فريدريك نيتشه
34.8K subscribers
298 photos
11 videos
186 files
70 links
{الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه}



للتواصل - محمد
@dan_mh

ألبير كامو
@Camus_Al

سيوران شوبنهاور
@Schopenhauer_Cioran

الفيلسوف الجديد
@Newphilosopher

كتب صوتية - كتب مسموعة
@audiobooking1


أكبر مكتبة للكتب الإلكترونية
@ketab_n
Download Telegram
لا ينبه الشعور الغافل إلا الإرعاء والإبراق، وما تكلم الجمال إلا بنبرات هامسة لا تنفذ إلا إلى أشد الأرواح انتباهًا.

أسمعتني عصمتي اليوم ضحكة تعالت فيها قهقهة الجمال السامية، فجمالي يسخر بكم أيها الفضلاء؛ إذ سمعته يقول: إنهم يطلبون لفضائلهم ثمنًا.

إنكم تتقاضون ثمن فضيلتكم وتطالبون بالجزاء، أيها الفضلاء، طامحين إلى امتلاك أماكن في السماء، بدلًا من أماكن في الأرض، وإلى الظفر بالأبدية بدلًا من الدهر الزائل.

إنكم لتحقدون عليَّ؛ لأنني أعلم الناس أن ليس هنالك لا حسيب ولا مثيب، والحق أنني أمتنع عن القول بالثواب، بل أذهب إلى أبعد من هذا فأقول أن ليس للفضيلة ما تجزي به نفسها جميل الجزاء.

إن ما يؤلمني هو أن العقاب والثواب قد دُسَّا دسًّا في غاية كل أمر، بل حُشرَا حشرًا في أعماق نفوسكم، أيها الفضلاء، ولكن لكلمتي أن تَلِج هذه النفوس ذاهبة فيها كقرنِ الوعل وكالسكة تشق الأرض لتحرثها. فلتتكشف نفوسكم عن خفاياها أمام النور؛ لأن الحقيقة لن تنفصل عن الضلال فيكم حتى تنطرحوا عراة تحت شعاع الشمس. ذلك لأن حقيقة ذاتكم إنما هي أطهر من أن تسمح بتدنسكم بكلمات الانتقام والعقاب والمكافأة والمقابلة بالمثل.

فريدريك نيتشه

@Nietzsche1
بعدما قضيت ما يكفي من الوقت في قراءة ما بين سطور الفلاسفة ومعاينة الحركات الخفية لحيلهم، أقول لنفسي: لا بد أن نضع التفكير الواعي داخل خانة الأفعال الغريزية، بما في ذلك التفكير الفلسفي نفسه. علينا هنا أيضا ان نعيد النظر في رؤيتنا للأشياء، على غرار ما قمنا به في ما يتعلق بالوراثة وب"الخصال الفطرية". فبقدر ما للولادة من دور ضئيل في مجمل مسار الوراثة،كذلك لا يكون الوعي مناقضا على نحو صارم للأشياء الغريزية، فالجزء الأكبر من التفكير الواعي لفيلسوف ما يظل مسيرا على نحو سري بالغرائز، ومرغما على المضي على درب بعينه. خلف المنطق نفسه، وخلف الاستقلالية الظاهرة لتحركه تقف تقييمات، أو بعبارة أوضح إملاءات فيزيولوجية ترمي إلى حفظ نوع بعينه من الحياة. لنأخذ على سبيل المثال مقولتَيْ "المحدد أكثر قيمة من اللامحدد" ، والظاهر أقل قسمة من "الحقيقة": لا يمكن لمثل هذه الأحكام القيمية، وبالرغم مما لها من أهمية إجرائية بالنسبة لنا، أن تكون غير أحكام سطحية، وضرب من السخافة قد تكون ضرورية لحفظ كائنات من نوعنا. مع افتراض أن الإنسان تحديدا أبعد عن أن يكون "معيار الأشياء"(*).

______________
(*) مقولة ظلت لعدة قرون تعتبر مقولة أساسية في الفكر والفلسفة الأوروبيين ويعرف بمبدأ Homo-Mensura المنحدر من الفلسفة الأغريقية عن بروتاغوراس على ما يبدو والمعروف ب"الإنسان هو معيار الأشياء كلها".

فريديريك نيتشه، ما وراء الخير والشر، ترجمة علي مصباح، ص١٤.

@Nietzsche1
‏إنّ المغفرة لأصدقاء المرء أصعب من المغفرة لأعدائه.

- فريدريك نيتشه إلى لو سالومي وباول ري 1882
@Nietzsche1
@Nietzsche1

أنا عبوة ديناميت.. حياة فريدريك نيتشه
تأليف: سو بريدو
ترجمة: أحمد عزيز سامي & سارة أزهر الجوهر
عدد الصفحات: 500 ص
فريدريك نيتشه
@Nietzsche1 أنا عبوة ديناميت.. حياة فريدريك نيتشه تأليف: سو بريدو ترجمة: أحمد عزيز سامي & سارة أزهر الجوهر عدد الصفحات: 500 ص
“أنا عبوة ديناميت - حياة فريدريك نيتشه”

تأليف: سو بريدو
ترجمة: احمد عزيز سامي / سارة أزهر الجوهر

يعد هذا الكتاب “أنا عبوة ديناميت!” السيرة الكاملة الأولى لفريدريك نيتشه التي تترجم للغة العربية، وتكمن أهمية هذه السيرة في إنها تسلط الضوء على بعض الأحداث الغامضة والملتبسة في حياة فريدريك نيتشه، ولا تكتفي عند هذا الحد بل تحاول هدم جدار سوء الفهم الشاهق والعتيق الذي يفصل بين نيتشه والقارئ، دون الرجوع إلى الأحكام المسبقة التي لطالما تسلح بها القارئ غير الملم بنيتشه.

يستعرض الكتاب حياة فيلسوف المطرقة بخيباتها وسعاداتها القليلة، ولحظات الإلهام التي كانت تراود نيتشه مثل البرق، والتي أوحت بتأليف الكثير من كتبه. كما إن الكتاب يتطرق إلى الصداقات والعلاقات التي جمعت نيتشه بالآخرين، وبالذات صداقته بفاغنر وزوجته كوزيما، وعلاقته بلو سالومي.

ما يُحسب لهذا الكتاب أنه لم يصدر إلا قبل عام ولكنه ترشح لجوائز أدبية عالمية مرموقة، فقد حصل على جائزة “هاوثرندن” الأدبية البريطانية لعام 2019، ودخل في القائمة القصيرة لجائزة “جمعية الكتّاب التأريخيين” البريطانية للأعمال اللاقصصية لعام 2019، والقائمة الطويلة لجائزة “راثبونس فوليو” الأدبية البريطانية لعام 2019. كما أنه حصل على لقب سيرة العام في صحيفة The Times البريطانية، واختاره محررو صحيفة New York Times الامريكية كأحد الكتب التي نصحوا بقرائتها، ناهيك عن الصحف العالمية الاخرى التي قدمت مراجعات مهمة عن الكتاب.

نقتبس من الكتاب، جزء من رسالة بعثها نيتشه ردًا على سؤال شقيقته إليزابيث، تستفسر فيه عن موقفه من الإيمان الديني:

“في الواقع، كل إيمان حقيقي هو إيمان معصوم من الخطأ فيضع أمام الشخص المؤمن ما يأمل العثور عليه، ولكنه لا يقدم أي سند لإثبات الحقيقة الموضوعية… هذه هي طرق تقسيم البشرية؛ إذا رغبتِ في تحصيل راحة البال والسعادة، فعليكِ بالإيمان؛ أما إذا رغبتِ في أن تكوني من مريدي الحقيقة، عند ذاك عليكِ بالبحث”.
أنا عبوة ديناميت.pdf
14.6 MB
حياة فريدريك نيتشه، 500 ص
" يوسخون و يعكرون مياههم كي تبدو عميقة! "

- فريديريك نيتشه

@Nietzsche1
" لقد انتقص الدين من شأن (الإنسان) وكرامته، وأكبر دليل على ذلك هو كون كل ما هو طيب وكبير وحقيقي، يظل فوق - بشرياً ولا يتم نيله إلا بفضل الله"

فريدريك نيتشه / من كتاب :"إرادة القوة"

@Nietzsche1
على جبل الزيتون


لقد نزل الشتاء ضيفًا ماكرًا عليَّ، فمددت يديَّ يلوحهما الازْرِقاق لمصافحته، ولكم أود أن أفلت من هذا الضيف بالرغم من محبتي له، ولا سبيل لي للانعتاق منه إلا بالجري على قدمي، فتدب الحرارة فيها وفي أفكاري، فأنا أتجه هاربًا من الصقيع إلى حيث ينقطع هبوب الريح فأصل إلى جبل الزيتون، إلى مطرح شعاع الشمس، وهنالك أستقر ضاحكًا من ضيفي القاسي الرابض في مسكن يتلهى بالقرقعة وقتل الذباب، وضيفي ينفر من طنين ذبابة واحدة أو ذبابتين فهو يطمح إلى جعل كل مكان مقفرًا حتى يرى أشعة القمر نفسها ترتاع من ظلمات السبيل.

إنه لشديد الوطأة هذا الضيف، ولكنني أحترمه ولا أفزع منه إلى إله النار كما يفعل المخنَّثون؛ لأنه خير للإنسان أن تصطك أسنانه بردًا من أن يلجأ إلى الأصنام، ذلك ما تقول به غرائزي فأنا عدو كل صنم ناري يضطرم في وجومه.

إذا ما أحببت أحدًا فإن حبي له في الشتاء لأشد منه في الصيف، وفي الشتاء أراني أقوى على الاستهزاء بأعدائي، فأشعر بالشجاعة عندما ألتفُّ بدثاري على فراشي؛ لأن سعادتي المولية تأخذ بالترنم ضاحكة فتضحك معها كاذبات أحلامي.

أي شيء يكرهني على الزحف، وما زحفت يومًا سعيًا إلى أقدام الأقوياء؟

وإذا كنت لجأت أحيانًا إلى الكذب فما كان كذبي إلا وليد محبتي، وذلك ما يجعلني مرتاحًا إلى نفسي حتى وأنا على فراشي والسماء معتكرة بالغيوم.

إنني لأدفأ على الفراش الوضيع البسيط بأكثر مما أدفأ على الفراش المزين الوثير، فأنا حريص على فقري وما يخلص الفقر لي في أي فصل إخلاصه لي في الشتاء، أفيق كل صباح للمشاكسة فأبدأ بالاستحمام بالماء البارد لأهزأ بالشتاء فيزمجر بوجهي هذا الصديق القاسي، وعندئذ يلذ لي أن أداعب ظلامه بأنوار شمعة ضئيلة لأهيب به إلى إرسال شرر النور من رماد آفاقه.

إن روح الأذية لا تنتبه بي في أية ساعة انتباهها عند الفجر عندما تحتك الآنية بالآنية أمام سبيل الماء، وتصهل الخيل وهي تضرب بحوافرها أرض الشوارع الدكناء.

عندئذ أقف شاخصًا إلى السماء متوقعًا انبثاق أنوارها، فتبدو كالشيخ تمازجَ السوادُ بالبياض في لحيته ونصعت بالشيب قمة رأسه.

فيا لسماء الشتاء من آفاق صامتة تتغلب أحيانًا على الشمس فتدعها ملفعة بصمتها، فهل اقتبستُ من هذه السماء الانقباض على النور في السكون الطويل أم هي تعلمت ذلك مني؟ ولعل كلًّا منا أوجد هذا الوجوم الصامت لنفسه؟

إن للأشياء الحسنة مصادرها المتعددة لأنها تطفِر مرحة في الوجود فلا يمكن أن تلوح وشيكًا وتتوارى.

1
وما الصمت الطويل إلا في عداد هذه الأشياء الحسنة المرحة؛ لذلك صفا أديم وجهي كأديم السماء بعد إمطارها واستقرت اللحظات الهادئة في عيني، فأنا أحجب شمسي كما تحجب سماء الشتاء شمسها، فأخفي إرادتي وقد تعلمت هذا المكر من الشتاء، فبلغت من فني مرتبة منعت بها صمتي أن يُفضح بالصمت نفسه، فأصبحت ألهو بمخادعة المتعظمين وإشغال انتباههم الصارم بالتكلم وباللعب بالنرد، وهكذا لن يتمكن أحد من سبر أعماق حكمتي وأقصى إرادتي، وذلك ما رميت إليه عندما أوجدت السكون الطويل.

ولكم رأيت من رجل ماكر يضع نقابًا على وجهه، ويعكر المياه في أعماقه كيلا يتمكن أحد من نفوذ أقصى سريرته، فالتف حوله كبار الماكرين رواد المصاعب فاصطادوا جميع ما أخفى من أسماك في قعر مياهه.

إن من لا يفضحهم الصمت إنما هم من نَقَتْ نفوسهم وشفَّت قلوبهم، غير أن أقصى سرائرهم لا تنكشف للنظر وهي السحيقة الأغوار تحت أطباق المياه الشفافة الصافية.

إنك رمز لنفسي يا سماء الشتاء بأديمك الأبيض وعيونك البراقة الصافية، وورائك مثل ما تضمر هذه النفس من ثورة واضطراب، ولقد حق عليَّ أن أحتجب كمن ابتلع الذهب كيلا أعرِّض روحي لمباضع المتجسسين، ولقد وجب عليَّ أن أنتعل القباقب المرتفعة؛ لأخفي طول قائمتي عن أعين من يدورون بي من لؤماء الحاسدين، إنها لن تحتمل النظر إلى سعادتي هذه النفوس الجافة العتيقة المتهرئة المفسخة …

من أجل هذا لا أظهر لهم غير شقائي والثلوج المكللة لذرواتي مخفيًا عنهم أن جبلي تمنطقه الشمس بجميع أنوارها، وإذا هم سمعوا من مرتعي شيئًا فلا يسمعون إلا ولولة الزوابع أدفع بها إليهم، فلا يخطر لهم ببال أنني أمرُّ أيضًا على الأمواج الحارة فأحمل منها لفحات ريح الجنوب.

إن هؤلاء الناس يشفقون عليَّ لما يطرأ لي من الحادثات ومن تصاريف الزمان، في حين أنني أهتف قائلًا دعوا الصدفة تأتي إليَّ فإنها طاهرة كالأطفال.

أكان لهؤلاء الناس أن يطيقوا تمتعي بالسعادة لولا أنني لم أحط سعادتي بحادثات الشتاء ومصائبه، ولم أتدثر بالفراء وعباءة الشتاء؟

إنني إن أشفقت لإشفاق هؤلاء المتألمين في كيدهم، وإن ارتجفت من البرد أمامهم، ورضيت بأن تدور رحمتهم بي فما ذلك إلا لحكمة مرحة في نفسي، لا تخفي ما يدور بها من عاصفات الشتاء ولا تستر ما ألمَّ بها من قروح الصقيع.
إن بعض الناس يطلب العزلة بالهرب من المريض، والبعض الآخر يطلبها بالوقوف أمامه.

لأدعهم يصغون إلى أنيني وشكايتي لصقيع الشتاء، إنني بمثل هذا الأنين أفزع من غرفهم الدافئة، فليشفقوا عليَّ وليقولوا إنني سأقضي بالصقيع في برد معرفتي. أما أنا فأركض برجليَّ الدافئتين على جبل الزيتون، وأطلق صوتي بالإنشاد في مطارح شعاع الشمس هازئًا بكل إشفاق.١
هكذا تكلم زارا …

2
فريدريك نيتشه

@Nietzsche1
@kitab_sawti
@Nietzsche1
العنوان: الإنتصار على الذات
بقلم: فريدريك نيتشه
#فريدريك_نيتشه
النوع:
#فلسفة #فكر #الإنسان
الوقت: 9 دقائق
الحجم: 9 ميجابايت

@kitab_sawti
الإنتصار على الذات
فريدريك نيتشه


ليست إرادة الحق في عرفكم، أيها الحكماء، إلا تلك القوة التي تحفزكم وتضطرم فيكم، تلك هي إرادتكم التي أسميها أنا «إرادة تصوُّر الوجود» فإنكم تطمحون إلى جعل كل موجود خاضعًا لتصوركم، وأنتم تحاذرون بحق أن يكون هذا الوجود قد أحاط به التصور من قبل، فتريدون أن تُخضعوا لإرادتكم كل كائن لتتحكموا فيه بالصقل ليصبح مرآة تنعكس عليها صورة العقل.

هذا ما تطمحون إليه، يا أحكم الحكماء، وتلك هي إرادتكم تجاه القوة والخير والشر وتقدير قِيَم الأشياء.

إنكم تريدون خلق عالم يمكن لكم أن تجثوا أمامه، تلك هي نهاية نشوتكم وآخر أمنية لكم، ولكن البسطاء الذين يدعون شعبًا يشبهون نهرًا تخوضه أبدًا ماخرة تقلُّ الشرائع، وقد جلسن عليها بعظمة وأنزلن على وجوههن الحجاب.

لقد أرسلتم إرادتكم وشرعتكم على نهر الزمان، ولكن إرادة القوة مثلت أمامي وكشفت لي حقيقة الخير والشر في اعتقاد الشعوب.

وهل سواكم، أيها الحكماء، من أنزل بإرادته المتسلطة هذه الشرائع في هذه الماخرة، وقد حليتموهنَّ بالجواهر وأسبغتم عليهن أروع الأسماء.

لقد سار النهر يحملهن بانسيابه وسهم الماخرة يشق أمواجه ومن يبالي بالموجة تقاوم عبثًا في إرغائها إزبادها.

إن الخطر الذي يتهدد خيركم وشركم لا يكمن في النهر، أيها الحكماء، بل الخطر كل الخطر في إرادة القوة نفسها؛ لأنها الإرادة الحية الدائمة المبدعة.

إن ما سأقوله عن الحياة سيوضح لكم اعتقادي في الخير والشر عندما أتناول ببياني ما تفعل العادات في الأحياء.

لقد سايرتُ الكائن الحيَّ على معابره وأشواطه؛ لأتعرَّف إلى عادته، وعندما كانت الحياة صامتة نصبت أمامها مرآة بألف ضلع؛ لأستنطق عينيها فكلمتني لحاظها.

في كل مكان عثرت فيه على حيٍّ. طرقت أذني كلمات الطاعة فما من حيٍّ يتعالى عن الخضوع، وعرفت أيضًا أن ليس من محكوم في الحياة سوى من لا قبل له بإطاعة نفسه … تلك هي عادة كل حيٍّ …

وهذا ما سمعت أخيرًا: إنَّ تولِّي الحكم أصعب من الطاعة؛ لأن الآمر يحمل أثقال جميع الخاضعين له، وكثيرًا ما ترهق هذه الأثقال كواهل الآمرين.

إن في كل أمر خطرًا ومجاذفة، وكل مرة يصدر الحيُّ فيها أمرًا يقتحم خطرًا.

وإذا ما تحكم الحي في ذاته فإنه يؤدي جزية لسلطانه؛ إذ يصبح قاضيًا ومنفِّذًا وضحية للشرائع التي يستنُّها.

وتساءلت عن علة هذه الأمور وعن القوة التي ترغم الحي على الانقياد والتحكم فتجعله خاضعًا حتى إذا حكم، ولعني توصلت إلى سبر قلب الحياة إلى الصميم، فأصغوا إلى قولي أيها الحكماء.

لقد تيقنت وجود إرادة القوة في كل حيٍّ، ورأيت الخاضعين أنفسهم يطمحون إلى السيادة؛ لأن في إرادة الخاضع مبدأ سيادة القوي على الضعيف، فإرادة الخاضع تطمح إلى السيادة أيضًا لتتحكم فيمن هو أضعف منها، وتلك هي اللذة الوحيدة الباقية لها فلا تتخلى عنها.

وبما أن الأضعف يستسلم للأقوى والأقوى يتمتع بسيادته على هذا الأضعف، فإن الأقوى يعرض نفسه للخطر في سبيل قوته؛ فهو يجاذف بحياته مستهدفًا للأخطار.

إن إرادة القوة كامنة حتى في مجال التضحية والخدمة المتبادلة وبين نظرات العاشقين؛ لذلك يتجه الأضعف إلى السبل الملتوية قاصدًا اجتياز الحصن والتربع في قلب الأقوى مستوليًا فيه على قوته.

لقد أودعتني الحياة سرها قائلة: لقد تحتم عليَّ أن أتفوق أبدًا على ذاتي. وإنكم لتحسبون هذا الاندفاع إرادة إبداع أو غريزة تحفز بي إلى الهدف الأسمى والأبعد منالًا بعديد جهاته، في حين أن ليس هنالك إلا وجهة واحدة وسر واحد، وإنني لأفضِّل العدم على التحول عن هذه الوحدة.

والحق أنكم حيث تشهدون انحدارًا وسقوط أوراق من الأدواح، فهنالك تشهدون تضحية الحياة من أجل القوة.

لقد وجب عليَّ أن أكون أنا الجهاد والمستقبل والهدف، وأن أكون في الوقت نفسه الحائل الذي يعترضني في انطلاقي إلى هدفي؛ لذلك لا يعرف الإنسان الطريق المتعرجة التي عليه أن يسلكها إذا هو لم يدرك حقيقة إرادتي.

1
مهما كان الشيء الذي أُبدعه، ومهما بلغ حبي له فإن عليَّ أن أنقلب له خصمًا، وأتحوَّل عن حبي وحناني، ذلك ما قضته إرادتي عليَّ.

وأنت، أنت يا من تطلب المعرفة ليس لك من سبيل غير سبيلي، فعليك أن تقتفي أثر إرادتي، وما تقتفي إرادتي إلا آثار إرادة الحق.

ما عثر على الحقيقة من قال بإرادة الحياة؛ لأن مثل هذه الإرادة لا وجود لها، وليس للعدم إرادة كما أن المتمتع بالحياة لا يمكنه أن يطلب الحياة.

ولا إرادة إلا حيث تتجلى حياة، ومع هذا فإن ما أدعو إليه إنْ هو إلا إرادة القوة لا إرادة الحياة.

إن هنالك أمورًا كثيرة يراها الحي أرفع من الحياة نفسها، وما كان ليرى أشياء أفضل من الحياة، لو لم تكن هنالك إرادة القوة.

هذا ما علمتني إياه الحياة يومًا، وأنا بهذا التعليم أهتك أسرار قلبكم، أيها الحكماء، فأقول لكم: إنه ليس هنالك من خير دائم وشر دائم؛ لأن على الخير والشر كليهما أن يندفعا أبدًا إلى التفوق والاعتلاء.

وأنتم أيها الواضعون للقيم أقدارها بمقاييسكم وموازينكم، وبما تقولونه عن الخير والشر هل كان لكم أن تفعلوا هذا لو لم تكن لكم إرادة القوة؟ وما تطمحون في أعماق ضمائركم إلا إلى الشهرة والشعور بتأثركم وفيضان أرواحكم. إنكم تجهلون أن في الأمور التي تخضعونها لتقديركم قوة أعظم من تقديركم تنمو وتتفوق على ذاتها لتحطم غلافها وقشورها، فمن أراد أن يكون مبدعًا سواء أكان في الخير أم في الشر، فعليه أن يبدأ بهدم ما سبق تقديره وبتحطيمه تحطيمًا. وهكذا فإن أعظم الشر يبدو جزاء من أعظم الخير، ولكن هذا الخير لم يُعطَ إدراكه إلا للمبدعين.

لقد حق علينا القول، أيها الحكماء، مهما كلفنا الجهر به فإن الصمت أشد وطأة علينا؛ لأن كل حقيقة نكتمها إنما تتحول إلى سم زُعاف فينا، فلنحطم الحقائق التي نجهر بها ما يمكنها أن تُحطَّم فإن هنالك أبنية عديدة يجب علينا أن نرفعها.

هكذا تكلم زرادشت

2

فريدريك نيتشه
@Nietzsche1
121 عاما على رحيل " ديناميت " الفلسفة.. عزيزي نيتشه ..هل مازلت تعتقد اننا بؤساء ؟
علي حسين


أخشى الى حد الرعب أن يطلق عليّ يوماً ما اسم " المقدس "
فريدريك نيتشه

ما ذا لو أن الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه اطلع على مئات الكتب التي وضعت عنه ، وشاهد المهرجانات التي اقيمت للاحتفاء بذكراه ، وتصفح الآف المقالات والدراسات التي تتبع سيرة حياته ، وجلس يستمع الى المحاضرات التي تلقى عنه في مختلف الجامعات ، هل سيصاب بنوع من الغرور ، ام تناتبه رعشة كتلك التي كانت ترافقه سنين حياته الاخيرة ؟ .. اليس هو القائل :" ما يمكن أن نعبر عنه بالكلمات نكون قد تجاوزناه " .. ها هو نيتشه الذي مرت امس ( 25 آب ) ذكرى مرور 121 عاما على رحيله لا يزال الكاتب الاكثر اثارة عند القراء ، ولا يزال القراء منقسمين على الحكم عليه انقساماً لا يشبه أنقسامهم في الحكم على فيلسوف آخر ، ونجد الجميع يستشهد بعبارات هذا الفيلسوف العبقري الذي عاش وحيدا ومات وحيدا . لم يكن احد قبله بمقدوره أن يقلب التفكير الغربي رأساً على عقب ، ولم يأت أحد بتاريخ متناقض وخطير النتائج كما فعل ، وهو الذي يقول عن نفسه " أنا ديناميت " ، إلا انه يفزع في لحظة من اللحظات من الذين سيستخدمون كلماته : " كم من الناس سيستند يوما من الايام الى سلطتي من غير وجه حق " ، وكانت مخاوفه معقولة ألم يقل يوما : " اضع يدي على الألف القادمة " ، واليوم في عصر الانترنيت والألكترونيات لا يزال الحديث عن نيتشه يشغلنا ، ففي كل يوم يولد قارئ جديد سيقرأ سطراً من " العلم المرح " فيدهشه ، أو عبارة من "هكذا تكلم زرادشت " فتسحره .. او يغريه تلخيص إرادة القوة . يظل هذا الفيلسوف الذي مات مجنونا لغز عالمي ، فنيتشه كما كتب يوما الفيلسوف الألماني كارل ياسبرز :" لا يمكن استنفاذه ، وقد غرف كل جيل من نبع رؤاه ، وسعى الى استنفاذه ، وقد بليت كل الأنية وتكسرت ، غير انه في العمق ، ما يزال النبع نضاحاً لا ينضب " .
عاش فريدريك نيتشه ومات ، وهو شخصية غامضة ، وعلى مدى سنوات عمره الـ 56 ظل مجهولاً ، ولم يعرف المجد والشهرة إلا قبل وفاته بسنوات قليلة ، كتابه الشهير " هكذا تكلم زرادشت " والذي صدر عام 1883 لم يثير الانتباه ، ولم يبع اكثر من اربعين نسخة ، وسنجده قبل وفاته بعام واحد - توفي عام 1900 – يعاني من تدهور عقلي ، حيث شخص الاطباء حالته بانها نوعا من اوهام جنون العظمة ، كان يصرخ انه القيصر ، وسيعيش سنواته الاخيرة كانسان بليد خامل ، تحت رعاية امه اولاً ، ثم تحت رعاية شقيقته " اليزابيث " التي كانت شديدة الاهتمام بفلسفة شقيقها . كانت اليزابيث مصممة على ان تجعل الجميع يعترفون بنيتشه باعتباره اكبر عبقرية المانية بعد غوته ، وقد سارعت بتأسيس ارشيف لشقيقها جمعت فيه كل اوراقه ومؤلفاته . بعد وفاة نيتشه ظل البعض يشيرون الى جنونه كدليل على ان فلسفته لا يمكن ان تؤخذ على محمل الجد ، فيما كان البعض الآخر يدافعون ويؤكدون ان جنونه حالة من السمو الروحي ، ونتيجة لأنه قد ادرك حقيقة أبعد من العقل والمعاييرالاخلاقية البرجوازية ، للحكم على الاشياء .. وقعت في حياة نيتشه الكثير من المصادفات ، إلا ان ابرزها لقاءه بسالومي عام 1888 حيث اعتقد انه وجد المرأة المناسبة .كانت فتاة جميلة وذكية ، مسحورة بفلسفته . ورغم انها ستتركه فيما بعد إلا انها ستكتب واحدة من اجمل السير عن هذا الرجل المثقل القلب دوماً ، والذي تدل هيئته على الجنون – ترجمت كتاب ( نيتشه.. سيرة فكرية )

1
الى العربية الدكتورة هناء خليف غني – وقد وصفت هذه السيرة بانها افضل كتابة عن الجوانب النفسية لهذا الفيلسوف المحير . المصادفة الثانية كانت في عثوره على كتاب أرتور شوبنهاور "العالم ارادة وتمثيل" وقد قدر لهذا الكتاب ان يقلب كل اطوار حياته ، ويترك ثورة مستعرة في نفسه ، وكان أول ما شغله من هذا الكتاب شخصية صاحبه التي ستؤثر فيما بعد في كتاباته وخصوصا " مولد المأساة " الذي يقدم فيه التحية لشوبنهاورالذي علمه ان الارادة شيء قائم بنفسه ، وان الذاتية في الوجود مصدر كل ألم ، والموسيقى لغة أصيلة للارادة . وفي مدرسة شوبنهاور تعلم نيتشه ان يرى الحقيقة كما هي بما فيها من قبح وبما تنطوي عليه من ألم . وتعلم ان العبقرية يجب أن تناضل عصرها وابناء عصرها حتى تحمل الناس على الاعتقاد بوجودها . فهي حين تناضل العنف وتحارب الرذيلة ، تحاول في هذا كله ان تطهر ذاتها من كل الاضرار التي دخلت عليها من مجتمعها . كما في شوبنهاور تعريفه لحياة البطولة ، و:" أما الحياة السعيدة فهي ضرب من المستحيل . فخير ما تكافئ به نفسك ان تكون عظيماً ظافراً . ذكراك تبقى حية ، وانت تُمجد تمجيد الابطال وارادتك تثب من خطر إلى خطر ، وتصعد من قدر إلى قدر " .
بعد سنوات من رحيله ستصبح صورة نيتشه بوجهه الحائر وشاربه الكث ونظرته المجهدة ، هي الملصق الذي يعلقه الكتاب الطليعيون في العالم ، واصبح الفيلسوف الذي يرغب الجميع في الانتماء لمدرسته ، والشخصية الخارقة التي يريد الجميع رسم صورة لها ، وتذكر الفلاسفة والطلاب والادباء ابن " فرانشيسكا أولر" ، المراة التي حاولت ان تجعل من ابنها نسخة منها ، وستبلغ شهرته الحد الذي تجعل منه فيلسوفا مطابقا لذوق العصر ، تُدرس كتبه في معظم الجامعات ، وتجد فلسفته مكانا لها في اعمال ألبير كامو، وآندريه جيد، ود. هـ. لورانس، وجاك لندن، وتوماس مان، ويوكيو ميشيما، ويوجين أونيل، ، وجورج برنارد شو، وهايدغر وسارتر وفرويد وجاك ديريدا وميشيل فوكو.
أرسى سلامة موسى حجر الاساس الاول لمطالعاتي حول نيتشه بعدما انتهيت من كتابه " هكذا علموني " فقد اخبرني سلامة موسى ان نيتشه خدعه ، لكنه افتتن به سنوات، ثم قرر التخلص منه ، رغم ذلك لا يزال يحمل له الحب والتقدير .. كنت آنذاك في المرحلة المتوسطة ، وكنت بالكاد قادر على فهم كتب سلامة موسى وبعض كتب طه حسين والعقاد ، فكيف بفيلسوف مثل نيتشه ، إلا ان سلامة موسى سيطمئنني ، فصاحبنا لا يرطن بلغة الفلاسفة التي تستعصي على القارئ المبتدئ ، ولا يكتب للمثقفين فقط ،فهو يسطر كتبه بلغة الشعراء ، لذلك هو الفيلسوف الاكثر قربا من الشباب . بدأت في قراءة " هكذا تكلم زرادشت " وعثرت على كتاب فؤاد زكريا القيم " نيتشه " وكانت هذه القراءات مدخلي لعالم هذا الفيلسوف الغريب الاطوار ، وقد قرأته من اجل المعرفة ، وكانت هذه المعرفة تعني بالنسبة لي ان اتلمس طريقي ببطء من خلال البحث في المكتبات عن كل ما يتعلق بسيرة نيتشه واعماله التي لم اعثر سوى على " هكذا تكلم زرادشت " مترجم الى العربية ، ومقالات عدة في مجلات متنوعة كنت اقتنيها آنذاك ، ومثل اي قارئ مبتدئ _ لا حول له ولا قوة ويفتقر الى الخبرة – انجذبت الى حياة نيتشه اكثر من كتابه " هكذا تكلم زرادشت " ، وقد وجدت في حياته العديد من المواقف الغريبة .. وبعد سنوات ساسأل نفسي : لماذا كان هذا الرجل متمردا على بيئته ؟ . لقد عشت اوقاتا سرحت فيها عندما قرأت كتاب عبد الرحمن بدوي عنه ، لماذا تاخذ حياته كل هذا الاهتمام ؟ بعد سنوات ساعثر على الجواب : انه في قدرة هذا الفيلسوف ان يلبس لباس كل عصر رغم منظره الغريب بشاربه الكبير ، يعطي انطباعاً بأنه غاضب وأحياناً عنيف .. وسادرك ان نيتشه فيلسوف غير عادي يطلب منا ان لا نسيء له :" اقرأني ولكن فكر ملياً " .أما بالنسبة للأساطير والحكايات التي نسجت عنه فهو يوصينا :" من خلال التفكير في ما يمكن للأشخاص غير المؤهلين وغير المناسبين الاحتجاج على أفكاري ، ومع ذلك ، فإن هذا هو عذاب كل معلم " . وهو بالتاكيد عذاب كل قارئ يقترب من " عبوة الديناميت " هذه .

2
قبل اكثر من عام صدر كتاب طرح فيه مؤلفه الكاتب الانكليزي باتريك ويست فكرة تخيل عودة نيتشه الى حياتنا هذه الايام ، ويناقش تاثير نيتشه على عصرنا الحاضر ، خصوصا بعد صعود موجة الشعبوية في اوربا ، فهذا الفيلسوف الذي اخترع كلمة السوبرمان ، لا تزال افكاره حول طبيعة الخير والشر ، وارادة القوى ، تتردد صداها في جميع أنحاء العالم ، وفي وسائل الاعلام ، ونجده يظهر في سلسلة هاري بوتر كانسان خارق ، يطرح الكاتب سؤالا : هل نحن مدينون لنيتشه ، الذي اكد ان " ما هو عظيم في الإنسان ، أنه جسر وليس هدفًا ".
يقول الكاتب أن مهمة نيتشه كانت ولا تزال في طرح الاسئلة ، وقد كان يعتقد أنه كلما زادت عدد الأسئلة التي نطرحها كلما زادت الحكمة التي نكتسبها ونطورها في حيانتا بشكل أفضل ، وان الانسان عندما يعاني للوصول الى هدفه فان ذلك افضل له ، فالشجاعة هي في مواجهة المصاعب ، والسماح لنفسك بالعيش بشكل تجريبي ، واستكشاف خبرات الحياة بجرأة :" كن ممتنا لأنك لم تأخذ الطريق السهل وتستمر في ذلك مثل "متعرج ممل".
قبل الحرب العالمية الثانية ستصبح افكار نيتشه هي الرائجة وسيكتب ازولد اشبنجلر صاحب الكتاب الشهير " تدهور الحضارة الغربية :" كانت الصحراء في قلوبنا ، وفجأة ظهر نيتشه مثل النيزك " ، لنصبح كتاباته هي البضاعة الرائجة في عصر النازية الالمانية .
كثير من الذين درسوا فلسفة صاحب " هكذا تكلم زرادشت" يؤكدون ان كتابات نيتشه كانت بحثا عميقا عن جذور التفسخ في الثقافة الاوربية ، حيث وصل نيتشه الى استنتاج ان اوربا فقدت قوة الحياة الدافعة لخلق قيم تؤدي الى ثقافة قوية وجديدة ، وقوة الحياة هذه سيطلق عليها نيتشه اسم " ارادة القوة " . كان نيتشه يفهم ارادة القوة في الإنسان ، على انها شيء اوسع واكثر شمولا من مجرد رغبة في ممارسة السيطرة على الآخرين ، فارادة القوة كما يقول نيتشه تمنح الانسان شعورا :" بالكمال ، بالقوة المنضبطة والصلاحية التي تمكنه من ان يواجه بشجاعة وروح حية ، الكثير مما يجعل الضعفاء يرتعدون " وهو يؤمن ان المرض والتفسخ يطردان " غريزة الحياة " ، يصر نيتشه على ان ما نصادفه في الحياة مجرد تفاهة ، اطلق عليها تعبير تفاهة اللامعنى . لايوجد إله وبما انه لا يوجد إله لايوجد معنى مطلق للحياة البشرية ، أن أرادتنا وقدرتنا على اتخاذ القرارات هي التي تميز البشر عن باقي المخلوقات وان انحطاط الأنسان العصري يظهر في كونه جبانا يفتقر الى فضيلة الشجاعة ، ويقول نيتشه إن اوربا القرن التاسع عشر هي ثقافة ومجتمع يظهران ما أسماه "اخلاقية القطيع". الناس مستعبدون عبر اتباعهم الأعراف والتقاليد المجتمعية ويخشون الخروج عن المالوف ومثل قطيع غنم مغفل ، يجولون ويفعلون أي أمر يتوقعه منهم أقرانهم هذا ايضا يسحق الروح البشرية وتعزيز العظمة البشرية ،
لقد ادرك نيتشه منذ سنواته الاولى ان الظاهرة الأساسية القادمة في ثقافة الغد ستكون حتماً هي حاجة الفرد الى تمييز نفسه من الجماعة ، ومن أكثر أوصاف نيتشه تاثيرا في النفس وصفه للانسان ، والذي يرى نفسه شبيها بالإله ، ففي هذا الوصف لا يعود للانسان قمة اخرى يسعى اليها .
قبل وفاته بعام خرج نيتشه من بيته ، كان مريضاً ومحبطاً ، شاهد سائق عربة يضرب حصانه بقوه فهرع إليه، الفيلسوف المريض كان يصرخ مدافعاً عن الحيوان المسكين ، وفجأة سقط مغشياً عليه ، فحمله بعض المارّة الى المصحّة ، فحصه الأطباء فاكدوا انه مصاب بتدهور عقلي ، وتقرر حجزه في المصحة ، إلا أن الأم وشقيقته قررتا ان ينقلاه الى منزلهما ، حيث وضع تحت المراقبة الدقيقة. شُخصت حالته بداء جنون العظمة ، فقد كان مصراً على انه القيصر، وازدادت نوبات الصراخ . كان يعتقد ان حجزه في البيت جاء بأوامر من بسمارك شخصيا ، وفي أحد الأيام حطم النافذة ليهرب، واستمرت نوبات الغضب والصراخ الى ان مات عام في الـ " 25 " آب عام 1900 ، عندها اصرت شقيقته اليزابيث ، ان تزعج وهو في موته المسيحية ، بأن اصرت ان تكون جنازته دينيه ، وان يوضع الصليب فوق التابوت ، وقبل موتها عام 1935 شكرت اليزابيت الزعيم النازي ادولف هتلر "

3
لما أنعم على شقيقي من شرف " ، وفيما بعد تم الاستشهاد بنيتشه في محاكمات نورمبرغ التي جرت لمحاكمة جرائم النازية عام 1946 ، بوصفة شخصية مؤيدة للأيديولوجية النازية . ولا بد ان نيتشه المسكين قد فزع من هذه التهمة ، رغم انه تنبأ بأن افكاره ستشوه ذات يوم ، حيث كتب عام 1884 خطابا الى شقيقته اليزابيث قال فيه :" انني ارتعد رعبا عندما افكر في اولئك الناس الذين ، بلا مبرر، ودون قراءة لافكاري ، يستنجدون بسلطتي
ما زال نيتشه بعد اكثر من عشرة عقود على رحيله يحتل في تاريخ الفكر الأوروبي مرتبة مثيرة ومحيرة جدا في الوقت نفسه ، مثيرة لأنه تحدی كل الافكار والمعتقدات والقيم التقليدية في عصره ، ومحيره لأن نتاجه لايزال شدید الاثارة ، هذه الاثارة التي أسهمت فيها تناقضات ذلك النتاج الذي سيحظى بالتمجيد والاجلال بعد اهمال استمر طيلة حياته الخلاقة حيث تحولت افكاره فجأة إلى شيء من الشعار العقائدي في اوروبا كلها . ورغم أن تحديه لحضارتنا كلها قد أسيء تفسیره ، اذ اساءه كارهوه ، واحيانا كثيرة اتباعه ومريدوه ، فان الانفعالات التي أحدثها تفكيره كانت ذات أثر كبير في المناخ الفكري والفلسفي في حياتنا المعاصرة .
ظهر " نیتشه " في نهاية حقبة بارزة جعلت ازمات الانسان الداخلية والخارجية تشهد على الإفلاس التدريجي لتقاليد الانسانية . كان واحدا من هؤلاء الذين رفضوا الخديعة ، وبينما بدا وجه من أوجه تفكيره اشبه بالنبؤة ، جاء الوجه الآخر صلبا ، مليئا بالتشاؤم . وقد أعطت افكاره على مدى اكثر من مئة عام تشخيصا وتحليلا من أشد ما عرف عصرنا قسوة وكشفا للحقائق ، وهو من ناحية أخرى ، كان يسعى الى فلسفة حية ، تعاش ، فلسفة يمكن أن تؤثر في وجودنا تأثيرا فعليا .
في احدى مقالاته المبكرة يدون نيتشه هذه الكلمات : " بالنسبة لي يبدو أن اهم مسألة يجب على الفلسفة أن تبت فيها هي ، الى أي مدى اكتسبت الأشياء طابعا وشکلا لا يمكن تغييرهما وعندما يتم الجواب على هذا السؤال فمن واجب الفلسفة - كما أرى - ان تسير قدما في مهمة" .. كان السؤال الذي يشغله دوما :

4
هل ما زال بالامكان انقاذ الإنسانية والحضارة ، أم انهما محكومتان بالفساد واللامبالاة بصورة لا يمكن اصلاحهما بعدها ؟
تعلمت من خلال صحبتي مع كتب نيتشه أن افضل طريق الى صاحب الشارب الكث ، هي تلك التي تمر عبر نیتشه الانسان . وان الوصول اليه لا يتم إلا من خلال اختراق الأقنعة العديدة التي كان يرتديها والتي حيرت قراءه ومحبي فلسفته . الم يعترف هو نفسه بأن :" كل فلسفة ، تخفي كذلك فلسفة اخرى ، وكل فكرة مخبأ وكل كلمة هي ايضا قناع " .
يقول زراداشت لرفاقه: " إنني وحدي أذهب يا رفاقي ! وانتم وحدكم أذهبوا ! أنا أريد ذلك . في الحقيقة أعطيكم هذه النصيحة : ابتعدوا عني كثيراً ، واعتقوا أنفسكم مني ! والخير لكم أن تخجلوا مني . . . أنتم تقولون أنكم مؤمنون بي ، ولكن ماذا يهمني أيمانكم يا من آمنتم بي ، بل ماذا يهمني كل المؤمنين ! أنتم لم تبحثوا بعد عن أنفسكم ، ولذلك وجدتموني ، هكذا يقول المؤمنون كلهم . ولهذا أرى أن كل ايمان هو شيء ضئيل حقير . والآن ، آمركم أن تفقدوني لتجدوا أنفسكم ." .
يتركنا نيتشه في جدالنا الذي لا ينتهي حول أهميته ، وهل هو اديب ؟ ، وهل كان ديمقراطيا ام متعصباً؟ .. يتركنا بعد ان يوصينا بانه من الأفضل قراءة الكتب بدلاً من محاولة النميمة حول الكاتب .. في كل صفحة من كتبه سنشاهد صورته ذات الملامح الصارمة وسنسمع صوته يؤكد أن الافكار عندما تخرج على الورق ليست اكثر من آثار احد السائرين على الرمال ، حيث نرى جيدا الطريق الذي سلكه هذا الفيلسوف ، ولكي نعرف ما الذي رآه على الطريق يجب ان ننظر الى هذه الطريق بعينيه ، ونتتبعه وهو يردد أنشودته في تمجيد الحياة الفياضة ، مناضلاً حتى النهاية . ورغم الألم الذي غلب على عقله ، لكنه لم يستطع أن يقهر ارادته الواعية .

5