببه ألوفا من الولدان إنما منشؤه ومرباه على فراشك، وفي دارك، وغذاؤه من طعامك، وأنت تربيه وتتفدّاه، وحتفُك وهلاكُك وهلاكُ جنودِك على يديه، لتعلم أن رب السموات العلا هو القادر الغالب العظيم، العزيز القوي الشديد المحال، الذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.
(ابن كثير)
ثم قال: ﴿إن فرعون علا في الأرض﴾ أي: تكبر وتجبر وطغى. ﴿وجعل أهلها شيعا﴾ أي: أصنافا، قد صرف كل صنف فيما يريد من أمور دولته.
وقوله: ﴿يستضعف طائفة منهم﴾ يعني: بني إسرائيل. وكانوا في ذلك الوقت خيار أهل زمانهم. هذا وقد سُلّط عليهم هذا الملك الجبار العنيد يستعملهم في أخس الأعمال، ويكدهم ليلا ونهارا في أشغاله وأشغال رعيته، ويقتل مع هذا أبناءهم، ويستحيي نساءهم، إهانة لهم واحتقارا، وخوفا من أن يوجد منهم الغلام الذي كان قد تخوف هو وأهل مملكته من أن يوجد منهم غلام، يكون سبب هلاكه وذهاب دولته على يديه.
فاحترز فرعون من ذلك، وأمر بقتل ذكور بني إسرائيل، ولن ينفع حذر من قدر؛ لأن أجل الله إذا جاء لا يؤخر، ولكل أجل كتاب؛ ولهذا قال: ﴿ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونُمكّن لهم في الأرض ونُري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون﴾، وقد فعل تعالى ذلك بهم.
أراد فرعون بحوله وقوته أن ينجو من موسى، فما نفعه ذلك مع قدر الملك العظيم الذي لا يُخَالَف أمرُه القدري، بل نفَذ حكمُه وجرى قلمه في القدم بأن يكون إهلاك فرعون على يديه، بل يكون هذا الغلام الذي احترزت من وجوده، وقتلت بسببه ألوفا من الولدان إنما منشؤه ومرباه على فراشك، وفي دارك، وغذاؤه من طعامك، وأنت تربيه وتتفدّاه، وحتفُك وهلاكُك وهلاكُ جنودِك على يديه، لتعلم أن رب السموات العلا هو القادر الغالب العظيم، العزيز القوي الشديد المحال، الذي ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن.
(ابن كثير)
ووَصْفُ المَسْجِدِ بِقَوْلِهِ ﴿الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنّاسِ﴾ الآيَةَ لِلْإيماءِ إلى عِلَّةِ مُؤاخَذَةِ المُشْرِكِينَ بِصَدِّهِمْ عَنْهُ لِأجْلِ أنَّهم خالَفُوا ما أرادَ الله مِنهُ فَإنَّهُ جَعَلَهُ لِلنّاسِ كُلِّهِمْ يَسْتَوِي في أحَقِّيَّةِ التَّعَبُّدِ بِهِ العاكِفُ فِيهِ، أيِ المُسْتَقِرُّ في المَسْجِدِ، والبادِي، أيِ البَعِيدُ عَنْهُ إذا دَخَلَهُ.
والمُرادُ بِالعاكِفِ: المُلازِمُ لَهُ في أحْوالٍ كَثِيرَةٍ، وهو كِنايَةٌ عَنِ السّاكِنِ بِمَكَّةَ لِأنَّ السّاكِنَ بِمَكَّةَ يَعْكُفُ كَثِيرًا في المَسْجِدِ الحَرامِ، بِدَلِيلِ مُقابَلَتِهِ بِالبادِي، فَأُطْلِقَ العُكُوفُ في المَسْجِدِ عَلى سُكْنى مَكَّةَ مَجازًا بِعَلاقَةِ اللُّزُومِ العُرْفِيِّ.
وفي ذِكْرِ العُكُوفِ تَعْرِيضٌ بِأنَّهم لا يَسْتَحِقُّونَ بِسُكْنى مَكَّةَ مَزِيَّةً عَلى غَيْرِهِمْ، وبِأنَّهم حِينَ يَمْنَعُونَ الخارِجِينَ عَنْ مَكَّةَ مِنَ الدُّخُولِ لِلْكَعْبَةِ قَدْ ظَلَمُوهم بِاسْتِئْثارِهِمْ بِمَكَّةَ.
وقَوْلُهُ (سَواءٌ) لَمْ يُبَيِّنِ الِاسْتِواءَ في ماذا؛ وهَذا لِظُهُورِ أنَّ الِاسْتِواءَ فِيهِ بِصِفَةِ كَوْنِهِ مَسْجِدًا إنَّما هو في العِبادَةِ المَقْصُودَةِ مِنهُ ومِن مُلْحَقاتِهِ وهي: الطَّوافُ، والسَّعْيُ، ووُقُوفُ عَرَفَةَ.
ابن عاشور
والمُرادُ بِالعاكِفِ: المُلازِمُ لَهُ في أحْوالٍ كَثِيرَةٍ، وهو كِنايَةٌ عَنِ السّاكِنِ بِمَكَّةَ لِأنَّ السّاكِنَ بِمَكَّةَ يَعْكُفُ كَثِيرًا في المَسْجِدِ الحَرامِ، بِدَلِيلِ مُقابَلَتِهِ بِالبادِي، فَأُطْلِقَ العُكُوفُ في المَسْجِدِ عَلى سُكْنى مَكَّةَ مَجازًا بِعَلاقَةِ اللُّزُومِ العُرْفِيِّ.
وفي ذِكْرِ العُكُوفِ تَعْرِيضٌ بِأنَّهم لا يَسْتَحِقُّونَ بِسُكْنى مَكَّةَ مَزِيَّةً عَلى غَيْرِهِمْ، وبِأنَّهم حِينَ يَمْنَعُونَ الخارِجِينَ عَنْ مَكَّةَ مِنَ الدُّخُولِ لِلْكَعْبَةِ قَدْ ظَلَمُوهم بِاسْتِئْثارِهِمْ بِمَكَّةَ.
وقَوْلُهُ (سَواءٌ) لَمْ يُبَيِّنِ الِاسْتِواءَ في ماذا؛ وهَذا لِظُهُورِ أنَّ الِاسْتِواءَ فِيهِ بِصِفَةِ كَوْنِهِ مَسْجِدًا إنَّما هو في العِبادَةِ المَقْصُودَةِ مِنهُ ومِن مُلْحَقاتِهِ وهي: الطَّوافُ، والسَّعْيُ، ووُقُوفُ عَرَفَةَ.
ابن عاشور
Forwarded from أسامة غاوجي
وبين الحج والجهاد تشابه، فإن شئت قلت الحجّ هو الجهاد الأصغر، وإن شئت قلت هو الجهاد الأكبر.
فقد جاء من رواية السيدة عائشة في البخاري قوله صلى الله عليه وسلم لها لما سألته: نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد، قال: "لا، لكنّ أفضل الجهاد حج مبرور"؛ ومن رواية البخاري أيضاً أنه قال لها – صلى الله عليه وسلم – "جهادكنّ الحج". وجاء الحديث برواية ابن ماجة وأحمد "عليهنّ جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة". وعن ابن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغازي في سبيل الله، والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم".
وفي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "جهاد في سبيل الله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور".
وفي الحديث المشهور في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من أيام العمل الصالح فيها أحبّ إلى الله من هذه الأيام - يعني أيام العشر - قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء". قلتُ: وهل في زماننا جهاد إلا ببذل كلّ هذا (النفس والمال، بل والأهل)، فإنّ جهاد هذا الزمان لا يُظنّ فيه غنيمة ونَدَر أن يسلم صاحبه ويعود إلى أهله وعمله وحياته التي كان فيها، فلا يخرج مجاهد اليوم إلا وهو يظنّ لقاء ربه وبذل مهجته في سبيله.
فهذه الأحاديث الأخيرة مفيدة في معنى أنّ الحج هو الجهاد الأصغر، فإنّه يشترك مع الجهاد في مفارقة الأوطان وتحمّل المشقة وتلبية نداء الله وبذل المال، وينزل عنه درجة في أنه لا قتال فيه. فأما كون الحجّ هو الجهاد الأكبر، فمن جهة أنّه فرضٌ متعيّن على كلّ مسلم ومسلمة، من استطاع إليه سبيلاً، فكان كالأصل وكان الجهاد القتالي ذروة السنام.
ولاحظ أيها القارئ الكريم كيف توالت بيعات النبيّ صلى الله عليه وسلم للأنصار أولاً في موسم الحجّ، فكانت بيعتهم الأولى بيعة النساء، فلم يبايعوا على القتال، ثمّ في الموسم التالي بايعهم على الحرب والجهاد والمنعة، ثمّ إنّه صلى الله عليه وسلم بايع صحابته في بيعة الرضوان (يوم الحديبية) على الموت وما نزلت براءة إلا في موسم الحج. فكأنّ مواسم العمرة والحجّ مواسم تأهيل في حقيقة الجهاد والصدق فيه.
وقد جعل الشارع في أحكام الحجّ أصولاً لحقائق الجهاد وضبطاً لبوصلتها، فمن ذلك الاضطباع والرمل في أشواط الطواف الأولى، ومن ذلك الهرولة في السعي، بل ومنه ذبح الهدي، فإنّ بين المضحّي وأضحيته نسبةً كما هو في أصل قصة الفداء الإبراهيمي، فإنّه عليه السلام تهيأ لذبح أعزّ عزيز، وهو ولده الوحيد إسماعيل. وكذلك، وقع التماثل بين حال الميت في الحجّ والقتال، فإنّ الحاج لا يُطيّب ولا يغطّى رأسه ولا يُخمّر وجهه، ويُدفن في ثوبيه، فهو في هذا مثل القتيل في ساح المعركة، غير أنّ الحاجّ يُغسّل والثاني لا. والحجاج شعثٌ غبر كوصف المجاهدين. والعجيب أنّ كليهما يبعث على الوصف الذي مات عليه، فـالميت في الحج " يبعث يوم القيامة ملبياً" والمكلوم في سبيل الله يجيء يوم القيامة "وجرحه يثعب دماً، اللون لون الدم والريح ريح المسك".
بل إنّ من حقائق الحجّ تجديد الشهادة، فاليوم المشهود هو عرفة، وفيه كما جاء عن ابن عباس كان ميثاق الإشهاد "وأشهدهم على أنفسهم ألستُ بربكم"، وفيه شهدت الأمة لرسولها الشاهد ببلاغ الرسالة وأداء الأمانة، فإذا بأجمل أصبع في الكون يتردد بين السماء والأرض وهو صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد. بل ولأهل الإفاضة من عرفات شفاعات وللحاج استغفارات مرجوّة القبول لمن استغفر له.
هيّأنا الحقّ سبحانه وتعالى لحقيقة الحج في قصده ومحجته وحُجّته وجهاده ونوّلنا مراتب الصديقين والشهداء، وصلى الله على سيدنا محمّد الدالّ على كلّ خير، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
فقد جاء من رواية السيدة عائشة في البخاري قوله صلى الله عليه وسلم لها لما سألته: نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد، قال: "لا، لكنّ أفضل الجهاد حج مبرور"؛ ومن رواية البخاري أيضاً أنه قال لها – صلى الله عليه وسلم – "جهادكنّ الحج". وجاء الحديث برواية ابن ماجة وأحمد "عليهنّ جهاد لا قتال فيه، الحج والعمرة". وعن ابن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الغازي في سبيل الله، والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم".
وفي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "جهاد في سبيل الله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور".
وفي الحديث المشهور في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من أيام العمل الصالح فيها أحبّ إلى الله من هذه الأيام - يعني أيام العشر - قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء". قلتُ: وهل في زماننا جهاد إلا ببذل كلّ هذا (النفس والمال، بل والأهل)، فإنّ جهاد هذا الزمان لا يُظنّ فيه غنيمة ونَدَر أن يسلم صاحبه ويعود إلى أهله وعمله وحياته التي كان فيها، فلا يخرج مجاهد اليوم إلا وهو يظنّ لقاء ربه وبذل مهجته في سبيله.
