في قصصهم عِبرة ٣١
الذئبُ والحمل!
يروي الأوروبيون في حكاياهم الشعبيَّة، أنَّ حَمَلاً غدا ذاتَ صباحٍ إلى النهرِ ليشرب، وكانَ هناك ذئب يبحثُ عما يأكله، ووقفَ يشربُ من أعلى النهر، والحملُ تحته، فلمَّا رآه قالَ له: يا لِقِلَّةِ أدبك، تُعكِّرُ الماءَ عليَّ!
فقالَ له الحمل: إنَّ الماء يجري من أعلى إلى أسفل، وأنتَ فوقي تشربُ قبلي، فكيفَ أُعَكِّرُ الماءَ عليك؟
فقالَ له الذئبُ: ألستَ الحمل الذي تكلَّمَ عني بسوءٍ في شهرِ تموز المنصرم؟
فقالَ له الحمل: لم أكُنْ يومها قد وُلِدْتُ بعد، ألا ترى صِغر سِنِّي؟
فقالَ له الذئب: إن لم تكُنْ أنتَ، فأخوك هو الذي فعل!
قالَ له الحمل: ليسَ لي إخوة يا سيدي!
فقالَ له الذئب: لا بُدَّ أنه أحد أفراد عائلتكَ الكريهة، أنتم دوماً تتحدثون عني بسوء!
وما كادَ الحملُ يفتحُ فَمَهُ يَرُدُّ على التهمةِ الجديدة، حتى انقضَّ عليه الذئبُ وافترسه!
الذي يريدُ أن يُشعلَ حرباً وخصاماً لن تُعجزه الذريعة، فإن لم يجدْ واحدةً يستغلها اختلقَ واحدة! على أنَّ التاريخ يُخبرُنا أنّ َالأيام لم تكُن تبخلُ بالذرائعِ على الذين ينتظرونها!
في ستينياتِ القرنِ الماضي كانتْ العلاقات السياسية بين السلفادور وهندوراس قد بلغتْ أوج تأزمها، كانتْ الحربُ تنتظرُ شرارةً لتشتعل، وكانتْ الشرارةُ مباراة كرة قدمٍ حاسمةٍ بين مُنتَخَبَي الدولتين للتأهلِ لتصفياتِ كأسِ العالمِ عام 1970، انتهتْ بفوزِ السلفادور،فحشدتْ الدولتان جيشيهما على الحدودِ وبدأتْ الحرب!
وفي أوائلِ القرنِ التاسعِ عشر تعرَّضَ محلُ بيعِ فطائرٍ يملكه رجلٌ فرنسيٌ في المكسيكِ إلى النهبِ والتخريب، وطالبَ صاحبُ المحلِ بتعويضٍ ولكن الحكومةِ المكسيكيةَ تجاهلتْ طلبه.
وبعد عشرِ سنواتٍ من هذه الحادثةِ كانَ "لويس فيليب" ملكُ فرنسا مستاءً من عدمِ دفعِ المكسيك الديون التي عليها لفرنسا، وكانَ يحتاجُ إلى ذريعةٍ ليُحارب، فطلبَ من الحكومةِ المكسيكيةِ أن تدفعَ تعويضاً لصاحبِ محلِ الفطائر، وعندما قُوبِلَ طلبه بالرفض، قامَ بشنِّ حربٍ على المكسيكِ استمرَّتْ خمسة أشهر!
الحالُ في السياسةِ كما هو الحالُ في حياةِ الناس، من أرادَ أن يُخاصمكَ فسيجدُ ألف سبب، وإن لم يجدْ اخترعَ واحداً، ومن أرادَ أن يبقى معك، تجاهلَ ألف سببٍ لمفارقتك!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
الذئبُ والحمل!
يروي الأوروبيون في حكاياهم الشعبيَّة، أنَّ حَمَلاً غدا ذاتَ صباحٍ إلى النهرِ ليشرب، وكانَ هناك ذئب يبحثُ عما يأكله، ووقفَ يشربُ من أعلى النهر، والحملُ تحته، فلمَّا رآه قالَ له: يا لِقِلَّةِ أدبك، تُعكِّرُ الماءَ عليَّ!
فقالَ له الحمل: إنَّ الماء يجري من أعلى إلى أسفل، وأنتَ فوقي تشربُ قبلي، فكيفَ أُعَكِّرُ الماءَ عليك؟
فقالَ له الذئبُ: ألستَ الحمل الذي تكلَّمَ عني بسوءٍ في شهرِ تموز المنصرم؟
فقالَ له الحمل: لم أكُنْ يومها قد وُلِدْتُ بعد، ألا ترى صِغر سِنِّي؟
فقالَ له الذئب: إن لم تكُنْ أنتَ، فأخوك هو الذي فعل!
قالَ له الحمل: ليسَ لي إخوة يا سيدي!
فقالَ له الذئب: لا بُدَّ أنه أحد أفراد عائلتكَ الكريهة، أنتم دوماً تتحدثون عني بسوء!
وما كادَ الحملُ يفتحُ فَمَهُ يَرُدُّ على التهمةِ الجديدة، حتى انقضَّ عليه الذئبُ وافترسه!
الذي يريدُ أن يُشعلَ حرباً وخصاماً لن تُعجزه الذريعة، فإن لم يجدْ واحدةً يستغلها اختلقَ واحدة! على أنَّ التاريخ يُخبرُنا أنّ َالأيام لم تكُن تبخلُ بالذرائعِ على الذين ينتظرونها!
في ستينياتِ القرنِ الماضي كانتْ العلاقات السياسية بين السلفادور وهندوراس قد بلغتْ أوج تأزمها، كانتْ الحربُ تنتظرُ شرارةً لتشتعل، وكانتْ الشرارةُ مباراة كرة قدمٍ حاسمةٍ بين مُنتَخَبَي الدولتين للتأهلِ لتصفياتِ كأسِ العالمِ عام 1970، انتهتْ بفوزِ السلفادور،فحشدتْ الدولتان جيشيهما على الحدودِ وبدأتْ الحرب!
وفي أوائلِ القرنِ التاسعِ عشر تعرَّضَ محلُ بيعِ فطائرٍ يملكه رجلٌ فرنسيٌ في المكسيكِ إلى النهبِ والتخريب، وطالبَ صاحبُ المحلِ بتعويضٍ ولكن الحكومةِ المكسيكيةَ تجاهلتْ طلبه.
وبعد عشرِ سنواتٍ من هذه الحادثةِ كانَ "لويس فيليب" ملكُ فرنسا مستاءً من عدمِ دفعِ المكسيك الديون التي عليها لفرنسا، وكانَ يحتاجُ إلى ذريعةٍ ليُحارب، فطلبَ من الحكومةِ المكسيكيةِ أن تدفعَ تعويضاً لصاحبِ محلِ الفطائر، وعندما قُوبِلَ طلبه بالرفض، قامَ بشنِّ حربٍ على المكسيكِ استمرَّتْ خمسة أشهر!
الحالُ في السياسةِ كما هو الحالُ في حياةِ الناس، من أرادَ أن يُخاصمكَ فسيجدُ ألف سبب، وإن لم يجدْ اخترعَ واحداً، ومن أرادَ أن يبقى معك، تجاهلَ ألف سببٍ لمفارقتك!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
"يا ربِّ .. ها أنا
أعبُر الدَّربَ بامتلاءِ القَلب بِكْ
وأنتَ ولِيُّ الذين آمَنوا
اقبَلني بينَهم
واجعَلني منهُم
واحفَظ شراعًا وجّهتُ وجههُ إليك
ومَكِّن له الخُطى
حتّى أخوضُ غِمارَ الحياة
وأنتَ عنّي راضٍ" ❤️
أعبُر الدَّربَ بامتلاءِ القَلب بِكْ
وأنتَ ولِيُّ الذين آمَنوا
اقبَلني بينَهم
واجعَلني منهُم
واحفَظ شراعًا وجّهتُ وجههُ إليك
ومَكِّن له الخُطى
حتّى أخوضُ غِمارَ الحياة
وأنتَ عنّي راضٍ" ❤️
"ما أفسدته الدنيا فيكَ
تُصلحه : لا إله إلا أنتَ
سبحانكَ إني كنتُ من الظالمين" ❤️
تُصلحه : لا إله إلا أنتَ
سبحانكَ إني كنتُ من الظالمين" ❤️
"بعيداً عن طمعي بالجنة
وخوفي من النار
أريد حقاً رؤية الله
أريد أن أرى من ذا الذي لطالما آنَسَ وحشَتي
وفكَّ كُربَتي
وآمَنَ روعاتي
ودبَّرَ حياتي
من ذا الذي آوانا حينما جافونا
من ذا الذي شفانا وأطعمنا وسقانا
من غير حولٍ منا ولا قوة
اللهم لا تحرمنا لذة النظر لوجهك الكريم" ❤️
وخوفي من النار
أريد حقاً رؤية الله
أريد أن أرى من ذا الذي لطالما آنَسَ وحشَتي
وفكَّ كُربَتي
وآمَنَ روعاتي
ودبَّرَ حياتي
من ذا الذي آوانا حينما جافونا
من ذا الذي شفانا وأطعمنا وسقانا
من غير حولٍ منا ولا قوة
اللهم لا تحرمنا لذة النظر لوجهك الكريم" ❤️
"لكُلِّ الذين لَم يُسلَّطْ عليهِم الضوء
ولَم تُذكَر أسماؤهم
ولَم ينالوا منصباً
لأولئك الذين يسندون الجميع
ولَم يسندهم أحد:
الله يعرِفكم جيداً " ❤️
ولَم تُذكَر أسماؤهم
ولَم ينالوا منصباً
لأولئك الذين يسندون الجميع
ولَم يسندهم أحد:
الله يعرِفكم جيداً " ❤️
في قصصهم عِبرة ٣٢
من الأكلِ ما قَتَلَ!
روى العلامة ابن كثير في رائعته البداية والنهاية طائفة من الأخبار حول أكلاتٍ قتلت أصحابها!
فذكرَ أن الإمام مسلم صاحب الصحيح، أشكل عليه حديث نبوي شريف، فحبس نفسه في غرفته، ومنع أهله من الدخول عليه، كي لا يشغله أحدٌ عما هو فيه، وكانت عنده سلة تمرٍ أُهدِيَتْ إليه، فكان طيلة ليله يأكل تمرةً بعد تمرة، حتى أتى على السلةِ كلِّها، فمرض بسبب هذا ومات!
وقد قرأتُ في كتابٍ آخر أنه رحمه الله كان يُعاني من مرضِ السُّكري، ويبدو أنه لم يكن يعلم بسبب وضع الطب قديماً!
وقد أكل فقيه الأندلس الشهير، "بَقِيُّ بن مَخلد" لقمة هريسة، فإذا هي حارَّة، فصاح صيحةً عظيمة، ثم أُغمِيَ عليه إلى وقت الظهر، ثم أفاق، ثم لم يزل يشهد أن لا إله إلا الله، إلى أن ماتَ في وقتِ السَّحَر.
سبحان من جعلَ لكل أجلٍ سبباً، وسبحان من لم يقصر حسن الخواتيم على الموت سجوداً، فالإمام مسلم وبَقِيّ بن مخلد أفنيا عمرهما لله، علماً وعبادة، مسلم الآن يتفيأ في قبره بظل الصحيح، تجري عليه حسنات جارية في كتابٍ وضعه من قلبه، فوضع الله تعالى له القبول في الأرض. وبقي بن مخلد جاء مشياً من الأندلس إلى بغداد ليتتلمذ على يد الإمام أحمد، ثم عاد حاملاً الحديث النبوي الشريف إلى الأندلس، فكان إمام السُّنَّة هناك، وشمس الدنيا!
نحسبهما كذلك ولا نزكي على الله أحداً من خلقه!
نعم نستبشر بمن ماتَ ساجداً، أو بمن خرَّ ميتاً بعد لحظةٍ من صدقةٍ وضعها في يد فقير، وبمن كان على منبره يُحبب الناس بالله ثم فاضتْ روحه، وبمن ماتَ في سبيلِ اللهِ مقبلاً غير مدبر، وكل خلية فيه تقول: اللهم خذ من دمي حتى ترضى!
ولكن لا ننسى أن أبا بكرٍ مات على فراشه وهو خير الناس بعد الأنبياء، وخالد بن الوليد مات على فراشه أيضاً وهو الذي أفنى عمره يذود عن لا إله إلا الله!
إنَّ القضية لم تكن يوماً كيف مات َفلان وإنما كيف عاش!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
من الأكلِ ما قَتَلَ!
روى العلامة ابن كثير في رائعته البداية والنهاية طائفة من الأخبار حول أكلاتٍ قتلت أصحابها!
فذكرَ أن الإمام مسلم صاحب الصحيح، أشكل عليه حديث نبوي شريف، فحبس نفسه في غرفته، ومنع أهله من الدخول عليه، كي لا يشغله أحدٌ عما هو فيه، وكانت عنده سلة تمرٍ أُهدِيَتْ إليه، فكان طيلة ليله يأكل تمرةً بعد تمرة، حتى أتى على السلةِ كلِّها، فمرض بسبب هذا ومات!
وقد قرأتُ في كتابٍ آخر أنه رحمه الله كان يُعاني من مرضِ السُّكري، ويبدو أنه لم يكن يعلم بسبب وضع الطب قديماً!
وقد أكل فقيه الأندلس الشهير، "بَقِيُّ بن مَخلد" لقمة هريسة، فإذا هي حارَّة، فصاح صيحةً عظيمة، ثم أُغمِيَ عليه إلى وقت الظهر، ثم أفاق، ثم لم يزل يشهد أن لا إله إلا الله، إلى أن ماتَ في وقتِ السَّحَر.
سبحان من جعلَ لكل أجلٍ سبباً، وسبحان من لم يقصر حسن الخواتيم على الموت سجوداً، فالإمام مسلم وبَقِيّ بن مخلد أفنيا عمرهما لله، علماً وعبادة، مسلم الآن يتفيأ في قبره بظل الصحيح، تجري عليه حسنات جارية في كتابٍ وضعه من قلبه، فوضع الله تعالى له القبول في الأرض. وبقي بن مخلد جاء مشياً من الأندلس إلى بغداد ليتتلمذ على يد الإمام أحمد، ثم عاد حاملاً الحديث النبوي الشريف إلى الأندلس، فكان إمام السُّنَّة هناك، وشمس الدنيا!
نحسبهما كذلك ولا نزكي على الله أحداً من خلقه!
نعم نستبشر بمن ماتَ ساجداً، أو بمن خرَّ ميتاً بعد لحظةٍ من صدقةٍ وضعها في يد فقير، وبمن كان على منبره يُحبب الناس بالله ثم فاضتْ روحه، وبمن ماتَ في سبيلِ اللهِ مقبلاً غير مدبر، وكل خلية فيه تقول: اللهم خذ من دمي حتى ترضى!
ولكن لا ننسى أن أبا بكرٍ مات على فراشه وهو خير الناس بعد الأنبياء، وخالد بن الوليد مات على فراشه أيضاً وهو الذي أفنى عمره يذود عن لا إله إلا الله!
إنَّ القضية لم تكن يوماً كيف مات َفلان وإنما كيف عاش!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
في قصصهم عِبرة ٣٣
الرجلُ والظلُ!
يروي الأديبُ القصصي الروسي "إيفان كريلوف" في كتابه الماتعِ "خُرافات روسية"، أنَّ رجلاً كان يرغبُ في إمساكِ ظلِّه، فيخطو نحوه خطوة أو خطوتين، فيبتعدُ الظلُ بمقدارِ ما يخطو الرجلُ نحوه!
وأخيراً قررَ أن يكونَ أسرعَ من ظله، فبدأ يركضُ مُحَاوِلاً أن يُمسكه، ولكنه كلَّما أسرع، أسرعَ معه الظلُ كذلك، حتى أنهكه التعب!
ثم قررَ أن يكفَّ عن المحاولة، فاستدارَ وقفلَ عائداً، ولكنه وجدَ ظله يتبعه، فاعتقدَ أنه يريدُ الانتقام منه، وأن المُطارِد صارَ مُطَارداً الآن، فأخذَ يركضُ حتى وقعَ مغشياً عليه!
فيا أيُّها السادة، كثيراً ما أُلاحظُ أن المال يُعاملنا بطريقةٍ مماثلة!
يُحاولُ رجلٌ بكلِّ قوته أن يجمعَ ثروة، فلا يجد غير أنه قد أضاعَ وقته وطاقته. بينما يحاولُ آخر، حسبما تدلُّ عليه المظاهر كلها أن يهربَ بعيداً عن أنظارِ المال، ولكن كلا… فالمال نفسه يجدُ لذَّةً في مطاردته!
في الحقيقةِ هناك أشياء كثيرة في هذه الحياة لا تأتي إلا بتركها!
كثيراً ما نبذلُ الحُب لأشخاص، نهتمُ، ونُراسلُ، ونُهدي فلا نجد صدىً، ثم إذا ما رحلنا، جاؤوا يبحثون عنا أولئك الذين كُنا أمامَ أنظارِهم طوال الوقت!
شيءٌ ما لفتني في كثيرٍ من علاقاتِ الزواجِ التي انتهتْ بالطلاق، وهو أنَّ الزوج أو الزوجة استفاقوا على سماتٍ ومميزاتٍ في بعضهم البعض لم يكونوا يُدركونها أثناءَ زواجهما!
شيءُ ما فينا نحن البشر سيءٌ جداً، وهو أننا لا نُدرك قيمةَ الأشياءِ إلا بعدَ أن نَفقدَها!
والشيءُ بالشيءِ يُذكرُ، وعلى سبيلِ الأشياء التي إذا هربَ منها الإنسانُ لحقته هي الشُّهرة، الشهرةُ الحقيقةُ أعني، تلكَ التي يكونُ العبدُ فيها معروفاً في السماءِ أكثر ممَّا هو معروفٌ في الأرض!
كانَ الإمامُ أحمد يدعو أن يموتَ دون أن يعرفه من المُسلمين أحد! فماتَ ولا يجهله من المُسلمين أحد!
حين كتبَ الإمامُ النووي رياضَ الصالحينِ لم يكُنْ يبحثُ عن شُهرة، لهذا بقيَ الكتاب!
وعندما أرادَ الإمامُ مالك أن يكتبَ المُوَطَّأ قِيل له: ما الحاجة إليه وكُتب الحديثِ كثيرة؟!
فقال: ما كانَ للهِ يبقى!
وبقيَ المُوَطَّأُ لأنه منذُ البدايةِ كان للهِ!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
الرجلُ والظلُ!
يروي الأديبُ القصصي الروسي "إيفان كريلوف" في كتابه الماتعِ "خُرافات روسية"، أنَّ رجلاً كان يرغبُ في إمساكِ ظلِّه، فيخطو نحوه خطوة أو خطوتين، فيبتعدُ الظلُ بمقدارِ ما يخطو الرجلُ نحوه!
وأخيراً قررَ أن يكونَ أسرعَ من ظله، فبدأ يركضُ مُحَاوِلاً أن يُمسكه، ولكنه كلَّما أسرع، أسرعَ معه الظلُ كذلك، حتى أنهكه التعب!
ثم قررَ أن يكفَّ عن المحاولة، فاستدارَ وقفلَ عائداً، ولكنه وجدَ ظله يتبعه، فاعتقدَ أنه يريدُ الانتقام منه، وأن المُطارِد صارَ مُطَارداً الآن، فأخذَ يركضُ حتى وقعَ مغشياً عليه!
فيا أيُّها السادة، كثيراً ما أُلاحظُ أن المال يُعاملنا بطريقةٍ مماثلة!
يُحاولُ رجلٌ بكلِّ قوته أن يجمعَ ثروة، فلا يجد غير أنه قد أضاعَ وقته وطاقته. بينما يحاولُ آخر، حسبما تدلُّ عليه المظاهر كلها أن يهربَ بعيداً عن أنظارِ المال، ولكن كلا… فالمال نفسه يجدُ لذَّةً في مطاردته!
في الحقيقةِ هناك أشياء كثيرة في هذه الحياة لا تأتي إلا بتركها!
كثيراً ما نبذلُ الحُب لأشخاص، نهتمُ، ونُراسلُ، ونُهدي فلا نجد صدىً، ثم إذا ما رحلنا، جاؤوا يبحثون عنا أولئك الذين كُنا أمامَ أنظارِهم طوال الوقت!
شيءٌ ما لفتني في كثيرٍ من علاقاتِ الزواجِ التي انتهتْ بالطلاق، وهو أنَّ الزوج أو الزوجة استفاقوا على سماتٍ ومميزاتٍ في بعضهم البعض لم يكونوا يُدركونها أثناءَ زواجهما!
شيءُ ما فينا نحن البشر سيءٌ جداً، وهو أننا لا نُدرك قيمةَ الأشياءِ إلا بعدَ أن نَفقدَها!
والشيءُ بالشيءِ يُذكرُ، وعلى سبيلِ الأشياء التي إذا هربَ منها الإنسانُ لحقته هي الشُّهرة، الشهرةُ الحقيقةُ أعني، تلكَ التي يكونُ العبدُ فيها معروفاً في السماءِ أكثر ممَّا هو معروفٌ في الأرض!
كانَ الإمامُ أحمد يدعو أن يموتَ دون أن يعرفه من المُسلمين أحد! فماتَ ولا يجهله من المُسلمين أحد!
حين كتبَ الإمامُ النووي رياضَ الصالحينِ لم يكُنْ يبحثُ عن شُهرة، لهذا بقيَ الكتاب!
وعندما أرادَ الإمامُ مالك أن يكتبَ المُوَطَّأ قِيل له: ما الحاجة إليه وكُتب الحديثِ كثيرة؟!
فقال: ما كانَ للهِ يبقى!
وبقيَ المُوَطَّأُ لأنه منذُ البدايةِ كان للهِ!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
في قصصهم عِبرة ٣٤
ذكاءُ المنصور!
في الطرق الحكمية لابن القيم، أنّ رجلاً جاء إلى الخليفة العباسي المنصور، وأخبره أنه خرج في تجارةٍ وكسب مالاً فأعطاه لزوجته لتحفظه، ثم طلبه منها، فقالتْ أنه قد سُرِقَ، وأنه نظر في البيت فلم يَرَ كسراً ولا خلعاً، ولا أثراً لِلِص!
فقال له المنصور: منذ كم تزوجتها؟
فقال: من سنة
فقال له: أثيِّبٌ أم بِكر؟
فقال: ثيِّباً
فقال له: ألها ولد؟
قال: لا
فدعا المنصور بقارورة طيبٍ كانتْ له، وقال للرجل: استعمل هذا فسيذهبُ بالهم الذي اعتراك!
فلما خرجَ من عنده، دعا المنصور بأربعةٍ من جنده، وأمرهم أن يتفرقوا في الطُرُقات، وأيما رجل وجدوا عليه أثر هذا العطر، يأتون به فوراً!
وخرج الرجل بالطيب، ووضعه في البيت، فأهدته المرأة لرجلٍ كانت تحبه، فوضع منه، فقبضَ عليه الجنود وجاؤوا به إلى المنصور!
فقال له المنصور: أين المال الذي أخذته من فلانة؟
فأقرَّ واعترفَ على الفور، وذهبَ وأحضرَ المال.
فدعا المنصور صاحب المال وقال له: إن رددتُ إليكَ مالكَ تحكمني في امرأتك؟
قال: نعم
فقال له: هذا مالك، قد طلَّقْتُ المرأة منك!
لا يدري المرءُ مما يعجبُ في هذه القصة، من ذكاء المنصور ودهائه، فهذا والله فعل العباقرة! أم من ستره على المرأة، فهو لم يُخبر الزوج بحقيقة زوجته، وإنما طلب َأن يكون أمرها في يده، فلما وافقَ الزوج على هذا، قام بتطليقها منه!
يُحِبُّ الله تعالى الستر على الأعراض وإن فرَّطَ بها أهلها، ومن سَتَرَ سُتِرَ، ومن تتبَّعَ عورات الناس تتبَّعَ الله عورته، ومن عيَّرَ أحداً بمعصيةٍ في الغالب لا يموت حتى يقترف مثلها!
عندما زنى ماعزٌ رضي الله عنه، استشار صديقاً له من الأنصار، فأشار عليه أن يذهب إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليقيم عليه الحد، وهكذا كان، فالحدود إذا وصلتْ للحاكم سقطتْ فيها الشفاعة!
ولكن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ ذاكَ الأنصاري بعد فترة، فقال له: أما إنكَ لو سترته بثوبكَ كان خيراً لكَ!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
ذكاءُ المنصور!
في الطرق الحكمية لابن القيم، أنّ رجلاً جاء إلى الخليفة العباسي المنصور، وأخبره أنه خرج في تجارةٍ وكسب مالاً فأعطاه لزوجته لتحفظه، ثم طلبه منها، فقالتْ أنه قد سُرِقَ، وأنه نظر في البيت فلم يَرَ كسراً ولا خلعاً، ولا أثراً لِلِص!
فقال له المنصور: منذ كم تزوجتها؟
فقال: من سنة
فقال له: أثيِّبٌ أم بِكر؟
فقال: ثيِّباً
فقال له: ألها ولد؟
قال: لا
فدعا المنصور بقارورة طيبٍ كانتْ له، وقال للرجل: استعمل هذا فسيذهبُ بالهم الذي اعتراك!
فلما خرجَ من عنده، دعا المنصور بأربعةٍ من جنده، وأمرهم أن يتفرقوا في الطُرُقات، وأيما رجل وجدوا عليه أثر هذا العطر، يأتون به فوراً!
وخرج الرجل بالطيب، ووضعه في البيت، فأهدته المرأة لرجلٍ كانت تحبه، فوضع منه، فقبضَ عليه الجنود وجاؤوا به إلى المنصور!
فقال له المنصور: أين المال الذي أخذته من فلانة؟
فأقرَّ واعترفَ على الفور، وذهبَ وأحضرَ المال.
فدعا المنصور صاحب المال وقال له: إن رددتُ إليكَ مالكَ تحكمني في امرأتك؟
قال: نعم
فقال له: هذا مالك، قد طلَّقْتُ المرأة منك!
لا يدري المرءُ مما يعجبُ في هذه القصة، من ذكاء المنصور ودهائه، فهذا والله فعل العباقرة! أم من ستره على المرأة، فهو لم يُخبر الزوج بحقيقة زوجته، وإنما طلب َأن يكون أمرها في يده، فلما وافقَ الزوج على هذا، قام بتطليقها منه!
يُحِبُّ الله تعالى الستر على الأعراض وإن فرَّطَ بها أهلها، ومن سَتَرَ سُتِرَ، ومن تتبَّعَ عورات الناس تتبَّعَ الله عورته، ومن عيَّرَ أحداً بمعصيةٍ في الغالب لا يموت حتى يقترف مثلها!
عندما زنى ماعزٌ رضي الله عنه، استشار صديقاً له من الأنصار، فأشار عليه أن يذهب إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ليقيم عليه الحد، وهكذا كان، فالحدود إذا وصلتْ للحاكم سقطتْ فيها الشفاعة!
ولكن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لَقِيَ ذاكَ الأنصاري بعد فترة، فقال له: أما إنكَ لو سترته بثوبكَ كان خيراً لكَ!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
عن بَطَلاتِ العالم الحقيقيّات !
عن اللواتي لا يكتبُ عنهنّ أحد.
عن المستيقظاتِ فجراً، المُصلّياتِ فرضاً، التّالِياتِ ذِكراً، المُعِدّاتِ فُطوراً، المُجَهِّزاتِ تلميذاً، المُلبساتِ مريولاً، المُسرِّحاتِ شَعراً، المُراجِعاتِ برنامجاً، الجَالِياتِ صحوناً، المُوضّباتِ فِراشاً، الحانياتِ ظهوراً، الكانساتِ أرضاً، الماسِحاتِ غبراً، المُرتّباتِ بيتاً، الطّابخاتِ غداءً، المُنتظراتِ أولاداً، المُطعِماتِ حشداً، المُنظّفات قُدوراً، المُذاكراتِ دروساً، الحالّاتِ فروضاً، المصححاتِ إملاءً، المُسمّعاتِ استظهاراً، المُحفّظاتِ قرآناً، المُعدّاتِ للنوم أولاداً، الراضيات أزواجاً!
عن الخبيراتِ الاقتصاديّاتِ اللواتي يتكيّفنَ رغم عجز الموازنة بينما تغرق أوطان كبيرة بالدّين!
عن الممرضاتِ اللواتي يقسنَ حرارة ولدٍ مريض بميزان شفتين يطبعنه قبلةً على جبينه، فيُشخّصنَ المرض، ويعطين العلاج، فنشفى، ويموتُ عشرات الآلاف بالأخطاء الطبيّة!
عن المُدرّساتِ الخصوصيات مجاناً!
عن السّمكرياتِ توفيراً!
عن المرهقاتِ الآوياتِ لفراشهنّ ليلاً يسمعنَ صوتَ عظامهنّ تحتهنّ فلا يشتكين!
عن اللواتي لا يطبخنَ لانستغرام، ولا يشترينَ الثياب للفيسبوك!
عن الصّابراتِ على وجع الظّهر لأنّ كشفيّة الطبيب أولى بها فاتورة الكهرباء في أوطان رغم النّفط لا تشبع!
عن خشناتِ الأيدي لأنّ ثمن المُرطّبات والكريمات أولى به أقساط مدارس الأولاد في أوطان تخلّتْ وعلى المرء أن يتدبّر فيها نفسه!
عن بطلاتِ العالم الحقيقيات!
عن سِلال الغسيل الممتلئة لأنكنّ لا ترضينَ إلا أن يلبس أولادكنّ ثياباً نظيفة!
عن المجلى الممتلئ عن آخره بالصحون لأنكنّ تأبينَ إلا أن تُطعمنَ أولادكنّ طعاماً شهياً!
عن الألعاب المتناثرة هنا وهناك لأنكنّ ترفضنَ أن تسلبنَ أولادكنّ طفولتهم!
عن الصوتِ المبحوح والأعصاب التالفة لأنكنّ لا ترضينَ إلا أن يكون أولادكنّ الأفضل!
عن بطلاتِ العالم الحقيقيات!
عن اللواتي لا يُسافرنَ للإجازات!
عن اللواتي ينسينَ أعياد ميلادهنّ!
عن اللواتي لا يُطالعنَ مجلات الأزياء!
عن اللواتي لا يعرفنَ الطريق إلى صالونات التجميل وورش الحدادة النسائيّة!
عن الملائكة، الملائكة حقاً، الملائكة فعلاً!
أعرفُ أن مقالاً لن يشفي وجعاً في الظهر، ولن يمحو بحةً في الصوت، ولن يزيل خشونةً في يدين، وأعرفُ أن أكثركنّ ليس عندهنّ وقتٌ ليقرأن، وأنّ بعضكنّ لا يدرين عني ولا عن مدونات الجزيرة فقد شغلكنّ ما هو أهمّ منا! ولكني قررتُ أن أكتب عنكنّ، عرفاً بفضلكنّ، وتذكيراً بجهدكنّ وصبركنّ وجهادكنّ، أنتنّ بطلاتُ العالم الحقيقيات فلا تنهزمن، أنتنّ الجيش الوحيدُ الممنوع عليه أن يُهزم ليستمرّ العالم!
أدهم شرقاوي / كتاب وإذا الصحف نُشرت
عن اللواتي لا يكتبُ عنهنّ أحد.
عن المستيقظاتِ فجراً، المُصلّياتِ فرضاً، التّالِياتِ ذِكراً، المُعِدّاتِ فُطوراً، المُجَهِّزاتِ تلميذاً، المُلبساتِ مريولاً، المُسرِّحاتِ شَعراً، المُراجِعاتِ برنامجاً، الجَالِياتِ صحوناً، المُوضّباتِ فِراشاً، الحانياتِ ظهوراً، الكانساتِ أرضاً، الماسِحاتِ غبراً، المُرتّباتِ بيتاً، الطّابخاتِ غداءً، المُنتظراتِ أولاداً، المُطعِماتِ حشداً، المُنظّفات قُدوراً، المُذاكراتِ دروساً، الحالّاتِ فروضاً، المصححاتِ إملاءً، المُسمّعاتِ استظهاراً، المُحفّظاتِ قرآناً، المُعدّاتِ للنوم أولاداً، الراضيات أزواجاً!
عن الخبيراتِ الاقتصاديّاتِ اللواتي يتكيّفنَ رغم عجز الموازنة بينما تغرق أوطان كبيرة بالدّين!
عن الممرضاتِ اللواتي يقسنَ حرارة ولدٍ مريض بميزان شفتين يطبعنه قبلةً على جبينه، فيُشخّصنَ المرض، ويعطين العلاج، فنشفى، ويموتُ عشرات الآلاف بالأخطاء الطبيّة!
عن المُدرّساتِ الخصوصيات مجاناً!
عن السّمكرياتِ توفيراً!
عن المرهقاتِ الآوياتِ لفراشهنّ ليلاً يسمعنَ صوتَ عظامهنّ تحتهنّ فلا يشتكين!
عن اللواتي لا يطبخنَ لانستغرام، ولا يشترينَ الثياب للفيسبوك!
عن الصّابراتِ على وجع الظّهر لأنّ كشفيّة الطبيب أولى بها فاتورة الكهرباء في أوطان رغم النّفط لا تشبع!
عن خشناتِ الأيدي لأنّ ثمن المُرطّبات والكريمات أولى به أقساط مدارس الأولاد في أوطان تخلّتْ وعلى المرء أن يتدبّر فيها نفسه!
عن بطلاتِ العالم الحقيقيات!
عن سِلال الغسيل الممتلئة لأنكنّ لا ترضينَ إلا أن يلبس أولادكنّ ثياباً نظيفة!
عن المجلى الممتلئ عن آخره بالصحون لأنكنّ تأبينَ إلا أن تُطعمنَ أولادكنّ طعاماً شهياً!
عن الألعاب المتناثرة هنا وهناك لأنكنّ ترفضنَ أن تسلبنَ أولادكنّ طفولتهم!
عن الصوتِ المبحوح والأعصاب التالفة لأنكنّ لا ترضينَ إلا أن يكون أولادكنّ الأفضل!
عن بطلاتِ العالم الحقيقيات!
عن اللواتي لا يُسافرنَ للإجازات!
عن اللواتي ينسينَ أعياد ميلادهنّ!
عن اللواتي لا يُطالعنَ مجلات الأزياء!
عن اللواتي لا يعرفنَ الطريق إلى صالونات التجميل وورش الحدادة النسائيّة!
عن الملائكة، الملائكة حقاً، الملائكة فعلاً!
أعرفُ أن مقالاً لن يشفي وجعاً في الظهر، ولن يمحو بحةً في الصوت، ولن يزيل خشونةً في يدين، وأعرفُ أن أكثركنّ ليس عندهنّ وقتٌ ليقرأن، وأنّ بعضكنّ لا يدرين عني ولا عن مدونات الجزيرة فقد شغلكنّ ما هو أهمّ منا! ولكني قررتُ أن أكتب عنكنّ، عرفاً بفضلكنّ، وتذكيراً بجهدكنّ وصبركنّ وجهادكنّ، أنتنّ بطلاتُ العالم الحقيقيات فلا تنهزمن، أنتنّ الجيش الوحيدُ الممنوع عليه أن يُهزم ليستمرّ العالم!
أدهم شرقاوي / كتاب وإذا الصحف نُشرت
في قصصهم عِبرة ٣٥
الأرنبُ البريُّ والشجرة!
يقولُ "هان في تزو" الفيلسوفُ الصيني الذي عاشَ في القرنِ الثالثِ قبل الميلاد:
كانَ في "صونغ" رجلٌ يحرثُ حقلاً في وسطه شجرة ضخمة، وذاتَ مرةٍ اصطدمَ بالشجرةِ أرنبٌ بريٌّ كان يجري بسرعةٍ فدُقَّتْ عنقه ومات! وفرحَ الفلاحُ بهذا العَشاءِ اللذيذِ السَّهل.
ومُنذُ تلكَ اللحظةِ ألقى محراثه جانباً، وراحَ يُراقبُ الشجرة، وينتظرُ أن يصطدمَ بها أرنب آخر!
طالَ انتظاره، وتلفَ حقله بسببِ الإهمال، ومع ذلك لم يحصلْ على أرنبٍ جديد، وصارَ في النهايةِ موضع سخرية لأهلِ صونغ جميعاً حتى أنهم أسموه الرجلُ مُنتظرُ الأرنب!
ما يحدثُ مرةً واحدةً بالصدفة -مع أني لا أحبُّ استخدامَ مصطلح الصدفةِ فكل شيءٍ في هذه الدنيا بقدر- لا يجب أن يُصبحَ قاعدة قابلة للتعميم!
بمعنى لو أنكَ في طريقكَ إلى عملكَ، وجدتَ مبلغاً من المالِ مُلقى على الأرض، وهذا المبلغُ يفوقُ ما تحصل عليه من أُجرةِ يومك، فهذا لا يعني أن تستقيلَ من عملك، وتذهبَ كل يوم لتبحث في الطرقاتِ عن مالٍ ملقى على الأرض!
هذه الدُنيا دار أسباب، والعاقلُ يأخذُ بالسببِ المُستطاعِ ويجعلُ يقينه على الله، ولكنَّ ترك الأسبابِ وعقد اليقين على الله هو سوء فهمٍ لسُنَّةِ اللهِ في الكون!
عندما أرادَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُهاجرَ اصطحبََ معه دليلاً يُرشدُهُ إلى الطريق، ولو تركَ أحدٌ الأخذُ بالأسباب، مُتذرِّعاً بإيمانه ويقينه بالله، لتركه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فلا أحد من البشريةٍ له إيمانه ويقينه بربه!
ويوم غَزوة أُحُد لبسَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم درعين لا درعاً واحداً، هو يعرفُ أنَّ الدروع لا تردُّ الموت لو حانتْ ساعةُ المرء، ولكن الأخذ بالأسباب من تمامِ التوكُّلِ على الله وليس مُنافياً له!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
الأرنبُ البريُّ والشجرة!
يقولُ "هان في تزو" الفيلسوفُ الصيني الذي عاشَ في القرنِ الثالثِ قبل الميلاد:
كانَ في "صونغ" رجلٌ يحرثُ حقلاً في وسطه شجرة ضخمة، وذاتَ مرةٍ اصطدمَ بالشجرةِ أرنبٌ بريٌّ كان يجري بسرعةٍ فدُقَّتْ عنقه ومات! وفرحَ الفلاحُ بهذا العَشاءِ اللذيذِ السَّهل.
ومُنذُ تلكَ اللحظةِ ألقى محراثه جانباً، وراحَ يُراقبُ الشجرة، وينتظرُ أن يصطدمَ بها أرنب آخر!
طالَ انتظاره، وتلفَ حقله بسببِ الإهمال، ومع ذلك لم يحصلْ على أرنبٍ جديد، وصارَ في النهايةِ موضع سخرية لأهلِ صونغ جميعاً حتى أنهم أسموه الرجلُ مُنتظرُ الأرنب!
ما يحدثُ مرةً واحدةً بالصدفة -مع أني لا أحبُّ استخدامَ مصطلح الصدفةِ فكل شيءٍ في هذه الدنيا بقدر- لا يجب أن يُصبحَ قاعدة قابلة للتعميم!
بمعنى لو أنكَ في طريقكَ إلى عملكَ، وجدتَ مبلغاً من المالِ مُلقى على الأرض، وهذا المبلغُ يفوقُ ما تحصل عليه من أُجرةِ يومك، فهذا لا يعني أن تستقيلَ من عملك، وتذهبَ كل يوم لتبحث في الطرقاتِ عن مالٍ ملقى على الأرض!
هذه الدُنيا دار أسباب، والعاقلُ يأخذُ بالسببِ المُستطاعِ ويجعلُ يقينه على الله، ولكنَّ ترك الأسبابِ وعقد اليقين على الله هو سوء فهمٍ لسُنَّةِ اللهِ في الكون!
عندما أرادَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُهاجرَ اصطحبََ معه دليلاً يُرشدُهُ إلى الطريق، ولو تركَ أحدٌ الأخذُ بالأسباب، مُتذرِّعاً بإيمانه ويقينه بالله، لتركه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فلا أحد من البشريةٍ له إيمانه ويقينه بربه!
ويوم غَزوة أُحُد لبسَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم درعين لا درعاً واحداً، هو يعرفُ أنَّ الدروع لا تردُّ الموت لو حانتْ ساعةُ المرء، ولكن الأخذ بالأسباب من تمامِ التوكُّلِ على الله وليس مُنافياً له!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية