السلام عليك يا صاحبي ٦٩
السّلام عليك يا صاحبي،
لعلّكَ الآن تقولُ في نفسك: كيف سيرجع الله لي حقي؟!
أو لعلكَ كنتَ أكثر غضباً فقُلتَ: كيف سينتقم اللهُ لي؟!
إنكَ تنظرُ الآن في الأسباب فيبدو كلَّ شيءٍ أمامك شائكاً وصعباً!
يا صاحبي،
لا تُفكِّرْ في صعوبة ظرفك،
فكِّرْ في قوَّة الرّبِ الذي تدعوه!
منذ متى نسأل الله عن الكيف يا صاحبي؟!
الكيف هذه للهِ وحده،
نحن ندعوه بيقينٍ فقط!
أما ترتيبات المعركة،
وسلاح الانتقام فهي من شأن الرَّب
القادر الذي سيدبرها بحكمته!
اللهُ سبحانه دوماً يدهشنا بالسلاح الذي يختاره للمعركة!
عندما رفع نوح عليه السّلام يديه إلى السماء قائلاً:
" أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ"
لم يكن يخطر في باله أبداً أن انتقام الله سيكون مدوياً،
وصاعقاً إلى هذه الدرجة!
لعلَّ أكثر ما كان ينتظره أن يهلكهم الله بضربة واحدة أو صيحة!
لا أحد من سكان الأرض ولا السماء،
كان يتوقع أن يكون الماء هو سلاح المعركة!
الذي سيختاره الله سبحانه لنصر عبده المظلوم،
وصدر الأمر الإلهي للسماء أن تنهمر،
وللأرض أن تُخرج ماءها، والبحار أن تطغى،
غرقت الأرض حتى آخرها إلى أن صار لا عاصم من أمر الله إلا الله!
قصص القرآن ليست للتسلية يا صاحبي،
إنها عقيدة، ودروس في الإيمان،
وليس للمظلوم إلا أن يرفع شكواه!
أما تفاصيل المعركة وسلاحها،
فهذا كله من شأن الذي يُدبر كل شيء بحكمته!
يا صاحبي،
إنكَ لو عشتَ زمن النمرود،
ورأيته يأمر الناس بالسجود له،
ورأيته يُناظر إبراهيم عليه السّلام بكل بجاحة،
ويقول: " أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ"!
لربما سألتَ نفسكَ باستغراب: كيف سيُغيِّر الله كل هذا؟
أي سلاحٍ فتّاكٍ سيختاره الله ليذلَّ هذا الطاغية،
وبالطبع ما كان سيخطرُ على بالكَ أبداً أنَّ الله سبحانه،
سيرسل جندياً واحداً من جنوده لينتقم به،
جندي صغير لا يكاد يُرى بالعين المجردة!
بعوضة! أجل بعوضة واحدة أدخلها في أنفه لتستقرَّ في دماغه!
فلا يهدأ إلا حين يضربه الذين كانوا يسجدون له بالأحذية على رأسه،
بهذه الطريقة المدهشة يُدبر الله الأمور يا صاحبي!
يا صاحبي،
إنك لو شهدتَ اللحظة التي وُضع فيها إبراهيم عليه السّلام،
في كفة المنجنيق ليُلقى في النار!
لقلتَ في نفسكَ: ربما سيُطفئ الله النار بماءٍ يُنزله من السماء دفعةً واحدة!
كان هذا حلاً وحيداً لو أن النار تحرقُ بأمر نفسها!
ولكن هذه النار لا تحرقُ إلا بأمر ربها،
فصدر إليها الأمر أن تكون برداً وسلاماً فكانتْ!
إن الله سبحانه يُغيِّرُ خواص الأشياء إن أراد ذلك،
السكين الحاد لم تذبح إسماعيل عليه السّلام يا صاحبي!
والحوت المفترس لم يأكل يونس عليه السّلام وإن ابتلعه،
كل شيءٍ في هذا الكون يعملُ بأمر الله،
فلا تنظُرْ في الأسباب،
كُنْ مع ربِّ الأسباب يكفيك مؤونتها!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السّلام عليك يا صاحبي،
لعلّكَ الآن تقولُ في نفسك: كيف سيرجع الله لي حقي؟!
أو لعلكَ كنتَ أكثر غضباً فقُلتَ: كيف سينتقم اللهُ لي؟!
إنكَ تنظرُ الآن في الأسباب فيبدو كلَّ شيءٍ أمامك شائكاً وصعباً!
يا صاحبي،
لا تُفكِّرْ في صعوبة ظرفك،
فكِّرْ في قوَّة الرّبِ الذي تدعوه!
منذ متى نسأل الله عن الكيف يا صاحبي؟!
الكيف هذه للهِ وحده،
نحن ندعوه بيقينٍ فقط!
أما ترتيبات المعركة،
وسلاح الانتقام فهي من شأن الرَّب
القادر الذي سيدبرها بحكمته!
اللهُ سبحانه دوماً يدهشنا بالسلاح الذي يختاره للمعركة!
عندما رفع نوح عليه السّلام يديه إلى السماء قائلاً:
" أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ"
لم يكن يخطر في باله أبداً أن انتقام الله سيكون مدوياً،
وصاعقاً إلى هذه الدرجة!
لعلَّ أكثر ما كان ينتظره أن يهلكهم الله بضربة واحدة أو صيحة!
لا أحد من سكان الأرض ولا السماء،
كان يتوقع أن يكون الماء هو سلاح المعركة!
الذي سيختاره الله سبحانه لنصر عبده المظلوم،
وصدر الأمر الإلهي للسماء أن تنهمر،
وللأرض أن تُخرج ماءها، والبحار أن تطغى،
غرقت الأرض حتى آخرها إلى أن صار لا عاصم من أمر الله إلا الله!
قصص القرآن ليست للتسلية يا صاحبي،
إنها عقيدة، ودروس في الإيمان،
وليس للمظلوم إلا أن يرفع شكواه!
أما تفاصيل المعركة وسلاحها،
فهذا كله من شأن الذي يُدبر كل شيء بحكمته!
يا صاحبي،
إنكَ لو عشتَ زمن النمرود،
ورأيته يأمر الناس بالسجود له،
ورأيته يُناظر إبراهيم عليه السّلام بكل بجاحة،
ويقول: " أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ"!
لربما سألتَ نفسكَ باستغراب: كيف سيُغيِّر الله كل هذا؟
أي سلاحٍ فتّاكٍ سيختاره الله ليذلَّ هذا الطاغية،
وبالطبع ما كان سيخطرُ على بالكَ أبداً أنَّ الله سبحانه،
سيرسل جندياً واحداً من جنوده لينتقم به،
جندي صغير لا يكاد يُرى بالعين المجردة!
بعوضة! أجل بعوضة واحدة أدخلها في أنفه لتستقرَّ في دماغه!
فلا يهدأ إلا حين يضربه الذين كانوا يسجدون له بالأحذية على رأسه،
بهذه الطريقة المدهشة يُدبر الله الأمور يا صاحبي!
يا صاحبي،
إنك لو شهدتَ اللحظة التي وُضع فيها إبراهيم عليه السّلام،
في كفة المنجنيق ليُلقى في النار!
لقلتَ في نفسكَ: ربما سيُطفئ الله النار بماءٍ يُنزله من السماء دفعةً واحدة!
كان هذا حلاً وحيداً لو أن النار تحرقُ بأمر نفسها!
ولكن هذه النار لا تحرقُ إلا بأمر ربها،
فصدر إليها الأمر أن تكون برداً وسلاماً فكانتْ!
إن الله سبحانه يُغيِّرُ خواص الأشياء إن أراد ذلك،
السكين الحاد لم تذبح إسماعيل عليه السّلام يا صاحبي!
والحوت المفترس لم يأكل يونس عليه السّلام وإن ابتلعه،
كل شيءٍ في هذا الكون يعملُ بأمر الله،
فلا تنظُرْ في الأسباب،
كُنْ مع ربِّ الأسباب يكفيك مؤونتها!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السلام عليك يا صاحبي ٧٠
السّلام عليك يا صاحبي،
لا شيءَ أحبَّ للهِ من انكسار عبده بين يديه!
فانكسِرْ لله يأتيكَ الجبر!
نادِه بانكسار إخوة يوسف:
﴿يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾
إذا أردتَ أن تُعَزَّ فعليكَ أن تذِلَّ للهِ أولاً!
تأمّلها جيداً: يا أيها العزيز!
إنه الله الذي أمره بين الكاف والنون، فإذا قال للأشياء كوني كانت!
جميل أن تتذكر، أنه رحيم ولكن تذكَّرْ أولاً أنه قادر!
تذكر كيف أمر الأرض أن تتفجر عيوناً نُصرةً لنوحٍ عليه السّلام، فتفجَّرتْ!
وكيف أمر العصا أن تصير حيةً فصارتْ!
وكيف أمرَ الجبل أن يصيرَ ظُلَّةً فظلل!
وكيف أمر البحر أن ينشق ويصير طريقاً يبساً فكان!
وكيف أمر النار أن لا تحرق فمات لهيبها!
وكيف أمر السكين أن لا تذبح فذهبتْ حدتها!
وكيف أمر الحوت أن لا يهضم فتعطلتْ شراسته!
هذا هو العزيز الذي أريدك أن تدعوه، القادر كثيراً ودائماً وأبداً!
تأملها جيداً: مسَّنا وأهلنا الضُرُّ!
يا صاحبي،
حين تشكو إلى الناس،
فلن تنال إلا مشاعر التعاطف في أحسن الأحوال،
ونظرات الشفقة في أسوأها!
ولكنك حين تشكو إلى الله،
حين تأتيه مكسور الجناحين ترجع مُحلِّقاً،
وحين تأتيه مكسور الخاطر ترجع مجبوراً،
وحين تأتيه مكسور القلب ترجع مرمماً،
فبُثَّ شكواك إلى ربكَ،
واستعملْ معه أخلاق الأطفال،
فإن الطفل إذا أراد شيئاً بكى حتى يأخذه!
اِبكِ بين يديّ ربكَ يا صاحبي،
تسوَّل على بابه تسوَّل الفقير الذي لا يجد لقمة،
وتمرَّغ بين يديه تمرُّغ الموجوع على باب المستشفيات،
إن الله يُحبُّ أن يُسأل!
وفي الأثر أنَّ الله أوحى إلى موسى عليه السّلام،
أن يا موسى سلني ملح عجينتك، وعلف دابتك، وشِراك نعلكَ!
من افتقرَ إلى الله أغناه،
ومن استغنى عن الله كان الله عنه أغنى!
تأملها جيداً: وجئنا ببضاعةٍ مُزجاةٍ،
يا صاحبي،
إياك أن تنظُر بعين العُجب إلى طاعتك،
وإنما اُنظُر إليها نظرة العبد المُقصِّر،
وتعلَّم من الملائكة أدب العبادة!
ما من موضع شبرٍ في السماء، إلا فيه مَلكٌ راكعٌ أو ساجد!
يُبعثون يوم القيامة يقولون: سبحانكَ ما عبدناكَ حقَّ عبادتك!
يا صاحبي،
حين تشعرُ بالتقصير في العبادة،
فاعلم أنها مقبولة!
وحين تنظُر إليها بعين الكمال كالمتمنن على الله ،
فاعلم أنها مردودة عليكَ!
عبادتنا بضاعة مزجاة رثة، وإنما يقبلها الله منا تكرماً وتفضلاً علينا!
واعلَمْ أنه ما استقام عبدٌ للهِ بقوته، وإنما هو اصطفاء من الله!
وما انصرفَ أحدٌ عن باب اللهِ بخاطره، ولكن الله استغنى عنه!
فاحمد الله على الاصطفاء، فإنكَ تحتاجه ولا يحتاجك!
تأملها جيداً: فأوفِ لنا الكيل
يا صاحبي،
سل الله القبول،
فرُبَّ قائم ليس له من قيامه إلا النَّصب والتعب،
ورُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش،
واعلم أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله،
وإنما بعد أن تتغمده رحمة اللهِ،
حتى النبي ﷺ لن يدخلها بعمله إنما برحمة الله،
فكيف بالذين هم دونه، وكلنا دونه!
في شُعب الإيمان للبيهقي، والمستدرك للحاكم يروى
أن رجلاً عبد اللهَ خمسمئة سنةٍ في رأس جبلٍ وليس له معصية،
فلما كان يوم القيامة، قال الله لملائكته: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي!
قال: إنما أدخلها بعملي يا رب
فقال الله: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي!
فقال: إنما أدخلها بعملي يارب
فقال الله: قايسوا نعمتي عليه بعمله!
فوجدوا أن نعمة البصر وحدها قد فاقت كل عمله وبقي باقي جسده!
فقال: أدخلوا عبدي النار!
فجعلَ الرجل يقول: برحمتكَ يا رب، برحمتكَ يا رب!
فقال الله: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي!
تأملها جيداً: وتصدَّقْ علينا!
هكذا يا صاحبي،
سؤال الفقير الذي يعرفُ أنه ليس له عند الغني الذي يسأله ضربة لازم!
وإنما يستعطفه ويُرقق قلبه عليه!
وليكُنْ هذا سؤالك لربك،
سؤال الذي يطلبُ المِنّة، ويعرف أنه ليس له على ربه ضربة لازم!
وإنما يسأل من إذا حرَمه لم يظلمه،
وإذا أعطاه فقد تكرّم وتحننَ عليه!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السّلام عليك يا صاحبي،
لا شيءَ أحبَّ للهِ من انكسار عبده بين يديه!
فانكسِرْ لله يأتيكَ الجبر!
نادِه بانكسار إخوة يوسف:
﴿يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾
إذا أردتَ أن تُعَزَّ فعليكَ أن تذِلَّ للهِ أولاً!
تأمّلها جيداً: يا أيها العزيز!
إنه الله الذي أمره بين الكاف والنون، فإذا قال للأشياء كوني كانت!
جميل أن تتذكر، أنه رحيم ولكن تذكَّرْ أولاً أنه قادر!
تذكر كيف أمر الأرض أن تتفجر عيوناً نُصرةً لنوحٍ عليه السّلام، فتفجَّرتْ!
وكيف أمر العصا أن تصير حيةً فصارتْ!
وكيف أمرَ الجبل أن يصيرَ ظُلَّةً فظلل!
وكيف أمر البحر أن ينشق ويصير طريقاً يبساً فكان!
وكيف أمر النار أن لا تحرق فمات لهيبها!
وكيف أمر السكين أن لا تذبح فذهبتْ حدتها!
وكيف أمر الحوت أن لا يهضم فتعطلتْ شراسته!
هذا هو العزيز الذي أريدك أن تدعوه، القادر كثيراً ودائماً وأبداً!
تأملها جيداً: مسَّنا وأهلنا الضُرُّ!
يا صاحبي،
حين تشكو إلى الناس،
فلن تنال إلا مشاعر التعاطف في أحسن الأحوال،
ونظرات الشفقة في أسوأها!
ولكنك حين تشكو إلى الله،
حين تأتيه مكسور الجناحين ترجع مُحلِّقاً،
وحين تأتيه مكسور الخاطر ترجع مجبوراً،
وحين تأتيه مكسور القلب ترجع مرمماً،
فبُثَّ شكواك إلى ربكَ،
واستعملْ معه أخلاق الأطفال،
فإن الطفل إذا أراد شيئاً بكى حتى يأخذه!
اِبكِ بين يديّ ربكَ يا صاحبي،
تسوَّل على بابه تسوَّل الفقير الذي لا يجد لقمة،
وتمرَّغ بين يديه تمرُّغ الموجوع على باب المستشفيات،
إن الله يُحبُّ أن يُسأل!
وفي الأثر أنَّ الله أوحى إلى موسى عليه السّلام،
أن يا موسى سلني ملح عجينتك، وعلف دابتك، وشِراك نعلكَ!
من افتقرَ إلى الله أغناه،
ومن استغنى عن الله كان الله عنه أغنى!
تأملها جيداً: وجئنا ببضاعةٍ مُزجاةٍ،
يا صاحبي،
إياك أن تنظُر بعين العُجب إلى طاعتك،
وإنما اُنظُر إليها نظرة العبد المُقصِّر،
وتعلَّم من الملائكة أدب العبادة!
ما من موضع شبرٍ في السماء، إلا فيه مَلكٌ راكعٌ أو ساجد!
يُبعثون يوم القيامة يقولون: سبحانكَ ما عبدناكَ حقَّ عبادتك!
يا صاحبي،
حين تشعرُ بالتقصير في العبادة،
فاعلم أنها مقبولة!
وحين تنظُر إليها بعين الكمال كالمتمنن على الله ،
فاعلم أنها مردودة عليكَ!
عبادتنا بضاعة مزجاة رثة، وإنما يقبلها الله منا تكرماً وتفضلاً علينا!
واعلَمْ أنه ما استقام عبدٌ للهِ بقوته، وإنما هو اصطفاء من الله!
وما انصرفَ أحدٌ عن باب اللهِ بخاطره، ولكن الله استغنى عنه!
فاحمد الله على الاصطفاء، فإنكَ تحتاجه ولا يحتاجك!
تأملها جيداً: فأوفِ لنا الكيل
يا صاحبي،
سل الله القبول،
فرُبَّ قائم ليس له من قيامه إلا النَّصب والتعب،
ورُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش،
واعلم أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله،
وإنما بعد أن تتغمده رحمة اللهِ،
حتى النبي ﷺ لن يدخلها بعمله إنما برحمة الله،
فكيف بالذين هم دونه، وكلنا دونه!
في شُعب الإيمان للبيهقي، والمستدرك للحاكم يروى
أن رجلاً عبد اللهَ خمسمئة سنةٍ في رأس جبلٍ وليس له معصية،
فلما كان يوم القيامة، قال الله لملائكته: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي!
قال: إنما أدخلها بعملي يا رب
فقال الله: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي!
فقال: إنما أدخلها بعملي يارب
فقال الله: قايسوا نعمتي عليه بعمله!
فوجدوا أن نعمة البصر وحدها قد فاقت كل عمله وبقي باقي جسده!
فقال: أدخلوا عبدي النار!
فجعلَ الرجل يقول: برحمتكَ يا رب، برحمتكَ يا رب!
فقال الله: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي!
تأملها جيداً: وتصدَّقْ علينا!
هكذا يا صاحبي،
سؤال الفقير الذي يعرفُ أنه ليس له عند الغني الذي يسأله ضربة لازم!
وإنما يستعطفه ويُرقق قلبه عليه!
وليكُنْ هذا سؤالك لربك،
سؤال الذي يطلبُ المِنّة، ويعرف أنه ليس له على ربه ضربة لازم!
وإنما يسأل من إذا حرَمه لم يظلمه،
وإذا أعطاه فقد تكرّم وتحننَ عليه!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
على خُطى الرَّسول ﷺ ١١٧
إنه من أهل النار
كان في المدينة رجلٌ يُقال له قُزمان، إذا ذُكر للنبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: هو من أهل النار!
فلما كانت غزوة أُحدٍ خرج قُزمان في جيش المسلمين لقتال قُريش، فقاتلَ قتالاً شديداً، وقتلَ وحده ثمانية من المشركين، وأصابته جراحٌ بليغة، فحملوه بعد انتهاء المعركة إلى دار بني ظفر.
وقال له المسلمون يُصبرونه: واللهِ لقد أبليتَ يا قُزمان بلاءً حسناً، فأبشِرْ!
فقال: بماذا أَبشر؟ فواللهِ ما قاتلتُ إلا عن أحساب قومي، ولولا ذلك ما قاتلتُ!
ولما اشتدَّتْ عليه جراحه أخذ سهماً من كنانته فقتل به نفسه!
إنَّ اللهَ سبحانه لا يقبلُ من العملِ إلا ما كان خالصاً لوجه الكريم! ولو كان الله سبحانه يقبلُ العمل الصالح الذي يُبتغى به غيره، لقبلَ من قُزمان، معركة حامية الوطيس بين الإيمان والكفر، وهو في معسكر الإيمان، قاتل قتال الأبطال، وأثخن في قريش إثخان الفرسان، وهو أكثر من قتل منهم في ذلك اليوم، فلم تذكر كُتب السيرة أن أحداً من جيش المسلمين قتل ثمانية من جيش المشركين غير قُزمان! ولكن للأسف أن كل هذه الشجاعة والبسالة لم تكن للهِ، وإنما خرجَ حميَّةً، قومه من أهل المدينة من المسلمين قد خرجوا للحرب فخرجَ معهم، فأكبه اللهُ على وجهه في النار!
نحن البشر لا نرى من الأعمال إلا ما ظهر منها، وقد أُمرنا أن نحكم على الظواهر، ونترك النوايا لربِّ النوايا، فهو وحده المطلع على خفايا النفوس، إنه لا يرانا من أعلى، وإنما يرانا من الداخل!
قبل أن تحمل الصدقة لتضعها في يد فقير اصلِحْ نيَّتك، فليس لكَ من أجرٍ إلا بمقدار ما كان من صدقتكَ للهِ، لن ينفعك مدح المادحين إن كانت صدقتك رياءً، ومن باب يا أيها الناس شاهدوني أنا محسن كريم!
وقبل أن تلبس ثياب إحرامك للحج أصلِحْ نيَّتك، فليس لكَ من أجر مالٍ ولا إحرام ولا طواف ولا سعي ولا رجم ولا هدي إلا بمقدار ما كان لله سبحانه من كل هذا، فإن كان حجَّكَ ليقولوا عنكَ ضيفُ الرحمن، أو لتكتبَ على لافتة دكانك الحاج فلان، أو لتنال مركزاً مرموقاً، فأنتَ قد تكلفتَ نفقةً، وكسبتَ مشقّةَ السَّفر، وليس لكَ من الأجر شيء!
النوايا مناط الأعمال، فمن نوى الخير وأحيل بينه وبين نيته أعطاه الله سبحانه أجره كاملاً كأنه فعل، ومن فعلَ الخيرَ فعلاً يريدُ به ثناء الناس، والشهرة كان عمله للناس، وأجره من الناس، والله غنيٌّ عنه وعن عبادته!
فأصلحوا نواياكم!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
إنه من أهل النار
كان في المدينة رجلٌ يُقال له قُزمان، إذا ذُكر للنبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: هو من أهل النار!
فلما كانت غزوة أُحدٍ خرج قُزمان في جيش المسلمين لقتال قُريش، فقاتلَ قتالاً شديداً، وقتلَ وحده ثمانية من المشركين، وأصابته جراحٌ بليغة، فحملوه بعد انتهاء المعركة إلى دار بني ظفر.
وقال له المسلمون يُصبرونه: واللهِ لقد أبليتَ يا قُزمان بلاءً حسناً، فأبشِرْ!
فقال: بماذا أَبشر؟ فواللهِ ما قاتلتُ إلا عن أحساب قومي، ولولا ذلك ما قاتلتُ!
ولما اشتدَّتْ عليه جراحه أخذ سهماً من كنانته فقتل به نفسه!
إنَّ اللهَ سبحانه لا يقبلُ من العملِ إلا ما كان خالصاً لوجه الكريم! ولو كان الله سبحانه يقبلُ العمل الصالح الذي يُبتغى به غيره، لقبلَ من قُزمان، معركة حامية الوطيس بين الإيمان والكفر، وهو في معسكر الإيمان، قاتل قتال الأبطال، وأثخن في قريش إثخان الفرسان، وهو أكثر من قتل منهم في ذلك اليوم، فلم تذكر كُتب السيرة أن أحداً من جيش المسلمين قتل ثمانية من جيش المشركين غير قُزمان! ولكن للأسف أن كل هذه الشجاعة والبسالة لم تكن للهِ، وإنما خرجَ حميَّةً، قومه من أهل المدينة من المسلمين قد خرجوا للحرب فخرجَ معهم، فأكبه اللهُ على وجهه في النار!
نحن البشر لا نرى من الأعمال إلا ما ظهر منها، وقد أُمرنا أن نحكم على الظواهر، ونترك النوايا لربِّ النوايا، فهو وحده المطلع على خفايا النفوس، إنه لا يرانا من أعلى، وإنما يرانا من الداخل!
قبل أن تحمل الصدقة لتضعها في يد فقير اصلِحْ نيَّتك، فليس لكَ من أجرٍ إلا بمقدار ما كان من صدقتكَ للهِ، لن ينفعك مدح المادحين إن كانت صدقتك رياءً، ومن باب يا أيها الناس شاهدوني أنا محسن كريم!
وقبل أن تلبس ثياب إحرامك للحج أصلِحْ نيَّتك، فليس لكَ من أجر مالٍ ولا إحرام ولا طواف ولا سعي ولا رجم ولا هدي إلا بمقدار ما كان لله سبحانه من كل هذا، فإن كان حجَّكَ ليقولوا عنكَ ضيفُ الرحمن، أو لتكتبَ على لافتة دكانك الحاج فلان، أو لتنال مركزاً مرموقاً، فأنتَ قد تكلفتَ نفقةً، وكسبتَ مشقّةَ السَّفر، وليس لكَ من الأجر شيء!
النوايا مناط الأعمال، فمن نوى الخير وأحيل بينه وبين نيته أعطاه الله سبحانه أجره كاملاً كأنه فعل، ومن فعلَ الخيرَ فعلاً يريدُ به ثناء الناس، والشهرة كان عمله للناس، وأجره من الناس، والله غنيٌّ عنه وعن عبادته!
فأصلحوا نواياكم!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
السلام عليك يا صاحبي ٧٢
السّلام عليكَ يا صاحبي،
تقول الأسطورة: أن راعياً كان يرعى خِرافه في الغابة،
وكان من عادته أن يضربَ في مزماره ألحاناً عذبة،
فحدث مرَّةً أن استعذبتْ حيَّةٌ ألحان مزماره،
فدخلتْ إلى جحرها وأخرجتْ ليرةً ذهبيةً وألقتها أمام الراعي!
أخذ الراعي الليرة الذهبية وعاد إلى بيته مسروراً،
وفي صبيحة اليوم التالي قصد المكان ذاته، وبدأ يضربُ في مزماره ألحانه العذبة،
فخرجت الحية ترقص وتتمايل طرباً،
ثم دخلتْ جحرها وأخرجتْ ليرةً ذهبيةً وألقتها بين يديه!
استمرَّ الحال على هذا المنوال، وبدأت أحوال الراعي تتحسن،
فقرر أن يذهبَ لأداء فريضة الحج،
وأوصى ابنه بالقطيع،
وأوصاه أيضاً أن يرعى حيث يشاء إلا في تلك البقعة دون أن يخبره عن السبب!
ساقَ الابن القطيع إلى المرعى ثم قال في نفسه:
ما نهاني أبي عن الرَّعي في تلك الناحية إلا لأمر ما،
ودفعه الفضول وحماس الشباب إلى اكتشاف المجهول،
ذهبَ بالقطيع إلى الناحية التي نهاه عنها أبوه،
وبدأ ينفخ في مزماره فخرجتْ الحية على عادتها ترقص وتتمايل،
ثم دخلتْ إلى جحرها وأخرجتْ ليرةً ذهبيةً وألقتها بين يديه!
أخذ الابن الليرة الذهبية وعاد إلى البيت وهو يقول في نفسه:
لا شكَّ أنَّ هذه الحيّة تُخفي كنزاً كبيراً، سأقتلها وآخذُ الكنز وحدي!
صبيحة اليوم التالي أخذ سيفه ومزماره عاقداً العزم على قتل الحية وأخذ الكنز!
بدأ يعزفُ ألحانه فخرجتْ الحية طَربةً كعادتها كل مرةٍ،
فاستلَّ سيفه وعاجلها بضربةٍ قطع لها ذيلها فلدغته فإذا هو جثة هامدة!
عاد الأب بعد أن أدى فريضة الحج فأخبروه كيف وجدوا ابنه صريعَ لدغةِ أفعى،
فعرفَ أنَّ هذا من صنيع الحية التي يعرفها،
فأضمرَ الشرَّ في نفسه، وعزمَ على الثأر!
ذهبَ إلى حيث اعتاد أن يرعى في الأيام الخوالي،
وبدأ يضربُ في مزماره ألحانه القديمة،
فخرجتْ الحية كما كانت تفعل،
ثم عادت بسرعةٍ ودخلتْ جحرها ، وأخرجتْ ليرةً ذهبيةً، وألقتها للراعي
وقالت له: خذها وامضِ، فأنتَ لن تنسى ابنكَ، وأنا لن أنسى ذيلي!
لا أحد ينسى جراحه يا صاحبي،
مهما مرَّت الأيام على الجرح،
وغطَّتها رمال الزمن إلا أنها تبقى تنِزُّ على الدوام!
الجارح سيبقى متخوّفاً من الانتقام،
والمجروح سيبقى متحيّناً فرصة للثأر!
أسوأ ما في الجراح ليس الألم المصاحب لها، وإن كان هذا موجعاً لا شك،
وإنما الأسوأ هو انكسار الثقة!
فلا المطعون سيثق مجدداً،
ولا الطاعن سيصدق أن الصفحة قد طُويت!
يا صاحبي،
بعض الجروح لا ينفع معها إلا أن تلملم خيبتك وتمضي!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السّلام عليكَ يا صاحبي،
تقول الأسطورة: أن راعياً كان يرعى خِرافه في الغابة،
وكان من عادته أن يضربَ في مزماره ألحاناً عذبة،
فحدث مرَّةً أن استعذبتْ حيَّةٌ ألحان مزماره،
فدخلتْ إلى جحرها وأخرجتْ ليرةً ذهبيةً وألقتها أمام الراعي!
أخذ الراعي الليرة الذهبية وعاد إلى بيته مسروراً،
وفي صبيحة اليوم التالي قصد المكان ذاته، وبدأ يضربُ في مزماره ألحانه العذبة،
فخرجت الحية ترقص وتتمايل طرباً،
ثم دخلتْ جحرها وأخرجتْ ليرةً ذهبيةً وألقتها بين يديه!
استمرَّ الحال على هذا المنوال، وبدأت أحوال الراعي تتحسن،
فقرر أن يذهبَ لأداء فريضة الحج،
وأوصى ابنه بالقطيع،
وأوصاه أيضاً أن يرعى حيث يشاء إلا في تلك البقعة دون أن يخبره عن السبب!
ساقَ الابن القطيع إلى المرعى ثم قال في نفسه:
ما نهاني أبي عن الرَّعي في تلك الناحية إلا لأمر ما،
ودفعه الفضول وحماس الشباب إلى اكتشاف المجهول،
ذهبَ بالقطيع إلى الناحية التي نهاه عنها أبوه،
وبدأ ينفخ في مزماره فخرجتْ الحية على عادتها ترقص وتتمايل،
ثم دخلتْ إلى جحرها وأخرجتْ ليرةً ذهبيةً وألقتها بين يديه!
أخذ الابن الليرة الذهبية وعاد إلى البيت وهو يقول في نفسه:
لا شكَّ أنَّ هذه الحيّة تُخفي كنزاً كبيراً، سأقتلها وآخذُ الكنز وحدي!
صبيحة اليوم التالي أخذ سيفه ومزماره عاقداً العزم على قتل الحية وأخذ الكنز!
بدأ يعزفُ ألحانه فخرجتْ الحية طَربةً كعادتها كل مرةٍ،
فاستلَّ سيفه وعاجلها بضربةٍ قطع لها ذيلها فلدغته فإذا هو جثة هامدة!
عاد الأب بعد أن أدى فريضة الحج فأخبروه كيف وجدوا ابنه صريعَ لدغةِ أفعى،
فعرفَ أنَّ هذا من صنيع الحية التي يعرفها،
فأضمرَ الشرَّ في نفسه، وعزمَ على الثأر!
ذهبَ إلى حيث اعتاد أن يرعى في الأيام الخوالي،
وبدأ يضربُ في مزماره ألحانه القديمة،
فخرجتْ الحية كما كانت تفعل،
ثم عادت بسرعةٍ ودخلتْ جحرها ، وأخرجتْ ليرةً ذهبيةً، وألقتها للراعي
وقالت له: خذها وامضِ، فأنتَ لن تنسى ابنكَ، وأنا لن أنسى ذيلي!
لا أحد ينسى جراحه يا صاحبي،
مهما مرَّت الأيام على الجرح،
وغطَّتها رمال الزمن إلا أنها تبقى تنِزُّ على الدوام!
الجارح سيبقى متخوّفاً من الانتقام،
والمجروح سيبقى متحيّناً فرصة للثأر!
أسوأ ما في الجراح ليس الألم المصاحب لها، وإن كان هذا موجعاً لا شك،
وإنما الأسوأ هو انكسار الثقة!
فلا المطعون سيثق مجدداً،
ولا الطاعن سيصدق أن الصفحة قد طُويت!
يا صاحبي،
بعض الجروح لا ينفع معها إلا أن تلملم خيبتك وتمضي!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السلام عليك يا صاحبي ٧٣
السّلام عليك يا صاحبي،
منذ فترةٍ شاهدتُ فيلماً راق لي كثيراً،
فيه رسالة عميقة جداً، والتِفَاتَة تُحسب لكاتبه،
اسم الفيلم "shutter" ويحكي قصة شخصٍ يشعرُ بآلامٍ شديدة أسفل ظهره،
أجرى فحوصاتٍ كثيرة،
وعرض نفسه على أطباء،
ولكن دون جدوى،
فلم يستطع أحدٌ أن يُشخِّص له سبب هذه الأوجاع!
وفي أحد الأيام التقط صورةً لنفسه،
وكم كانت دهشته عظيمة عندما شاهد في الصورة امرأةً تجلسُ على كتفيه!
حاول أن يتذكر: من يا تُرى تكون هذه المرأة؟
فاكتشف أنها تلك المرأة التي صدمها ذات ليلةٍ بسيارته فماتت،
فولّى مدبراً دون أن يحملها إلى المستشفى أو يُبلغ الشرطة!
الفيلم قائم على فكرة خرافية وهي أن أرواح المظلومين تبقى تُلاحق ظالميها،
صحيح أننا نؤمن أن الأرواح بعد الموت إما في نعيم وإما في عذاب،
ولكن ما أعجبني في الفيلم هي فكرة أن الأشياء السيئة التي يفعلها المرءُ ستبقى تلاحقه!
وهذه فكرة ليست بعيدة عن الدين إطلاقاً!
نحن نؤمن أن الظالم سينال عقابه نهاية المطاف،
وأن المحسن سينال جزاء إحسانه،
وإن لم يكن في الدنيا، فهناك آخرة!
غير أنه من عدل الله في الدنيا،
أنَّ بعض الأفعال يُعجِّل الله عقابها أو جزاءها في الدنيا!
خُذ عندك البرَّ والعقوق مثلاً،
هذه قلما تتأجل إلى يوم القيامة..
فالولد العاق يُبتلى بالأولاد العاقين غالباً،
والابن البار يُكافأ بالأولاد البارين،
أيضاً قلما تنفضُّ الدنيا ولم ينتقم اللهُ من ظالمٍ،
وإن أخَّره إلى يوم القيامة فلحكمةٍ منه سبحانه!
يا صاحبي،
هذه الدنيا دولاب لا يكُفَّ عن الدوران،
وكل ساقٍ سيُسقى بما سقى،
فأحسِنْ سُقيا غيركَ،
لأنك ستشربُ من نفس الكأس الذي سقيته إياه!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السّلام عليك يا صاحبي،
منذ فترةٍ شاهدتُ فيلماً راق لي كثيراً،
فيه رسالة عميقة جداً، والتِفَاتَة تُحسب لكاتبه،
اسم الفيلم "shutter" ويحكي قصة شخصٍ يشعرُ بآلامٍ شديدة أسفل ظهره،
أجرى فحوصاتٍ كثيرة،
وعرض نفسه على أطباء،
ولكن دون جدوى،
فلم يستطع أحدٌ أن يُشخِّص له سبب هذه الأوجاع!
وفي أحد الأيام التقط صورةً لنفسه،
وكم كانت دهشته عظيمة عندما شاهد في الصورة امرأةً تجلسُ على كتفيه!
حاول أن يتذكر: من يا تُرى تكون هذه المرأة؟
فاكتشف أنها تلك المرأة التي صدمها ذات ليلةٍ بسيارته فماتت،
فولّى مدبراً دون أن يحملها إلى المستشفى أو يُبلغ الشرطة!
الفيلم قائم على فكرة خرافية وهي أن أرواح المظلومين تبقى تُلاحق ظالميها،
صحيح أننا نؤمن أن الأرواح بعد الموت إما في نعيم وإما في عذاب،
ولكن ما أعجبني في الفيلم هي فكرة أن الأشياء السيئة التي يفعلها المرءُ ستبقى تلاحقه!
وهذه فكرة ليست بعيدة عن الدين إطلاقاً!
نحن نؤمن أن الظالم سينال عقابه نهاية المطاف،
وأن المحسن سينال جزاء إحسانه،
وإن لم يكن في الدنيا، فهناك آخرة!
غير أنه من عدل الله في الدنيا،
أنَّ بعض الأفعال يُعجِّل الله عقابها أو جزاءها في الدنيا!
خُذ عندك البرَّ والعقوق مثلاً،
هذه قلما تتأجل إلى يوم القيامة..
فالولد العاق يُبتلى بالأولاد العاقين غالباً،
والابن البار يُكافأ بالأولاد البارين،
أيضاً قلما تنفضُّ الدنيا ولم ينتقم اللهُ من ظالمٍ،
وإن أخَّره إلى يوم القيامة فلحكمةٍ منه سبحانه!
يا صاحبي،
هذه الدنيا دولاب لا يكُفَّ عن الدوران،
وكل ساقٍ سيُسقى بما سقى،
فأحسِنْ سُقيا غيركَ،
لأنك ستشربُ من نفس الكأس الذي سقيته إياه!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السلام عليك يا صاحبي ٧٢
السّلام عليكَ يا صاحبي،
قال ميمون بن مهران لصديقه:
إني أتصدَّقُ فأجدُ مالي يزداد،
فتصدَّقَ صاحبه، ثم قال:
تصدَّقتُ فوجدتُ مالي ينقصُ!
فقال له ميمون: أنا أعامل الله بيقين وأنتَ تُجرِّبه!
يا صاحبي،
أول خطوات إجابة الدعاء،
أن يستقرَّ في قلبكَ أنه سيستجيب!
وأول خطوات الشفاء،
أن يستقرَّ في قلبكَ أنه سيشفيكَ!
وأول خطوات المغفرة،
أن يستقرَّ في قلبكَ أنه سيغفرُ لكَ!
لا شيء أسرعُ للإجابة من أن ينظرَ اللهُ في قلب عبده،
فيرى أنه قد عقدَ كل الأمل على ربه!
أما دُعاء المُجرِّب فهذه عبادة التجار:
أضعُ مالاً في صفقةٍ وأراقب السوق،
فإن ربحتُ فقد أحسنتُ الاستثمار،
وإن خسرتُ فالأسباب لم تكُنْ مؤاتية!
يا صاحبي إنَّ الله لا يُعبدُ على حَرْفٍ:
إن أعطى قلنا هو قادر،
وإن منعَ تزعزع الإيمان واهتزَّ اليقين!
تعلمْ اليقين من الأوائل!
اُنظُرْ إلى أم موسى كيف ألقته في اليم وكلها ثقة أن الله سبحانه سيعيده إليها،
لقد صدَّقتْ الله وكذَّبتْ كلَّ شيءٍ!
لم تقُلْ: كيف لرضيعٍ أن ينجو في صندوق تتقاذفه المياه من كل جانب؟!
ولم تقُلْ: كيف أرسله إلى فرعون بيديَّ وهو الذي كان يبحثُ عنه ليذبحه؟!
كان يكفيها أن تسمع وعد ربها: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾
حتى تلقيه في النهر دون أن ترتجفَ يدها!
اُنظُرْ إلى هاجر وقد جاء بها إبراهيم عليه السّلام وبرضيعها إلى صحراء مقفرة،
لا ماء فيها ولا شجر ولا أنيس ولا جليس،
أعطاها قربة ماءٍ وجُراباً فيه تمر،
ودار ظهره ومضى!
فما زادت إلا أن قالتْ له: آلله أمركَ بهذا؟
فقال: نعم
فقالت له: اِذهبْ فلن يُضيعنا الله!
وعندما نفد منها الماء وجعلت تهرول بين الصفا والمروة،
كانت كل غايتها أن تحصل على شربة ماء!
ففجَّر اللهُ زمزم بين رجلي ابنها،
يقين هاجر ردّه الله إليها بماء زمزم،
يا صاحبي إنَّ الله لا يُضيِّعُ أهله!
والسّلام لقلبكَ!
أدهم شرقاوي
السّلام عليكَ يا صاحبي،
قال ميمون بن مهران لصديقه:
إني أتصدَّقُ فأجدُ مالي يزداد،
فتصدَّقَ صاحبه، ثم قال:
تصدَّقتُ فوجدتُ مالي ينقصُ!
فقال له ميمون: أنا أعامل الله بيقين وأنتَ تُجرِّبه!
يا صاحبي،
أول خطوات إجابة الدعاء،
أن يستقرَّ في قلبكَ أنه سيستجيب!
وأول خطوات الشفاء،
أن يستقرَّ في قلبكَ أنه سيشفيكَ!
وأول خطوات المغفرة،
أن يستقرَّ في قلبكَ أنه سيغفرُ لكَ!
لا شيء أسرعُ للإجابة من أن ينظرَ اللهُ في قلب عبده،
فيرى أنه قد عقدَ كل الأمل على ربه!
أما دُعاء المُجرِّب فهذه عبادة التجار:
أضعُ مالاً في صفقةٍ وأراقب السوق،
فإن ربحتُ فقد أحسنتُ الاستثمار،
وإن خسرتُ فالأسباب لم تكُنْ مؤاتية!
يا صاحبي إنَّ الله لا يُعبدُ على حَرْفٍ:
إن أعطى قلنا هو قادر،
وإن منعَ تزعزع الإيمان واهتزَّ اليقين!
تعلمْ اليقين من الأوائل!
اُنظُرْ إلى أم موسى كيف ألقته في اليم وكلها ثقة أن الله سبحانه سيعيده إليها،
لقد صدَّقتْ الله وكذَّبتْ كلَّ شيءٍ!
لم تقُلْ: كيف لرضيعٍ أن ينجو في صندوق تتقاذفه المياه من كل جانب؟!
ولم تقُلْ: كيف أرسله إلى فرعون بيديَّ وهو الذي كان يبحثُ عنه ليذبحه؟!
كان يكفيها أن تسمع وعد ربها: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾
حتى تلقيه في النهر دون أن ترتجفَ يدها!
اُنظُرْ إلى هاجر وقد جاء بها إبراهيم عليه السّلام وبرضيعها إلى صحراء مقفرة،
لا ماء فيها ولا شجر ولا أنيس ولا جليس،
أعطاها قربة ماءٍ وجُراباً فيه تمر،
ودار ظهره ومضى!
فما زادت إلا أن قالتْ له: آلله أمركَ بهذا؟
فقال: نعم
فقالت له: اِذهبْ فلن يُضيعنا الله!
وعندما نفد منها الماء وجعلت تهرول بين الصفا والمروة،
كانت كل غايتها أن تحصل على شربة ماء!
ففجَّر اللهُ زمزم بين رجلي ابنها،
يقين هاجر ردّه الله إليها بماء زمزم،
يا صاحبي إنَّ الله لا يُضيِّعُ أهله!
والسّلام لقلبكَ!
أدهم شرقاوي
على خُطى الرَّسول ﷺ ١١٨
إنَّ الرّفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه
كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم هيِّناً، ليِّناً، سَمْحاً، قريباً من الناس، وعندما سُئلتْ عائشة عن خُلقِه، قالتْ: كان خُلقُه القرآن!
وقال مرةً لأصحابه محدِّثاً إيِّاهم عن أهمية الرِّفق، ولين الجانب: إنَّ الرِّفقَ لا يكون في شيءٍ
إلا زانه، ولا يُنزعُ من شيءٍ إلا شانه!
على أنَّ الرِّفقَ له مواضع، والحزمُ له مواضع، ووضع الرِّفق في موقف الحزم حمق، تماماً كوضع الحزمِ في موقف الرِّفق!
عندما أراد أبو بكر الصديق أن يوصيَ بالخلافة لعمر بن الخطاب من بعده، اعترضَ بعضُ الصحابة على هذا القرار، وصارحوا أبا بكر في السبب فقالوا: إنَّ عمر كان يشتدُّ علينا وأنتَ الخليفة وهو الوزير، فكيف يصنعُ وقد صار الخليفة؟!
فقال لهم أبو بكر قوله السياسي المحنك العالم بالنفوس: إنَّ عُمرَ كان يشتدُّ لما يرى من رفقي، فكان يُقوّمَ رفقي بشدته، وإنه إذا صار الأمرُ إليه ليكونَنَّ على غير ما عهدتموه!
وصدقتْ فراسة أبي بكر، فإنَّ عمر بن الخطاب كان حازماً دون أن يفقد رقَّته، وكان رقيقاً دون أن يفقد حزمه، وهنا كان سر عظمته!
يقول زياد بن أبيه: ما غلبني معاوية في شيءٍ إلا مرةٍ واحدة، استعملتُ رجلاً فكسرَ متاعي، فخشيَ أن أعاقبه، ففرَّ مني إلى معاوية فكتبتُ إليه: إنَّ في هذا أدب سوء لمن استعملته! يريدُ أن يقول لمعاوية أنك بحمايتك هذا الذي أخلَّ بواجبه وفرَّ إليكَ تشجيعاً له!
فكتبَ معاوية إليَّ: إنه لا ينبغي أن نسوس الناس سياسة واحدة، أن نلينَ جميعاً فيمرحُ الناس في المعصية، ولا نشتدُّ جميعاً فنحملُ الناس على المهالك، ولكن تكون أنتَ للشِّدة والفظاظة، وأكون أنا للين والألفة!
درس عظيم ليس في سياسة الدولة فقط، وإنما في سياسة البيوت أيضاً! فإذا اشتدَّ الأبوان أوشكا أن يكسرا الأولاد، ويصبح البيت كثكنة عسكرية! وإذا لانا معاً أوشكا أن يُضيعا الأولاد، ولا بد من بعض الحزم لضمان التربية!
لهذا عليهما أن يتناوبا في الحزم واللين، فإذا اشتدَّ الأبُ في موقف كانت الأم صدراً حنوناً، تسمع لهم، وتخبرهم بهدوء بخطئهم، وتسعى لإصلاح الأمر، وتدبر اعتذار الأولاد من الأب وعودة المياه إلى مجاريها! وإذا اشتدَّت الأم في موقف وجبَ على الأب أن يلين، لأننا نريدُ تربية الأولاد لا كسرهم، وتقويمهم لا هزمهم!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
إنَّ الرّفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه
كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم هيِّناً، ليِّناً، سَمْحاً، قريباً من الناس، وعندما سُئلتْ عائشة عن خُلقِه، قالتْ: كان خُلقُه القرآن!
وقال مرةً لأصحابه محدِّثاً إيِّاهم عن أهمية الرِّفق، ولين الجانب: إنَّ الرِّفقَ لا يكون في شيءٍ
إلا زانه، ولا يُنزعُ من شيءٍ إلا شانه!
على أنَّ الرِّفقَ له مواضع، والحزمُ له مواضع، ووضع الرِّفق في موقف الحزم حمق، تماماً كوضع الحزمِ في موقف الرِّفق!
عندما أراد أبو بكر الصديق أن يوصيَ بالخلافة لعمر بن الخطاب من بعده، اعترضَ بعضُ الصحابة على هذا القرار، وصارحوا أبا بكر في السبب فقالوا: إنَّ عمر كان يشتدُّ علينا وأنتَ الخليفة وهو الوزير، فكيف يصنعُ وقد صار الخليفة؟!
فقال لهم أبو بكر قوله السياسي المحنك العالم بالنفوس: إنَّ عُمرَ كان يشتدُّ لما يرى من رفقي، فكان يُقوّمَ رفقي بشدته، وإنه إذا صار الأمرُ إليه ليكونَنَّ على غير ما عهدتموه!
وصدقتْ فراسة أبي بكر، فإنَّ عمر بن الخطاب كان حازماً دون أن يفقد رقَّته، وكان رقيقاً دون أن يفقد حزمه، وهنا كان سر عظمته!
يقول زياد بن أبيه: ما غلبني معاوية في شيءٍ إلا مرةٍ واحدة، استعملتُ رجلاً فكسرَ متاعي، فخشيَ أن أعاقبه، ففرَّ مني إلى معاوية فكتبتُ إليه: إنَّ في هذا أدب سوء لمن استعملته! يريدُ أن يقول لمعاوية أنك بحمايتك هذا الذي أخلَّ بواجبه وفرَّ إليكَ تشجيعاً له!
فكتبَ معاوية إليَّ: إنه لا ينبغي أن نسوس الناس سياسة واحدة، أن نلينَ جميعاً فيمرحُ الناس في المعصية، ولا نشتدُّ جميعاً فنحملُ الناس على المهالك، ولكن تكون أنتَ للشِّدة والفظاظة، وأكون أنا للين والألفة!
درس عظيم ليس في سياسة الدولة فقط، وإنما في سياسة البيوت أيضاً! فإذا اشتدَّ الأبوان أوشكا أن يكسرا الأولاد، ويصبح البيت كثكنة عسكرية! وإذا لانا معاً أوشكا أن يُضيعا الأولاد، ولا بد من بعض الحزم لضمان التربية!
لهذا عليهما أن يتناوبا في الحزم واللين، فإذا اشتدَّ الأبُ في موقف كانت الأم صدراً حنوناً، تسمع لهم، وتخبرهم بهدوء بخطئهم، وتسعى لإصلاح الأمر، وتدبر اعتذار الأولاد من الأب وعودة المياه إلى مجاريها! وإذا اشتدَّت الأم في موقف وجبَ على الأب أن يلين، لأننا نريدُ تربية الأولاد لا كسرهم، وتقويمهم لا هزمهم!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
السلام عليك يا صاحبي ٧٤
السّلام عليك يا صاحبي،
كنتُ أقرأ البارحة في سيرة حياة صديقي الدكتور مصطفى محمود،
وسبق أن أخبرتك أنه ليس بالضرورة أن تلتقي بإنسان ليكون صديقك،
ثمة أشخاص تعرفُ أنك لو التقيتهم لكنتم أصدقاء!
كان مصطفى محمود يُحبُّ التشريح كثيراً ،
لدرجة أنه في سنته الجامعية الأولى في كلية الطب،
اشترى نصف جثة ووضعها بالفورمالين تحت سريره،
ولم يكن يعرف أن الفورمالين الذي يُحفظُ به الجثث من التعفن،
له رائحة نفَّاذة يؤدي تنشقه فترةً طويلة إلى تلفٍ في الرئتين!
وبعد مضي ثلاث سنوات تضررت رئتاه كثيراً،
وتم عزله في غرفة صغيرةٍ لثلاث سنواتٍ أيضاً،
لم يكن يستطيع فيها أن يذهب إلى الجامعة حتى تخرج زملاؤه،
وبقي هو حبيس غرفته!
اعتقد مصطفى محمود أنه منحوس إذ فاته التخرج،
وكان ممنوعاً من عمل شيءٍ سوى القراءة،
فقرأ في هذه الفترة ما يزيد على أربعة آلاف كتاب!
وبعد انقضاء هذه المِحنة، وزوال هذه الغُمَّة،
اكتشفَ أن هذه السنوات كانت أجمل ما حدثَ له،
كانت هي التي صنعته بأمر ربه!
يا صاحبي،
إن اللهَ يسوق لنا لطفه أحياناً على طبقٍ من الابتلاء!
لولا هذه العزلة لربما تخرج مصطفى محمود طبيباً عادياً،
ومات دون أن يدري به أحد،
ولكنَّ الله أراد أن يصنعَ صاحب برنامج العلم والإيمان على عينه!
يا صاحبي،
لولا السجن ما صار يوسف عليه السّلام عزيز مصر!
ولولا امتحان الذّبح ما صار إبراهيم عليه السّلام خليل الله!
ولولا امتحان الانجاب دون زوج ما كانت الصِّدِّيقة مريم تُقرأ قصتها في المصحف!
فسبحان من يبتليكَ ليُرقيكَ!
يا صاحبي،
ثِقْ بتدبير الله!
قتلُ الغلام كان قمة اللطف لأن الله سبحانه يبتلي بالصغيرة ليُنجي من الكبيرة،
ربما وأنتَ تقرأ في سيرة النبيِّﷺ اعتصرَ قلبُكَ ألماً عليه،
وهو على مشارف مكة يودعها والدموع في عينيه ليلة الهجرة،
ولكن لولا الهجرة ما كان ليكون للإسلام دولة،
ولولا دموع الفراق ما كانت عِزّة الفتح!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السّلام عليك يا صاحبي،
كنتُ أقرأ البارحة في سيرة حياة صديقي الدكتور مصطفى محمود،
وسبق أن أخبرتك أنه ليس بالضرورة أن تلتقي بإنسان ليكون صديقك،
ثمة أشخاص تعرفُ أنك لو التقيتهم لكنتم أصدقاء!
كان مصطفى محمود يُحبُّ التشريح كثيراً ،
لدرجة أنه في سنته الجامعية الأولى في كلية الطب،
اشترى نصف جثة ووضعها بالفورمالين تحت سريره،
ولم يكن يعرف أن الفورمالين الذي يُحفظُ به الجثث من التعفن،
له رائحة نفَّاذة يؤدي تنشقه فترةً طويلة إلى تلفٍ في الرئتين!
وبعد مضي ثلاث سنوات تضررت رئتاه كثيراً،
وتم عزله في غرفة صغيرةٍ لثلاث سنواتٍ أيضاً،
لم يكن يستطيع فيها أن يذهب إلى الجامعة حتى تخرج زملاؤه،
وبقي هو حبيس غرفته!
اعتقد مصطفى محمود أنه منحوس إذ فاته التخرج،
وكان ممنوعاً من عمل شيءٍ سوى القراءة،
فقرأ في هذه الفترة ما يزيد على أربعة آلاف كتاب!
وبعد انقضاء هذه المِحنة، وزوال هذه الغُمَّة،
اكتشفَ أن هذه السنوات كانت أجمل ما حدثَ له،
كانت هي التي صنعته بأمر ربه!
يا صاحبي،
إن اللهَ يسوق لنا لطفه أحياناً على طبقٍ من الابتلاء!
لولا هذه العزلة لربما تخرج مصطفى محمود طبيباً عادياً،
ومات دون أن يدري به أحد،
ولكنَّ الله أراد أن يصنعَ صاحب برنامج العلم والإيمان على عينه!
يا صاحبي،
لولا السجن ما صار يوسف عليه السّلام عزيز مصر!
ولولا امتحان الذّبح ما صار إبراهيم عليه السّلام خليل الله!
ولولا امتحان الانجاب دون زوج ما كانت الصِّدِّيقة مريم تُقرأ قصتها في المصحف!
فسبحان من يبتليكَ ليُرقيكَ!
يا صاحبي،
ثِقْ بتدبير الله!
قتلُ الغلام كان قمة اللطف لأن الله سبحانه يبتلي بالصغيرة ليُنجي من الكبيرة،
ربما وأنتَ تقرأ في سيرة النبيِّﷺ اعتصرَ قلبُكَ ألماً عليه،
وهو على مشارف مكة يودعها والدموع في عينيه ليلة الهجرة،
ولكن لولا الهجرة ما كان ليكون للإسلام دولة،
ولولا دموع الفراق ما كانت عِزّة الفتح!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
تعالي أكذبُ عليك
أنا بعدكِ بخير
لم يتحول قلبي إلى مضخة تافهة لأنكِ غادرته
ووجهكِ لم يعد قِبلته وصار بإمكانه أن يتجه حيث شاء
دمي بخير مذ كفّ عن حملكِ والجريان بك في كل أنحاء جسدي
شرايني لا تسأل عنكِ حين يعبرها دمي ولستِ فيه
وخلاياي لم تقل لدمي : لستُ بحاجة لأوكسجينكَ هذا ... آتِني بها لأتنفس
الشهيق بعدكِ ليس محاولة غبية للاستمرار على قيد الحياة
والزفير ليس حاراً كما تعتقدين فلم يحرقني جمر رحيلكِ
.
.
أنا بعدكِ بخير
أستطيع أن أعدّ إلى العشرة دون أن أستعين بأصابعكِ
وأستطيع أن أعدّ إلى المئة دون أن أستعين برمشيك ِ
وأستطيع أن أعدّ إلى الألف دون أن أستعين بشعرك ِ!
وأستطيع أن أعدّ إلى المليون دون أن أغشّ عن نبضات قلبك ِ
كما ترين أنا أتدبر أموري دونكِ
.
.
أنا بعدكِ بخير
أُميّز بين النهار والليل فليست حياتي كلها ليل دونكِ
الأمر يسير وليس كما كنتُ أظن
النهار ليس حين يُشرق وجهكِ وإن أشرق منتصف الليل
والليل ليس حين تودعيني وإن ودعتِني عند الظهيرة
عادت أوقاتي إلى رشدها
الدقيقة معكِ كالدقيقةِ دونكِ
الدقيقة معكِ ستون ثانية والدقيقة دونكِ ليست ستين وجعاً
الساعاتُ لا تحتاجكِ معي لتمضي بسرعة
.
.
أنا بعدكِ بخير
فصولي أربعة
خريفي أسقط كل أوراقي فلا تحسبي أن ما عرّاني هو غيابك
وشتائي لا يحتاجكِ ليصير صيفاً في ثانية !
وربيعي ليس ضحتكِ
وفي الصيف أتدبر أمر سنابلي وحدي دون الحاجة لتحصدني نظراتك ِ
.
.
أنا بعدكِ بخير
قهوتي مُرّة ويمكن الاستعاضة عنكِ وتحليتها بشيء من السّكر
الجروح في يدي تشفى دون أن تمرري أصابعكِ عليها
وقطعة الشوكولا حلوة وإن لم تلمس شفتيكِ كما اعتدتُ أن آكلها بعد أن تأخذي منها القضمة الأولى
حتى ساعتي انضبطت على فراقكِ فلم تعد تُقدّم ولا تُؤخر فكما تعلمين كان كل شيء بي يسكر من رائحتك ِ
.
.
أنا لا أفتقدكِ
لا أحتاج أن يخرج اسمي من فمكِ لأقتنع أنه يخصّني
ولا أحتاج يدكِ في يدي لأقتنع أنها لي
ولا أحتاج أن أقول لكِ أحبكِ لأقتنع أني لستُ أبكماً
ولا أحتاج أن أكتب اسمكِ في مطلع الرسائل لأقتنع أني لستُ أمياً
.
.
أنا لا أشتاقكِ
لا أشتاق لأن تمسكي يدي في الطريق وتقوديني كالضريرِ حيثُ شئتِ
لا أشتاق لتعقدي لي أزرار قميصي
لا أشتاق لصوتكِ
لا أشتاق للغمازة على خدكِ
لا أشتاق لعطرك
لا أشتاق لأصابعك ترسم حدود وجهي وتعلنني دولة مستقلة عاصمتها أنتِ
.
.
الحمقى الذين جاؤوا قالوا قبلنا : " يخلق من الشبه أربعين "
وأنا أسامحهم بتسع وثلاثين امرأة يشبهنَكِ
وابحث عن امرأة واحدة تشبهكِ لأقنع نفسي أن جنوني بكِ ليس مبرراً
أطوف الأرض بحثاً عن نسخة ثانية لكِ ولو كانت مُقلدة فلا أجد
.
.
تعالي أصدُقكِ القول
أنا حين أقول لا أحبك ِ... فإني أحبكِ
وحين أقول لا أشتاقك ِ... فإني أشتاقكِِ
وحين أقول لا أفتقدك ِ... فإني أفتقدكِ
أدهم شرقاوي
أنا بعدكِ بخير
لم يتحول قلبي إلى مضخة تافهة لأنكِ غادرته
ووجهكِ لم يعد قِبلته وصار بإمكانه أن يتجه حيث شاء
دمي بخير مذ كفّ عن حملكِ والجريان بك في كل أنحاء جسدي
شرايني لا تسأل عنكِ حين يعبرها دمي ولستِ فيه
وخلاياي لم تقل لدمي : لستُ بحاجة لأوكسجينكَ هذا ... آتِني بها لأتنفس
الشهيق بعدكِ ليس محاولة غبية للاستمرار على قيد الحياة
والزفير ليس حاراً كما تعتقدين فلم يحرقني جمر رحيلكِ
.
.
أنا بعدكِ بخير
أستطيع أن أعدّ إلى العشرة دون أن أستعين بأصابعكِ
وأستطيع أن أعدّ إلى المئة دون أن أستعين برمشيك ِ
وأستطيع أن أعدّ إلى الألف دون أن أستعين بشعرك ِ!
وأستطيع أن أعدّ إلى المليون دون أن أغشّ عن نبضات قلبك ِ
كما ترين أنا أتدبر أموري دونكِ
.
.
أنا بعدكِ بخير
أُميّز بين النهار والليل فليست حياتي كلها ليل دونكِ
الأمر يسير وليس كما كنتُ أظن
النهار ليس حين يُشرق وجهكِ وإن أشرق منتصف الليل
والليل ليس حين تودعيني وإن ودعتِني عند الظهيرة
عادت أوقاتي إلى رشدها
الدقيقة معكِ كالدقيقةِ دونكِ
الدقيقة معكِ ستون ثانية والدقيقة دونكِ ليست ستين وجعاً
الساعاتُ لا تحتاجكِ معي لتمضي بسرعة
.
.
أنا بعدكِ بخير
فصولي أربعة
خريفي أسقط كل أوراقي فلا تحسبي أن ما عرّاني هو غيابك
وشتائي لا يحتاجكِ ليصير صيفاً في ثانية !
وربيعي ليس ضحتكِ
وفي الصيف أتدبر أمر سنابلي وحدي دون الحاجة لتحصدني نظراتك ِ
.
.
أنا بعدكِ بخير
قهوتي مُرّة ويمكن الاستعاضة عنكِ وتحليتها بشيء من السّكر
الجروح في يدي تشفى دون أن تمرري أصابعكِ عليها
وقطعة الشوكولا حلوة وإن لم تلمس شفتيكِ كما اعتدتُ أن آكلها بعد أن تأخذي منها القضمة الأولى
حتى ساعتي انضبطت على فراقكِ فلم تعد تُقدّم ولا تُؤخر فكما تعلمين كان كل شيء بي يسكر من رائحتك ِ
.
.
أنا لا أفتقدكِ
لا أحتاج أن يخرج اسمي من فمكِ لأقتنع أنه يخصّني
ولا أحتاج يدكِ في يدي لأقتنع أنها لي
ولا أحتاج أن أقول لكِ أحبكِ لأقتنع أني لستُ أبكماً
ولا أحتاج أن أكتب اسمكِ في مطلع الرسائل لأقتنع أني لستُ أمياً
.
.
أنا لا أشتاقكِ
لا أشتاق لأن تمسكي يدي في الطريق وتقوديني كالضريرِ حيثُ شئتِ
لا أشتاق لتعقدي لي أزرار قميصي
لا أشتاق لصوتكِ
لا أشتاق للغمازة على خدكِ
لا أشتاق لعطرك
لا أشتاق لأصابعك ترسم حدود وجهي وتعلنني دولة مستقلة عاصمتها أنتِ
.
.
الحمقى الذين جاؤوا قالوا قبلنا : " يخلق من الشبه أربعين "
وأنا أسامحهم بتسع وثلاثين امرأة يشبهنَكِ
وابحث عن امرأة واحدة تشبهكِ لأقنع نفسي أن جنوني بكِ ليس مبرراً
أطوف الأرض بحثاً عن نسخة ثانية لكِ ولو كانت مُقلدة فلا أجد
.
.
تعالي أصدُقكِ القول
أنا حين أقول لا أحبك ِ... فإني أحبكِ
وحين أقول لا أشتاقك ِ... فإني أشتاقكِِ
وحين أقول لا أفتقدك ِ... فإني أفتقدكِ
أدهم شرقاوي
السّلام عليك يا صاحبي ٧٥
دخلَ التابعي الجليل عبد الله بن محيريز دكاناً يريدُ أن يشتري ثوباً،
فقال رجل قد عرفه لصاحب الدكان:
هذا ابن محيريز فقيهنا وعابدنا، فأحسِنْ بيعه!
فغضِبَ ابن محيريز، وألقى الثوب من يده وقال:
إنما نشتري بأموالنا ولا نشتري بديننا!
ويقول ابن كثير: كان أبو عبد الله الأصبهاني
لا يشتري خبزه من خبَّازٍ واحد، ولا بَقله من بقَّالٍ واحدٍ،
وكان لا يشتري إلا ممن لا يعرفه!
وكان يقول: أخشى أن يُحابوني فأكون ممن يعيشُ بدينه!
يا صاحبي،
إن أسوأ لقمةٍ يأكلها الإنسان هي تلكَ التي يبيعُ فيها دينه!
وما أكثر الآكلين بدينهم!
كم من بيتٍ فخمٍ كان ثمنه عقيدة كاملة،
وكم من سيارةٍ فارهة كان ثمنها فتوى تمَّ لَيُّ عُنقِ النصوص لأجلها،
ورحم الله الشافعي إذ كان يقول:
أن أترزَّقَ بالرقص خيرٌ لي من أن أترزَّق بالدين!
يا صاحبي،
لا تنظُر إلى دموع واعظ،
قبل أن تنظر إلى موقعه من الحق والباطل!
ولا تخدعنكَ فصاحة خطيب عن الزهد،
قبل أن ترى حاله!
صحيح أنه علينا أن نأخذ بالقول الصادق وإن أتى من كاذبٍ،
ولكن هذا لا يعني أن يكون المرءُ خِباً يسهلُ خداعه!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
دخلَ التابعي الجليل عبد الله بن محيريز دكاناً يريدُ أن يشتري ثوباً،
فقال رجل قد عرفه لصاحب الدكان:
هذا ابن محيريز فقيهنا وعابدنا، فأحسِنْ بيعه!
فغضِبَ ابن محيريز، وألقى الثوب من يده وقال:
إنما نشتري بأموالنا ولا نشتري بديننا!
ويقول ابن كثير: كان أبو عبد الله الأصبهاني
لا يشتري خبزه من خبَّازٍ واحد، ولا بَقله من بقَّالٍ واحدٍ،
وكان لا يشتري إلا ممن لا يعرفه!
وكان يقول: أخشى أن يُحابوني فأكون ممن يعيشُ بدينه!
يا صاحبي،
إن أسوأ لقمةٍ يأكلها الإنسان هي تلكَ التي يبيعُ فيها دينه!
وما أكثر الآكلين بدينهم!
كم من بيتٍ فخمٍ كان ثمنه عقيدة كاملة،
وكم من سيارةٍ فارهة كان ثمنها فتوى تمَّ لَيُّ عُنقِ النصوص لأجلها،
ورحم الله الشافعي إذ كان يقول:
أن أترزَّقَ بالرقص خيرٌ لي من أن أترزَّق بالدين!
يا صاحبي،
لا تنظُر إلى دموع واعظ،
قبل أن تنظر إلى موقعه من الحق والباطل!
ولا تخدعنكَ فصاحة خطيب عن الزهد،
قبل أن ترى حاله!
صحيح أنه علينا أن نأخذ بالقول الصادق وإن أتى من كاذبٍ،
ولكن هذا لا يعني أن يكون المرءُ خِباً يسهلُ خداعه!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
على خُطى الرَّسول ﷺ ١١٩
إياكم والظَّن
كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعلمُ أن المرءَ لا يُؤتي إلا من قِبَلِ قلبه، لهذا حرصَ على تنقية قلوب المسلمين، فقال يوماً لأصحابه: "إياكم والظنَّ، فإنَّ الظنَّ أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد اللهِ إخواناً"!
وكثيراً ما كان إبن القيم يذكُر قول أبي بكر بن عيَّاش: ما سبقكم أبو بكر وعمر بكثرة صيامٍ ولا صلاة، ولكن بشيءٍ وقر في القلب!
وإنَّ سوء الظنِّ بالناس من أكثر ما يُفسد القلب!
روى أهل الأخبار أنَّ صاحباً للتابعي الجليل إبراهيم بن أدهم مرَّ عليه وهو جالسٌ مع أصحابه، فنظرَ إليهم، ولم يُسلِّمْ عليهم!
فقال له بعضهم: أرأيتَ يا إبراهيم كيفَ نظرَ إلينا ولم يُلقِ السَّلام علينا؟
فقال إبراهيم: لعلَّه مكروب، فلا يذهلُ عن أصحابه إلا من كان به كرب. ثم قام إبراهيم من مجلسه ولحقه، فلما أدركه قال له: ما لكَ لم تُلقِ علينا السَّلام يا صاحبي؟
فقال: امرأتي تلِدُ وليسَ عندي ما يُصلحها!
فعادَ إبراهيم الى مجلسه، وقال لمن فيه: لقد ظلمناه مرَّتين، مرَّةً أسأنا به الظنْ، ومرَّةً تركناه حتى احتاج!
ثم غادرهم، وذهبَ إلى بيته فلم يجد في البيتِ إلا دينارين، فاشترى بدينارٍ لحماً وعسلاً وزيتاً ودقيقاً، وأسرع إلى بيت صاحبه، فلما طرقَ الباب قالت له الزوجة وهي في ألم الوضع: من بالباب؟!
فقال: إبراهيم بن أدهم، خُذي! عند الباب خرَّجَ الله عنكِ، ثم انصرف!
فلما فتحت وجدت الأغراض وفوقها الدينار الآخر، فجعلتْ تقول: اللهمَّ لا تنسَ هذا اليوم لإبراهيم بن أدهم!
هذه الدنيا قاسية تطحنُ الناس كل يوم، مستأجرٌ أدركه آخر الشهر وليس عنده الإيجار، ومريض كادتْ علبة دوائه أن تنفذ وليس معه ثمن غيرها، وأب تُطالبه الجامعة بقسط ابنه ولا يجد مالاً، ومديون حان وقت سداد دينه ولم تتيسر أموره، وأمثال هؤلاء كُثر، فباللهِ عليكم إن سار هؤلاء في الطرقات هائمين على وجوههم فهل عليهم من عَتبٍ!
ربما مرَّ بكَ أحدهم ولم يركَ من ثقل الهم والدين، فأحسِنْ الظنَّ بالناس!
الذي لا يدعوك إلى منزله ليس بالضرورة بخيلاً ربما كان عفيفاً ولا يريدُ أن يفضح حاجته!
والذي لم يزرك في مناسبة ربما منعته كرامته أن يحضر دون هدية!
فترفقوا، ولا تكونوا أنتم والدنيا على الناس!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
إياكم والظَّن
كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعلمُ أن المرءَ لا يُؤتي إلا من قِبَلِ قلبه، لهذا حرصَ على تنقية قلوب المسلمين، فقال يوماً لأصحابه: "إياكم والظنَّ، فإنَّ الظنَّ أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد اللهِ إخواناً"!
وكثيراً ما كان إبن القيم يذكُر قول أبي بكر بن عيَّاش: ما سبقكم أبو بكر وعمر بكثرة صيامٍ ولا صلاة، ولكن بشيءٍ وقر في القلب!
وإنَّ سوء الظنِّ بالناس من أكثر ما يُفسد القلب!
روى أهل الأخبار أنَّ صاحباً للتابعي الجليل إبراهيم بن أدهم مرَّ عليه وهو جالسٌ مع أصحابه، فنظرَ إليهم، ولم يُسلِّمْ عليهم!
فقال له بعضهم: أرأيتَ يا إبراهيم كيفَ نظرَ إلينا ولم يُلقِ السَّلام علينا؟
فقال إبراهيم: لعلَّه مكروب، فلا يذهلُ عن أصحابه إلا من كان به كرب. ثم قام إبراهيم من مجلسه ولحقه، فلما أدركه قال له: ما لكَ لم تُلقِ علينا السَّلام يا صاحبي؟
فقال: امرأتي تلِدُ وليسَ عندي ما يُصلحها!
فعادَ إبراهيم الى مجلسه، وقال لمن فيه: لقد ظلمناه مرَّتين، مرَّةً أسأنا به الظنْ، ومرَّةً تركناه حتى احتاج!
ثم غادرهم، وذهبَ إلى بيته فلم يجد في البيتِ إلا دينارين، فاشترى بدينارٍ لحماً وعسلاً وزيتاً ودقيقاً، وأسرع إلى بيت صاحبه، فلما طرقَ الباب قالت له الزوجة وهي في ألم الوضع: من بالباب؟!
فقال: إبراهيم بن أدهم، خُذي! عند الباب خرَّجَ الله عنكِ، ثم انصرف!
فلما فتحت وجدت الأغراض وفوقها الدينار الآخر، فجعلتْ تقول: اللهمَّ لا تنسَ هذا اليوم لإبراهيم بن أدهم!
هذه الدنيا قاسية تطحنُ الناس كل يوم، مستأجرٌ أدركه آخر الشهر وليس عنده الإيجار، ومريض كادتْ علبة دوائه أن تنفذ وليس معه ثمن غيرها، وأب تُطالبه الجامعة بقسط ابنه ولا يجد مالاً، ومديون حان وقت سداد دينه ولم تتيسر أموره، وأمثال هؤلاء كُثر، فباللهِ عليكم إن سار هؤلاء في الطرقات هائمين على وجوههم فهل عليهم من عَتبٍ!
ربما مرَّ بكَ أحدهم ولم يركَ من ثقل الهم والدين، فأحسِنْ الظنَّ بالناس!
الذي لا يدعوك إلى منزله ليس بالضرورة بخيلاً ربما كان عفيفاً ولا يريدُ أن يفضح حاجته!
والذي لم يزرك في مناسبة ربما منعته كرامته أن يحضر دون هدية!
فترفقوا، ولا تكونوا أنتم والدنيا على الناس!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
شُهداء الله في الأرض!
كانتْ جلسةً رائعة، وكيف لا تكون كذلك والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فيها! والصحابة يُكحِّلون أعينهم بالنظر إلى وجهه، يا لحظِّهم!
وتمُرُّ جنازةٌ… فيُثني الصحابة عليها خيراً، ربما قالوا يومها: كان الميت صديقاً وفياً، وزوجاً مُحباً، وابناً باراً، وجاراً كريماً، كان يُصلح بين المتخاصمين، ويتصدق على المساكين، ويُسامح من أخطأ بحقه، وكان قلبه معلقاً بالمساجد!
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: وَجَبَتْ!
ثم بعد قليل مرَّتْ جنازةٌ أخرى، فأثنى الصحابة عليها شراً، ربما قالوا يومها: كان الميت صديقاً غادراً، وزوجاً لئيماً، وابناً عاقاً، وجاراً مُؤذياً، كان لا يحترم كبيراً ولا يعطف على صغير، والطريق إلى المسجد لا يعرفها ولا تعرفه!
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: وَجَبَتْ!
فسأل الصحابة: ما وَجَبَتْ يا رسول الله؟
فقال: من أثنيتم عليه خيراً وجبتْ له الجنة، ومن أثنيتم عليه شراً وجبتْ له النار، أنتم شُهداء الله في الأرض!
كلنا سنُحمل يوماً على الأكتاف، فكل نفسٍ ذائقة الموت، وما نحن إلا جنائز مُؤجلة، وكما قال كعب بن زهير:
كلُّ ابنِ أُنثى وإن طالتْ سلامته
يوماً على آلةٍ حدباء محمولُ!
فهل فكرنا ماذا سيقول شهداء الله في الأرضِ عنا يوم نُحملُ في التوابيت؟!
كل إنسان تتعامل معه اليوم هو شاهد لكَ أو عليكَ، تذكر هذا جيداً وأنتَ تُخالط الناس، وانسَ ما شئتَ ولكن إياك أن تنسى: وَجَبَتْ!
ماذا سيقول أبواك عنك؟ اللهم اغفرْ له فقد كان نعم الابن، أم سيقولان اللهم إنك تعلم ما كان من أمر عقوقه!
ماذا ستقول زوجتك عنك؟ اللهم إنه كان خير زوج، أم ستقول خُذْ بحقي منه يا الله!
ماذا سيقول أبناؤكَ عنك؟ اللهم إنه كان أباً عادلاً لم يُفضِّل ابناً على بنتٍ، ولا ولدٍ على ولد، أم سيقولون يا الله إنه قد ظلمَ وميَّزَ وأضاع الأمانة ولم يُحسن التربية!
ماذا سيقول جيرانك عنك؟ اللهم أنزله في جوارك فقد كان خير جار، أم سيقولون وأخيراً استرحنا من أذاه!
ماذا سيقول زملاؤك في العمل عنك؟ اللهم ارحمه فقد كان طيباً ينصحُ ويُساعد، ويحفظ السر، أم سيقولون اللهم إنك تعلم أنه كان واشياً لا يُؤتمن، ومُؤذياً لا يُحتمل!
كل مُتعثِّر أقمته وأخذت بيده هو شاهد لك
كُلُّ دمعةٍ مسحتها هي شاهدة لكَ
كل فقير رأى منك دفء ابتسامتك قبل دفء درهمك هو شاهد لكَ
كلُّ مسكين أعنته، وجائع أطعمته، وتائه أرشدته، ومظلوم نصرته، شهود لكَ، فكثِّرْ شهودكَ، فجنائز الغد تتنفسُ اليوم!
أدهم شرقاوي / كتاب على منهاج النبوة
كانتْ جلسةً رائعة، وكيف لا تكون كذلك والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فيها! والصحابة يُكحِّلون أعينهم بالنظر إلى وجهه، يا لحظِّهم!
وتمُرُّ جنازةٌ… فيُثني الصحابة عليها خيراً، ربما قالوا يومها: كان الميت صديقاً وفياً، وزوجاً مُحباً، وابناً باراً، وجاراً كريماً، كان يُصلح بين المتخاصمين، ويتصدق على المساكين، ويُسامح من أخطأ بحقه، وكان قلبه معلقاً بالمساجد!
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: وَجَبَتْ!
ثم بعد قليل مرَّتْ جنازةٌ أخرى، فأثنى الصحابة عليها شراً، ربما قالوا يومها: كان الميت صديقاً غادراً، وزوجاً لئيماً، وابناً عاقاً، وجاراً مُؤذياً، كان لا يحترم كبيراً ولا يعطف على صغير، والطريق إلى المسجد لا يعرفها ولا تعرفه!
فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: وَجَبَتْ!
فسأل الصحابة: ما وَجَبَتْ يا رسول الله؟
فقال: من أثنيتم عليه خيراً وجبتْ له الجنة، ومن أثنيتم عليه شراً وجبتْ له النار، أنتم شُهداء الله في الأرض!
كلنا سنُحمل يوماً على الأكتاف، فكل نفسٍ ذائقة الموت، وما نحن إلا جنائز مُؤجلة، وكما قال كعب بن زهير:
كلُّ ابنِ أُنثى وإن طالتْ سلامته
يوماً على آلةٍ حدباء محمولُ!
فهل فكرنا ماذا سيقول شهداء الله في الأرضِ عنا يوم نُحملُ في التوابيت؟!
كل إنسان تتعامل معه اليوم هو شاهد لكَ أو عليكَ، تذكر هذا جيداً وأنتَ تُخالط الناس، وانسَ ما شئتَ ولكن إياك أن تنسى: وَجَبَتْ!
ماذا سيقول أبواك عنك؟ اللهم اغفرْ له فقد كان نعم الابن، أم سيقولان اللهم إنك تعلم ما كان من أمر عقوقه!
ماذا ستقول زوجتك عنك؟ اللهم إنه كان خير زوج، أم ستقول خُذْ بحقي منه يا الله!
ماذا سيقول أبناؤكَ عنك؟ اللهم إنه كان أباً عادلاً لم يُفضِّل ابناً على بنتٍ، ولا ولدٍ على ولد، أم سيقولون يا الله إنه قد ظلمَ وميَّزَ وأضاع الأمانة ولم يُحسن التربية!
ماذا سيقول جيرانك عنك؟ اللهم أنزله في جوارك فقد كان خير جار، أم سيقولون وأخيراً استرحنا من أذاه!
ماذا سيقول زملاؤك في العمل عنك؟ اللهم ارحمه فقد كان طيباً ينصحُ ويُساعد، ويحفظ السر، أم سيقولون اللهم إنك تعلم أنه كان واشياً لا يُؤتمن، ومُؤذياً لا يُحتمل!
كل مُتعثِّر أقمته وأخذت بيده هو شاهد لك
كُلُّ دمعةٍ مسحتها هي شاهدة لكَ
كل فقير رأى منك دفء ابتسامتك قبل دفء درهمك هو شاهد لكَ
كلُّ مسكين أعنته، وجائع أطعمته، وتائه أرشدته، ومظلوم نصرته، شهود لكَ، فكثِّرْ شهودكَ، فجنائز الغد تتنفسُ اليوم!
أدهم شرقاوي / كتاب على منهاج النبوة