أدهم شرقاوي
16.4K subscribers
716 photos
78 videos
26 links
"قس بن ساعدة"
عربي يمارس حقه الطبيعي في الكلام

Twitter:
twitter.com/adhamsharkawi

Instagram:
instagram.com/bin.saeeda

Facebook:
facebook.com/adham.sharkawi.page
Download Telegram
على خُطى الرَّسول ﷺ ١٢٠
ما حمَلَكَ؟!


كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يُحدِّثَ أصحابه عن أحداث من الغيب تسليةً لهم وتعزيةً وتثبيتاً، فحدَّثهم مرةً عن رجلٍ أعطاه اللهُ مالاً كثيراً، ولكنه لم يشكر هذه النعمة، ولم يعمل خيراً قط، وإنما كان مسرفاً على نفسه، كثير الذنوب!
فلما حضرته الوفاة، جمعَ أولاده عنده وقال لهم: أيُّ أبٍ كنتُ لكم؟
فقالوا: خير أب
فقال لهم: فإني لم أعمل خيراً قط، فإذا متُّ فأحرقوني، ثم اسحقوني، ثم ذروني من يومٍ عاصفٍ!
فلما ماتَ نفذوا وصيته، حرقوا جثته، ثم سحقوا عظمه، ثم نثروا رماده في يوم عاصفٍ ففرقته الريح!
فجمعه اللهُ تعالى، وأقامه بين يديه، وقال له: ما حملكَ؟ أي لِمَ فعلتَ هذا؟
فقال: مخافتك يا رب!
فغفرَ اللهُ له!

لا يُفهمُ من هذا الحديث أنه لا بأس افعَلْ ما شئتَ ما دمتَ تحسِنُ الظنَّ بالله! وإنما يُفهمُ منه أنَّ حسن الظنِّ بالله ومخافته لا يتعارضان مع العمل الصالح، وإنما يتكاملان، فالعبدٌ في الدنيا بين ذنبٍ وتوبة، بين فعل خير وفعل شر، وحسن الظنِّ يعني أن يعرفَ العبدُ أن رحمةَ اللهِ أكبر من ذنوبه، دون أن يتجرأ على الله، ويبارزه بالمعاصي متكلاً على حسن الظن فقط! بل إن حسن الظن بالله يبقى ناقصاً ما لم يقترن بالعمل، صحيح أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله حتى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وإنما برحمة الله، ولكن ليس شيء أجلب لرحمة الله من العمل الصالح، وإلا لو تركنا العمل وإعتمدنا على حُسن الظن فما الغاية من إرسال الله تعالى الأنبياء بالشرائع والعبادات، كان يكفي أن يقولوا للناس: إن لكم رباً رحيماً فافعلوا ما شئتم!

وفي الحديث درس عظيم من دروس العقيدة، وهي أن لا يتألى أحد على الله تعالى، ويقطع بالنار لإنسان مهما بلغ من الفجور والمعصية، وإنما نحكمُ على هذه المعاصي، وذلك الفجور، بأنه خطأ، ويتنافى مع دين الله وسنة نبيه، نحكم على الفعل لا على الفاعل، أما الجنة والنار فبيد الله تعالى وحده، من أدخله النار فبعدله سبحانه، ومن أدخله الجنة فبرحمته!
فتأدبوا!

أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
فهل تستطيع أن تُغيِّبَ وجهكَ عني؟!

كان يوم بدر يوم حمزة بن عبد المطلب بامتياز، صالَ فيه الأسدُ الهصور وجالَ، ما مرَّ بفارسٍ إلا وصرعه، ولا أتى على محاربٍ إلا أهلكه، كيف لا وهو الذي كانت تُلقبه قريش في الجاهلية بِصائِدِ الأُسود، ولقَّبه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الإسلام بأسدِ الله وأسدِ رسوله!

لقد أصابَ قريشاً في مقتلها، واعتبرته المسؤول الأول عن هزيمتها في بدر، وكان لأكثر من بيتٍ قرشي ثأرٌ عنده! وكان وحشي بن حربٍ عبداً رامياً بالحربة، مُجِيداً فيها، فوُعِدَ إن هو قتل حمزة يوم أُحد أن يصير حُراً، وهكذا كان، استشهد أول قائد هيئة أركان في تاريخ الإسلام، وصار وحشيٌ حُراً طليقاً!

ولما فتح النبيُّ صلى الله عليه وسلم مكة، هربَ وحشيٌ إلى الطائف خوفاً من فِعلتِه، ثم إنه قد قيل له: إن الرجلَ لنبيٌّ، وإنه لا يثأر لنفسه، وقد قال: الإسلام يجُبُّ ما قبله، فلو أتيتَه وأسلمتَ، لَقَبِل منك، وعفا عنك!
فجاء وحشيٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولما رآه قال له: أنتَ وحشي؟
قال: نعم
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنتَ قتلتَ حمزة؟
فقال: قد كان من الأمر ما بلغكَ، وقد جئتُ أشهد أن لا إله إلا الله، وأنكَ رسول الله!
فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: فهل تستطيع أن تُغيِّبَ وجهكَ عني؟!

ولم يلتقيا بعدها، فلما قُبِضَ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وادعى مُسيلمة الكذاب النبوة، خرج وحشي في جيش المسلمين، وقتل بحربته مُسيلمة! وكان بعدها يقول: قتلتُ بحربتي هذه خير الناس وشر الناس، حمزة بن عبد المطلب ومُسيلمة الكذاب!

فهل تستطيع أن تُغيِّبَ وجهكَ عني؟!
هنا مربط الفرس، وإسطبلُ الكلام!
الإسلام يجبُّ ما قبله، ولا يستطيعُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يردَّ إسلامَ من جاءه مسلماً لأي فعلة فعلها في الجاهلية حتى لو كان قد قتلَ عمّه! لهذا قبلَ إسلامَ وحشي! ولكنه بأبي هو وأمي لا يستطيع أن يخرجَ من قفص بشرِيَّتِه، إنه يُحبُّ ويكره، ولا يُريدُ أن يرى وجه وحشي طالما فيه جفن يطرف!

لقد طبَّق شرع ربه بقبوله إسلام وحشي، ولكن حقه الشخصي رفضَ أن يتنازل عنه، ما زال موجوعاً لفقد عمه وقائد جيشه وأحد أشرس جنود الإسلام!

العفو عند المقدرة من شِيَمِ النُّبلاء، وقد كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم نبيلاً فعفا، ولكن العفو شيء والودُّ شيء آخر!

أحياناً يجرحنا الآخرون عميقاً، يُسبِّبون لنا جروحاً غائرة لن تُشفى ما دامت السماوات والأرض، وقد يدخل الناس للصلح، وقد نسامح، ولكننا لا نُريدهم بجانبنا مرةً أُخرى، ولا نُريد رؤية وجوههم حتى، لأننا كلما رأيناهم سنتذكر طعم الطعنة التي طعنونا إياها، ونتحسس الجرح الذي أحدثوه فينا ولم يبرأ بعد!

تفهموا أن الذي لا يريدُ عودة الأمور إلى مجاريها مجدداً رغم مسامحته ليس بالضرورة أن يكون حقوداً، فلو كان حقوداً ما طوى الصفحة أساساً، ولكن جرحه له وحده، وعلينا أن نحترم خصوصية الجُروح!

وقريباً من هذا قال الأديب الروسي ليو تولستوي: عندما يخونونك فكأنما قطعوا ذراعيك، تستطيع أن تُسامحهم، ولكنك لا تستطيع أن تُعانقهم!

أدهم شرقاوي / كتاب : على منهاج النبوة
السلام عليك يا صاحبي ٧٨

السّلام عليكَ يا صاحبي،

تقولُ لي: حدثني، وواسِ قلبي!
فأقول لكَ: وأيُّ مواساةٍ لقلبكَ أعظم من أن تعرف أن الله سبحانه يعلمُ ما فيه!
فإن جهل الناس فضلكَ،
وإن قالوا فيكَ ما ليسَ فيك،
فما حاجتك إلى محامٍ يدافعُ عنكَ،
وأنتَ بالأساس لستَ مُتَّهماً!

إن قاضي السماوات والأرض لا ينتظرُ الشهود،
فإنما ينتظرُ الشهود من غاب،
وربك مطلعٌ على المشهد كله،
ولا يحفلُ ببلاغة المحامين،
فهذه يحتاجها القضاة الذين غابت عنهم التفاصيل!
يستمعون روايتها في فم إنسان لم يشهدها،
وإنما دبّجها بحسن البيان، وحِدَّة المرافعة!
أما ربُكَّ فكان يعلمُ وقوع القضية قبل أن تقع،
فلما وقعتْ، ما زاد علمه بها شيئاً!
إنَّ علمه بما لم يقع كعلمه بما وقع!
فأصلِحْ قلبكَ، فإنه موضع نظره سبحانه،
وإنه ناظِرٌ إليك، وجازيك عمَّا فيه،
لا عمَّا يقوله الناس، ولا عمَّا تقوله أنتَ!

يا صاحبي،
إنَّ الله لا يُخدع!
فهو لا يرانا من أعلى فحسب،
وإنما يرانا من الداخل!
من الداخل يا صاحبي، فتأملها جيداً!
عندما كان ابن سلولٍ يُصلي الفجر في المسجد خلفَ النبيِّ ﷺ
كان بعض الناس قد خُدعوا بتقواه،
أما ربُكَ فكان يُصدر حكمه: إنَّ المنافقين في الدركِ الأسفل من النار!

وعندما أُتهمت الصدِّيقة بنت الصديق عائشة في عرضها،
خُدع بعض الناس بالتهمة، ونالوا من عرضها،
أما ربُكَ فأنزل البراءة قرآناً يُتلى إلى يوم القيامة،
شتّانَ بين قلبٍ وقلب وإن اختلفت المواقف!

يا صاحبي،
جاء أعرابي من البادية،
واحدٌ مجهول مغمور في سواد الناس،
لا يعرفه من الصحابة أحد،
فبايع النبيُّ ﷺ على الجهاد والهجرة ،
ثم كانتْ غزوة خرجَ فيها هذا الأعرابي في غمار من خرج ذوداً عن لا إله إلا الله،
ومنَّ اللهُ على المسلمين بالنَّصرِ،
وقسمَ النبيُّ ﷺ الغنائم بين أصحابه،
وكان هذا الأعرابي غائباً، فتركَ النبيُّ ﷺ له نصيبه،
فلما حضرَ قيل له: تركَ لكَ النبيُّ ﷺ هذا!
فجاءه، فقال له: يا رسول الله ﷺ ما هذا؟
فقال له ﷺ: قسمته لكَ!
فقال: ولكن ما على هذا اتَّبعتُكَ،
ولكني اتبعتُكَ على أن أُرمى بسهمٍ ههنا!
وأشار إلى رقبته، فأموت فأدخل الجنّة!
فقال له النبيُّ ﷺ: إن تصدُقِ الله يصدُقكَ!
ثم كانت غزوة أُخرى، فأُتي به إلى النبيِّ ﷺ محمولاً،
والسَّهم مغروز في رقبته حيث أشار سابقاً،
فقال النبيُّ ﷺ: أهوَ هوَ؟
فقالوا: نعم يا رسول الله ﷺ
فقالَ: صدقَ اللهَ فصدَقه اللهُ!
ثم كفَّنه في عباءته،
وصلى عليه،
ودعا له،
وكان مما سمعوا من دعائه يومها:
اللهم هذا عبدُكَ خرجَ مهاجراً في سبيلك،
فقُتلَ شهيداً، وأنا على ذلك شهيد!

يا صاحبي،
لا أعرفُ لكَ مواساةً خيراً من هذه!
رجل مجهول لا يعرفُ الصحابة اسمه،
ولم تكتب كُتب السيرة شيئاً عنه،
فبقيَ مجهولاً بعد موته تماماً كما كان مجهولاً يوم جاء مُبايعاً!
فما ضرَّه أن لا نعرفه أنا وأنتَ!
يكفي أنَّ اللهَ يعرفه، وإن جهلناه!

فلا عليكَ يا صاحبي، لا عليكَ!
أخفِ الصدقة ما استطعتَ، فإن قيل بخيل
فقد وقعتْ في يدِ اللهِ قبل أن يقولوا!
وقُمْ من الليل ما وسعتكَ همتُكَ وحملتكَ قدماكَ،
فإن قيلَ فاتِرٌ في العبادة،
فقد علمَ اللهُ حرارة دمعكَ قبل أن يقولوا!
وصُمْ تطوعاً فإن قيل لا يعرفُ إلا رمضان،
فقد علمَ اللهُ ظمأ الحنجرة قبل أن يقولوا!

يا صاحبي،
إنّ المرءَ لا يُؤتى إلا من قِبلِ قلبه،
فإنْ لم تُؤتَ من هناكَ،
فلن يضُرَّك شيء ولو وقعتْ السماء على الأرض!

والسّلام لقلبكَ


أدهم شرقاوي
"إنَّ القلبَ ليُظلِمُ
‏فيستنِيرُ بكثرة الصَّلاةِ على النَّبيِّ ﷺ "♥️
"اللهمَّ إنَّ الطَّرِيقَ طَويلٌ
‏وليسَ معي إلا نفسِي فكُنْ معي
‏أرْشِدْني بحِكْمتِكَ لا بحِكْمتي
‏ودُلَّنِي على ما تشاءُ لا على ما أشَاءُ
‏أنتَ صَاحِبُ الأمرِ وأنا ليسَ لي من الأمرِ شَيء"
‏.
‏⁧ #ساعة_استجابة
لم أستفِقْ إلا وأنا في قرن الثعالب!

ضاقتْ عليه مكة، أبو طالب الذي كان يحوطه ويرعاه قد مات، وخديجة جبهته الداخلية ومتراسه قد ماتتْ أيضاً، ولم يتغيَّر شيء في مكة، ما زالت غارقة في الضلال، تُكذِّبُ نبيَّها، وتسومُ أصحابه أصناف العذاب، فقرَّر المسير إلى الطائف، علَّه يجد فيها قلوباً أرحم من تلك القلوب القاسية في صدور سادة قريش، وفي الطائف عرضَ دعوته على سيدها ابن عبد ياليل، فوجده كأبي جهل غلظةً، وكأبي لهبٍ تكذيباً، وكأُمية بن خلف أذيةً، فأطلق خلفه سُفهاء الطائف وغلمانها يرشقونه بالحجارة حتى سالَ الدم من قدميه الشريفتين!

بعد سنوات من هذه الحادثة، كانتْ جزيرة العرب تدين بالإسلام، فقد جاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجاً! وتسأله عائشة: هل أتى عليكَ يوم أشد من يوم أُحد؟!
كانت تعرفُ كم كان موجعاً ذلك اليوم، فَقَدَ فيه عمه حمزة، المُقاتل الشرس، ورئيس هيئة أركانه! وفقد سبعين من خيرة أصحابه، وشُجَّ رأسه، وكُسرتْ مقدمة أسنانه!
ولكنه حدثها عن يوم الطائف، لقد كان عليه أشد من يوم أُحُد، فبعد أن رجموه وأخرجوه، يقول لها: فانطلقتُ وأنا مهموم على وجهي، فلم أستَفِقْ إلا وأنا في قرن الثعالب! فرفعتُ رأسي فإذا بسحابة فيها جبريل، فناداني، فقال: إنَّ الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعثَ إليكَ ملك الجبال لتأمره بما شئتَ فيهم! فناداني ملكُ الجبال، وقال: إن شئتَ أطبقتُ عليهم الأخشبين!
فقلتُ: بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يُشرك به شيئاً!
الشاهد في القصة:
فانطلقتُ وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفِقْ إلا وأنا في قرن الثعالب!

هو يعلم أنه نبي، ويعلم أنَّ دينه سينتصر نهاية المطاف، ويعلم أن الله معه ولن يخذله، ولكنه إنسان يحزن، ويضيق صدره، ويُصيبه الهم، بل ويسير هائماً على وجهه لا يدري أين تاخذه قدماه بأبي هو وأمي، ثم ينتبه فإذا هو في قرن الثعالب قد مشى مسافةً بعيدة عن الطائف!
فما بالك بنا نحن الذين لو جُمع إيماننا جميعاً في كفة وإيمانه هو في كفة لرجح إيمانه على إيماننا، ولفاقَ يقينه باللهَ يقيننا، ولغلبَ صبره صبرنا، أليس من حقنا نحن أيضاً أن ننكسر أحياناً، ونمشي لا ندري أين تأخذنا أقدامنا؟!
فهل قدَّرنا هذا لبعضنا، وعرفنا أنه تمرُّ بالإنسان لحظات يخرجُ فيها عن طبعه الطيب، واتزانه الذي عرفناه به، وعقله الراجح الذي ألِفناه عليه؟!

تمرُّ بالإنسان لحظات لا يُطيق فيها أن يقول كلمة، أو يسمع نصيحة، أو يُقابل إنساناً، فلماذا نعتبرُ الأمر شخصياً، ونزيد هموم بعضنا البعض بدل أن نُراعي أنَّ النفس في إقبال وإدبار، وأن الروح تمرضُ تماماً كما يمرضُ الجسم؟!
إذا رأيتَ صديقك ضَجِراً فلا تكن له هماً فوق همه، كُن له قرن الثعالب الذي يستفيقُ عنده!
احترم حزنه، وحاجته في أن يبقى وحده، ثم حين يهدأ، اِربتْ على كتفه، وامسح على صدره، وواسِ قلبه، حدِّثه حديث القلب للقلب، والروح للروح، دعكَ من المنطق قليلاً، فالنفس لحظة انكسارها تحتاج احتواءً لا درساً، والروح لحظة تيهها تحتاج احتضاناً لا محاضرة!

نحن نضعف لا من قلة الإيمان ولكن من قسوة الحياة، ما كان إيمان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قليلاً يوم الطائف، ولكن الحياة كانت قاسية، ولقد علِم الله حجم وجعه وانكساره، فلم يُعاتبه لأنه هام على وجهه، ولم يقل له أين إيمانك بي، بل أرسلَ له ملائكةً، تحفه وتنصره، علم الله تعالى أن رسوله نهاية المطاف إنسان، وأن الناس تمر بهم لحظات ضعف تحتاج عندها قلباً حنوناً لا عقل فيلسوف أو لسان خطيب!

أدهم شرقاوي / من كتاب : على منهاج النُّبُوَّة
السلام عليك يا صاحبي ٧٩

السّلام عليكَ يا صاحبي،

تقولُ لي: ادعُ الله لي أن يعصمني من الشيطان!
فأقول لكَ: سأفعل،
ولكني سأدعو الله أن يعصمكَ من نفسِكَ أيضاً!
فتنظر إليَّ بدهشةٍ،
عيناك تحملقان بي كأني جئتُ بقولي هذا شيئاً فرِياً!

هوِّن عليكَ يا صاحبي،
فنحن لا نؤتى من الشيطان الخبيث فقط!
النفسُ فرس جامحة، وقد تؤدي بصاحبها إلى المهالك!
إبليسُ نفسه لم يكن هناك شيطان قد وسوس له أن يرفضَ السجود لآدم عليه السّلام،
نفسه هي التي قادته إلى مصرعه!
هذا الكِبر، والغرور، والعنجهيَّة،
الشعور بالاستعلاء الفارغ، وتصنيف الذات في القمة،
هي التي حولته في طرفة عينٍ من عابدٍ مجتهدٍ، إلى شيطانٍ رجيم!
وتستغربُ أنتَ مني حين أدعو اللهَ لكَ أن يقيكَ شرَّ نفسِكَ؟!

يا صاحبي،
هناك أشخاص لا توسوسُ لها الشياطين،
لأن لها نفوساً غارقة في الضلالة،
تجتهدُ وتُبدعُ فيها بما لا يخطرُ للشياطين على بالٍ!
الشياطين لا توسوس لدوابَّ تمتطيها،
وإنما توسوس للذين يجاهدون أنفسهم ليل نهار!
الذين يتعثرون وينهضون، يذنبون ويستغفرون!
للذين هم ميدان الشيطان وحربه المستعرة،
وإني حين أسأل الله أن يقيكَ شرَّ نفسِكَ فإني أدعو لك
أن تمتلِكَ نفسكَ لا أن تمتلككَ هي!

والسّلام لقلبكَ


أدهم شرقاوي
"فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" ❤️
السلام عليك يا صاحبي ٨٠

السّلام عليكَ يا صاحبي،

يقولُ ابن الجوزي: لقد تابَ على يديَّ في مجالس الذِّكر أكثر من مئتي ألف،
وأسلم على يديَّ أكثر من مئتي نفس،
ولكم سالتْ عينُ متجبرٍ بوعظي لم تكُنْ تسيل،
ولقد جلستُ يوماً فرأيتُ حولي أكثر من عشرة آلاف،
ما فيهم إلا من رقَّ قلبهُ، أو دمعتْ عينه،
فقلتُ لنفسي: كيف بكِ إذا نجوا وهلكتِ؟!
فصحتُ بلساني وجدي: إلهي وسيدي، لئن قضيتَ عليَّ بالعذاب غداً،
فلا تعلمهم بعذابي، صيانةً لكرمكَ لا لأجلي،
لئلا يقولوا: عذَّبَ من دلَّ عليه!

يا صاحبي،
لن يصلَ إلى اللهِ معجبٌ بنفسهِ،
ألا وإن الصالحين كلما اقتربوا من ربهم،
كلما شعروا بتقصيرٍ لم يشعروا به من قبل،
ذاكَ أن الإنسان كلما ذاقَ حلاوة القرب،
غصَّ بشيءٍ من مرارة البُعد التي لم يجتزها بعد،
الأمر أشبه بحال العالم والجاهل:
الجاهل يحسبُ أنه يعرفُ كلَّ شيء،
أما العالم فيعلمُ أنه يجهلُ الكثير،
لا شيء يكشف مساحة جهل الإنسان مثل أن يتعلم!
أما الجاهل فإنه يجهلُ ما لا يعلمُ لهذا يحسبُ نفسه علاَّمة زمانه،
وهكذا هو الأمر مع الإيمان!
الذي يتصدَّقُ يستشعر تقصيره،
لأنه رأى أنه لم يَسُدَّ إلا ثغرةً واحدة!
أما الذي يعيشُ لنفسه فمستريح،
الجهل أحياناً نعمة مريرة!
تماماً كنعمة البهائم لا حساب ولا عذاب،
ولا همُّ دنيا ولا همُّ آخرة!
والذي يصومُ تطوعاً تجده يشعرُ بالتقصير،
إن فاته يوم اعتاد أن يصومه ولم يصمه!
أما الذي لا تشغله هذه الأمور فلا يشعر بمرارة فقدها،
لأنه بالأساس لم يذق حلاوة وجدها!
صدقني لو جاؤوا بقائم ليل وربطوه في سريره،
لبكى لأنه سيشتاق وقوفه بين يدي ربه،
أما الذي لم يجرب هذه اللذة،
ولم يغمس روحه بها،
فسريره جنته!

والسّلام لقلبكَ

أدهم شرقاوي
وُلِدَ الهُدى فالكائناتُ ضِياءُ !

أعرفُ أنّ النّبوّة الأخيرة لم تكن تليقُ إلا بكَ.. وأنّ إخوتكَ الأنبياء إذ سبقوكَ مجيئاً فقد سبقتهم مقاماً! جئتَ أخيراً لتكونَ أوَّلاً... فالرّسالاتُ لا بُدّ لها من مسكِ ختام، وحين يُراد بالمسكِ أن يكون بشراً، فمن عساه يكون غيرك!
فالسلام عليك أجمل الناس، وأطيب الناس، وأرقّ الناس، وأحنّ الناس، وسيّد الناس!
السلام على آمنة بنت وهب صبيحة الثاني عشر من ربيع الأول تُهدي هذا الكوكب الغارق في الظلمة مصباحه الذي سينيره، لا من بصرى إلى الشام كما رأتْ في منامها، وإنما من المشرق إلى المغرب كما نرى نحن يقظةً!
السلام على عبد المطلب الذي انبرى ليربي اليتيم الذي سيربي لاحقاً آباء هذا الكوكب وأمهاته!
السلام على حليمة السّعدية أخذتكَ كي لا ترجعَ خالية الوفاض، أيّ مالٍ تُصيبه مرضعةٌ من يتيم، فاكتشفتْ لاحقاً أنها كانت الأكثر ثراءً بك! حلّت البركة في ديار بني سعد يوم حللتَ، هكذا أنتَ يتبعُكَ الخيرُ كما يتبعُ النّملُ حبّات السُّكر، يا سُكّر هذا الكون!
السّلام على أبي طالبٍ على فقره يحوطكَ ويرعاكَ ويكفُلكَ، وعلى صغر سنّك لا تقبلُ أن تكون عالة، فتعمل بالرّعي لتعينه، مُذ كنتَ طفلاً وأنتَ سيّد الرّجال!
السّلام على خديجة كهفكَ وقبيلتكَ، وجيشكَ المُدجج بالحُبّ يوم عزَّ الجُنود! تأخُذكَ إلى صدرها من هول الوحي، تمسحُ على رأسكَ بيدها، وتقول لك بقلبها على هيئة كلمات: لن يخزيكَ الله! كانتْ تعرفُ أي الرّجال أنتَ، وكنتَ تعرفُ أي النساء هي، لهذا لم يكن عجباً أن تذبحَ شاةً بعد وفاتها بعشرين سنة، ثم تقول: أعطوا منها صويحبات خديجة! أيُّ الأوفياء أنتَ، أيُّ الأوفياء؟!
السلام على ورقة بن نوفل، حَبْرٌ يُحلقُ في غير سربه، إنجيل من غير مسٍّ، وتوراة من غير تحريف! قلبٌ على ملّة أبيك إبراهيم، وعقلٌ كان يعرفُ أن مبعثكَ قد حان، ولما وقعَ عليكَ، قصَّ عليك نبوءةً لن يشهدها: سيخرجكَ قومُكَ! فتسأله بدهشةٍ: أمُخرجِيَّ هُم؟! فيزيلُ عنك دهشتكَ: ما جاء أحدٌ بمثل ما جئتَ به إلا عُودي! وأخرجوك فعلا! ولكن من مشقة الدعوة إلى عِزّ الدّولة! فالسّلام على أبي بكر، صديق العمر، ورفيق الدرب، وشريك الغار في ثاني اثنين الله ثالثهما!
السلام على آل بيتك المخلوقين من طُهر، وعلى أزواجك المطهرات من قذى، وأصحابك المختارين عن اصطفاء!
السلام على الأوس والخزرج سيفكَ وعكازكَ
السلام على بدرٍ وأُحدٍ والخندق وحُنين وخيبر، ومواقع أُخر أخبرتنا فيها أن هذا الدين لم ينتشر بالسيف، ولكنه دون سيف يتطاولُ عليه النّاس!
السلام على الحديبية، الصُّلحُ الذي أنجبَ نصراً وفتحاً، اليومُ تُذلُّ العُزّى، وتُكسرُ هُبل، ويرقى بلالٌ سطحَ الكعبة، يخبرُ الكون كله أن الله أكبر!
السلام عليكَ يوم خُيِّرتَ بين الخُلد في الدنيا ولقيا ربك، فاخترتَ قائلاً: بل الرّفيق الأعلى!
السّلام عليكَ حيًّا فينا لا تموتُ أبداً، نُحبّكَ، ونحبُّ من يُحبّك، والموعد الحوض كما أخبرتنا، وإنّا لنُصدّقكَ!


أدهم شرقاوي / كتاب : وإذا الصحف نُشرت
على خُطى الرَّسول ﷺ ١٢١
إلا أن تطوّع


جاء رجل من أهل نجدٍ إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الإسلام، فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: خمس صلوات في اليوم والليلة.
فقال: هل عليَّ غيرها؟
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا، إلا أن تطوَّع. ثم أكمل كلامه محدثاً عن أركان الإسلام فقال له: وصيام رمضان.
فقال: هل عليَّ غيره؟
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا، إلا أن تطوَّع. ثم حدَّثه عن الزكاة.
فقال: هل عليَّ غيرها؟
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا، إلا أن تطوَّع.
فقام الرجلُ ومضى وهو يقول: واللهِ لا أزيدعلى هذا ولا أنقص.
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أفلحَ إن صدقَ!

بدايةً هذه الحادثة كانت قبل أن يُفرض الحج، لهذا لم يذكره له النبيّ صلى الله عليه وسلم في أركان الإسلام.

والحديث لا يُذكر في باب الاستهانة بالنوافل، والتقليل من شأن التطوع في الصلاة والسُّنة، وقيام الليل، والصدقة، والصيام والتطوع. وإنما في باب ليعرف المسلم ما له وما عليه، وأنه ما تقرَبَ أحدٌ إلى الله سبحانه بأحب ما افترضه عليه. بمعنى أن الذي يصلي الفجر في جماعة أفضل عند الله ممن يقوم الليل كله ثم ينام عن صلاة الفجر، وهنيئاً لمن نال الحُسنيين.

ثم ما منا من أحدٍ إلا ويقصر في العبادة، فلا تخلو صلاتنا من قلة خشوع وحديث نفس، ولا يخلو صيامنا من كلمة في غير موضعها، أو نظرة لا تحل، ومن رحمة الله تعالى بنا أنه شرع لنا النوافل ليجبر لنا تقصيرنا في الفرائض، فصلاة السُّنة ترمم نقص الخشوع، وصيام النافلة يُرمم ما خُدش من صيام الفرض، والصدقة تُطفىء غضب الرب كما يُطفىء الماء النار.

على أنه يجب أن يُعلم أنه لن يدخل أحدٌ الجنة بعمله، حتى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ندخلها بإذن الله كرماً منه بعد أن يتغمدنا برحمته. وهذا الكلام ليس لترك العمل والعبادة، على العكس تماماً ما أستجلبتْ رحمة الله بشيء افضل من عبادته، والإمتثال لأمره، ولكن هذا الكلام كي لا يغترَّ عابد بعبادته، وكي لا يقنط عاصٍ بسبب معصيته، وإنما نعبدُ الله امتثالاً لأمره، محسنين الظنَّ به أنه أرحم من أن يعذبَّ جباهاً سجدتْ له رهباً ورغباً، وأرحم من أن يُعذب بطوناً تركت طعامها وشرابها تقرباً له، وأرحم من أن يُعذب أيدٍ امتدتْ بالخير والصدقة على عباده.

فإذا أحسنتَ العبادة زِدْ، وإذا قصَّرتْ استغفِر وعُدْ، وسددوا وقاربوا وأحسنوا الظن بربكم.

أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
السلام عليك يا صاحبي ٨١

السّلام عليكَ يا صاحبي،

إنَّ الأشياء التي تعثرُ عليها مُصادفةً
قد تكونُ أجمل بكثيرٍ مما خرجتَ تبحثُ عنه!
جاءت السَّيارة، فأرسلوا واردهم إلى البئر،
لم يكن يريدُ غير الماء،
ولكنه عثر على نبيٍّ، يوسف عليه السّلام كان هناك!
الرجلُ الذي قطعت النسوة أيديهن من فرطِ وسامته،
قد عُثر عليه مصادفةً ودون تخطيط،
وإنك لا تدري ما اللهُ قاسمٌ لكَ!

يا صاحبي أنتَ مسؤولٌ عن السَّعي
أما النتائج فبيد الله وحده!
فاخرُجْ إلى الدنيا بدلوك الفارغ،
وسمِّ اللهَ، وألقِ في جُبِّ الأيام دلوكَ،
ما أدراكَ قد تعثرُ على شخصٍ يجعلُ بقراتِ أيامكَ العِجاف سِماناً!
ويحيلُ سنابل عمرك اليابسات خُضراً يانعات!
لعله يعبرُ بكَ قحطكَ!
أجمل ما نعثرُ عليه في هذه الدنيا،
هي تلك الأشياء التي يسوقها الله تعالى إلينا دون تخطيط!

والسّلام لقلبكَ

أدهم شرقاوي
تذكَّرْ جيداً ❤️
قد تحمِل "مرحباً "
‏كل الحُب في هذا العالم
‏وقد تكون"أنا أُحبك"
‏فارغة من كُل شَيء
‏نحُن بحاجة دائماً لشُعور الأشخاص
‏لا لكلامِهم!
‏رُبّما لم تكُن مرحباً عاديّة
‏بَل مُرّ حُباً ❤️
‏.
‏⁧ #اقتباس
السلام عليك يا صاحبي ٨٢


السّلام عليكَ يا صاحبي،

ضاقتْ مكة بالمسلمين،
وكان الواحد منهم يشعرُ أن جبل أبي قُبيس جاثم على صدره،
وفي المدينة للإيمان متسع،
وقلوب أحنُّ،
وأوس وخزرج سيكونون سيف هذه الدعوة وعكازها!
النبيُّ ﷺ الآن بينهم معلناً بداية حقبة جديدة،
ستُغيِّر وجه الأرض إلى الأبد،
صار للإسلام دولة!
أما من بقي من الصحابة في مكة فضاقتْ عليهم صدورهم،
وكأن الواحد منهم يتنفسُ من خرم إبرة!

وبدأوا يخرجون واحداً إثر آخر،
نجمة إثر نجمة،
حيث القمر أرخى سدوله في المدينة،
وإن كان في السماء قمر يعكس ضوء الشمس،
ففي المدينة قمرٌ أضاء الأرض كلها بقرآن فيه:
الله نور السماوات والأرض!

صهيبٌ الآن على مشارف مكة،
يُمنِّي نفسه بأن يُكحِّل عينيه برؤية النبيِّ ﷺ
ولكن قريشاً التي لم ترحم نبيها،
لم تكن لتترك صهيباً وشأنه!
خرجوا في إثره يريدونه ليمنعوه من الهجرة،
فقال لهم: تعلمون أني أرماكم،
واللهِ لا تصلون إليَّ حتى أرميكم بكل سهمٍ معي،
ثم أضربكم بسيفي ما بقيَ منه شيء!
فقالوا: أتيتنا صعلوكاً فكثر مالكَ عندنا،
ثم تريدُ أن تخرج بنفسك ومالكَ،
واللهِ لا يكون ذلكَ!
فقال: أرأيتم إن تركتُ لكم مالي هل تخلون سبيلي؟
قالوا: نعم!
فدلهم على موضع المال، ومضى في سبيله!
وكان النبيُّ ﷺ في بثٍّ مباشر!
جبريل ينقلُ له الحادثة بحذافيرها،
ولما وصل صهيبُ إلى المدينة تلقاه النبيُّ ﷺ
وسلم عليه بوجهٍ باسم كأنه فلقة قمر،
وقال له: ربحَ البيعُ أبا يحيى!

يا صاحبي،
ربحَ البيعُ لأنه للهِ!
وكل بيعٍ للهِ رابح فلا ترَ من المشهد إلا ما ترى!
الصدقة التي تضعها في يد فقيرٍ،
استشعر معها ربح البيع!
والوقت الذي تفرغه لأخذ أحد والديك إلى الطبيب،
استشعر معه ربح البيع!
والانتقام الذي لا تنفذه لوجه الله وأنت قادر عليه،
استشعر معه ربح البيع!
والإساءة التي لا تردها وأنت تستطيع أن تفعل،
استشعر معها ربح البيع!

يا صاحبي،
تاجرْ مع الله، فإنها تجارة لن تبور!

والسّلام لقلبكَ

أدهم شرقاوي