على خُطى الرَّسول ﷺ ١١٥
ليرينَّ اللهُ ما أصنع
يقول أنس بن مالك: غابَ عمي أنسُ بن النضر عن غزوة بدر، فقال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، غبتُ عن أول قتالٍ قاتلتَ فيه المشركين، وإن أشهدني الله قتال المشركين ليرَينَّ ما أصنعَ!
فلما كان يوم أُحد قاتلَ قتالاً شديداً، وعندما خالفَ الرماة أمرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ونزلوا عن الجبل، وانكشفَ المسلمون وصاروا بين خالد بن الوليد وفرسانه، وجيش قريش الذي عادَ للقتال بعد التفاف خالد، قال أنس بن النضر: اللهمَّ إني أعتذرُ إليكَ مما فعل هؤلاء، يعني المسلمين، وأبرأ إليكَ مما فعل هؤلاء، يعني المشركين.
وأُشيع أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد قُتل، فمرَّ أنس بن النضر وهو يُقاتل على جماعةٍ من المسلمين قد توقفوا عن القتال، فقال لهم: ما يُقعدكم؟!
قالوا: قُتل رسول الله!
فقال لهم: فما تصنعون بالحياة بعده؟! قوموا فموتوا على ما مات عليه!
ثم قاتلَ المشركين حتى استشهد، وبعد انتهاء المعركة وجدوه وبه أكثر من ثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة بالرمح، أو رمية بسهمٍ، وقد مثَّلَ المشركون بجسده فما عرفه إلا أخته بعلامة كانت في إصبعه!
وفي أنس بن النضر نزل قول الله تعالى: "مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا"
إنَّ اللهَ يُحِبُّ صادقَ العهدِ معه، ليس في الحربِ فقط، وإنما في السِّلم كذلك، فالحياة في سبيل اللهِ عمل جبَّار تماماً كالموت في سبيل الله!
فإذا عاهدتَ اللهَ أن إذا أعطاكَ المالَ أن تكون كثير الصدقة، فإياكَ إن أغناكَ أن تحنث بالعهد، فإنه لا شيء أحب إليه من وفاء عبده على ما عاهده، وتذكر أن الذي أغناك بعد فقرٍ قادر على أن يفقركَ بعد غنى!
وإذا عاهدتَ اللهَ أن إذا شفاك من مرضٍ أن تكثر من الخطى إلى المساجد، وأن تثني الركب في حلق العلم وتحفيظ القرآن، وأن تحج وتعتمر، فإياك إن شفاكَ أن تحنث بالعهد، فإنه لا شيء أحبُّ إليه من وفاء عبده بما عاهد، وتذكر أن الله الذي شفاك بعد مرضٍ قادر على أن يمرضكَ بعد عافية!
وإذا عاهدتَ اللهَ أن لا تعصِه، فجاهد نفسكَ على أن لا تعصي، الذنب الذي تركته للهِ لا تعد إليه مهما كان، وإن انتكستَ فعُدْ أدراجكَ على الفور، وجدد العهد، وقل له يا رب: أنا على عهدك ووعدك، ليست إلا زلة قدم، وسوسة شيطان، وزينة نفس، فإن الباب الذي فُتح لأنس بن النضر لم يُغلق بعد، فيا لحظ الداخلين إلى الله منه!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
ليرينَّ اللهُ ما أصنع
يقول أنس بن مالك: غابَ عمي أنسُ بن النضر عن غزوة بدر، فقال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، غبتُ عن أول قتالٍ قاتلتَ فيه المشركين، وإن أشهدني الله قتال المشركين ليرَينَّ ما أصنعَ!
فلما كان يوم أُحد قاتلَ قتالاً شديداً، وعندما خالفَ الرماة أمرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ونزلوا عن الجبل، وانكشفَ المسلمون وصاروا بين خالد بن الوليد وفرسانه، وجيش قريش الذي عادَ للقتال بعد التفاف خالد، قال أنس بن النضر: اللهمَّ إني أعتذرُ إليكَ مما فعل هؤلاء، يعني المسلمين، وأبرأ إليكَ مما فعل هؤلاء، يعني المشركين.
وأُشيع أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد قُتل، فمرَّ أنس بن النضر وهو يُقاتل على جماعةٍ من المسلمين قد توقفوا عن القتال، فقال لهم: ما يُقعدكم؟!
قالوا: قُتل رسول الله!
فقال لهم: فما تصنعون بالحياة بعده؟! قوموا فموتوا على ما مات عليه!
ثم قاتلَ المشركين حتى استشهد، وبعد انتهاء المعركة وجدوه وبه أكثر من ثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة بالرمح، أو رمية بسهمٍ، وقد مثَّلَ المشركون بجسده فما عرفه إلا أخته بعلامة كانت في إصبعه!
وفي أنس بن النضر نزل قول الله تعالى: "مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا"
إنَّ اللهَ يُحِبُّ صادقَ العهدِ معه، ليس في الحربِ فقط، وإنما في السِّلم كذلك، فالحياة في سبيل اللهِ عمل جبَّار تماماً كالموت في سبيل الله!
فإذا عاهدتَ اللهَ أن إذا أعطاكَ المالَ أن تكون كثير الصدقة، فإياكَ إن أغناكَ أن تحنث بالعهد، فإنه لا شيء أحب إليه من وفاء عبده على ما عاهده، وتذكر أن الذي أغناك بعد فقرٍ قادر على أن يفقركَ بعد غنى!
وإذا عاهدتَ اللهَ أن إذا شفاك من مرضٍ أن تكثر من الخطى إلى المساجد، وأن تثني الركب في حلق العلم وتحفيظ القرآن، وأن تحج وتعتمر، فإياك إن شفاكَ أن تحنث بالعهد، فإنه لا شيء أحبُّ إليه من وفاء عبده بما عاهد، وتذكر أن الله الذي شفاك بعد مرضٍ قادر على أن يمرضكَ بعد عافية!
وإذا عاهدتَ اللهَ أن لا تعصِه، فجاهد نفسكَ على أن لا تعصي، الذنب الذي تركته للهِ لا تعد إليه مهما كان، وإن انتكستَ فعُدْ أدراجكَ على الفور، وجدد العهد، وقل له يا رب: أنا على عهدك ووعدك، ليست إلا زلة قدم، وسوسة شيطان، وزينة نفس، فإن الباب الذي فُتح لأنس بن النضر لم يُغلق بعد، فيا لحظ الداخلين إلى الله منه!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
السلام عليك يا صاحبي ٦٨
السّلام عليكَ يا صاحبي،
لا أُخفيكَ أني أنزعجُ كثيراً حين تعثرُ قنوات التلفزة على أحد المعمرين الذين تجاوزوا مئة سنة بأعجوبةٍ،
فيتحدثون عنه كأنه شخص فعل إحدى المعجزات!
وأول سؤالٍ يسألونه دوماً: كم عمركَ؟
يريدون منه أن ينطق الرقم على مسامع المشاهدين،
يعتقدون أن المعجزة تكمن في الرقم!
لا أحد يسأله ماذا فعلتَ في هذا العمر الطويل كله،
ما هي إنجازاتك الحقيقية؟
لا أحد يسأله كم كتاباً قرأتَ؟
ولا كم خاطرًا جبرتَ؟
ولا كم دمعةً مسحتَ؟
ولا كم ضحكةً من قلبكَ ضحكتَ؟
يا صاحبي،
إن السنوات مجرَّد أرقام،
وعمر الإنسان الحقيقي ليس في الأيام التي يعدَّها،
بل في الأيام التي يعيشها فعلاً!
يُحكى أن رجلاً من العرب يُدعى جبراً،
كان كثير الترحال، يودع مدينة، ويستقبلُ قريةً..
وفي إحدى رحلاته دخلَ قريةً
ومرَّ بمقبرتها فرأى أمراً عجباً،
رآهم قد كتبوا على شواهد القبور اسم الميت، وعمره!
وما زاد دهشته أن الأعمار كانت قصيرةً جداً
مقارنةً بحجم القبور التي تبدو لأشخاص راشدين،
لا لأطفال خطفتهم يد المنون، قبل أن يبلغوا سنَّ الرُّشد!
قرأ على شاهد القبر الأول: يرقدُ في هذا القبر سعد، عاشَ سنةً وثلاثة أيام!
وقرأ على شاهد القبر الثاني: ترقدُ في هذا القبر فاطمة، عاشتْ سنتين وأسبوعاً!
وكلما انتقل من قبرٍ إلى قبرٍ، زادت دهشته،
حتى وصل أخيراً إلى حارس المقبرة وقال له:
لقد عشتُ رجباً، ورأيتُ عجباً، ولكني ما رأيتُ قط أعجب من قريتكم!
ابتسم حارس المقبرة وقال له: لعلّكَ تقصِدُ الأعمار القصيرة المدونة على شواهد القبور،
فقال له جبر: أجل!
فقال حارس المقبرة: نحن لا نحسبُ في أعمارنا إلا الأيام السعيدة التي عشناها!
فسعدٌ مثلاً عاش خمسين عاماً، منها سنة وثلاثة أيام سعيداً،
أما ما تبقى فأمضاه في الشقاء!
فكتبنا ما عاش في السعادة، وأسقطنا من عمره ما عاشه في الشقاء!
فقال له جبر: إن أدركني الموتُ في قريتكم، فاكتبوا على شاهد قبري:
يرقدُ في هذا القبر جبر، من بطن أمه إلى القبر!
يا صاحبي،
ليس المهمُّ كم يعيش المرء،
المهم كيف يعيش!
وإني أعيذكَ أن يكون عمركَ مجرَّد أيامٍ تعدها،
وسنواتٍ تُفاخر أنك أمضيتها،
وهي في الحقيقة مجرد أرقام فارغة من المضمون!
