السلام عليك يا صاحبي ١١٠
السَّلامُ عليكَ يا صاحبي،
قرأتُ البارحة قصةً جميلة حدثت في العراق في العام 1956،
حيث افتقد الأستاذ الجامعي تلميذه العبقري في مرحلة الدكتوراة،
فقرر أن يذهب إلى بيته ليزوره فقد اعتقد أنه مريض،
وأنه ليس غير المرض قد منعه عن الحضور إلى الجامعة!
وعندما وصل إلى بيت تلميذه،
وجد أن البيت كله عبارة عن غرفة واحدة متصدعة،
وأن الطالب فقير جداً بشكل لم يكن يتصوره،
وبعد أن قدَّم التلميذ كوب الشاي لأستاذه،
قال له الأستاذ: لماذا لم تعد تحضر إلى الجامعة؟
فقال له التلميذ: العلمُ لا يشتري باقة فجل!
دُهش الأستاذ من كلام تلميذه،
وقبل أن يسأله عن سبب قوله هذا،
سارع التلميذ وقال:
يا أستاذي العزيز لقد شعرتُ بالجوع منذ أسبوع،
ولم يكن معي إلا فلساً ونصف،
اشتريتُ رغيفاً بفلس من الفرن،
وتوجهتُ إلى بائع الخضار أريد أن أشتري فجلاً بنصف الفلس المتبقي،
فقال لي: باقة الفجل بفلس!
فقلتُ له: بامكاني أن أُعلمكَ مسألةً في النحو أو أروي لكَ قصةً في الأدب،
مقابل أن تبيعني باقة الفجل بنصف فلس!
فقال لي ساخراً: علمكَ لا يشتري الفجل!
فعلمتُ أنه على حق،
وقررتُ أن أترك الدراسة،
وأحصل على عمل يمكنني من شراء الخبز والفجل!
لم يُعلق الأستاذ على كلام تلميذه،
وإنما أعطاه خاتماً ذهبياً، وقال له: بِعْ هذا لي!
وتعالَ غداً إلى الجامعة وسنتحدث، وقام وانصرف!
وبالفعل في اليوم التالي جاء التلميذ ومعه ثمن الخاتم،
فقال له الأستاذ: هذا سعر ممتاز أين بعتَ الخاتم؟!
فقال له: لقد بعته في سوق الصاغة.
فقال له الأستاذ: ولِمَ لمْ تبعه لبائع الفجل؟!
فقال له: بائع الفجل لا يعرف قيمة الذهب!
فقال له الأستاذ: وكذلك هو لا يعرف قيمة العِلم!
المشكلة يا عزيزي ليس أنَّ علمكَ ليس له قيمة،
وإنما قد بذلته لمن لا يُقدِّره!
يا صاحبي،
قصة التلميذ وبائع الفجل تتكرر كثيراً،
أحياناً لا نلقى صدىً لما نفعله،
ليس لأن الذي نفعله لا قيمة له،
بل لأننا نفعله مع من لا يُقدِّره!
إذا قدمتَ الحُبَّ ولم تجنِ إلا الشوك،
فهذا لا يعني أن الحُب ليس له قيمة،
وإنما يعني أنك قدمته إلى الشخص الخطأ!
وإذا صنعتَ معروفاً مع إنسانٍ وقابله بالإساءة،
فهذا لا يعني أن المعروف لا يُثمر في الناس،
وإنما يعني أن بعض الناس فقط ليسوا أهلاً للمعروف!
يا صاحبي،
اُنظُر أين تضع نفسك أولاً،
ثم اسأل عن نتائج ما تفعل!
ربما وردة واحدة في حديقة شاسعة،
لن تضيف إلى هذه الحديقة كثيراً!
ولكن متى قطفها عاشقٌ وأعطاها لحبيبته،
صارتْ هذه الوردة عندها أجمل من كل باقات ورد العالم!
القضية كلها ليست كيف وإنما أين؟
ليست متى وإنما مع من!
والسلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السَّلامُ عليكَ يا صاحبي،
قرأتُ البارحة قصةً جميلة حدثت في العراق في العام 1956،
حيث افتقد الأستاذ الجامعي تلميذه العبقري في مرحلة الدكتوراة،
فقرر أن يذهب إلى بيته ليزوره فقد اعتقد أنه مريض،
وأنه ليس غير المرض قد منعه عن الحضور إلى الجامعة!
وعندما وصل إلى بيت تلميذه،
وجد أن البيت كله عبارة عن غرفة واحدة متصدعة،
وأن الطالب فقير جداً بشكل لم يكن يتصوره،
وبعد أن قدَّم التلميذ كوب الشاي لأستاذه،
قال له الأستاذ: لماذا لم تعد تحضر إلى الجامعة؟
فقال له التلميذ: العلمُ لا يشتري باقة فجل!
دُهش الأستاذ من كلام تلميذه،
وقبل أن يسأله عن سبب قوله هذا،
سارع التلميذ وقال:
يا أستاذي العزيز لقد شعرتُ بالجوع منذ أسبوع،
ولم يكن معي إلا فلساً ونصف،
اشتريتُ رغيفاً بفلس من الفرن،
وتوجهتُ إلى بائع الخضار أريد أن أشتري فجلاً بنصف الفلس المتبقي،
فقال لي: باقة الفجل بفلس!
فقلتُ له: بامكاني أن أُعلمكَ مسألةً في النحو أو أروي لكَ قصةً في الأدب،
مقابل أن تبيعني باقة الفجل بنصف فلس!
فقال لي ساخراً: علمكَ لا يشتري الفجل!
فعلمتُ أنه على حق،
وقررتُ أن أترك الدراسة،
وأحصل على عمل يمكنني من شراء الخبز والفجل!
لم يُعلق الأستاذ على كلام تلميذه،
وإنما أعطاه خاتماً ذهبياً، وقال له: بِعْ هذا لي!
وتعالَ غداً إلى الجامعة وسنتحدث، وقام وانصرف!
وبالفعل في اليوم التالي جاء التلميذ ومعه ثمن الخاتم،
فقال له الأستاذ: هذا سعر ممتاز أين بعتَ الخاتم؟!
فقال له: لقد بعته في سوق الصاغة.
فقال له الأستاذ: ولِمَ لمْ تبعه لبائع الفجل؟!
فقال له: بائع الفجل لا يعرف قيمة الذهب!
فقال له الأستاذ: وكذلك هو لا يعرف قيمة العِلم!
المشكلة يا عزيزي ليس أنَّ علمكَ ليس له قيمة،
وإنما قد بذلته لمن لا يُقدِّره!
يا صاحبي،
قصة التلميذ وبائع الفجل تتكرر كثيراً،
أحياناً لا نلقى صدىً لما نفعله،
ليس لأن الذي نفعله لا قيمة له،
بل لأننا نفعله مع من لا يُقدِّره!
إذا قدمتَ الحُبَّ ولم تجنِ إلا الشوك،
فهذا لا يعني أن الحُب ليس له قيمة،
وإنما يعني أنك قدمته إلى الشخص الخطأ!
وإذا صنعتَ معروفاً مع إنسانٍ وقابله بالإساءة،
فهذا لا يعني أن المعروف لا يُثمر في الناس،
وإنما يعني أن بعض الناس فقط ليسوا أهلاً للمعروف!
يا صاحبي،
اُنظُر أين تضع نفسك أولاً،
ثم اسأل عن نتائج ما تفعل!
ربما وردة واحدة في حديقة شاسعة،
لن تضيف إلى هذه الحديقة كثيراً!
ولكن متى قطفها عاشقٌ وأعطاها لحبيبته،
صارتْ هذه الوردة عندها أجمل من كل باقات ورد العالم!
القضية كلها ليست كيف وإنما أين؟
ليست متى وإنما مع من!
والسلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السلام عليك يا صاحبي ١١١
السَّلامُ عليكَ يا صاحبي،
كنتُ أقرأ البارحة في إلياذة هوميروس،
التي ترجمها ممدوح عدوان إلى اللغة العربية،
واستوقفني مقطع أحببتُ أن أشاركك إياه،
يقول هوميروس في الإلياذة:
"تذكر يا بُني أن يكون عقلك مشبعاً،
بكل مصدرٍ للمهارة والبراعة كي لا تفوتك الجوائز!
إنَّ قاطع الأشجار أبرع بكثير في عمله،
ممن هو في القوة ذاتها ولا خبرة له بقطع الأشجار!
وبالمهارة يسيطر الرُّبان على سفينته السريعة،
رغم أن الرياح تُصادمه!
وبالمهارة يتفوق سائق عربةٍ على آخر،
ومن يضع ثقته كلها في خيوله وعربته دون أن يتحكم بها،
ما يلبثُ أن يفقد السيطرة وتنقلبُ به عربته!
ولكن الرجل الذي يعرف كيف يستغل الفرصة،
حتى ولو كان يقود خيولاً أبطأ،
فإنه يصل نهاية المطاف!"
لعلك لاحظتَ يا صاحبي ما لاحظته أنا
لقد عرف الناس منذ القدم أهمية الخبرة،
وأن امتلاك القوة شيء،
وامتلاك إدارة القوة شيء آخر،
لا يكفي أن تكون قادراً على فعل شيء لتفعله،
لا بدَّ أن تمتلك الخبرة!
بعض الأشياء لا تحتاج إلى قوة أساساً،
الذين يُربُّون المحار لإنتاج اللؤلؤ،
لا يفعلون شيئاً أكثر من ثقب المحارة برأس دبوس،
وإدخال حبة رمل واحدة إلى داخلها،
فتقوم هي بالالتفاف عليها وتصنعُ منها لؤلؤة!
صبيُّ صغير يمكنه أن يثقب محارة،
ولكن المسألة ليست مسألة ثقب،
وإنما أن تعرف أين وكيف وكم تثقب،
وهذا ما يُسمى الخبرة!
ذكرني حديثي هذا معكَ،
بقصةٍ سبق ورويتها لكَ ذات حديثٍ جمعنا وجهاً لوجهٍ،
لا أعرفُ إن كنتَ تذكرها الآن!
حدثتك يومها عن ناقلة نفطٍ عملاقة تعطلتْ في عرض البحر،
فأحضرت الشركة المالكة للناقلة أمهر المهندسين ولكن دون جدوى!
فقط بقيت الناقلة معطلة وجاثمة دون حراك!
إلى حين جاء مَن نصح الشركة بميكانيكي عجوز،
لديه خبره شاسعة في هذا النوع من الناقلات!
اتصلت الشركة بالميكانيكي العجوز الذي حضر على جناح السرعة،
دخل إلى غرفة المحركات وأخذ يتحسس بيده محركها الضخم،
ثم عاد إلى شنطة عدته وأخرج منها مطرقة،
وطرق طرقة واحدة، ثم أمر القبطان أن يدير الناقلة!
وكم كانت الدهشة عظيمة عندما اشتغلت ناقلة النفط العملاقة !
سألوا الميكانيكي العجوز عن المبلغ الذي يريده نظير إصلاح الناقلة،
فطلب عشرة آلاف دولار!
رأى المحاسب أن هذا مبلغاً كبيراً،
إذ أن الميكانيكي لم يطرق إلا طرقة واحدة بمطرقته !
فطلبَ منه أن يكتب بالتفصيل فاتورةً تشرح سبب إصراره على هذا المبلغ،
فكتب الميكانيكي العجوز في الفاتورة:
دولار واحد أُجرة الطرقة،
و9999 دولار أُجرة أن تعرف أن تطرق!
إنها الخبرة يا صاحبي!
والسلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السَّلامُ عليكَ يا صاحبي،
كنتُ أقرأ البارحة في إلياذة هوميروس،
التي ترجمها ممدوح عدوان إلى اللغة العربية،
واستوقفني مقطع أحببتُ أن أشاركك إياه،
يقول هوميروس في الإلياذة:
"تذكر يا بُني أن يكون عقلك مشبعاً،
بكل مصدرٍ للمهارة والبراعة كي لا تفوتك الجوائز!
إنَّ قاطع الأشجار أبرع بكثير في عمله،
ممن هو في القوة ذاتها ولا خبرة له بقطع الأشجار!
وبالمهارة يسيطر الرُّبان على سفينته السريعة،
رغم أن الرياح تُصادمه!
وبالمهارة يتفوق سائق عربةٍ على آخر،
ومن يضع ثقته كلها في خيوله وعربته دون أن يتحكم بها،
ما يلبثُ أن يفقد السيطرة وتنقلبُ به عربته!
ولكن الرجل الذي يعرف كيف يستغل الفرصة،
حتى ولو كان يقود خيولاً أبطأ،
فإنه يصل نهاية المطاف!"
لعلك لاحظتَ يا صاحبي ما لاحظته أنا
لقد عرف الناس منذ القدم أهمية الخبرة،
وأن امتلاك القوة شيء،
وامتلاك إدارة القوة شيء آخر،
لا يكفي أن تكون قادراً على فعل شيء لتفعله،
لا بدَّ أن تمتلك الخبرة!
بعض الأشياء لا تحتاج إلى قوة أساساً،
الذين يُربُّون المحار لإنتاج اللؤلؤ،
لا يفعلون شيئاً أكثر من ثقب المحارة برأس دبوس،
وإدخال حبة رمل واحدة إلى داخلها،
فتقوم هي بالالتفاف عليها وتصنعُ منها لؤلؤة!
صبيُّ صغير يمكنه أن يثقب محارة،
ولكن المسألة ليست مسألة ثقب،
وإنما أن تعرف أين وكيف وكم تثقب،
وهذا ما يُسمى الخبرة!
ذكرني حديثي هذا معكَ،
بقصةٍ سبق ورويتها لكَ ذات حديثٍ جمعنا وجهاً لوجهٍ،
لا أعرفُ إن كنتَ تذكرها الآن!
حدثتك يومها عن ناقلة نفطٍ عملاقة تعطلتْ في عرض البحر،
فأحضرت الشركة المالكة للناقلة أمهر المهندسين ولكن دون جدوى!
فقط بقيت الناقلة معطلة وجاثمة دون حراك!
إلى حين جاء مَن نصح الشركة بميكانيكي عجوز،
لديه خبره شاسعة في هذا النوع من الناقلات!
اتصلت الشركة بالميكانيكي العجوز الذي حضر على جناح السرعة،
دخل إلى غرفة المحركات وأخذ يتحسس بيده محركها الضخم،
ثم عاد إلى شنطة عدته وأخرج منها مطرقة،
وطرق طرقة واحدة، ثم أمر القبطان أن يدير الناقلة!
وكم كانت الدهشة عظيمة عندما اشتغلت ناقلة النفط العملاقة !
سألوا الميكانيكي العجوز عن المبلغ الذي يريده نظير إصلاح الناقلة،
فطلب عشرة آلاف دولار!
رأى المحاسب أن هذا مبلغاً كبيراً،
إذ أن الميكانيكي لم يطرق إلا طرقة واحدة بمطرقته !
فطلبَ منه أن يكتب بالتفصيل فاتورةً تشرح سبب إصراره على هذا المبلغ،
فكتب الميكانيكي العجوز في الفاتورة:
دولار واحد أُجرة الطرقة،
و9999 دولار أُجرة أن تعرف أن تطرق!
إنها الخبرة يا صاحبي!
والسلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السلام عليك يا صاحبي ١١٠
السَّلامُ عليكَ يا صاحبي،
قرأتُ البارحة قصةً جميلة حدثت في العراق في العام 1956،
حيث افتقد الأستاذ الجامعي تلميذه العبقري في مرحلة الدكتوراة،
فقرر أن يذهب إلى بيته ليزوره فقد اعتقد أنه مريض،
وأنه ليس غير المرض قد منعه عن الحضور إلى الجامعة!
وعندما وصل إلى بيت تلميذه،
وجد أن البيت كله عبارة عن غرفة واحدة متصدعة،
وأن الطالب فقير جداً بشكل لم يكن يتصوره،
وبعد أن قدَّم التلميذ كوب الشاي لأستاذه،
قال له الأستاذ: لماذا لم تعد تحضر إلى الجامعة؟
فقال له التلميذ: العلمُ لا يشتري باقة فجل!
دُهش الأستاذ من كلام تلميذه،
وقبل أن يسأله عن سبب قوله هذا،
سارع التلميذ وقال:
يا أستاذي العزيز لقد شعرتُ بالجوع منذ أسبوع،
ولم يكن معي إلا فلساً ونصف،
اشتريتُ رغيفاً بفلس من الفرن،
وتوجهتُ إلى بائع الخضار أريد أن أشتري فجلاً بنصف الفلس المتبقي،
فقال لي: باقة الفجل بفلس!
فقلتُ له: بامكاني أن أُعلمكَ مسألةً في النحو أو أروي لكَ قصةً في الأدب،
مقابل أن تبيعني باقة الفجل بنصف فلس!
فقال لي ساخراً: علمكَ لا يشتري الفجل!
فعلمتُ أنه على حق،
وقررتُ أن أترك الدراسة،
وأحصل على عمل يمكنني من شراء الخبز والفجل!
لم يُعلق الأستاذ على كلام تلميذه،
وإنما أعطاه خاتماً ذهبياً، وقال له: بِعْ هذا لي!
وتعالَ غداً إلى الجامعة وسنتحدث، وقام وانصرف!
وبالفعل في اليوم التالي جاء التلميذ ومعه ثمن الخاتم،
فقال له الأستاذ: هذا سعر ممتاز أين بعتَ الخاتم؟!
فقال له: لقد بعته في سوق الصاغة.
فقال له الأستاذ: ولِمَ لمْ تبعه لبائع الفجل؟!
فقال له: بائع الفجل لا يعرف قيمة الذهب!
فقال له الأستاذ: وكذلك هو لا يعرف قيمة العِلم!
المشكلة يا عزيزي ليس أنَّ علمكَ ليس له قيمة،
وإنما قد بذلته لمن لا يُقدِّره!
يا صاحبي،
قصة التلميذ وبائع الفجل تتكرر كثيراً،
أحياناً لا نلقى صدىً لما نفعله،
ليس لأن الذي نفعله لا قيمة له،
بل لأننا نفعله مع من لا يُقدِّره!