فهذه الأحاديث الأخيرة مفيدة في معنى أنّ الحج هو الجهاد الأصغر، فإنّه يشترك مع الجهاد في مفارقة الأوطان وتحمّل المشقة وتلبية نداء الله وبذل المال، وينزل عنه درجة في أنه لا قتال فيه. فأما كون الحجّ هو الجهاد الأكبر، فمن جهة أنّه فرضٌ متعيّن على كلّ مسلم ومسلمة، من استطاع إليه سبيلاً، فكان كالأصل وكان الجهاد القتالي ذروة السنام.
ولاحظ أيها القارئ الكريم كيف توالت بيعات النبيّ صلى الله عليه وسلم للأنصار أولاً في موسم الحجّ، فكانت بيعتهم الأولى بيعة النساء، فلم يبايعوا على القتال، ثمّ في الموسم التالي بايعهم على الحرب والجهاد والمنعة، ثمّ إنّه صلى الله عليه وسلم بايع صحابته في بيعة الرضوان (يوم الحديبية) على الموت وما نزلت براءة إلا في موسم الحج. فكأنّ مواسم العمرة والحجّ مواسم تأهيل في حقيقة الجهاد والصدق فيه.
وقد جعل الشارع في أحكام الحجّ أصولاً لحقائق الجهاد وضبطاً لبوصلتها، فمن ذلك الاضطباع والرمل في أشواط الطواف الأولى، ومن ذلك الهرولة في السعي، بل ومنه ذبح الهدي، فإنّ بين المضحّي وأضحيته نسبةً كما هو في أصل قصة الفداء الإبراهيمي، فإنّه عليه السلام تهيأ لذبح أعزّ عزيز، وهو ولده الوحيد إسماعيل. وكذلك، وقع التماثل بين حال الميت في الحجّ والقتال، فإنّ الحاج لا يُطيّب ولا يغطّى رأسه ولا يُخمّر وجهه، ويُدفن في ثوبيه، فهو في هذا مثل القتيل في ساح المعركة، غير أنّ الحاجّ يُغسّل والثاني لا. والحجاج شعثٌ غبر كوصف المجاهدين. والعجيب أنّ كليهما يبعث على الوصف الذي مات عليه، فـالميت في الحج " يبعث يوم القيامة ملبياً" والمكلوم في سبيل الله يجيء يوم القيامة "وجرحه يثعب دماً، اللون لون الدم والريح ريح المسك".
بل إنّ من حقائق الحجّ تجديد الشهادة، فاليوم المشهود هو عرفة، وفيه كما جاء عن ابن عباس كان ميثاق الإشهاد "وأشهدهم على أنفسهم ألستُ بربكم"، وفيه شهدت الأمة لرسولها الشاهد ببلاغ الرسالة وأداء الأمانة، فإذا بأجمل أصبع في الكون يتردد بين السماء والأرض وهو صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد. بل ولأهل الإفاضة من عرفات شفاعات وللحاج استغفارات مرجوّة القبول لمن استغفر له.
هيّأنا الحقّ سبحانه وتعالى لحقيقة الحج في قصده ومحجته وحُجّته وجهاده ونوّلنا مراتب الصديقين والشهداء، وصلى الله على سيدنا محمّد الدالّ على كلّ خير، وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.
Forwarded from قناة يوسف بن عمر
❏ وعي الإنسان حجاب عن الغيب:
حين أمر الله لوطاً عليه السلام وأهله بالخروج من القرية أمرهم ألا ينظر منهم أحد وراءه، كما فسرها مجاهد ومقاتل، وكان في ذلك نجاتهم.
وفي الصحيحين قالت عائشة: توفي رسول الله ﷺ وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد، إلا شطر شعيرٍ في رفٍّ لي، فأكلتُ منه حتى طال علي، فـكِلْتُهُ فـفني» أي أرادت معرفة مقدار الشعير كيلاً فانقضى.
وفي البخاري: أنه ﷺ قال لأسماء «أنفقي ولا تحصي فيُحصي الله عليك» وفي لفظ «لا توكي فيوكي الله عليك» والإيكاء: شد رأس الوعاء بالوكاء وهو الرباط.
وعند مسلم: أن رجلاً جاء إلى النبي ﷺ يستطعمه، فأطعمه شطر َوسقِ شعيرٍ، فما زال الرجل يأكل منه وامرأتُهُ وضيفهما حتى كاله ففني، فأتى النبيَّ ﷺ، فقال «لو لم تَكِلْهُ لأكلتم منه ولقام لكم»
رغبة الإنسان الجامحة في أن يعرف..
أن يعرف ما يحدث، أن يعد ويحصي ويكيل..
كل ذلك ليس عائداً له بالنفع بالضرورة
بل يدل على أن وعي الإنسان بالأشياء يردّها إلى عادته ومعهوده وشاهده (المحدود والمتناهي دائماً)، وأن سعيه لتعقل كل شيء ومحاولة فهم العالم-كما يبشر التنوير الأوروبي- ووضع الأشياء تحت قوالب يفهمها= أنه يحجبه عن مقدورات الله التي لا تنتهي
يتفرع على ذلك أمور كثيرة لعلها تبسط قريباً إن شاء الله.
حين أمر الله لوطاً عليه السلام وأهله بالخروج من القرية أمرهم ألا ينظر منهم أحد وراءه، كما فسرها مجاهد ومقاتل، وكان في ذلك نجاتهم.
وفي الصحيحين قالت عائشة: توفي رسول الله ﷺ وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد، إلا شطر شعيرٍ في رفٍّ لي، فأكلتُ منه حتى طال علي، فـكِلْتُهُ فـفني» أي أرادت معرفة مقدار الشعير كيلاً فانقضى.
وفي البخاري: أنه ﷺ قال لأسماء «أنفقي ولا تحصي فيُحصي الله عليك» وفي لفظ «لا توكي فيوكي الله عليك» والإيكاء: شد رأس الوعاء بالوكاء وهو الرباط.
وعند مسلم: أن رجلاً جاء إلى النبي ﷺ يستطعمه، فأطعمه شطر َوسقِ شعيرٍ، فما زال الرجل يأكل منه وامرأتُهُ وضيفهما حتى كاله ففني، فأتى النبيَّ ﷺ، فقال «لو لم تَكِلْهُ لأكلتم منه ولقام لكم»
رغبة الإنسان الجامحة في أن يعرف..
أن يعرف ما يحدث، أن يعد ويحصي ويكيل..
كل ذلك ليس عائداً له بالنفع بالضرورة
بل يدل على أن وعي الإنسان بالأشياء يردّها إلى عادته ومعهوده وشاهده (المحدود والمتناهي دائماً)، وأن سعيه لتعقل كل شيء ومحاولة فهم العالم-كما يبشر التنوير الأوروبي- ووضع الأشياء تحت قوالب يفهمها= أنه يحجبه عن مقدورات الله التي لا تنتهي
يتفرع على ذلك أمور كثيرة لعلها تبسط قريباً إن شاء الله.
Forwarded from 📚قناة د.محسن المطيري
مكانة الاستنباط والتدبر للقرآن بين الأئمة والسلف:
(قال ابن مسعود: "إذا أردتم العلم فأثيروا القرآن؛ فإن فيه علم الأولين والآخرين" وأثيروا يعني: نقروا عنه، وتفكروا في معانيه وتفسيره.
وقد روي عن الربيع صاحب الشافعي قوله: "قلما كنت أدخل على الشافعي إلا والمصحف بين يديه، يتتبع أحكام القرآن".
وقد كان الأئمة يرون من القصور الاستدلال بما دون القرآن إذا كان الدليل فيه واضحا).
التفسير والبيان لأحكام القرآن: (١٢/١).
(قال ابن مسعود: "إذا أردتم العلم فأثيروا القرآن؛ فإن فيه علم الأولين والآخرين" وأثيروا يعني: نقروا عنه، وتفكروا في معانيه وتفسيره.
وقد روي عن الربيع صاحب الشافعي قوله: "قلما كنت أدخل على الشافعي إلا والمصحف بين يديه، يتتبع أحكام القرآن".
وقد كان الأئمة يرون من القصور الاستدلال بما دون القرآن إذا كان الدليل فيه واضحا).
التفسير والبيان لأحكام القرآن: (١٢/١).