يا صاحبي،
العمرُ لا يُقاس بعدد الأيام،
وإنما بعدد التجارب!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السّلام عليكَ يا صاحبي،
لا أُخفيكَ أني أنزعجُ كثيراً حين تعثرُ قنوات التلفزة على أحد المعمرين الذين تجاوزوا مئة سنة بأعجوبةٍ،
فيتحدثون عنه كأنه شخص فعل إحدى المعجزات!
وأول سؤالٍ يسألونه دوماً: كم عمركَ؟
يريدون منه أن ينطق الرقم على مسامع المشاهدين،
يعتقدون أن المعجزة تكمن في الرقم!
لا أحد يسأله ماذا فعلتَ في هذا العمر الطويل كله،
ما هي إنجازاتك الحقيقية؟
لا أحد يسأله كم كتاباً قرأتَ؟
ولا كم خاطرًا جبرتَ؟
ولا كم دمعةً مسحتَ؟
ولا كم ضحكةً من قلبكَ ضحكتَ؟
يا صاحبي،
إن السنوات مجرَّد أرقام،
وعمر الإنسان الحقيقي ليس في الأيام التي يعدَّها،
بل في الأيام التي يعيشها فعلاً!
يُحكى أن رجلاً من العرب يُدعى جبراً،
كان كثير الترحال، يودع مدينة، ويستقبلُ قريةً..
وفي إحدى رحلاته دخلَ قريةً
ومرَّ بمقبرتها فرأى أمراً عجباً،
رآهم قد كتبوا على شواهد القبور اسم الميت، وعمره!
وما زاد دهشته أن الأعمار كانت قصيرةً جداً
مقارنةً بحجم القبور التي تبدو لأشخاص راشدين،
لا لأطفال خطفتهم يد المنون، قبل أن يبلغوا سنَّ الرُّشد!
قرأ على شاهد القبر الأول: يرقدُ في هذا القبر سعد، عاشَ سنةً وثلاثة أيام!
وقرأ على شاهد القبر الثاني: ترقدُ في هذا القبر فاطمة، عاشتْ سنتين وأسبوعاً!
وكلما انتقل من قبرٍ إلى قبرٍ، زادت دهشته،
حتى وصل أخيراً إلى حارس المقبرة وقال له:
لقد عشتُ رجباً، ورأيتُ عجباً، ولكني ما رأيتُ قط أعجب من قريتكم!
ابتسم حارس المقبرة وقال له: لعلّكَ تقصِدُ الأعمار القصيرة المدونة على شواهد القبور،
فقال له جبر: أجل!
فقال حارس المقبرة: نحن لا نحسبُ في أعمارنا إلا الأيام السعيدة التي عشناها!
فسعدٌ مثلاً عاش خمسين عاماً، منها سنة وثلاثة أيام سعيداً،
أما ما تبقى فأمضاه في الشقاء!
فكتبنا ما عاش في السعادة، وأسقطنا من عمره ما عاشه في الشقاء!
فقال له جبر: إن أدركني الموتُ في قريتكم، فاكتبوا على شاهد قبري:
يرقدُ في هذا القبر جبر، من بطن أمه إلى القبر!
يا صاحبي،
ليس المهمُّ كم يعيش المرء،
المهم كيف يعيش!
وإني أعيذكَ أن يكون عمركَ مجرَّد أيامٍ تعدها،
وسنواتٍ تُفاخر أنك أمضيتها،
وهي في الحقيقة مجرد أرقام فارغة من المضمون!
يا صاحبي،
العمرُ لا يُقاس بعدد الأيام،
وإنما بعدد التجارب!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
على خُطى الرَّسول ﷺ ١١٦
يُصِبْ منه
خلقَ الله سبحانه وتعالى هذه الدنيا دار امتحان وبلاء لا دار جزاءٍ وعطاء، ولم يفهم سُنة الله في الكون من يعتقد أن العافية دليل على حُبِّ الله للعبد، وأن البلاء دليل بغضه له، على العكس تماماً فالأنبياء كانوا أكثر الخلقِ ابتلاءً وهم صفوة البشر!
اُبتليَ نوحٌ عليه السلام بكفر زوجته وقومه، قضى تسعمئة وخمسين سنةً يدعوهم إلى الله فما آمن معه إلا قليل!
وخرجَ إبراهيم عليه السلام من بابل بعدما اُبتلي بكفر أبيه وقومه وأُلقي في النار!
وفي بطن الحوت مكثَ يونس عليه السلام، وبفرعون وبني إسرائيل اُبتلي موسى عليه السلام، أما عن شيخ الصابرين أيوب عليه السّلام فحدِّث ولا حرج، ثم ألقِ رحلكَ في مكة، وشاهد حبيبكَ في الشِعْبِ محاصراً، وفي الطائف مرجوماً، وعند الكعبة ساجداً وسلى الجزور فوق رأسه! وعن سُنة الله في الخلق قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يُرد الله به خيراً يُصبْ منه"!
لم يُنجِبْ إبراهيم عليه السّلام، فقررتْ سارة أن تهبه مملوكتها هاجر ليتزوجها علَّه يجد عندها ما لم يجده منها، وحملت هاجر بإسماعيل عليه السلام، وتعلَّقَ قلب الخليل بالصبيِّ الرضيع وأمه، فغارتْ سارة بدافع الفطرة البشرية، وصدر منها ما يصدر من الزوجات حين يغرنَ من الضرائر، ولما طال الأمر ووجده إبراهيم عليه السلام كثيراً، شكى أمره إلى الله، فأوحى الله تعالى إليه أن يا إبراهيم أما يُرضيكَ أن تكون سارة نصيبك من البلاء؟!
ما من مسلم إلا وقد ابتلاه الله بشيء نُغِّصُ به عيشه حتى يمتحنه أولاً، وحتى لا يركن إلى الدنيا ثانياً!
من الناس من له من الأولاد ما لا يكاد يقوى على إطعامهم، ومن الناس من لديه من الأموال ما لا تأكله النيران وقد حُرمَ الإنجاب!
بعض البلاء في مرضٍ يُصيب الجسم، وبعض البلاء في ضيقٍ في الرزق، وأكثر البلاء في البشر!
جار السوء بلاء وامتحان، والمدير الفظُّ الغليظُ بلاءٌ وامتحان، والحاكم الظالم بلاء وامتحان!
الزوجة السيئة ابتلاء وكذلك الزوج السيء!
وقد يكون الإبتلاء في ولد عاق، أو قريبٍ مؤذٍ، أو حماةٍ سليطة اللسان!
فمن وجد بلاءً واحداً في حياته فليحمد الله عليه فإنَّ الله تعالى علم ضعفه فلم يشأ أن يزيد عليه البلاء، وإلا فإنَّ النَّاظر في سيرة الأنبياء يجدهم ذاقوا ألواناً من الابتلاءات، وانظُر إلى لوطٍ عليه السّلام وقد اُبتليَ بالزوجة الكافرة، وبالقوم الذين يمارسون الفاحشة التي ما سبقهم بها أحدٌ من العالمين، غربةٌ في قومه، وغربة في بيته!
فاصبروا فإن الحياة دار امتحان، وإن الأوائل كانوا يتواصون في الشدائد قائلين: إنما هي أيام تمضي والموعد الجنّة!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
يُصِبْ منه
خلقَ الله سبحانه وتعالى هذه الدنيا دار امتحان وبلاء لا دار جزاءٍ وعطاء، ولم يفهم سُنة الله في الكون من يعتقد أن العافية دليل على حُبِّ الله للعبد، وأن البلاء دليل بغضه له، على العكس تماماً فالأنبياء كانوا أكثر الخلقِ ابتلاءً وهم صفوة البشر!
اُبتليَ نوحٌ عليه السلام بكفر زوجته وقومه، قضى تسعمئة وخمسين سنةً يدعوهم إلى الله فما آمن معه إلا قليل!
وخرجَ إبراهيم عليه السلام من بابل بعدما اُبتلي بكفر أبيه وقومه وأُلقي في النار!
وفي بطن الحوت مكثَ يونس عليه السلام، وبفرعون وبني إسرائيل اُبتلي موسى عليه السلام، أما عن شيخ الصابرين أيوب عليه السّلام فحدِّث ولا حرج، ثم ألقِ رحلكَ في مكة، وشاهد حبيبكَ في الشِعْبِ محاصراً، وفي الطائف مرجوماً، وعند الكعبة ساجداً وسلى الجزور فوق رأسه! وعن سُنة الله في الخلق قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يُرد الله به خيراً يُصبْ منه"!
لم يُنجِبْ إبراهيم عليه السّلام، فقررتْ سارة أن تهبه مملوكتها هاجر ليتزوجها علَّه يجد عندها ما لم يجده منها، وحملت هاجر بإسماعيل عليه السلام، وتعلَّقَ قلب الخليل بالصبيِّ الرضيع وأمه، فغارتْ سارة بدافع الفطرة البشرية، وصدر منها ما يصدر من الزوجات حين يغرنَ من الضرائر، ولما طال الأمر ووجده إبراهيم عليه السلام كثيراً، شكى أمره إلى الله، فأوحى الله تعالى إليه أن يا إبراهيم أما يُرضيكَ أن تكون سارة نصيبك من البلاء؟!
ما من مسلم إلا وقد ابتلاه الله بشيء نُغِّصُ به عيشه حتى يمتحنه أولاً، وحتى لا يركن إلى الدنيا ثانياً!
من الناس من له من الأولاد ما لا يكاد يقوى على إطعامهم، ومن الناس من لديه من الأموال ما لا تأكله النيران وقد حُرمَ الإنجاب!
