Forwarded from دار الحديث الضيائية
حديث: «دَفن الإنسان في التُّرْبَةِ الَّتِي خُلِقَ مِنْهَا»! http://www.addyaiya.com/uin/arb/Viewdataitems.aspx?ProductId=621
اعتقال الأخ الداعية "أحمد سبيع" خطوة في مشوار الطواغيت لحرب كلّ ما يمت للدين بصلة، مع انكفائه على الرد على النصارى وضلالاتهم واهتداء الكثيرين بما يقول. لم يسلم من شر عدو الله وزبانيته، فرج الله عنه وهدى قلبه وثبته على دينه.
أبو حيّان التوحيدي وحرقه كتبه.. ورسالة مبكية !!!
كان أبو حيان قد أحرق كتبه في آخر عمره لقلة جدواها وضنا بها على من لا يعرف قدرها بعد موته، فكتب إليه القاضي أبو سهل على بن محمد يعذله على صنيعه، ويعرّفه قبح ما اعتمد من الفعل وشنيعه، فكتب إليه أبو حيان يعتذر من ذلك:
«حرسك الله أيها الشيخ من سوء ظني بمودتك وطول جفائك، وأعاذني من مكافأتك على ذلك، وأجارنا جميعا مما يسود وجه عهد إن رعيناه كنا مستأنسين به، وإن أهملناه كنا مستوحشين من أجله، فأدام الله نعمته عندك وجعلني على الحالات كلها فداك. وافاني كتابك غير محتسب ولا متوقّع، على ظماء برح منّي إليه، وشكرت الله تعالى على النعمة به عليّ، وسألته المزيد من أمثاله الذي وصفت فيه بعد ذكر الشوق إليّ والصبابة نحوي وما نال قلبك والتهب في صدرك من الخبر الذي نمي إليك فيما كان مني من إحراق كتبي النفيسة بالنار وغسلها بالماء، فعجبت من انزواء وجه العذر عنك في ذلك، كأنك لم تسمع قارئا يقرأ قوله جلّ وعز: {كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 88]، وكأنك لم تأبه لقوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ} [الرحمن: 26]، وكأنك لم تعلم أنه لا ثبات لشيء من الدنيا وإن كان شريف الجوهر كريم العنصر ما دام مقلّبا بيد الليل والنهار، معروضا على أحداث الدهر وتعاور الأيام، ثم إني أقول: إن كان- أيدك الله- قد نقب خفّك ما سمعت فقد أدمى أظلّي ما فعلت، فليهن عليك ذلك فما انبريت له ولا اجترأت عليه حتى استخرت الله عز وجل فيه أياما وليالي، وحتى أوحى إليّ في المنام بما بعث راقد العزم، وأجدّ فاتر النية، وأحيا ميت الرأي، وحثّ على تنفيذ ما وقع في الرّوع وتريّع في الخاطر، وأنا أجود عليك الآن بالحجة في ذلك إن طالبت، أو بالعذر إن استوضحت، لتثق بي فيما كان مني، وتعرف صنع الله تعالى في ثنيه لي» .
«إن العلم حاطك الله يراد للعمل، كما أن العمل يراد للنجاة، فإذا كان العمل قاصرا عن العلم كان العلم كلّا على العالم، وأنا أعوذ بالله من علم عاد كلا وأورث ذلا وصار في رقبة صاحبه غلا، وهذا ضرب من الاحتجاج المخلوط بالاعتذار. ثم اعلم- علمك الله الخير- أن هذه الكتب حوت من أصناف العلم سرّه وعلانيته، فأما ما كان سرّا فلم أجد له من يتحلّى بحقيقته راغبا، وأما ما كان علانية فلم أصب من يحرص عليه طالبا، على أني جمعت أكثرها للناس ولطلب المثالة منهم، ولعقد الرياسة بينهم ولمدّ الجاه عندهم، فحرمت ذلك كله، ولا شكّ في حسن ما اختاره الله لي وناطه بناصيتي وربطه بأمري، وكرهت مع هذا وغيره أن تكون حجة عليّ لا لي. ومما شحذ العزم على ذلك ورفع الحجاب عنه أني فقدت ولدا نجيبا، وصديقا حبيبا، وصاحبا قريبا، وتابعا أديبا، ورئيسا مثيبا، فشق عليّ أن أدعها لقوم يتلاعبون بها ويدنّسون عرضي إذا نظروا فيها، ويشمتون بسهوي وغلطي إذا تصفحوها، ويتراءون نقصي وعيبي من أجلها، فإن قلت: ولم تسمهم بسوء الظن وتقرّع جماعتهم بهذا العيب؟
فجوابي لك أن عياني منهم في الحياة هو الذي يحقّق ظنّي بهم بعد الممات، وكيف أتركها لأناس جاورتهم عشرين سنة فما صحّ لي من أحدهم وداد ولا ظهر لي من إنسان منهم حفاظ، ولقد اضطررت بينهم بعد الشهرة والمعرفة في أوقات كثيرة إلى أكل الخضراوات في الصحراء، وإلى التكفف الفاضح عند الخاصة والعامة، وإلى بيع الدين والمروءة، وإلى تعاطي الرياء بالنفاق والسمعة، وإلى ما لا يحسن بالحرّ أن يرسمه بالقلم، ويطرح في قلب صاحبه الألم، وأحوال الزمان بادية لعينك، بارزة بين مسائك وصباحك، وليس ما قلته بخاف عليك مع معرفتك وفطنتك وشدة تتبعك وتفرغك. وما كان يجب أن ترتاب في صواب ما فعلته وأتيته، بما قدّمته ووصفته وبما أمسكت عنه وطويته، إما هربا من التطويل وإما خوفا من القال والقيل. وبعد فقد أصبحت هامة اليوم أو غد، فإني في عشر التسعين، وهل لي بعد الكبرة والعجز أمل في حياة لذيذة أو رجاء لحال جديدة، ألست من زمرة من قال القائل فيهم:
نروح ونغدو كلّ يوم وليلة *** وعما قليل لا نروح ولا نغدو
وكما قال الآخر:
تفوّقت درّات الصبا في ضلاله *** إلى أن أتاني بالفطام مشيب
وهذا البيت للورد الجعدي، وتمامه يضيق عنه هذا المكان».
«والله يا سيدي لو لم أتعظ إلا بمن فقدته من الإخوان والأخدان، في هذا الصقع، من الغرباء والأدباء والأحبّاء لكفى، فكيف بمن كانت العين تقرّبهم والنفس تستنير بقربهم، فقدتهم بالعراق والحجاز والجبل والريّ وما والى هذه المواضع، وتواتر إليّ نعيهم واشتدّت الواعية بهم، فهل أنا إلا من عنصرهم؟ وهل لي محيد عن مصيرهم؟ أسأل الله تعالى ربّ الأولين أن يجعل اعترافي بما أعرفه موصولا بنزوعي عما اقترفه، إنه قريب مجيب».
كان أبو حيان قد أحرق كتبه في آخر عمره لقلة جدواها وضنا بها على من لا يعرف قدرها بعد موته، فكتب إليه القاضي أبو سهل على بن محمد يعذله على صنيعه، ويعرّفه قبح ما اعتمد من الفعل وشنيعه، فكتب إليه أبو حيان يعتذر من ذلك:
«حرسك الله أيها الشيخ من سوء ظني بمودتك وطول جفائك، وأعاذني من مكافأتك على ذلك، وأجارنا جميعا مما يسود وجه عهد إن رعيناه كنا مستأنسين به، وإن أهملناه كنا مستوحشين من أجله، فأدام الله نعمته عندك وجعلني على الحالات كلها فداك. وافاني كتابك غير محتسب ولا متوقّع، على ظماء برح منّي إليه، وشكرت الله تعالى على النعمة به عليّ، وسألته المزيد من أمثاله الذي وصفت فيه بعد ذكر الشوق إليّ والصبابة نحوي وما نال قلبك والتهب في صدرك من الخبر الذي نمي إليك فيما كان مني من إحراق كتبي النفيسة بالنار وغسلها بالماء، فعجبت من انزواء وجه العذر عنك في ذلك، كأنك لم تسمع قارئا يقرأ قوله جلّ وعز: {كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 88]، وكأنك لم تأبه لقوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ} [الرحمن: 26]، وكأنك لم تعلم أنه لا ثبات لشيء من الدنيا وإن كان شريف الجوهر كريم العنصر ما دام مقلّبا بيد الليل والنهار، معروضا على أحداث الدهر وتعاور الأيام، ثم إني أقول: إن كان- أيدك الله- قد نقب خفّك ما سمعت فقد أدمى أظلّي ما فعلت، فليهن عليك ذلك فما انبريت له ولا اجترأت عليه حتى استخرت الله عز وجل فيه أياما وليالي، وحتى أوحى إليّ في المنام بما بعث راقد العزم، وأجدّ فاتر النية، وأحيا ميت الرأي، وحثّ على تنفيذ ما وقع في الرّوع وتريّع في الخاطر، وأنا أجود عليك الآن بالحجة في ذلك إن طالبت، أو بالعذر إن استوضحت، لتثق بي فيما كان مني، وتعرف صنع الله تعالى في ثنيه لي» .
«إن العلم حاطك الله يراد للعمل، كما أن العمل يراد للنجاة، فإذا كان العمل قاصرا عن العلم كان العلم كلّا على العالم، وأنا أعوذ بالله من علم عاد كلا وأورث ذلا وصار في رقبة صاحبه غلا، وهذا ضرب من الاحتجاج المخلوط بالاعتذار. ثم اعلم- علمك الله الخير- أن هذه الكتب حوت من أصناف العلم سرّه وعلانيته، فأما ما كان سرّا فلم أجد له من يتحلّى بحقيقته راغبا، وأما ما كان علانية فلم أصب من يحرص عليه طالبا، على أني جمعت أكثرها للناس ولطلب المثالة منهم، ولعقد الرياسة بينهم ولمدّ الجاه عندهم، فحرمت ذلك كله، ولا شكّ في حسن ما اختاره الله لي وناطه بناصيتي وربطه بأمري، وكرهت مع هذا وغيره أن تكون حجة عليّ لا لي. ومما شحذ العزم على ذلك ورفع الحجاب عنه أني فقدت ولدا نجيبا، وصديقا حبيبا، وصاحبا قريبا، وتابعا أديبا، ورئيسا مثيبا، فشق عليّ أن أدعها لقوم يتلاعبون بها ويدنّسون عرضي إذا نظروا فيها، ويشمتون بسهوي وغلطي إذا تصفحوها، ويتراءون نقصي وعيبي من أجلها، فإن قلت: ولم تسمهم بسوء الظن وتقرّع جماعتهم بهذا العيب؟
فجوابي لك أن عياني منهم في الحياة هو الذي يحقّق ظنّي بهم بعد الممات، وكيف أتركها لأناس جاورتهم عشرين سنة فما صحّ لي من أحدهم وداد ولا ظهر لي من إنسان منهم حفاظ، ولقد اضطررت بينهم بعد الشهرة والمعرفة في أوقات كثيرة إلى أكل الخضراوات في الصحراء، وإلى التكفف الفاضح عند الخاصة والعامة، وإلى بيع الدين والمروءة، وإلى تعاطي الرياء بالنفاق والسمعة، وإلى ما لا يحسن بالحرّ أن يرسمه بالقلم، ويطرح في قلب صاحبه الألم، وأحوال الزمان بادية لعينك، بارزة بين مسائك وصباحك، وليس ما قلته بخاف عليك مع معرفتك وفطنتك وشدة تتبعك وتفرغك. وما كان يجب أن ترتاب في صواب ما فعلته وأتيته، بما قدّمته ووصفته وبما أمسكت عنه وطويته، إما هربا من التطويل وإما خوفا من القال والقيل. وبعد فقد أصبحت هامة اليوم أو غد، فإني في عشر التسعين، وهل لي بعد الكبرة والعجز أمل في حياة لذيذة أو رجاء لحال جديدة، ألست من زمرة من قال القائل فيهم:
نروح ونغدو كلّ يوم وليلة *** وعما قليل لا نروح ولا نغدو
وكما قال الآخر:
تفوّقت درّات الصبا في ضلاله *** إلى أن أتاني بالفطام مشيب
وهذا البيت للورد الجعدي، وتمامه يضيق عنه هذا المكان».
«والله يا سيدي لو لم أتعظ إلا بمن فقدته من الإخوان والأخدان، في هذا الصقع، من الغرباء والأدباء والأحبّاء لكفى، فكيف بمن كانت العين تقرّبهم والنفس تستنير بقربهم، فقدتهم بالعراق والحجاز والجبل والريّ وما والى هذه المواضع، وتواتر إليّ نعيهم واشتدّت الواعية بهم، فهل أنا إلا من عنصرهم؟ وهل لي محيد عن مصيرهم؟ أسأل الله تعالى ربّ الأولين أن يجعل اعترافي بما أعرفه موصولا بنزوعي عما اقترفه، إنه قريب مجيب».
«وبعد فلي في إحراق هذه الكتب أسوة بأئمة يقتدى بهم ويؤخذ بهديهم ويعشى إلى نارهم، منهم أبو عمرو بن العلاء، وكان من كبار العلماء مع زهد ظاهر وورع معروف، دفن كتبه في بطن الأرض فلم يوجد لها أثر. وهذا داود الطائي، وكان من خيار عباد الله زهدا وفقها وعبادة، ويقال له تاج الأمة، طرح كتبه في البحر وقال يناجيها: نعم الدليل كنت، والوقوف مع الدليل بعد الوصول عناء وذهول وبلاء وخمول. وهذا يوسف بن أسباط، حمل كتبه إلى غار في جبل وطرحها فيه وسدّ بابه، فلما عوتب على ذلك قال: دلّنا العلم في الأول ثم كاد يضلّنا في الثاني، فهجرناه لوجه من وصلناه، وكرهناه من أجل من أردناه. وهذا أبو سليمان الداراني جمع كتبه في تنور وسجرها بالنار ثم قال: والله ما أحرقتك حتى كدت أحترق بك. وهذا سفيان الثوري مزّق ألف جزء وطيّرها في الريح وقال: ليت يدي قطعت من هاهنا بل من هاهنا ولم أكتب حرفا. وهذا شيخنا أبو سعيد السيرافي سيد العلماء قال لولده محمد: قد تركت لك هذه الكتب تكتسب بها خير الآجل، فإذا رأيتها تخونك فاجعلها طعمة للنار».
«وماذا أقول بعد هذا، وبماذا تقابلني بعد ذلك، سوى أني أقول وسامعي يصدق: إن زمانا أحوج مثلي إلى ما بلغك لزمان تدمع له العين حزنا وأسى، ويتقطّع عليه القلب غيظا وجوى وضنى وشجى، وما نصنع بما كان وحدث وبان، إن احتجت إلى العلم في خاصة نفسي فالقليل والله تعالى شاف كاف، وإن احتجت إليه للناس ففي الصدر منه ما يملأ القرطاس بعد القرطاس إلى أن تفنى الأنفاس بعد الأنفاس، وذلك من فضل الله تعالى عليّ {وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 26]، فلم تعنّى عيني- أيدك الله- بعد هذا بالحبر والورق والجلد والقراءة والمقابلة والتصحيح، وبالسواد والبياض؟ وهل أدرك السلف الصالح في الدين الدرجات العلى إلا بالعمل الصالح والاخلاص المعتقد والزهد الغالب في كلّ ما راق من الدنيا وخدع بالزبرج وهوى بصاحبه إلى الهبوط؟ وهل وصل الحكماء القدماء إلى السعادة العظمى إلا بالاقتصاد في السعي وإلا بالرضى بالميسور وإلا ببذل ما فضل عن الحاجة للسائل والمحروم؟ فأين يذهب بنا وعلي أيّ باب نحطّ رحالنا؟ وهل جامع الكتب إلا كجامع الفضة والذهب، وهل المنهوم بها إلا كالحريص الجشع عليهما؟ وهل المغرم بحبها إلا كمكاثرهما؟ هيهات!!
الرحيل والله قريب والثواء قليل، والمضجع مقض والمقام ممضّ، والطريق مخوف والمعين ضعيف، والاغترار غالب، والله من وراء هذا كلّه طالب، نسأل الله تعالى رحمة يظلنا جناحها، ويسهل علينا في هذه العاجلة غدوها ورواحها، فالويل كل الويل لمن بعد عن رحمته بعد أن حصل تحت قدره، فهذا هذا».
«ثم إني - أيدك الله- ما أردت أن أجيبك عن كتابك لطول جفائك وشدة التوائك عمن لم يزل على رأيك، مجتهدا في محبتك على قربك ونأيك، مع ما أجده من انكسار النشاط، وانطواء الانبساط، لتعاور العلل عليّ، وتخاذل الأعضاء مني، فقد كلّ البصر وانعقد اللسان، وجمد الخاطر وذهب البيان، وملك الوسواس، وغلب اليأس من جميع الناس، ولكني حرست منك ما أضعته مني، ووفيت لك بما لم تف به لي، ويعزّ عليّ أن يكون لي الفضل عليك أو أحرز المزية دونك، وما حداني على مكاتبتك إلا ما أتمثله من تشوقك إليّ وتحرقك عليّ، وأنّ الحديث الذي بلغك قد بدّد فكرك، وأعظم تعجبك، وحشد عليك جزعك، والأول يقول:
وقد يجزع المرء الجليد وتبتلي *** عزيمة رأي المرء نائبة الدهر
تعاوره الأيام فيما ينوبه *** فيقوى على أمر ويضعف عن أمر
على أنك لو علمت في أيّ حال غلب عليّ ما فعلته، وعند أي مرض، وعلى أية عسرة وفاقة، لعرفت من عذري أضعاف ما أبديته، واحتججت لي بأكثر ما نشرته وطويته. وإذا أنعمت النظر تيقنت أن لله جلّ وعزّ في خلقه أحكاما لا يعاز عليها، ولا يغالب فيها، لأنه لا يبلغ كنهها، ولا ينال غيبها، ولا يعرف قابها ولا يقرع بابها، وهو تعالى أملك لنواصينا، وأطلع على أدانينا وأقاصينا، له الخلق والأمر، وبيده الكسر والجبر، وعلينا الصمت والصبر، إلى أن يوارينا اللحد والقبر، والسلام».
«إن سرّك - جعلني الله فداك- أن تواصلني بخبرك، وتعرفني مقرّ خطابي هذا من نفسك فافعل، فإني لا أدع جوابك إلى أن يقضي الله تعالى تلاقيا يسرّ النفس، ويذكّر حديثنا بالأمس، أو بفراق نصير به إلى الرمس، ونفقد معه رؤية هذه الشمس، والسلام عليك خاصا بحقّ الصفاء الذي بيني وبينك، وعلى جميع إخوانك عامّا بحقّ الوفاء الذي يجب عليّ وعليك والسلام».
[معجم الأدباء لياقوت الحموي]
«وماذا أقول بعد هذا، وبماذا تقابلني بعد ذلك، سوى أني أقول وسامعي يصدق: إن زمانا أحوج مثلي إلى ما بلغك لزمان تدمع له العين حزنا وأسى، ويتقطّع عليه القلب غيظا وجوى وضنى وشجى، وما نصنع بما كان وحدث وبان، إن احتجت إلى العلم في خاصة نفسي فالقليل والله تعالى شاف كاف، وإن احتجت إليه للناس ففي الصدر منه ما يملأ القرطاس بعد القرطاس إلى أن تفنى الأنفاس بعد الأنفاس، وذلك من فضل الله تعالى عليّ {وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 26]، فلم تعنّى عيني- أيدك الله- بعد هذا بالحبر والورق والجلد والقراءة والمقابلة والتصحيح، وبالسواد والبياض؟ وهل أدرك السلف الصالح في الدين الدرجات العلى إلا بالعمل الصالح والاخلاص المعتقد والزهد الغالب في كلّ ما راق من الدنيا وخدع بالزبرج وهوى بصاحبه إلى الهبوط؟ وهل وصل الحكماء القدماء إلى السعادة العظمى إلا بالاقتصاد في السعي وإلا بالرضى بالميسور وإلا ببذل ما فضل عن الحاجة للسائل والمحروم؟ فأين يذهب بنا وعلي أيّ باب نحطّ رحالنا؟ وهل جامع الكتب إلا كجامع الفضة والذهب، وهل المنهوم بها إلا كالحريص الجشع عليهما؟ وهل المغرم بحبها إلا كمكاثرهما؟ هيهات!!
الرحيل والله قريب والثواء قليل، والمضجع مقض والمقام ممضّ، والطريق مخوف والمعين ضعيف، والاغترار غالب، والله من وراء هذا كلّه طالب، نسأل الله تعالى رحمة يظلنا جناحها، ويسهل علينا في هذه العاجلة غدوها ورواحها، فالويل كل الويل لمن بعد عن رحمته بعد أن حصل تحت قدره، فهذا هذا».
«ثم إني - أيدك الله- ما أردت أن أجيبك عن كتابك لطول جفائك وشدة التوائك عمن لم يزل على رأيك، مجتهدا في محبتك على قربك ونأيك، مع ما أجده من انكسار النشاط، وانطواء الانبساط، لتعاور العلل عليّ، وتخاذل الأعضاء مني، فقد كلّ البصر وانعقد اللسان، وجمد الخاطر وذهب البيان، وملك الوسواس، وغلب اليأس من جميع الناس، ولكني حرست منك ما أضعته مني، ووفيت لك بما لم تف به لي، ويعزّ عليّ أن يكون لي الفضل عليك أو أحرز المزية دونك، وما حداني على مكاتبتك إلا ما أتمثله من تشوقك إليّ وتحرقك عليّ، وأنّ الحديث الذي بلغك قد بدّد فكرك، وأعظم تعجبك، وحشد عليك جزعك، والأول يقول:
وقد يجزع المرء الجليد وتبتلي *** عزيمة رأي المرء نائبة الدهر
تعاوره الأيام فيما ينوبه *** فيقوى على أمر ويضعف عن أمر
على أنك لو علمت في أيّ حال غلب عليّ ما فعلته، وعند أي مرض، وعلى أية عسرة وفاقة، لعرفت من عذري أضعاف ما أبديته، واحتججت لي بأكثر ما نشرته وطويته. وإذا أنعمت النظر تيقنت أن لله جلّ وعزّ في خلقه أحكاما لا يعاز عليها، ولا يغالب فيها، لأنه لا يبلغ كنهها، ولا ينال غيبها، ولا يعرف قابها ولا يقرع بابها، وهو تعالى أملك لنواصينا، وأطلع على أدانينا وأقاصينا، له الخلق والأمر، وبيده الكسر والجبر، وعلينا الصمت والصبر، إلى أن يوارينا اللحد والقبر، والسلام».
«إن سرّك - جعلني الله فداك- أن تواصلني بخبرك، وتعرفني مقرّ خطابي هذا من نفسك فافعل، فإني لا أدع جوابك إلى أن يقضي الله تعالى تلاقيا يسرّ النفس، ويذكّر حديثنا بالأمس، أو بفراق نصير به إلى الرمس، ونفقد معه رؤية هذه الشمس، والسلام عليك خاصا بحقّ الصفاء الذي بيني وبينك، وعلى جميع إخوانك عامّا بحقّ الوفاء الذي يجب عليّ وعليك والسلام».
[معجم الأدباء لياقوت الحموي]
(صَحِيْحُ البُخَارِيِّ) لَوْ أَنْصَفُوهُ //
لَمَا خُطَّ إِلاَّ بمَاءِ الذَّهَبْ
هُوَ الفَرْقُ بَيْنَ الهُدَى وَالعمَى //
هُوَ السَّدُّ بَيْنَ الفَتَى وَالعَطَبْ
أَسَانِيْدُ مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ //
أَمَامَ مُتُوْنٍ كَمِثْلِ الشُّهُبْ
بِهِ قَامَ مِيْزَانُ دِيْنِ الرَّسُوْلِ //
وَدَانَ بِهِ العُجْمُ بَعْدَ العَرَبْ
حِجَابٌ مِنَ النَّارِ لاَ شَكَّ فِيْهِ //
تَمَيَّزَ بَيْنَ الرِّضَى وَالغَضَبْ
وَسِتْرٌ رَقِيْقٌ إِلَى المُصْطَفَى //
وَنصٌّ مُبِيْنٌ لِكَشْفِ الرِّيَبْ
فَيَا عَالِماً أَجْمَعَ العَالِمُوْنَ //
عَلَى فَضْلِ رُتْبَتِهِ فِي الرُّتَبْ
سَبَقْتَ الأَئِمَّةَ فِيْمَا جَمَعْتَ //
وَفُزْتَ عَلَى رَغْمِهِمْ بِالقَصَبْ
نَفَيْتَ الضَّعِيْفَ مِنَ النَّاقِلِيْنَ //
وَمَنْ كَانَ مُتَّهَماً بِالكَذِبْ
وَأَبْرَزْتَ فِي حُسْنِ تَرْتِيْبِهِ //
وَتَبْوِيْبِهِ عَجَباً لِلْعَجَبْ
فَأَعطَاكَ مَولاَكَ مَا تَشْتَهِيْهِ //
وَأَجْزَلَ حَظَّكَ فِيْمَا وَهَبْ
لَمَا خُطَّ إِلاَّ بمَاءِ الذَّهَبْ
هُوَ الفَرْقُ بَيْنَ الهُدَى وَالعمَى //
هُوَ السَّدُّ بَيْنَ الفَتَى وَالعَطَبْ
أَسَانِيْدُ مِثْلُ نُجُومِ السَّمَاءِ //
أَمَامَ مُتُوْنٍ كَمِثْلِ الشُّهُبْ
بِهِ قَامَ مِيْزَانُ دِيْنِ الرَّسُوْلِ //
وَدَانَ بِهِ العُجْمُ بَعْدَ العَرَبْ
حِجَابٌ مِنَ النَّارِ لاَ شَكَّ فِيْهِ //
تَمَيَّزَ بَيْنَ الرِّضَى وَالغَضَبْ
وَسِتْرٌ رَقِيْقٌ إِلَى المُصْطَفَى //
وَنصٌّ مُبِيْنٌ لِكَشْفِ الرِّيَبْ
فَيَا عَالِماً أَجْمَعَ العَالِمُوْنَ //
عَلَى فَضْلِ رُتْبَتِهِ فِي الرُّتَبْ
سَبَقْتَ الأَئِمَّةَ فِيْمَا جَمَعْتَ //
وَفُزْتَ عَلَى رَغْمِهِمْ بِالقَصَبْ
نَفَيْتَ الضَّعِيْفَ مِنَ النَّاقِلِيْنَ //
وَمَنْ كَانَ مُتَّهَماً بِالكَذِبْ
وَأَبْرَزْتَ فِي حُسْنِ تَرْتِيْبِهِ //
وَتَبْوِيْبِهِ عَجَباً لِلْعَجَبْ
فَأَعطَاكَ مَولاَكَ مَا تَشْتَهِيْهِ //
وَأَجْزَلَ حَظَّكَ فِيْمَا وَهَبْ
Forwarded from دار الحديث الضيائية
قصص لا تصح...
دِفاعاً عن البخاريّ...
(6) قال مَسْلَمَةُ بنُ القَاسِمِ الأَنْدَلُسِيُّ القُرْطُبِيُّ (ت 353هـ): "وألّف عليّ بن المديني كتاب «العلل»، وكان ضَنينًا به [لا يخرجه إلى أحد، ولا يُحدّث به لشرفه، وعظيم خطره، وكثرة فوائده]، فغاب يوماً في بعض ضِياعه فجاء البخاري إلى بعض بَنيه ورغبه بالمال على أن يرى الكتاب يوماً واحداً، فأعطاه له، فدفعه إلى النسَّاخ فكتبوه له، ورده إليه، فلما حضر عليّ تكلم بشيء، فأجابه البخاري بنص كلامه مراراً، ففهم القضية واغتم لذلك، فلم يزل مغموماً حتى مات بعد يسير، واستغنى البخاري عنه بذلك الكتاب، وخرج إلى خراسان ووضع كتابه «الصحيح» فعظم شأنه وعلا ذِكره، وهو أول من وضع في الإسلام كتابًا صحيحاً فصار الناس له تبعًا بعد ذلك".
قال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (9/54) بعد أن أورد كلام مسلمة: "قلت: إنما أوردت كلام مسلمة هذا لأبين فساده، فمن ذلك إطلاقه بأن البخاري كان يقول بخلق القرآن وهو شيء لم يسبقه إليه أحد، وقد قدمنا ما يدل على بطلان ذلك، وأما القصة التي حكاها فيما يتعلق بالعلل لابن المديني فإنها غنية عن الرد لظهور فسادها، وحسبك أنها بلا إسناد، وأن البخاري لما مات علي كان مقيماً ببلاده، وأن «العلل» لابن المديني قد سمعها منه غير واحد غير البخاري، فلو كان ضنينًا بها لم يُخرجها، إلى غير ذلك من وجوه البطلان لهذه الأخلوقة، والله الموفق".
قلت: لله درّ الحافظ كيف نقد هذه القصة المكذوبة التي لا يسمعها من عنده شمّة من علم إلا وقطع بوضعها!
واستدل ابن حجر على كذب هذه القصة بأمور:
1- أن هذه القصة لا إسناد لها: فقد ذكرها مسلمة دون إسناد!
2- أن البخاري لما مات ابن المديني كان مقيماً ببلاده في خراسان: وفي القصة أن ابن المديني مات بعد هذه القصة بيسير وكان البخاري قريباً منه!
3- أن «العلل» لابن المديني قد سمعها غير واحد منه، فلو كان ضَنيناً بها لما أسمعها لتلاميذه، وهذه النقولات عنه من كتبه في «العلل» خير شاهد على ذلك.
وأُضيف إلى هذا:
4- مَسلمة بن القاسم كان مُحدثاً رحّالاً، وقد نقل أشياء منكرة في كتبه، ولهذا تكلّم فيه بعض أهل العلم.
قال الذهبي في «السير» (16/110) بعد أن ذكر رحلاته وتجواله في طلب العلم: "ورجعَ إِلَى بلدِهِ بعلمٍ كَثِيْرٍ، وَلَمْ يَكُنْ بثقةٍ".
وقال أبو محمد ابن حزم: "كان أحد المكثرين من الرواية والحديث، سمع الكثير بقرطبة، ثم رحل إلى المشرق قبل العشرين وثلاث مِئَة، فسمع بالقيروان، وأطرابلس، والإسكندرية، وأقريطش، ومصر، والقلزم، وجدة، ومكة، واليمن، والبصرة، وواسط، والأبلة، وبغداد، والمدائن، وبلاد الشام، وجمع علمًا كثيرًا، ثم رجع إلى الأندلس فكفّ بصره".
وقالَ ابنُ الفَرَضِيِّ: سَمِعْتُ مَنْ ينسبُهُ إِلَى الكذبِ، وقَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَحْيَى بنِ مفرجٍ: "لمْ يَكُنْ كذَّاباً، بَلْ كَانَ ضَعِيْفَ العقلِ".
قلت: فظاهر ذلك أنه كان يُصدّق كل ما يُقال له، فيذكره في كتبه دون تحرّ. فهو لا يكذب لكنه كان يقبل كل شيء!
فلا يُحتج بما يذكره من قصص دون أسانيد، أو عدم تصريحه بمن حدثه!
ومن هذا قوله: "سمعت من يقول عن أبي جعفر العقيلي قال: لما ألف البخاري كتابه في صحيح الحديث عرضه على علي بن المديني ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وغيرهم فامتحنوه، فكلهم قال له: كتابك صحيح إلا أربعة أحاديث. قال العقيلي: "والقول فيها قول البخاري وهي صحيحة".
فهذه قصة منكرة، وإسنادها مجهول!
والعقيلي نفسه ضعّف بعض الأحاديث من صحيح البخاري، فكيف يحكم على كل ما فيه بالصحة؟!
ولم يُصب من ضعّف مسلمة كما فعل الذهبي في «الميزان»! وأبو جعفر المالقي في «تاريخه» حيث قال: "فيه نظر"!
قال ابن حجر في «اللسان» بعد أن نقل كلام الذهبي فيه: "ضعيف. وقيل: كان من المشبهة": "قلت: هذا رجل كبير القدر ما نسبه إلى التشبيه إلا من عاداه، وله تصانيف في الفن، وكانت له رحلة لقي فيها الأكابر... جمع تاريخًا في الرجال شرط فيه أن لا يذكر إلا من أغفله البخاري في تاريخه، وهو كثير الفوائد في مجلد واحد. ومن تصانيفه «التاريخ الكبير»، و«صلته»، و«ما روى الكبار عن الصغار»".
5- لا يُعرف أنه كان لابن المديني ضِياع كان يخرج إليها! ولو كانت له ضياعاً لكان ثرياً ولم يكن ليحتاج أحداً في نفقاته، ولما احتاج ابنه أن يُغريه البخاري بالمال! ثمّ ما هو مقدار المال الذي رغّبه البخاري به؟! وهل كان البخاري يملك المال؟!
6- أيّ كتاب في «العلل» هذا الذي طلبه البخاري من ابن علي بن المديني؟! فابن المديني له عشرات الأجزاء في العلل وغيرها.
منها: «عِللُ المُسْنَدِ» ثَلاَثُوْنَ جُزْءاً.
«العِلَلُ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي» أَرْبَعَةَ عَشَرَ جُزْءاً.
«عِلَلُ حَدِيْثِ ابنِ عُيَيْنَةَ» ثَلاَثَةَ عَشَرَ جُزْءاً.
«العِلَلُ المُتَفَرِّقَةُ» ثَلاَثُوْنَ جُزْءاً.
وكيف يأخذ البخاري الكتاب وينسخه له النساخ في يوم واحد؟!!
ونسخ كتاب من هذه الكتب يحتاج لأيام، لا ليوم واحد من جماعة من النساخ.
دِفاعاً عن البخاريّ...
(6) قال مَسْلَمَةُ بنُ القَاسِمِ الأَنْدَلُسِيُّ القُرْطُبِيُّ (ت 353هـ): "وألّف عليّ بن المديني كتاب «العلل»، وكان ضَنينًا به [لا يخرجه إلى أحد، ولا يُحدّث به لشرفه، وعظيم خطره، وكثرة فوائده]، فغاب يوماً في بعض ضِياعه فجاء البخاري إلى بعض بَنيه ورغبه بالمال على أن يرى الكتاب يوماً واحداً، فأعطاه له، فدفعه إلى النسَّاخ فكتبوه له، ورده إليه، فلما حضر عليّ تكلم بشيء، فأجابه البخاري بنص كلامه مراراً، ففهم القضية واغتم لذلك، فلم يزل مغموماً حتى مات بعد يسير، واستغنى البخاري عنه بذلك الكتاب، وخرج إلى خراسان ووضع كتابه «الصحيح» فعظم شأنه وعلا ذِكره، وهو أول من وضع في الإسلام كتابًا صحيحاً فصار الناس له تبعًا بعد ذلك".
قال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (9/54) بعد أن أورد كلام مسلمة: "قلت: إنما أوردت كلام مسلمة هذا لأبين فساده، فمن ذلك إطلاقه بأن البخاري كان يقول بخلق القرآن وهو شيء لم يسبقه إليه أحد، وقد قدمنا ما يدل على بطلان ذلك، وأما القصة التي حكاها فيما يتعلق بالعلل لابن المديني فإنها غنية عن الرد لظهور فسادها، وحسبك أنها بلا إسناد، وأن البخاري لما مات علي كان مقيماً ببلاده، وأن «العلل» لابن المديني قد سمعها منه غير واحد غير البخاري، فلو كان ضنينًا بها لم يُخرجها، إلى غير ذلك من وجوه البطلان لهذه الأخلوقة، والله الموفق".
قلت: لله درّ الحافظ كيف نقد هذه القصة المكذوبة التي لا يسمعها من عنده شمّة من علم إلا وقطع بوضعها!
واستدل ابن حجر على كذب هذه القصة بأمور:
1- أن هذه القصة لا إسناد لها: فقد ذكرها مسلمة دون إسناد!
2- أن البخاري لما مات ابن المديني كان مقيماً ببلاده في خراسان: وفي القصة أن ابن المديني مات بعد هذه القصة بيسير وكان البخاري قريباً منه!
3- أن «العلل» لابن المديني قد سمعها غير واحد منه، فلو كان ضَنيناً بها لما أسمعها لتلاميذه، وهذه النقولات عنه من كتبه في «العلل» خير شاهد على ذلك.
وأُضيف إلى هذا:
4- مَسلمة بن القاسم كان مُحدثاً رحّالاً، وقد نقل أشياء منكرة في كتبه، ولهذا تكلّم فيه بعض أهل العلم.
قال الذهبي في «السير» (16/110) بعد أن ذكر رحلاته وتجواله في طلب العلم: "ورجعَ إِلَى بلدِهِ بعلمٍ كَثِيْرٍ، وَلَمْ يَكُنْ بثقةٍ".
وقال أبو محمد ابن حزم: "كان أحد المكثرين من الرواية والحديث، سمع الكثير بقرطبة، ثم رحل إلى المشرق قبل العشرين وثلاث مِئَة، فسمع بالقيروان، وأطرابلس، والإسكندرية، وأقريطش، ومصر، والقلزم، وجدة، ومكة، واليمن، والبصرة، وواسط، والأبلة، وبغداد، والمدائن، وبلاد الشام، وجمع علمًا كثيرًا، ثم رجع إلى الأندلس فكفّ بصره".
وقالَ ابنُ الفَرَضِيِّ: سَمِعْتُ مَنْ ينسبُهُ إِلَى الكذبِ، وقَالَ لِي مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ يَحْيَى بنِ مفرجٍ: "لمْ يَكُنْ كذَّاباً، بَلْ كَانَ ضَعِيْفَ العقلِ".
قلت: فظاهر ذلك أنه كان يُصدّق كل ما يُقال له، فيذكره في كتبه دون تحرّ. فهو لا يكذب لكنه كان يقبل كل شيء!
فلا يُحتج بما يذكره من قصص دون أسانيد، أو عدم تصريحه بمن حدثه!
ومن هذا قوله: "سمعت من يقول عن أبي جعفر العقيلي قال: لما ألف البخاري كتابه في صحيح الحديث عرضه على علي بن المديني ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وغيرهم فامتحنوه، فكلهم قال له: كتابك صحيح إلا أربعة أحاديث. قال العقيلي: "والقول فيها قول البخاري وهي صحيحة".
فهذه قصة منكرة، وإسنادها مجهول!
والعقيلي نفسه ضعّف بعض الأحاديث من صحيح البخاري، فكيف يحكم على كل ما فيه بالصحة؟!
ولم يُصب من ضعّف مسلمة كما فعل الذهبي في «الميزان»! وأبو جعفر المالقي في «تاريخه» حيث قال: "فيه نظر"!
قال ابن حجر في «اللسان» بعد أن نقل كلام الذهبي فيه: "ضعيف. وقيل: كان من المشبهة": "قلت: هذا رجل كبير القدر ما نسبه إلى التشبيه إلا من عاداه، وله تصانيف في الفن، وكانت له رحلة لقي فيها الأكابر... جمع تاريخًا في الرجال شرط فيه أن لا يذكر إلا من أغفله البخاري في تاريخه، وهو كثير الفوائد في مجلد واحد. ومن تصانيفه «التاريخ الكبير»، و«صلته»، و«ما روى الكبار عن الصغار»".
5- لا يُعرف أنه كان لابن المديني ضِياع كان يخرج إليها! ولو كانت له ضياعاً لكان ثرياً ولم يكن ليحتاج أحداً في نفقاته، ولما احتاج ابنه أن يُغريه البخاري بالمال! ثمّ ما هو مقدار المال الذي رغّبه البخاري به؟! وهل كان البخاري يملك المال؟!
6- أيّ كتاب في «العلل» هذا الذي طلبه البخاري من ابن علي بن المديني؟! فابن المديني له عشرات الأجزاء في العلل وغيرها.
منها: «عِللُ المُسْنَدِ» ثَلاَثُوْنَ جُزْءاً.
«العِلَلُ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيْلَ القَاضِي» أَرْبَعَةَ عَشَرَ جُزْءاً.
«عِلَلُ حَدِيْثِ ابنِ عُيَيْنَةَ» ثَلاَثَةَ عَشَرَ جُزْءاً.
«العِلَلُ المُتَفَرِّقَةُ» ثَلاَثُوْنَ جُزْءاً.
وكيف يأخذ البخاري الكتاب وينسخه له النساخ في يوم واحد؟!!
ونسخ كتاب من هذه الكتب يحتاج لأيام، لا ليوم واحد من جماعة من النساخ.
Forwarded from دار الحديث الضيائية
قَالَ عَلِيّ بن المديني: "كُنْتُ صَنَّفتُ «المُسْنَد» - عِللُ المُسْنَدِ - عَلَى الطُّرُقِ مُستَقْصَىً، كَتَبتُهُ فِي قَرَاطِيْسَ، وَصَيَّرتُهُ فِي قِمَطْرٍ كَبِيْرٍ، وَخَلَّفْتُهُ فِي المَنْزِلِ، وَغِبْتُ هَذِهِ الغَيْبَةَ - يعني مكوثه في اليمن ثلاث سنوات - . قَالَ: فَجِئتُ، فَحَرَّكتُ القِمَطْرَ، فَإذَا هُوَ ثَقِيلٌ، بِخِلاَفِ مَا كَانَتْ، فَفَتَحْتُهَا، فَإِذَا الأَرَضَةُ قَدْ خَالَطَتِ الكُتُبَ، فَصَارَتْ طِيْناً، فلم أنشط بعد لجمعه".
7- كيف تحدث هذه القصة ولا يعلم بها أحد من أهل العلم وطلبته طيلة سنوات كثيرة! ولم تكن تفوتهم أخبار هؤلاء الكبار، فكان تلاميذ هؤلاء الأئمة ينقلون عنهم كل شيء.
8- كيف يستغني البخاري عنه بذلك الكتاب؟! وما علاقة كتاب «العِلل» هذا بتصنيفه للصحيح؟!
9- وما هذه الصدفة التي جعلت ابن المديني لما رجع من بعض ضياعه يتكلم بشيء فيجيبه البخاري بنص كلامه الذي في كتابه مراراً؟! فهل حفظ البخاري كتاب ابن المديني ذلك بعد أن استنسخه له النساخ؟!
وهل يعقل أن يجيب البخاري بكلام ابن المديني نفسه مراراً في مجلسه؟!
10- البخاري سمع كثيراً من كتب ابن المديني عليه، وكان يُجلّه ويحترمه.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَعْقِلٍ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: "مَا اسْتَصغَرْتُ نَفْسِي عِنْدَ أَحَدٍ، إِلاَّ عِنْدَ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ".
وقَالَ خَلَفٌ الخَيَّامُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ، قال: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِالسَّلاَمِ: قَالَ: ذَكَرْنَا قَوْلَ البُخَارِيِّ لِعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ - يَعْنِي: مَا اسْتصغرتُ نَفْسِي إِلاَّ بَيْنَ يَدِي عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ- فَقَالَ عَلِيٌّ: "دعُوا هَذَا، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ لَمْ يَرَ مِثْلَ نَفْسِهِ".
وقال أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ عن البُخَارِيِّ: وَقِيْلَ لَهُ: مَا تَشْتَهِي؟ قالَ: أَنْ أَقْدَمَ العِرَاقَ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ حَيٌّ، فَأُجَالِسَهُ.
فهذه منزلة البخاري عند شيخه ابن المديني، وأمنيته أن يجالسه ويستفيد منه، فهل مثله يحتاج لأن يفعل ما جاء في تلك القصة المكذوبة؟
هذا، وقد استغل أعداء الدّين، وعلى رأسهم الروافض لعنهم الله هذه القصة في الطعن في الإمام البخاري وأنه سرق كتاب شيخه ابن المديني!
والأعجب أنهم ينقلون هذه القصة كما ذكرها ابن حجر، لكنهم لا ينقلون نقد ابن حجر لها وأنها مكذوبة! لعنهم الله.
قال الرافضي "علي الكوراني العاملي" في كتاب له تحت عنوان: "المديني الذي سرق البخاري كتابه"، ثم ذكر مصنفات ابن المديني، وقال: "ويوجد من آثاره كتاب علل الحديث ومعرفة الرجال... أقول: فمن الطبيعي أن يطمع البخاري في كتال العلل، ويؤلف كتابه منه، وقد تقدم قول البخاري وقد سئل ما تشتهي؟ فقال: (أشتهي أن أقدم العراق وعلي بن عبدالله حي، فأجالسه)! (تهذيب التهذيب: 7/306) ولا بد أن أول ما يشتهيه كتاب العلل! وأقدر أنه لو قورن كتاب البخاري به لظهر أن البخاري أخذ كتابه منه".
قلت: انظروا كيف حمل أمنية البخاري قدوم العراق ليجالس ابن المديني ليستفيد منه حمل ذلك على أنه يشتهي سرقة كتابه العلل! ثم زاد الغبي ضِغثا على إبالة بقوله: لو قورن كتاب البخاري به لظهر أن البخاري أخذ كتابه منه"! فأي كتاب للبخاري نقارن به كتاب العلل لابن المديني؟!
لا شك أن هذا الغبي يقصد كتاب البخاري «الصحيح»؛ لأن كلام مسلمة بن القاسم بعد ذكره لتلك القصة ذكر تصنيف البخاري لكتابه «الصحيح»!
فما شأن كتاب ابن المديني في «العلل» بكتاب «الصحيح» للبخاري؟
وأين كتاب ابن المديني حتى نقارن به كتاب البخاري؟
وكتب المدعو "محمد اللامي" مقالة بعنوان: "بأدلة صحيحة صريحة: البخاري سرق كتاب شيخه علي المديني وألّف صحيحه واشتهر فحزن المديني ومات غماً"، وقال: "ذكر ابن حجر العسقلاني وغيره أن البخاري قام بدفع أموال إلى أبناء أستاذه علي المديني بعدما استغل غيابه ليعطوه كتاب أبيهم وكلف عدة اشخاص بنسخ الكتاب ورده لأبناء المديني قبل عودته، ومنه صنّف كتابه الصحيح واشتهر وعندما علم المديني بسرقة البخاري لكتابه حزن واغتم لذلك ومات على اثر ذلك!".
فهذا الخبيث ينقل عن ابن حجر ذكره لهذه القصة لكنه لم يذكر تكذيب ابن حجر لها بالأدلة الصحيحة الصريحة! وفي عنوانه يقول: "بأدلة صحيحة صريحة"! أين هي هذه الأدلة الصحيحة الصريحة أيها الكذاب!!
ومما يدل على غبائه وجهله قوله أن البخاري صنّف كتابه «الصحيح» من كتاب «علل ابن المديني»! فأي غباء هذا؟ وأي جهل هذا؟
فما شأن «العلل» بالصحيح؟!
فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وكتب: خالد الحايك.
7- كيف تحدث هذه القصة ولا يعلم بها أحد من أهل العلم وطلبته طيلة سنوات كثيرة! ولم تكن تفوتهم أخبار هؤلاء الكبار، فكان تلاميذ هؤلاء الأئمة ينقلون عنهم كل شيء.
8- كيف يستغني البخاري عنه بذلك الكتاب؟! وما علاقة كتاب «العِلل» هذا بتصنيفه للصحيح؟!
9- وما هذه الصدفة التي جعلت ابن المديني لما رجع من بعض ضياعه يتكلم بشيء فيجيبه البخاري بنص كلامه الذي في كتابه مراراً؟! فهل حفظ البخاري كتاب ابن المديني ذلك بعد أن استنسخه له النساخ؟!
وهل يعقل أن يجيب البخاري بكلام ابن المديني نفسه مراراً في مجلسه؟!
10- البخاري سمع كثيراً من كتب ابن المديني عليه، وكان يُجلّه ويحترمه.
قَالَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَعْقِلٍ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقُوْلُ: "مَا اسْتَصغَرْتُ نَفْسِي عِنْدَ أَحَدٍ، إِلاَّ عِنْدَ عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ".
وقَالَ خَلَفٌ الخَيَّامُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ أَحْمَدَ بنِ خَلَفٍ، قال: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ عَبْدِالسَّلاَمِ: قَالَ: ذَكَرْنَا قَوْلَ البُخَارِيِّ لِعَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ - يَعْنِي: مَا اسْتصغرتُ نَفْسِي إِلاَّ بَيْنَ يَدِي عَلِيِّ بنِ المَدِيْنِيِّ- فَقَالَ عَلِيٌّ: "دعُوا هَذَا، فَإِنَّ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ لَمْ يَرَ مِثْلَ نَفْسِهِ".
وقال أَبُو العَبَّاسِ السَّرَّاجُ عن البُخَارِيِّ: وَقِيْلَ لَهُ: مَا تَشْتَهِي؟ قالَ: أَنْ أَقْدَمَ العِرَاقَ، وَعَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ حَيٌّ، فَأُجَالِسَهُ.
فهذه منزلة البخاري عند شيخه ابن المديني، وأمنيته أن يجالسه ويستفيد منه، فهل مثله يحتاج لأن يفعل ما جاء في تلك القصة المكذوبة؟
هذا، وقد استغل أعداء الدّين، وعلى رأسهم الروافض لعنهم الله هذه القصة في الطعن في الإمام البخاري وأنه سرق كتاب شيخه ابن المديني!
والأعجب أنهم ينقلون هذه القصة كما ذكرها ابن حجر، لكنهم لا ينقلون نقد ابن حجر لها وأنها مكذوبة! لعنهم الله.
قال الرافضي "علي الكوراني العاملي" في كتاب له تحت عنوان: "المديني الذي سرق البخاري كتابه"، ثم ذكر مصنفات ابن المديني، وقال: "ويوجد من آثاره كتاب علل الحديث ومعرفة الرجال... أقول: فمن الطبيعي أن يطمع البخاري في كتال العلل، ويؤلف كتابه منه، وقد تقدم قول البخاري وقد سئل ما تشتهي؟ فقال: (أشتهي أن أقدم العراق وعلي بن عبدالله حي، فأجالسه)! (تهذيب التهذيب: 7/306) ولا بد أن أول ما يشتهيه كتاب العلل! وأقدر أنه لو قورن كتاب البخاري به لظهر أن البخاري أخذ كتابه منه".
قلت: انظروا كيف حمل أمنية البخاري قدوم العراق ليجالس ابن المديني ليستفيد منه حمل ذلك على أنه يشتهي سرقة كتابه العلل! ثم زاد الغبي ضِغثا على إبالة بقوله: لو قورن كتاب البخاري به لظهر أن البخاري أخذ كتابه منه"! فأي كتاب للبخاري نقارن به كتاب العلل لابن المديني؟!
لا شك أن هذا الغبي يقصد كتاب البخاري «الصحيح»؛ لأن كلام مسلمة بن القاسم بعد ذكره لتلك القصة ذكر تصنيف البخاري لكتابه «الصحيح»!
فما شأن كتاب ابن المديني في «العلل» بكتاب «الصحيح» للبخاري؟
وأين كتاب ابن المديني حتى نقارن به كتاب البخاري؟
وكتب المدعو "محمد اللامي" مقالة بعنوان: "بأدلة صحيحة صريحة: البخاري سرق كتاب شيخه علي المديني وألّف صحيحه واشتهر فحزن المديني ومات غماً"، وقال: "ذكر ابن حجر العسقلاني وغيره أن البخاري قام بدفع أموال إلى أبناء أستاذه علي المديني بعدما استغل غيابه ليعطوه كتاب أبيهم وكلف عدة اشخاص بنسخ الكتاب ورده لأبناء المديني قبل عودته، ومنه صنّف كتابه الصحيح واشتهر وعندما علم المديني بسرقة البخاري لكتابه حزن واغتم لذلك ومات على اثر ذلك!".
فهذا الخبيث ينقل عن ابن حجر ذكره لهذه القصة لكنه لم يذكر تكذيب ابن حجر لها بالأدلة الصحيحة الصريحة! وفي عنوانه يقول: "بأدلة صحيحة صريحة"! أين هي هذه الأدلة الصحيحة الصريحة أيها الكذاب!!
ومما يدل على غبائه وجهله قوله أن البخاري صنّف كتابه «الصحيح» من كتاب «علل ابن المديني»! فأي غباء هذا؟ وأي جهل هذا؟
فما شأن «العلل» بالصحيح؟!
فلا حول ولا قوة إلا بالله.
وكتب: خالد الحايك.
Forwarded from دار الحديث الضيائية
قاعدة في نقد حديث الراوي إذا غلب عليه الرواية في مسألة معينة!
إذا لاحظ النّقاد أن الغالب على حديث الراوي مسألة معينة طرحوا حديثه؛ لأنه لا يمكن أن لا يكون عنده إلا أحاديث في تلك المسألة.
فهذا عيسى أبي سنان أحاديثه يسيرة، ومعظمها في الفضائل وما يتعلق بها من دخول الجنة، ويلاحظ أيضاً أنه (كان متخصصا في رواية الأحاديث القُدسية)!!
والأحاديث القدسية الصحيحة قليلة جداً، فكيف يتفرد راو واحد بثلاثة منها؟!
فعيسى هذا تفرد بثلاثة أحاديث قدسية هي:
1- إذا مات ولد الرّجل يقول الله تعالى لملائكته: أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: أقبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: فماذا قال عبدي؟ قال: حمدك واسترجع، فيقول: «ابنوا لعبدي بيتاً في الجنّة وسموه بيت الحمد».
2- قال الله عز وجل: «من أخذت كريمتيه فصبر واحتسب لم أرض له ثواباً إلا الجنة».
3- قال الله عز وجل: «طِبت، وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منـزلاً».
إذا لاحظ النّقاد أن الغالب على حديث الراوي مسألة معينة طرحوا حديثه؛ لأنه لا يمكن أن لا يكون عنده إلا أحاديث في تلك المسألة.
فهذا عيسى أبي سنان أحاديثه يسيرة، ومعظمها في الفضائل وما يتعلق بها من دخول الجنة، ويلاحظ أيضاً أنه (كان متخصصا في رواية الأحاديث القُدسية)!!
والأحاديث القدسية الصحيحة قليلة جداً، فكيف يتفرد راو واحد بثلاثة منها؟!
فعيسى هذا تفرد بثلاثة أحاديث قدسية هي:
1- إذا مات ولد الرّجل يقول الله تعالى لملائكته: أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: أقبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم، فيقول: فماذا قال عبدي؟ قال: حمدك واسترجع، فيقول: «ابنوا لعبدي بيتاً في الجنّة وسموه بيت الحمد».
2- قال الله عز وجل: «من أخذت كريمتيه فصبر واحتسب لم أرض له ثواباً إلا الجنة».
3- قال الله عز وجل: «طِبت، وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منـزلاً».
كتاب «إِنباء الغُمْر بأبناء العُمر» للحافظ ابن حجر...
[الغُمر بالضم: الرجل القليل الحيلة الذي لم تحتنكه التجارب].
هذا الكتاب من أنفس كتب التاريخ جمع فيه الحافظ ابن حجر حوادث الزمان مبتدئاً ذلك بسنة مولده (773هـ)، وعني بوفيات الأعيان، مستوعباً لرواة الحديث خصوصاً ممن لقيهم أو أجاز له.
وهذا الكتاب كما قال الحافظ يَحسن من حيث الحوادث أن يكون ذيلاً على ذيل تاريخ ابن كثير، فإنه انتهى في ذيل تاريخه إلى هذه السنة، ومن حيث الوفيات أن يكون ذيلاً على الوفيات التي جمعها الحافظ ابن رافع، فإنها انتهت أيضاً إلى أوائل هذه السنة (773هـ).
وغالب ما أورده الحافظ في كتابه هذا مما شاهده أو تلقفه ممن يُرجع إليه أو وجده بخطّ من يثق به من مشايخه وأصحابه، كتاريخ ابن الفرات، وابن دقماق، والمقريزي، وتقي الدين الفاسي، وصلاح الدين خليل الأقفهسي، وغيرهم.
وقد قرأت الكتاب كاملاً بحمد الله منذ سنوات وعلّقت منه فوائد نفيسة سأنقل بعضها بإذن الله تعالى.
[الغُمر بالضم: الرجل القليل الحيلة الذي لم تحتنكه التجارب].
هذا الكتاب من أنفس كتب التاريخ جمع فيه الحافظ ابن حجر حوادث الزمان مبتدئاً ذلك بسنة مولده (773هـ)، وعني بوفيات الأعيان، مستوعباً لرواة الحديث خصوصاً ممن لقيهم أو أجاز له.
وهذا الكتاب كما قال الحافظ يَحسن من حيث الحوادث أن يكون ذيلاً على ذيل تاريخ ابن كثير، فإنه انتهى في ذيل تاريخه إلى هذه السنة، ومن حيث الوفيات أن يكون ذيلاً على الوفيات التي جمعها الحافظ ابن رافع، فإنها انتهت أيضاً إلى أوائل هذه السنة (773هـ).
وغالب ما أورده الحافظ في كتابه هذا مما شاهده أو تلقفه ممن يُرجع إليه أو وجده بخطّ من يثق به من مشايخه وأصحابه، كتاريخ ابن الفرات، وابن دقماق، والمقريزي، وتقي الدين الفاسي، وصلاح الدين خليل الأقفهسي، وغيرهم.
وقد قرأت الكتاب كاملاً بحمد الله منذ سنوات وعلّقت منه فوائد نفيسة سأنقل بعضها بإذن الله تعالى.
د. خالد الحايك
كتاب «إِنباء الغُمْر بأبناء العُمر» للحافظ ابن حجر... [الغُمر بالضم: الرجل القليل الحيلة الذي لم تحتنكه التجارب]. هذا الكتاب من أنفس كتب التاريخ جمع فيه الحافظ ابن حجر حوادث الزمان مبتدئاً ذلك بسنة مولده (773هـ)، وعني بوفيات الأعيان، مستوعباً لرواة الحديث…
(1) صحيح البخاري في مجلدة واحدة.
ذكر الحافظ ابن حجر في وفيات سنة (774هـ): «محمد بن محمد بن عبدالكريم شمس الدين الموصلي»، وقال:
"ورأيت بخطّه نسخة في مجلدة واحدة من صحيح البخاري في غاية الحسن".
ذكر الحافظ ابن حجر في وفيات سنة (774هـ): «محمد بن محمد بن عبدالكريم شمس الدين الموصلي»، وقال:
"ورأيت بخطّه نسخة في مجلدة واحدة من صحيح البخاري في غاية الحسن".
د. خالد الحايك
(1) صحيح البخاري في مجلدة واحدة. ذكر الحافظ ابن حجر في وفيات سنة (774هـ): «محمد بن محمد بن عبدالكريم شمس الدين الموصلي»، وقال: "ورأيت بخطّه نسخة في مجلدة واحدة من صحيح البخاري في غاية الحسن".
(2) إجارة منتهية بالتمليك.
ذكر الحافظ ابن حجر في حوادث سنة (775هـ) ما حصل لبغداد من غرق، والريح العاصفة التي قصفت سور المدينة، وانكسار الجسر، وغرق غالب الدور، وافتقر الناس، ونقص دجلة، وانقطع الماء الذي يوصل بغداد من المقطع، وبقيت البلد كأنها سفينة غرقت، ووقع الفناء في الناس بأنواع من الأمراض، وغلت الأسعار.
وكان السلطان أويس* بتبريز، فلما وصله الخبر غضب على نوّابه، فالتزم الوزير عن نائبه أن يُعمّر بغداد من خالص ماله بشرط أن يطلق الناصر العراق ثلاث سنين للزرّاع والمعامل، وأن لا يطالب أحداً بدَين، ولا بصداق، ولا بإجارة، ولا بحق، فقبل السلطان ذلك، فشرع في ذلك، ونادى:
"من أراد عمارة بيته يجيء يأخذ دراهم، ويسكن فيه بالأجرة حتى يوفّي ما يقترضه، ثمّ يصير البيت له".
...................
*السلطان أويس ابن الشيخ حسين بن حسن بن آقبغا المغلي ثم التبريزي، صاحب بغداد وتبريز وما معهما. وكان شهماً شجاعاً عادلاً خيّراً، مات سنة (776هـ).
ذكر الحافظ ابن حجر في حوادث سنة (775هـ) ما حصل لبغداد من غرق، والريح العاصفة التي قصفت سور المدينة، وانكسار الجسر، وغرق غالب الدور، وافتقر الناس، ونقص دجلة، وانقطع الماء الذي يوصل بغداد من المقطع، وبقيت البلد كأنها سفينة غرقت، ووقع الفناء في الناس بأنواع من الأمراض، وغلت الأسعار.
وكان السلطان أويس* بتبريز، فلما وصله الخبر غضب على نوّابه، فالتزم الوزير عن نائبه أن يُعمّر بغداد من خالص ماله بشرط أن يطلق الناصر العراق ثلاث سنين للزرّاع والمعامل، وأن لا يطالب أحداً بدَين، ولا بصداق، ولا بإجارة، ولا بحق، فقبل السلطان ذلك، فشرع في ذلك، ونادى:
"من أراد عمارة بيته يجيء يأخذ دراهم، ويسكن فيه بالأجرة حتى يوفّي ما يقترضه، ثمّ يصير البيت له".
...................
*السلطان أويس ابن الشيخ حسين بن حسن بن آقبغا المغلي ثم التبريزي، صاحب بغداد وتبريز وما معهما. وكان شهماً شجاعاً عادلاً خيّراً، مات سنة (776هـ).
د. خالد الحايك
(2) إجارة منتهية بالتمليك. ذكر الحافظ ابن حجر في حوادث سنة (775هـ) ما حصل لبغداد من غرق، والريح العاصفة التي قصفت سور المدينة، وانكسار الجسر، وغرق غالب الدور، وافتقر الناس، ونقص دجلة، وانقطع الماء الذي يوصل بغداد من المقطع، وبقيت البلد كأنها سفينة غرقت، ووقع…
(3) عدم ذكر اللقب في طِباق السماع قد يؤدي إلى الوهم في نسبة السماع لمن لم يسمع بعض الكتب والأجزاء لتشابه الأسماء.
ذكر الحافظ ابن حجر في وفيات سنة (777هـ): «محمد بن أحمد الغزولي المصري» وأنه ولد سنة سبع أو ثمان وتسعين وستمائة، وسمع من عليّ ابن القيّم، وقال: "وله أخ اسمه محمد أصغر منه بثمان سنين، سمع من الحجّار، قرأ عليه بعض الطلبة القطعة المسموعة من مستخرج الإسماعيلي بسماعه من عليّ بن عيسى ابن القيم، والسماع إنما هو لأخيه المذكور، ولكن كاتب الطبقة ما قال فيها الكبير ولا الصغير، فلعلها لما قرئت لم يكن الثاني وُلد رحمه الله تعالى".
ذكر الحافظ ابن حجر في وفيات سنة (777هـ): «محمد بن أحمد الغزولي المصري» وأنه ولد سنة سبع أو ثمان وتسعين وستمائة، وسمع من عليّ ابن القيّم، وقال: "وله أخ اسمه محمد أصغر منه بثمان سنين، سمع من الحجّار، قرأ عليه بعض الطلبة القطعة المسموعة من مستخرج الإسماعيلي بسماعه من عليّ بن عيسى ابن القيم، والسماع إنما هو لأخيه المذكور، ولكن كاتب الطبقة ما قال فيها الكبير ولا الصغير، فلعلها لما قرئت لم يكن الثاني وُلد رحمه الله تعالى".
د. خالد الحايك
(3) عدم ذكر اللقب في طِباق السماع قد يؤدي إلى الوهم في نسبة السماع لمن لم يسمع بعض الكتب والأجزاء لتشابه الأسماء. ذكر الحافظ ابن حجر في وفيات سنة (777هـ): «محمد بن أحمد الغزولي المصري» وأنه ولد سنة سبع أو ثمان وتسعين وستمائة، وسمع من عليّ ابن القيّم، وقال:…
(4) الفرائض ليس باباً من أبواب الفقه.
ذكر الحافظ ابن حجر في وفيات سنة (777هـ): «محمد بن شرف الكلائي الفَرَضي»، وقال: "ويُقال: إن الناصر أراد أن يعمل في مدرسته درس فرائض، فقال له بعض الأكابر – ويُقال هو البهاء السبكي -: هو باب من أبواب الفقه؛ فأعرض عن ذلك، فاتفق وقوع قضية مشكلة في الفرائض سئل عنها السبكي فلم يُجب فيها، فأرسلوا إلى الكلائي، فقال: إذا كان الفرائض باباً من أبواب الفقه فما له لا يُجيب؟ فشقّ هذا الجواب على بهاء الدين وندم على ما قال".
ذكر الحافظ ابن حجر في وفيات سنة (777هـ): «محمد بن شرف الكلائي الفَرَضي»، وقال: "ويُقال: إن الناصر أراد أن يعمل في مدرسته درس فرائض، فقال له بعض الأكابر – ويُقال هو البهاء السبكي -: هو باب من أبواب الفقه؛ فأعرض عن ذلك، فاتفق وقوع قضية مشكلة في الفرائض سئل عنها السبكي فلم يُجب فيها، فأرسلوا إلى الكلائي، فقال: إذا كان الفرائض باباً من أبواب الفقه فما له لا يُجيب؟ فشقّ هذا الجواب على بهاء الدين وندم على ما قال".
د. خالد الحايك
(4) الفرائض ليس باباً من أبواب الفقه. ذكر الحافظ ابن حجر في وفيات سنة (777هـ): «محمد بن شرف الكلائي الفَرَضي»، وقال: "ويُقال: إن الناصر أراد أن يعمل في مدرسته درس فرائض، فقال له بعض الأكابر – ويُقال هو البهاء السبكي -: هو باب من أبواب الفقه؛ فأعرض عن ذلك،…
(5) شرط واقف الجامع أن يكون الخطيب حافظاً للقرآن ومخالفة ذلك بالواسطة!
ذكر الحافظ ابن حجر في وفيات سنة (778هـ): «إسماعيل بن خليفة الحسباني الدمشقي عماد الدين الفقيه الشافعي»، ونقل عن العثماني قاضي صفد في ترجمته قال: "ولما مات أثبت ابن الجَزري محضراً بأن شرط واقف جامع التوبة أن يكون الخطيب حافظاً للقرآن وأن شهاب الدين ولد عماد الدين لا يحفظ القرآن، فقرر في الخطابة بحكم ذلك في غيبة شهاب الدين بمصر، فقدم ومعه توقيع بالخطابة فانتزعها من ابن الجزري".
ذكر الحافظ ابن حجر في وفيات سنة (778هـ): «إسماعيل بن خليفة الحسباني الدمشقي عماد الدين الفقيه الشافعي»، ونقل عن العثماني قاضي صفد في ترجمته قال: "ولما مات أثبت ابن الجَزري محضراً بأن شرط واقف جامع التوبة أن يكون الخطيب حافظاً للقرآن وأن شهاب الدين ولد عماد الدين لا يحفظ القرآن، فقرر في الخطابة بحكم ذلك في غيبة شهاب الدين بمصر، فقدم ومعه توقيع بالخطابة فانتزعها من ابن الجزري".
د. خالد الحايك
(5) شرط واقف الجامع أن يكون الخطيب حافظاً للقرآن ومخالفة ذلك بالواسطة! ذكر الحافظ ابن حجر في وفيات سنة (778هـ): «إسماعيل بن خليفة الحسباني الدمشقي عماد الدين الفقيه الشافعي»، ونقل عن العثماني قاضي صفد في ترجمته قال: "ولما مات أثبت ابن الجَزري محضراً بأن شرط…
(6) ضمان المَغاني، وضمان القراريط... ما أشبه اليوم بالبارحة!
قال الحافظ ابن حجر في حوادث سنة (775هـ): "وفيها في صفر أبطل الملك الأشرف ضمان المغاني، ومكس القراريط التي كانت في بيع الدور، وقرأ بذلك مرسوم على المنابر، وكان ذلك بتحريك الشيخ سراج الدين البلقيني، وإعانة أكمل الدين وبرهان الدين ابن جماعة، ويقال: إن السلطان كان توعك فأشاروا عليه بذلك، فاتفق أنه عوفي فأمضى ذلك واستمر".
ثم قال في حوادث سنة (778هـ): "فيها تمرض السلطان، ثم تعافى، ثم انتكس... وفي أثناء ذلك كان (ابن آقبغا آص) تكلّم في إعادة ضمان المغاني، فبلغ ذلك برهان الدين ابن جماعة فغضب وامتنع من الحكم، فتكلّم الشيخ سراج الدين البلقيني وغيره مع السلطان في ذلك، فأنكره السلطان، وأمر بإبطال ذلك من مصر والشام، وقبض بعد مدة يسيرة على (ابن آقبغا آص) ونفي إلى الشام وصودر.
وكان ضمان المغاني من القبائح الشنيعة ما كان أحد يقدر يعمل عرساً حتى يغرم قدر عشرين إلى ثلاثين مثقالاً ذهباً، وكانوا بمصر والقاهرة لا تغيب مغنية عن بيتها ولو إلى زيارة أهلها إلا أن أخذ الضامن منها رشوة، وأما بلاد الريف فكان للمغاني حارَة مفردة يعمل فيها من الفساد جهراً ما يقبح ذكره. ومن اجتاز بها غلطاً ألزم أن يزني بخاطئة، فإن لم يفعل فدى نفسه بشيء.
وأبطل الأشرف أيضاً ضمان القراريط، وكان مكساً يؤخذ من كل من باع داراً ولو تكرر بيعها في الشهر الواحد مراراً، لا بد أن يأخذ الضامن على ذلك مكساً معلوماً، ولا يستطيع أحد من الشهود أن يكتب خطه في مكتوب دار حتى يرى الختم في المكتوب".
قلت:
ظهر في العصر المملوكي ضريبة على المغنيات عُرفت باسم «ضمان المغاني» وهو ما تدفعه المغنية من مال لامرأة تعينها الدولة تسمى «الضامنة» فتخرج وتغني ولا يستطيع أحد من الدولة منعها، وكذا إذا خرجت المرأة للبغاء ودفعت هذا الضمان فلا يستطيع أحد منعها من ذلك.
قال المؤرخ ابن إياس في «نزهة الأمم في العجائب والحكم»: "ولما ولي الملك الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون أبطل ضمان المغاني، وكان ذلك بلاء عظيماً، وهو: عبارة عن أخذ مال من النساء البغايا، وذلك لو خرجت المرأة في مصر تريد البغاء ونزلت اسمها عند الضامنة وقامت بما يلزمها لما قدر أكبر من في مصر بمنعها من عمل الفاحشة، وكان يؤخذ من كل باع ملكاً عن ألف درهم عشرون درهما، وكان متحصل هذين الجهتين مال كبير جداً".
قلت: وفي زماننا دور البغاء مرخصة، والمكوس تؤخذ على البيوع... فما أشبه اليوم بالبارحة!
قال الحافظ ابن حجر في حوادث سنة (775هـ): "وفيها في صفر أبطل الملك الأشرف ضمان المغاني، ومكس القراريط التي كانت في بيع الدور، وقرأ بذلك مرسوم على المنابر، وكان ذلك بتحريك الشيخ سراج الدين البلقيني، وإعانة أكمل الدين وبرهان الدين ابن جماعة، ويقال: إن السلطان كان توعك فأشاروا عليه بذلك، فاتفق أنه عوفي فأمضى ذلك واستمر".
ثم قال في حوادث سنة (778هـ): "فيها تمرض السلطان، ثم تعافى، ثم انتكس... وفي أثناء ذلك كان (ابن آقبغا آص) تكلّم في إعادة ضمان المغاني، فبلغ ذلك برهان الدين ابن جماعة فغضب وامتنع من الحكم، فتكلّم الشيخ سراج الدين البلقيني وغيره مع السلطان في ذلك، فأنكره السلطان، وأمر بإبطال ذلك من مصر والشام، وقبض بعد مدة يسيرة على (ابن آقبغا آص) ونفي إلى الشام وصودر.
وكان ضمان المغاني من القبائح الشنيعة ما كان أحد يقدر يعمل عرساً حتى يغرم قدر عشرين إلى ثلاثين مثقالاً ذهباً، وكانوا بمصر والقاهرة لا تغيب مغنية عن بيتها ولو إلى زيارة أهلها إلا أن أخذ الضامن منها رشوة، وأما بلاد الريف فكان للمغاني حارَة مفردة يعمل فيها من الفساد جهراً ما يقبح ذكره. ومن اجتاز بها غلطاً ألزم أن يزني بخاطئة، فإن لم يفعل فدى نفسه بشيء.
وأبطل الأشرف أيضاً ضمان القراريط، وكان مكساً يؤخذ من كل من باع داراً ولو تكرر بيعها في الشهر الواحد مراراً، لا بد أن يأخذ الضامن على ذلك مكساً معلوماً، ولا يستطيع أحد من الشهود أن يكتب خطه في مكتوب دار حتى يرى الختم في المكتوب".
قلت:
ظهر في العصر المملوكي ضريبة على المغنيات عُرفت باسم «ضمان المغاني» وهو ما تدفعه المغنية من مال لامرأة تعينها الدولة تسمى «الضامنة» فتخرج وتغني ولا يستطيع أحد من الدولة منعها، وكذا إذا خرجت المرأة للبغاء ودفعت هذا الضمان فلا يستطيع أحد منعها من ذلك.
قال المؤرخ ابن إياس في «نزهة الأمم في العجائب والحكم»: "ولما ولي الملك الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون أبطل ضمان المغاني، وكان ذلك بلاء عظيماً، وهو: عبارة عن أخذ مال من النساء البغايا، وذلك لو خرجت المرأة في مصر تريد البغاء ونزلت اسمها عند الضامنة وقامت بما يلزمها لما قدر أكبر من في مصر بمنعها من عمل الفاحشة، وكان يؤخذ من كل باع ملكاً عن ألف درهم عشرون درهما، وكان متحصل هذين الجهتين مال كبير جداً".
قلت: وفي زماننا دور البغاء مرخصة، والمكوس تؤخذ على البيوع... فما أشبه اليوم بالبارحة!
د. خالد الحايك
(6) ضمان المَغاني، وضمان القراريط... ما أشبه اليوم بالبارحة! قال الحافظ ابن حجر في حوادث سنة (775هـ): "وفيها في صفر أبطل الملك الأشرف ضمان المغاني، ومكس القراريط التي كانت في بيع الدور، وقرأ بذلك مرسوم على المنابر، وكان ذلك بتحريك الشيخ سراج الدين البلقيني،…
(7) افتراء المشايخ... ما أشبه اليوم بالبارحة!
قال الحافظ ابن حجر في حوادث سنة (773هـ): "فمن الحوادث في هذه السنة كائنة شمس الدين الرَّكراكي أحد الفضلاء المالكية وكان من الطلبة بالشيخونية، فوقع بينه وبين شيخها أكمل الدين، فقام عليه ورفعه للحكام، وادّعى عليه بما يقدح في الشريعة، وعقد له مجلس لذلك عند ألجاي - اليوسفي الأمير -، ثم حقن دمه، ونفي إلى الشام، ثم آل أمره إلى أن ولى قضاء المالكية بعد مدة".
قال المؤرخ زين الدّين عَبدالباسِط بن أبي الصفاء ابن شَاهِين الظاهِريّ الملطيّ الحنفيّ (ت920هـ) في «نيل الأمل في ذيل الدول»: "وفي صفر كانت كائنة الركراكي الشيخ شمس الدين محمد المغربيّ، المالكيّ، وكان من صوفية الخانقاه الشيخونية، وحصل بينه وبين العلاّمة الشيخ أكمل الدين الحنفيّ، شيخ الخانقاه المذكورة أمر أوجب له الحطّ عليه بسببه، فقام عليه جماعة ومعه آخرون، وحمل موكّلا به إلى مجلس الأتابك ألجاي اليوسفي، فادّعى عليه بقوادح منها توجب إراقة دمه، وعقد له مجلس بدار ألجاي المذكور، وآل أمره أن حقن دمه، وأخرجت عنه وظيفة الشيخونية، وأخرج منفيّا إلى دمشق".
قلت: ما أشبه اليوم بالبارحة... فكم من شيخ إذا خالفته في شيء سارع إلى السلطات ليوقع بك ولو سُفك دمك!! ومنهم من يرفع عليك دعاوى قضائية في المحاكم الوضعية!
قال الحافظ ابن حجر في حوادث سنة (773هـ): "فمن الحوادث في هذه السنة كائنة شمس الدين الرَّكراكي أحد الفضلاء المالكية وكان من الطلبة بالشيخونية، فوقع بينه وبين شيخها أكمل الدين، فقام عليه ورفعه للحكام، وادّعى عليه بما يقدح في الشريعة، وعقد له مجلس لذلك عند ألجاي - اليوسفي الأمير -، ثم حقن دمه، ونفي إلى الشام، ثم آل أمره إلى أن ولى قضاء المالكية بعد مدة".
قال المؤرخ زين الدّين عَبدالباسِط بن أبي الصفاء ابن شَاهِين الظاهِريّ الملطيّ الحنفيّ (ت920هـ) في «نيل الأمل في ذيل الدول»: "وفي صفر كانت كائنة الركراكي الشيخ شمس الدين محمد المغربيّ، المالكيّ، وكان من صوفية الخانقاه الشيخونية، وحصل بينه وبين العلاّمة الشيخ أكمل الدين الحنفيّ، شيخ الخانقاه المذكورة أمر أوجب له الحطّ عليه بسببه، فقام عليه جماعة ومعه آخرون، وحمل موكّلا به إلى مجلس الأتابك ألجاي اليوسفي، فادّعى عليه بقوادح منها توجب إراقة دمه، وعقد له مجلس بدار ألجاي المذكور، وآل أمره أن حقن دمه، وأخرجت عنه وظيفة الشيخونية، وأخرج منفيّا إلى دمشق".
قلت: ما أشبه اليوم بالبارحة... فكم من شيخ إذا خالفته في شيء سارع إلى السلطات ليوقع بك ولو سُفك دمك!! ومنهم من يرفع عليك دعاوى قضائية في المحاكم الوضعية!
د. خالد الحايك
(7) افتراء المشايخ... ما أشبه اليوم بالبارحة! قال الحافظ ابن حجر في حوادث سنة (773هـ): "فمن الحوادث في هذه السنة كائنة شمس الدين الرَّكراكي أحد الفضلاء المالكية وكان من الطلبة بالشيخونية، فوقع بينه وبين شيخها أكمل الدين، فقام عليه ورفعه للحكام، وادّعى عليه…
(8) تعيين من لا يعرف الحديث لتدريسه، وسعي العلماء في بيان جهله في ذلك العلم، ونزعه من ذلك المنصب.
قال الحافظ ابن حجر في حوادث سنة (781هـ): "وفي جمادى الآخرة عقد مجلس بسبب عز الدين الرازي حين ولي تدريس الحديث بالمنصورية، فقام في ذلك الشيخ برهان الدين الأبناسي، والشيخ زين الدين العراقي وغيرهما، وقالوا: إن هذا لا يعرف شيئاً من الحديث! فلما حضروا أُعطى جزءاً من صحيح البخاري ليقرأ فيه بالحاضرين، فقرأ شيئاً فصحّف في مواضع واضحة فافتضح، وانفصل الأمر على ذلك، فأراد جمال الدين المحتسب ستر القضية فأخذ التدريس لنفسه من الناظر، وخشي الشناعة فأحضر بعض المحدثين إلى منزله وقرأ عليه الحديث، وواظب على سماع الحديث على بعض المشايخ كالآمدي والدجوي فصاروا يحضرون إلى منزله، واستمر تدريس الحديث بيده، ثم استقر فيه ولده بعده إلى أن صار إلى كاتبه".
قلت: فكم من جاهل في زماننا يحملون الشهادات العلمية ولا يعرفون في الحديث شيئاً، ويحملون الألقاب العلمية، ويُصدَّرون في الجامعات وأماكن التدريس!!
فأين من مثل الأبناسي والعراقي لفضحهم!
قال الحافظ ابن حجر في حوادث سنة (781هـ): "وفي جمادى الآخرة عقد مجلس بسبب عز الدين الرازي حين ولي تدريس الحديث بالمنصورية، فقام في ذلك الشيخ برهان الدين الأبناسي، والشيخ زين الدين العراقي وغيرهما، وقالوا: إن هذا لا يعرف شيئاً من الحديث! فلما حضروا أُعطى جزءاً من صحيح البخاري ليقرأ فيه بالحاضرين، فقرأ شيئاً فصحّف في مواضع واضحة فافتضح، وانفصل الأمر على ذلك، فأراد جمال الدين المحتسب ستر القضية فأخذ التدريس لنفسه من الناظر، وخشي الشناعة فأحضر بعض المحدثين إلى منزله وقرأ عليه الحديث، وواظب على سماع الحديث على بعض المشايخ كالآمدي والدجوي فصاروا يحضرون إلى منزله، واستمر تدريس الحديث بيده، ثم استقر فيه ولده بعده إلى أن صار إلى كاتبه".
قلت: فكم من جاهل في زماننا يحملون الشهادات العلمية ولا يعرفون في الحديث شيئاً، ويحملون الألقاب العلمية، ويُصدَّرون في الجامعات وأماكن التدريس!!
فأين من مثل الأبناسي والعراقي لفضحهم!
د. خالد الحايك
(8) تعيين من لا يعرف الحديث لتدريسه، وسعي العلماء في بيان جهله في ذلك العلم، ونزعه من ذلك المنصب. قال الحافظ ابن حجر في حوادث سنة (781هـ): "وفي جمادى الآخرة عقد مجلس بسبب عز الدين الرازي حين ولي تدريس الحديث بالمنصورية، فقام في ذلك الشيخ برهان الدين الأبناسي،…
(9) حنبليّ المعتقد.
ذكر الحافظ ابن حجر في وفيات سنة (776هـ): «أحمد بن يحيى بن أبي بكر التلمساني المعروف بابن أبي حجلة» وقال: "وكان حنفيّ المذهب، حنبلي المعتقد".
ذكر الحافظ ابن حجر في وفيات سنة (776هـ): «أحمد بن يحيى بن أبي بكر التلمساني المعروف بابن أبي حجلة» وقال: "وكان حنفيّ المذهب، حنبلي المعتقد".