السلام عليك يا صاحبي ٦٤
السّلام عليك يا صاحبي،
صدقني حين أقول لكَ أن أشرس معركةٍ
يخوضها الإنسان، هي معركة الحفاظ على نقاء قلبه!
هذه الحياة مُتلفةٌ للقلوب!
فمهما خسرتَ إياكَ أن تخسرَ قلبكَ،
من يخسر قلبه مهزوم، ولو ربح الدنيا كلها!
يا صاحبي،
إنَّ المؤمن في هذه الدنيا كالمقاتل في الحرب،
يُغيِّرُ موقعه ولكنه لا يترك الجبهة!
بعض المعارك طاحنة لا يقدر عليها كل الجنود،
ولا بأس بالانسحاب من بعض المعارك ما دامت النية
أن نكسب الحرب نهاية المطاف!
فإن كانت لكَ عبادةٌ تسابقُ بها الريح، ثم وجدتَ في نفسكَ عنها فتوراً،
فافتح لكَ مضماراً آخر،
وإن أُوصدَ في وجهكَ بابٌ إلى الله ،
فلا تجلس وتضع يدكَ على خدك!
افتحْ لكَ باباً جديداً تلجُ منه،
قيام الليل القديم الذي ما عاد ميدانك،
عوّضه بصدقات النهار يا صاحبي،
وصيام التطوع الذي فترتَ عنه،
اجبره بحفظ القرآن!
هذه النفسُ إن لم تشتغل بالحق اشتغلتْ بالباطل،
لهذا احملها على الحقِّ حملاً،
كُن كالجنديِّ الجريح الذي يتحاملُ على نفسه
كي يصل إلى موقع الجيش..
لا تستسلم لجراحك ففي هذا الاستسلام مقتلكَ!
يا صاحبي،
إنَّ العبدَ قد يُحرم العبادة بالذّنب الذي يُصيبه،
ولكن إياكَ أن تجعلَ هذا الذّنب سوطاً في يد الشيطان،
يجلدكَ به كلما هممتَ بطاعةٍ!
خسارة معركةٍ لا تعني خسارة الحرب،
وسقوط ريشةٍ لا يعني سقوط الطائر،
وانكسار غصنٍ من الشجرة لا يعني أن الريح قد انتصرتْ،
يمكن للمرء أن يتحامل على نفسه، فلا تترك موقعكَ!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السّلام عليك يا صاحبي،
صدقني حين أقول لكَ أن أشرس معركةٍ
يخوضها الإنسان، هي معركة الحفاظ على نقاء قلبه!
هذه الحياة مُتلفةٌ للقلوب!
فمهما خسرتَ إياكَ أن تخسرَ قلبكَ،
من يخسر قلبه مهزوم، ولو ربح الدنيا كلها!
يا صاحبي،
إنَّ المؤمن في هذه الدنيا كالمقاتل في الحرب،
يُغيِّرُ موقعه ولكنه لا يترك الجبهة!
بعض المعارك طاحنة لا يقدر عليها كل الجنود،
ولا بأس بالانسحاب من بعض المعارك ما دامت النية
أن نكسب الحرب نهاية المطاف!
فإن كانت لكَ عبادةٌ تسابقُ بها الريح، ثم وجدتَ في نفسكَ عنها فتوراً،
فافتح لكَ مضماراً آخر،
وإن أُوصدَ في وجهكَ بابٌ إلى الله ،
فلا تجلس وتضع يدكَ على خدك!
افتحْ لكَ باباً جديداً تلجُ منه،
قيام الليل القديم الذي ما عاد ميدانك،
عوّضه بصدقات النهار يا صاحبي،
وصيام التطوع الذي فترتَ عنه،
اجبره بحفظ القرآن!
هذه النفسُ إن لم تشتغل بالحق اشتغلتْ بالباطل،
لهذا احملها على الحقِّ حملاً،
كُن كالجنديِّ الجريح الذي يتحاملُ على نفسه
كي يصل إلى موقع الجيش..
لا تستسلم لجراحك ففي هذا الاستسلام مقتلكَ!
يا صاحبي،
إنَّ العبدَ قد يُحرم العبادة بالذّنب الذي يُصيبه،
ولكن إياكَ أن تجعلَ هذا الذّنب سوطاً في يد الشيطان،
يجلدكَ به كلما هممتَ بطاعةٍ!
خسارة معركةٍ لا تعني خسارة الحرب،
وسقوط ريشةٍ لا يعني سقوط الطائر،
وانكسار غصنٍ من الشجرة لا يعني أن الريح قد انتصرتْ،
يمكن للمرء أن يتحامل على نفسه، فلا تترك موقعكَ!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
على خُطى الرَّسول ﷺ ١١٤
حسبكِ
روى الإمامُ الذَّهبيُّ في سير أعلام النبلاء في ترجمة أمنا عائشة أنها قالت: دخلَ الحَبَشُ المسجد يلعبون، فقال لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم: يا حُميراء، أتحبين أن تنظري إليهم؟
فقلتُ: نعم
فقام بالباب وجئته، فوضعتُ ذقني على كتفه، وأسندتُ وجهي إلى خده! وجعلتُ أنظر فقال لي: حسبُكِ!
فقلتُ: يا رسول اللهِ لا تعجل
فأقام لي، ثم قال: حسبُكِ!
فقلتُ: لا تعجل يا رسول الله
وما بي حُبُّ النَّظر إليهم، ولكن أحببتُ أن يبلغَ النساءَ مقامُه لي، ومكاني منه!
وإنني لا أعرف في هذا الحديث ممن أعجبُ!
من الرَّجلِ الذي على عاتقه دعوة البشرية قاطبة من مشرق الأرض إلى مغربها، وعليه قيادة المجتمع المدني عسكرياً وسياسياً، فإذا به لا يشغله كل هذا في أن يكون زوجاً رائعاً حنوناً، ينظرُ في رفاهية زوجته، ويبادرها بأن يعرض عليها شيئاً غلبَ على ظنِّه أنها ستجد فيه سعادةً له، فهو لو انتظرَ حتى تطلب منه أن تشاهد عرض الأحباش وهم يلعبون بالحراب في المسجد لبدا الأمر عادياً، ولكنه لم ينتظر حتى يبدو الأمر عادياً، كانت مكارم الأخلاق تقفُ مذهولة منه، فهو على مقاسها، وهي على مقاسه، إنه يبادر ويسأل ويهتم ويكترث!
أم أُعجبُ من عائشة رضي الله عنها التي لا تخجل في أن تعيش مشاعرها، وأنوثتها، وغيرتها كما هي، وتستمتعُ بعيش هذه اللحظات بعفوية، لتُخبرنا أنه لا أروع من الحُبِّ الحلال، وأن قتل المشاعر، وكبتها باسم الورع ليس من الدين في شيء، فهذا الدين ما جاء ليكبت الغرائز وإنما ليهذبها، ولا ليحارب المشاعر وإنما ليوجهها ويضعها في طريق الحلال، ثم يترك للناس مساحة الاستمتاع بها حلالاً!
حتى أنها لا تخجلُ أن تُصرِّحَ بما في قلبها تجاه ضرائرها، فهي اكتفتْ من المشاهدة سريعاً، وعندما قال لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم: حسبكِ. كانت قد أخذتْ حظَّها من المشاهدة، ولكنها بقيت تقول له: لا تعجَل يا رسول الله، لأنها تريدُ بهذا أن يبلغ ضرائرها وقوف النبيِّ صلى الله عليه وسلم الطويل لها، ومكانتها في قلبه!
المرأة هي المرأة، لا تتوقع من الإيمان أن، يُبدِّل طبيعتها وغريزتها وفطرتها، الإيمان يُؤدِّب هذه الأشياء فقط!
والرجل هو الرجل، لا تتوقع من الإيمان أن يُبدِّل طبيعته وغريزته وفطرته، الإيمان يُؤدب هذه الأشياء فقط!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
حسبكِ
روى الإمامُ الذَّهبيُّ في سير أعلام النبلاء في ترجمة أمنا عائشة أنها قالت: دخلَ الحَبَشُ المسجد يلعبون، فقال لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم: يا حُميراء، أتحبين أن تنظري إليهم؟
فقلتُ: نعم
فقام بالباب وجئته، فوضعتُ ذقني على كتفه، وأسندتُ وجهي إلى خده! وجعلتُ أنظر فقال لي: حسبُكِ!
فقلتُ: يا رسول اللهِ لا تعجل
فأقام لي، ثم قال: حسبُكِ!
فقلتُ: لا تعجل يا رسول الله
وما بي حُبُّ النَّظر إليهم، ولكن أحببتُ أن يبلغَ النساءَ مقامُه لي، ومكاني منه!
وإنني لا أعرف في هذا الحديث ممن أعجبُ!
من الرَّجلِ الذي على عاتقه دعوة البشرية قاطبة من مشرق الأرض إلى مغربها، وعليه قيادة المجتمع المدني عسكرياً وسياسياً، فإذا به لا يشغله كل هذا في أن يكون زوجاً رائعاً حنوناً، ينظرُ في رفاهية زوجته، ويبادرها بأن يعرض عليها شيئاً غلبَ على ظنِّه أنها ستجد فيه سعادةً له، فهو لو انتظرَ حتى تطلب منه أن تشاهد عرض الأحباش وهم يلعبون بالحراب في المسجد لبدا الأمر عادياً، ولكنه لم ينتظر حتى يبدو الأمر عادياً، كانت مكارم الأخلاق تقفُ مذهولة منه، فهو على مقاسها، وهي على مقاسه، إنه يبادر ويسأل ويهتم ويكترث!
أم أُعجبُ من عائشة رضي الله عنها التي لا تخجل في أن تعيش مشاعرها، وأنوثتها، وغيرتها كما هي، وتستمتعُ بعيش هذه اللحظات بعفوية، لتُخبرنا أنه لا أروع من الحُبِّ الحلال، وأن قتل المشاعر، وكبتها باسم الورع ليس من الدين في شيء، فهذا الدين ما جاء ليكبت الغرائز وإنما ليهذبها، ولا ليحارب المشاعر وإنما ليوجهها ويضعها في طريق الحلال، ثم يترك للناس مساحة الاستمتاع بها حلالاً!
حتى أنها لا تخجلُ أن تُصرِّحَ بما في قلبها تجاه ضرائرها، فهي اكتفتْ من المشاهدة سريعاً، وعندما قال لها النبيُّ صلى الله عليه وسلم: حسبكِ. كانت قد أخذتْ حظَّها من المشاهدة، ولكنها بقيت تقول له: لا تعجَل يا رسول الله، لأنها تريدُ بهذا أن يبلغ ضرائرها وقوف النبيِّ صلى الله عليه وسلم الطويل لها، ومكانتها في قلبه!
المرأة هي المرأة، لا تتوقع من الإيمان أن، يُبدِّل طبيعتها وغريزتها وفطرتها، الإيمان يُؤدِّب هذه الأشياء فقط!
والرجل هو الرجل، لا تتوقع من الإيمان أن يُبدِّل طبيعته وغريزته وفطرته، الإيمان يُؤدب هذه الأشياء فقط!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
السلام عليك يا صاحبي ٦٥
السّلام عليكَ يا صاحبي،
نحن في الحُبِّ نلتمسُ الأعذار أو لعلنا نختلقها
لأننا نريدُ أن نبقى!
نبادرُ دوماً بالاتصال ونقول: لعله أراد أن يتصل ولكنه انشغل!
نسأل أولاً ونقول: كان يريدُ أن يسأل ولكن أمراً قد حدثَ له!
نرسلُ إليه: هل أنتَ بخير؟!
نوهم أنفسنا أنه ما سأل إلا لأنه ليس بخير!
لا شيء أشد مرارة من أن يكون المرءُ هو البادئُ دوماً!
يا صاحبي،
لا تتسول الحُب!
في الحُب الاهتمام بالاهتمام، والسؤال بالسؤال، والمبادرة بالمبادرة!
إياكَ أن تعتقد أني أقولُ لكَ اجعلها واحدة بواحدة،
ليس بين الأحبة هذا الحساب،
ولكن أقول لكَ قبل أن تبذل كل شيءٍ تأكد أنكَ الحبيبُ أولاً!
إن بذل المشاعر لمن لا يستحقها إهانة للنفس،
وأنا أريدكَ أن تكون حبيباً لا مُهاناً!
بذل المشاعر لمن لا يستحقها كزراعة وردة في مزبلة!
عليكَ أن تعرف أين تزرع ورودكَ،
فإن وجدتَ لها تربةً خصبةً فاسقها بماء عينيك،
ولا عليكَ ولو كنتَ البادئ ألف مرةٍ،
ولكن صدقني من يُحبكَ،
لن يترككَ على الدوام تبدأ أولاً!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السّلام عليكَ يا صاحبي،
نحن في الحُبِّ نلتمسُ الأعذار أو لعلنا نختلقها
لأننا نريدُ أن نبقى!
نبادرُ دوماً بالاتصال ونقول: لعله أراد أن يتصل ولكنه انشغل!
نسأل أولاً ونقول: كان يريدُ أن يسأل ولكن أمراً قد حدثَ له!
نرسلُ إليه: هل أنتَ بخير؟!
نوهم أنفسنا أنه ما سأل إلا لأنه ليس بخير!
لا شيء أشد مرارة من أن يكون المرءُ هو البادئُ دوماً!
يا صاحبي،
لا تتسول الحُب!
في الحُب الاهتمام بالاهتمام، والسؤال بالسؤال، والمبادرة بالمبادرة!
إياكَ أن تعتقد أني أقولُ لكَ اجعلها واحدة بواحدة،
ليس بين الأحبة هذا الحساب،
ولكن أقول لكَ قبل أن تبذل كل شيءٍ تأكد أنكَ الحبيبُ أولاً!
إن بذل المشاعر لمن لا يستحقها إهانة للنفس،
وأنا أريدكَ أن تكون حبيباً لا مُهاناً!
بذل المشاعر لمن لا يستحقها كزراعة وردة في مزبلة!
عليكَ أن تعرف أين تزرع ورودكَ،
فإن وجدتَ لها تربةً خصبةً فاسقها بماء عينيك،
ولا عليكَ ولو كنتَ البادئ ألف مرةٍ،
ولكن صدقني من يُحبكَ،
لن يترككَ على الدوام تبدأ أولاً!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السلام عليك يا صاحبي ٦٦
السّلام عليك يا صاحبي،
تقولُ لي: إنني أدعو الله، ولكني أتساءل بيني وبين نفسي،
فأقول: كيف سيُغيّر اللهُ كل هذا؟!
فأقولُ لك: ليس لكَ من الأمر إلا الدعاء!
أما الكيف هذه فليست من شأنك أبداً،
ولا تدخل ضمن صلاحياتك مطلقاً،
الكيف هذه من الأسباب، والأسباب كلها بيد الله!
ثم إني أُعيذكَ أن تستكبر أمراً على الله!
نعم يحدثُ أن يستصعب الإنسان ظرفه،
ويحدث أن يهمسَ لنفسه قائلاً: الأمر يحتاج إلى معجزة!
يا صاحبي لهذا بالضبط كان الدعاء:
لصناعة المعجزات!
ولكن عليكَ أولاً أن تبرأ من حولك وقوتك إلى حول الله وقوته،
وتدعوه دعاء الغريق الذي لا يرى حتى قشة يتمسكُ بها،
فيلجأ إلى الله موقناً أنه سيستجيب!
وإياك أن تتعامل مع الله كالمُجرِّبِ له،
آمِنْ أولاً ثم انتظر النتائج!
يا صاحبي،
ما دمتَ ترى أن الأمر في الأسباب فسيركنك اللهُ إليها،
ويخلي بينك وبينها،
أما حين ترى الأمر بيده سبحانه، بيده وحده،
فسيهيء لكَ من الأسباب ما لا يخطر لكَ على بالٍ!
يا صاحبي،
يد الله تعملُ في الخفاء،
لهذا ليس شرطاً أن ترى خطوات الفرج!
عندما أُلقي يوسف عليه السّلام في السجن ظلماً وجوراً،
كان الله سبحانه قادراً على أن يرسل صاعقة تخلعُ جدران السجن ويُخرجه،
ولكنه لو فعلَ فسيخرجُ يوسف عليه السّلام والتهمة الزور ما زالت ملتصقة به،
واللهُ سبحانه أراد له الحرية والبراءة معاً!
أرسل في الليل رؤيا في منام الفرعون،
بهذه البساطة أحوجه إلى يوسف عليه السّلام،
فطلبه بين يديه،
ورفض النقيُّ يوسف أن يخرج حتى ثبتت براءته،
وهكذا صار حراً ومكيناً وأميناً،
حين تسألني عن الأسباب تذكَّرْ هذا جيداً!
من كان يعتقد أن حُلماً سرى في ليلٍ سيُغير كل أحداث المشهد؟!
يا صاحبي،
أُتركْ كلَّ شيءٍ في يد الله
ثم تأمّل المعجزات
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السّلام عليك يا صاحبي،
تقولُ لي: إنني أدعو الله، ولكني أتساءل بيني وبين نفسي،
فأقول: كيف سيُغيّر اللهُ كل هذا؟!
فأقولُ لك: ليس لكَ من الأمر إلا الدعاء!
أما الكيف هذه فليست من شأنك أبداً،
ولا تدخل ضمن صلاحياتك مطلقاً،
الكيف هذه من الأسباب، والأسباب كلها بيد الله!
ثم إني أُعيذكَ أن تستكبر أمراً على الله!
نعم يحدثُ أن يستصعب الإنسان ظرفه،
ويحدث أن يهمسَ لنفسه قائلاً: الأمر يحتاج إلى معجزة!
يا صاحبي لهذا بالضبط كان الدعاء:
لصناعة المعجزات!
ولكن عليكَ أولاً أن تبرأ من حولك وقوتك إلى حول الله وقوته،
وتدعوه دعاء الغريق الذي لا يرى حتى قشة يتمسكُ بها،
فيلجأ إلى الله موقناً أنه سيستجيب!
وإياك أن تتعامل مع الله كالمُجرِّبِ له،
آمِنْ أولاً ثم انتظر النتائج!
يا صاحبي،
ما دمتَ ترى أن الأمر في الأسباب فسيركنك اللهُ إليها،
ويخلي بينك وبينها،
أما حين ترى الأمر بيده سبحانه، بيده وحده،
فسيهيء لكَ من الأسباب ما لا يخطر لكَ على بالٍ!
يا صاحبي،
يد الله تعملُ في الخفاء،
لهذا ليس شرطاً أن ترى خطوات الفرج!
عندما أُلقي يوسف عليه السّلام في السجن ظلماً وجوراً،
كان الله سبحانه قادراً على أن يرسل صاعقة تخلعُ جدران السجن ويُخرجه،
ولكنه لو فعلَ فسيخرجُ يوسف عليه السّلام والتهمة الزور ما زالت ملتصقة به،
واللهُ سبحانه أراد له الحرية والبراءة معاً!
أرسل في الليل رؤيا في منام الفرعون،
بهذه البساطة أحوجه إلى يوسف عليه السّلام،
فطلبه بين يديه،
ورفض النقيُّ يوسف أن يخرج حتى ثبتت براءته،
وهكذا صار حراً ومكيناً وأميناً،
حين تسألني عن الأسباب تذكَّرْ هذا جيداً!
من كان يعتقد أن حُلماً سرى في ليلٍ سيُغير كل أحداث المشهد؟!
يا صاحبي،
أُتركْ كلَّ شيءٍ في يد الله
ثم تأمّل المعجزات
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السلام عليك يا صاحبي ٦٧
السّلام عليك يا صاحبي،
تقولُ لي: ما أكثر المتطفلين، فماذا أفعل؟
فأقول لكَ: ترفَّعْ!
لستَ مجبراً على أن تخوض كل نزالٍ تُدعى إليه،
ولا أن تشتركَ في كل معركةٍ تنشبُ أمامكَ،
ثمة معارك، الهزيمة فيها مُرَّةً جداً،
والنصر فيها تافه!
يا صاحبي،
قرأتُ مرَّةً أن الغراب هو الوحيد من بين كل الطيور
الذي يتجرأ على النَّسر!
إنه يجلسُ على ظهره، ويعضه من رقبته،
ولكن النسر لا ينزل إلى مستوى الغراب أبداً
ولا يقاتله!
كل ما يفعله أنه يُحلِّقُ به عالياً، عالياً جداً،
إلى مسافة تضيقُ فيها رئتي الغراب،
عندها فقط ينزل الغراب خائباً!
فتعلَّمْ هذا الدَّرس جيداً،
ولا تدعهم يُنزلونك إلى مستواهم،
حلِّق عالياً إلى درجة تجعلهم يختنقون من ثقتك بنفسك!
هذه هي الطريقة الوحيدة لكسب المعركة،
أن ترتقي!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السّلام عليك يا صاحبي،
تقولُ لي: ما أكثر المتطفلين، فماذا أفعل؟
فأقول لكَ: ترفَّعْ!
لستَ مجبراً على أن تخوض كل نزالٍ تُدعى إليه،
ولا أن تشتركَ في كل معركةٍ تنشبُ أمامكَ،
ثمة معارك، الهزيمة فيها مُرَّةً جداً،
والنصر فيها تافه!
يا صاحبي،
قرأتُ مرَّةً أن الغراب هو الوحيد من بين كل الطيور
الذي يتجرأ على النَّسر!
إنه يجلسُ على ظهره، ويعضه من رقبته،
ولكن النسر لا ينزل إلى مستوى الغراب أبداً
ولا يقاتله!
كل ما يفعله أنه يُحلِّقُ به عالياً، عالياً جداً،
إلى مسافة تضيقُ فيها رئتي الغراب،
عندها فقط ينزل الغراب خائباً!
فتعلَّمْ هذا الدَّرس جيداً،
ولا تدعهم يُنزلونك إلى مستواهم،
حلِّق عالياً إلى درجة تجعلهم يختنقون من ثقتك بنفسك!
هذه هي الطريقة الوحيدة لكسب المعركة،
أن ترتقي!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
على خُطى الرَّسول ﷺ ١١٥
ليرينَّ اللهُ ما أصنع
يقول أنس بن مالك: غابَ عمي أنسُ بن النضر عن غزوة بدر، فقال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، غبتُ عن أول قتالٍ قاتلتَ فيه المشركين، وإن أشهدني الله قتال المشركين ليرَينَّ ما أصنعَ!
فلما كان يوم أُحد قاتلَ قتالاً شديداً، وعندما خالفَ الرماة أمرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ونزلوا عن الجبل، وانكشفَ المسلمون وصاروا بين خالد بن الوليد وفرسانه، وجيش قريش الذي عادَ للقتال بعد التفاف خالد، قال أنس بن النضر: اللهمَّ إني أعتذرُ إليكَ مما فعل هؤلاء، يعني المسلمين، وأبرأ إليكَ مما فعل هؤلاء، يعني المشركين.
وأُشيع أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد قُتل، فمرَّ أنس بن النضر وهو يُقاتل على جماعةٍ من المسلمين قد توقفوا عن القتال، فقال لهم: ما يُقعدكم؟!
قالوا: قُتل رسول الله!
فقال لهم: فما تصنعون بالحياة بعده؟! قوموا فموتوا على ما مات عليه!
ثم قاتلَ المشركين حتى استشهد، وبعد انتهاء المعركة وجدوه وبه أكثر من ثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة بالرمح، أو رمية بسهمٍ، وقد مثَّلَ المشركون بجسده فما عرفه إلا أخته بعلامة كانت في إصبعه!
وفي أنس بن النضر نزل قول الله تعالى: "مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا"
إنَّ اللهَ يُحِبُّ صادقَ العهدِ معه، ليس في الحربِ فقط، وإنما في السِّلم كذلك، فالحياة في سبيل اللهِ عمل جبَّار تماماً كالموت في سبيل الله!
فإذا عاهدتَ اللهَ أن إذا أعطاكَ المالَ أن تكون كثير الصدقة، فإياكَ إن أغناكَ أن تحنث بالعهد، فإنه لا شيء أحب إليه من وفاء عبده على ما عاهده، وتذكر أن الذي أغناك بعد فقرٍ قادر على أن يفقركَ بعد غنى!
وإذا عاهدتَ اللهَ أن إذا شفاك من مرضٍ أن تكثر من الخطى إلى المساجد، وأن تثني الركب في حلق العلم وتحفيظ القرآن، وأن تحج وتعتمر، فإياك إن شفاكَ أن تحنث بالعهد، فإنه لا شيء أحبُّ إليه من وفاء عبده بما عاهد، وتذكر أن الله الذي شفاك بعد مرضٍ قادر على أن يمرضكَ بعد عافية!
وإذا عاهدتَ اللهَ أن لا تعصِه، فجاهد نفسكَ على أن لا تعصي، الذنب الذي تركته للهِ لا تعد إليه مهما كان، وإن انتكستَ فعُدْ أدراجكَ على الفور، وجدد العهد، وقل له يا رب: أنا على عهدك ووعدك، ليست إلا زلة قدم، وسوسة شيطان، وزينة نفس، فإن الباب الذي فُتح لأنس بن النضر لم يُغلق بعد، فيا لحظ الداخلين إلى الله منه!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
ليرينَّ اللهُ ما أصنع
يقول أنس بن مالك: غابَ عمي أنسُ بن النضر عن غزوة بدر، فقال للنبيِّ صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، غبتُ عن أول قتالٍ قاتلتَ فيه المشركين، وإن أشهدني الله قتال المشركين ليرَينَّ ما أصنعَ!
فلما كان يوم أُحد قاتلَ قتالاً شديداً، وعندما خالفَ الرماة أمرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ونزلوا عن الجبل، وانكشفَ المسلمون وصاروا بين خالد بن الوليد وفرسانه، وجيش قريش الذي عادَ للقتال بعد التفاف خالد، قال أنس بن النضر: اللهمَّ إني أعتذرُ إليكَ مما فعل هؤلاء، يعني المسلمين، وأبرأ إليكَ مما فعل هؤلاء، يعني المشركين.
وأُشيع أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد قُتل، فمرَّ أنس بن النضر وهو يُقاتل على جماعةٍ من المسلمين قد توقفوا عن القتال، فقال لهم: ما يُقعدكم؟!
قالوا: قُتل رسول الله!
فقال لهم: فما تصنعون بالحياة بعده؟! قوموا فموتوا على ما مات عليه!
ثم قاتلَ المشركين حتى استشهد، وبعد انتهاء المعركة وجدوه وبه أكثر من ثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة بالرمح، أو رمية بسهمٍ، وقد مثَّلَ المشركون بجسده فما عرفه إلا أخته بعلامة كانت في إصبعه!
وفي أنس بن النضر نزل قول الله تعالى: "مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا"
إنَّ اللهَ يُحِبُّ صادقَ العهدِ معه، ليس في الحربِ فقط، وإنما في السِّلم كذلك، فالحياة في سبيل اللهِ عمل جبَّار تماماً كالموت في سبيل الله!
فإذا عاهدتَ اللهَ أن إذا أعطاكَ المالَ أن تكون كثير الصدقة، فإياكَ إن أغناكَ أن تحنث بالعهد، فإنه لا شيء أحب إليه من وفاء عبده على ما عاهده، وتذكر أن الذي أغناك بعد فقرٍ قادر على أن يفقركَ بعد غنى!
وإذا عاهدتَ اللهَ أن إذا شفاك من مرضٍ أن تكثر من الخطى إلى المساجد، وأن تثني الركب في حلق العلم وتحفيظ القرآن، وأن تحج وتعتمر، فإياك إن شفاكَ أن تحنث بالعهد، فإنه لا شيء أحبُّ إليه من وفاء عبده بما عاهد، وتذكر أن الله الذي شفاك بعد مرضٍ قادر على أن يمرضكَ بعد عافية!
وإذا عاهدتَ اللهَ أن لا تعصِه، فجاهد نفسكَ على أن لا تعصي، الذنب الذي تركته للهِ لا تعد إليه مهما كان، وإن انتكستَ فعُدْ أدراجكَ على الفور، وجدد العهد، وقل له يا رب: أنا على عهدك ووعدك، ليست إلا زلة قدم، وسوسة شيطان، وزينة نفس، فإن الباب الذي فُتح لأنس بن النضر لم يُغلق بعد، فيا لحظ الداخلين إلى الله منه!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
السلام عليك يا صاحبي ٦٨
السّلام عليكَ يا صاحبي،
لا أُخفيكَ أني أنزعجُ كثيراً حين تعثرُ قنوات التلفزة على أحد المعمرين الذين تجاوزوا مئة سنة بأعجوبةٍ،
فيتحدثون عنه كأنه شخص فعل إحدى المعجزات!
وأول سؤالٍ يسألونه دوماً: كم عمركَ؟
يريدون منه أن ينطق الرقم على مسامع المشاهدين،
يعتقدون أن المعجزة تكمن في الرقم!
لا أحد يسأله ماذا فعلتَ في هذا العمر الطويل كله،
ما هي إنجازاتك الحقيقية؟
لا أحد يسأله كم كتاباً قرأتَ؟
ولا كم خاطرًا جبرتَ؟
ولا كم دمعةً مسحتَ؟
ولا كم ضحكةً من قلبكَ ضحكتَ؟
يا صاحبي،
إن السنوات مجرَّد أرقام،
وعمر الإنسان الحقيقي ليس في الأيام التي يعدَّها،
بل في الأيام التي يعيشها فعلاً!
يُحكى أن رجلاً من العرب يُدعى جبراً،
كان كثير الترحال، يودع مدينة، ويستقبلُ قريةً..
وفي إحدى رحلاته دخلَ قريةً
ومرَّ بمقبرتها فرأى أمراً عجباً،
رآهم قد كتبوا على شواهد القبور اسم الميت، وعمره!
وما زاد دهشته أن الأعمار كانت قصيرةً جداً
مقارنةً بحجم القبور التي تبدو لأشخاص راشدين،
لا لأطفال خطفتهم يد المنون، قبل أن يبلغوا سنَّ الرُّشد!
قرأ على شاهد القبر الأول: يرقدُ في هذا القبر سعد، عاشَ سنةً وثلاثة أيام!
وقرأ على شاهد القبر الثاني: ترقدُ في هذا القبر فاطمة، عاشتْ سنتين وأسبوعاً!
وكلما انتقل من قبرٍ إلى قبرٍ، زادت دهشته،
حتى وصل أخيراً إلى حارس المقبرة وقال له:
لقد عشتُ رجباً، ورأيتُ عجباً، ولكني ما رأيتُ قط أعجب من قريتكم!
ابتسم حارس المقبرة وقال له: لعلّكَ تقصِدُ الأعمار القصيرة المدونة على شواهد القبور،
فقال له جبر: أجل!
فقال حارس المقبرة: نحن لا نحسبُ في أعمارنا إلا الأيام السعيدة التي عشناها!
فسعدٌ مثلاً عاش خمسين عاماً، منها سنة وثلاثة أيام سعيداً،
أما ما تبقى فأمضاه في الشقاء!
فكتبنا ما عاش في السعادة، وأسقطنا من عمره ما عاشه في الشقاء!
فقال له جبر: إن أدركني الموتُ في قريتكم، فاكتبوا على شاهد قبري:
يرقدُ في هذا القبر جبر، من بطن أمه إلى القبر!
يا صاحبي،
ليس المهمُّ كم يعيش المرء،
المهم كيف يعيش!
وإني أعيذكَ أن يكون عمركَ مجرَّد أيامٍ تعدها،
وسنواتٍ تُفاخر أنك أمضيتها،
وهي في الحقيقة مجرد أرقام فارغة من المضمون!
يا صاحبي،
العمرُ لا يُقاس بعدد الأيام،
وإنما بعدد التجارب!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السّلام عليكَ يا صاحبي،
لا أُخفيكَ أني أنزعجُ كثيراً حين تعثرُ قنوات التلفزة على أحد المعمرين الذين تجاوزوا مئة سنة بأعجوبةٍ،
فيتحدثون عنه كأنه شخص فعل إحدى المعجزات!
وأول سؤالٍ يسألونه دوماً: كم عمركَ؟
يريدون منه أن ينطق الرقم على مسامع المشاهدين،
يعتقدون أن المعجزة تكمن في الرقم!
لا أحد يسأله ماذا فعلتَ في هذا العمر الطويل كله،
ما هي إنجازاتك الحقيقية؟
لا أحد يسأله كم كتاباً قرأتَ؟
ولا كم خاطرًا جبرتَ؟
ولا كم دمعةً مسحتَ؟
ولا كم ضحكةً من قلبكَ ضحكتَ؟
يا صاحبي،
إن السنوات مجرَّد أرقام،
وعمر الإنسان الحقيقي ليس في الأيام التي يعدَّها،
بل في الأيام التي يعيشها فعلاً!
يُحكى أن رجلاً من العرب يُدعى جبراً،
كان كثير الترحال، يودع مدينة، ويستقبلُ قريةً..
وفي إحدى رحلاته دخلَ قريةً
ومرَّ بمقبرتها فرأى أمراً عجباً،
رآهم قد كتبوا على شواهد القبور اسم الميت، وعمره!
وما زاد دهشته أن الأعمار كانت قصيرةً جداً
مقارنةً بحجم القبور التي تبدو لأشخاص راشدين،
لا لأطفال خطفتهم يد المنون، قبل أن يبلغوا سنَّ الرُّشد!
قرأ على شاهد القبر الأول: يرقدُ في هذا القبر سعد، عاشَ سنةً وثلاثة أيام!
وقرأ على شاهد القبر الثاني: ترقدُ في هذا القبر فاطمة، عاشتْ سنتين وأسبوعاً!
وكلما انتقل من قبرٍ إلى قبرٍ، زادت دهشته،
حتى وصل أخيراً إلى حارس المقبرة وقال له:
لقد عشتُ رجباً، ورأيتُ عجباً، ولكني ما رأيتُ قط أعجب من قريتكم!
ابتسم حارس المقبرة وقال له: لعلّكَ تقصِدُ الأعمار القصيرة المدونة على شواهد القبور،
فقال له جبر: أجل!
فقال حارس المقبرة: نحن لا نحسبُ في أعمارنا إلا الأيام السعيدة التي عشناها!
فسعدٌ مثلاً عاش خمسين عاماً، منها سنة وثلاثة أيام سعيداً،
أما ما تبقى فأمضاه في الشقاء!
فكتبنا ما عاش في السعادة، وأسقطنا من عمره ما عاشه في الشقاء!
فقال له جبر: إن أدركني الموتُ في قريتكم، فاكتبوا على شاهد قبري:
يرقدُ في هذا القبر جبر، من بطن أمه إلى القبر!
يا صاحبي،
ليس المهمُّ كم يعيش المرء،
المهم كيف يعيش!
وإني أعيذكَ أن يكون عمركَ مجرَّد أيامٍ تعدها،
وسنواتٍ تُفاخر أنك أمضيتها،
وهي في الحقيقة مجرد أرقام فارغة من المضمون!
يا صاحبي،
العمرُ لا يُقاس بعدد الأيام،
وإنما بعدد التجارب!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
على خُطى الرَّسول ﷺ ١١٦
يُصِبْ منه
خلقَ الله سبحانه وتعالى هذه الدنيا دار امتحان وبلاء لا دار جزاءٍ وعطاء، ولم يفهم سُنة الله في الكون من يعتقد أن العافية دليل على حُبِّ الله للعبد، وأن البلاء دليل بغضه له، على العكس تماماً فالأنبياء كانوا أكثر الخلقِ ابتلاءً وهم صفوة البشر!
اُبتليَ نوحٌ عليه السلام بكفر زوجته وقومه، قضى تسعمئة وخمسين سنةً يدعوهم إلى الله فما آمن معه إلا قليل!
وخرجَ إبراهيم عليه السلام من بابل بعدما اُبتلي بكفر أبيه وقومه وأُلقي في النار!
وفي بطن الحوت مكثَ يونس عليه السلام، وبفرعون وبني إسرائيل اُبتلي موسى عليه السلام، أما عن شيخ الصابرين أيوب عليه السّلام فحدِّث ولا حرج، ثم ألقِ رحلكَ في مكة، وشاهد حبيبكَ في الشِعْبِ محاصراً، وفي الطائف مرجوماً، وعند الكعبة ساجداً وسلى الجزور فوق رأسه! وعن سُنة الله في الخلق قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يُرد الله به خيراً يُصبْ منه"!
لم يُنجِبْ إبراهيم عليه السّلام، فقررتْ سارة أن تهبه مملوكتها هاجر ليتزوجها علَّه يجد عندها ما لم يجده منها، وحملت هاجر بإسماعيل عليه السلام، وتعلَّقَ قلب الخليل بالصبيِّ الرضيع وأمه، فغارتْ سارة بدافع الفطرة البشرية، وصدر منها ما يصدر من الزوجات حين يغرنَ من الضرائر، ولما طال الأمر ووجده إبراهيم عليه السلام كثيراً، شكى أمره إلى الله، فأوحى الله تعالى إليه أن يا إبراهيم أما يُرضيكَ أن تكون سارة نصيبك من البلاء؟!
ما من مسلم إلا وقد ابتلاه الله بشيء نُغِّصُ به عيشه حتى يمتحنه أولاً، وحتى لا يركن إلى الدنيا ثانياً!
من الناس من له من الأولاد ما لا يكاد يقوى على إطعامهم، ومن الناس من لديه من الأموال ما لا تأكله النيران وقد حُرمَ الإنجاب!
بعض البلاء في مرضٍ يُصيب الجسم، وبعض البلاء في ضيقٍ في الرزق، وأكثر البلاء في البشر!
جار السوء بلاء وامتحان، والمدير الفظُّ الغليظُ بلاءٌ وامتحان، والحاكم الظالم بلاء وامتحان!
الزوجة السيئة ابتلاء وكذلك الزوج السيء!
وقد يكون الإبتلاء في ولد عاق، أو قريبٍ مؤذٍ، أو حماةٍ سليطة اللسان!
فمن وجد بلاءً واحداً في حياته فليحمد الله عليه فإنَّ الله تعالى علم ضعفه فلم يشأ أن يزيد عليه البلاء، وإلا فإنَّ النَّاظر في سيرة الأنبياء يجدهم ذاقوا ألواناً من الابتلاءات، وانظُر إلى لوطٍ عليه السّلام وقد اُبتليَ بالزوجة الكافرة، وبالقوم الذين يمارسون الفاحشة التي ما سبقهم بها أحدٌ من العالمين، غربةٌ في قومه، وغربة في بيته!
فاصبروا فإن الحياة دار امتحان، وإن الأوائل كانوا يتواصون في الشدائد قائلين: إنما هي أيام تمضي والموعد الجنّة!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
يُصِبْ منه
خلقَ الله سبحانه وتعالى هذه الدنيا دار امتحان وبلاء لا دار جزاءٍ وعطاء، ولم يفهم سُنة الله في الكون من يعتقد أن العافية دليل على حُبِّ الله للعبد، وأن البلاء دليل بغضه له، على العكس تماماً فالأنبياء كانوا أكثر الخلقِ ابتلاءً وهم صفوة البشر!
اُبتليَ نوحٌ عليه السلام بكفر زوجته وقومه، قضى تسعمئة وخمسين سنةً يدعوهم إلى الله فما آمن معه إلا قليل!
وخرجَ إبراهيم عليه السلام من بابل بعدما اُبتلي بكفر أبيه وقومه وأُلقي في النار!
وفي بطن الحوت مكثَ يونس عليه السلام، وبفرعون وبني إسرائيل اُبتلي موسى عليه السلام، أما عن شيخ الصابرين أيوب عليه السّلام فحدِّث ولا حرج، ثم ألقِ رحلكَ في مكة، وشاهد حبيبكَ في الشِعْبِ محاصراً، وفي الطائف مرجوماً، وعند الكعبة ساجداً وسلى الجزور فوق رأسه! وعن سُنة الله في الخلق قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من يُرد الله به خيراً يُصبْ منه"!
لم يُنجِبْ إبراهيم عليه السّلام، فقررتْ سارة أن تهبه مملوكتها هاجر ليتزوجها علَّه يجد عندها ما لم يجده منها، وحملت هاجر بإسماعيل عليه السلام، وتعلَّقَ قلب الخليل بالصبيِّ الرضيع وأمه، فغارتْ سارة بدافع الفطرة البشرية، وصدر منها ما يصدر من الزوجات حين يغرنَ من الضرائر، ولما طال الأمر ووجده إبراهيم عليه السلام كثيراً، شكى أمره إلى الله، فأوحى الله تعالى إليه أن يا إبراهيم أما يُرضيكَ أن تكون سارة نصيبك من البلاء؟!
ما من مسلم إلا وقد ابتلاه الله بشيء نُغِّصُ به عيشه حتى يمتحنه أولاً، وحتى لا يركن إلى الدنيا ثانياً!
من الناس من له من الأولاد ما لا يكاد يقوى على إطعامهم، ومن الناس من لديه من الأموال ما لا تأكله النيران وقد حُرمَ الإنجاب!
بعض البلاء في مرضٍ يُصيب الجسم، وبعض البلاء في ضيقٍ في الرزق، وأكثر البلاء في البشر!
جار السوء بلاء وامتحان، والمدير الفظُّ الغليظُ بلاءٌ وامتحان، والحاكم الظالم بلاء وامتحان!
الزوجة السيئة ابتلاء وكذلك الزوج السيء!
وقد يكون الإبتلاء في ولد عاق، أو قريبٍ مؤذٍ، أو حماةٍ سليطة اللسان!
فمن وجد بلاءً واحداً في حياته فليحمد الله عليه فإنَّ الله تعالى علم ضعفه فلم يشأ أن يزيد عليه البلاء، وإلا فإنَّ النَّاظر في سيرة الأنبياء يجدهم ذاقوا ألواناً من الابتلاءات، وانظُر إلى لوطٍ عليه السّلام وقد اُبتليَ بالزوجة الكافرة، وبالقوم الذين يمارسون الفاحشة التي ما سبقهم بها أحدٌ من العالمين، غربةٌ في قومه، وغربة في بيته!
فاصبروا فإن الحياة دار امتحان، وإن الأوائل كانوا يتواصون في الشدائد قائلين: إنما هي أيام تمضي والموعد الجنّة!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
السلام عليك يا صاحبي ٦٩
السّلام عليك يا صاحبي،
لعلّكَ الآن تقولُ في نفسك: كيف سيرجع الله لي حقي؟!
أو لعلكَ كنتَ أكثر غضباً فقُلتَ: كيف سينتقم اللهُ لي؟!
إنكَ تنظرُ الآن في الأسباب فيبدو كلَّ شيءٍ أمامك شائكاً وصعباً!
يا صاحبي،
لا تُفكِّرْ في صعوبة ظرفك،
فكِّرْ في قوَّة الرّبِ الذي تدعوه!
منذ متى نسأل الله عن الكيف يا صاحبي؟!
الكيف هذه للهِ وحده،
نحن ندعوه بيقينٍ فقط!
أما ترتيبات المعركة،
وسلاح الانتقام فهي من شأن الرَّب
القادر الذي سيدبرها بحكمته!
اللهُ سبحانه دوماً يدهشنا بالسلاح الذي يختاره للمعركة!
عندما رفع نوح عليه السّلام يديه إلى السماء قائلاً:
" أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ"
لم يكن يخطر في باله أبداً أن انتقام الله سيكون مدوياً،
وصاعقاً إلى هذه الدرجة!
لعلَّ أكثر ما كان ينتظره أن يهلكهم الله بضربة واحدة أو صيحة!
لا أحد من سكان الأرض ولا السماء،
كان يتوقع أن يكون الماء هو سلاح المعركة!
الذي سيختاره الله سبحانه لنصر عبده المظلوم،
وصدر الأمر الإلهي للسماء أن تنهمر،
وللأرض أن تُخرج ماءها، والبحار أن تطغى،
غرقت الأرض حتى آخرها إلى أن صار لا عاصم من أمر الله إلا الله!
قصص القرآن ليست للتسلية يا صاحبي،
إنها عقيدة، ودروس في الإيمان،
وليس للمظلوم إلا أن يرفع شكواه!
أما تفاصيل المعركة وسلاحها،
فهذا كله من شأن الذي يُدبر كل شيء بحكمته!
يا صاحبي،
إنكَ لو عشتَ زمن النمرود،
ورأيته يأمر الناس بالسجود له،
ورأيته يُناظر إبراهيم عليه السّلام بكل بجاحة،
ويقول: " أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ"!
لربما سألتَ نفسكَ باستغراب: كيف سيُغيِّر الله كل هذا؟
أي سلاحٍ فتّاكٍ سيختاره الله ليذلَّ هذا الطاغية،
وبالطبع ما كان سيخطرُ على بالكَ أبداً أنَّ الله سبحانه،
سيرسل جندياً واحداً من جنوده لينتقم به،
جندي صغير لا يكاد يُرى بالعين المجردة!
بعوضة! أجل بعوضة واحدة أدخلها في أنفه لتستقرَّ في دماغه!
فلا يهدأ إلا حين يضربه الذين كانوا يسجدون له بالأحذية على رأسه،
بهذه الطريقة المدهشة يُدبر الله الأمور يا صاحبي!
يا صاحبي،
إنك لو شهدتَ اللحظة التي وُضع فيها إبراهيم عليه السّلام،
في كفة المنجنيق ليُلقى في النار!
لقلتَ في نفسكَ: ربما سيُطفئ الله النار بماءٍ يُنزله من السماء دفعةً واحدة!
كان هذا حلاً وحيداً لو أن النار تحرقُ بأمر نفسها!
ولكن هذه النار لا تحرقُ إلا بأمر ربها،
فصدر إليها الأمر أن تكون برداً وسلاماً فكانتْ!
إن الله سبحانه يُغيِّرُ خواص الأشياء إن أراد ذلك،
السكين الحاد لم تذبح إسماعيل عليه السّلام يا صاحبي!
والحوت المفترس لم يأكل يونس عليه السّلام وإن ابتلعه،
كل شيءٍ في هذا الكون يعملُ بأمر الله،
فلا تنظُرْ في الأسباب،
كُنْ مع ربِّ الأسباب يكفيك مؤونتها!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السّلام عليك يا صاحبي،
لعلّكَ الآن تقولُ في نفسك: كيف سيرجع الله لي حقي؟!
أو لعلكَ كنتَ أكثر غضباً فقُلتَ: كيف سينتقم اللهُ لي؟!
إنكَ تنظرُ الآن في الأسباب فيبدو كلَّ شيءٍ أمامك شائكاً وصعباً!
يا صاحبي،
لا تُفكِّرْ في صعوبة ظرفك،
فكِّرْ في قوَّة الرّبِ الذي تدعوه!
منذ متى نسأل الله عن الكيف يا صاحبي؟!
الكيف هذه للهِ وحده،
نحن ندعوه بيقينٍ فقط!
أما ترتيبات المعركة،
وسلاح الانتقام فهي من شأن الرَّب
القادر الذي سيدبرها بحكمته!
اللهُ سبحانه دوماً يدهشنا بالسلاح الذي يختاره للمعركة!
عندما رفع نوح عليه السّلام يديه إلى السماء قائلاً:
" أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ"
لم يكن يخطر في باله أبداً أن انتقام الله سيكون مدوياً،
وصاعقاً إلى هذه الدرجة!
لعلَّ أكثر ما كان ينتظره أن يهلكهم الله بضربة واحدة أو صيحة!
لا أحد من سكان الأرض ولا السماء،
كان يتوقع أن يكون الماء هو سلاح المعركة!
الذي سيختاره الله سبحانه لنصر عبده المظلوم،
وصدر الأمر الإلهي للسماء أن تنهمر،
وللأرض أن تُخرج ماءها، والبحار أن تطغى،
غرقت الأرض حتى آخرها إلى أن صار لا عاصم من أمر الله إلا الله!
قصص القرآن ليست للتسلية يا صاحبي،
إنها عقيدة، ودروس في الإيمان،
وليس للمظلوم إلا أن يرفع شكواه!
أما تفاصيل المعركة وسلاحها،
فهذا كله من شأن الذي يُدبر كل شيء بحكمته!
يا صاحبي،
إنكَ لو عشتَ زمن النمرود،
ورأيته يأمر الناس بالسجود له،
ورأيته يُناظر إبراهيم عليه السّلام بكل بجاحة،
ويقول: " أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ"!
لربما سألتَ نفسكَ باستغراب: كيف سيُغيِّر الله كل هذا؟
أي سلاحٍ فتّاكٍ سيختاره الله ليذلَّ هذا الطاغية،
وبالطبع ما كان سيخطرُ على بالكَ أبداً أنَّ الله سبحانه،
سيرسل جندياً واحداً من جنوده لينتقم به،
جندي صغير لا يكاد يُرى بالعين المجردة!
بعوضة! أجل بعوضة واحدة أدخلها في أنفه لتستقرَّ في دماغه!
فلا يهدأ إلا حين يضربه الذين كانوا يسجدون له بالأحذية على رأسه،
بهذه الطريقة المدهشة يُدبر الله الأمور يا صاحبي!
يا صاحبي،
إنك لو شهدتَ اللحظة التي وُضع فيها إبراهيم عليه السّلام،
في كفة المنجنيق ليُلقى في النار!
لقلتَ في نفسكَ: ربما سيُطفئ الله النار بماءٍ يُنزله من السماء دفعةً واحدة!
كان هذا حلاً وحيداً لو أن النار تحرقُ بأمر نفسها!
ولكن هذه النار لا تحرقُ إلا بأمر ربها،
فصدر إليها الأمر أن تكون برداً وسلاماً فكانتْ!
إن الله سبحانه يُغيِّرُ خواص الأشياء إن أراد ذلك،
السكين الحاد لم تذبح إسماعيل عليه السّلام يا صاحبي!
والحوت المفترس لم يأكل يونس عليه السّلام وإن ابتلعه،
كل شيءٍ في هذا الكون يعملُ بأمر الله،
فلا تنظُرْ في الأسباب،
كُنْ مع ربِّ الأسباب يكفيك مؤونتها!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السلام عليك يا صاحبي ٧٠
السّلام عليك يا صاحبي،
لا شيءَ أحبَّ للهِ من انكسار عبده بين يديه!
فانكسِرْ لله يأتيكَ الجبر!
نادِه بانكسار إخوة يوسف:
﴿يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾
إذا أردتَ أن تُعَزَّ فعليكَ أن تذِلَّ للهِ أولاً!
تأمّلها جيداً: يا أيها العزيز!
إنه الله الذي أمره بين الكاف والنون، فإذا قال للأشياء كوني كانت!
جميل أن تتذكر، أنه رحيم ولكن تذكَّرْ أولاً أنه قادر!
تذكر كيف أمر الأرض أن تتفجر عيوناً نُصرةً لنوحٍ عليه السّلام، فتفجَّرتْ!
وكيف أمر العصا أن تصير حيةً فصارتْ!
وكيف أمرَ الجبل أن يصيرَ ظُلَّةً فظلل!
وكيف أمر البحر أن ينشق ويصير طريقاً يبساً فكان!
وكيف أمر النار أن لا تحرق فمات لهيبها!
وكيف أمر السكين أن لا تذبح فذهبتْ حدتها!
وكيف أمر الحوت أن لا يهضم فتعطلتْ شراسته!
هذا هو العزيز الذي أريدك أن تدعوه، القادر كثيراً ودائماً وأبداً!
تأملها جيداً: مسَّنا وأهلنا الضُرُّ!
يا صاحبي،
حين تشكو إلى الناس،
فلن تنال إلا مشاعر التعاطف في أحسن الأحوال،
ونظرات الشفقة في أسوأها!
ولكنك حين تشكو إلى الله،
حين تأتيه مكسور الجناحين ترجع مُحلِّقاً،
وحين تأتيه مكسور الخاطر ترجع مجبوراً،
وحين تأتيه مكسور القلب ترجع مرمماً،
فبُثَّ شكواك إلى ربكَ،
واستعملْ معه أخلاق الأطفال،
فإن الطفل إذا أراد شيئاً بكى حتى يأخذه!
اِبكِ بين يديّ ربكَ يا صاحبي،
تسوَّل على بابه تسوَّل الفقير الذي لا يجد لقمة،
وتمرَّغ بين يديه تمرُّغ الموجوع على باب المستشفيات،
إن الله يُحبُّ أن يُسأل!
وفي الأثر أنَّ الله أوحى إلى موسى عليه السّلام،
أن يا موسى سلني ملح عجينتك، وعلف دابتك، وشِراك نعلكَ!
من افتقرَ إلى الله أغناه،
ومن استغنى عن الله كان الله عنه أغنى!
تأملها جيداً: وجئنا ببضاعةٍ مُزجاةٍ،
يا صاحبي،
إياك أن تنظُر بعين العُجب إلى طاعتك،
وإنما اُنظُر إليها نظرة العبد المُقصِّر،
وتعلَّم من الملائكة أدب العبادة!
ما من موضع شبرٍ في السماء، إلا فيه مَلكٌ راكعٌ أو ساجد!
يُبعثون يوم القيامة يقولون: سبحانكَ ما عبدناكَ حقَّ عبادتك!
يا صاحبي،
حين تشعرُ بالتقصير في العبادة،
فاعلم أنها مقبولة!
وحين تنظُر إليها بعين الكمال كالمتمنن على الله ،
فاعلم أنها مردودة عليكَ!
عبادتنا بضاعة مزجاة رثة، وإنما يقبلها الله منا تكرماً وتفضلاً علينا!
واعلَمْ أنه ما استقام عبدٌ للهِ بقوته، وإنما هو اصطفاء من الله!
وما انصرفَ أحدٌ عن باب اللهِ بخاطره، ولكن الله استغنى عنه!
فاحمد الله على الاصطفاء، فإنكَ تحتاجه ولا يحتاجك!
تأملها جيداً: فأوفِ لنا الكيل
يا صاحبي،
سل الله القبول،
فرُبَّ قائم ليس له من قيامه إلا النَّصب والتعب،
ورُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش،
واعلم أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله،
وإنما بعد أن تتغمده رحمة اللهِ،
حتى النبي ﷺ لن يدخلها بعمله إنما برحمة الله،
فكيف بالذين هم دونه، وكلنا دونه!
في شُعب الإيمان للبيهقي، والمستدرك للحاكم يروى
أن رجلاً عبد اللهَ خمسمئة سنةٍ في رأس جبلٍ وليس له معصية،
فلما كان يوم القيامة، قال الله لملائكته: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي!
قال: إنما أدخلها بعملي يا رب
فقال الله: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي!
فقال: إنما أدخلها بعملي يارب
فقال الله: قايسوا نعمتي عليه بعمله!
فوجدوا أن نعمة البصر وحدها قد فاقت كل عمله وبقي باقي جسده!
فقال: أدخلوا عبدي النار!
فجعلَ الرجل يقول: برحمتكَ يا رب، برحمتكَ يا رب!
فقال الله: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي!
تأملها جيداً: وتصدَّقْ علينا!
هكذا يا صاحبي،
سؤال الفقير الذي يعرفُ أنه ليس له عند الغني الذي يسأله ضربة لازم!
وإنما يستعطفه ويُرقق قلبه عليه!
وليكُنْ هذا سؤالك لربك،
سؤال الذي يطلبُ المِنّة، ويعرف أنه ليس له على ربه ضربة لازم!
وإنما يسأل من إذا حرَمه لم يظلمه،
وإذا أعطاه فقد تكرّم وتحننَ عليه!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
السّلام عليك يا صاحبي،
لا شيءَ أحبَّ للهِ من انكسار عبده بين يديه!
فانكسِرْ لله يأتيكَ الجبر!
نادِه بانكسار إخوة يوسف:
﴿يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾
إذا أردتَ أن تُعَزَّ فعليكَ أن تذِلَّ للهِ أولاً!
تأمّلها جيداً: يا أيها العزيز!
إنه الله الذي أمره بين الكاف والنون، فإذا قال للأشياء كوني كانت!
جميل أن تتذكر، أنه رحيم ولكن تذكَّرْ أولاً أنه قادر!
تذكر كيف أمر الأرض أن تتفجر عيوناً نُصرةً لنوحٍ عليه السّلام، فتفجَّرتْ!
وكيف أمر العصا أن تصير حيةً فصارتْ!
وكيف أمرَ الجبل أن يصيرَ ظُلَّةً فظلل!
وكيف أمر البحر أن ينشق ويصير طريقاً يبساً فكان!
وكيف أمر النار أن لا تحرق فمات لهيبها!
وكيف أمر السكين أن لا تذبح فذهبتْ حدتها!
وكيف أمر الحوت أن لا يهضم فتعطلتْ شراسته!
هذا هو العزيز الذي أريدك أن تدعوه، القادر كثيراً ودائماً وأبداً!
تأملها جيداً: مسَّنا وأهلنا الضُرُّ!
يا صاحبي،
حين تشكو إلى الناس،
فلن تنال إلا مشاعر التعاطف في أحسن الأحوال،
ونظرات الشفقة في أسوأها!
ولكنك حين تشكو إلى الله،
حين تأتيه مكسور الجناحين ترجع مُحلِّقاً،
وحين تأتيه مكسور الخاطر ترجع مجبوراً،
وحين تأتيه مكسور القلب ترجع مرمماً،
فبُثَّ شكواك إلى ربكَ،
واستعملْ معه أخلاق الأطفال،
فإن الطفل إذا أراد شيئاً بكى حتى يأخذه!
اِبكِ بين يديّ ربكَ يا صاحبي،
تسوَّل على بابه تسوَّل الفقير الذي لا يجد لقمة،
وتمرَّغ بين يديه تمرُّغ الموجوع على باب المستشفيات،
إن الله يُحبُّ أن يُسأل!
وفي الأثر أنَّ الله أوحى إلى موسى عليه السّلام،
أن يا موسى سلني ملح عجينتك، وعلف دابتك، وشِراك نعلكَ!
من افتقرَ إلى الله أغناه،
ومن استغنى عن الله كان الله عنه أغنى!
تأملها جيداً: وجئنا ببضاعةٍ مُزجاةٍ،
يا صاحبي،
إياك أن تنظُر بعين العُجب إلى طاعتك،
وإنما اُنظُر إليها نظرة العبد المُقصِّر،
وتعلَّم من الملائكة أدب العبادة!
ما من موضع شبرٍ في السماء، إلا فيه مَلكٌ راكعٌ أو ساجد!
يُبعثون يوم القيامة يقولون: سبحانكَ ما عبدناكَ حقَّ عبادتك!
يا صاحبي،
حين تشعرُ بالتقصير في العبادة،
فاعلم أنها مقبولة!
وحين تنظُر إليها بعين الكمال كالمتمنن على الله ،
فاعلم أنها مردودة عليكَ!
عبادتنا بضاعة مزجاة رثة، وإنما يقبلها الله منا تكرماً وتفضلاً علينا!
واعلَمْ أنه ما استقام عبدٌ للهِ بقوته، وإنما هو اصطفاء من الله!
وما انصرفَ أحدٌ عن باب اللهِ بخاطره، ولكن الله استغنى عنه!
فاحمد الله على الاصطفاء، فإنكَ تحتاجه ولا يحتاجك!
تأملها جيداً: فأوفِ لنا الكيل
يا صاحبي،
سل الله القبول،
فرُبَّ قائم ليس له من قيامه إلا النَّصب والتعب،
ورُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش،
واعلم أنه لن يدخل أحد الجنة بعمله،
وإنما بعد أن تتغمده رحمة اللهِ،
حتى النبي ﷺ لن يدخلها بعمله إنما برحمة الله،
فكيف بالذين هم دونه، وكلنا دونه!
في شُعب الإيمان للبيهقي، والمستدرك للحاكم يروى
أن رجلاً عبد اللهَ خمسمئة سنةٍ في رأس جبلٍ وليس له معصية،
فلما كان يوم القيامة، قال الله لملائكته: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي!
قال: إنما أدخلها بعملي يا رب
فقال الله: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي!
فقال: إنما أدخلها بعملي يارب
فقال الله: قايسوا نعمتي عليه بعمله!
فوجدوا أن نعمة البصر وحدها قد فاقت كل عمله وبقي باقي جسده!
فقال: أدخلوا عبدي النار!
فجعلَ الرجل يقول: برحمتكَ يا رب، برحمتكَ يا رب!
فقال الله: أدخلوا عبدي الجنة برحمتي!
تأملها جيداً: وتصدَّقْ علينا!
هكذا يا صاحبي،
سؤال الفقير الذي يعرفُ أنه ليس له عند الغني الذي يسأله ضربة لازم!
وإنما يستعطفه ويُرقق قلبه عليه!
وليكُنْ هذا سؤالك لربك،
سؤال الذي يطلبُ المِنّة، ويعرف أنه ليس له على ربه ضربة لازم!
وإنما يسأل من إذا حرَمه لم يظلمه،
وإذا أعطاه فقد تكرّم وتحننَ عليه!
والسّلام لقلبكَ
أدهم شرقاوي
على خُطى الرَّسول ﷺ ١١٧
إنه من أهل النار
كان في المدينة رجلٌ يُقال له قُزمان، إذا ذُكر للنبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: هو من أهل النار!
فلما كانت غزوة أُحدٍ خرج قُزمان في جيش المسلمين لقتال قُريش، فقاتلَ قتالاً شديداً، وقتلَ وحده ثمانية من المشركين، وأصابته جراحٌ بليغة، فحملوه بعد انتهاء المعركة إلى دار بني ظفر.
وقال له المسلمون يُصبرونه: واللهِ لقد أبليتَ يا قُزمان بلاءً حسناً، فأبشِرْ!
فقال: بماذا أَبشر؟ فواللهِ ما قاتلتُ إلا عن أحساب قومي، ولولا ذلك ما قاتلتُ!
ولما اشتدَّتْ عليه جراحه أخذ سهماً من كنانته فقتل به نفسه!
إنَّ اللهَ سبحانه لا يقبلُ من العملِ إلا ما كان خالصاً لوجه الكريم! ولو كان الله سبحانه يقبلُ العمل الصالح الذي يُبتغى به غيره، لقبلَ من قُزمان، معركة حامية الوطيس بين الإيمان والكفر، وهو في معسكر الإيمان، قاتل قتال الأبطال، وأثخن في قريش إثخان الفرسان، وهو أكثر من قتل منهم في ذلك اليوم، فلم تذكر كُتب السيرة أن أحداً من جيش المسلمين قتل ثمانية من جيش المشركين غير قُزمان! ولكن للأسف أن كل هذه الشجاعة والبسالة لم تكن للهِ، وإنما خرجَ حميَّةً، قومه من أهل المدينة من المسلمين قد خرجوا للحرب فخرجَ معهم، فأكبه اللهُ على وجهه في النار!
نحن البشر لا نرى من الأعمال إلا ما ظهر منها، وقد أُمرنا أن نحكم على الظواهر، ونترك النوايا لربِّ النوايا، فهو وحده المطلع على خفايا النفوس، إنه لا يرانا من أعلى، وإنما يرانا من الداخل!
قبل أن تحمل الصدقة لتضعها في يد فقير اصلِحْ نيَّتك، فليس لكَ من أجرٍ إلا بمقدار ما كان من صدقتكَ للهِ، لن ينفعك مدح المادحين إن كانت صدقتك رياءً، ومن باب يا أيها الناس شاهدوني أنا محسن كريم!
وقبل أن تلبس ثياب إحرامك للحج أصلِحْ نيَّتك، فليس لكَ من أجر مالٍ ولا إحرام ولا طواف ولا سعي ولا رجم ولا هدي إلا بمقدار ما كان لله سبحانه من كل هذا، فإن كان حجَّكَ ليقولوا عنكَ ضيفُ الرحمن، أو لتكتبَ على لافتة دكانك الحاج فلان، أو لتنال مركزاً مرموقاً، فأنتَ قد تكلفتَ نفقةً، وكسبتَ مشقّةَ السَّفر، وليس لكَ من الأجر شيء!
النوايا مناط الأعمال، فمن نوى الخير وأحيل بينه وبين نيته أعطاه الله سبحانه أجره كاملاً كأنه فعل، ومن فعلَ الخيرَ فعلاً يريدُ به ثناء الناس، والشهرة كان عمله للناس، وأجره من الناس، والله غنيٌّ عنه وعن عبادته!
فأصلحوا نواياكم!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
إنه من أهل النار
كان في المدينة رجلٌ يُقال له قُزمان، إذا ذُكر للنبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: هو من أهل النار!
فلما كانت غزوة أُحدٍ خرج قُزمان في جيش المسلمين لقتال قُريش، فقاتلَ قتالاً شديداً، وقتلَ وحده ثمانية من المشركين، وأصابته جراحٌ بليغة، فحملوه بعد انتهاء المعركة إلى دار بني ظفر.
وقال له المسلمون يُصبرونه: واللهِ لقد أبليتَ يا قُزمان بلاءً حسناً، فأبشِرْ!
فقال: بماذا أَبشر؟ فواللهِ ما قاتلتُ إلا عن أحساب قومي، ولولا ذلك ما قاتلتُ!
ولما اشتدَّتْ عليه جراحه أخذ سهماً من كنانته فقتل به نفسه!
إنَّ اللهَ سبحانه لا يقبلُ من العملِ إلا ما كان خالصاً لوجه الكريم! ولو كان الله سبحانه يقبلُ العمل الصالح الذي يُبتغى به غيره، لقبلَ من قُزمان، معركة حامية الوطيس بين الإيمان والكفر، وهو في معسكر الإيمان، قاتل قتال الأبطال، وأثخن في قريش إثخان الفرسان، وهو أكثر من قتل منهم في ذلك اليوم، فلم تذكر كُتب السيرة أن أحداً من جيش المسلمين قتل ثمانية من جيش المشركين غير قُزمان! ولكن للأسف أن كل هذه الشجاعة والبسالة لم تكن للهِ، وإنما خرجَ حميَّةً، قومه من أهل المدينة من المسلمين قد خرجوا للحرب فخرجَ معهم، فأكبه اللهُ على وجهه في النار!
نحن البشر لا نرى من الأعمال إلا ما ظهر منها، وقد أُمرنا أن نحكم على الظواهر، ونترك النوايا لربِّ النوايا، فهو وحده المطلع على خفايا النفوس، إنه لا يرانا من أعلى، وإنما يرانا من الداخل!
قبل أن تحمل الصدقة لتضعها في يد فقير اصلِحْ نيَّتك، فليس لكَ من أجرٍ إلا بمقدار ما كان من صدقتكَ للهِ، لن ينفعك مدح المادحين إن كانت صدقتك رياءً، ومن باب يا أيها الناس شاهدوني أنا محسن كريم!
وقبل أن تلبس ثياب إحرامك للحج أصلِحْ نيَّتك، فليس لكَ من أجر مالٍ ولا إحرام ولا طواف ولا سعي ولا رجم ولا هدي إلا بمقدار ما كان لله سبحانه من كل هذا، فإن كان حجَّكَ ليقولوا عنكَ ضيفُ الرحمن، أو لتكتبَ على لافتة دكانك الحاج فلان، أو لتنال مركزاً مرموقاً، فأنتَ قد تكلفتَ نفقةً، وكسبتَ مشقّةَ السَّفر، وليس لكَ من الأجر شيء!
النوايا مناط الأعمال، فمن نوى الخير وأحيل بينه وبين نيته أعطاه الله سبحانه أجره كاملاً كأنه فعل، ومن فعلَ الخيرَ فعلاً يريدُ به ثناء الناس، والشهرة كان عمله للناس، وأجره من الناس، والله غنيٌّ عنه وعن عبادته!
فأصلحوا نواياكم!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية