أبو محمد - أنس الهاشميّ
3.8K subscribers
435 photos
96 videos
33 files
507 links
طالب علم شغوف بعلوم الشريعة والنفس والتقنيّة، سلفي العقيدة، عربي الّلسان، سوريُّ المولِد والمستقرّ، هاشميّ الأصل.

للتواصل:
@AbimhmdalhanbaliBot

والعلم يدخل قلب كل موفق
من غير بواب ولا استئذان

ويرده المحروم من خذلانه
لا تشقنا اللهم بالحرمان
Download Telegram
فقه لكن بدون انتفاع!

قال الله عز وجل:
﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [الأنفال: ٢٣]

والإسماع المقصود به إسماع التفهيم لا مجرد الإسماع، والسماع على أنواع كما قال ابن القيم:
وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ، سَمَاعِ إِدْرَاكٍ بِحَاسَّةِ الْأُذُنِ، وَسَمَاعِ فَهْمٍ وَعَقْلٍ، وَسَمَاعِ فَهْمٍ وَإِجَابَةٍ وَقَبُولٍ، وَالثَّلَاثَةُ فِي الْقُرْآنِ.

- قال شيخ الإسلام كما في الفتاوى 16/11:

وَدَلَّتْ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِكُلِّ مَنْ سَمِعَ وَفَقِهَ يَكُونُ فِيهِ خَيْرٌ؛ بَلْ قَدْ يَفْقَهُ وَلَا يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ فَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ خَيْرًا وَدَلَّتْ أَيْضًا عَلَى أَنَّ إسْمَاعَ التَّفْهِيمِ إنَّمَا يُطْلَبُ لِمَنْ فِيهِ خَيْرٌ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهِ فَأَمَّا مَنْ لَيْسَ يَنْتَفِعُ بِهِ فَلَا يُطْلَبُ تَفْهِيمُهُ.

- وقال ابن القيم رحمه الله في المدارج عن الآية نفسها:

أَيْ وَلَوْ أَفْهَمَهُمْ لَمَا انْقَادُوا وَلَا انْتَفَعُوا بِمَا فَهِمُوا; لِأَنَّ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ دَاعِي التَّوَلِّي وَالْإِعْرَاضِ مَا يَمْنَعُهُمْ عَنِ الِانْتِفَاعِ بِمَا سَمِعُوهُ.
وَأَمَّا سَمَاعُ الْقَبُولِ وَالْإِجَابَةِ فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُمْ قَالُوا ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ [البقرة: ٢٨٥] فَإِنَّ هَذَا سَمْعُ قَبُولٍ وَإِجَابَةٍ مُثْمِرٌ لِلطَّاعَةِ.

وقال ابن القيم رحمه الله:

وَالْمَقْصُودُ أَنَّ سَمَاعَ خَاصَّةِ الْخَاصَّةِ الْمُقَرَّبِينَ هُوَ سَمَاعُ الْقُرْآنِ بِالِاعْتِبَارَاتِ الثَّلَاثَةِ: إِدْرَاكًا وَفَهْمًا، وَتَدَبُّرًا، وَإِجَابَةً. وَكُلُّ سَمَاعٍ فِي الْقُرْآنِ مَدَحَ اللَّهُ أَصْحَابَهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ، وَأَمَرَ بِهِ أَوْلِيَاءَهُ فَهُوَ هَذَا السَّمَاعُ.

وَهُوَ سَمَاعُ الْآيَاتِ، لَا سَمَاعَ الْأَبْيَاتِ، وَسَمَاعُ الْقُرْآنِ، لَا سَمَاعَ مَزَامِيرِ الشَّيْطَانِ، وَسَمَاعُ كَلَامِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ لَا سَمَاعَ قَصَائِدِ الشُّعَرَاءِ، وَسَمَاعُ الْمَرَاشِدِ، لَا سَمَاعَ الْقَصَائِدِ، وَسَمَاعُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، لَا سَمَاعَ الْمُغَنِّينَ وَالْمُطْرِبِينَ.

فَهَذَا السَّمَاعُ حَادٍ يَحْدُو الْقُلُوبَ إِلَى جِوَارِ عَلَّامِ الْغُيُوبِ، وَسَائِقٌ يَسُوقُ الْأَرْوَاحَ
إِلَى دِيَارِ الْأَفْرَحِ، وَمُحَرِّكٌ يُثِيرُ سَاكِنَ الْعَزَمَاتِ إِلَى أَعْلَى الْمَقَامَاتِ وَأَرْفَعِ الدَّرَجَاتِ، وَمُنَادٍ يُنَادِي لِلْإِيمَانِ، وَدَلِيلٌ يَسِيرُ بِالرَّكْبِ فِي طَرِيقِ الْجِنَانِ، وَدَاعٍ يَدْعُو الْقُلُوبَ بِالْمَسَاءِ وَالصَّبَاحِ، مِنْ قِبَلِ فَالِقِ الْإِصْبَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ.

فَلَمْ يُعْدَمْ مَنِ اخْتَارَ هَذَا السَّمَاعَ إِرْشَادًا لِحُجَّةٍ، وَتَبْصِرَةً لِعِبْرَةٍ، وَتَذْكِرَةً لِمَعْرِفَةٍ، وَفِكْرَةً فِي آيَةٍ، وَدَلَالَةً عَلَى رُشْدٍ، وَرَدًّا عَلَى ضَلَالَةٍ، وَإِرْشَادًا مِنْ غَيٍّ، وَبَصِيرَةً مِنْ عَمًى، وَأَمْرًا بِمَصْلَحَةٍ، وَنَهْيًا عَنْ مَضَرَّةٍ وَمَفْسَدَةٍ، وَهِدَايَةً إِلَى نُورٍ، وَإِخْرَاجًا مِنْ ظُلْمَةٍ، وَزَجْرًا عَنْ هَوًى، وَحَثًّا عَلَى تُقًى، وَجَلَاءً لِبَصِيرَةٍ، وَحَيَاةً لِقَلْبٍ، وَغِذَاءً وَدَوَاءً وَشِفَاءً، وَعِصْمَةً وَنَجَاةً، وَكَشْفَ شُبْهَةٍ، وَإِيضَاحَ بُرْهَانٍ، وَتَحْقِيقَ حَقٍّ، وَإِبْطَالَ بَاطِلٍ.

وفي الكلام السابق عبرة لمن اعتبر ألا يغتر بفهمه لعلم نافع وينسى أن عليه مجاهدة نفسه في عدة أمور:

- في تقدير هذه النعمة، بأن تعرف أنها نعمة من الله وتمتن لربك بذلك، وتفرح بفضله ورحمته كذلك، ولا تنتظر أن يفرح الناس وينبهروا بهذا العلم حتى تقدره حق قدره! وهذا كثير في الناس إلا من رحم الله، لا يقدرون نعمة إن لم يقدرها من حولهم غالبًا!

- في أن تسعى أن تزكيَ نفسك بهذا العلم، وتعمل به، وتصبر على مشقة ذلك.

- في ألا تستهين به وتسعى أن تحفظه عندك بما يتيسر لك، بحسبه بالطبع.

فإن لم يثمر العلم والفهم خيرا في نفسك بل أثمر عكس ذلك من انشغال بالناس وغفلة عن ربك وعن نفسك ومحاسبتها وتزكيتها، فهو جهل كما قال الإمام المجدد في إحدى كلماته الجليلة، وحجة تزيدها على نفسك يوم القيامة، فالحذر كل الحذر من هذه المخادعات التي تفشو في الناس إلا من رحم الله منهم.

هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
قال #ابن_القيم رحمه الله:

أقرب الوسائل إلى الله ملازمة السنة والوقوف معها في الظاهر والباطن،

ودوام الافتقار إلى الله...

وإرادة وجهه وحده بالأقوال والأفعال،

وما وصل أحد إلى الله إلا من هذه الثلاثة،

وما انقطع عنه أحد إلا بانقطاعه عنها أو عن أحدها.

- الفوائد (١٥٧)
"ياحي ياقيوم، برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين".

- من دعاء رسول الله ﷺ
"وقال لي مرة: المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى والمأسور من أسره هواه."

ابن القيم عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهما الله.
صدق رحمه الله، لأن هذا لا يستحقه إلا من بيده مقاليد السموات والأرض، وربهما، سبحانه وتعالى، لا غيره ولا سواه...
جزاه الله خيرا على هذا التنبيه
أبو محمد - أنس الهاشميّ
جزاه الله خيرا على هذا التنبيه
قال شيخ الإسلام في شرح حديث سيد الاستغفار من جامع المسائل:

ومتى شهد العبد هذين الأمرين استقامت له العبودية، وترقى في درجات المعرفة والإيمان، وتصاغرت إليه نفسه، وتواضع لربه.

وهذا هو كمال العبودية، وبه يبرأ من العجب والكبر وزينة العمل.



والنص #منقول

وهذه وريقات لأبي نوح آدم الصقور عن هذا الموضوع، مع مقطع صوتي له يوضح فيه الأمر وأهميته..
أبو محمد - أنس الهاشميّ pinned «موادٌّ مُجمّعَة: عن التمدرس بالنسبة للمرأة أرجو أن تشاركوه، والأخوات بالخصوص، فقد جمعت فيه ما إن سمعه أي عاقل وقرأ اعتبر إن شاء الله بما فيه وانتفع. وبالنسبة للصوتية الأولى المذكورة، فهذا رابطها: https://t.me/+ZdMEPWfVv0cyMDdk»
🔔 جديد القناة 🆕

لماذا يطعن هؤلاء في الإمام أحمد بن حنبل قدس الله روحه؟
وما سر هذا الذعر من قوله في مسألة خلق القرآن؟
وهل تفرّد الإمام رحمه الله في قوله ذاك؟

🎞 مقطع قصير على قناتنا في اليوتيوب 👇🏼
https://youtu.be/CxBzE4lFRZs?si=eJZo0TH81CJexsFo
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
وقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَحْدِيدِ المَحَبَّةِ عَلى أقْوالٍ، نَحْوَ ثَلاثِينَ قَوْلًا. ولا تُحَدُّ المَحَبَّةُ بِحَدٍّ أوْضَحَ مِنها، فالحُدُودُ لا تَزِيدُها إلّا خَفاءً. وهَذِهِ الأشْياءُ الواضِحَةُ لا تَحْتاجُ إلى تَحْدِيدٍ، كالماءِ والهَواءِ والتُّرابِ والجُوعِ والشِّبَعِ ونَحْوِ ذَلِكَ.

• ابن أبي العز الدمشقي

وهذا كلام مهم وتأصيل مفيد، فكثير من الناس لدخول المنطق والفلسفة على العلوم الشرعية يكلف نفسه بتحديد هذه الأمور الواضحة.

تحديد = تعريف

#تنبيهات
- «والقرآن قد ضرب الله للناس فيه من كل مثل، وهي المقاييس العقلية المفيدة للمطالب الدينية، لكن القرآن يبين الحق في الحكم والدليل، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟ وما كان من المقدمات معلومة ضرورية متفقا عليها، استدل بها، ولم يحتج إلى الاستدلال عليها. والطريقة الصحيحة في البيان أن تحذف، وهي طريقة القرآن، بخلاف ما يدعيه الجهال، الذين يظنون أن القرآن ليس فيه طريقة برهانية، بخلاف ما قد يشتبه ويقع فيه نزاع، فإنه يبينه ويدل عليه».

📚 شرح العقيدة الطحاوية | ابن أبي العز الحنفي الدمشقي
Forwarded from رحلة نفس (آدم بن صقر الصقور)
كنت أحاول البحث في كيفية تعامل الصحابة والتابعين وتابعيهم والأئمة مع (النقد) ومع (الناقدين). والذي يتبيّن لي بشكل واضح جداً أنّنا في زمن عزّ فيه الفهم!! وأننا في زمان اختلط فيه مزاج الثقافة الغالبة بالمخ والعصب. وأصبح تعاملنا مع (النقد) يتعلق بمفاهيم أجنبية عنّا أو في أحسن أحوالها مفاهيم هامشية كـ: (النقد السلبي)، (التشويه الإعلامي)، (تصيد الأخطاء).
ولم يعد لنا حظ كبير في: (اتهام النفس ومحاسبتها)، (طلب النصيحة)، (العدل والإنصاف).
.
كفى بالمرء إثما أن يقول له أخوه ‌اتق ‌الله ‌فيقول له: عليك نفسك، مثلك يوصيني؟!
أبو محمد - أنس الهاشميّ
كنت أحاول البحث في كيفية تعامل الصحابة والتابعين وتابعيهم والأئمة مع (النقد) ومع (الناقدين). والذي يتبيّن لي بشكل واضح جداً أنّنا في زمن عزّ فيه الفهم!! وأننا في زمان اختلط فيه مزاج الثقافة الغالبة بالمخ والعصب. وأصبح تعاملنا مع (النقد) يتعلق بمفاهيم أجنبية…
ما يفعله كثير من المتصدرين من سوء وقبح خلق في التعامل مع أي نقد موجه لهم، هو سبب جوهري من أسباب الهشاشة النفسية العقدية التي نجدها عند العامة بل وفئة من طلاب العلم، فتجدهم يأتيهم وسواس، أو يصيب بعضهم شك وارتياب، أو حيرة شديدة واضطراب، بمجرد أن يعلم أن فلانا المعظم عنده الذي يرى فيه النموذج الكامل للداعية العالم المصلح قد أخطأ في أمر، أو أمور!

وهذا أيضا من وهم الكمال في الآخرين، ومن رفعهم فوق منزلتهم كبشر مخلوقين، وعدم إنزالهم منازلهم التي أمرنا الله بإنزالهم إياها.

فحينما يصوّر المُنتَقَد أن كل نقد موجه له فهو "إسقاط" و "تشويه" وغير هذا، فهو يجهز طلابه ويهيؤهم ويعوّدهم على تطلب الكمال فيه وفي غيره! مما يؤدي إلى ما سبق ذكره من إشكالات، فلا تكاد ترى هذا المتابع إلا جزعا فزعا حينما ينبهه أحد على خطأ لشيخ يتابعه!، فتكون ردة الفعل إما التهجم على الناقد بفجور كبير، أو الانتكاسة ربما، أو حيرة تصيبه واضطراب، أو غير هذا... والله المستعان
عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يقولُ عِنْدَ الكَرْبِ:

لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ ورَبُّ الأرْضِ، ورَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ
.

- جاء في موقع الدرر السنية:

وهذا الدُّعاءُ مُشتمِلٌ على تَوحيدِ الإلهيَّةِ والرُّبوبيَّةِ، ووَصْفِ الربِّ سُبحانَه بالعظَمةِ والحِلمِ، وعَظمتُه المطلَقةُ تَستلزِمُ إثباتَ كلِّ كَمالٍ له، وسَلْبَ كلِّ نقْصٍ عنه، وحِلمُه يَستلزِمُ كَمالَ رَحمتِه وإحسانِه إلى خلْقِه؛ فإذا عَلِمَ القلبُ هذا وتحقَّقَه أحَبَّ اللهَ تعالَى وأجَلَّه، فحصَلَ له مِن الابتهاجِ واللَّذةِ والسُّرورِ ما يَدفَعُ عنه ألَمَ الكَرْبِ والهمِّ.

https://dorar.net/hadith/sharh/6115
- الكشاف المبين لما في نفوس المستكبرين، صـ١٦٣
Forwarded from الإخلاص
البعض يتوهم أنه يعالج انشغاله بالآخرين كالتالي :

يكون منشغلًا بهم خوفًا ورجاءً، فيصبح منشغلًا بهم تكبرًا واستعلاءً، يكون ينشد رضاهم ويحزن إذا سخطوا، فيصبح يرى نفسه خيرهم وأفضلهم،

وهذا في الحقيقة انتقل من شكل من أشكال الانشغال بالآخرين، إلى شكل آخر من الانشغال بهم!

ويحسب أنه تعافى، وهو في الحقيقة يحوم حول حمى الكبر، الكبر الذي قد يرديه في جهنم!

طيب ما الحل؟
انشغلنا في طلب رضاهم فقلتم هذا مرض،
ثم انشغلنا مع أنفسنا وما عدنا نراهم فقلتم أيضًا هذا مرض!
ماذا نفعل؟!

بسيطة الله يبارك فيك، انشغل برضى ربك ﷻ، وزن الأمور بميزان رضاه وسخطه، فما يرضيه تفعله، وما يسخطه تجتنبه،

مثلاً إن وقعت في شيء من المحرمات تقوم وتتوب على الفور، لأنك تعبده هو عز وجل، لا تعبد نفسك التي تظن أنها ملاكٌ لا يخطئ، ولا الآخرين الذين يسقطونك عند أول عثرة ولا يعتدون بك بعد ذلك،

وتحسن للناس لله، لأن هذا يرضي الله، فقد تكون نفسك رافضة لهذا الإحسان، كالإحسان للقريب المسيء، ولكن تأتي على نفسك وتصبرها وتحسن إليه (كأنما تسفه المل) ، أو كنصح بعض الأقارب أو المعارف العصاة، من باب (قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون)،
أنت ربما تمقتهم، ولا ترجو منهم منفعة ولو بمقدار قشة، ولكن تأتي على نفسك أيضًا وتنصحهم لله، ولا يهمك كيف سيتعاملون مع نصيحتك،
لا يهم، فإنما ترجو رضاه ﷻ،
ثم إذا وجدت منهم إعراضًا تركتهم لله،

فانظر بارك الله فيك كيف أنك عندما أقبلت عليهم ناصحًا، وعندما أعرضت عنهم، كنت في كلا المقامين قاصدًا وجه الله، ما نصحتهم لدنيا، ولا أعرضت عنهم لدنيا، إنما لله في كلا الأمرين،

واعلم أن هذه المرتبة عالية جليلة، فإذا وجدت الارتقاء إليها صعبًا ومؤلمًا، فلا تيأس، أنت تجاهد نفسك، علك تبلغ شيئًا منها، والله كريم، لا يترك عبده يجاهد وحده، فأحسن الظن بربك وأكثر من دعائه أن يعينك على بلوغ هذه المراتب العالية،

ونفسك هي المركبة التي تسير بها إلى الله، فإذا حطمتها كيف ستصل؟!
فلا تجلد نفسك إذا ما تعثرت، فذي مراتب رفيعة كما أخبرتك، وبلوغها ليس بالأمر الهين،

ليرى الله منك صدقًا، عساك تبلغها أو تبلغ بعضها.
من درجات التوكل على الله: إثبات الأسباب، والسعي فيها.

فعلى قدر توكل المرء على الله يكون حرصه على السعي بالأسباب المشروعة المتوفّرة، لا العكس، فهذا من تلبيس الشيطان ومدخل من مداخله في أمر التوكل.

قال رسول الله ﷺ:
(احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز).

وقال الله جل وعلا:
{ إِذۡ هَمَّت طَّاۤىِٕفَتَانِ مِنكُمۡ أَن تَفۡشَلَا وَٱللَّهُ وَلِیُّهُمَاۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ } [سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ١٢٢]

في التفسير المختصر:
اذكر - أيها النبي - ما وقع لفرقتين من المؤمنين من بني سَلِمَة، وبني حارثة، حين ضعفوا، وهَمُّوا بالرجوع حين رجع المنافقون، والله ناصر هؤلاء بتثبيتهم على القتال وصرفهم عما هَمُّوا به، وعلى الله وحده فليعتمد المؤمنون في كل أحوالهم.اه‍

فكان حرصهم على الأسباب - وهي القتال والثبات فيه وعدم الرجوع والانثناء عن الإقدام لأجل رجوع المنافقين - من آثار التوكل ولوازمه التي لا تنفك عنه.