بعض البلاء في مرضٍ يُصيب الجسم، وبعض البلاء في ضيقٍ في الرزق، وأكثر البلاء في البشر!
جار السوء بلاء وامتحان، والمدير الفظُّ الغليظُ بلاءٌ وامتحان، والحاكم الظالم بلاء وامتحان!
الزوجة السيئة ابتلاء وكذلك الزوج السيء!
وقد يكون الإبتلاء في ولد عاق، أو قريبٍ مؤذٍ، أو حماةٍ سليطة اللسان!
فمن وجد بلاءً واحداً في حياته فليحمد الله عليه فإنَّ الله تعالى علم ضعفه فلم يشأ أن يزيد عليه البلاء، وإلا فإنَّ النَّاظر في سيرة الأنبياء يجدهم ذاقوا ألواناً من الابتلاءات، وانظُر إلى لوطٍ عليه السّلام وقد اُبتليَ بالزوجة الكافرة، وبالقوم الذين يمارسون الفاحشة التي ما سبقهم بها أحدٌ من العالمين، غربةٌ في قومه، وغربة في بيته!
فاصبروا فإن الحياة دار امتحان، وإن الأوائل كانوا يتواصون في الشدائد قائلين: إنما هي أيام تمضي والموعد الجنّة!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
السلام عليك يا صاحبي ٦٩
السّلام عليك يا صاحبي،
لعلّكَ الآن تقولُ في نفسك: كيف سيرجع الله لي حقي؟!
أو لعلكَ كنتَ أكثر غضباً فقُلتَ: كيف سينتقم اللهُ لي؟!
إنكَ تنظرُ الآن في الأسباب فيبدو كلَّ شيءٍ أمامك شائكاً وصعباً!
يا صاحبي،
لا تُفكِّرْ في صعوبة ظرفك،
فكِّرْ في قوَّة الرّبِ الذي تدعوه!
منذ متى نسأل الله عن الكيف يا صاحبي؟!
الكيف هذه للهِ وحده،
نحن ندعوه بيقينٍ فقط!
أما ترتيبات المعركة،
وسلاح الانتقام فهي من شأن الرَّب
القادر الذي سيدبرها بحكمته!
اللهُ سبحانه دوماً يدهشنا بالسلاح الذي يختاره للمعركة!
عندما رفع نوح عليه السّلام يديه إلى السماء قائلاً:
" أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ"
لم يكن يخطر في باله أبداً أن انتقام الله سيكون مدوياً،
وصاعقاً إلى هذه الدرجة!
لعلَّ أكثر ما كان ينتظره أن يهلكهم الله بضربة واحدة أو صيحة!
لا أحد من سكان الأرض ولا السماء،
كان يتوقع أن يكون الماء هو سلاح المعركة!
الذي سيختاره الله سبحانه لنصر عبده المظلوم،
وصدر الأمر الإلهي للسماء أن تنهمر،
وللأرض أن تُخرج ماءها، والبحار أن تطغى،
غرقت الأرض حتى آخرها إلى أن صار لا عاصم من أمر الله إلا الله!
قصص القرآن ليست للتسلية يا صاحبي،
إنها عقيدة، ودروس في الإيمان،
وليس للمظلوم إلا أن يرفع شكواه!
أما تفاصيل المعركة وسلاحها،
فهذا كله من شأن الذي يُدبر كل شيء بحكمته!
يا صاحبي،
إنكَ لو عشتَ زمن النمرود،
ورأيته يأمر الناس بالسجود له،
ورأيته يُناظر إبراهيم عليه السّلام بكل بجاحة،
ويقول: " أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ"!
لربما سألتَ نفسكَ باستغراب: كيف سيُغيِّر الله كل هذا؟
أي سلاحٍ فتّاكٍ سيختاره الله ليذلَّ هذا الطاغية،
وبالطبع ما كان سيخطرُ على بالكَ أبداً أنَّ الله سبحانه،
سيرسل جندياً واحداً من جنوده لينتقم به،
جندي صغير لا يكاد يُرى بالعين المجردة!
بعوضة! أجل بعوضة واحدة أدخلها في أنفه لتستقرَّ في دماغه!
فلا يهدأ إلا حين يضربه الذين كانوا يسجدون له بالأحذية على رأسه،
بهذه الطريقة المدهشة يُدبر الله الأمور يا صاحبي!
يا صاحبي،
إنك لو شهدتَ اللحظة التي وُضع فيها إبراهيم عليه السّلام،
في كفة المنجنيق ليُلقى في النار!
لقلتَ في نفسكَ: ربما سيُطفئ الله النار بماءٍ يُنزله من السماء دفعةً واحدة!
كان هذا حلاً وحيداً لو أن النار تحرقُ بأمر نفسها!
ولكن هذه النار لا تحرقُ إلا بأمر ربها،
فصدر إليها الأمر أن تكون برداً وسلاماً فكانتْ!
إن الله سبحانه يُغيِّرُ خواص الأشياء إن أراد ذلك،
السكين الحاد لم تذبح إسماعيل عليه السّلام يا صاحبي!
والحوت المفترس لم يأكل يونس عليه السّلام وإن ابتلعه،
كل شيءٍ في هذا الكون يعملُ بأمر الله،
فلا تنظُرْ في الأسباب،
كُنْ مع ربِّ الأسباب يكفيك مؤونتها!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السّلام عليك يا صاحبي،
لعلّكَ الآن تقولُ في نفسك: كيف سيرجع الله لي حقي؟!
أو لعلكَ كنتَ أكثر غضباً فقُلتَ: كيف سينتقم اللهُ لي؟!
إنكَ تنظرُ الآن في الأسباب فيبدو كلَّ شيءٍ أمامك شائكاً وصعباً!
يا صاحبي،
لا تُفكِّرْ في صعوبة ظرفك،
فكِّرْ في قوَّة الرّبِ الذي تدعوه!
منذ متى نسأل الله عن الكيف يا صاحبي؟!
الكيف هذه للهِ وحده،
نحن ندعوه بيقينٍ فقط!
أما ترتيبات المعركة،
وسلاح الانتقام فهي من شأن الرَّب
القادر الذي سيدبرها بحكمته!
اللهُ سبحانه دوماً يدهشنا بالسلاح الذي يختاره للمعركة!
عندما رفع نوح عليه السّلام يديه إلى السماء قائلاً:
" أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ"
لم يكن يخطر في باله أبداً أن انتقام الله سيكون مدوياً،
وصاعقاً إلى هذه الدرجة!
لعلَّ أكثر ما كان ينتظره أن يهلكهم الله بضربة واحدة أو صيحة!
لا أحد من سكان الأرض ولا السماء،
كان يتوقع أن يكون الماء هو سلاح المعركة!
الذي سيختاره الله سبحانه لنصر عبده المظلوم،
وصدر الأمر الإلهي للسماء أن تنهمر،
وللأرض أن تُخرج ماءها، والبحار أن تطغى،
غرقت الأرض حتى آخرها إلى أن صار لا عاصم من أمر الله إلا الله!
قصص القرآن ليست للتسلية يا صاحبي،
إنها عقيدة، ودروس في الإيمان،
وليس للمظلوم إلا أن يرفع شكواه!
أما تفاصيل المعركة وسلاحها،
فهذا كله من شأن الذي يُدبر كل شيء بحكمته!
يا صاحبي،
إنكَ لو عشتَ زمن النمرود،
ورأيته يأمر الناس بالسجود له،
ورأيته يُناظر إبراهيم عليه السّلام بكل بجاحة،
ويقول: " أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ"!
لربما سألتَ نفسكَ باستغراب: كيف سيُغيِّر الله كل هذا؟
أي سلاحٍ فتّاكٍ سيختاره الله ليذلَّ هذا الطاغية،
وبالطبع ما كان سيخطرُ على بالكَ أبداً أنَّ الله سبحانه،
سيرسل جندياً واحداً من جنوده لينتقم به،
جندي صغير لا يكاد يُرى بالعين المجردة!
بعوضة! أجل بعوضة واحدة أدخلها في أنفه لتستقرَّ في دماغه!
فلا يهدأ إلا حين يضربه الذين كانوا يسجدون له بالأحذية على رأسه،
بهذه الطريقة المدهشة يُدبر الله الأمور يا صاحبي!
يا صاحبي،
إنك لو شهدتَ اللحظة التي وُضع فيها إبراهيم عليه السّلام،
في كفة المنجنيق ليُلقى في النار!
لقلتَ في نفسكَ: ربما سيُطفئ الله النار بماءٍ يُنزله من السماء دفعةً واحدة!
كان هذا حلاً وحيداً لو أن النار تحرقُ بأمر نفسها!
ولكن هذه النار لا تحرقُ إلا بأمر ربها،
فصدر إليها الأمر أن تكون برداً وسلاماً فكانتْ!
إن الله سبحانه يُغيِّرُ خواص الأشياء إن أراد ذلك،
السكين الحاد لم تذبح إسماعيل عليه السّلام يا صاحبي!
والحوت المفترس لم يأكل يونس عليه السّلام وإن ابتلعه،
كل شيءٍ في هذا الكون يعملُ بأمر الله،
فلا تنظُرْ في الأسباب،
كُنْ مع ربِّ الأسباب يكفيك مؤونتها!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السلام عليك يا صاحبي ٧٠
السّلام عليك يا صاحبي،
لا شيءَ أحبَّ للهِ من انكسار عبده بين يديه!
فانكسِرْ لله يأتيكَ الجبر!
نادِه بانكسار إخوة يوسف:
﴿يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾
إذا أردتَ أن تُعَزَّ فعليكَ أن تذِلَّ للهِ أولاً!
تأمّلها جيداً: يا أيها العزيز!
إنه الله الذي أمره بين الكاف والنون، فإذا قال للأشياء كوني كانت!
جميل أن تتذكر، أنه رحيم ولكن تذكَّرْ أولاً أنه قادر!
تذكر كيف أمر الأرض أن تتفجر عيوناً نُصرةً لنوحٍ عليه السّلام، فتفجَّرتْ!
وكيف أمر العصا أن تصير حيةً فصارتْ!
وكيف أمرَ الجبل أن يصيرَ ظُلَّةً فظلل!
وكيف أمر البحر أن ينشق ويصير طريقاً يبساً فكان!
وكيف أمر النار أن لا تحرق فمات لهيبها!
وكيف أمر السكين أن لا تذبح فذهبتْ حدتها!
وكيف أمر الحوت أن لا يهضم فتعطلتْ شراسته!
هذا هو العزيز الذي أريدك أن تدعوه، القادر كثيراً ودائماً وأبداً!
تأملها جيداً: مسَّنا وأهلنا الضُرُّ!
يا صاحبي،
حين تشكو إلى الناس،
فلن تنال إلا مشاعر التعاطف في أحسن الأحوال،
ونظرات الشفقة في أسوأها!
ولكنك حين تشكو إلى الله،
حين تأتيه مكسور الجناحين ترجع مُحلِّقاً،
وحين تأتيه مكسور الخاطر ترجع مجبوراً،
وحين تأتيه مكسور القلب ترجع مرمماً،
فبُثَّ شكواك إلى ربكَ،
واستعملْ معه أخلاق الأطفال،
فإن الطفل إذا أراد شيئاً بكى حتى يأخذه!
اِبكِ بين يديّ ربكَ يا صاحبي،
تسوَّل على بابه تسوَّل الفقير الذي لا يجد لقمة،
وتمرَّغ بين يديه تمرُّغ الموجوع على باب المستشفيات،
إن الله يُحبُّ أن يُسأل!
وفي الأثر أنَّ الله أوحى إلى موسى عليه السّلام،
أن يا موسى سلني ملح عجينتك، وعلف دابتك، وشِراك نعلكَ!
من افتقرَ إلى الله أغناه،
ومن استغنى عن الله كان الله عنه أغنى!
تأملها جيداً: وجئنا ببضاعةٍ مُزجاةٍ،
يا صاحبي،
إياك أن تنظُر بعين العُجب إلى طاعتك،
وإنما اُنظُر إليها نظرة العبد المُقصِّر،
وتعلَّم من الملائكة أدب العبادة!
ما من موضع شبرٍ في السماء، إلا فيه مَلكٌ راكعٌ أو ساجد!
يُبعثون يوم القيامة يقولون: سبحانكَ ما عبدناكَ حقَّ عبادتك!
يا صاحبي،
حين تشعرُ بالتقصير في العبادة،
فاعلم أنها مقبولة!
وحين تنظُر إليها بعين الكمال كالمتمنن على الله ،
فاعلم أنها مردودة عليكَ!
عبادتنا بضاعة مزجاة رثة، وإنما يقبلها الله منا تكرماً وتفضلاً علينا!
واعلَمْ أنه ما استقام عبدٌ للهِ بقوته، وإنما هو اصطفاء من الله!
وما انصرفَ أحدٌ عن باب اللهِ بخاطره، ولكن الله استغنى عنه!
فاحمد الله على الاصطفاء، فإنكَ تحتاجه ولا يحتاجك!
تأملها جيداً: فأوفِ لنا الكيل
يا صاحبي،
سل الله القبول،
فرُبَّ قائم ليس له من قيامه إلا النَّصب والتعب،
ورُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش،
واعلم أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله،
وإنما بعد أن تتغمده رحمة اللهِ،
حتى النبي ﷺ لن يدخلها بعمله إنما برحمة الله،
فكيف بالذين هم دونه، وكلنا دونه!
في شُعب الإيمان للبيهقي، والمستدرك للحاكم يروى
أن رجلاً عبد اللهَ خمسمئة سنةٍ في رأس جبلٍ وليس له معصية،
فلما كان يوم القيامة، قال الله لملائكته: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي!
قال: إنما أدخلها بعملي يا رب
فقال الله: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي!
فقال: إنما أدخلها بعملي يارب
فقال الله: قايسوا نعمتي عليه بعمله!
فوجدوا أن نعمة البصر وحدها قد فاقت كل عمله وبقي باقي جسده!
فقال: أدخلوا عبدي النار!
فجعلَ الرجل يقول: برحمتكَ يا رب، برحمتكَ يا رب!
فقال الله: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي!
تأملها جيداً: وتصدَّقْ علينا!
هكذا يا صاحبي،
سؤال الفقير الذي يعرفُ أنه ليس له عند الغني الذي يسأله ضربة لازم!
وإنما يستعطفه ويُرقق قلبه عليه!
وليكُنْ هذا سؤالك لربك،
سؤال الذي يطلبُ المِنّة، ويعرف أنه ليس له على ربه ضربة لازم!
وإنما يسأل من إذا حرَمه لم يظلمه،
وإذا أعطاه فقد تكرّم وتحننَ عليه!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السّلام عليك يا صاحبي،
لا شيءَ أحبَّ للهِ من انكسار عبده بين يديه!
فانكسِرْ لله يأتيكَ الجبر!
نادِه بانكسار إخوة يوسف:
﴿يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾
إذا أردتَ أن تُعَزَّ فعليكَ أن تذِلَّ للهِ أولاً!
تأمّلها جيداً: يا أيها العزيز!
إنه الله الذي أمره بين الكاف والنون، فإذا قال للأشياء كوني كانت!
جميل أن تتذكر، أنه رحيم ولكن تذكَّرْ أولاً أنه قادر!
تذكر كيف أمر الأرض أن تتفجر عيوناً نُصرةً لنوحٍ عليه السّلام، فتفجَّرتْ!
وكيف أمر العصا أن تصير حيةً فصارتْ!
وكيف أمرَ الجبل أن يصيرَ ظُلَّةً فظلل!
وكيف أمر البحر أن ينشق ويصير طريقاً يبساً فكان!
وكيف أمر النار أن لا تحرق فمات لهيبها!
وكيف أمر السكين أن لا تذبح فذهبتْ حدتها!
وكيف أمر الحوت أن لا يهضم فتعطلتْ شراسته!
هذا هو العزيز الذي أريدك أن تدعوه، القادر كثيراً ودائماً وأبداً!
تأملها جيداً: مسَّنا وأهلنا الضُرُّ!
يا صاحبي،
حين تشكو إلى الناس،
فلن تنال إلا مشاعر التعاطف في أحسن الأحوال،
ونظرات الشفقة في أسوأها!
ولكنك حين تشكو إلى الله،
حين تأتيه مكسور الجناحين ترجع مُحلِّقاً،
وحين تأتيه مكسور الخاطر ترجع مجبوراً،
وحين تأتيه مكسور القلب ترجع مرمماً،
فبُثَّ شكواك إلى ربكَ،
واستعملْ معه أخلاق الأطفال،
فإن الطفل إذا أراد شيئاً بكى حتى يأخذه!
اِبكِ بين يديّ ربكَ يا صاحبي،
تسوَّل على بابه تسوَّل الفقير الذي لا يجد لقمة،
وتمرَّغ بين يديه تمرُّغ الموجوع على باب المستشفيات،
إن الله يُحبُّ أن يُسأل!
وفي الأثر أنَّ الله أوحى إلى موسى عليه السّلام،
أن يا موسى سلني ملح عجينتك، وعلف دابتك، وشِراك نعلكَ!
من افتقرَ إلى الله أغناه،
ومن استغنى عن الله كان الله عنه أغنى!
تأملها جيداً: وجئنا ببضاعةٍ مُزجاةٍ،
يا صاحبي،
إياك أن تنظُر بعين العُجب إلى طاعتك،
وإنما اُنظُر إليها نظرة العبد المُقصِّر،
وتعلَّم من الملائكة أدب العبادة!
ما من موضع شبرٍ في السماء، إلا فيه مَلكٌ راكعٌ أو ساجد!
يُبعثون يوم القيامة يقولون: سبحانكَ ما عبدناكَ حقَّ عبادتك!
يا صاحبي،
حين تشعرُ بالتقصير في العبادة،
فاعلم أنها مقبولة!
وحين تنظُر إليها بعين الكمال كالمتمنن على الله ،
فاعلم أنها مردودة عليكَ!
عبادتنا بضاعة مزجاة رثة، وإنما يقبلها الله منا تكرماً وتفضلاً علينا!
واعلَمْ أنه ما استقام عبدٌ للهِ بقوته، وإنما هو اصطفاء من الله!
وما انصرفَ أحدٌ عن باب اللهِ بخاطره، ولكن الله استغنى عنه!
فاحمد الله على الاصطفاء، فإنكَ تحتاجه ولا يحتاجك!
تأملها جيداً: فأوفِ لنا الكيل
يا صاحبي،
سل الله القبول،
فرُبَّ قائم ليس له من قيامه إلا النَّصب والتعب،
ورُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش،
واعلم أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله،
وإنما بعد أن تتغمده رحمة اللهِ،
حتى النبي ﷺ لن يدخلها بعمله إنما برحمة الله،
فكيف بالذين هم دونه، وكلنا دونه!
في شُعب الإيمان للبيهقي، والمستدرك للحاكم يروى
أن رجلاً عبد اللهَ خمسمئة سنةٍ في رأس جبلٍ وليس له معصية،
فلما كان يوم القيامة، قال الله لملائكته: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي!
قال: إنما أدخلها بعملي يا رب
فقال الله: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي!
فقال: إنما أدخلها بعملي يارب
فقال الله: قايسوا نعمتي عليه بعمله!
فوجدوا أن نعمة البصر وحدها قد فاقت كل عمله وبقي باقي جسده!
فقال: أدخلوا عبدي النار!
فجعلَ الرجل يقول: برحمتكَ يا رب، برحمتكَ يا رب!
فقال الله: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي!
تأملها جيداً: وتصدَّقْ علينا!
هكذا يا صاحبي،
سؤال الفقير الذي يعرفُ أنه ليس له عند الغني الذي يسأله ضربة لازم!
وإنما يستعطفه ويُرقق قلبه عليه!
وليكُنْ هذا سؤالك لربك،
سؤال الذي يطلبُ المِنّة، ويعرف أنه ليس له على ربه ضربة لازم!
وإنما يسأل من إذا حرَمه لم يظلمه،
وإذا أعطاه فقد تكرّم وتحننَ عليه!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
على خُطى الرَّسول ﷺ ١١٧
إنه من أهل النار
كان في المدينة رجلٌ يُقال له قُزمان، إذا ذُكر للنبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: هو من أهل النار!
فلما كانت غزوة أُحدٍ خرج قُزمان في جيش المسلمين لقتال قُريش، فقاتلَ قتالاً شديداً، وقتلَ وحده ثمانية من المشركين، وأصابته جراحٌ بليغة، فحملوه بعد انتهاء المعركة إلى دار بني ظفر.
وقال له المسلمون يُصبرونه: واللهِ لقد أبليتَ يا قُزمان بلاءً حسناً، فأبشِرْ!
فقال: بماذا أَبشر؟ فواللهِ ما قاتلتُ إلا عن أحساب قومي، ولولا ذلك ما قاتلتُ!
ولما اشتدَّتْ عليه جراحه أخذ سهماً من كنانته فقتل به نفسه!
إنَّ اللهَ سبحانه لا يقبلُ من العملِ إلا ما كان خالصاً لوجه الكريم! ولو كان الله سبحانه يقبلُ العمل الصالح الذي يُبتغى به غيره، لقبلَ من قُزمان، معركة حامية الوطيس بين الإيمان والكفر، وهو في معسكر الإيمان، قاتل قتال الأبطال، وأثخن في قريش إثخان الفرسان، وهو أكثر من قتل منهم في ذلك اليوم، فلم تذكر كُتب السيرة أن أحداً من جيش المسلمين قتل ثمانية من جيش المشركين غير قُزمان! ولكن للأسف أن كل هذه الشجاعة والبسالة لم تكن للهِ، وإنما خرجَ حميَّةً، قومه من أهل المدينة من المسلمين قد خرجوا للحرب فخرجَ معهم، فأكبه اللهُ على وجهه في النار!
نحن البشر لا نرى من الأعمال إلا ما ظهر منها، وقد أُمرنا أن نحكم على الظواهر، ونترك النوايا لربِّ النوايا، فهو وحده المطلع على خفايا النفوس، إنه لا يرانا من أعلى، وإنما يرانا من الداخل!
قبل أن تحمل الصدقة لتضعها في يد فقير اصلِحْ نيَّتك، فليس لكَ من أجرٍ إلا بمقدار ما كان من صدقتكَ للهِ، لن ينفعك مدح المادحين إن كانت صدقتك رياءً، ومن باب يا أيها الناس شاهدوني أنا محسن كريم!
وقبل أن تلبس ثياب إحرامك للحج أصلِحْ نيَّتك، فليس لكَ من أجر مالٍ ولا إحرام ولا طواف ولا سعي ولا رجم ولا هدي إلا بمقدار ما كان لله سبحانه من كل هذا، فإن كان حجَّكَ ليقولوا عنكَ ضيفُ الرحمن، أو لتكتبَ على لافتة دكانك الحاج فلان، أو لتنال مركزاً مرموقاً، فأنتَ قد تكلفتَ نفقةً، وكسبتَ مشقّةَ السَّفر، وليس لكَ من الأجر شيء!
النوايا مناط الأعمال، فمن نوى الخير وأحيل بينه وبين نيته أعطاه الله سبحانه أجره كاملاً كأنه فعل، ومن فعلَ الخيرَ فعلاً يريدُ به ثناء الناس، والشهرة كان عمله للناس، وأجره من الناس، والله غنيٌّ عنه وعن عبادته!
فأصلحوا نواياكم!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
إنه من أهل النار
كان في المدينة رجلٌ يُقال له قُزمان، إذا ذُكر للنبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: هو من أهل النار!
فلما كانت غزوة أُحدٍ خرج قُزمان في جيش المسلمين لقتال قُريش، فقاتلَ قتالاً شديداً، وقتلَ وحده ثمانية من المشركين، وأصابته جراحٌ بليغة، فحملوه بعد انتهاء المعركة إلى دار بني ظفر.
وقال له المسلمون يُصبرونه: واللهِ لقد أبليتَ يا قُزمان بلاءً حسناً، فأبشِرْ!
فقال: بماذا أَبشر؟ فواللهِ ما قاتلتُ إلا عن أحساب قومي، ولولا ذلك ما قاتلتُ!
ولما اشتدَّتْ عليه جراحه أخذ سهماً من كنانته فقتل به نفسه!
إنَّ اللهَ سبحانه لا يقبلُ من العملِ إلا ما كان خالصاً لوجه الكريم! ولو كان الله سبحانه يقبلُ العمل الصالح الذي يُبتغى به غيره، لقبلَ من قُزمان، معركة حامية الوطيس بين الإيمان والكفر، وهو في معسكر الإيمان، قاتل قتال الأبطال، وأثخن في قريش إثخان الفرسان، وهو أكثر من قتل منهم في ذلك اليوم، فلم تذكر كُتب السيرة أن أحداً من جيش المسلمين قتل ثمانية من جيش المشركين غير قُزمان! ولكن للأسف أن كل هذه الشجاعة والبسالة لم تكن للهِ، وإنما خرجَ حميَّةً، قومه من أهل المدينة من المسلمين قد خرجوا للحرب فخرجَ معهم، فأكبه اللهُ على وجهه في النار!
نحن البشر لا نرى من الأعمال إلا ما ظهر منها، وقد أُمرنا أن نحكم على الظواهر، ونترك النوايا لربِّ النوايا، فهو وحده المطلع على خفايا النفوس، إنه لا يرانا من أعلى، وإنما يرانا من الداخل!
قبل أن تحمل الصدقة لتضعها في يد فقير اصلِحْ نيَّتك، فليس لكَ من أجرٍ إلا بمقدار ما كان من صدقتكَ للهِ، لن ينفعك مدح المادحين إن كانت صدقتك رياءً، ومن باب يا أيها الناس شاهدوني أنا محسن كريم!
وقبل أن تلبس ثياب إحرامك للحج أصلِحْ نيَّتك، فليس لكَ من أجر مالٍ ولا إحرام ولا طواف ولا سعي ولا رجم ولا هدي إلا بمقدار ما كان لله سبحانه من كل هذا، فإن كان حجَّكَ ليقولوا عنكَ ضيفُ الرحمن، أو لتكتبَ على لافتة دكانك الحاج فلان، أو لتنال مركزاً مرموقاً، فأنتَ قد تكلفتَ نفقةً، وكسبتَ مشقّةَ السَّفر، وليس لكَ من الأجر شيء!
النوايا مناط الأعمال، فمن نوى الخير وأحيل بينه وبين نيته أعطاه الله سبحانه أجره كاملاً كأنه فعل، ومن فعلَ الخيرَ فعلاً يريدُ به ثناء الناس، والشهرة كان عمله للناس، وأجره من الناس، والله غنيٌّ عنه وعن عبادته!
فأصلحوا نواياكم!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
السلام عليك يا صاحبي ٧٢
السّلام عليكَ يا صاحبي،
تقول الأسطورة: أن راعياً كان يرعى خِرافه في الغابة،
وكان من عادته أن يضربَ في مزماره ألحاناً عذبة،
فحدث مرَّةً أن استعذبتْ حيَّةٌ ألحان مزماره،
فدخلتْ إلى جحرها وأخرجتْ ليرةً ذهبيةً وألقتها أمام الراعي!
أخذ الراعي الليرة الذهبية وعاد إلى بيته مسروراً،
وفي صبيحة اليوم التالي قصد المكان ذاته، وبدأ يضربُ في مزماره ألحانه العذبة،
فخرجت الحية ترقص وتتمايل طرباً،
ثم دخلتْ جحرها وأخرجتْ ليرةً ذهبيةً وألقتها بين يديه!
استمرَّ الحال على هذا المنوال، وبدأت أحوال الراعي تتحسن،
فقرر أن يذهبَ لأداء فريضة الحج،
وأوصى ابنه بالقطيع،
وأوصاه أيضاً أن يرعى حيث يشاء إلا في تلك البقعة دون أن يخبره عن السبب!
ساقَ الابن القطيع إلى المرعى ثم قال في نفسه:
ما نهاني أبي عن الرَّعي في تلك الناحية إلا لأمر ما،
ودفعه الفضول وحماس الشباب إلى اكتشاف المجهول،
ذهبَ بالقطيع إلى الناحية التي نهاه عنها أبوه،
وبدأ ينفخ في مزماره فخرجتْ الحية على عادتها ترقص وتتمايل،
ثم دخلتْ إلى جحرها وأخرجتْ ليرةً ذهبيةً وألقتها بين يديه!
أخذ الابن الليرة الذهبية وعاد إلى البيت وهو يقول في نفسه:
لا شكَّ أنَّ هذه الحيّة تُخفي كنزاً كبيراً، سأقتلها وآخذُ الكنز وحدي!
صبيحة اليوم التالي أخذ سيفه ومزماره عاقداً العزم على قتل الحية وأخذ الكنز!
بدأ يعزفُ ألحانه فخرجتْ الحية طَربةً كعادتها كل مرةٍ،
فاستلَّ سيفه وعاجلها بضربةٍ قطع لها ذيلها فلدغته فإذا هو جثة هامدة!
عاد الأب بعد أن أدى فريضة الحج فأخبروه كيف وجدوا ابنه صريعَ لدغةِ أفعى،
فعرفَ أنَّ هذا من صنيع الحية التي يعرفها،
فأضمرَ الشرَّ في نفسه، وعزمَ على الثأر!
ذهبَ إلى حيث اعتاد أن يرعى في الأيام الخوالي،
وبدأ يضربُ في مزماره ألحانه القديمة،
فخرجتْ الحية كما كانت تفعل،
ثم عادت بسرعةٍ ودخلتْ جحرها ، وأخرجتْ ليرةً ذهبيةً، وألقتها للراعي
وقالت له: خذها وامضِ، فأنتَ لن تنسى ابنكَ، وأنا لن أنسى ذيلي!
لا أحد ينسى جراحه يا صاحبي،
مهما مرَّت الأيام على الجرح،
وغطَّتها رمال الزمن إلا أنها تبقى تنِزُّ على الدوام!
الجارح سيبقى متخوّفاً من الانتقام،
والمجروح سيبقى متحيّناً فرصة للثأر!
أسوأ ما في الجراح ليس الألم المصاحب لها، وإن كان هذا موجعاً لا شك،
وإنما الأسوأ هو انكسار الثقة!
فلا المطعون سيثق مجدداً،
ولا الطاعن سيصدق أن الصفحة قد طُويت!
يا صاحبي،
بعض الجروح لا ينفع معها إلا أن تلملم خيبتك وتمضي!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السّلام عليكَ يا صاحبي،
تقول الأسطورة: أن راعياً كان يرعى خِرافه في الغابة،
وكان من عادته أن يضربَ في مزماره ألحاناً عذبة،
فحدث مرَّةً أن استعذبتْ حيَّةٌ ألحان مزماره،
فدخلتْ إلى جحرها وأخرجتْ ليرةً ذهبيةً وألقتها أمام الراعي!
أخذ الراعي الليرة الذهبية وعاد إلى بيته مسروراً،
وفي صبيحة اليوم التالي قصد المكان ذاته، وبدأ يضربُ في مزماره ألحانه العذبة،
فخرجت الحية ترقص وتتمايل طرباً،
ثم دخلتْ جحرها وأخرجتْ ليرةً ذهبيةً وألقتها بين يديه!
استمرَّ الحال على هذا المنوال، وبدأت أحوال الراعي تتحسن،
فقرر أن يذهبَ لأداء فريضة الحج،
وأوصى ابنه بالقطيع،
وأوصاه أيضاً أن يرعى حيث يشاء إلا في تلك البقعة دون أن يخبره عن السبب!
ساقَ الابن القطيع إلى المرعى ثم قال في نفسه:
ما نهاني أبي عن الرَّعي في تلك الناحية إلا لأمر ما،
ودفعه الفضول وحماس الشباب إلى اكتشاف المجهول،
ذهبَ بالقطيع إلى الناحية التي نهاه عنها أبوه،
وبدأ ينفخ في مزماره فخرجتْ الحية على عادتها ترقص وتتمايل،
ثم دخلتْ إلى جحرها وأخرجتْ ليرةً ذهبيةً وألقتها بين يديه!
أخذ الابن الليرة الذهبية وعاد إلى البيت وهو يقول في نفسه:
لا شكَّ أنَّ هذه الحيّة تُخفي كنزاً كبيراً، سأقتلها وآخذُ الكنز وحدي!
صبيحة اليوم التالي أخذ سيفه ومزماره عاقداً العزم على قتل الحية وأخذ الكنز!
بدأ يعزفُ ألحانه فخرجتْ الحية طَربةً كعادتها كل مرةٍ،
فاستلَّ سيفه وعاجلها بضربةٍ قطع لها ذيلها فلدغته فإذا هو جثة هامدة!
عاد الأب بعد أن أدى فريضة الحج فأخبروه كيف وجدوا ابنه صريعَ لدغةِ أفعى،
فعرفَ أنَّ هذا من صنيع الحية التي يعرفها،
فأضمرَ الشرَّ في نفسه، وعزمَ على الثأر!
ذهبَ إلى حيث اعتاد أن يرعى في الأيام الخوالي،
وبدأ يضربُ في مزماره ألحانه القديمة،
فخرجتْ الحية كما كانت تفعل،
ثم عادت بسرعةٍ ودخلتْ جحرها ، وأخرجتْ ليرةً ذهبيةً، وألقتها للراعي
وقالت له: خذها وامضِ، فأنتَ لن تنسى ابنكَ، وأنا لن أنسى ذيلي!
لا أحد ينسى جراحه يا صاحبي،
مهما مرَّت الأيام على الجرح،
وغطَّتها رمال الزمن إلا أنها تبقى تنِزُّ على الدوام!
الجارح سيبقى متخوّفاً من الانتقام،
والمجروح سيبقى متحيّناً فرصة للثأر!
أسوأ ما في الجراح ليس الألم المصاحب لها، وإن كان هذا موجعاً لا شك،
وإنما الأسوأ هو انكسار الثقة!
فلا المطعون سيثق مجدداً،
ولا الطاعن سيصدق أن الصفحة قد طُويت!
يا صاحبي،
بعض الجروح لا ينفع معها إلا أن تلملم خيبتك وتمضي!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السلام عليك يا صاحبي ٧٣
السّلام عليك يا صاحبي،
منذ فترةٍ شاهدتُ فيلماً راق لي كثيراً،
فيه رسالة عميقة جداً، والتِفَاتَة تُحسب لكاتبه،
اسم الفيلم "shutter" ويحكي قصة شخصٍ يشعرُ بآلامٍ شديدة أسفل ظهره،
أجرى فحوصاتٍ كثيرة،
وعرض نفسه على أطباء،
ولكن دون جدوى،
فلم يستطع أحدٌ أن يُشخِّص له سبب هذه الأوجاع!
وفي أحد الأيام التقط صورةً لنفسه،
وكم كانت دهشته عظيمة عندما شاهد في الصورة امرأةً تجلسُ على كتفيه!
حاول أن يتذكر: من يا تُرى تكون هذه المرأة؟
فاكتشف أنها تلك المرأة التي صدمها ذات ليلةٍ بسيارته فماتت،
فولّى مدبراً دون أن يحملها إلى المستشفى أو يُبلغ الشرطة!
الفيلم قائم على فكرة خرافية وهي أن أرواح المظلومين تبقى تُلاحق ظالميها،
صحيح أننا نؤمن أن الأرواح بعد الموت إما في نعيم وإما في عذاب،
ولكن ما أعجبني في الفيلم هي فكرة أن الأشياء السيئة التي يفعلها المرءُ ستبقى تلاحقه!
وهذه فكرة ليست بعيدة عن الدين إطلاقاً!
نحن نؤمن أن الظالم سينال عقابه نهاية المطاف،
وأن المحسن سينال جزاء إحسانه،
وإن لم يكن في الدنيا، فهناك آخرة!
غير أنه من عدل الله في الدنيا،
أنَّ بعض الأفعال يُعجِّل الله عقابها أو جزاءها في الدنيا!
خُذ عندك البرَّ والعقوق مثلاً،
هذه قلما تتأجل إلى يوم القيامة..
فالولد العاق يُبتلى بالأولاد العاقين غالباً،
والابن البار يُكافأ بالأولاد البارين،
أيضاً قلما تنفضُّ الدنيا ولم ينتقم اللهُ من ظالمٍ،
وإن أخَّره إلى يوم القيامة فلحكمةٍ منه سبحانه!
يا صاحبي،
هذه الدنيا دولاب لا يكُفَّ عن الدوران،
وكل ساقٍ سيُسقى بما سقى،
فأحسِنْ سُقيا غيركَ،
لأنك ستشربُ من نفس الكأس الذي سقيته إياه!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السّلام عليك يا صاحبي،
منذ فترةٍ شاهدتُ فيلماً راق لي كثيراً،
فيه رسالة عميقة جداً، والتِفَاتَة تُحسب لكاتبه،
اسم الفيلم "shutter" ويحكي قصة شخصٍ يشعرُ بآلامٍ شديدة أسفل ظهره،
أجرى فحوصاتٍ كثيرة،
وعرض نفسه على أطباء،
ولكن دون جدوى،
فلم يستطع أحدٌ أن يُشخِّص له سبب هذه الأوجاع!
وفي أحد الأيام التقط صورةً لنفسه،
وكم كانت دهشته عظيمة عندما شاهد في الصورة امرأةً تجلسُ على كتفيه!
حاول أن يتذكر: من يا تُرى تكون هذه المرأة؟
فاكتشف أنها تلك المرأة التي صدمها ذات ليلةٍ بسيارته فماتت،
فولّى مدبراً دون أن يحملها إلى المستشفى أو يُبلغ الشرطة!
الفيلم قائم على فكرة خرافية وهي أن أرواح المظلومين تبقى تُلاحق ظالميها،
صحيح أننا نؤمن أن الأرواح بعد الموت إما في نعيم وإما في عذاب،
ولكن ما أعجبني في الفيلم هي فكرة أن الأشياء السيئة التي يفعلها المرءُ ستبقى تلاحقه!
وهذه فكرة ليست بعيدة عن الدين إطلاقاً!
نحن نؤمن أن الظالم سينال عقابه نهاية المطاف،
وأن المحسن سينال جزاء إحسانه،
وإن لم يكن في الدنيا، فهناك آخرة!
غير أنه من عدل الله في الدنيا،
أنَّ بعض الأفعال يُعجِّل الله عقابها أو جزاءها في الدنيا!
خُذ عندك البرَّ والعقوق مثلاً،
هذه قلما تتأجل إلى يوم القيامة..
فالولد العاق يُبتلى بالأولاد العاقين غالباً،
والابن البار يُكافأ بالأولاد البارين،
أيضاً قلما تنفضُّ الدنيا ولم ينتقم اللهُ من ظالمٍ،
وإن أخَّره إلى يوم القيامة فلحكمةٍ منه سبحانه!
يا صاحبي،
هذه الدنيا دولاب لا يكُفَّ عن الدوران،
وكل ساقٍ سيُسقى بما سقى،
فأحسِنْ سُقيا غيركَ،
لأنك ستشربُ من نفس الكأس الذي سقيته إياه!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السلام عليك يا صاحبي ٧٢
السّلام عليكَ يا صاحبي،
قال ميمون بن مهران لصديقه:
إني أتصدَّقُ فأجدُ مالي يزداد،
فتصدَّقَ صاحبه، ثم قال:
تصدَّقتُ فوجدتُ مالي ينقصُ!
فقال له ميمون: أنا أعامل الله بيقين وأنتَ تُجرِّبه!
يا صاحبي،
أول خطوات إجابة الدعاء،
أن يستقرَّ في قلبكَ أنه سيستجيب!
وأول خطوات الشفاء،
أن يستقرَّ في قلبكَ أنه سيشفيكَ!
وأول خطوات المغفرة،
أن يستقرَّ في قلبكَ أنه سيغفرُ لكَ!
لا شيء أسرعُ للإجابة من أن ينظرَ اللهُ في قلب عبده،
فيرى أنه قد عقدَ كل الأمل على ربه!
أما دُعاء المُجرِّب فهذه عبادة التجار:
أضعُ مالاً في صفقةٍ وأراقب السوق،
فإن ربحتُ فقد أحسنتُ الاستثمار،
وإن خسرتُ فالأسباب لم تكُنْ مؤاتية!
يا صاحبي إنَّ الله لا يُعبدُ على حَرْفٍ:
إن أعطى قلنا هو قادر،
وإن منعَ تزعزع الإيمان واهتزَّ اليقين!
تعلمْ اليقين من الأوائل!
اُنظُرْ إلى أم موسى كيف ألقته في اليم وكلها ثقة أن الله سبحانه سيعيده إليها،
لقد صدَّقتْ الله وكذَّبتْ كلَّ شيءٍ!
لم تقُلْ: كيف لرضيعٍ أن ينجو في صندوق تتقاذفه المياه من كل جانب؟!
ولم تقُلْ: كيف أرسله إلى فرعون بيديَّ وهو الذي كان يبحثُ عنه ليذبحه؟!
كان يكفيها أن تسمع وعد ربها: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾
حتى تلقيه في النهر دون أن ترتجفَ يدها!
اُنظُرْ إلى هاجر وقد جاء بها إبراهيم عليه السّلام وبرضيعها إلى صحراء مقفرة،
لا ماء فيها ولا شجر ولا أنيس ولا جليس،
أعطاها قربة ماءٍ وجُراباً فيه تمر،
ودار ظهره ومضى!
فما زادت إلا أن قالتْ له: آلله أمركَ بهذا؟
فقال: نعم
فقالت له: اِذهبْ فلن يُضيعنا الله!
وعندما نفد منها الماء وجعلت تهرول بين الصفا والمروة،
كانت كل غايتها أن تحصل على شربة ماء!
ففجَّر اللهُ زمزم بين رجلي ابنها،
يقين هاجر ردّه الله إليها بماء زمزم،
يا صاحبي إنَّ الله لا يُضيِّعُ أهله!
والسّلام لقلبكَ!
أدهم شرقاوي
السّلام عليكَ يا صاحبي،
قال ميمون بن مهران لصديقه:
إني أتصدَّقُ فأجدُ مالي يزداد،
فتصدَّقَ صاحبه، ثم قال:
تصدَّقتُ فوجدتُ مالي ينقصُ!
فقال له ميمون: أنا أعامل الله بيقين وأنتَ تُجرِّبه!
يا صاحبي،
أول خطوات إجابة الدعاء،
أن يستقرَّ في قلبكَ أنه سيستجيب!
وأول خطوات الشفاء،
أن يستقرَّ في قلبكَ أنه سيشفيكَ!
وأول خطوات المغفرة،
أن يستقرَّ في قلبكَ أنه سيغفرُ لكَ!
لا شيء أسرعُ للإجابة من أن ينظرَ اللهُ في قلب عبده،
فيرى أنه قد عقدَ كل الأمل على ربه!
أما دُعاء المُجرِّب فهذه عبادة التجار:
أضعُ مالاً في صفقةٍ وأراقب السوق،
فإن ربحتُ فقد أحسنتُ الاستثمار،
وإن خسرتُ فالأسباب لم تكُنْ مؤاتية!
يا صاحبي إنَّ الله لا يُعبدُ على حَرْفٍ:
إن أعطى قلنا هو قادر،
وإن منعَ تزعزع الإيمان واهتزَّ اليقين!
تعلمْ اليقين من الأوائل!
اُنظُرْ إلى أم موسى كيف ألقته في اليم وكلها ثقة أن الله سبحانه سيعيده إليها،
لقد صدَّقتْ الله وكذَّبتْ كلَّ شيءٍ!
لم تقُلْ: كيف لرضيعٍ أن ينجو في صندوق تتقاذفه المياه من كل جانب؟!
ولم تقُلْ: كيف أرسله إلى فرعون بيديَّ وهو الذي كان يبحثُ عنه ليذبحه؟!
كان يكفيها أن تسمع وعد ربها: ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾
حتى تلقيه في النهر دون أن ترتجفَ يدها!
اُنظُرْ إلى هاجر وقد جاء بها إبراهيم عليه السّلام وبرضيعها إلى صحراء مقفرة،
لا ماء فيها ولا شجر ولا أنيس ولا جليس،
أعطاها قربة ماءٍ وجُراباً فيه تمر،
ودار ظهره ومضى!
فما زادت إلا أن قالتْ له: آلله أمركَ بهذا؟
فقال: نعم
فقالت له: اِذهبْ فلن يُضيعنا الله!
وعندما نفد منها الماء وجعلت تهرول بين الصفا والمروة،
كانت كل غايتها أن تحصل على شربة ماء!
ففجَّر اللهُ زمزم بين رجلي ابنها،
يقين هاجر ردّه الله إليها بماء زمزم،
يا صاحبي إنَّ الله لا يُضيِّعُ أهله!
والسّلام لقلبكَ!
أدهم شرقاوي
على خُطى الرَّسول ﷺ ١١٨
إنَّ الرّفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه
كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم هيِّناً، ليِّناً، سَمْحاً، قريباً من الناس، وعندما سُئلتْ عائشة عن خُلقِه، قالتْ: كان خُلقُه القرآن!
وقال مرةً لأصحابه محدِّثاً إيِّاهم عن أهمية الرِّفق، ولين الجانب: إنَّ الرِّفقَ لا يكون في شيءٍ
إلا زانه، ولا يُنزعُ من شيءٍ إلا شانه!
على أنَّ الرِّفقَ له مواضع، والحزمُ له مواضع، ووضع الرِّفق في موقف الحزم حمق، تماماً كوضع الحزمِ في موقف الرِّفق!
عندما أراد أبو بكر الصديق أن يوصيَ بالخلافة لعمر بن الخطاب من بعده، اعترضَ بعضُ الصحابة على هذا القرار، وصارحوا أبا بكر في السبب فقالوا: إنَّ عمر كان يشتدُّ علينا وأنتَ الخليفة وهو الوزير، فكيف يصنعُ وقد صار الخليفة؟!
فقال لهم أبو بكر قوله السياسي المحنك العالم بالنفوس: إنَّ عُمرَ كان يشتدُّ لما يرى من رفقي، فكان يُقوّمَ رفقي بشدته، وإنه إذا صار الأمرُ إليه ليكونَنَّ على غير ما عهدتموه!
وصدقتْ فراسة أبي بكر، فإنَّ عمر بن الخطاب كان حازماً دون أن يفقد رقَّته، وكان رقيقاً دون أن يفقد حزمه، وهنا كان سر عظمته!
يقول زياد بن أبيه: ما غلبني معاوية في شيءٍ إلا مرةٍ واحدة، استعملتُ رجلاً فكسرَ متاعي، فخشيَ أن أعاقبه، ففرَّ مني إلى معاوية فكتبتُ إليه: إنَّ في هذا أدب سوء لمن استعملته! يريدُ أن يقول لمعاوية أنك بحمايتك هذا الذي أخلَّ بواجبه وفرَّ إليكَ تشجيعاً له!
فكتبَ معاوية إليَّ: إنه لا ينبغي أن نسوس الناس سياسة واحدة، أن نلينَ جميعاً فيمرحُ الناس في المعصية، ولا نشتدُّ جميعاً فنحملُ الناس على المهالك، ولكن تكون أنتَ للشِّدة والفظاظة، وأكون أنا للين والألفة!
درس عظيم ليس في سياسة الدولة فقط، وإنما في سياسة البيوت أيضاً! فإذا اشتدَّ الأبوان أوشكا أن يكسرا الأولاد، ويصبح البيت كثكنة عسكرية! وإذا لانا معاً أوشكا أن يُضيعا الأولاد، ولا بد من بعض الحزم لضمان التربية!
لهذا عليهما أن يتناوبا في الحزم واللين، فإذا اشتدَّ الأبُ في موقف كانت الأم صدراً حنوناً، تسمع لهم، وتخبرهم بهدوء بخطئهم، وتسعى لإصلاح الأمر، وتدبر اعتذار الأولاد من الأب وعودة المياه إلى مجاريها! وإذا اشتدَّت الأم في موقف وجبَ على الأب أن يلين، لأننا نريدُ تربية الأولاد لا كسرهم، وتقويمهم لا هزمهم!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
إنَّ الرّفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه
كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم هيِّناً، ليِّناً، سَمْحاً، قريباً من الناس، وعندما سُئلتْ عائشة عن خُلقِه، قالتْ: كان خُلقُه القرآن!
وقال مرةً لأصحابه محدِّثاً إيِّاهم عن أهمية الرِّفق، ولين الجانب: إنَّ الرِّفقَ لا يكون في شيءٍ
إلا زانه، ولا يُنزعُ من شيءٍ إلا شانه!
على أنَّ الرِّفقَ له مواضع، والحزمُ له مواضع، ووضع الرِّفق في موقف الحزم حمق، تماماً كوضع الحزمِ في موقف الرِّفق!
عندما أراد أبو بكر الصديق أن يوصيَ بالخلافة لعمر بن الخطاب من بعده، اعترضَ بعضُ الصحابة على هذا القرار، وصارحوا أبا بكر في السبب فقالوا: إنَّ عمر كان يشتدُّ علينا وأنتَ الخليفة وهو الوزير، فكيف يصنعُ وقد صار الخليفة؟!
فقال لهم أبو بكر قوله السياسي المحنك العالم بالنفوس: إنَّ عُمرَ كان يشتدُّ لما يرى من رفقي، فكان يُقوّمَ رفقي بشدته، وإنه إذا صار الأمرُ إليه ليكونَنَّ على غير ما عهدتموه!
وصدقتْ فراسة أبي بكر، فإنَّ عمر بن الخطاب كان حازماً دون أن يفقد رقَّته، وكان رقيقاً دون أن يفقد حزمه، وهنا كان سر عظمته!
يقول زياد بن أبيه: ما غلبني معاوية في شيءٍ إلا مرةٍ واحدة، استعملتُ رجلاً فكسرَ متاعي، فخشيَ أن أعاقبه، ففرَّ مني إلى معاوية فكتبتُ إليه: إنَّ في هذا أدب سوء لمن استعملته! يريدُ أن يقول لمعاوية أنك بحمايتك هذا الذي أخلَّ بواجبه وفرَّ إليكَ تشجيعاً له!
فكتبَ معاوية إليَّ: إنه لا ينبغي أن نسوس الناس سياسة واحدة، أن نلينَ جميعاً فيمرحُ الناس في المعصية، ولا نشتدُّ جميعاً فنحملُ الناس على المهالك، ولكن تكون أنتَ للشِّدة والفظاظة، وأكون أنا للين والألفة!
درس عظيم ليس في سياسة الدولة فقط، وإنما في سياسة البيوت أيضاً! فإذا اشتدَّ الأبوان أوشكا أن يكسرا الأولاد، ويصبح البيت كثكنة عسكرية! وإذا لانا معاً أوشكا أن يُضيعا الأولاد، ولا بد من بعض الحزم لضمان التربية!
لهذا عليهما أن يتناوبا في الحزم واللين، فإذا اشتدَّ الأبُ في موقف كانت الأم صدراً حنوناً، تسمع لهم، وتخبرهم بهدوء بخطئهم، وتسعى لإصلاح الأمر، وتدبر اعتذار الأولاد من الأب وعودة المياه إلى مجاريها! وإذا اشتدَّت الأم في موقف وجبَ على الأب أن يلين، لأننا نريدُ تربية الأولاد لا كسرهم، وتقويمهم لا هزمهم!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
السلام عليك يا صاحبي ٧٤
السّلام عليك يا صاحبي،
كنتُ أقرأ البارحة في سيرة حياة صديقي الدكتور مصطفى محمود،
وسبق أن أخبرتك أنه ليس بالضرورة أن تلتقي بإنسان ليكون صديقك،
ثمة أشخاص تعرفُ أنك لو التقيتهم لكنتم أصدقاء!
كان مصطفى محمود يُحبُّ التشريح كثيراً ،
لدرجة أنه في سنته الجامعية الأولى في كلية الطب،
اشترى نصف جثة ووضعها بالفورمالين تحت سريره،
ولم يكن يعرف أن الفورمالين الذي يُحفظُ به الجثث من التعفن،
له رائحة نفَّاذة يؤدي تنشقه فترةً طويلة إلى تلفٍ في الرئتين!
وبعد مضي ثلاث سنوات تضررت رئتاه كثيراً،
وتم عزله في غرفة صغيرةٍ لثلاث سنواتٍ أيضاً،
لم يكن يستطيع فيها أن يذهب إلى الجامعة حتى تخرج زملاؤه،
وبقي هو حبيس غرفته!
اعتقد مصطفى محمود أنه منحوس إذ فاته التخرج،
وكان ممنوعاً من عمل شيءٍ سوى القراءة،
فقرأ في هذه الفترة ما يزيد على أربعة آلاف كتاب!
وبعد انقضاء هذه المِحنة، وزوال هذه الغُمَّة،
اكتشفَ أن هذه السنوات كانت أجمل ما حدثَ له،
كانت هي التي صنعته بأمر ربه!
يا صاحبي،
إن اللهَ يسوق لنا لطفه أحياناً على طبقٍ من الابتلاء!
لولا هذه العزلة لربما تخرج مصطفى محمود طبيباً عادياً،
ومات دون أن يدري به أحد،
ولكنَّ الله أراد أن يصنعَ صاحب برنامج العلم والإيمان على عينه!
يا صاحبي،
لولا السجن ما صار يوسف عليه السّلام عزيز مصر!
ولولا امتحان الذّبح ما صار إبراهيم عليه السّلام خليل الله!
ولولا امتحان الانجاب دون زوج ما كانت الصِّدِّيقة مريم تُقرأ قصتها في المصحف!
فسبحان من يبتليكَ ليُرقيكَ!
يا صاحبي،
ثِقْ بتدبير الله!
قتلُ الغلام كان قمة اللطف لأن الله سبحانه يبتلي بالصغيرة ليُنجي من الكبيرة،
ربما وأنتَ تقرأ في سيرة النبيِّﷺ اعتصرَ قلبُكَ ألماً عليه،
وهو على مشارف مكة يودعها والدموع في عينيه ليلة الهجرة،
ولكن لولا الهجرة ما كان ليكون للإسلام دولة،
ولولا دموع الفراق ما كانت عِزّة الفتح!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السّلام عليك يا صاحبي،
كنتُ أقرأ البارحة في سيرة حياة صديقي الدكتور مصطفى محمود،
وسبق أن أخبرتك أنه ليس بالضرورة أن تلتقي بإنسان ليكون صديقك،
ثمة أشخاص تعرفُ أنك لو التقيتهم لكنتم أصدقاء!
كان مصطفى محمود يُحبُّ التشريح كثيراً ،
لدرجة أنه في سنته الجامعية الأولى في كلية الطب،
اشترى نصف جثة ووضعها بالفورمالين تحت سريره،
ولم يكن يعرف أن الفورمالين الذي يُحفظُ به الجثث من التعفن،
له رائحة نفَّاذة يؤدي تنشقه فترةً طويلة إلى تلفٍ في الرئتين!
وبعد مضي ثلاث سنوات تضررت رئتاه كثيراً،
وتم عزله في غرفة صغيرةٍ لثلاث سنواتٍ أيضاً،
لم يكن يستطيع فيها أن يذهب إلى الجامعة حتى تخرج زملاؤه،
وبقي هو حبيس غرفته!
اعتقد مصطفى محمود أنه منحوس إذ فاته التخرج،
وكان ممنوعاً من عمل شيءٍ سوى القراءة،
فقرأ في هذه الفترة ما يزيد على أربعة آلاف كتاب!
وبعد انقضاء هذه المِحنة، وزوال هذه الغُمَّة،
اكتشفَ أن هذه السنوات كانت أجمل ما حدثَ له،
كانت هي التي صنعته بأمر ربه!
يا صاحبي،
إن اللهَ يسوق لنا لطفه أحياناً على طبقٍ من الابتلاء!
لولا هذه العزلة لربما تخرج مصطفى محمود طبيباً عادياً،
ومات دون أن يدري به أحد،
ولكنَّ الله أراد أن يصنعَ صاحب برنامج العلم والإيمان على عينه!
يا صاحبي،
لولا السجن ما صار يوسف عليه السّلام عزيز مصر!
ولولا امتحان الذّبح ما صار إبراهيم عليه السّلام خليل الله!
ولولا امتحان الانجاب دون زوج ما كانت الصِّدِّيقة مريم تُقرأ قصتها في المصحف!
فسبحان من يبتليكَ ليُرقيكَ!
يا صاحبي،
ثِقْ بتدبير الله!
قتلُ الغلام كان قمة اللطف لأن الله سبحانه يبتلي بالصغيرة ليُنجي من الكبيرة،
ربما وأنتَ تقرأ في سيرة النبيِّﷺ اعتصرَ قلبُكَ ألماً عليه،
وهو على مشارف مكة يودعها والدموع في عينيه ليلة الهجرة،
ولكن لولا الهجرة ما كان ليكون للإسلام دولة،
ولولا دموع الفراق ما كانت عِزّة الفتح!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي