أدهم شرقاوي
16.4K subscribers
704 photos
78 videos
26 links
"قس بن ساعدة"
عربي يمارس حقه الطبيعي في الكلام

Twitter:
twitter.com/adhamsharkawi

Instagram:
instagram.com/bin.saeeda

Facebook:
facebook.com/adham.sharkawi.page
Download Telegram
السلام_عليك_يا_صاحبي ١٠٢

السَّلامُ عليكَ يا صاحبي،

كان الأعرابيُّ يأتي من البادية،
فيدخل على النبيِّ ﷺ وهو جالس بين أصحابه،
فيقول: أيكم محمد؟!
يا للتواضع يا صاحبي!
لا كرسيَّ مرتفع يجلسُ عليه،
لا ملابس فخمة تميزه عن أصحابه،
يجلس على الأرض كالبقية، ويلبسُ كالجميع!
ولا يُعرف أنه هو إلا إذا أُشير إليه،
متخيِّلٌ أنتَ هذه الروعة في هذا المشهد البسيط؟!
متخيِّلٌ أنتَ أنَّ هذا الجالس على التراب كان يوماً في السماء السابعة؟!
متخيِّلٌ أنتَ هذا الجالس في غمار الناس ستأتيه البشرية كلها يوم القيامة تسأله أن يستفتح لها باب الجنة؟!
متخيِّلٌ أنتَ أن هذا الذي جثا يوماً على ركبتيه يواسي صبياً مات عصفوره،
هو أول من ينشقُّ عنه القبر يوم القيامة؟!
متخيِّلٌ أنتَ أن هذا الذي كان يرقع ثوبه، ويخيطُ نعله، ويحلبُ شاته،
هو الذي صلى بالأنبياء إماماً يوم أُسريَ به واستلمَ قيادة البشرية كلها؟!
متخيِّلٌ أنتَ أن هذا الذي كان يُسابقُ زوجته في الصحراء فتسبقه مرةً، ويسبقها مرة،
هو الذي جاءه ملكَ الجبال ينتصرُ له يوم رُجم في الطائف؟!
الكبار يتواضعون يا صاحبي، والصغار يتعاظمون!
وما تكبَّر أحدٌ إلا لمهانة يجدها في نفسه!
يا صاحبي،
كان حكيم بن حِزام من أشراف قُريش،
وكان يطلبُ العلم عند معاذ بن جبل،
رغم أنه أكبرُ من معاذٍ بخمسين سنة!
فقيل له: أنتَ تتعلمُ على يد هذا الغلام،
فقال: إنما أهلكَ الناسَ الكِبر!

واللهِ أهلكَ الناسَ الكِبرُ يا صاحبي!
أن يجمع أحدهم مالا،ً فيمشي في الناس مشية قارون في كنوزه!
وأن يحصل أحدهم على شهادة، فيمشي في الناس كأنَّ عنده علم الأولين والآخرين!
وأن يتقلَّد أحدهم منصباً، فيمشي في الناس كأنَّ بيده مقاليد الدنيا كلها!
وأن يشتهر أحدهم في أحد مواقع التواصل، فيمشي في الناس كأنه فاتح القسطنطينية!
يا صاحبي الغنى مع الكبر فقر،
والشَّهادة مع الكبر جهل،
والمنصب مع الكِبر وضاعة،
والشهرة مع الكبر انحطاط،
فلا تُصاحِبْ متكبراً ولو أدناكَ!
ولا تزهد بمتواضعٍ ولو جافاكَ!

والسلام لقلبكَ


أدهم شرقاوي
على خُطى الرَّسول ﷺ ١٢٨
كأنما تنحتون الفضَّة!



جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: إني تزوجتُ امرأةً من الأنصار.
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل نظرتَ إليها، فإنَّ في عيون الأنصار شيئاً؟
فقال: قد نظرتُ إليها.
فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: على كم تزوجتها؟
قال: على أربع أواقٍ
فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: على أربع أواقٍ؟! كأنما تنحتون الفضَّة من عرض هذا الجبل! ما عندنا ما نُعطيك، ولكن عسى أن نبعثكَ في بعثٍ تُصيبُ منه.
فبعثَ بعد أيامٍ بعثاً إلى بني عبسٍ وأرسلَ ذلكَ الرجل معهم عله يغنهم شيئاً، ويدفع المهر.

وكواليس الحديث على الشكل التالي:
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره أنه تزوَّج امرأةً من الأنصار، أي أنه قد خطبها ولم يدخل عليها بعد، فسألهُ إن كان نظرَ إليها، لأن في عيون الأنصار شيئاً، بمعنى في عيونهن ما قد يستقبحه الخاطب من صغر العين، وهذا هدي نبوي شريف أن ينظر الخاطب إلى المخطوبة، فيرضى صفاتها الخَلقِيَّة، فلا يخطبها دون أن يراها حتى إذا حُملتْ إليه لم تعجبه، فتصبح الحياة بعدها لا تُطاق، فيظلمها ويظلم نفسه!

ثم سأل عن المهر، فأخبره أنه دفعَ لها أربع أواقٍ فضة، أي ما يُعادل أربعين ديناراً للأوقية، فاستكثر النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا، وقال: أريع أواقٍ كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل!
بمعنى من أين لكم هذا المال، وهل هذا الجبل هو من فضة، حتى إذا إحتاج أحدكم قام إليه بمعوله فقطع منه ما يريدُ!

والرجل كما ترون دفع مهراً ليس عنده وجاء يطلب عون النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فبعثه في غزو علّه يصيب من الغنائم ما يقضي ما وعد به من مهر!

الأصل أن الزواج للعفة، عفة الشاب والفتاة معاً، وليس عقداً من عقود التجارة، والبنات لسنَ سلعاً للبيع! على أن المهر هو شرع ربنا ولكن يجب أن تكون الأمور بالعقل، فالخاطب الفقير ليس كالغنيّ، فلا يُحمّل الأهلُ الخاطبَ ما لا يُطيق، وهو أيضاً عليه أن لا يوافق على ما لا يُطيق لأنه متى وافق فوجبَ عليه أن يدفع!

إذا اشترط الأهل مهراً عالياً فهذا ليس حراماً، وقد أراد عمر بن الخطاب أن يُحدد المهور عندما رأى مغالاة الناس فيه، فقامتْ إليه الشفاء بنت عبد الله وهو على المنبر وقالتْ له: لا يحق لك يا أمير المؤمنين، فإن الله قال: "وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا"
فبأي حق تريد أن تحدده؟
فقال: أصابتْ امرأة وأخطأ عمر!

على أن المهور لا يُنظر إليها بعين الحلال والحرام فقط، وإنما بعين العقل، وفهم الحياة، وقدرات الناس، فمتى تسابق الناس في غلاء المهور، عزف الشباب عن الزواج، وتعنَّستْ الفتيات، وهذا فيه دمار للمجتمع، فاتقوا الله في أولادكم وبناتكم!

أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
حَصِّنْ عطايا الله بالكتمان
‏.
‏⁧ #رسائل_من_القرآن
السلام عليك يا صاحبي ١٠٣

السَّلامُ عليكَ يا صاحبي,

وقفتُ البارحة وقتاً طويلاً أتأملُ في
قول الإمام مالكٍ لتلميذه القعنبي:
مهما تلاعبتَ بشيءٍ فلا تلعبَنَّ بدينك!

يا صاحبي,
دينُكَ عظمُكَ ولحمُكَ ودمُكَ،
فلا تُفرِّط به فإنك إن فعلتَ.
لن يبقى لكَ شيءٌ منك!
ولستُ أعني المعاصي فكلنا له معصية،
وكذلكَ لم يعنِها مالكٌ من قبل،
دينُكَ هو عقيدتكَ!
أن تبقيها سليمةً من كُلِّ لوثة،
من شركٍ خفيٍّ يطلبُ الثناء عند الناس،
ومن تصفيقٍ لطاغية تطلبُ عنده عزَّ الدنيا،
تشتريها بدل الآخرة!
ومن اصطفافٍ مع القوة، وترك خندق الحق!

يا صاحبي،
هذا شأن العبيد دوماً،
مع الذي بيده السوط لا مع الذي بيده الحق!
يا صاحبي،
إن المعاصي قد وقع فيها الصحابة،
ولم ينجُ منها إلا الأنبياء بعصمة الله!
أما عقائدهم فكانت راسخة رسوخ الجبال!

كان على عهد النبيِّ ﷺ عليه وسلم رجل اسمه عبد الله،
كان خفيف الدم حُلو الدعابة،
يُضحِكُ النبيَّ ﷺ إذا التقى به.
وكان عبد الله مبتلىً بشرب الخمر.
فجلده النبيُّ ﷺ حدّاً،
فشربها مرةً أخرى فأمر بجلده،
وفي الثالثة قال رجل من المسلمين:
اللهمَّ اِلْعَنْهُ، ما أكثر ما يُؤتى به!
فقال النبيُّ ﷺ: لا تلعنوه!
واللهِ ما علمتُ إلا أنه يُحِبُّ الله ورسوله!
وقد زنى ماعِزٌ رضيَ الله عنه أيضاً،
وكان أبو محجنٌ في القيد يوم القادسية لأنه شرب الخمر،
أما العقيدة فلم تدخلها لوثة!
لستُ أقول أنه لا بأس بالمعاصي،
وإنما أقول أنه لا فكاك منها،
ولأن الأمر كذلك فتح الله سبحانه باب التوبة على مصراعيه
لا يُغلقه أبداً..
إلى أن تطلع الشمس من مغربها
ولكني أقول أن ذنب المسلم يكسره ويؤدبه،
وأحياناً معصية تكسرك وتقربك إلى ربك،
أفضل من طاعةٍ تملأك عُجباً!

معصية المسلم النادم بينه وبين ربه،
وما كان بين العبد وربه فأمره يسير،
لا لصغر المعصية وإنما لعظمة رحمة الله،
أما العقائد فإن فسدت فلا يصلحها العمل مهما كان كثيراً،
فلا تلعبنَّ بدينك!

والسلام لقلبكَ

أدهم شرقاوي
أنا الذي قلتُ للصيدلي يوماً
‏أعطنِي أصابعَ أُمي
‏قال : وما أصابِعُ أُمِّكَ ؟
‏قلتُ : دواءٌ للأرقِ، كنتُ كلما أرقتُ تمسحُ على رأسي فأنام !
النبيلُ يبقى نبيلاً حيثما كان
‏.
‏⁧ #رسائل_من_القرآن
كلما قرأتُ سورة طه
‏سألتُ نفسي : بِمَ شعرَ موسى عليه السَّلام حين سمِعَ ربُّه يقول له
‏"إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ" ❤️
السلام عليك يا صاحبي ١٠٤

السَّلامُ عليك يا صاحبي،

قرأتُ البارحة شيئاً لابن سعدٍ في الطبقات هزَّني عميقاً، عميقاً جداً!
يحدثُ أن يقرأ المرءُ شيئاً فيستشعر معه ضآلة نفسه!
ثمة أشخاص سبقونا كثيراً بقلوبهم!
وحتى لا أطيل عليكَ وأترككَ معلقاً على حبال اللهفة،
أقولُ لكَ:
روى ابن سعدٍ أن النبيَّ ﷺ حين قَدِمَ المدينة،
نزل في بيت أبي أيوب الأنصاري سنةً أو نحوها،
فلما تزوج عليُّ فاطمة قال له النبي ﷺ:
اُطلبْ منزلاً!
فطلبَ عليٌ منزلاً،
فأصابه بعيداً عن النبي ﷺ قليلاً،
فجاء النبيُّ ﷺ إلى فاطمة وقال:
إني أريدُ أن أحوِّلكِ إليَّ!
فقالتْ: كلِّمْ حارثة بن النعمان أن يتحوَّل،
وكان منزل حارثة قريباً من بيت أبي أيوب!
فقال لها النبيُّ ﷺ:
قد تحوَّل حارثة عنَّا حتى استحييتُ منه،
فبلغَ ذلكَ حارثة فجاء إلى النبيِّ ﷺ وقال له:
بلغني يا رسول الله أنك تريدُ أن تُحوِّل فاطمة إليك،
وهذه منازلي هي أقرب بيوت بني النجار إليك،
وإنما أنا ومالي للهِ ورسوله،
والمال الذي تأخذه مني أحبُّ إليَّ من المال الذي تدع!
فدعا له النبيُّ ﷺ بالخير!
ثم حوّل فاطمة من بيتها القديم إلى بيت حارثة بجواره!

تخيَّلْ هذا الحُب يا صاحبي،
أن تنأى الديار قليلاً بين النبيِّ ﷺ وبين ابنته
وليس غير بيتك يُقرِّب الحبيبين،
فتأتيه وتقول له: كُلّي لكَ يا رسول الله!
ليس كلاماً فقط وإنما فعلاً!
تتركُ بيتكَ لابنته لأنك علمتَ حبه لقربها،
يا الله!
شيء لو لم تثبته كتب السيرة لقلنا هذا ضربٌ من ضروب الخيال!

يا صاحبي،
قلتُ لكَ مرةً وقد جمعنا حديث وجهاً لوجه:
ليست النُّبوة وحدها اصطفاءً،
الصحبه اصطفاء أيضاً،
إنَّ الذي اصطفى نبيه من دون الناس،
اصطفى له أصحابه من دون الناس أيضاً!

فتأمل يوم الهجرة وأبو بكر يناول النبيَّ ﷺ قدح اللبن ليشرب،
ثم يقول: فشربَ النبيُّ حتى رضيتُ!
تخيل هذا الحُب ما أعظمه!
أن يشربَ النبيُّ ﷺ عليه وسلم فيرتوي أبو بكر!
ويا ليوم بدر أول عهد الإسلام بالسيف،
كيف تجلى فيه الحُب،
فالحب يا صاحبي مواقف!

"اشيروا عليَّ أيها الناس"، يرددها النبيُّ ﷺ
فيتكلم أبو بكر بخير، وعمر بخير،
ولكن النبي ﷺ ما زال يرددها:
"اشيروا عليَّ أيها الناس!"
فيعرف سعد بن معاذ بفطنته أنه يريدُ الأنصار!
فقام فقال له: كأنك تُريدنا يا رسول الله؟!
فقال له: نعم!
فقال له سعد: يا رسول الله ﷺ ، هذه أموالنا بين يديك،
خُذْ منها ما شئتَ، ودعْ منها ما شئتَ،
وما أخذته منها كان أحب إلينا مما تركته،
ولو استعرضتَ بنا البحر لخضناه معكَ ما تخلَّفَ منا أحد!
إنّا لصبرٌ في الحرب، صدقٌ عند اللقاء،
فامضِ بنا حيث أمرك الله!

يا لسعدٍ يا صاحبي، يا لسعدٍ!
فكأنه يقول له: كلنا فداك ورهن أمرك،
نحن سهام في قوسك، فارمِ بنا حيث شئتَ!
أرأيتَ مثل هذا الحُب يا صاحبي؟!
فإن كنتَ رأيتَ، فإني واللهِ ما رأيت!

ثم كانت غزوة أُحدٍ يا صاحبي،
وانكفأ المسلمون بعد تقدمهم بسبب نزول الرماة عن الجبل،
وفي هذا الموقف العصيب أقام الصحابة بأجسادهم سياجاً حول النبيِّ ﷺ،
وقام أبو طلحة أمامه يحميه بصدره ويقول له:
نحري دون نحركَ يا رسول الله!
يا للحُب يا أبا طلحة!
مستعد أن تموت ولا يُصاب حبيبك بشوكة!
وبعد أن أُصيب النبيُّ ﷺ عليه وسلم بالجراح،
وثقل عليه الصعود إلى صخرةٍ بسبب نزفه ودرعين كان يلبسهما،
جاء طلحة بن عبيد الله وأحنى ظهره ليصعد عليه النبي ﷺ
فلما صعد عليه قال له: أوجبَ طلحةَ!
لم يكونوا دروعاً فحسب،
وإنما كانوا سلالم ليرقى عليها حبيبهم،
فهل سمعتَ بشيءٍ كهذا في التاريخ؟!
فإني والله لم أسمع!

يا صاحبي،
كانوا من فرط الحُب لا يطيقون فراقه،
فهذا ثوبان يسأله النبيُّ ﷺ:
يا ثوبان ما غيَّر لونك؟
فيقول: يا رسول الله، ليس بي مرض ولا وجع،
غير أني إذا لم أرك أستوحشُ وحشةً شديدة حتى ألقاكَ!
ثم ذكرتُ الآخرة، فخفتُ أني لا أراك،
لأنك تُرفع مع النبيين،
وإني إن دخلتُ الجنة ففي منزلةٍ أدنى من منزلتك،
وإن لم أدخل الجنة لا أراك أبداً!
أسمعتَ بشوقٍ لحبيبٍ يُغيِّرُ لون وجه المشتاق يا صاحبي؟!
فإني واللهِ ما سمعتُ!

يا صاحبي،
هل أتاكَ حديث امرأةٍ من بني دينار،
أُصيبَ زوجها وأخوها وأبوها يوم أُحد،
فلما نعوهم إليها قالت: ما فعلَ رسول الله؟
قالوا: هو بخير!
فقالتْ: أَرونِيه حتى أنظر إليه!
فلما رأته قالت له: كل مصيبةٍ بعدك جلل/ صغيرة يا رسول الله!
يا للحُبِّ يا صاحبي، يا للحُب!
امرأة مكلومة بفقد زوجها وابنها وأبيها!
تسأل: ما فعلَ رسول الله؟
كانت كل الدنيا تهون عندهم ما دام هو بخير!

والسلام لقلبكَ

أدهم شرقاوي
على خُطى الرَّسول ﷺ ١٢٩
قُمْ فأعْلِمه!

يقول عبد الله بن عمر بن الخطاب: كنتُ جالساً عند النبيِّ صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فسلَّم ثم مضى.
فقلتُ: يا رسول الله إني أُحبُّ هذا
فقال لي: هل أعْلَمته؟
قلتُ: لا
قال: قُمْ فأعلمه!
فأتيته، فسلَّمتُ عليه، فأخذتُ بمنكبه، وقلتُ: واللهِ إني لأحبكَ في الله
فقال لي: وإني أحبكَ في الله!

يُعلِّمنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن لا نكتم مشاعرنا الجميلة، وأن نُعبِّر عنها، فما دامت بالحلال فليس هناك ما يخجل المرءُ منه، ثم وهل الحُب مدعاة للخجل؟! على العكس تماماً إن البغض الذي نسارع لإظهاره في خصاماتنا هو المُخجل وأولى بنا أن نكتمه!

سأله عمر بن العاص مرةً: يا رسول الله من أحبُّ الناس إليكَ
فقال: عائشة
فقال له: ومن الرجال
فقال: أبوها!
لم يجد حرجاً أن يقول أنه يُحبُّ زوجته!
وعندما نزل عليه الوحي، وأصابه الخوف والبرد، التجأ إلى خديجة، واحتمى بحضنها، وقال لها: دثريني

المشاعر لا تُقلل من قيمة الناس، وهذا هو سيد الناس يعيشُ مشاعره عن آخرها!
يحسبُ بعض الأزواج أنه إذا أظهر حبه لزوجته فهذا نقص في رجولته، أو أنها ستطمع فيه وتستخف به، وأية رجولة أروع من أن يبوح الرجل لزوجته بحبه، ثم وهل تُمتلكُ المرأة إلا من قلبها!

ويحسبُ بعض الآباء أن ضرورات الأبوة أن يكون حازماً عابساً كي يكون له هيبة وإلا استهان الأولاد به، هذا العبوس والحزم يجعلهم منضبطين كأنهم جنود في ثكنة عسكرية، ولكن متى ما كانت البيوت كالثكنات العسكرية فهي بيوت قاسية لا يخرج منها إلا القساة والمرضى النفسيون، فاتقوا الله في أولادكم، وفي أنفسكم، جاهروا بالحُب، وعيشوه، وتلذذوا به، ولا تجعلوا قلوبكم مقابر لأجمل أحاسيس فيها!



أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
السلام عليك يا صاحبي ١٠٥

السَّلامُ عليكَ يا صاحبي،

أرادَ السلطان سليمان القانوني أن يهدم إحدى السرايا القديمة،
ويقيم واحدة جديدة مكانها،
فسأل عن أمهر مهندسٍ في البلاد،
فقالوا له: ليس لكَ إلا المهندس معمار سنان!
وبالفعل أرسل السلطان في طلب معمار،
وأخبره بما يريدُ منه أن يفعل بالضبط،
وقبل معمار سنان هذه المهمة ومضى في تنفيذها،
إلى هنا يبدو كل شيءٍ عادياً ومألوفاً!
ولكن ما هو غير عادي أن السلطان كان يُتابع كل صغيرة وكبيرة،
وقد لفتَ نظره أن معمار سنان عندما بدأ بهدم السرايا،
استخدم لها عمالاً غير الذين استخدمهم
حين بدأ ببناء السرايا الجديدة!
فأرسل في طلبه وقال له:
يا سيد معمار عندما كنت تهدم السرايا استخدمت عمالاً،
ثم استبدلتهم في البناء، لِمَ فعلتَ ذلك؟
فقال له معمار سنان: يا جلالة السلطان،
من يصلح للتدمير لا يصلح للبناء!

تأملها بعمقٍ يا صاحبي،
من يصلحُ للتدمير لا يصلحُ للبناء!
خذها قاعدة يا فتى!
من جرحكَ ليس هو الذي سيداويك،
لا تبحث عن دوائك حيث كان داؤك!
خُذْ جرحكَ إلى مكان قصيِّ بعيدًا عنه،
والذي أنزل لكَ دمعتكَ،
ليس هو الذي سيمسحها عن خدك!
اليد التي تصفعُ ليس هي التي تحضن!
والذي كسر خاطرك،
ليس هو الذي سيجبره،
كُفَّ عن إعطاء الناس فرصاً إضافية!
من النضج أن تصل إلى قناعة أنه لا خير يُرجى من بعضهم!

يا صاحبي،
لستُ أدعوك لأن تكون قاسياً،
تعرفُ جيداً أني أُحبُّ اللين والليّنين!
وأنه يأسرني المتسامحون الذين يعضّون على جراحهم ويغفرون!
كل ما في الأمر أني لا أريدك أن تكون ألعوبة بيد أحدهم،
ولا أضحوكة في فم يتذكر طيبتك،
فيحسبها سذاجة ويبتسم!
ما أريدكَ أن تفهمه،
أنَّ من أمِنَ الفِراق أساء الوصل،
وأن الذي يسيءُ إليكَ لأنه ضامن بقاءكَ،
عليكَ أن تشعره أن بإمكانك أن ترحل!

يا صاحبي،
كلنا نُخطئ ونسيء!
ونحن بحاجة إلى أن نغفر للآخرين أخطاءهم،
لنجد من يغفر لنا حين نُخطئ،
ولكن شتان بين خطأ عابر،
يتبعه بعد ذلك اعتذار وجبر وطبطبة،
وأن تصرفاً قبيحاً واحداً،
يجب أن لا يضيع في بحر كبير من تصرفاتٍ جيدة!
ما أردتُ قوله أن تحذر السيء على الدوام،
ذاك الذي يجرحك كل مرة،
ويختار أن يكسب الموقف ولو على حساب خاطرك،
ذاك الذي يؤمن في قرارة نفسه،
أنك ستعود إليه بعد أن تداوي جرحكَ،
وترمم كسركَ!
هذا عليكَ أن لا تدير ظهركَ له كل مرةٍ ريثما تهدأ،
وتعود إليه ليعاود هو مرةً أخرى،
هذا عليكَ أن تستدير مرةً وتنظر في وجهه،
وتقول له: لقد اكتفيتُ!

والسلام لقلبكَ

أدهم شرقاوي
السلام عليك يا صاحبي ١٠٦

السَّلامُ عليكَ يا صاحبي،

تسألني: كيف أشعرُ بالسعادة؟
فأقول لكَ: أُجيبكَ، أم أروي لك قصةً أولاً؟!
وأنا أعرفُ مسبقاً حبَّكَ للقصص،
ولم تُخيِّبْ معرفتي بك،
إذ تقول لي: اِروِ لي قصةً أولاً!

حسناً يا صاحبي إليكَ القصة التي ستوفر عليَّ عناء الإجابة،
على سؤال يبدو شائكاً وفضفاضاً!
في لقاء على الهواء مباشرة،
سأل المذيع ضيفه الثري:
ما أكثر شيءٍ أسعدكَ في حياتك!
فقال الثريُّ للمذيع:
مررتُ بأربع مراحل للسعادة في حياتي حتى عرفتها،
في المرحلة الأولى كنتُ أعتقدُ أن السعادة
تكمنُ في اقتناء الأشياء،
فلم أترك لوحةً غالية الثمن إلا اشتريتها!
واقتنيتُ أفخر السيارات،
واشتريتُ أجمل البيوت،
ولكن المفاجأة كانت أني لم أعرف السعادة!

في المرحلة الثانية اعتقدتُ أن السعادة
تكمنُ في أن أكون وجهاً من وجوه المجتمع،
أقمتُ الحفلات، وشاركتُ في الفعاليات،
كتبتْ عني الصحف، وتحدث عني الناس،
ولكني لم أجد طعم السعادة!

في المرحلة الثالثة اعتقدتُ أن السعادة
تكمن في امتلاك مشاريع كبيرة،
اشتريتُ فريقاً لكرة القدم في المدينة،
واشتريتُ أكبر منتجعٍ سياحي في البلد،
ولكني لم أجد طعم السعادة أيضاً!

في المرحلة الرابعة وجدتُ السعادة
ولكن عن طريق الصدفة!
طلبَ مني صديق أن أساهم بشراء
كراسٍ متحركة لمجموعة من الأطفال المشلولين،
وبالفعل سارعتُ لدفع المبلغ الذي طلبه،
ولكن صديقي جاءني بعد فترة
وطلب مني أن أذهب معه
لتسليم هذه الكراسي للأطفال بنفسي،
استجبتُ لطلبه وكم كانت سعادتي كبيرةً
عندما رأيتُ الفرحة على وجوه الأطفال،
وكنتُ أحسبُ أن الأمر قد انتهى هنا!
ولكني حين أردتُ مغادرة المكان،
أمسكَ طفل مقعد بيدي ونظر إليَّ وابتسامة عريضة على فمه،
قلتُ له: هل لكَ حاجة فأقضيها لكَ؟
فقال لي: لا
ولكني أريدُ أن أحفظ وجهكَ،
حتى أعرفكَ في الجنة وأشكرك مرةً أخرى أمام الله!
عدتُ يومها من هناك بشيءٍ ثمينٍ جداً،
عدتُ بطعم السعادة!

السعادة في العطاء يا صاحبي،
في خاطر مكسور تجبره، فتشعر أن خاطرك هو الذي جُبر!
وفي دمعة تمسحها عند خد محزون، فتشعر أن دمعتكَ هي التي مُسحتْ!
وعن صدقةٍ تضعها في يد فقير، فتشعر أنك الذي أخذتَ المال لا الذي أعطيت!
في مسكين تنصره في موقف ضعف، فتشعر أن النصر نصرك!
وفي إصلاح ذات بين، فتشعر أنكَ قد عُدتَ إلى نفسك بعد فراق!
السعادة بيد الله يا صاحبي فلا تطلبها بعيداً عنه!

والسلام لقلبكَ

أدهم شرقاوي
على خُطى الرَّسول ﷺ ١٣٠
إذا لم تستحِ فاصنَعْ ما شئتَ!


كان القعنبيُّ في شبابه طائشاً، مدمناً على شرب النبيذ! فجلسَ يوماً على قارعة الطريق ينتظرُ أصحابه ليذهبوا إلى الحانة ويشربوا، فإذا برجلٍ يركبُ حماراً وحوله ناس كثيرون يمشون، كل يوقره ويُجله، هذا يقول له يا إمام، وذاك يقولُ له يا إمام!
لفت هذا المشهد القعنبيُّ، فاخترقَ صفوف الناس حتى وصل عند الإمام، وأمسكَ بلجام حماره، وقال له: من أنتَ؟
فقال له: شُعبة بن الحجاج! وكان شُعبة يُلقّبُ بأمير المؤمنين في الحديث!
فقال القعنبيُّ: من شُعبة
فقالوا له: مُحدِّث
فقال: وما مُحدِّث؟
فقالوا: يُخبرُ الناس حديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم
فقال له: حدثني!
فقال له شُعبة: حدثني منصور بن المعتمر، عن ربعي بن خِراش، عن أبي مسعود البدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: مما أدركَ الناس من كلام النبوة الأول، إذا لم تستحِ فاصنعْ ماشئتَ!
فهمَ القعنبيُّ الرسالة، فعاد إلى بيته، وأقبل على العبادة، ثم ارتحل إلى المدينة ودرس عند الإمام مالك، فحفظ عنه الموطأ كاملاً، حتى قال عنه الإمام الذهبي: القعنبي أوثق من روى الموطأ!

ولما حفظَ العلم عن مالكِ، أراد أن يعود إلى البصرة ويتلقى الحديث عن شُعبة بن الحجاج فلم ينسه طوال عمره، فلما عاد إلى البصرة، وجد شُعبة قد ماتَ، فلم يروِ عنه إلا الحديث الذي كان سبباً في توبته: مما أدركَ الناس من كلام النبوة الأول، إذا لم تستحِ فاصنعْ ما شئتَ!

من كان يتصور أن الشاب المستهتر، شارب النبيذ، سيصبحُ يوماً أوثق رواة الموطأ، وشيخ الإمامين العظيمين البخاري ومسلم!

من كان يتصور أن عُمر بن الخطاب الصلف الشديد في الجاهلية سيصبحُ فاروق هذه الأمة، وأعدل حكام أهل الأرض!

من كان يتصور أنَّ عكرمة بن أبي جهلٍ الذي أهدرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم دمه يوم فتح مكة، سيستشهدُ في اليرموك وهو قائد ميمنة جيش المسلمين!

من كان يتصور أن سُهيل بن عمرو الذي آذى الإسلام بلسانه، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم يوم الحُديبة، امحُ محمد رسول الله واجعلها محمد بن عبد الله، فلو كنتُ أشهد أنك رسول الله ما حاربتك! سيسلم نهاية المطاف، وسيقف عند الكعبة بعد موت النبيِّ صلى الله عليه وسلم خطيباً ويقول للناس: واللهِ إن الرجل لنبي، فلا تكونوا آخر من أسلم وأول من ارتدَّ! ثم يموت بعد ذلك شهيداً في فتح بلاد الشام!

وحده الله سبحانه من يملك الهداية فلا تفقدوا الثقة بأحد، فقد روى الإسلام كثيرون بدمائهم وكان من قبل قد حملوا السيوف وحاربوه!


أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
السلام عليك يا صاحبي ١٠٧

السَّلام عليكَ يا صاحبي،

يُعجبني قول عمر بن الخطاب:
"لستُ بالخِبِّ ولا الخِبُّ يخدعني!"
أو بالأحرى شخصية عمر بن الخطاب كلها تُعجبني،
كان يشتدُّ في مواضع الشِّدة،
حتى يكاد من يراه يقول: هذا الرجل لا يلينُ أبداً!
ويلينُ في مواضع اللين،
حتى يكاد من يراه يقول: هذا الرجل لا يشتدُّ أبداً!
وكان يلتفتُ لكل تفصيل،
حتى يكاد من يراه يقول: هذا الرجل لا يفوته شيء!
وإذا أراد أن يتغافل صوناً لودٍّ
مرَّرَ الأمر كأنه لا يرى ولا يسمع!
وهنا تكمن العبقرية يا صاحبي!
أن تضع كل شيءٍ في نِصابه،
الحزم حيث يجب،
والرأفة حيث تجب،
لأن وضع أحدهما موضع الآخر مهلكة!
وأن تُحاسب حيث يجب،
وتسمحُ حيث يجب،
فوضع أحدهما موضع الآخر مهلكة أيضاً!


خلاصة الأمر يا صاحبي،
أن تكون كما يقتضي الموقف أن تكون لا أقل ولا أكثر،
أن تضع العقل موضعه، والقلب موضعه،
والسوط موضعه، واليد موضعها،
لا تقُلْ لا في موضع نعم أبداً!
ولا تقُلْ نعم في موضع لا أبداً!
ولا تضع فاصلة حيث يجب أن تضع نقطة!
ولا تُغلق الباب نهائياً!
إن كان من الحكمة أن تتركه موارباً!
كُن طيباً دون سذاجة،
الطيب الحازم يُحترم،
أما الطيب الساذج فيُستهان به!
وكُن كريماً وأنت قادر على المنع،
الناس استغلاليون في مواقف كثيرة!

يا صاحبي،
كل هذا يُسمى الحِكمة
﴿وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا﴾

والسلام لقلبكَ

أدهم شرقاوي