حسّ سليم
Photo
بعكس ما يدعيه الخطاب المعاصر فإن من أسوأ ما قد يورثه جيل ما إلى الذي يليه، من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، هو قلة الإنجاب (الحديث عن الجيل ككتلة واحدة وليس الأفراد والأسر). وصحيح أن ذلك الادعاء قد يبدو منطقيا، لكنه منطقي فقط إذا أخذنا الأمر وكأن هناك عددا من الناس عليهم اقتسام مبلغ محدد لا يتغير، وهذا فعلا هو حال الاقتصادات غير الإنتاجية؛ أي الاقتصادات الريعية أو التي تعتمد على مداخيل شبه ثابتة (رسوم عبور، تأجير قواعد عسكرية، السياحة نوعا ما…). أما الاقتصادات الإنتاجية أو التي تطمح أن تصبح كذلك فتعتمد على فكرة النمو الذي يعتمد بدوره على النمو السكاني أو الثبات في أسوأ الحالات وإلا فإنها تدخل في حالة انكماش سيدفع ثمنه اقتصاديا واجتماعيا لا محالة الجيل القادم. وهذا ما يحدث حاليا في كل الدول الصناعية المتقدمة التي شهدت في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية طفرة سكانية لا مثيل لها بحيث أصبح الجيل الذي ولد في تلك السنوات يعرف بجيل "طفرة المواليد" Baby- boomers أو البومرز. يوصف هذا الجيل بأنه أكثر الأجيال حظا في تاريخ أوروبا؛ فقد عاش فترة نمو اقتصادي لا مثيل لها ترافقها حالة سلم غير مسبوقة. عدد أفراد هذا الجيل أكثر من سابقيه، الأمر الذي سهل عليه تحمل أعباء الرعاية الاقتصادية والاجتماعية للجيل السابق الذي لم يكن أقل عددا فقط بل وأقصر عمرا. وفي الوقت نفسه هو جيل عدده أكبر من عدد أبنائه، ما يعني أنه لم يتحمل عبء التربية مثل آبائه من جهة، ومن جهة أخرى على أبنائه تحمل مسؤولية أكبر لرعايته.
لفهم كيف يلقي الجيل الأكثر عددا العبء على الجيل اللاحق، سنأخذ مثلا أسرة مكونة من 5 أطفال، هؤلاء الخمسة سيتقاسمون بينهم عبء رعاية الوالدين، لكن كل واحد من هؤلاء الخمسة لم ينجب سوى ولد واحد، هنا سيكون على هذا الابن تحمل عبء والديه وحده. بنفس منطق هذا المثال يمكننا إسقاط الفكرة على المجتمع كله، حيث ينبغي على الجيل الأقل عددا تحمل العبء الاقتصادي بسبب تراجع النمو وبسبب الحاجة إلى العمل أكثر ودفع اشتراكات أعلى لصناديق التقاعد حتى تتمكن من تغطية رواتب الجيل السابق الذي خرج إلى التقاعد. أضف إلى ذلك الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي يسببها قلة المواليد والانكماش الاقتصادي.
يمكن الاسترشاد بالفكرة ذاتها بالنسبة للدول العربية ودول العالم الثالث عموما مع فارق أن لحظة البومرز لم تكن بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة بل في السبعينيات والثمانينيات، جيل هذا العقدين يفوق عدده عدد آبائه، وسيكون كذلك أكبر من عدد أبنائه، ما يعني أن أبناء مواليد السبعينيات والثمانيات الذين هم الآن أطفال، سيتحملون هم العبء الأكبر، وستزيد محاولة تقليل الإنجاب الأمر سوءا بالنسبة لهم بعد النضوج والاستقلال عن الأهل. أي أن الدول العربية أيضا بمعدل إنجابها الحالي الدي انخفض كثيرا بالمقارنة مع السابق ستدخل خلال السنوات القادمة في أزمة شيخوخة، طبعا لن تكون مثل أزمة الدول المتقدمة لكنها ستحدث.
كل ما سبق يجعلك تتذكر اللاإنجابيين الذين يحاولون تقديم خيارهم بعدم الإنجاب على أنه فضيلة نبيلة وأنهم أناس آثروا غيرهم على أنفسهم، لكن الحقيقة هي عكس ذلك تماما، وكان يمكن لادعائهم أن يكون صحيحا لو أنهم اعتزلوا المجتمع للعيش في البراري، لكن بما أنهم يفضلون البقاء داخل المجتمع، فإن هذا الأخير سيتحمل عبئهم دون أن يقدموا هم بدورهم شيئا لأن المجتمعات المعاصرة هي في الحقيقة كالشركة التي تقدم خدمات مقابل دفع اشتراكات، ومن بين هذه الاشتراكات هو الإنجاب ليكون بمقدور هذه الشركة أن تعمل وتقدم خدماتها، وعليه فإن اللاإنجابية هي في الحقيقة خيار أناني لأناس يفضلون الحياة السهلة والعيش على حساب غيرهم ثم يقدمون ذلك وكأنه فضيلة.
وفي الختام، تجدر الإشارة إلى أن كل ما سبق هو من وجهة نظر اقتصادية واجتماعية، لكن هناك نظرة أخرى لا تعير الكثير من الاهتمام لما سبق لأنها تنظر للمسألة الديموغرافية من منظور جيوسياسي مرتبط بالصراعات بين الدول حيث يلعب النمو السكاني دورا حاسما أو على الأقل مؤثرا جدا، فلا أحد كان سيهتم بالصين لو أن عدد سكانها بعدد سكان بروناي، ولن يخشى أحد الولايات المتحدة لو أن عدد سكانها بعدد سكان كندا، وحتى مصر لم تكن لتلعب ذلك الدور الذي لعبته خلال القرن 20 لو أن عدد سكانها بعدد سكان قطر...
لفهم كيف يلقي الجيل الأكثر عددا العبء على الجيل اللاحق، سنأخذ مثلا أسرة مكونة من 5 أطفال، هؤلاء الخمسة سيتقاسمون بينهم عبء رعاية الوالدين، لكن كل واحد من هؤلاء الخمسة لم ينجب سوى ولد واحد، هنا سيكون على هذا الابن تحمل عبء والديه وحده. بنفس منطق هذا المثال يمكننا إسقاط الفكرة على المجتمع كله، حيث ينبغي على الجيل الأقل عددا تحمل العبء الاقتصادي بسبب تراجع النمو وبسبب الحاجة إلى العمل أكثر ودفع اشتراكات أعلى لصناديق التقاعد حتى تتمكن من تغطية رواتب الجيل السابق الذي خرج إلى التقاعد. أضف إلى ذلك الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي يسببها قلة المواليد والانكماش الاقتصادي.
يمكن الاسترشاد بالفكرة ذاتها بالنسبة للدول العربية ودول العالم الثالث عموما مع فارق أن لحظة البومرز لم تكن بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة بل في السبعينيات والثمانينيات، جيل هذا العقدين يفوق عدده عدد آبائه، وسيكون كذلك أكبر من عدد أبنائه، ما يعني أن أبناء مواليد السبعينيات والثمانيات الذين هم الآن أطفال، سيتحملون هم العبء الأكبر، وستزيد محاولة تقليل الإنجاب الأمر سوءا بالنسبة لهم بعد النضوج والاستقلال عن الأهل. أي أن الدول العربية أيضا بمعدل إنجابها الحالي الدي انخفض كثيرا بالمقارنة مع السابق ستدخل خلال السنوات القادمة في أزمة شيخوخة، طبعا لن تكون مثل أزمة الدول المتقدمة لكنها ستحدث.
كل ما سبق يجعلك تتذكر اللاإنجابيين الذين يحاولون تقديم خيارهم بعدم الإنجاب على أنه فضيلة نبيلة وأنهم أناس آثروا غيرهم على أنفسهم، لكن الحقيقة هي عكس ذلك تماما، وكان يمكن لادعائهم أن يكون صحيحا لو أنهم اعتزلوا المجتمع للعيش في البراري، لكن بما أنهم يفضلون البقاء داخل المجتمع، فإن هذا الأخير سيتحمل عبئهم دون أن يقدموا هم بدورهم شيئا لأن المجتمعات المعاصرة هي في الحقيقة كالشركة التي تقدم خدمات مقابل دفع اشتراكات، ومن بين هذه الاشتراكات هو الإنجاب ليكون بمقدور هذه الشركة أن تعمل وتقدم خدماتها، وعليه فإن اللاإنجابية هي في الحقيقة خيار أناني لأناس يفضلون الحياة السهلة والعيش على حساب غيرهم ثم يقدمون ذلك وكأنه فضيلة.
وفي الختام، تجدر الإشارة إلى أن كل ما سبق هو من وجهة نظر اقتصادية واجتماعية، لكن هناك نظرة أخرى لا تعير الكثير من الاهتمام لما سبق لأنها تنظر للمسألة الديموغرافية من منظور جيوسياسي مرتبط بالصراعات بين الدول حيث يلعب النمو السكاني دورا حاسما أو على الأقل مؤثرا جدا، فلا أحد كان سيهتم بالصين لو أن عدد سكانها بعدد سكان بروناي، ولن يخشى أحد الولايات المتحدة لو أن عدد سكانها بعدد سكان كندا، وحتى مصر لم تكن لتلعب ذلك الدور الذي لعبته خلال القرن 20 لو أن عدد سكانها بعدد سكان قطر...
أغلب الناس يخلطون بين الحلول الفردية (الشخصية) والحلول الجماعية (السياسية)، في حين أن الحل الفردي قد يكون في الغالب مناقضا تماما للحل الجماعي.
على سبيل المثال هناك أزمة مصرفية حادة في البلاد ثم يطلب منك أحدهم نصيحة حول مدخراته في البنك، هنا قد تنصحه بسحب أمواله وستكون محقا في ذلك، لكن لو طلبت منك نفس النصيحة لكن على مستوى سياسي فهنا ستكون نصيحتك مخالفة تماما للأولى لأن السحب الجماعي سيعني إنهيار المنظومة المصرفية ودخول البلاد في أزمة يصعب تجاوزها، وهكذا تقريبا في كل القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لأن مصالح الفرد تتعارض مع مصالح الجماعة في الغالب، وهنا يأتي دور السياسي لوضع حد للفرد من أجل مصلحة الجماعة.
على سبيل المثال هناك أزمة مصرفية حادة في البلاد ثم يطلب منك أحدهم نصيحة حول مدخراته في البنك، هنا قد تنصحه بسحب أمواله وستكون محقا في ذلك، لكن لو طلبت منك نفس النصيحة لكن على مستوى سياسي فهنا ستكون نصيحتك مخالفة تماما للأولى لأن السحب الجماعي سيعني إنهيار المنظومة المصرفية ودخول البلاد في أزمة يصعب تجاوزها، وهكذا تقريبا في كل القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لأن مصالح الفرد تتعارض مع مصالح الجماعة في الغالب، وهنا يأتي دور السياسي لوضع حد للفرد من أجل مصلحة الجماعة.
حسّ سليم
Photo
من مميزات الغرب التي يحسد عليها أحيانا، والتي نقع كثيرا في فخ تصديقها، مبالغته الشديدة في تقدير الواقع الحالي والمخاطر المستقبلية وقوة خصومه، الأمر الذي يمنحه يقظة جيدة أمام ما يحدث أو ما سيحدث. طبعا ينبغي أن لا يؤخذ الغرب هنا ككتلة واحدة لها نفس الاهتمامات بنفس تعريف الخطر والعدو، بل كتيارات مختلفة كل واحدة منها لها تصوراتها، لكن الذي يجمعها كلها، خاصة بعد تراجع الأمال التقدمية، هو أسلوب التخويف والتهويل –هذا أفضل أسلوب لحشد الناس– بحيث يعتقد كل تيار وكأن العدو/الخطر الوجودي (النهاية) على الأبواب وأن المسألة مسألة وقت بتاريخ محدد في كثير من الأحيان، فيقال مثلا بحلول سنة 2050 (مثلا) سيصبح مناخ الأرض غير صالح للحياة أو أن المهاجرين يصبحون هم الأغلبية أو أن الدولة الفلانية غير الغربية ستصبح رقم واحد في العالم …إلخ، مع العلم أنه قد تجد نفس التقديرات قبل 25 أو 50 سنة عن سنة 2025 مثلا أو قبلها سنة 2000. أو تجدهم مثلا يبالغون كثيرا في قوة العدو (قد يكون عدو داخلي مثل الباطرياركية) الذي قد يكون أضعف من أن يشكل خطرا داهما، ومع ذلك يتعاملون معه وكأنه البعبع الذي يوشك أن يلتهمهم. هذا لا يعني أن هذه التقديرات خاطئة تماما، لكنها تحمل دائما جرعة مبالغ في حجمها أو في زمانها.
هذه النزعة نحو نبوءات نهاية العالم بتواريخ محددة ليست جديدة على الغرب بل عمرها ألفين سنة. منذ ميلاد المسيح إلى اليوم يمكنك أن تجد عشرات النبوءات والتواريخ ليوم القيامة، ولأن العلمنة لا تزيل ثقافة عمرها ألفين سنة بجرة قلم فإنها تظل راسخة في اللاوعي، فتجد نفس الأسلوب ما يزال على حاله، صحيح أنه لم يعد يؤمن بيوم القيامة بالمعنى الديني لها لكنه ما يزال دائما يترقب قدومها أو كما قالت إحداهن في إحدى البرامج السياسية: نشعر أن هناك شيئا ما سيقع علينا في أي لحظة، لكننا لا ندري ما هو.
المؤسف بالنسبة لنا هو أننا كثيرا ما نبالغ في تصديق هذه الهيستيريا التي تصيب الغرب في تقديره للواقع والمستقبل ولقوة خصومه (مرة أخرى حسب اختلاف التوجه) لأنها تناسب ما نتمناه ونغفل عن كونها آلية دفاعية لحشد الناس وليست مجرد رأي موضوعي حتى لو كان صحيحا جزئيا.
ملاحظة: إذا كنت تريد أن تقول أن هذا التهويل نجده لدى كل الأمم فأنت لم تكتشف الماء الساخن، طبعا هناك كل شيء ونقيضه لدى الجميع، لكن الحديث هنا عن النسبة والتركيز.
هذه النزعة نحو نبوءات نهاية العالم بتواريخ محددة ليست جديدة على الغرب بل عمرها ألفين سنة. منذ ميلاد المسيح إلى اليوم يمكنك أن تجد عشرات النبوءات والتواريخ ليوم القيامة، ولأن العلمنة لا تزيل ثقافة عمرها ألفين سنة بجرة قلم فإنها تظل راسخة في اللاوعي، فتجد نفس الأسلوب ما يزال على حاله، صحيح أنه لم يعد يؤمن بيوم القيامة بالمعنى الديني لها لكنه ما يزال دائما يترقب قدومها أو كما قالت إحداهن في إحدى البرامج السياسية: نشعر أن هناك شيئا ما سيقع علينا في أي لحظة، لكننا لا ندري ما هو.
المؤسف بالنسبة لنا هو أننا كثيرا ما نبالغ في تصديق هذه الهيستيريا التي تصيب الغرب في تقديره للواقع والمستقبل ولقوة خصومه (مرة أخرى حسب اختلاف التوجه) لأنها تناسب ما نتمناه ونغفل عن كونها آلية دفاعية لحشد الناس وليست مجرد رأي موضوعي حتى لو كان صحيحا جزئيا.
ملاحظة: إذا كنت تريد أن تقول أن هذا التهويل نجده لدى كل الأمم فأنت لم تكتشف الماء الساخن، طبعا هناك كل شيء ونقيضه لدى الجميع، لكن الحديث هنا عن النسبة والتركيز.
حسّ سليم
Photo
تكملة لمنشور دور المسنين… لفت نظري التعليقات التي في الصورة بين مهاجرين إفريقيين وفرنسيين على بوست فرنسي نشر البارحة عن خبر فتح تحقيق جنائي في وفاة مسنة تبلغ من العمر 94 سنة بسبب العنف في دار للمسنين، وهذه ترجمة الحوار
إفريقي: من المؤسف أن كبار السن في أوروبا غالبًا ما يُتركون لمصيرهم في دور رعاية المسنين، ويمكن أن يموتوا من العطش أو الجوع.
فرنسية 1: عندنا، ولأننا نعمل، نضطر أحيانًا إلى إرسالهم إلى دور رعاية المسنين، الأمر الذي يكلفنا الكثير من المال، ولا نتركهم يموتون من الجوع والعطش تحت أي ظرف من الظروف.
إفريقي: أنا أتفهم الوضع، فالعمل في أوروبا مهم أكثر من كبار السن، وموظفي دور المسنين في أغلب الأحيان لا يعتنون بهم جيدًا، وهذا أمر واقع.
فرنسية 2: من لديه الوقت لإطعام أو سقي من لا يستطيع فعل ذلك؟
إفريقية: الكثير من المال؟ لكن لماذا لا توظفون شخصاً في المنزل لرعاية من أحبوكم وبذلوا الحياة من أجلكم؟
فرنسية 2: نحن نفعل ما في وسعنا بالوسائل المتوفرة لدينا، وأنا لا أتحدث عن نفسي، لأننا تمكنا في بيتنا من رعاية والدتنا حتى النهاية، ولكن فقط لأننا كنا متقاعدين. إذا كان لديك القدرة المالية لتوظيف شخص ما في المنزل ليلاً ونهارًا، فهذا أفضل بكثير بالنسبة لك. إن أجر دار المسنين اللائق يتراوح بين 3500 و4000 يورو شهرياً! ربما في بلدكِ الأمر مختلف، لكن عندنا المرأة الفرنسية متقدمة وتعمل بشكل عام.
إفريقية: رغم أن توظيف شخص ليعتني بكبار السن في المنزل لا يكلف نفس القدر شهريًا. (تعليق: الأمر ليس بهذه السهولة)
بصراحة، يجد البعض أن والديهم مزعجون في سن الشيخوخة ويتخلصون منهم بوضعهم في دار رعاية المسنين.
متجاهلين حقيقة أنهم لا يريدون الذهاب إلى هذه البيوت حيث يواجهون البؤس ويتم تجاهلهم من قبل أسرهم، ولكن ما عساهم يفعلون مع أبناء جاحدين يتظاهرون بأن لديهم عمل.
أعيش وأعمل في فرنسا. أنا أعرف كيف تسير الأمور. في بلدي آباؤنا وأجدادنا لا يشكلون عبئا علينا ونحن أيضا نعمل (تعليق: هنا أيضا الأمر غير دقيق وفيه تجاهل لعدد الأسرة الكبير).
إفريقي: من المؤسف أن كبار السن في أوروبا غالبًا ما يُتركون لمصيرهم في دور رعاية المسنين، ويمكن أن يموتوا من العطش أو الجوع.
فرنسية 1: عندنا، ولأننا نعمل، نضطر أحيانًا إلى إرسالهم إلى دور رعاية المسنين، الأمر الذي يكلفنا الكثير من المال، ولا نتركهم يموتون من الجوع والعطش تحت أي ظرف من الظروف.
إفريقي: أنا أتفهم الوضع، فالعمل في أوروبا مهم أكثر من كبار السن، وموظفي دور المسنين في أغلب الأحيان لا يعتنون بهم جيدًا، وهذا أمر واقع.
فرنسية 2: من لديه الوقت لإطعام أو سقي من لا يستطيع فعل ذلك؟
إفريقية: الكثير من المال؟ لكن لماذا لا توظفون شخصاً في المنزل لرعاية من أحبوكم وبذلوا الحياة من أجلكم؟
فرنسية 2: نحن نفعل ما في وسعنا بالوسائل المتوفرة لدينا، وأنا لا أتحدث عن نفسي، لأننا تمكنا في بيتنا من رعاية والدتنا حتى النهاية، ولكن فقط لأننا كنا متقاعدين. إذا كان لديك القدرة المالية لتوظيف شخص ما في المنزل ليلاً ونهارًا، فهذا أفضل بكثير بالنسبة لك. إن أجر دار المسنين اللائق يتراوح بين 3500 و4000 يورو شهرياً! ربما في بلدكِ الأمر مختلف، لكن عندنا المرأة الفرنسية متقدمة وتعمل بشكل عام.
إفريقية: رغم أن توظيف شخص ليعتني بكبار السن في المنزل لا يكلف نفس القدر شهريًا. (تعليق: الأمر ليس بهذه السهولة)
بصراحة، يجد البعض أن والديهم مزعجون في سن الشيخوخة ويتخلصون منهم بوضعهم في دار رعاية المسنين.
متجاهلين حقيقة أنهم لا يريدون الذهاب إلى هذه البيوت حيث يواجهون البؤس ويتم تجاهلهم من قبل أسرهم، ولكن ما عساهم يفعلون مع أبناء جاحدين يتظاهرون بأن لديهم عمل.
أعيش وأعمل في فرنسا. أنا أعرف كيف تسير الأمور. في بلدي آباؤنا وأجدادنا لا يشكلون عبئا علينا ونحن أيضا نعمل (تعليق: هنا أيضا الأمر غير دقيق وفيه تجاهل لعدد الأسرة الكبير).
حسّ سليم
Photo
لعقود طويلة، صدعت الولايات المتحدة رأس البشرية بالسوق الحر وفضائله التي لا تنتهي. منذ عقود طويلة والمؤسسات المالية الدولية تجر جرا كل دولة متعثرة أو تطلب النصيحة نحو رفع القيود من أمام دخول كل السلع. لعقود طويلة وقساوسة النيوليبرالية يبشرون باليد الخفية التي قُدمت على أنها يد الإله أو القدر الذي ينبغي الرضا بما كتبه لنا مهما حدث. كانوا يطالبون العالم بتبني السوق الحر لأن حسناته تعد ولا تحصى، ولأنه يخلق آليات تنافس تنعش بالضرورة كل اقتصاد وترفعه إلى السماء، وفي حال لم تقدر على المنافسة فعليك تقبل ما كتبته لك اليد الخفية على لوح القدر والموت في صمت لأن البديل الوحيد هو الشيطان الشيوعي والغولاغ السوفييتي اللذان لا علاج لهما سوى بركة السوق الحر.
أما حاليا، فالحال وكأن شيئا لم يكن. ترُاكم الولايات المتحدة القيود على السوق الحر وتتخذ نهجا حمائيا واضحا لصالح شركاتها. لم تعد تلك اليد الخفية خفية كما قيل بل تبين أنها مجرد يد الولايات المتحدة التي تدافع عن مصالحها، وأن ذلك القدر الذي لا مهرب منه لم يكن سوى عصاها الغليظة.
لكن لماذا هذا الانقلاب اللاهوتي؟ ببساطة لأن هناك قوى اقتصادية جديدة لم تستطع الولايات المتحدة منافستها وهي غير مستعدة لقبول حكم اليد الخفية عليها. وهذه ليست المرة الأولى التي تخرق فيها الولايات المتحدة حرمة السوق الحر، فقد فعلت ذلك مثلا مع اليابان في الثمانينات عندما شعرت بأن السلع اليابانية ستغرق السوق الأمريكية. لكن هذه المرة وصل الأمر بالنسبة لها إلى حد الهرطقة والفجور لأنها شعرت بخطر وجودي حقيقي يهدد اقتصادها وهيمنتها العسكرية على العالم، ولم يفعل ذلك أولئك الديموقراطيون الاشتراكيون بل ترامب حبيب الليبرتاريين واليمين النيوليبرالي، ومع ذلك لم نرى ستالين يفتح أبواب الغولاغ من جديد بسبب هذه الحمائية.
نفس الكلام الذي سبق يمكنك أن تسقطه على أيديولوجيا حقوق الإنسان أو الديموقراطية التبشيرية، فكلها أدوات هيمنة تستعملها الدول العظمى لتضفي على هيمنتها شرعية ترضاها الدول الأضعف أو تستعملها كعصاة لتأديب المارقين على سلطتها، لكن عندما تتعارض هذه الشعارات مع مصالحها المباشرة فهي تتصرف وكأنها لم توجد، وهذا ليس بالأمر المدهش، المدهش هو وجود من لا يصدق ذلك حتى بعد أن يشاهد بأم عينيه ومع ذلك يصر على وعظ الناس بحقوق الإنسان والديموقراطية والسوق الحر.
أما حاليا، فالحال وكأن شيئا لم يكن. ترُاكم الولايات المتحدة القيود على السوق الحر وتتخذ نهجا حمائيا واضحا لصالح شركاتها. لم تعد تلك اليد الخفية خفية كما قيل بل تبين أنها مجرد يد الولايات المتحدة التي تدافع عن مصالحها، وأن ذلك القدر الذي لا مهرب منه لم يكن سوى عصاها الغليظة.
لكن لماذا هذا الانقلاب اللاهوتي؟ ببساطة لأن هناك قوى اقتصادية جديدة لم تستطع الولايات المتحدة منافستها وهي غير مستعدة لقبول حكم اليد الخفية عليها. وهذه ليست المرة الأولى التي تخرق فيها الولايات المتحدة حرمة السوق الحر، فقد فعلت ذلك مثلا مع اليابان في الثمانينات عندما شعرت بأن السلع اليابانية ستغرق السوق الأمريكية. لكن هذه المرة وصل الأمر بالنسبة لها إلى حد الهرطقة والفجور لأنها شعرت بخطر وجودي حقيقي يهدد اقتصادها وهيمنتها العسكرية على العالم، ولم يفعل ذلك أولئك الديموقراطيون الاشتراكيون بل ترامب حبيب الليبرتاريين واليمين النيوليبرالي، ومع ذلك لم نرى ستالين يفتح أبواب الغولاغ من جديد بسبب هذه الحمائية.
نفس الكلام الذي سبق يمكنك أن تسقطه على أيديولوجيا حقوق الإنسان أو الديموقراطية التبشيرية، فكلها أدوات هيمنة تستعملها الدول العظمى لتضفي على هيمنتها شرعية ترضاها الدول الأضعف أو تستعملها كعصاة لتأديب المارقين على سلطتها، لكن عندما تتعارض هذه الشعارات مع مصالحها المباشرة فهي تتصرف وكأنها لم توجد، وهذا ليس بالأمر المدهش، المدهش هو وجود من لا يصدق ذلك حتى بعد أن يشاهد بأم عينيه ومع ذلك يصر على وعظ الناس بحقوق الإنسان والديموقراطية والسوق الحر.
على سيرة الحديث عن قميص مارك زوكربيرغ المكتوب عليه "ينبغي تدمير قرطاج"، هناك ملاحظة لا أدري ما مدى صحتها لكن يبدو أن التاريخ يؤكدها هي أن هناك نفورا وتنافسا وعداوة أزلية بين الضفة الشمالية للبحر المتوسط والضفة الجنوبية، أو يمكنك وصفها إن شئت بأنها عداوة بين سام ويافث أو عداوة بين الشعوب السامية الحامية Semito-Hamitic والشعوب الهندوأوروبية Indo-European، في كل الأحوال هناك أحقاد قديمة مدفونة في أعماق لاوعي هذين المجالين تتجاوز الأديان والحضارات.
ملاحظة: ما سبق ليس قانونا فيزيائيا أو معادلة رياضية دقيقة بل هو حديث عام عن الصورة الكبيرة دون الدخول في التفاصيل. وطبعا لا يعني هذا أن زوكربيرغ لبس ذلك القميص لهذا السبب.
ملاحظة: ما سبق ليس قانونا فيزيائيا أو معادلة رياضية دقيقة بل هو حديث عام عن الصورة الكبيرة دون الدخول في التفاصيل. وطبعا لا يعني هذا أن زوكربيرغ لبس ذلك القميص لهذا السبب.
1- لكن نحن أيضا نفعل نفس الشيء معهم وأكثر
2- نحن ديموقراطيون، الأمر مختلف تماما فلا تقارن
لا يمكنك تقريبا أن تستمع للإعلام الغربي لنصف ساعة دون سماع حوار مشابه، وهذا ليس خطابا سيئا أو متناقضا في حد ذاته بل هو من التحيز الطبيعي للمجموعة In-group favoritism، ترجمته في الفقه الإسلامي "الولاء البراء"، ببساطة: نحن على حق (ديموقراطيين) وهم على باطل (غير ديموقراطيين) وبالتالي يحق لنا ما لا يحق لهم، وهذا الطبيعي بين الأمم سواءً بدافع ديني/أيديولوجي أو قومي أو حتى كرة القدم. التناقض يبدأ عندما تدعي في نفس الوقت أنك تنطلق من منطلقات إنسانوية وأن كل البشر عندك سواء وتحكمهم قوانين دولية واحدة وحقوق إنسان لا تتجزأ، لأن الأمر مستحيل في الواقع، أما الغباء فهو أن تسلم للآخرين بصحة أسس انحيازهم وأنت لست ضمن مجموعتهم حتى وإن كنت تحسب نفسك كذلك.
حاليا يمكنك أن تسمع نفس الحوار لدى الحديث عن قرار المحكمة الجنائية الدولية أو التدخل الروسي في أوروبا أو تدخل أذربيجان في كاليدونيا الفرنسية.
2- نحن ديموقراطيون، الأمر مختلف تماما فلا تقارن
لا يمكنك تقريبا أن تستمع للإعلام الغربي لنصف ساعة دون سماع حوار مشابه، وهذا ليس خطابا سيئا أو متناقضا في حد ذاته بل هو من التحيز الطبيعي للمجموعة In-group favoritism، ترجمته في الفقه الإسلامي "الولاء البراء"، ببساطة: نحن على حق (ديموقراطيين) وهم على باطل (غير ديموقراطيين) وبالتالي يحق لنا ما لا يحق لهم، وهذا الطبيعي بين الأمم سواءً بدافع ديني/أيديولوجي أو قومي أو حتى كرة القدم. التناقض يبدأ عندما تدعي في نفس الوقت أنك تنطلق من منطلقات إنسانوية وأن كل البشر عندك سواء وتحكمهم قوانين دولية واحدة وحقوق إنسان لا تتجزأ، لأن الأمر مستحيل في الواقع، أما الغباء فهو أن تسلم للآخرين بصحة أسس انحيازهم وأنت لست ضمن مجموعتهم حتى وإن كنت تحسب نفسك كذلك.
حاليا يمكنك أن تسمع نفس الحوار لدى الحديث عن قرار المحكمة الجنائية الدولية أو التدخل الروسي في أوروبا أو تدخل أذربيجان في كاليدونيا الفرنسية.
غالبا تكون قد سمعت ولو لمرة واحدة عبارة مشابهة لـ: "يستغلون ثغرات الديموقراطية لتدميرنا" على وزن: "مشكلتي طيبة قلبي" لتبرير الإجراءات المخالفة للديموقراطية. هذه الثغرات التي يتحدثون عنها هي بالضبط الهدف من وراء التبشير بالديموقراطية الليبرالية. تحويل البلدان نحو الديموقراطية الليبرالية، وخاصة المعادية منها، هو أسهل طريقة وأقلها تكلفة وتلطيخا للأيدي لضمان الهيمنة عليها من خلال تلك الثغرات دون الحاجة للقوة والأساليب العدائية كالحصار الاقتصادي الذي قد ينقلب على صاحبه. ولهذا تستشيط هذه الدول غضبا إذا حاولت دولة ما سد تلك الثغرات.
حسّ سليم
Photo
تتذكرون صورة هذه الوزيرة الفرنسية للرياضة عندما ارتدت قميصا عليه الشعار الملون خلال كأس العالم في قطر؟
قد تقولون إن هذه الوزيرة هي إنسانة يسارية وتقدمية وربما فيغن، لكن في الحقيقة هي ليست كذلك أبدا، بل على العكس هي نقيض ذلك تماما. هذه الوزيرة يمينية كاثوليكية إلى أقصى حد يمكنك تخيله، وقبل بضعة أشهر حدثت ضجة لدى تعيينها وزيرة للتعليم لأن أبنائها يدرسون في مدرسة خاصة، لكن ليس أي مدرسة بل مدرسة Stanislas التي تعتبر أكثر المدارس الكاثوليكية رجعية في فرنسا، والتي توصف بكل الأوصاف التي يمكنك تخيلها: هوموفوبية، ميزوجينية، ضد الإجهاض… هذه الوزيرة في الواقع لو رأت علم الملونين يمكن أن تتقيأ أو أن يغمى عليها.
إذن ما الذي دفعها إلى ذلك؟ ببساطة دفعها إلى ذلك شيء اسمه: النكاية. هذا اليمين مستعد لفعل أي شيء في حربه المقدسة ضد أي شيء متعلق بالمسلمين، ومستعد ليتجرد من كل ما يدعيه من أجل ذلك، وقد يتحول أحدهم إلى أسوأ يساري قد تتخيله -على الأقل شكلا- إذا وقف أمام مسلم أو حتى مهاجر بشكل عام. لهذا يخطئ الكثيرون عندما يعتقدون أن اليمين (كله) سيكون مختلفا كثيرا عن اليسار من هذه الناحية لأنه ربما سيكون مثله بالضبط بالإضافة إلى مميزات اليمين الأوروبي الأخرى: الغباء + الكذب. لهذا لا تتعجب في السنوات القادمة إذا رأيت جزءا كبيرا من اليمين الأوروبي مسعورا أكثر من اليسار ويتشبث بأسنانه بالإرث اليساري (علمانية، نسوية، ملونين…) لأن هذا الإرث اليساري هو العقبة أمام اندماج المهاجرين في الثقافة الأوروبية الحالية وليس الثقافة الأوروبية التقليدية المنقرضة التي يدعي الدفاع عنها لأن أولئك المهاجرين أقرب إليها منه...
قد تقولون إن هذه الوزيرة هي إنسانة يسارية وتقدمية وربما فيغن، لكن في الحقيقة هي ليست كذلك أبدا، بل على العكس هي نقيض ذلك تماما. هذه الوزيرة يمينية كاثوليكية إلى أقصى حد يمكنك تخيله، وقبل بضعة أشهر حدثت ضجة لدى تعيينها وزيرة للتعليم لأن أبنائها يدرسون في مدرسة خاصة، لكن ليس أي مدرسة بل مدرسة Stanislas التي تعتبر أكثر المدارس الكاثوليكية رجعية في فرنسا، والتي توصف بكل الأوصاف التي يمكنك تخيلها: هوموفوبية، ميزوجينية، ضد الإجهاض… هذه الوزيرة في الواقع لو رأت علم الملونين يمكن أن تتقيأ أو أن يغمى عليها.
إذن ما الذي دفعها إلى ذلك؟ ببساطة دفعها إلى ذلك شيء اسمه: النكاية. هذا اليمين مستعد لفعل أي شيء في حربه المقدسة ضد أي شيء متعلق بالمسلمين، ومستعد ليتجرد من كل ما يدعيه من أجل ذلك، وقد يتحول أحدهم إلى أسوأ يساري قد تتخيله -على الأقل شكلا- إذا وقف أمام مسلم أو حتى مهاجر بشكل عام. لهذا يخطئ الكثيرون عندما يعتقدون أن اليمين (كله) سيكون مختلفا كثيرا عن اليسار من هذه الناحية لأنه ربما سيكون مثله بالضبط بالإضافة إلى مميزات اليمين الأوروبي الأخرى: الغباء + الكذب. لهذا لا تتعجب في السنوات القادمة إذا رأيت جزءا كبيرا من اليمين الأوروبي مسعورا أكثر من اليسار ويتشبث بأسنانه بالإرث اليساري (علمانية، نسوية، ملونين…) لأن هذا الإرث اليساري هو العقبة أمام اندماج المهاجرين في الثقافة الأوروبية الحالية وليس الثقافة الأوروبية التقليدية المنقرضة التي يدعي الدفاع عنها لأن أولئك المهاجرين أقرب إليها منه...
حسّ سليم
Photo
ليس هناك أسوأ من الملكية أو الأرستقراطية الخاملة التي تخلت عن المبررات الأولى لوجودها وأساس شرعيتها: المقدس والسيف.
عندما تتوقف الملكيات عن إعداد أبنائها للحرب وتجنيدهم في جيوشها ليذوقوا طعم الحياة الخشنة، وليس لمجرد لبس البذلات العسكرية المكوية والمزينة بالنياشين والرتب في المناسبات، فإنها تسقط تلقائيا في حالة مزمنة من الضعف والتخنث نتيجة الغرق في الملذات والمتعة واللهو بلا حدود بحيث تتوقف ماكينة الاصطفاء عن العمل لتقديم الأجدر. لهذا نجد أن الجمهوريات على عيوبها الكثيرة خاصة عندما ترتبط بالديموقراطية، كانت دائما عبر التاريخ هي الأكثر نزوعا نحو الفحولة والحرب، لأن آلية الوصول إلى الحكم فيها قائمة على التنافس وإثبات الذات (حكم الجدارة أو الميريتوقراطية) لا على مجرد أن يرث أحدهم ملكه وإمارته عن أبيه كما يرث أحدهم دابة، هذا ما يجعلها أقل استقرارا سياسيا من الملكيات، لكن يعوض عن ذلك حيويتها التي تمنحها طاقة كبيرة إن تم استغلالها جيدا.
هذا لا يعني أن الملكيات غير محاربة خاصة خلال حكم الأجيال الأولى من السلالة أو عندما تتبنى نموذجا شبه جمهوري في انتقال السلطة، لكن بشكل عام تكون الجمهوريات —مع قلة نموذجها في التاريخ— هي الأشد مراسا والأكثر حيوية، هذا ما يمكننا ملاحظته في التاريخ من روما إلى المماليك إلى الجمهوريات البحرية وصولا إلى نابليون والولايات المتحدة ..إلخ، وبين كل هؤلاء الكثير من الامثلة بما في ذلك الدول العربية الحديثة التي نجد أن الجمهوريات فيها مع كل سيئاتها وتقدميتها كانت دائما تاريخيا هي الأقل ترددا أمام القتال، في حين أن الملكيات لا تتحرك إلا إذا ضمنت تفاوتا مريحا في القوة وإلا فهي لا تجد حرجا وهي من تحكم شعوب عرفت بالفروسية في أن تطلب الحماية من دولة عرف شعبها عبر التاريخ ولا يزال بالجبن. من كان يحصل على المال مقابل الحماية أصبح يطلب الحماية مقابل المال، ومن كان يشتري الحماية مقابل المال أصبح يقدم الحماية.
«يظهر التاريخ بأن الأرستقراطية الخاملة تنتهي إلى الغرق في الانحطاط. على عكس الأرستقراطية المحاربة التي يجب أن تقاتل للبقاء في السلطة، ينتهي الأمر بالأرستقراطية الخاملة والمتهورة إلى الهيدونية والاكتئاب، حتى عندما تمسك بزمام السلطة. يوضح هذا بأن القوة ليست كل شيء: يجب أن يكون لديك أهداف لممارستها.»
— تيد كازينسكي - المجتمع الصناعي ومستقبله
عندما تتوقف الملكيات عن إعداد أبنائها للحرب وتجنيدهم في جيوشها ليذوقوا طعم الحياة الخشنة، وليس لمجرد لبس البذلات العسكرية المكوية والمزينة بالنياشين والرتب في المناسبات، فإنها تسقط تلقائيا في حالة مزمنة من الضعف والتخنث نتيجة الغرق في الملذات والمتعة واللهو بلا حدود بحيث تتوقف ماكينة الاصطفاء عن العمل لتقديم الأجدر. لهذا نجد أن الجمهوريات على عيوبها الكثيرة خاصة عندما ترتبط بالديموقراطية، كانت دائما عبر التاريخ هي الأكثر نزوعا نحو الفحولة والحرب، لأن آلية الوصول إلى الحكم فيها قائمة على التنافس وإثبات الذات (حكم الجدارة أو الميريتوقراطية) لا على مجرد أن يرث أحدهم ملكه وإمارته عن أبيه كما يرث أحدهم دابة، هذا ما يجعلها أقل استقرارا سياسيا من الملكيات، لكن يعوض عن ذلك حيويتها التي تمنحها طاقة كبيرة إن تم استغلالها جيدا.
هذا لا يعني أن الملكيات غير محاربة خاصة خلال حكم الأجيال الأولى من السلالة أو عندما تتبنى نموذجا شبه جمهوري في انتقال السلطة، لكن بشكل عام تكون الجمهوريات —مع قلة نموذجها في التاريخ— هي الأشد مراسا والأكثر حيوية، هذا ما يمكننا ملاحظته في التاريخ من روما إلى المماليك إلى الجمهوريات البحرية وصولا إلى نابليون والولايات المتحدة ..إلخ، وبين كل هؤلاء الكثير من الامثلة بما في ذلك الدول العربية الحديثة التي نجد أن الجمهوريات فيها مع كل سيئاتها وتقدميتها كانت دائما تاريخيا هي الأقل ترددا أمام القتال، في حين أن الملكيات لا تتحرك إلا إذا ضمنت تفاوتا مريحا في القوة وإلا فهي لا تجد حرجا وهي من تحكم شعوب عرفت بالفروسية في أن تطلب الحماية من دولة عرف شعبها عبر التاريخ ولا يزال بالجبن. من كان يحصل على المال مقابل الحماية أصبح يطلب الحماية مقابل المال، ومن كان يشتري الحماية مقابل المال أصبح يقدم الحماية.
«يظهر التاريخ بأن الأرستقراطية الخاملة تنتهي إلى الغرق في الانحطاط. على عكس الأرستقراطية المحاربة التي يجب أن تقاتل للبقاء في السلطة، ينتهي الأمر بالأرستقراطية الخاملة والمتهورة إلى الهيدونية والاكتئاب، حتى عندما تمسك بزمام السلطة. يوضح هذا بأن القوة ليست كل شيء: يجب أن يكون لديك أهداف لممارستها.»
— تيد كازينسكي - المجتمع الصناعي ومستقبله