قناة أحمد عبد المنعم
98.5K subscribers
329 photos
73 videos
52 files
382 links
خزانة شخصية أجمعها لوقت الحاجة
Download Telegram
وكأنه ليس وراء التكرّم بإفادة الفوائد العلمية تكرّم، حيث قال: (الأكرم الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) فدلّ على كمال كرمه بأنه علّم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم.

الزمخشري
«مجموع الفتاوى» (3/ 181):

«فلما اجتمعنا: وقد أحضرت ما كتبته من الجواب عن أسئلتهم المتقدمة الذي طلبوا تأخيره إلى اليوم: حمدت الله بخطبة الحاجة، خطبة ابن مسعود رضي الله عنه ثم قلت: إن الله تعالى أمرنا بالجماعة والائتلاف ونهانا عن الفرقة والاختلاف. وقال لنا في القرآن: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} وقال: {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء} وقال: {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات}، وربنا واحد وكتابنا واحد ونبينا واحد، وأصول الدين لا تحتمل التفرق والاختلاف، وأنا أقول ما يوجب الجماعة بين المسلمين وهو متفق عليه بين السلف، فإن وافق الجماعة فالحمد لله، وإلا فمن خالفني بعد ذلك: كشفت له الأسرار وهتكت الأستار وبينت المذاهب الفاسدة التي أفسدت الملل والدول، وأنا أذهب إلى سلطان الوقت على البريد وأعرفه من الأمور ما لا أقوله في هذا المجلس فإن للسلم كلاما وللحرب كلاما.

وقلت: لا شك أن الناس يتنازعون، يقول هذا أنا حنبلي ويقول هذا أنا أشعري ويجري بينهم تفرق وفتن واختلاف على أمور لا يعرفون حقيقتها.
.... رجال صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ الله عَلَيْهِ. .﴾ [الأحزاب: ٢٣]

وساعة تسمع كلمة ﴿رِجَالٌ. .﴾ في القرآن، فاعلم أن المقام مقام جدٍّ وثبات على الحق، وفخر بعزائم صلْبة لا تلين، وقلوب رسخ فيها الإيمان رسوخ الجبال، وهؤلاء الرجال وَفَّوا العهد الذي قطعوه أمام الله على أنفسهم، بأنْ يبلُوا في سبيل نصرة الإسلام، ولو يصل الأمر إلى الشهادة.

وقوله تعالى: ﴿فَمِنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ. .﴾ قضى نحبه: أي أدَّى العهد ومات، والنحب في الأصل هو النذر، فالمراد: أدى ما نذره، أو ما عاهد الله عليه من القتال، ثم اسْتُعمِلَت (النحب) بمعنى الموت.

لكن، ما العلاقة بين النذر والموت؟ قالوا: المعنى إذا نذرتَ فاجعل الحياةَ ثمنًا للوفاء بهذا النذر، وجاء هذا التعبير ﴿فَمِنْهُمْ مَّن قضى نَحْبَهُ. .﴾ لتعلم أن الموت يجب أن يكون منك نذرًا. أي: انذر لله أنْ تموت، لكن في نُصْرة الحق وفي سبيل الله، فكأن المؤمن هو الذي ينذر نفسه وروحه لله، وكأن الموت عنده مطلوب ليكون في سبيل الله.

فالمؤمن حين يستصحب مسألة الموت ويستقرئها يرى أن جميع الخَلْق يموتون من لُدن آدم حتى الآن؛ لذلك تهون عليه حياته ما دامت في سبيل الله، فينذرها ويقدمها لله عن رضا، ولِمَ لا وقد ضحيتَ بحياة، مصيرها إلى زوال، واشتريتَ بها حياة باقية خالدة مُنعَّمة.

وحق للمؤمن أن ينذر نفسه، وأن يضحي بها في سبيل الله؛ لأن الله يقول: ﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بمآ آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين﴾ [آل عمران: ١٦٩ - ١٧١]


(الشعراوي)
Forwarded from أحمد وجيه
‏كما أن من الأعمال ما يكون على وفق السنّة ومنها ما يكون مبتدَعًا فكذلك المعارف منها ما يكون على جادّة السنّة ومنها ما يكون مبتدَعًا.
وللشيطان مداخل على العبد في معارفه كما أن له عليه مداخلَ في أعماله.
وعلى المسلم أن يتحرّى السنّة في معارفه كما عليه أن يتحرّاها في أعماله، فليس ثمت عاصم وراء الاستمساك بهُدى الله وسبيل رسوله، وما كان من المعارف معارضًا لهُدى الله فليس هو علمًا، بل شرّ وضلال وبدعة.
وكم من مسألة تكون بدعةً يزيّنها الشيطان ويلبسها لباس العلم والتحقيق فيضلّ بها عالم أو متعلّم، ويلقي في نفسه نشرَها والذود عنها، فإذا هو أحياها وأذاعها في الناس وهو مأمور بخلاف ذلك، ثم بعد ذلك تنتشر بين الناس ويكون خلافٌ وفسادٌ وشرّ.
كان بعض مشايخنا يُقرئ الطلاب كتب المروءات قبل كتب التأصيل العلمي، ككتب ابن المرزُبان، وابن حبان، والثعالبي وغيرها، لما في تلك الكتب من تربية الطالب على الشهامة، وإعانة المحتاج، وإغاثة الملهوف، وترك السفالة، والرذالة.

وما تراه في الساحة العلمية وغيرها من التنابز بالألقاب، والتعيير بالسوابق، وكشف الأسرار، وتقويل الناس مالم يقولوه ليس إلا من ترك تقويم النفس بالمروءات والفتوات، وقد قيل: لو كانت المروءة سهلة لسبق إليها اللئام.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ (٣٥) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) ﴾

يقول تعالى ذكره: ﴿فَالْيَوْمَ﴾ وذلك يوم القيامة ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله في الدنيا ﴿مِنَ الْكُفَّارِ﴾ فيها ﴿يَضْحَكُونَ عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ﴾ يقول: على سررهم التي في الحِجال ينظرون إليهم وهم في الجنة، والكفار في النار يعذّبون.

* ذكر من قال ذلك:

⁕ حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ﴿فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ﴾ قال: يعني: السُّرر المرفوعة عليها الحِجال. وكان ابن عباس يقول: إن السور الذي بين الجنة والنار يُفتح لهم فيه أبواب، فينظر المؤمنون إلى أهل النار، والمؤمنون على السرر ينظرون كيف يعذّبون، فيضحكون منهم، فيكون ذلك مما أقرّ الله به أعينهم، كيف ينتقم الله منهم.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة ذُكر لنا أن كعبا كان يقول: إن بين الجنة والنار كوى، فإذا أراد المؤمن أن ينظر إلى عدّو كان له في الدنيا، اطلع من بعض الكوى، قال الله جل ثناؤه: ﴿فَاطَّلَعَ فَرَآهُ في سَوَاءِ الجَحِيم﴾ أي في وسط النار، وذُكر لنا أنه رأى جماجم القوم تغلي.

(الطبري)
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿هُوَ اجْتَباكُمْ

أَيِ اخْتَارَكُمْ لِلذَّبِّ عَنْ دِينِهِ وَالْتِزَامِ أَمْرِهِ، وَهَذَا تَأْكِيدٌ لِلْأَمْرِ بِالْمُجَاهَدَةِ، أَيْ وَجَبَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُجَاهِدُوا لِأَنَّ الله اخْتَارَكُمْ لَهُ.

القرطبي
وفي قولِه تعالى: ﴿تَوَلَّوْا وأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا ألاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ﴾ أنّ النَّفْسَ الصادقةَ تَحزَنُ على فَوْتِ الخيرِ لها، ولو كانَتْ مأجورةً عليه بلا عَمَلٍ، لقَصْدِها وعَجْزِها، وهذا يكونُ فيمَن عَظُمَ إيمانُه.

وقد ذكَرَ اللهُ الباكينَ الذين لا يَجِدُونَ مَحمَلًا يَحمِلُهم إلى الجهادِ في سِياقِ المدحِ لهم، وبِمِقْدارِ قوَّةِ إيمانِ العبدِ يكونُ حزنُهُ على ما فاتَهُ مِن الطاعةِ، وكلَّما ضَعُفَ إيمانُهُ، قَلَّ تأثُّرُهُ، حتّى يَبلُغَ بالمنافِقِ الفرَحُ بفَوْتِ الطاعةِ وعُذْرِهِ بتَرْكِها، ولهذا قال الله عن المؤمنينَ: ﴿تَوَلَّوْا وأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا﴾، وقال عن المُنافِقينَ: ﴿رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوالِفِ﴾، فالعبادةُ واحدةٌ، ولكنَّ المؤمِنَ حزينٌ على فَواتِها، والمُنافِقَ راضٍ فَرِحٌ بذلك.

وفي الآيةِ: عِظَمُ الإيمانِ باللهِ وأثَرُهُ على بيعِ النفوسِ له، فيَبْكونَ أنّهم لا يَجِدُونَ مَن يأخُذُ نفوسَهُمْ إلى حيثُ مَصْرَعُها في جَنْبِ اللهِ.

واللهُ لم يَمْدَحْهم لمجرَّدِ الحَزَنِ، وإنّما لأنّ الجالِبَ له محمودٌ، وهو حُبُّ الطاعةِ وكَراهةُ فَوْتِها، ولا يَبْكي على فَوْتِ الطاعةِ إلاَّ قويُّ الإيمانِ باللهِ، كما بَكى الصحابةُ ألاَّ يَجِدُوا ما يَحمِلُهم معَهُ في سبيلِ اللهِ، وفرقٌ بينَ المؤمِنِ والمُنافِقِ، فالمؤمِنُ يُريدُ الجهادَ وهو عاجزٌ، ويَبْكِي إنْ لم يَجِدْ، والمنافِقُ يَعتذِرُ وهو غنيٌّ ويَفرَحُ لعُذْرِه: ﴿إنَّما السَّبِيلُ عَلى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وهُمْ أغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوالِفِ﴾
.

الطريفي
القول في تأويل قوله: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ الله وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ

يقول تعالى ذكره للمؤمنين الذين أمرهم بقتال هؤلاء المشركين، الذين نقضوا عهدهم الذي بينهم وبينه بقوله: ﴿قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم﴾، حاضًّا على جهادهم: ﴿أم حسبتم﴾ أيها المؤمنون أن يترككم الله بغير محنة يمتحنكم بها، وبغير اختبار يختبركم به، فيعرف الصادقَ منكم في دينه من الكاذب فيه.

﴿ولما يعلم الله الذين جاهدوا﴾ ، يقول: أحسبتم أن تتركوا بغير اختبار يعرف به أهل ولايته المجاهدين منكم في سبيله، من المضيِّعين أمرَ الله في ذلك المفرِّطين.

﴿ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله﴾ ، يقول: ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم، والذين لم يتخذوا من دون الله ولا من دون رسوله ولا من دون المؤمنين ﴿وليجة﴾، وإنما عنى بها في هذا الموضع: البطانة من المشركين. نهى الله المؤمنين أن يتخذوا من عدوهم من المشركين أولياء، يفشون إليهم أسرارهم.

﴿والله خبير بما تعملون﴾ يقول: والله ذو خبرة بما تعملون،من اتخاذكم من دون الله ودون رسوله والمؤمنين به أولياءَ وبطانةً، بعد ما قد نهاكم عنه، لا يخفى ذلك عليه، ولا غيره من أعمالكم، والله مجازيكم على ذلك، إن خيرًا فخيرًا، وإن شرًّا فشرًّا.

(الطبري)
Audio
🎧تسجيل لقاء الليلة:
الدعاء ونزغات الشيطان | د.أحمد عبد المنعم

إحالات اللقاء:
درس النظر إلى السماء (1)
درس النظر إلى السماء (2) | محررًا
مقطع: تعجبات ملك

#هو_اجتباكم
#إنه_القرآن
خاطَبَ اللهُ المؤمِنِينَ وأَمَرَهُمْ بالعدلِ والقسطِ وألاَّ ينتصِرُوا لأنفسِهِمْ، فقال: ﴿كُونُوا قَوّامِينَ لِله﴾، يعني: لا لأنفسِكُمْ، فتأخذوا بالثأرِ لها، فتقيموا أنفسكُمْ مقامَ اللهِ، وتظنُّوا أنكم تنتصِرونَ له.

وكثيرًا ما ينتصِرُ الرجلُ لنفسِهِ ويظنُّ أنه ينتصرُ لله، وذلك عند اختلاطِ حقِّه بحقِّ الله فيمتزجانِ، فتنشطُ النفسُ إذا بُغِيَ عليها أكثَرَ مِن نشاطِها للحقِّ مَعَ عَدَمِ البغيِ عليها
.

الطريفي
وعن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: «لما عرج بي ربي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم». رواه أبو داود.

قوله: «يخمشون» أي يخدشون، ولما كان خمش الوجه والصدر من صفات النساء النائحات، جعلهما جزاء من يغتاب ويفري من أغراض المسلمين؛ إشعارًا بأنهما ليسا من صفات الرجال، بل هما من صفات النساء في أقبح حالة وأشوه صورة.

(شرح الطيبي على المشكاة)

وأظن والله أعلم أنه لمّا أراد أن يشوّه صورة أخيه بالوقوع في عرضه= شَوّه وجه نفسه بيده.
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
(قوله ﷺ: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) تمثيل يفيد الحض على معونة المؤمن للمؤمن ونصرته، وأن ذلك أمر متأكد لا بد منه، فإنَّ البناء لا يتم أمره، ولا تحصل فائدته إلا بأن يكون بعضه يمسك بعضا ويقويه، فإن لم يكن كذلك انحلت أجزاؤه، وخرب بناؤه. وكذلك المؤمن لا يستقل بأمور دنياه ودينه إلا بمعونة أخيه ومعاضدته ومناصرته، فإن لم يكن ذلك عجز عن القيام بكل مصالحه، وعن مقاومة مضاده، فحينئذ لا يتم له نظام دنيا ولا دين، ويلتحق بالهالكين.

(المفهم للقرطبي)
.......

وَفِي الحَدِيث: «مثل الْمُؤمنِينَ فِي توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الْجَسَد». إِنَّمَا جعل الْمُؤمنِينَ كجسد وَاحِد لِأَن الْإِيمَان يجمعهُمْ كَمَا يجمع الْجَسَد الْأَعْضَاء، فلموضع اجْتِمَاع الْأَعْضَاء يتَأَذَّى الْكل بتأذى الْبَعْض وَكَذَلِكَ أهل الْإِيمَان، يتَأَذَّى بَعضهم بتأذي الْبَعْض.

(كشف المشكل لابن الجوزي)
...........

لقد قرر الحديث الشريف معنى الاتحاد الذي يجب أن يكون بين جميع أفراد المؤمنين على أكمل وجه في التصوير، وأبلغه في التأثير، فقد شبههم بالبنيان، وذلك وحده كاف في إفادة الاتحاد، وزاد عليه التصريح بالشد والتقوية ليبين أن في ذلك الاتحاد القوة للجميع تأكيدا للزوم الاتحاد بذكر فائدته، ثم زاد عليه التصوير بالمحسوس، لما شبّك صلى الله عليه وسلم بين أصابعه. هذا كله ليبين للمؤمنين لزوم الاتحاد وضرورته.

ألا ترى البنيان كيف يتركب من الحجارة الكبيرة، والحجارة الصغيرة والمواد الأخرى التي تلحم بها الحجارة وتكسى، وكل ذلك محتاج اليه في تشييد البنيان، فكذلك بنيان المؤمنين فإنه متكون من جميع أفرادهم، على اختلاف طبقاتهم، فالكبير والجليل له مكانه، والصغير والحقير له مكانه، وعلى كل حال أن يسد الثغرة التي من ناحيته، مع شعوره بارتباطه مع غيره من جميع أجزاء البنيان التي لا غناء لها عنه، كما لا غناء له عن كل واحد منها فكل واحد من المؤمنين عليه تبعته، بمقدار المركز الذي هو فيه، والقدرة التي عنده، ولا يجوز لأحد وان كان أحقر حقير أن يخل بواجبه من ناحيته، فإنه إذا أزيل حجر صغير من بنيان كبير دخل فيه الخلل بمقدار ما أزيل، وإذا ابتدأ الخلل من الصغير تطرق للكبير.

(ابن باديس)
(رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةࣰ لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِینَ)

دَعَوْا في ألّا يَجْعَلَهم فِتْنَةً لِلظَّلَمَةِ، والمَعْنى: لا تُنْزِلْ بِنا بَلاءً بِأيْدِيهِمْ أو بِغَيْرِ ذَلِكَ مُدَّةَ مُجاوَرَتِنا لَهم فَيُفْتَنُونَ ويَعْتَقِدُونَ أنَّ إهْلاكَنا إنَّما هو بِقَصْدٍ مِنكَ لِسُوءِ دِينِنا وصَلاحِ دِينِهِمْ وأنَّهم أهْلُ الحَقِّ، قالَهُ مُجاهِدٌ وغَيْرُهُ.

قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
فَهَذا الدُعاءُ -عَلى هَذا التَأْوِيلِ- يَتَضَمَّنُ دَفْعَ فَصْلَيْنِ، أحَدُهُما: القَتْلُ والبَلاءُ الَّذِي تَوَقَّعَهُ المُؤْمِنُونَ، والآخَرُ: ظُهُورُ الشِرْكِ بِاعْتِقادِ أهْلِهِ أنَّهم أهْلُ الحَقِّ، وفي ذَلِكَ فَسادُ الأرْضِ.

(ابن عطية)

وفي الآية قول آخر، وهو قول عطية، قال: معناها: لا تسلطهم علينا فيفتنوننا، أي لا تمكنهم من ظلمنا بما يحملنا على الانصراف عن ديننا، وعلى هذا القول سألوا ألا تقع بهم الفتنة بسبب قوم فرعون، والفتنة أريد به المفعول؛ أي مفتونين بهم.

(البسيط للواحدي)