إذا قدمتَ الحُبَّ ولم تجنِ إلا الشوك،
فهذا لا يعني أن الحُب ليس له قيمة،
وإنما يعني أنك قدمته إلى الشخص الخطأ!
وإذا صنعتَ معروفاً مع إنسانٍ وقابله بالإساءة،
فهذا لا يعني أن المعروف لا يُثمر في الناس،
وإنما يعني أن بعض الناس فقط ليسوا أهلاً للمعروف!
يا صاحبي،
اُنظُر أين تضع نفسك أولاً،
ثم اسأل عن نتائج ما تفعل!
ربما وردة واحدة في حديقة شاسعة،
لن تضيف إلى هذه الحديقة كثيراً!
ولكن متى قطفها عاشقٌ وأعطاها لحبيبته،
صارتْ هذه الوردة عندها أجمل من كل باقات ورد العالم!
القضية كلها ليست كيف وإنما أين؟
ليست متى وإنما مع من!
والسلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السَّلامُ عليكَ يا صاحبي،
قرأتُ البارحة قصةً جميلة حدثت في العراق في العام 1956،
حيث افتقد الأستاذ الجامعي تلميذه العبقري في مرحلة الدكتوراة،
فقرر أن يذهب إلى بيته ليزوره فقد اعتقد أنه مريض،
وأنه ليس غير المرض قد منعه عن الحضور إلى الجامعة!
وعندما وصل إلى بيت تلميذه،
وجد أن البيت كله عبارة عن غرفة واحدة متصدعة،
وأن الطالب فقير جداً بشكل لم يكن يتصوره،
وبعد أن قدَّم التلميذ كوب الشاي لأستاذه،
قال له الأستاذ: لماذا لم تعد تحضر إلى الجامعة؟
فقال له التلميذ: العلمُ لا يشتري باقة فجل!
دُهش الأستاذ من كلام تلميذه،
وقبل أن يسأله عن سبب قوله هذا،
سارع التلميذ وقال:
يا أستاذي العزيز لقد شعرتُ بالجوع منذ أسبوع،
ولم يكن معي إلا فلساً ونصف،
اشتريتُ رغيفاً بفلس من الفرن،
وتوجهتُ إلى بائع الخضار أريد أن أشتري فجلاً بنصف الفلس المتبقي،
فقال لي: باقة الفجل بفلس!
فقلتُ له: بامكاني أن أُعلمكَ مسألةً في النحو أو أروي لكَ قصةً في الأدب،
مقابل أن تبيعني باقة الفجل بنصف فلس!
فقال لي ساخراً: علمكَ لا يشتري الفجل!
فعلمتُ أنه على حق،
وقررتُ أن أترك الدراسة،
وأحصل على عمل يمكنني من شراء الخبز والفجل!
لم يُعلق الأستاذ على كلام تلميذه،
وإنما أعطاه خاتماً ذهبياً، وقال له: بِعْ هذا لي!
وتعالَ غداً إلى الجامعة وسنتحدث، وقام وانصرف!
وبالفعل في اليوم التالي جاء التلميذ ومعه ثمن الخاتم،
فقال له الأستاذ: هذا سعر ممتاز أين بعتَ الخاتم؟!
فقال له: لقد بعته في سوق الصاغة.
فقال له الأستاذ: ولِمَ لمْ تبعه لبائع الفجل؟!
فقال له: بائع الفجل لا يعرف قيمة الذهب!
فقال له الأستاذ: وكذلك هو لا يعرف قيمة العِلم!
المشكلة يا عزيزي ليس أنَّ علمكَ ليس له قيمة،
وإنما قد بذلته لمن لا يُقدِّره!
يا صاحبي،
قصة التلميذ وبائع الفجل تتكرر كثيراً،
أحياناً لا نلقى صدىً لما نفعله،
ليس لأن الذي نفعله لا قيمة له،
بل لأننا نفعله مع من لا يُقدِّره!
إذا قدمتَ الحُبَّ ولم تجنِ إلا الشوك،
فهذا لا يعني أن الحُب ليس له قيمة،
وإنما يعني أنك قدمته إلى الشخص الخطأ!
وإذا صنعتَ معروفاً مع إنسانٍ وقابله بالإساءة،
فهذا لا يعني أن المعروف لا يُثمر في الناس،
وإنما يعني أن بعض الناس فقط ليسوا أهلاً للمعروف!
يا صاحبي،
اُنظُر أين تضع نفسك أولاً،
ثم اسأل عن نتائج ما تفعل!
ربما وردة واحدة في حديقة شاسعة،
لن تضيف إلى هذه الحديقة كثيراً!
ولكن متى قطفها عاشقٌ وأعطاها لحبيبته،
صارتْ هذه الوردة عندها أجمل من كل باقات ورد العالم!
القضية كلها ليست كيف وإنما أين؟
ليست متى وإنما مع من!
والسلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السلام عليك يا صاحبي ١١٣
السَّلامُ عليكَ يا صاحبي،
في التوراة المحرَّفة فعلاً
والتي لا يمكن الركون إليها بأي حالٍ من الأحوال،
هناك قصة عن داود عليه السلام،
ووالد زوجته الملك شاؤول،
حيث شعر داود أن شاؤول يريدُ قتله،
وأسرَّ بهذا الأمر لصديقه الوفي جوناثان،
وجوناثان بالمناسبة هو ابن شاؤول وشقيق زوجة داود،
لم يُصدِّق جوناثان ما قاله داود عن أبيه،
وقال له ربما ليست الأمور بينكما على ما يُرام،
ولكنها لا تصل إلى درجة أنه يريدُ قتلك!
ولكن داود كان متقد الذكاء،
ورمى بالون اختبار كان بمثابة ضرب عصفورين بحجرٍ واحدٍ،
وهو كشف نوايا شاؤول الحقيقية،
وإقناع جوناثان أنه محق وليس واهماً البتة،
بشأن نوايا والده الشريرة تجاهه!
كان شاؤول قد أعدَّ مأدبةً ودعا إليها داود،
فقرر داود أن يعتذر ويرسل عذره إلى شاؤول مع جوناثان،
لم يكن العذر للتغيب مُلحّاً بالطبع،
ولكنه كان عذراً على أية حال!
وقال داود لجوناثان: إن قبلَ أباك العذر،
فهذا يعني أن نواياه حسنة وأنا مخطئ!
وإن لم يقبل العذر،
فسيغضب ويكشف عن مكنونات صدره!
عاد جوناثان إلى القصر وأخبر أباه بعذر داود،
فما كان من شاؤول إلا أن صرخ بأعلى صوته:
أحضروه إليَّ فوراً، إنه يستحقُّ الموت!
يا صاحبي،
من أحبك قَبِل عذرك،
وإن لم يجد لك عذراً اختلقَ لكَ واحداً!
نحن حين نريدُ أن نتمسك بالناس،
نبحث عن أسباب للبقاء!
ومن كرهكَ لن يرضى عنك،
ولو أضأتَ له أصابعك كلها شمعاً،
من أراد فراقك لن تستطيع أن تمسكه،
ولو أوصدتَ بوجهه كل الأبواب،
لفرَّ منك من أحد ثقوبها!
أغلب مواقف الحياة حمالة أوجه،
يمكن أن تُحمل على الخير، ويمكن أن تُحمل على الشر،
المُحب يأخذ الأمر بحسن نية،
والكاره يأخذ الأمر بسوئها،
والأعذار تكشف النوايا!
إنها تُعرِّي لكَ صدور الآخرين،
من أخطأتَ معه فقبل عذرك،
فهذا كان يريدُ أن يبقى ولو لم تعتذر!
ومن لم يقبل عذرك،
فاعلم أنه كان ينتظر هفوتكَ ليرحل!
والسلام لقلبك
أدهم شرقاوي
السَّلامُ عليكَ يا صاحبي،
في التوراة المحرَّفة فعلاً
والتي لا يمكن الركون إليها بأي حالٍ من الأحوال،
هناك قصة عن داود عليه السلام،
ووالد زوجته الملك شاؤول،
حيث شعر داود أن شاؤول يريدُ قتله،
وأسرَّ بهذا الأمر لصديقه الوفي جوناثان،
وجوناثان بالمناسبة هو ابن شاؤول وشقيق زوجة داود،
لم يُصدِّق جوناثان ما قاله داود عن أبيه،
وقال له ربما ليست الأمور بينكما على ما يُرام،
ولكنها لا تصل إلى درجة أنه يريدُ قتلك!
ولكن داود كان متقد الذكاء،
ورمى بالون اختبار كان بمثابة ضرب عصفورين بحجرٍ واحدٍ،
وهو كشف نوايا شاؤول الحقيقية،
وإقناع جوناثان أنه محق وليس واهماً البتة،
بشأن نوايا والده الشريرة تجاهه!
كان شاؤول قد أعدَّ مأدبةً ودعا إليها داود،
فقرر داود أن يعتذر ويرسل عذره إلى شاؤول مع جوناثان،
لم يكن العذر للتغيب مُلحّاً بالطبع،
ولكنه كان عذراً على أية حال!
وقال داود لجوناثان: إن قبلَ أباك العذر،
فهذا يعني أن نواياه حسنة وأنا مخطئ!
وإن لم يقبل العذر،
فسيغضب ويكشف عن مكنونات صدره!
عاد جوناثان إلى القصر وأخبر أباه بعذر داود،
فما كان من شاؤول إلا أن صرخ بأعلى صوته:
أحضروه إليَّ فوراً، إنه يستحقُّ الموت!
يا صاحبي،
من أحبك قَبِل عذرك،
وإن لم يجد لك عذراً اختلقَ لكَ واحداً!
نحن حين نريدُ أن نتمسك بالناس،
نبحث عن أسباب للبقاء!
ومن كرهكَ لن يرضى عنك،
ولو أضأتَ له أصابعك كلها شمعاً،
من أراد فراقك لن تستطيع أن تمسكه،
ولو أوصدتَ بوجهه كل الأبواب،
لفرَّ منك من أحد ثقوبها!
أغلب مواقف الحياة حمالة أوجه،
يمكن أن تُحمل على الخير، ويمكن أن تُحمل على الشر،
المُحب يأخذ الأمر بحسن نية،
والكاره يأخذ الأمر بسوئها،
والأعذار تكشف النوايا!
إنها تُعرِّي لكَ صدور الآخرين،
من أخطأتَ معه فقبل عذرك،
فهذا كان يريدُ أن يبقى ولو لم تعتذر!
ومن لم يقبل عذرك،
فاعلم أنه كان ينتظر هفوتكَ ليرحل!
والسلام لقلبك
أدهم شرقاوي
السلام عليك يا صاحبي ١١٤
السَّلامُ عليكَ يا صاحبي،
كان أبو حفص الأبَّار صديقاً لابن شبرمة،
وكان له عند ابن شبرمة حاجةً فقضاها له،
فجاء أبو حفص يشكره،
فقال له ابن شبرمة: على أي شيءٍ تشكرني؟
فقال له: لقد قضيتَ حاجتي!
فقال له: اِذهبْ، إذا سألتَ صديقكَ حاجةً،
يقدر على قضائها فلم يبذل نفسه وماله،
فتوضأ للصلاة،
وكبِّر عليه أربعاً وعُدَّه في الموتى!
يا صاحبي،
إن الصديق صِنو الروح وقطعة القلب،
فمتى لم يكن المرءُ منكَ بهذه المنزلة،
فلا تدَّعي صداقته. عُدّهُ من المعارف فقط!
الصديق لا يهون وإن هانَ كل الناس،
اختلف أبو بكر وعُمر على شيءٍ،
والنبلاء تقع بينهم الخلافات أيضاً،
وإن كانوا سرعان ما يرممون الفجوة التي حدثت بينهم،
وكان أبو بكر هو المخطئ،
فسارع إلى الاعتذار من عمر بن الخطاب،
ولكن عمر بطبعه الصلب لم تكن نفسه قد صفت بعد،
فلم يقبل اعتذار أبي بكر،
وضاقت الدنيا بأبي بكر،
وكان كلما ضاقت به الدنيا ذهبَ إلى النبيِّ ﷺ
فحدَّثه بالذي كان بينه وبين عمر وكيف رفضَ اعتذاره،
ولكن عمر النبيل سرعان ما راجع نفسه،
وجاء إلى المسجد يبحثُ عن أبي بكر،
ولكنَّ النبيَّ ﷺ لم يمررها هذه المرَّة،
لم يهُنْ عليه صديقه الأثير على قلبه،
فقام خطيباً يُدافع عنه وقال:
يا أيها الناس إنَّ الله بعثني إليكم،
فقلتم: كذبتَ، وقال أبو بكر: صدقَ!
وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟!
فجعل أبو بكر يُخبر النبيَّ ﷺ
أن الحقَّ كان مع عمر،
أيضاً لم يهُن عمر عند أبي بكر،
الصديق لا يهون يا صاحبي!
يا صاحبي،
دار الزمان بالناس اليوم،
فقلَّتْ الصداقة وشحَّ الأصدقاء،
قلَّتْ الأكتاف الصالحة للاتكاء،
والقلوب التي تقاسمك الوجع،
والعيون التي إن لم تستطع أن تخفف عنكَ بكتْ معكَ!
ورحمَ الله الأعمش حين قال:
أدركتُ أقواماً لا يلقى الرجل صديقه الشهر والشهرين،
فإذا لقيه لم يزدْ عن قوله له:
كيف أنت؟ وكيف حالكَ؟
ولو سأله نصفَ ماله لأعطاه!
ثم أدركتُ آخرين،
إذا لم يلقَ الرجل منهم صديقه يوماً،
سأله عن كل شيءٍ حتى الدجاجة في البيت،
ولو سأله درهماً من ماله ما أعطاه!
نحن في زمن الآخرين يا صاحبي،
والأصدقاء ندرة كالشعرة البيضاء في جسد الثور الأسود،
فإذا عثرتَ على صديق نادر،
فتشبَّثْ به بأسنانك!
فمن لم يكن له صديق نادر،
فقد ماتَ قبل أن يموت!
والسلام لقلبك
أدهم شرقاوي
السَّلامُ عليكَ يا صاحبي،
كان أبو حفص الأبَّار صديقاً لابن شبرمة،
وكان له عند ابن شبرمة حاجةً فقضاها له،
فجاء أبو حفص يشكره،
فقال له ابن شبرمة: على أي شيءٍ تشكرني؟
فقال له: لقد قضيتَ حاجتي!
فقال له: اِذهبْ، إذا سألتَ صديقكَ حاجةً،
يقدر على قضائها فلم يبذل نفسه وماله،
فتوضأ للصلاة،
وكبِّر عليه أربعاً وعُدَّه في الموتى!
يا صاحبي،
إن الصديق صِنو الروح وقطعة القلب،
فمتى لم يكن المرءُ منكَ بهذه المنزلة،
فلا تدَّعي صداقته. عُدّهُ من المعارف فقط!
الصديق لا يهون وإن هانَ كل الناس،
اختلف أبو بكر وعُمر على شيءٍ،
والنبلاء تقع بينهم الخلافات أيضاً،
وإن كانوا سرعان ما يرممون الفجوة التي حدثت بينهم،
وكان أبو بكر هو المخطئ،
فسارع إلى الاعتذار من عمر بن الخطاب،
ولكن عمر بطبعه الصلب لم تكن نفسه قد صفت بعد،
فلم يقبل اعتذار أبي بكر،
وضاقت الدنيا بأبي بكر،
وكان كلما ضاقت به الدنيا ذهبَ إلى النبيِّ ﷺ
فحدَّثه بالذي كان بينه وبين عمر وكيف رفضَ اعتذاره،
ولكن عمر النبيل سرعان ما راجع نفسه،
وجاء إلى المسجد يبحثُ عن أبي بكر،
ولكنَّ النبيَّ ﷺ لم يمررها هذه المرَّة،
لم يهُنْ عليه صديقه الأثير على قلبه،
فقام خطيباً يُدافع عنه وقال:
يا أيها الناس إنَّ الله بعثني إليكم،
فقلتم: كذبتَ، وقال أبو بكر: صدقَ!
وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي؟!
فجعل أبو بكر يُخبر النبيَّ ﷺ
أن الحقَّ كان مع عمر،
أيضاً لم يهُن عمر عند أبي بكر،
الصديق لا يهون يا صاحبي!
يا صاحبي،
دار الزمان بالناس اليوم،
فقلَّتْ الصداقة وشحَّ الأصدقاء،
قلَّتْ الأكتاف الصالحة للاتكاء،
والقلوب التي تقاسمك الوجع،
والعيون التي إن لم تستطع أن تخفف عنكَ بكتْ معكَ!
ورحمَ الله الأعمش حين قال:
أدركتُ أقواماً لا يلقى الرجل صديقه الشهر والشهرين،
فإذا لقيه لم يزدْ عن قوله له:
كيف أنت؟ وكيف حالكَ؟
ولو سأله نصفَ ماله لأعطاه!
ثم أدركتُ آخرين،
إذا لم يلقَ الرجل منهم صديقه يوماً،
سأله عن كل شيءٍ حتى الدجاجة في البيت،
ولو سأله درهماً من ماله ما أعطاه!
نحن في زمن الآخرين يا صاحبي،
والأصدقاء ندرة كالشعرة البيضاء في جسد الثور الأسود،
فإذا عثرتَ على صديق نادر،
فتشبَّثْ به بأسنانك!
فمن لم يكن له صديق نادر،
فقد ماتَ قبل أن يموت!
والسلام لقلبك
أدهم شرقاوي
السلام عليك يا صاحبي ١١٥
السَّلامُ عليكَ يا صاحبي،
في محطة المترو في العاصمة الأمريكية واشنطن،
وقف رجلٌ يعزِفُ على آلة الكمان،
عزفَ خمسين دقيقة متواصلة ببراعة،
وفي هذه الخمسين دقيقة مرَّ به أكثر من ألف شخص،
سبعة فقط منهم وقفوا يستمعون لعزفه،
والبعض ألقى إليه بالنقود وأكمل طريقه،
استطاع هذا العازف أن يجمع ثلاثين دولاراً،
ثم أُميط اللثام عن هذا المشهد الغريب،
لم يكن العزف في محطة المترو إلا تجربة قامت بها إحدى الجامعات،
أما العازف فكان "جوشوا بيل"،
أحد أمهر عازفي الكمان في العالم اليوم،
والكمان الذي كان يعزف عليه ثمنه أربعة ملايين دولار!
قبل أسبوع من هذه التجربة،
كان جوشوا يحيي حفلةً في بوسطن،
بيعت فيها كل التذاكر،
وأرخص تذكرة كان سعرها مئة دولار!
أحسبُ يا صاحبي أنك فهمتَ المغزى من التجربة،
أجل، قيمة الإنسان في غير مكانه!
جوشوا بيل الذي جنى قبل أسبوع ملايين الدولارات من حفلته في بوسطن،
لم يجمع إلا ثلاثين دولاراً في محطة مترو،
والشخص الذي حضر حفله الآلاف في المسرح،
لم يستمع إليه إلا سبعة أشخاص في محطة مترو!
يا صاحبي يُهان المرءُ في غير مكانه،
آينشتاين الذي كانت تحلمُ كل جامعات العالم بمحاضرةٍ له،
لو نزل إلى سوق الخضار يُحدّث الناس،
عن النسبية أو عن نظرية النسيج الكوني،
فلن يستمع إليه أحد،
هذا إن لم يعتبره البعض مجنوناً!
ومصطفى محمود رحمه الله الذي كان الوطن العربي كله،
يتسمر أمام شاشة التلفاز لمشاهدة برنامج العلم والإيمان،
كان يمرُّ بمحلات الحي الذي يسكن فيه،
فلا يُنقص له البائع جنيهاً من سعر شيءٍ يريدُ أن يشتريه!
المتنبي في قصر سيف الدولة، وعند كافور الإخشيدي،
ليس هو المتنبي عند الناس!
وأبو يوسف القاضي عند الرشيد في مجلس الخلافة،
ليس هو أبو يوسف في حوانيت بغداد!
وأحمد بن حنبل الذي جاءه بقي بن مخلد من الأندلس إلى بغداد،
مشياً على الأقدام ليأخذ عنه الحديث،
كان في بغداد نفسها من شغله رغيف الخبز عن علمه وحديثه!
يا صاحبي،
ضَعْ نفسكَ في البيئة التي تُقدرك،
لو عُرضت الموناليزا في سوق شعبي لن يشتريها أحد!
وسيف محمد الفاتح عند العامة مجرد خردة من حديد!
والعملة النادرة من أيام الرومان ليس لها عندي وعندك قيمة!
القيمة التي لها عند علماء الآثار،
لا تعرِضْ نفسكَ على رفِّ يُنقص قيمتك!
أهداني صديق لي ديوان المتنبي بخط ابن جني،
وفيه مداخلات بخط المتنبي نفسه،
لو وقع الكتاب بيد بائع فلافل لربما لفَّ به السندويشات لزبائنه!
والسلام لقلبك
أدهم شرقاوي
السَّلامُ عليكَ يا صاحبي،
في محطة المترو في العاصمة الأمريكية واشنطن،
وقف رجلٌ يعزِفُ على آلة الكمان،
عزفَ خمسين دقيقة متواصلة ببراعة،
وفي هذه الخمسين دقيقة مرَّ به أكثر من ألف شخص،
سبعة فقط منهم وقفوا يستمعون لعزفه،
والبعض ألقى إليه بالنقود وأكمل طريقه،
استطاع هذا العازف أن يجمع ثلاثين دولاراً،
ثم أُميط اللثام عن هذا المشهد الغريب،
لم يكن العزف في محطة المترو إلا تجربة قامت بها إحدى الجامعات،
أما العازف فكان "جوشوا بيل"،
أحد أمهر عازفي الكمان في العالم اليوم،
والكمان الذي كان يعزف عليه ثمنه أربعة ملايين دولار!
قبل أسبوع من هذه التجربة،
كان جوشوا يحيي حفلةً في بوسطن،
بيعت فيها كل التذاكر،
وأرخص تذكرة كان سعرها مئة دولار!
أحسبُ يا صاحبي أنك فهمتَ المغزى من التجربة،
أجل، قيمة الإنسان في غير مكانه!
جوشوا بيل الذي جنى قبل أسبوع ملايين الدولارات من حفلته في بوسطن،
لم يجمع إلا ثلاثين دولاراً في محطة مترو،
والشخص الذي حضر حفله الآلاف في المسرح،
لم يستمع إليه إلا سبعة أشخاص في محطة مترو!
يا صاحبي يُهان المرءُ في غير مكانه،
آينشتاين الذي كانت تحلمُ كل جامعات العالم بمحاضرةٍ له،
لو نزل إلى سوق الخضار يُحدّث الناس،
عن النسبية أو عن نظرية النسيج الكوني،
فلن يستمع إليه أحد،
هذا إن لم يعتبره البعض مجنوناً!
ومصطفى محمود رحمه الله الذي كان الوطن العربي كله،
يتسمر أمام شاشة التلفاز لمشاهدة برنامج العلم والإيمان،
كان يمرُّ بمحلات الحي الذي يسكن فيه،
فلا يُنقص له البائع جنيهاً من سعر شيءٍ يريدُ أن يشتريه!
المتنبي في قصر سيف الدولة، وعند كافور الإخشيدي،
ليس هو المتنبي عند الناس!
وأبو يوسف القاضي عند الرشيد في مجلس الخلافة،
ليس هو أبو يوسف في حوانيت بغداد!
وأحمد بن حنبل الذي جاءه بقي بن مخلد من الأندلس إلى بغداد،
مشياً على الأقدام ليأخذ عنه الحديث،
كان في بغداد نفسها من شغله رغيف الخبز عن علمه وحديثه!
يا صاحبي،
ضَعْ نفسكَ في البيئة التي تُقدرك،
لو عُرضت الموناليزا في سوق شعبي لن يشتريها أحد!
وسيف محمد الفاتح عند العامة مجرد خردة من حديد!
والعملة النادرة من أيام الرومان ليس لها عندي وعندك قيمة!
القيمة التي لها عند علماء الآثار،
لا تعرِضْ نفسكَ على رفِّ يُنقص قيمتك!
أهداني صديق لي ديوان المتنبي بخط ابن جني،
وفيه مداخلات بخط المتنبي نفسه،
لو وقع الكتاب بيد بائع فلافل لربما لفَّ به السندويشات لزبائنه!
والسلام لقلبك
أدهم شرقاوي
السلام عليك يا صاحبي ١١٦
السَّلامُ عليكَ يا صاحبي،
في العام 1949م عيَّنَ رئيس الوزراء اللبناني رياض الصلح
بهيج تقي الدين وزيراً للزراعة،
كانت هذه هي المرة الأولى التي يستلم فيها بهيج تقي الدين حقيبة وزارية،
في تلك الليلة كتب الأديب سعيد تقي الدين،
رسالةً إلى أخيه الوزير يقول فيها:
أخي بهيج، أمدَّ اللهُ في عمركَ ،
علمتُ أنك أصبحتَ وزيراً وهذا شرف كبير لعائلتنا،
لكني أحبُّ أن أُذكرِّك بأننا عندما كنا صغاراً،
كنا نتسابق للنوم في فراش أبينا رحمه الله،
ولا شكَّ أنك تذكر كيف كان يشمُّ أيدينا،
ليتأكد أنها نظيفة وأننا غسلناها بعد الطعام،
كي يسمح لنا بالنوم معه،
والآن يرقدُ أبونا في قبره تحت السنديانة،
ولا شكَّ أننا سنرقدُ معه بعد مدة،
فاحرِصْ يا أخي أن تكون يدك نظيفة حين ترقدُ معه!
يا صاحبي،
أثَّرتْ فيَّ كثيراً رسالة سعيد تقي الدين لأخيه الوزير،
وتخيلتنا جميعاً أبناء ذلك الأب الذي
سيشمُّ أيدينا عندما نرقد رقدتنا الأخيرة!
ثم إن لم يكن هناك أب،
فهناك ربّ!
فيا أيها الحبيب أن استطعتَ أن تدخل قبركَ
دون أن تأكل من مال الناس لقمةً لا تحل لكَ، فافعلْ!
فالربُّ الكريم يصفح عما بينك وبينه،
ولكنه من عدله لا يصفح عن حقوق الناس!
وتذكر أنه يُغفر للشهيد كل شيءٍ إلا الدَّين،
ذلك أن كل شيءٍ هو حق الله،
والدَّين هو حق الناس!
يا صاحبي،
لا تدخل قبركَ وهناك خاطرٌ كسرته،
أو قلباً جرحته،
أو عيناً أرسلتَ بفظاظتك دمعها!
والسلام لقلبك
أدهم شرقاوي
السَّلامُ عليكَ يا صاحبي،
في العام 1949م عيَّنَ رئيس الوزراء اللبناني رياض الصلح
بهيج تقي الدين وزيراً للزراعة،
كانت هذه هي المرة الأولى التي يستلم فيها بهيج تقي الدين حقيبة وزارية،
في تلك الليلة كتب الأديب سعيد تقي الدين،
رسالةً إلى أخيه الوزير يقول فيها:
أخي بهيج، أمدَّ اللهُ في عمركَ ،
علمتُ أنك أصبحتَ وزيراً وهذا شرف كبير لعائلتنا،
لكني أحبُّ أن أُذكرِّك بأننا عندما كنا صغاراً،
كنا نتسابق للنوم في فراش أبينا رحمه الله،
ولا شكَّ أنك تذكر كيف كان يشمُّ أيدينا،
ليتأكد أنها نظيفة وأننا غسلناها بعد الطعام،
كي يسمح لنا بالنوم معه،
والآن يرقدُ أبونا في قبره تحت السنديانة،
ولا شكَّ أننا سنرقدُ معه بعد مدة،
فاحرِصْ يا أخي أن تكون يدك نظيفة حين ترقدُ معه!
يا صاحبي،
أثَّرتْ فيَّ كثيراً رسالة سعيد تقي الدين لأخيه الوزير،
وتخيلتنا جميعاً أبناء ذلك الأب الذي
سيشمُّ أيدينا عندما نرقد رقدتنا الأخيرة!
ثم إن لم يكن هناك أب،
فهناك ربّ!
فيا أيها الحبيب أن استطعتَ أن تدخل قبركَ
دون أن تأكل من مال الناس لقمةً لا تحل لكَ، فافعلْ!
فالربُّ الكريم يصفح عما بينك وبينه،
ولكنه من عدله لا يصفح عن حقوق الناس!
وتذكر أنه يُغفر للشهيد كل شيءٍ إلا الدَّين،
ذلك أن كل شيءٍ هو حق الله،
والدَّين هو حق الناس!
يا صاحبي،
لا تدخل قبركَ وهناك خاطرٌ كسرته،
أو قلباً جرحته،
أو عيناً أرسلتَ بفظاظتك دمعها!
والسلام لقلبك
أدهم شرقاوي
سلاماً على البشر الحقيقيين
الذين إذا رأوا دمعة مسحوها
وإذا رأوا فضيلة أذاعوها
وإذا رأوا سيئة كتموها
وإذا رأوا هماً أزالوه
ومتعثراً أقاموه
وضعيفاً أسندوه
سلاماً عليهم أولئك الذين تسعدهم سعادة الآخرين
ويحزنهم حزنهم
الذين يؤمنون أن الطريقة الوحيدة للحصول على الحب هي تقديمه !
الذين إذا رأوا دمعة مسحوها
وإذا رأوا فضيلة أذاعوها
وإذا رأوا سيئة كتموها
وإذا رأوا هماً أزالوه
ومتعثراً أقاموه
وضعيفاً أسندوه
سلاماً عليهم أولئك الذين تسعدهم سعادة الآخرين
ويحزنهم حزنهم
الذين يؤمنون أن الطريقة الوحيدة للحصول على الحب هي تقديمه !