شعر ، كلمات اغاني سودانية ودوبيت
21.7K subscribers
63 photos
166 videos
50 files
40 links
وصف القناة : شعر ، كلمات الاغاني ودوبيت رابط القناة : https://t.me/Diwansha3r
Download Telegram
أمتى أراك يا الفريـــــــع الــــــــــــــوارف ضـــــــــراك
هل يصح يا غصين الأراك يا خزامنا الفايح شــــذاك
هل يصح يا الجل البراك أن امـــــوت وأن لا أراك
منتدى الخليل الثقافى
Menu
مقـــدمة عن حقيــبة الفن وسـبب التسميـة


مـن كتـاب رواد حقيبة الفن


لماذا سميت بحقيبة الفن ؟ و متى؟ و ما هى اول الاغانى و مقدمى البرنامج الذين كانوا السبب فى نشر فن الحقيبة والرواد من الفنانين و الشعراء و اشعارهم و نوادرهم و احزانهم و قصصهم و كيف نسجوا اشعارهم و وفاتهم الخ
لطالما سمعنا اغانى الحقيبة و استمتعنا بها و لكن لم نعرف عن هولاء الشعراء الذين كتبوا هذه الاشعار و معاناتهم و لم نعرف عن المغنيين و حكاياتهم و حين نعلم بذلك كله سوف يكون للاغانى وقع مختلف و عميق يضرب فى جذورنا الحسية و الابداعيةما يتميز به هذا البوست هو دقة المعلومات.... لانها مستقاة من مراجع معترف بها و غالبا ما اورد المرجع رغم انى احاول الابتعاد عن ذلك لكيلا اعطى البوست طابعا اكاديميا و اتمنى ان يكون منهلا و مرجعا للباحثيين الذين تشتتوا فى ارجاء المعمورة

فرقة غنائية

سوف احاول تجنب التكرار بمعنى على اولا دراسة مافى النت ثم محاولة عدم تكراره ما امكن... و لاثراء الانترنت و عشاق حقيبة الفن و الذين ليس لديهم وسائل المعرفة بكل جديد مع الاحتفاظ بحقوق النشر و لذلك ستجدنى اورد المرجع ما امكن فى كل معلومة. و فى نفس الوقت ساورد فى اول الموضوع الروابط التى لها علاقة بالموضوع لمن اراد ان يستطلع ما كتب عن الموضوع فى النت، لن اوردالقصائد كاملة و انما ساشير اليها اشارة ببعض الابيات و فى بعض الاحيان ساوردها كاملة و السبب فى ذلك ان الشبكة تمتلئ بهذه القصائد فلا داعى للتكرار مما يسمح لنا بالتركيز على الجوانب الاخرى للشعراء و المغنيين
- سوف اعتمد بصورة اساسية على عدة مراجع مهمة منها (المرجو الرجوع الى رقم المرجع لمعرفته)
(1) من تاريخ الغناء و الموسيقى فى السودان - لصاحبه معاوية حسن يسن الذى افنى قسما كبيرا من عمره و مجهوده و ماله فى البحث و التقصى لتوثيق هذا الفن النبيل جزاه الله بقدر ما اجتهد لحفظ هذا التراث و اقول حفظ و ليس نشر لان معاوية استند على كثير من الوثائق الصوتية ما ساعد فى حفظها و غدا سوف نسمع انها تدمرت بفعل حريقة او بفعل فاعل
(2) رواد شعراء الاغنية السودانية - مبارك المغربى
(3) دوباى - الطيب محمد الطيب
(4) الشاعر سيد عبد العزيز - قصة حياته و اجمل اشعاره 2000
(5) مجنون عزة - فرح خليل فرح و التجانى حسن 1998
(6) الموسيقي السودانية - جمعة جابر
(7) نفثات اليراع - محمد عبد الرحيم
(8) ديوان ود الرضى - الجزء الاول و الثانى- الطيب محمد الرضى 1989
(9) ديوان خليل فرح - تحقيق على المك 1977
(10) ديوان سيد عبد العزيز - انة المجروح 1998
(11) ديوان عبيد عبد الرحمن -رسائل 1999
(12) ديوان عبيدعبد الرحمن - غزال البر 1999
(13) قبسات من شعر الحقيبة - على محمود على (الترزى) 2005
(14) عناق الاشرعة مابين خليل فرح و سيد درويش - عبد الهادى الصديق
(15) روائع حقيبة ام درمان - الجقر 2005
(16) صلاح احمد -عبقرية حقيبة الفن - د. حسن ابشر الطيب 2005
(17) ايام صفانا - ديوان محمد بشير عتيق - تقديم على المك
(18) كرومة - طارق شريف 2006
(19) مع رواد الاغنية السودانية المعاصرة - بروفسير الفاتح الطاهر
(20) خواطر و ذكريات عن اهل الفن بشمبات - د. كامل ابراهيم حسن 2006
(21) حكاوى امدرمان - شوقى بدرى
(22) انا ام درمان - تاريخ الموسيقى فى السودان (رسالة دكتوراه) - د. الفاتح الطاهر
(23) مختارات من روائع حقيبة الفن - دار الاشقاء للطباعة
(24) الحزن فى حقيبة الفن - بوست فى سودانيز اونلاين - احمد القرشى
(25) دراسات فى الادب الشعبى - عبد القادر عوض الكريم
(26) الاغانى - الاغنية السودانية بين الصياعة و الاستاذية- الجزء الاول -عبد الوهاب عوض (ابو رامة)
(27) ديوان الاغاريد - شعر محمد على عبد الله ( الأمى) 1999
(28) قراءة فى الادب السودانى الحديث - فضيلى جماع 1991
(29) الروائع الحبيبة من اغانى الحقيبة - عبد الرحمن الريح 1996
(30) ملامح من المجتمع السودانى - الجزء الاول و الثانى - حسن نجيلة 2005
(31) مسرحية المك نمر - ابراهيم العبادى 1969
(32) الشاعر خليل فرح بدرى - الاستاذ بدرى كاشف 2000
(33) ديوان البنا - الجزء الاول - عبد الله محمد عمر البنا - حققه على المك - 1976
(34) قائد الاسطول - ديوان سيد عبد العزيز 1999
(35) حقيبة الفن شعراء و فنانون - محجوب عمر باشرى 1994
(35) ديوان ابو صلاح - الجزء الاول
(36) خليل عزة - ديوان شعر خليل فرح 1999
(37) اصول الشعر السودانى - عبد الهادى الصديق 1998
(38) الجوهر الناضر فى الماضى و الحاضر - عمر البنا 1983
(39) نجوم الفن - محمود وصفى 1964
(40) كتاب من ثلاثة اجزاء تحت الاعداد - مهدى عبد الله
(41) القيم الاجتماعية فى التراث الأدبى السودانى - حقيبة الفن نموذجا- عبد الحميد محمد 2002
(42) سرور.. سايق الفيات - طارق شريف 2000
(43) أمدرمان .. حقيبة الفن لماذا؟ - عبد الحميد محمد أحمد 2005
- الصحف و الدوريات
و بعض المصادر الاخرى ساذكرها فى حينها
ساقوم ب
التجديد و الاضافة بصورة مستمرة حيث اعتمد سياسة وضع الهيكل للموضوع ثم اقوم بعد ذلك بالاضافات حتى يكتمل المراد و ماتقرأه اليوم ليس ما قرأته قبل اسبوع .. و اتصور ان هذا البوست سوف ياخذ فترة طويله من الزمن للاضافات و التعديلات حتى يكتمل ... و سوف اركز على اضافة الصور النادرة لهولاء الفنانين و المطربين و الشعراء لشعورى بالنقص فى صور هولاء العمالقة فى الشبكة.. والتى فى معظمها لاتوجد فى اى مكان آخر خصوصا صورة المخضرم الشاعر عبيد عبد الرحمن و الصور الجماعية الذى لمنتدانا هذا الفخر و السبق فى نشرها عبر تصويرها من الكتب و الوثائق لتكون فى متناول ايديكم ... و فى المستقبل اطمح الى و ضع الاغانى الصوتية للفنانين فى هذا البوست مما ينفى الحاجة الى الانتقال الى موقع آخر او التسجيل ..الخ.... خليك معانا... سوف ناتى بشعراء و فنانى حقيبة الفن احياء فى هذا البوست
* اريد ان انبه الى شيئين
- اولهما ان قصائد و شعر الحقيبة كان الاساس فى نسجهما هوالغناء اى وضعت من اجل التغنى بهما و ليس القرآءة فيجب وضع ذلك فى الحسبان عند قرآءة اشعار الحقيبة
- ثانيا هناك تفاوت شديد فى الاشعار الموثقة بلا استثناء.. و بالخصوص الموجودة فى المواقع الشبكية فهناك اغلاط كثيرة و حرف واحد يمكن ان يغير المعنى. حتى فى اقوى المراجع مثل معاوية يسن (1) و مبارك ابراهيم (2) اجد فى بعض الاحيان هناك اختلاف شديد فى كلمات القصائد مما يوضح الحاجة الى مواقع جادة تعنى بذلكيرجع فضل هذا البوست للاخ اسامة احمد نوالدائم مشرف بخت الرضاء للبحوث والمعارف بمنتديات الدويم وقمت ببعض التعديل والاضافة فيه




الفكرة


كانت الشرارة الاولى فى لندن فى عام 1953 حيث كان يعمل صلاح محمد احمد فى الاذاعة البريطانية و طلب منه تقديم برنامج عن تاريخ الاغنية السودانية و حينما اراد تقديم نماذج عن الاغنية السودانية اراد ان يبدا بدرة الغناء السودانى "عزة" و لكنه لم يعثر على تسجيل لها رغم بحثه الجاد و تم تاجيل برنامجه و اهتدى اخيرا الى ان يقوم بتقديم الاغنية بتوزيع موسيقى جديد. و رحب الاستاذ نعيم البصرى رئيس وحدة الموسيقى بالفكرة و طلب المشاركة بضرب الطبل و رحب الاستاذ المبعوث وقتها خليفة خوجلى بالغناء و هو يمتلك صوتا فارها هو اقرب الى صوت عبد العزيز داؤود و عزف على آلة الكمان الاستاذ الماحى اسماعيل الذى كان مبعوثا للتاهيل فى علوم الموسيقى. و يستطرد صلاح بالقول؛ استعنا بمواطن ارمنى يجيد العزف على البيانو و تدوين النوتة الموسيقية و نجحت الفكرة
كانت صعوبة الحصول على اغنية "عزة" سببا فى تخوف صلاح من ضياع التراث الغنائى السودانى نتيجة لعدم توثيقه و حفظه. و عند عودته الى السودان فى نفس العام شرع فى الاعداد لبرنامج حقيبة الفن.(16)
تقول فيحاء العاقب فى مقال لها " الموسيقى السودانية الاصيل و الوافد"فى عرب اونلاين
"الأنماط المتباينة من جنوب و شرق و غرب و شمال السودان نتجت عنها عدة أنواع غنائية متنوعة منها الدوبيت وأغانى الطنابرة الذين إذا جاء الليل تعالت أصواتهم صانعة البهجة فى النفوس وتمايلت لها الأعناق طربا "فأغانى الطنابرة هى نوع من أنواع الغناء الجماعى الذى يعتمد على الحنجرة فى إصدار الصوت"، بالإضافة إلى المدائح النبوية التى ساعدت هى الأخرى على عملية نشر الدين الإسلامى وقتها.
هذه الأنماط المختلفة كانت كانت حصيلتها أغنية الحقيبة فى بداية العشرينات من القرن الماضى هذه الأغنية التى اعتمدت على النص الشعرى واللحن الدائرى المتبادل بين المغنى وما يردده الكورس "وهم جماعة تصاحب المؤدى وتردد ما يقوله" دون آلات موسيقية سوى الآلات الإيقاعية كارق والمثلث ويعتبر فن الحقيبة نقلة نوعية للغناء والموسيقى السودانية فى سنواتها التأسيسية وحتى اليوم.
وقد تحدث الكثيرون عن هذا الفن ولكن للأسف الشديد لم أجد أثناء كتابتى أى شيء محدد فقد تناثرت الأقاويل واختلفت الآراء، بين ما تفوهت به ألسنة من واكبوا تلك الحقبة وتناقلته الأجيال التى توالت بعد ذلك، فأشار البعض إلى أنها تنسب إلى الإذاعى السودانى الكبير "صلاح احمد محمد صالح" اثر قلقه على اندثار هذا الفن خاصة بعد دخول الاسطوانات التى توافدت من مصر حيث كانت تسجل هناك، فعمل على جمعها وحصرها إذ كان يحضرها معه إلى الإذاعة حافظا إياها فى حقيبة أطلق عليها العاملون فى الإذاعة اسم حقيبة الفن". انتهى
تبلورت الفكرة عندالاذاعى صلاح احمد بعد عودته من لندن و راى ان حظ البرنامج سيكون وافرا اذا ما تسنى له تقديم برنامج يجمع بين الاغانى القديمة و الحديثة. و لارضاء الجيلين قرر ان يستعين بمطربين محدثين ليقدموا اعمال غنائية قديمة بمصاحبة الآلات الحديثة.الصعوبة كانت فى الحصول على نصوص مكتملة و صحيحة للاغانى فاستعان بخاله الطاهر حمدنا الله الذى كان يمتلك مكتبة من الاسطوانات و المجلات ومنها مجلة "هنا امدرمان" التى اصبحت لاحقا "مجلة التلفزيون و المسرح". من هذه المجلة حصل على نصوص اغانى كلف كبار مطربى البلاد آنذاك بحفظها و
اداءها بمصاحبة الفرق الموسيقية.عندما بدا صلاح فى توزيع النصوص على المطربين، فكانت "عزة فى هواك" من نصيب ابو داود و "انا ما معيون من نصيب احمد المصطفى.(1)

قصة التسمية

تبادر الى ذهن صلاح ان يسميها "من حقيبة الفن" لانه تصور انه سيفتح حقيبة تحوى نصوص و اسطوانات قديمة ينتقى منها لمستمعيه و يحكى لهم شيئا من تاريخها.
قال صلاح
"كانت هناك حقيبة سوداء فى قسم الاخبار فى الاذاعة، و كان مقره انذاك فى الخرطوم، بينما كانت الاستوديوهات فى امدرمان. تذكرت ان تلك الحقيبة كانت تحدث صوتا عند فتحها و لم يكن لنا قبل انذاك بالمؤثرات الصوتية"
و كان صلاح يعقب المقدمة بفتح حقيبة قسم الاخبار و قبل ان يختتم الحلقة كان يعمد الى غلق الحقيبة لتصدر صوتا يبلغ مسامع الجمهور. هذه الحقيبة لاتزال موجودة و يعمل بها حتى هذه اللحظة
حين قدم على شمو البرنامج بعد صلاح غير الاسم الى "حقيبة الفن" (معاوية: المرجع)
يقول عدد من كتاب حقيبة الفن ، منهم معاوية، ان القول بان تسمية حقيبة الفن ترجع الى "حقبة زمنية معينة" مردودا عليه حيث ان النمط الغنائى الذى يسمى "حقيبة" راى النور قبل اهتداء السفير صلاح الى برنامجه باكثر من ثلاثة عقود

الاوائل
من اوائل من استضافهم البرنامج الشاعر المخضرم محمد ود الرضى و المطرب الراحل ابراهيم عبد الجليل و الذى زاره البرنامج فى منزله و الذى لقبته ام كلثوم بعصفور السودان وكان معتكفا بمنزله بعد انحسار مجده و عندما طلب منه مقدم البرنامج ان يكون ضيفا على البرنامج بكى من شدة التأثر لانه حسب ان الناس تناسوه و نسوه.
كان البرنامج يقدم كل يوم سبت من كل اسبوع و بث للمرة الاولى حيا و على الهواء مباشرة لمدة ساعة كاملة مساء السبت 18 نوفمبر 1954
من اول الكلمات التى قالها صلاح فى الحلقة الاولى من برنامجه " اليوم انفض الغبار عن تراث الاغنية السودانية"

يقول د. حسن فى ذلك؛ راق هذا التعبير "لست البنات" الفتاة اللجناء بحيهم فظلت تنقل خبر هذا البرنامج الجديد من منزل الى منزل مرددة لقول "بارك الله فى صلاح النفض الغبار".(1)

اول اغنية تم تقديمها فى برنامج حقيبة الفن هى اغنية "انا ما معيون" للشاعر سيد عبد العزيز و قد لحنها كرومة و غناها الفنان عبد الله الماحى 1954 (1)
و يقول د. حسن فى ذلك؛ قدم صلاح فى حلقته الاولى من حقيبة الفن اربع اغنيات باصوات فنانين محدثين و مصاحبة الآلات الموسيقية الحديثة

عزة فى هواك - غناء عبد العزيز محمد داؤود

انا ما معيون - غناء احمد المصطفى
الزمان زمانك - غناء عثمان حسين
متى مزارى - غناء سيد خليفة



نموذج للفرقة الغنائية للمدرسة الشعبية الاولى: يتوسطها وهبة عازف الاكورديون و السر عبد الله عازف الكمان ( ا15)
أول من استخدم الرق فى الغناء الفنان محمد احمد سرور و ذلك فى حفلة زواج الطاهر احمد عبد الله والد المحامى عبد الحليم الطاهر (1)
اول من استخدم الآلات الوترية و ترك استخدام الرق و الشيالين و الطنابرة الفنان الكاشف (16)
أول من كون شكلا من اشكال الفرق الموسيقية المختلطة هو الفنان الكاشف فى عام 1938(15,1)
اول من جاء بنوع جديد من اللزم الموسيقية مثل ’الكبرى‘ و ’ الاستهلال‘ و ’الرسم‘ و ’السياحة‘ هو الفنان الكاشف حيث كان النوع المستعمل قبله هو ’الترجمة‘. (15)
أول اغنية للكاشف فى الاذاعة هى اغنية "حبيى القسا بى طال الشوق و الأسى". (1)
أول ثنائي كان بين الشاعر العبادي والفنان سرور سنة 1919 وبظهورهما انتقلت الاغنية السودانية من أغنية (طنباره) الى أغنية حديثة ومن أشهر أغنيات الثنائي(الصحافة، العدد 5297 فى لقاء مع الفنان على مصطفى):

ببكي وبنوح وبصيح للشوفتن بتريـح
فرع النقا المميح منو المسك بفيــــــح
وكتين صباحنا يبيح بلبل قلوبنا يصيح
اول اوركستر ا سودانية تكونت من عازف العود حسن عمر سوميت و عازف الكمنجة عوض فضل الله و حجازى. (1)
اول مطرب سودانى قام بتوثيق انتاجه الغنائى فى اسطوانات هو بشير الرباطابى فى العام 1928 بالقاهرة و انتج البازار بعض اغنياته منها ’يالقمرى المظلل بى ورق الاراك‘ و ’ ياحليل موسى‘ و ’لو تجازى لو تسمحى/حنانة ريدك ما بتمحى‘ و ثلاث اغنيات اخرى. (1)
اول شاعر غنائى محترف فى المدرسة الفنية الأولى هو العبادى ثم تلاه ابو صلاح.(22)
اول من اشترى آلة موسيقية من مكتبة البازار السودانى و كانت آلة فلوت هو الشاب محمد آدم أدهم الذى اصبح فيما بعد طبيبا مشهورا.(22)
أول من يشترى عربة من دخله الغنائى هو المطرب ابراهيم عبد الجليل (22).
اول مطرب سودانى يخوض تجربة الانتاج الخاص هو الفنان سرور 1932 بالقاهرة حيث سجل خلال تلك الزيارة الاغنيات التالية: (برضى ليك المولى الموالى)، (سيدة و جمالها فريد)، (متى مزارى اوفى نذارى)، (يجلى النظر يا صاح) و (شموس عفة). (1)
اول مطرب سودانى تنشر اسطواناته خارج حدود البلاد هو الفنان سرور. فبعد ان سجل اغانيه على حسابه الخاص و باع جزءا منها فى الخرطوم و امدرمان كان يبيع الباقى فى اديس ابابا و اسمرا حيث كان يبيعهما
متجولا على ظهر حماره.(22)
اول فنان سودانى بلحن اغنية ثم يغنيها اثناء نفس الحفل هو كرومة. حيث كتب ابوصلاح "بدور القلعة" هذه القصيدة عن فتاة صدته بنظراتها فى حفل يحييه كرومة فما كان من كرومة الا ان قام بتلحينها و غناءها فى نفس الليلة.(18)
اول طباعة لديوان شعر غنائى فى السودان بواسطة ديمترى البازار و هو "ديوان السياحة النيلية فى الاغانى السودانية" للشاعر السودانى ابوعثمان جقود حيث صدر فى العام 1927 و توجد نسخة منه فى معهد الدراسات الشرقية و الافريقية فى لندن. (1)
أول عمل لمؤلف سودانى (نص مسرحى) هو خالد ابو الروس فى عام 1934 فى نادى الخرجين بامدرمان بعنوان "تاجوج". (22)
اول فنان سودانى يلحن و يغنى الشعر العربى الفصيح هو خليل فرح عندما اختار رائعة عمر بن ربيعة (ابراهيم احمد عبد الكريم (23))

اعبدة ما ينسى مودتك القلب *** و لا هو يسليه رخاء و لا كرب

اول مكتبة لبيع الكتب و المجلات فى السودان هى "مكتبة البازار" لصاحبها ديمترى البازار اما مكتبتى "غردون" و "فكتوريا" فتخصصنا فى استيراد الصحف و المجلات البريطانية فقط. (1)
اول محل يتكفل بتعبئة الاغانى السودانية على اسطوانات هو "مكتبة البازار". (1)
صاحب اول مسرحية درامية فى السودان هو الشاعر ابراهيم العبادى (1)
اول من اقام اول حفلة غنائية تعرفها البلاد هو الفنان سرور و ذلك بحديقة البلدية فى الخرطوم بحرى حيث كان نشاط المطربين قبلها محصورا فى احياء الحفلات الغنائية فى بيوت اللعبات 1938. (1)
اول من وقف على خشبة المسرح و احيا حفلات به هو محمد احمد سرور (13)
أول من تغنى في الإذاعة السودانية عام 1940 هو الفنان سرور فغنى أول أغنية له وهي أغنية المتطوعات وتحدث فيها عن الفتاة السودانية التي تطوعت لمعالجة جرحى الحرب، ثم تلاه حسن عطية، إبراهيم الكاشف واحمد المصطفى. (16)
اول من غنى بآلة موسيقية عند افتتاح الاذاعة هو سرور 1940. (1)

- اول مطرب يغنى و يعزف بنفسه على العود من على ميكرفون الاذاعة هو حسن عطية 1940. (1)

- اول من سجل اغنية (هل تدرى يا نعسان) بصوته فى مشاهد اول اسكتش سينمائى سودانى انتج فى العام 1944 هو الفنان سرور. (1)

اول من قال " هنا امدرمان، اذاعة جمهورية السودان" الاذاعى صلاح احمد فى الاول من شهر يناير عام 1956 عندما تم اعلان استقلال السودان و بعده مباشرة غنى فى الاحتفال عثمان الشفيع

احــــرار احـــرار فى بلاد حــــــــــرة

و الشعب اختار الاستقلال يادخيل بره

اول من بادر بالدعوة الى اتحاد يضم الشعراء و كل المطربين و المهتمين بتطوير الفن الغنائى هو ابراهيم العبادى فى العام 1923. (16)
مؤتمر الخريجين اول من ابتعث فنانا للدراسة فى الخارج و ذلك هو اسماعيل عبد المعين الذى التحق بمعهد فؤاد الاول للموسيقى بالقاهرة بعد ان استقبله هناك على البرير (16)
شعار البرنامج
كان شعار البرنامج اول ما بدا عزفا منفردا بالكمان لاغنية "عزة فى هواك" و كان كما قلنا من قبل السفير صلاح يعقب المعزوفة بفتح الحقيبة ذات الصرير ثم فى نهاية البرنامج بغلقها بعد المعزوفة (1).
يقدم الاستاذ مهدى عبد الله (40) معلومة عن اول برنامج لحقيبة الفن اوردها للمعلومية فيقول: عند افتتاح الاذاعة فى عام 1940 و كان الهدف منها بث اخبار جيوش الحلفاء للشعب السودانى و ان كان معظم فنانى الحقيبة لم يتمكنوا من التسجيل لهذه الاذاعة لسببين اولهما ان معظمهم وافتهم المنية فيما بين 1942 و 1945 و ثانيهما ان التسجيل للاذاعة بدا فى الخمسينات و كانت الاذاعة القديمة فى حى بيت المال بام درمان و كانت عبارة عن غرفة واحدة مسقوفة بالجوالات و جدرانها مدهونة بالوان مختلفة امعانا فى التمويه حتى لا تكون هدفا للقذائف اثناء الحرب.

كان اسم برنامج حقيبة الفن "من اغنياتنا القديمة" و كان شعاره عزف على الفلوت بلحن "حليل موسى يا حليل موسى" و كان يقوم بتقديم البرنامج الاستاذان متولى عيد و المبارك ابراهيم و ذلك يالتناوب و لم يكن له موعد ثابت فقد كان يقدم كلما توفرت لهما الاسطوانات و عندما عاد صلاح احمد من لندن لاحظ ان الاسطوانات التى يتم تقديمها قديمة و مستهلكة فاقترح اعادة التسجيل. انتهى

شعار برنامج حقيبة الفن الأول كان من نظم الشاعر حدباى ( الليلة كيف امسيتو يا ملوك أمدر ) (1)

الليلة كيف امسيتوا يا ملوك ام در
يبقى لينا نسيتو .. المنام ابى لى
بالسقام لجسمى و خليل اكسيتوه
مالو لو بى طيف المنام آسيتوه
و قصتها مذكورة فى ترجمة خليل فرح "قصة قصيدة بقعة ام در"
ثم عندما اتى على شمو تخلى عن صوت فتح الحقيبة و غلقها ثم بدل الشعار فبدله الى الابيات المشهورة التى كتبها الشاعر الفحل محمد ود الرضى وغناء أولاد شمبات (1)

جلسن شوف يا حلاتـــن
فرز فــــى ناصلاتـــــــن
قالوا لى جن هوى هبابن
يا الله الحبابيب حبابــــن

وكان ان تم تغيير الشعار لفترة ل (يجدى العزاز الجيد قزاز) للعبادى و سرعان ما كتب الناس محتجين و غاضبين الى ان عادت الرمية الحالية مرة اخرى.(15)
و شعار البرنامج ال
غنائى هذا لايزال يصاحب برنامج حقيبة الفن الذى تقدم الاذاعة السودانية كان احدى اشهر رميات الطمبور

استراتيجية البرنامج و اسلوبه و مقدميه
اولا........صلاح
"فن الحقيبة عمارة شاهقة من عبقرية فطرية"

نشا صلاح فى مدينة امدرمان و تلقى تعليمه فى مدرسة وادى سيدنا الثانوية و تربى فى حى السوق بامدرمان.السفير صلاح احمد كما ذكرنا كان هو صاحب الفكرة و اول من قدم البرنامج ثم التحق بالقسم العربى بالاذاعة البريطانية بلندن.
يقول عنه الطيب صالح " صوت صلاح احمد، كانك مزجت اصوات نات كنغ كول و لوى ارمسترونج و جلال معوض" (نات و لوى من المغنيين الامريكين السود المشهورين عالميا)
صلاح بالاضافة الى انه دبلوماسى فهو شاعر غنائى و له قصائد اثرت الوجدان و اثرت ايجابيا فى اثراء الغناء السودانى منها؛ "اهواك" و "مات الهوى" و "يا مسافر و ناسى هواك" و "ياليالى الغرام" و "نابك ايه فى هواه" و " ان تريدى ياليالى تسعدينا" و "نحن فى السودان" و غيرها التى من امثلتها اغنية صلاح "وداعا يا غرامى" التي نظمها في مفتتح حياته الشعرية بعد سفر محبوبته عندما اظلمت الدنيا في عينيه

يا عيونى يا عيونى اسكبى دمع الحنين

لو يفيد الدمع أو يجدى الانين

راحو عنك يا عيونى و انطوى

عهد حبى و الامانى و الهوى
*****

طال ليلى و الازاهير نيام

و نسيم الصبح قد ساد الانام

و عيونى لم تزل تهفو لهم

تندب الدهر الذي ابعدهم

فهى تدرى اننى من بعدهم
ضاع عمرى بين انات و هم

و اصطلى قلبى بنيران الحميم
و في اغنية "اهواك" يقول:

بقيت كالراهب العابد
اقضى ليلتى ساجد
امام طيفك اناجيه

و اقول شعر الهوى فيه

و الخافق في صدرى

ضرباته بتقيف لولاك
و يذكر د. حسن المحطات التى اثرت فى صلاح و جعلته من عشاق الحقيبة. المحطة الاولى كونه فنانا مرهفا و دبلوماسى قدير ثم المحطة الثانية معايشته لخاله السيد الطاهر احمد حمدنا الذى كان يحب اغانى الحقيبة و يحفظ اسطواناتها و مجلة " هنا امدرمان" ثم المحطة الثالثة فقد كانت نتاج سكنه فى منطقة شارع الفن حيث كان يسكن فيما بين حى الشهداء و "ودارو" قرب دار سرور و كرومة وود البنا و خالد ابو الروس بالاضافة الى اصوات الاغانى التى كانت تصدح من مقاهى سوق امدرمان القريبة عبر الفونغرافات كما كان لاسرته الاثر فى تشكيل وجدانه و فكره و ميوله فوالده المعلم و الشاعر السياسى الحصيف و الوطنى الغيور الاستاذ احمد محمد صالح الذى كان يلقب بالانجليزى الاسود لتمكنه من اجادة اللغة الانجليزية.
صلاح كان يرى ان تقدم الاغانى القديمة و الجديدة فى آن واحد ليرضى جميع الاذواق و اقتنع بان السبيل الى ذلك لن يكون إلا بالاستعانة بالمطربين المحدثين ليقدموا اعمالا غنائية قديمة و احيائها بمصاحبة الآلات الحديثة التى غدت صفة ملازمة للغناء بعد افتتاح الاذاعة السودانية
ثانيا...... على شمو

لعل ما لايدريه الكثيرون ان صلاح و شمو عاشوا شطرا من سنوات صباهما معا فى حى السوق بامدرمان و نمت بينهما صداقة منذ ذاك الحين. حيث كان شمو يسكن مع عمه قسم اللة فضل شرق الجامع الكبير وعلى مقربة من دار الاستاذ احمد محمد صالح. و لعبا مع بعضهما و كان شمو ميالا للرياضة و كرة القدم بينما كان صلاح ميالا الى التشخيص و التمثيل ثم افترقا و التقيا مرة اخرى للعمل فى الاذاعة السودانية حيث جاء شمو للاذاعة فى عام 1955 ليجد صلاح قد سبقه اليها بعدة سنوات مذيعا. و لذلك لما بين الاستاذ صلاح و الاستاذ على شمو من توافق فى الذوق الفنى و من تقدير متبادل كان من الطبيعى ان يعهد صلاح الى شمو ليقدم برنامج حقيبة الفن من بعده ليعمل بسفارة السودان فى لندن
و يقول البروفسير احمد محمد على فى المرجع (16) "ان على شمو يعشق اغانى الحقيبة و يحفظها..نعم يحفظها و قد استمعت له عام 1957 و هو يغنى اغنية كروان السودان كرومة "دمعة الشوق كبى" من اذاعة امدرمان"

شمو كانت له رؤية مختلفة،فقد قام بتغيير اسم البرنامج كما غير المقدمة الوسيقية (الشعار) كما ما اسلفنا من قبل . و راى شمو ان يقتصر البرنامج على تقديم الاغانى القديمة كما هى دون المساس بهيئتها الاصلية

يقول د. حسن ح ابتدر شمو برنامجه باغنيتين (نظرة با السمحة ام عجن) التى قدمها الفنان سيد خليفة و (نعيم الدنيا) التى اداها عبد العزيز محمد داؤود
و اضاف شمو بعدا جديد بتفضيل اداء العديد من الاغنيات بواسطة الرق عوضا عن الاوركسترا الكاملة و اذكاء روح التنافس بين الفنانين
يقول شمو "هكذا فتحنا الباب امام كبار الفنانين القدامى ليقدموا انتاجهم فى البرنامج، و منهم الثنائى عوض و ابراهيم شمبات و دعونا مطربين آخرين منهم عبد الرحيم الامين، و اخذ مطربون محدثون كبار يأتون الينا لنسمح لهم بتقديم اغنيات قديمة برعوا فى ادائها منهم المطربان ابراهيم الكاشف و عبد العزيز داوود"

و لمزيد من الايضاح يقول شمو " كان صلاح (احمد محمد صالح) ياتى بالفنانين الحديثيين ليؤدوا اغنيات الحقيبة بصحبة الفرقة الموسيقية، اما انا فقد مزجت بين اغنية الحقيبة و الع
ناصر الاصلية فى حقيبة الفن مثل اولاد شمبات و احمد يوسف و عصفور السودان ابراهيم عبد الجليل و الفاضل احمد و آخرين كانوا يقدمون الاغنيات بايقاعاتها (حية)، و تركنا بعض المغنين مثل عبد العزيز محمد داود صاحب القدرات الرهيبة فى الصوت (يؤدون بالاسلوب المصاحب للالات الموسيقية) لان عنصر الصوت واضح فى اغنية الحقيبة، و يتجلى ذلك حين يصدح عبد العزيز فى الطبقات العليا برائعة كرومة "جاهل وديع مغرور" و الكاشف فى درة الخليل "فلق الصباح" و مع احترامى لبعض المغنين المحدثين فانهم لايجارون اغنية الحقيبة اذا جردناهم من الاوركسترا".(1)

من المفارقات..يقول شمو
"كانت فرقة اولاد شمبات تتكون من ثلاثة فقط بالاضافة الى عوض و ابراهيم شمبات كان معهما شخص ثالث يسمى بابكر و كان يقوم منفردا بدور الجوقة (الشيالين) التى تردد المقاطع وراء المغنيين"انتهى. و من المعروف ان الشيالين كما نرى حديثا يتكونون من ثلاثة على الاقل

ثالثا ... المبارك ابراهيم
1958 - 1972

ولد المبارك ابراهيم فى جبال النوبة و تعلم فى مدارس المبشرين و عمل ممرضا و مساعدا بيطريا و محصلا للعوائد و كتبيا و صحفيا بجريدة النيل و مجلة الرابطة العربية ثم محررا بمجلة الاذاعة و التلفزيون و مذيعا بالاذاعة السودانية

لطول الفترة التى قدم فيها المبارك برنامج حقيبة الفن شاع الخطأ من انه صاحب الفكرة و اول من قدمه. و برز هذا الخطأ فى كتاب لالاستاذ محجوب باشرى "رواد الفكر السوانى" ص 92 و نقل عنه استاذنا د. عون الشريف قاسم فى موسوعته "القبائل و الانساب..." مما يستدعى اصلاح هذا الخطأ و اثبات فضل صلاح فى انشاء برنامج حقيبة الفن .(16)
و قد اشتهر المبارك باسلوبه فى التقديم و بطريقته المهذبة فى توقير ضيوفه فلا يخاطب احدا الا مسبوقا بلقب سيد، مواطن او شيخ و كان يميل الى شرح معانى الاغانى القديمة ليسهل فهمها على الجيل الجديد حيث اضفى على حقيبة الفن صبغة زاهية و جاذبة اجاد فى التقديم و التطوير كما نجح فى اقناع مسؤلى الاذاعة و التلفزيون بفتح الباب امام الثنائيات كاولاد شمبات و اولاد الموردة و ميرغنى المامون و احمد حسن جمعة بتسجيل ما فقد من اغنيات حقيبة الفن و كان لابراهيم دوره الكبير فى تطوير البرنامج و شهرته حتى انه قيل انه اول من قدم البرنامج. و للعلم المبارك ابراهيم كان مطربا قبل ان يعتزل الغناء و يتفرغ للادب و الاذاعة و قد تغنى بقصائد سيد عبد العزيز
كما حرص المبارك على استضافة كل شخص قام بدور يذكر فى مجال الغناء فى حلقات البرنامج. فاستضاف قدامى المغنين الذى تركوا الفن منذ امد بعيد مثل المطرب على الشايقى و الفنان عبد الله الماحى. و اتى بالمواطنين الذواقة و الشعراء و حقق معهم عن اسباب نظم قصائدهم فترك سجلا و ثائقيا لايقدر بثمن.(1)
ذكر عوض شمبات ان المبارك حجز لهم ابان الستينات استديو الاذاعة لبضعة ايام (حرصا منه على تسجيل الاغنيات التى فقدت) ليسجلا نحو 15 اغنية وكان معهما فى الحجز نفسه اولاد الموردة (عطا كوكو و محمود عبد الكريم) و طلب من الفريقين ان يتبادلا الغناء فطورا يغنى اولاد شمبات و يعاونهما شيلا و تصفيقا اولادالموردة و هكذا. (2)
كان المبارك إبراهيم يحذف بعض الكلمات والأبيات من الاغانى ( لجنة نصوص لوحده) ...وذكر أبو داود للأستاذ محمود أبو العزائم في برنامجه كتاب الفن انه عندما أراد تسجيل أغنية هل أنت معي للشاعر المصري احمد محمد والحان برعي محمد دفع الله حذف منها المبارك إبراهيم بيتا وقال ابوداود بالنص في ذلك البرنامج ( كرهنا المبارك إبراهيم في الأغنية بعد حذف هذا البيت ) والبيت هو

ذوبت في ثغره خمر العناقيد السكارى
وعلى خديه ورد حالم حلم العذارى
لم يعد لي من هواه غير أوهام العذارى....
إلا أن يقول
عادني الوجد إلى ليلى وكأسى مترعا
ولهيب الشوق يدعوني فهل أنت معي
وعزا الفنان إبراهيم عبدا لجليل في مذكراته التي نشرها له ديمتري البازار إن سبب دماره ونهايته كفنان هو المبارك إبراهيم الذي طرده من الإذاعة عندما حضر لها يوما مخمورا ومنعه من دخولها نهائيا والغناء فيها وحمل الإذاعة السودانية سبب حطامه ودماره ويقول إبراهيم عبدالجليل في مذكراته (وأعنى بالإذاعة هنا ذلك الطاغية المتجبر المبارك إبراهيم ...وأنا أعزو لهذا المبارك إبراهيم الكثير مما أصاب حياتي من دمار ).ولم تتاح لي الفرصة أن التقى أو اطلع على رأى الأستاذ المرحوم المبارك إبراهيم في هذا الفنان وسبب منعه من دخول الإذاعة وتسجيل الاغانى ....وأتمنى أن يضيف احد المهتمين لنا بعض المعلومات في هذا الشأن حتى لا نكون قد ظلمنا المبارك إبراهيم بذكرنا لرأى إبراهيم عبد الجليل فقط

تجربته الغنائية

الأستاذ المبارك إبراهيم في بدايته كان مطربا وسجل بعض الاغانى في اسطوانات ولكنه هجر الغناء وأصبح إذاعيا لامعا (24). يعود السر في ذلك ان المبارك سجل أغنية "ياقمر" بالقاهرة و لم تكن الأغنية موفقة لان الفرقة المصرية التي شاركت في التسجيل لم تتوصل الي اللهجة اللحنية السودانية و لذلك فشلت
الأسطوانة و فشل المبارك و لهذا لم يقدم علي عملية التسجيل مرة أخري بل ترك الغناء نهائيا بعد هذه الأسطوانة (22)



رابعا: مبارك المغربى



شاعر مطبوع و أديب له اسهامات وافرة فى اثراء معرفتنا بحقيبة الفن فقد قدم برنامج حقيبة الفن لفترة وجيزة و كان فى لجنة النصوص بالاذاعة و نشر سلسلة من المقالات عن تاريخ الغناء و شعره فى السودان فى مجلة الاذاعة و التلفزيون و المسرح ثم اعاد نشرها فى كتابه "رواد شعراء الاغنية السودانية"

خامسا السر محمد عوض

شغل منصب الرئيس السابق لقسمي المنوعات والتنسيق في إذاعة أم درمان و قدّم برنامج "حقيبة الفن" أكثر من 20 عاماً.(1) و هو شاعر غنائى مطبوع و يكفى شاهدا ما يقدمه للمستمع السودانى فى برنامج "الاذاعة زمان" و كأنك تعايش الذين اسهموا فى هذا البرنامج امثال: د. عبد الحميد صالح ابو عاقلة يوسف و غيرهم.(16)

سادسا: عوض بابكر

عوض بابكر و الذى ما يزال يقدم برنامج حقيبة الفن يقول عنه البروفسير احمد محمد على اسماعيل إنه يمتلك ناصية الكلمة الفنية و يتضح من تقديمه للبرنامج انه يبذل مجهودا كبيرا فى الاعداد لهذا البرنامج، ويثريه بمعرفته الغزيرة بشعر الحقيبة و شعراء الحقيبة و تاريخ حياتهم و مناسبة كل اغنية و متى تم تسجيلها. و لقد استمعت لاغنيات من حقيبة الفن لم اسمع بها الا من الاستاذ عوض بابكر. تخرج عوض فى كلية الدراما و الموسيقى (جامعة السودان للعلوم و التكنولجيا) و هو عازف ماهر على آلتى العود و الكمان و يقول الرواة الثقاة ان عوض بابكر كان ضمن اوركسترا الفنان الاسطورى خضر بشير.

اصول الحقيبة
يقول عاطف عبد الله عن فترة ما قبل الحقيبة؛ لم تأتي أغاني الحقيبة من فراغ بل تأسست على أمجاد تراث فني وثقافي موغل في القدم، لن أذهب بعيداً في البحث عن جذور الغناء السوداني، الذي عرفته الحضارات السودانية القديمة في كوش ونبتة ومروي أو للغناء في مملكة الفونج وسلطنة دارفور، بل سأعود للفترة التي سبقت ظهور فن الحقيبة من آواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين.
فى اوائل القرن العشرين بدات امدرمان تلعب دورا هاما فى تاريخ الغناء السودانى فظهر مطربون و منهم النساء و ذلك لما كانت المرأة السودانية تتمع به من استقلال و حقوق اكثر من باقى الدول العربية دخلت اسماء بعض المغنيات سجلات التاريخ مثل قطاعة الخشوم و مستورة بت عرضو و شريفة بت بلال
و كانت شريفة مغنية رائعة الصوت تغنى للجيش السودانى و شهدت حروب كثيرة و نالت نياشين و منحها عبد القادر حلمى حكمدار السودان فى آخر عهد الحكم التركى رتبة عقيد فى الجيش التركى و عند فتح مكوار و قعت اسيرة فى يد الخليفة عبد اللة و بعد الثورة المهدية اصبحت تغنى فى بيوت الافراح و حيانا كانت تغنى لنفسها فى منزلها بحى المسالمة يذكر ماضيها السعيد

هى يوهى ------ شريفة بت بلال

هى يوهى ------ بت العسكر القدام

هى يوهى ------ شريفة بت بلال

هى يوهى ------ بت العسكر النظام
كان هناك غناء الحكامات الذى يلهبن به خيال الفرسان من أجدادنا الذين يقاومون المستعمر القادم من أقصى الشمال، ويدخلن الحماسة في القلوب كما قالت مهيرة
الليلة إستعدوا وركبوا خيل الكر
قدامن عقيدن بالأغر دفر
جنياتنا العزاز الليلة تتنبّر
يا الباشا الغشيم قول لي جدادك كر
وهن لم يكتفين بأغاني الحماسة بل أجدن الوصف مثال ما قالته الشايقية
حلالي يا السايق البلوبوشو
لا قوز ولا هييج بحوشو
مثل الباشا التابع ديوشو
غازي كدوسو وموهط طربوشه
كما برعن في أغاني السيرة

الزين حننو فوقك السيادة
سيرو ومرق كيه للندادة
الله يتم لي

وأيضاً
يا عديلة يا بيضاء
يا ملايكة سيري معاه
يمة سار الخير وداعة الله

ومن اغانى السيرة التى اوردها الجقر و هى ايضا من الاغانى المنحدرة من زمن الفونج و تغنيها التومة بت على وهى التومة عاصرت اساطين فن الدلوكة و اصحاب المدرسة الاولى و منهم ’تاس سالى‘ و ’ ام برعة‘ و ناس ام بابة‘ و الفنان الكبير صاحب المدرسة ’ادفرينى‘ ملك الدلوكة. و اغنية الدلوكة هذه من الاغانى الحماسية التى تدعو الى مكارم الاخلاق

التومة بت على

الليلة العيال و قعوا صعيد روروه
بهديكم عليه القدح اب خُرز جّروه
بهديكم عليه السيف السمح شيلوه
بهديكم عليه الجمل البشارى اسعوه

ياضايقين حُلوها مُرها لوكوه
امرقوا بره هشكى البيوت خلوه
كيفن هاش و كرف الدم
الفى البخور بنشم
جرو العنقريب فوق العيال تتلم

العوبا يا هوى بابلى انا دوبا يا هووى باب لى
أن كان للكرم سوالو طاحونة
و أن كان للصلاة الجنة مضمونة
نيران الدخان طفاه بقرونه
و كان لحظه الخصيم جدعوه عيفونة
كما أبدعت في أغاني التمتم مستورة بت عرضو وقبلهم شريفة بت بلال في أغاني الحماسة على ايقاع التمتم، وقد سطرت لنا رقية المعروفة بـ"بت مسيمس" تمجد أستشهاد شقيقها عبد القادر ود حبوبة عندما اقتيد للإعدام

بتريد اللطام أسد الخشاش الذم
هزيت البلد من اليمن للشام
سيفك للفقر قلام
ديما في التقر أنصاره منذرين
بالصفاء واليقين حقيقة أنصار دين
العمد
الكبار الليهم نقر سنو
الهوج والشرق طار النوم منو
الكفرة النجوس ما بخشو من اللوم
كتلت الرجال خليت جمالوم تحوم

الاسد النتر بى جيهة الابقار
لمولو الاورط شايلين سلاح النار
ود حبوبة قام و رتب الانصار
يوم الديه ديك كم شبع الصقار

الأعلان صدر وأتلمت المخلوق
وبعيني بشوف أبرسوة طالع فوق
كان جات بالمراد واليمين مطلوق
ما كان ينشنق ود ابكريق في السوق

الاعلان صدر و اتلمت الحلال
نصبولو السلاح و اتكرنيف الخيّال
قدر الله الحصل و الزمان ميال
منسول من ابوك ماك ود حرام دجال

كما أنشدت مناحة أخرى لا تقل عنها جمالاً ونبلاً في وصف ملحمة استشهاد البطل ود حبوبة

الواعي ما بوصوه
من أمس الضحى
توري ابزنود ساقوه
يا مقنع ولياتو
الواعي ما بوصوه الفتح الدرب
خل العريب يمشوه

الواعي ما بوصو
من أمس الضحى
توري أب زنود ساقوه
يا مقنع ولياتو
وكانت معظم أغاني الحكامات في التمتم مراثية أو حماسية وقد تركوا لنا تراثاً ثرا ما زلنا ننهل منه ونطرب له

و يورد الجقر ابيات الحماسة التالية - اوردها هنا لجمالها و لتوثيقها

عليك بجر النم
عليك بجر النم يا دابى الحرايق اصبحت كاتم السم
عشميق الاصم
شدولوا و ركب فوق اصهب وحشى
رايو مكملوا كلامو ما هبشى
اديتكم امانة متقنعة تمشى
عاجبنى الامانة ضيف الهجعة بتعشى
الفارس الهشوك و لدا قبيل منسى
الكيكا كبير مكيمك ولد هكسى

الليلة البلد تباشرو ناسوا
يابحر المحيط مين عبروا و قاسوا
بالفانية الترك ما لينو راسوا
العضم الكبير كسروا و شرب ساسوا

شدولوا و ركب في اصهب مربيك
الهوج و الشرق شرفا بعاين ليك
العاقر تقول بلدى و بسمى عليك
ياعيد الضحية البفتحولو البيت
رايو مكمل كسار قلم مكيمك

المهدية وأثرها في الغناء الحديث

في الدولة المهدية كان الفن السائد هو المديح، وكان للمداحين مكانة مرموقة في ديوان المهدي والخليفة، أشهرهم أحمد ود سعد الذي كتب الدوبيت في مطلع شبابه الذى قال ذات يوم -على لسان ابو ضرس - (الجقر) "يابنى انى بحمد الله مدحت رسول الله صلعم باذن منه. و لما ظهر المهدى قررت بينى و بين نفسى بان لا امدحه إلا إذا انكشفت لى حقيقته. ثم اتانى الاذن من رسول الله فمدحته". و من هذه القصيدة الطويلة اورد لكم بعضها

اصحاب الامام

اصحاب الامام راكبين عوانى الخيل *** قول المهدى فوقم مصممين بالحيل

اللهم يا مولج النهار في الليل *** و الليل في النهار مجرى البحار و السيـــل

الكفرة اللئام بحرمة اسرافيـــــل *** اهلكهم كما اهلكت اصحاب الفيــــــــــل

مسكنا طريق المهدى كونه عديـــل *** بارم في خليفتو اللينــا باقى دليــــــل

يو اصل عاطف: و منهم ايضا محمد ود التويم الذي منحه المهدي لقب أمير. وقبل ذلك كان خليفة المهدي قد منع استخدام آلات الطرب الموسيقية التي كانت سائدة منذ دولة الفونج مثل (أم كيكي) والربابة والصاجات والدفوف، وأذن لمداحيه باستخدام العصيِّ للنقرات وتحريك الأصابع، وهو الفعل الذي انتقل إلى الطنبرة ومن ثم إلى الحقيبة في بداياتها الأولى

و مما ادركنا من غناء المهدية تشيدها الشهير الذى قيل فى استنهاض همة المهاجرين الى دار هجرة المهدى

هوى هوى نسيرو *** لى المهدى فى قديرو

سيرا كتير مو شويا *** لى المهدى طيب النية

و كان الشاعر الحاردلو من اكثر الشعراء المعارضيين للمهدية و نظم فى هجاء قادتها شعرا كثيرا و من اطرف ما يروى من اشعار معارضة المهدية بيتان راجا لدى قبائل الشايقية و المناصير و ذلك لحظر المهدية لغناء الطنبور
لا مريسى و لا طنيبير
ولا تمباك و لا سجير
و دا كلو من مهديك الكبير
و عقربن تطقك يا محمد الخير

الطنابرة
بعد أفول دولة المهدية وعند بدايات سنوات الاستعمار كان الطنابرة يتسيدون ساحة الطرب و كانت أغنية الطنبور كانت هي السائدة فيما قبل فترة الحقيبة و سمى افرادها "بالطنابرة" و كانت تؤدى بواسطة الحلق (الكرير بالحلق) بواسطة وضع الايدى على الفم بطريقة معينة مصحوبة بالصفقة. وكان هذا الكورس هى احدى الوسائل التى تعطى للفنان الفرصة لياخذ انفاسه بين المقاطع الغنائية اثناء تادية الفتاة لرقصاتها. و كلمة طنبور تختلف عن كلمة طمبور . فالاولى بالنون تشير الى ذلك الفن الذى ذكرناه و يعتبر لون من الوان الغناء الشعبى المعروف بشرق محافظة كردفان لدى قبيلة الجوامعة. اما طمبور بحرف الميم فهى تشير الى الآلة الموسيقية المنتشرة بشمال و شرق و غرب السودان.
كان اداء هذا النوع من الغناء حكرا على الرجال الذين لم يكونوا مغنيين بالمعنى المفهوم و كان يطلق عليهم الصياع بسبب انهم كانوا يسيرون فى الشوارع و ليس لهم مكان معين و يطلقون نداءات غنائية خاصة بهم (الصياع جوجو ... الصياع جوجو) للفت انتباه الناس اليهم و قد قال العبادى فيهم
صياع الليل .. بالكرعين يسابقوا الخيل
من اشهر الطنابرة عبد الغفار الماحي، الصديق ود الرميلة، نعيم وبخيت أولاد الجوخ، (راس البيت) محمد ود سعيد الحوري، عباس هواري، محمود ود أبو لونجة، محمد الماحي ويس اليمني.. و يقول ’الجقر‘ (15) فى هذا
الشان ان مشاهير الطنابرة اصحاب الحناجر الفولاذية؛ الطيب الانجليزى، الجوخ حسب الله، الجقير، رأس ود البيت، و يوسف الرباطابى و يضيف اليهم الفاتح الطاهر (22) حسين بيومى و خضر الرومى و ود الكتيابى و بلال ابو كدر و توم شم العيش و غيرهم
كان الطنابرة يجيدون فن الكرير أي إصدار الصوت من الحلق خلف المدوبي، حيث كان فن الدوبيت هو الشكل الوحيد للتعبير الفني الرجالي المعترف به في مجال الطرب، أما الغناء فكان فعلا أنثويا تختص به النسوة وليس كل النساء بل اللاتي يأتين من أسفل السلم الطبقي الاجتماعي، من الجوارى والخدم وأترابهن، وكلمة مغني كانت تطلق على الشعراء كما قال إسماعيل حسن
"وا أسفاي
وحاتكم أنتو.. وا أسفاي
إرادة المولى رادتني
وبيقيت غناي
وكذلك على الدوبيت كما قال ود شوراني الذي ورد في رباعياته لفظ "الغنا" اشارة للدوباي
أنا يا ابتله سافعة العشا البتقوقي
قلتها كرسي نومي وضيفي سهدك فوقي
من قليبو اليل والطعم معشوقي
صديتا تاني لي مضغ (الغنا) وحيروقي
انتهى)عاطف -السودانى العدد 1049)
الدوبيت
والدوبيت كلمة فارسية تتكون من شقين: (دو) وتعني اثنين و(بيت) أي بيت الشعر، وهو يتكون من أربعة أشطر، وقد استبعد الأستاذ الطيب محمد الطيب ان تكون هنالك صلة بين الدوبيت السوداني والفارسي، وقد اطلق عليه اسم (الدوباي)، و(دوبى) في بعض مناطق السودان تعني اصدر اصواتاً خاصة على العمل، وهذه (المدوباة) قد تكون اصواتاً لا تصحبها الكلمات

يقول الطيب محمد الطيب فى كتابه الجوهرة "دوباى"؛ " فى عام 1965 عند زيارتى الى منطقة شديدة (شرق البطانة و يسكنها المرغوماب و الجعليين و الكمالاب و غيرهم) لفت نظرى انهم لايقولون "دوبيت" و لكنهم ينطقونها "دوباى" و حين ذهبت الى ديار البطاحين و سمعت منهم التغنى بالشعر للوقائع التاريخية كررت عن عمد كلمة دوبيت و اصررت عليها حينها نبهنى المرحوم الشيخ الصديق احمد طه قائلا " الغنا دا عندنا اسمه الدوباى و من اراد الدوبيت فليذهب الى ناس البحر ويعنى بهم اهل المدينة
و حين ذهبت الى جهة النيل بين بربر و شندى انقسم الناس فقال بعضهم دوبيت و البعض دوباى و فى نهاية 1966 فى منطقة الشكرية و حلفا و البطانة و اعالى حوض نهر عطبرة حتى الحدود الاثيوبيةو منطقة الدندر و الرهد و لم اسمع فى كل تلك المناطق غير كلمة دوباى و قال بعضهم انهم لايعرفون كلمة دوبيت و انما سمعوها من خلال راديو امدرمان
و يقول الطيب " ان ‘دوبا’ تعنى اشتاق او غنى و نشا الدوباى نشاة بدوية عربية خالصة و تم اطلاق ’دوباى‘ على عدة انماط غنائية
1-الغناء الذى ينشد عند ملء ’القربة‘ يسمى دوباى
2- الغناء الذى ينشده السقاة عند الابار ساعة النشل او المتح يسمى ايضا دوباى
3- ثم الدوباى الحدائى
و تنتشر كلمة ’دوبا‘ بين الناس بمعنى الشوق و الحنين مثل "دوب لى اهلنا" و "دوب لى ناس امى" و "دوب لى عربى" قال شاعر يصف رحيل احبابه
يادوب لى عربا بناها الخيش
وكذلك تاتى كلمة دوبا فى المديح و هو وثيق الصلة بالغناء الشعبى فالفيت الشعراء و المادحين يستخدمون كلمة دوبا بنفس القدر. قال الشاعر ود سعد يصف حاله و تشتت احبابه و ذلك بعد واقعة كررى
دوب لى البرنديـــــن
دوب لى مسيـــــدن
دوب لى المولاهـــى
دوب لى الموساهى
و عند الحاج الماحى العشرات منها
الليلة دوبا الليلة دوبــــا
لى ام قزاز العالى طوبا
و كذلك فى قصيدة تنسب الى هدى بت قدورة الشاعر المادح
دوبينا لى رسولنا اب علامة
شفيعنا يوم القيامة
انتهى
و لتبين اهمية الدوباى يقول المطرب السيد على الخليفة محمد الامين الشهير بسيد خليفة انه عندما حاول السفر الى مصر فى العقد الرابع من القرن الماضى بحثا عن رزق و عمل، لاحظ ان النظام الادارى المتبع فى المعابر الحدودية بين مصر و السودان كان يقضى بان يعرض المسافرون فى ميناء وادى حلفا (الذى غمرته مياه السد العالى) على العمدة كاشف شيخ تلك المنطقة " كان الحاج كاشف يسال المسافر عن عن جنسيته فإذا قال انه سودانى فهو يطلب منه على الاثر ان "يدوبى " –اى يغنى مقطعا من الدوباى- فإن نجح فسوف يخلى سبيله و يسمح له بالسفر و إن فشل فهو قطعا ليس سودانى و لن يسمح له بالسفر
ومن نماذج الدوبيت هذا المربوع لبخيت الكباشي
بعد مود ايد الممسوح عملّوا جفيلْ
سمع النقرة ودا الجنن الهجليلْ
على بلد البرامكة المحبكات بالنيلْ
امسى ايديهو واحدة (تدوبي) وواحدة تكيلْ
وكان الرواد الأوائل لغناء الحقيبة أمثال محمد ود الفكي ومحمد أحمد سرور والأمين برهان هم في السابق من (الدوباتية) المعروفين، أي الذين يؤدون الدوبيت في المناسبات المختلفة، وكان كل منهم يسانده طنبارة يقومون بالكرير الحلقي خلف (المدوبي) بين كل مربع للدوبيت وآخر، وفن الدوبيت كما هو معروف ما يزال موجودا في كثير من بوادي السودان الشمالي
وكان شعراء الدوبيت حاضرين دوماً كما سيأتي ذكرهم ومعظمهم من الذين أسسوا لغناء الحقيبة فيما بعد أمثال صالح عبد السيد أبو صلاح وود الرضي والعبادي
فمن ابو صلاح كان الدوباي
لو كان الغر
ام العندي يا أم تلال
مقسوم النصف قسمة حلال
من نفسي البحر يصبح جبال وتلال
وعتمور أب حمد من دمعك شلال
ومن ود الرضي
جلسن شوف يا حلاتن
فزّر في ناصلاتن
قالوا لي جن هوي هبابن
يا الله الحبايب حبابنومن العبادي
نورها الضاوي خافي فداها
تايهة المايحة روحي فداها
وكان إبراهيم العبادي أصغر شعراء (منتدى الدوبيت) يحمل في أحشائه فكرة جديدة للشعر غير الدوبيت، رغم قبوله في مجلس الكبار (شعراء الدوبيت) جماعة يوسف حسب الله (سلطان العاشقين) ومحمد عثمان بدري وأبوعثمان جقود, احمد محمد صالح المطبعجي.. لكن العبادي كان شاعراً هائما مثل محمد ود الرضي يبحث عن الجمال في سماوات لا يغطيها الدوبيت ولا الكرير الذي يؤديه الطنبارة، ووجدا ضالتهما في المطرب محمد أحمد سرور فأسسا مدرسة فنية جديدة على أنقاض الطنبرة والدوبيت، وهو ما يعرف الآن بأغاني الحقيبة والتي تعتبر الأغنية الوترية الحديثة امتدادا طبيعيا

ورغم أن مصطلح "مغني" وقد عرف به أيضاً مؤدي الدوبيت كما أوضحنا حيث أن الدوبيت له عدة مسميات في السودان منها (الغُنا) و(النم) و (الدوباى) و(الهرولة)، إلا أن كلمة "مغني" بالمعنى المتداول حالياً كانت تطلق حصرياً على المغنيات أو المطربات الحكامات وكانن يؤلفن الأشعار ويؤدينها بمصاحبة الدلوكة
و الدوبيت عند مقارنته برميات الطنابرة نجد انه يتميز بانه اكثر ثراءاً بمضامينه العاطفية و الوطنية و كان الشعراء يكتبون اشعارهم خصيصا لهذا الطراز الغنائى مما اضفى عليه طابع الكمال و البناء الكلاسيكى أما رميات الطنابرة كانت تتميز بقصر نصها الشعرى و بساطة معانيها الى جانب لحن مسترسل و مرونة فى الايقاع و عامية المعانى و تقال بلهجة الشاعر القبلية زائدا التجارب الانسانية (22) يقول احدهم
سامعة الدعاء *** ام روبة مودعة
لبينة رخيصة *** وارثة الجمال ما هو ادعاء
فى القودة متفدعة *** لكن قليبى مصدعـــــا
و يقول آخر
يا جميل اقرب *** اكشف الشلاخ
خانى النطرب *** ادرك المسكين
بى هواك هضرب *** و من جفاك الذ
قرصت عقرب
و كان على رأس شعراء اغنية الدوبيت كل من حاج عثمان جقود و محمد على عثمان بدرى و يوسف حسب الله (سلطان العاشقين) و عبد الرحمن خالد ابو الرؤوس و الحاج الخليفة يوسف الحسن والد حسن ابو العائلة.
من اشعارهم على سبيل المثال المجاراة بين جقود و بدرى و ابو الرؤوس:
يقول جقود:
اول ماتشوف شلاخه تلقى عصاك
تمعن فيها لى غيره النظر يعصاك
تتباله سنونك تضطرب تتصــــــاك
و تترك لهداية والدك الوصـــــــــاك
و يقول بدرى
حسن ياقلب لى نمات جقود خاصاك
فوق ست الحسن أم ورورا رصـــاك
زى ما قال متين قدامه تلقى عصاك
تتناعس جفونه مغريدة و باصــــــاك
و يقول ابو الرؤوس
قال ليك الغرام اثبت و خذ حصــــــاك
هذا شئ يسير من اللحم مصـــــــــاك
لو كان اعتراك و في القلب قصــــــــاك
قل سر تعتريك ما بتفضى تلقى عصاك
و من اشعار الخليفة يوسف الحسن
سرك لو طلع لى اخوك بطلع بـــــــــرا
و احذر من صديق مهما اليك أبــــــــرا
أن حصل الخلاف شتت عيوبك و ضــرا
بوصيك احترس قبال يجيك بمضـــــره
لاتشوف البشاشة وفرة الانيـــــــــــــــاب
تجد في الناس رجال و تجد راجل خــــياب
الرجل رجل يصبر على الانيـــــــــــــــــاب
و عريان العروض ما اظن بستروا ثيـــــــاب
و اى شاعر لايجاز عن طريق الثلاثة جقود و بدرى و سلطان العاشقين لايعتبر شاعرا و لا يعترف به كما سوف نرى لاحقا عندما ذهب بدرى و مركز و سلطان العاشقين لاختبار خليل فرح فى الداخلية. و كان من قبلهم محمد احمد عوض الكريم الملقب بالحاردلو 1830-1917 . و كان من اشهر فنانو هذه الفترة محمد ود الفكى و محمد ود أم صريرة و من الموردة اولاد السيد محمد صالح و احمد السيد و سالم و ابراهيم اولاد اب لصقة. و كذلك خالد ناصر ابو عنجة و عبد الله الماحى و الحاج محمد احمد سرور و عمر البنا و عبد الرحمن حمامتى و محمد رأس البيت

أسبـاب خلـــود أغـانـــى الحقيــــبة
مـن كتـاب رواد حقيـة الفــن

سوف نتحدث في هذا المقال عن أسباب خلود حقيبة الفن سواء من حيث تناول شعراء الحقيبة و الأدباء و المهتمين لهذه الأسباب أو لتناولنا لها نحن بالتحليل من حيث أساسيات الإبداع

* نبدأ بسؤال أنفسنا هل كان لأي من هذا الثلاثي الشعر (الشاعر)، اللحن (الملحن) أو الأداء (المطرب) تأثير على خلود أغنية الحقيبة؟ و أيهما يغلب تأثيره على الآخرين؟ و ما تأثير التداخل بينهما؟ سوف نحاول الإجابة على هذه التساؤلات في الفقرة التالية
الشعر صورة صادقة عن الذات أولاً ثم المحيط الذي تتصل به الذات اتصالاً وثيقاً حتى يعكس كل منهما الآخر وحتى يصعب إيجاد ذلك الفاصل أو ذلك الاتصال
وعليه كان الشعر الجاهلي ولا يزال وثيقة ومرجع تاريخياً يفصل في الكثير من المسائل العالقة و المتعلقة ، ولذلك عندما يقدم الشاعر نصه فانه ينضح بما فيه من غصات وآهات ، فعلى الشاعر أن يكون نفسه أولاً ولا يدعي بما ليس فيه وألا كان مسخاً مشوهاً ولكل مبدع مفرداته التي هي حديقته الخاصة التي منه
ا يقتات ومنها يشرب ومنها أيضاً يعطي ويبدع. و لهذه المفردة أكثر من معنى و قراءة و تأويل
يذهب هذا المذهب عبد القاهر البغدادي (دلائل الإعجاز) حيث يذهب إلى شبيه ما ذهبت إليه بعض النظريات الغربية في النقد من أنه لا معنى أحادي ومحدد في الشعر، وإنما الشعر الجيد الذي لا يستطيع القارئ الإمساك بالمعنى فيه, أو لا يكون أحادي المعنى، بقدر ما يكون معناه ذا وجوه مختلفة، فيستطيع كل قارئ تفسيره تفسيرًا خاصًا به، ومختلفًا عن غيره، ولكنه يظل تفسيرًا صحيحًا في آن، يقول عبد القاهر:"وإنك لتُتعِبُ في الشيء نفسَك، وَتكُدُّ فيه فكرك، وتجهد فيه جَهْدَك, حتى إذا قلت قتلتُه علمًا, وأحكمتُه فهمًا، كُنْت الذي لا يزالُ يتراءَى لك فيه شُبْهة، ويَعرِض فيه من شك... وإِنَّك لتنظرُ في البيت دهرًا طويلاً وتُفَسِّره، ولا ترى أنَّ فيه شيئًا لم تَعْلَمه, ثم يبدو لك فيه أمرٌ خفي لم تكن قد علمته
يذكرك بقول أبو صلاح
فوق الجمال وقلنا وصابنا رمش العيــــــــــــن
شفنا السيوف تتجرد من عيون واسعيـــــــن
صاح وهبه فاقد عقله وكم جريح وطعيــــــــن
الناس جروحهم تسعه وأنا بي جروح تسعين
و مهما أختلف الرأي في شاعرية شاعر، فأن القارئ ليبحث عن شخصية شعرية واضحة المعالم عن طابع خاص، عن ملامح دفقة ممتزجة بحس رهيف، عن قصيدة لا تخسر شيئاً من جمالية الفن الشعري. ويعزف عن النظم التقليدي الباهت بحثاً عن القصيدة الأحفل بالوضوح والبساطة والأغنى بالحركة والتوهج والخصب في الرؤيا والتكوين (44)في المرحلة مابين بداية العشرينيات و منتصف الثلاثينيات و التي ننسبها إلى المدرسة الفنية الأولي (حقيبة الفن) احتلت الأغنية الفنية مكانا بارزا في بنية الثقافة الموسيقية القومية لبساطة شكلها الذي ميزها و شاعرية المضمون و وضوح الميلوديا مما ساعدها على الانتشار السريع بين كافة الأوساط الاجتماعية في المدن السودانية.
يتساءل البعض أين تكمن الصفات التي شكلت الجمالية الجديدة في الفن الغنائي؟ من الواضح أن ذلك يكمن في الأهمية الخاصة للنص الشعري الذي تضمنته الأغنية و في المقاييس المحددة لنوعية الموسيقى و في مستوى أداء المطرب.(22

لقد أصبح النص الشعري على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة لاغاني المدرسة الفنية الأولى (حقيبة الفن) الأمر الذي كان انعكاسا لعلاقة الثقافات المستخدمة باللغة العربية كعامل مهم في البناء الثقافي بما فيه الموسيقى

كان الشاعر يلعب دائما الدور الأهم في ثلاثية : الشاعر – الملحن – المطرب، فقد كان الأكثر ثقافة، مع انه وجد بين شعراء هذه المدرسة بعض الشعراء الموهوبين و لكنهم أميون مثل محمد على عبد الله الأمي و على المساح و غيرهما، و يأتي الملحن في الدرجة الثانية مقارنة مع الشاعر فهو يجسد بالأصوات الموسيقية بناء و معاني و انفعالات مضمون النص الشعري. لقد جمع الموسيقيون الأكثر موهبة من حقيبة الفن بين وظيفة المطرب و وظيفة الملحن مثل كرومه و سرور أو بين وظيفة الشاعر و الملحن مثل عبد الرحمن الريح و أحيانا بين الشاعر و الملحن و المطرب مثل عمر البنا و خليل فرح الذي كان أيضا يعزف على العود بمهارة.(22
و لقد حدث صدام ما بين اصحاب هذه العناصر الثلاثة نتيجة للتنافس و لافتخار كل فرد بما يقدمه مما اثر فى كثير من الاحيان على درجة التعاون بين العناصر الثلاثة. يقول الموسيقار العالمى موتسارت بخصوص التعاون مابين الشاعر من ناحية و الملحن و المغنى من ناحية أخرى "يجب و بالضرورة ان يكون الشعر مطيعا للموسيقى فى الغناء" و لقد كانت هناك مدرستان نقيضتان احدهما تقول بما قال به موتسارت و الاخرى تقول بالعكس تماما. و لقد نشبت حرب ضلروس بين شاعر الحقيبة الفحل ابراهيم العبادى و الموسيقار اسماعيل عبد المعين إذ يقول العبادى " لولا شعرنا لما وجدتم ما تتغنون به" و يرد عليه اسماعيل بقوله " لولا موسيقانا و غنائنا لما سمع بشعركم احدا". و على نفس المنوال حدث تصادم مابين الشاعر اسماعيل حسن و الفنان محمد وردى.(20

يحلل الأستاذ عبد الحليم أبو قصيصة هذه العناصر الثلاثة فيقول"طبيعة العمل الفني الغنائي هي طبيعة إنتاج جماعي، حيث أنه عادة ما يتداخل في إنتاج العمل الفني الغنائي شخصين فأكثر، ورغم أنه في تاريخ الإنتاج الغنائي السوداني تجارب إنتاج كامل بواسطة شخص واحد، إلا أن ذلك لم يكن القاعدة بل الاستثناء، فضلا عن أن ذلك لم يعد ممكنا في الوقت الراهن بطبيعة الاتجاه نحو التخصص، وأيضا مع تطور وتعدد عناصر العمل الفني والتي كانت تقتصر سابقا علي الكلمة واللحن والأداء الصوتي. طبيعة تعدد عناصر العمل الفني الغنائي، وبالتالي تعدد المبدعين المشاركين في إنتاج العمل، تحرم العمل الغنائي من أن يخلق داخل مخيلة واحدة -مثل اللوحة أو القصيدة- وبالتالي فأنه ليس بمقدور أحد من المشاركين في إنتاج العمل الفني الغنائي تصور العمل بكامله من العدم داخل مخيلته منفردا. هذه الطبيعة تجعل تفاعل وتناسق وتكامل عناصر العمل الفني الغنائي مهمة صعبة بتعدد المشاركة فيه واختلاف طبيعتها ودرجت
ها ولكن هذا في النهاية ما يكسب العمل الفني الغنائي طعمه كعمل متكامل (أغنية) وليس كقالب يحتل فيه كل عنصر مكانا مستقلا داخل هذا القالب المشترك. لذلك في اعتقادي أن جودة عناصر العمل الغنائي منفردة لا تنتج بالضرورة عملا غنائيا جيدا، فالعمل الغنائي الجيد توليفة منسجمة ومتكاملة من جميع العناصر حتى ولو لم تكن أيا من العناصر بدرجة متفوقة من الجودة في الحالة المنفردة
أثر أغنية الحقيبة على الغناء الحديث
الأغنية الحديثة اعتمدت في بناءها الشعري والموسيقى على حقيبة الفن و ما تأثرت به من الحان التم تم و إيقاعات النقرزان و اعتمادها في الأساس على الأصول السودانية المتجذرة في النفوس مما كان له أعمق الأثر في نجاحها و تقبل الشعب السوداني لها
يقول المطرب عثمان حسين (43): " أغنية الحقيبة أغنية حكم عليها الجمهور بالنجاح لأنها لا تزال تردد و تغني و الإقبال عليها كثير لأنها المرجع و الأصل و الهوية للأغنية السودانية
فعندما بدأت الأغنية الحديثة كانت مبنية تماما علي أسس و قواعد أغنية الحقيبة شكلا و مضمونا مع التخلي عن النظام الذي كان سائدا و هو نظام الكورس. و كان الناتج أن خرجنا بأغنية متعددة المقاطع و اللونية و بالتالي استطعنا الحفاظ علي أغنية الحقيبة مع تطويرها فكان أن طرحت علي الساحة أعمال جديدة الألوان قريبة المضامين من أغنية الحقيبة
و من هنا أقول إن نقل الأغنية من الحقيبة إلي الحديث عمل علي تطوير الأغنية مع الاحتفاظ بجانب مضمونها. و يظهر ذلك جليا في جيلنا المتمثل في أحمد المصطفي ، الكاشف ، أبو داود، الشفيع، حسن عطية و عائشة الفلاتية
و يقول إبراهيم احمد عبد الكريم في مقاله "تراثنا غير قابل للتحنيط" (جريدة سنابل- العدد 4- 10/6/96) :" لم يفرض أحد أغاني الحقيبة علي جهابذة الغناء الحديث و لكن جميع الذين أحدثوا النقلة إلي الغناء الحديث أمثال إبراهيم الكاشف و حسن عطية و احمد المصطفي و عثمان حسين و عثمان الشفيع و عبد العزيز محمد داود، تغنوا بأغاني الحقيبة و كبار الفنانين الذين جاءوا بعدهم أمثال عبد الكريم الكابلي و محمد وردي و محمد الأمين لم ينصرفوا عن أغاني الحقيبة. و حتى فرق الشباب المنتشرة في الأحياء تعتمد إلي حدود متفاوتة علي أغاني الحقيبة لا لشيء إلا لأنها تجد القبول عند المستمع السوداني و يستقبلها بارتياح تام". (43)
و يؤيد ذلك الدكتور الفاتح الطاهر بقوله إن أغاني الحقيبة جعلت من المواطن السوداني يشعر باتصاله مع تاريخ وطنه و مجتمعه و أن يشعر بالاعتزاز بثراء الإرث الثقافي للشعب السوداني. (22)
أما الاستاذ عبد الحليم أبو قصيصة (43) فيرجع أسباب الخلود إلى جودة و تكامل العمل الفني فيقول: "أنا لم أعاصر خليل فرح، لم أعاصر الكاشف، وليس لدي فكرة كافية عن تفاصيل حياتهم، أو حتى ملامح شخصياتهم، ولكنهم بداخلي في موقع القلب بسبب فنهم الذي تركوه لنا والذي ما فتئ يدهشنا، ومازال في الواجهة ليس فقط لأننا أمة مجترة فنيا، ولكن لأنه يمتلك مقومات البقاء، ولا أشك في أنهم سيعيشون في وجدان الجيل القادم والأجيال التي تليه لذات السبب؛ فنهم، إنه جودة وتكامل الأعمال التي قدموها، ووضوح وسطوع مشاريعهم الفنية ومقدرتها على الخلود، وهنا تبدو المفارقة، فالكثيرين ممن عاصرتهم (لا داعي لذكرهم)، ومنهم من لم يكن سيئا على المستوى الإنساني ولم يكن عابثا على المستوى الفني، لم ينجحوا – رغم ميزة المعاصرة - في خلق أي وجود بداخلي فنيا، ولن ينجحوا في ذلك، حتى الأحياء منهم، لأن مشروعهم الفني افتقر ويفتقر إلى الرؤية أو التجويد أو كلاهما
***********************************
خلود أغنية الحقيبة اعتمد علي عدة عوامل أسهمت بقوة في تثبيت أقدامه و غرس أشعاره و ألحانه عميقا في وجدان الأمة السودانية، هذه العوامل
1- البلاغة و البناء الشعري
2- العامل الديني
2- العامل البيئي
3- العامل الثقافي و الاجتماعي
4- عامل الاحتكاك
البلاغة و البناء الشعري
تركيب أغنية الحقيبة (45
ذكر الدكتور صلاح الدين المليك في كتابه ( فصول في الأدب والنقد ) أن بعض ما تمتاز به الأغنية السودانية القديمة من حيث الشكل هو إختلاف المطالع فبعضها يبدا بمناجاة الحبيب وبعضها بالشكوى من الهجر وتباريح الهوى والشوق وبعض منها يأخذ في تعداد محاسن الحبيب مباشرة ..مما ذكره الدكتور المليك يتضح أن شعراء تلك الأغنية لم يكن لهم نهج واحد مثلما كان عرب الجاهلية يفعلون بذكرهم الاطلال. وأوضح الدكتور مليك في كتابة المذكور: يختتم الشاعر أغنيته بالتحية والسلام يرسلها محسوبين حسابا مقوما باعداد لا يمكن حصرها بل يستحيل ويرسل معهما شوقه المتزايد وتعلقه الثابت الذي لا يحول ولا يتحول , المتجدد الذي لا يبلى وربما يصحب كل ذلك أحيانا دعاء الحبيب واعلانه عن التمسك به رغم الصد والجفاء وقد يتبعه جهر بقبول العذاب واستحلاء ألام الهجر واستعذاب حرقة النوى ولواعج الهوى من أجل حبه وتقديرا لجماله الفذ... وفي بعض الخواتم يعلن الشاعر عن قبوله الموت والرضا بالفناء شهيد حبه وهواه.وواص
ل الدكتور المليك في كتابه ذاك قائلا : فالأغنية القديمة حينئذ تناولت أو تركبت من أجزاء ثلاثة
(1) وصف الجمال الحسي والمعنوي
(2) وصف الوجد وحرقة الجوى وألام النوى ونيرانه وبعبارة أخرى الهيام
(3) تمجيد عفة المرأة واحتشامها وغيرة أهلها عليها وحفاظهم على سيرتها وسلوكها

ونأخذ مثالا لكل واحد من الأجزاء الثلاثة أو مثالين
الجزء الاول
يقول خليل فرح بدري
أمتى أراك يا الفريـــــــع الــــــــــــــوارف ضـــــــــراك
هل يصح يا غصين الأراك يا خزامنا الفايح شــــذاك
هل يصح يا الجل البراك أن امـــــوت وأن لا أراك
ويقول عتيق في قصيدته : ( ياروحي العزيزة
لحن وأداء عبد الحميد يوسف
قسما بي عيونك ما أستهواني دونـــــــــك
يا روحي العزيزة
كيــــــــــــــــــــــــــــــف يعجبني دونــــــــــك
وانا من بدري شاعر قلبي رهين سجونــــك
من آيات محاسنك استلهم فنـــــــــــــــونك
ومن يـــــــوم مـــــــــــــــــــا رأيتـــــــــــــــــك
أغويتــــــــــــــــــــــــــني وهويتــــــــــــــــــــك
في البرهة الوجيـــــــــــــزة يا روحي العزيزة
الجزء الثانى
يقول الشاعر محمد على عثمان بدرى
مرضان باكي فاقد......فيكى علاج طبيبي
قالوا ترك سكونك .....يادار وين حبيبي

ويقول عتيق أيضا في قصيدة ( جسمي المنحول
كتبها بكسلاعام 1930 ويغنيها اولاد شمبات

جسمي المنحول براه جفاك يا مليــــــــح الزي
كيف حبى يحول و فؤادى معاك يا زينة الحي
حلمك يا جميــــــــــــــــــل أنا داني رحـــــــول
تركني هواك بين ميـــــــــــــــــــــت وحـــــــي
الجزء الثالث

ويقول عتيق رحمه الله في قصيدته : ( من بعيد لي بعيد
غناء عوض الجاك
من بعيد لي بعيد وري العــــــين جمالك
لو لحظـــــــــــــــــــــــات قليلـة
من بعيد لبعيد لو سمحت ظروفـــــك
اسمــــــــــــــــــــــح لي أشوفــــــــــــــك
ومايكـــــــــــــــــــــــــــــون مني خوفك
أنا عاشق الفضيلة والمثل النبيلة
الحســـــــــــــــــن الاكيــــــــــــــــد
والحب المنزه عن اغراض وكيــــد
الروح والجمــــــال
والسحر الحــــلال
مع حسن الخلال
هم اعظم نفيلة - بل اكرم خصيلة في السودان اصيلة
بس بالله فيد - من حرماني ظلما ماذا تستفيد؟
يا اروع... مثال في الحيا والخصال
وعلى كل حال حرمانك وصـــــــــــال
روحك روح جميلة وللأخلاق زميله
ويقول ود الرضي
محمي حيك ضاريات أسودك
كم غضنفر فاتكابو سودك
أنت هيبة ومين اليسودك
رغم أنف العازل حسودك
المها بتهواك يا خشيــــــف
اتصفت أغنية الحقيبة بالبلاغة حيث التزمت "لزوم ما لا يلزم" (القافية ذات الثلاثة أحرف) رغم صعوبته. و الدليل علي هذه الصعوبة هو ما تم اختلاقه حاليا من ما يطلق عليه "شعر نثري" بواسطة "الشعراء النثريين" الذين امتلاء بهم المكان و ذلك لعدم المقدرة على خلق القصيدة المقفاة التي تلتزم لزوم ما لا يلزم. و هذا الشعر النثري يفتقد لأدني مقومات الشعر و أرفض أن أطلق عليه شعرا
يقول عبد الرحمن الريح في تفسيره لسر خلود أغاني الحقيبة " منذ عام 1910 و حتى نهاية 1940 كان من لا يعمل بالقانون الشعري لابو العلاء المعري "لزوم ما لا يلزم" لا يعد شاعرا مهما نظم و بالغ في النظم لان متانة القافية في رأيهم -خصوصا في الشعر الغنائي- تجعله قويا ذا جرس موسيقي يساعد علي إبراز الكلمات بواسطة اللحن و الأداء كما أنها تتيح للملحن الإتيان بلحن جياش يناسب قيمة الكلمة الشعرية الجيدة و هذا هو الطرف الخفي في أسباب بقاء أغنية الحقيبة و خلودها" (1)
و التزم شعراء الحقيبة بالقافية "لزوم ما لا يلزم" ذات الثلاثة أحرف و ذهب بعضهم إلى ابعد من ذلك بالتزامهم القافية ذات الأربعة حروف مما يبين علو كعبهم و تمكنهم من اللغة. و كان الشعراء ينظمون قصائدهم و يحاولون جعلها أكثر صعوبة و ذلك بالتزام قافية ذات ثلاثة أحرف أو أكثر حتى يصعّب من مجاراتها أو لاختبار قدرات الشعراء الآخرين في المجاراة على نفس القافية
و لقد ذكر الأستاذ عمر البنا في مقدمة ديوانه "الجوهر الناضر في الماضي و الحاضر" إن بداياته كانت في مجاراة الشعراء وكانت كل الأشعار مربوطة باللزوميات ولقد سبقهم في هذا المجال الشاعر يوسف حسب الله سلطان العاشقين والشاعر الفحل عثمان دوبيت وكان يجاريهم هو و أبو صلاح .. "وكان الشعراء يلجئون للزوم ما لا يلزم الذي تنتهي القافية فيه بأربعة أحرف أو ثلاثة أحرف على الأقل، "وكان مبتدئ المجاراة يختار القافية الضيقة بغرض تعجيز الآخرين في المجاراة" (1). وكانت تتم هذه الأبيات في منزل احد الأدباء والذي يقوم بدور الحكم ومن الأمثلة التي ذكرها عمر البنا إن الأستاذ محمد على عثمان بدري قال يصف محبوبته بالتدلل وإذا قابلها لا ترد عليه (24
ماحت بالصدود قلبي وحشاي ذوابه
زى صيدة الخلا المن الرصد هوابه
وسط القامه مقسومة وضميرها هوابه
تتبختر ابت ماترد على جوابــــــــه
ولقد رد عليه ابوصلاح مجاريا هذا البيت بالقافية والمعنى حيث قال
نيران الصدود لازلت اتكوابـــــــــه
و
أنوار الخدود ليل هجري ما ضوابه
يلعب قلبي زى هبابه تتهوابــــــــــه
مقنية الضرى البى الحله ما لوابـــــه

وكانت مجاراة الشاعر عمر البنا

حليفة العفه الدايماً ملازمه صوابـــــــــه
مستورة القناع الخايفه من تـــوابـــــــه
أصلها من نشت ما اجتازت البوابـــــه
محال تنظر خدودها وتسمع استجوابه
كما جارى الشاعر العملاق ابو صلاح التي يقول فيها (2
وافر جيده ضاوى خديده حاجبــــه مقّرن
طرفه كحيل ثناياه الـــبروق لو فــــــرّن
ضامر و ردفه عالى صديره قطن التــرّن
كالهضليم غزير ديسه الضفاير جرن
فقال عمر البنا
على قتل النفوس سيف لحظه حاد و ممـــــرّن
اما لهيجه احلى من سكر مصفى مـــــــــــدرّن
لو لاقاك باسم أو غاضب حواجبه انصـــــــرن
في كلا الحالتين تشوف منظر ملامحه يســــرّن
من القصائد الصعبة الملتزمة قافية الأربعة حروف مثل قصيدة احمد حسين العمرابى "اندب حظي أم امالى
اندب حظي أم امالى.....دهري قصدني ماله ومالي
شوف الخيره يارمالى....أظن كاتبني عن عمالـــــــــي
عارض يعترض اعمالى.....أبنى وأملى ما تمالـــــــــــي
لا تقول ضعت من اهمالى ..أنا عامل الحزم رأس مالي
بس ايامى ما با سمالى......همومي الزايدة متقاسمالى
بين الناس حميدة افعالى....أصلى من الجناب العالي
حبك وحبي مانافعالى........يوم ينعوني لا تنـــعالى
قلبي المن الوساوس خالي.......اليوم انشغل ياخالى
لو كان في اللحد ادخالى....أحلى من العذاب ياخالى
دوام آيات محاسنك تالي......زيد في هجري لا ترتالى
مقسم عن هواك ما تالي..... طرفك بالهلاك أفتى لي
حبك كاتمه زاد انحالى......من فرطه الدموع فاضحالى
الشاقنى ومغير حالي..........حسنك واللهيج الحالي

هاك شكواي لو تصغالى..........العدو حن لي رقالى
سهران والدموع راشقالى.......وحياة حبي ليك يا غالى
شعراء الحقيبة في سعيهم الدءوب لاختراع المعاني البليغة و الألفاظ الجزلة لم يتوانوا عن تثقيف أنفسهم بدرسة القرآن الكريم أو مجالسة الذين درسوه كما أطلعوا على التراث الأدبي العربي والأوربي و قاموا بقراءة أمهات الكتب و أصول اللغة و البلاغة و الثقافة العامة مما جعل الفاظ وتعابير اغنية الحقيبة جيدة السبك و عالية اللغة رغم أنها مأخوذة من القاموس الشعبي لهذه الأمة وكمثال لأغنية حقيبة، قصيدة خليل فرح (45)
شوف عناقيد ديسا تقول عنب في كروم
شوف وريدا الماثل زي زجاجـــــــة روم
القوام اللادن والحشــــــا المبـــــــــــــــروم
والصدير الطامع زي خليج الـــــــــــــروم
عرف خليج الروم وشبه به ... وقد ذكر المرحوم علي المك في كتابه ديوان خليل فرح كلمة ( روم ) وقام بشرحها حيث ذكر روم هنا هي Rum ضرب من الخمرة ووضح بذلك أن الخليل كان على علم بلغة أجنبية غير العربية وهي الانجليزية واستفاد منها وأستخدم ألفاظها في قصائده مما يدل على إطلاعه الواسع وتمكنه من ناصية اللغة العربية

كما كان الشاعر سيد عبد العزيز يغشى مجالس العلم و اللغة العربية فى حلقات المعهد العلمى و كان كثير الاطلاع حاد الذكاء فجاء شعره لوحة بارعة من الاتقان اللفظى و المعنوى. و تتجلى ثقافته و أطلاعه على التراث و التاريخ فى هذه الامثلة
ما بهم كلام ناس زيد .. قلبى الهلالى ابو زيد
و كذلك
سيدة وجمالها فريد ... خلقوها زى ماتريد
و ماتريد هذه ملكة جمال اليونان(البعض يقول بانها ملكة جمال اثيوبيا) في ذلك الزمان و هو لايعنى المعنى القريب الذي يتبادر إلى الذهن أنها خلقت كما تريد و لكن انها خلقت كملكة جمال اليونان. و يفسر البعض عجز البيت هذا بمعناه القريب

و لا نعرف كيف عرف أن مياه مضيق البسفور تتدفق على الشاطئ أن زادت السفن في سرعتها
فريد حسنك و دلك موفور *** و انا دمعى يجر مجرى البسفور
و كذلك
لحاظها تخيف قائد المليون *** و ترهب عنتر و نابليون

معظم شعراء الحقيبة بدؤوا أشعارهم – ما عدا قليل منهم- بالمجاراة و هو ما أطلق عليه ابن رشيق "التوليد" سواء بالمعنى فقط أو بالمعنى و القافية ثم تطوروا إلى اختراع المعاني الجديدة غير المسبوقة و الألفاظ البديعة
كان أبو صلاح على رأس المدرسة التشكيلية في الشعر الغنائي السوداني فتجريده للأشياء هو إضافة للحقائق وكل حسناء وصفها دلت بحسنها عن نفسها . ولا يفتن أبو صلاح بتكرار الألفاظ فمعجمه واسع وكأنه ينسي اللغة فهو أقرب إلي شكسبير الذي لا يكرر ألفاظه لذا يقولون عن شكسبير أنه أشخاصا كثيرين لأنه لا يكرر رواياته ولكل رواية لغتها الخاصة وهكذا كانت أغنيات وقصائد أبو صلاح. (35)
يقول ابن رشيق القيرواني في كتابه "العمدة في محاسن الشعر وآدابه": "التّوليد هو أن يستخرج الشّاعر معنى من معنى شاعر تقدّمه؛ أو يزيد فيه زيادة, ... والاختراع خلق المعاني التي لم يُسبق إليها... والإبداع إتيان الشاعر باللفظ المستظرف الذي لم تجر العادة بمثله... فصار الاختراع للمعنى والإبداع للّفظ، فإذا تم للشاعر أن يأتي بمعنى مخترعٍ في لفظ بديعٍ، فقد استولى على الأمد
و يقول الأستاذ الحسين الحسن: " أغنية الحقيبة تعبير عن قيمنا و أصالت
الثلاثينات بالفترة الذهبية "للحقيبة" (بينما يقول يقول مبارك المغربى أن الفترة الذهبية "للغناء السودانى" هي من نهاية الثلاثينيات إلى نهاية الخمسينات) فيقول " وصلت القصيدة الغنائية إلى قمة اوصافها الروحية غير الحسية، في مقابل الوصف الحسى الذي استمر حتى نحو العام 1928 و قبل هذه الفترة كانت الفتاة تتم مخاطبتها بصفة مباشرة بينما في العصر الذهبى تحول الخطاب إلى صيغة التذكير" (1)

يقول عاصم البنا: قال ود الرضى
زاحم كتفو كفلو ماج ديسو الوفر
عمعم ديسو درعو وفى بعضه انضفر
حاكى الغيم تنقل ياغالى النفر
وقول للوزه غورى وفى عينيك ضفر

الحسية فى الحقيبة كانت مهرجان تباهى وفرح بالمحبوب ولكن فى كل قصيدة بها وصف حسى فى كلمة واحده تجدها مرتبطة بكلمة العفة او العفاف (تمتاز بالعفة المانعانى اجيلك) وهذه امضاء وتوقيع من الشاعر وتبرئة لساحة المستمع من التفكير والتامل الزائد فى الوصف الدقيق الذى تقدم للمحبوبة. الدموع فى غناء الحقيبة لم تكن حقيقية فى نظرى الا فى بعض الاغانى فقط مثل دمعة الشوق (صدرى مزمارى والدموع شربى... انطرب كل ما زكرو يخطر بى) تخيل ان هذا الرجل مصاب بداء الصدر يشرب دموعه ويطرب كلما تذكرها كانما يستمع الى اغنية، ولاحظ هنا ان التذكر للمذكر اى أن المذكر هو المخاطب تعففا وحبا فيها . والامثلة غير الحسية كثيرة ...والغريب ان نفس هذه الاغانى كان يستمع اليها الشيخ قريب الله بودنوباوى والشيخ عوض عمر.. والكثير من مشايخ السودان الحبيب .. وزى ما قال الفريق ابراهيم لاحد مشرفى التلفزيون أثناء التصوير بعدما أمر بوقف التصوير بحجة ضبطه لوصف حسي في أغنية (خليو ياخى موقفو ليه يوقف قلبك انت امك مارقصت) تخيل المسكين كان يعتقد كل الوصف (سفيه)
واليوم نخالط البنات صباحا ومساءا وعند اللزوم لم نستطع ان نكتب سطرا واحدا من مابعد الحقيبة، فهذا موروث تاريخى منقطع النظير."انتهى حديث عاصم البنا

يقول د. احمد القرشى "...وفى عهد الطيب مصطفى عندما كان مديرا للتلفزيون منعت عشرات الاغانى من البث بل طلب من بعض الفنانين أن يحذفوا أبياتا من الاغانى وكلكم يذكر كيف إن حسين خوجلى اجبر سيد خليفة أن يغير كلمات أغنية ليل وكأس وشفاه وعلى إبراهيم اللحو طلبت منه إدارة التلفزيون أن يغنى قم نرتشف خمر الهوى دون هذا المقطع والكثير المثير

و يعقد الجقر(15) مقارنة فيما بين غناء الحقيبة المتهم و الغناء الحديث المتداول فى كل اجهزة الاعلام من غير حرج او مرج او اتهام فيقول "رائعة ابو زرعة (ليالى الغرام
على النجيلة الخضراء ...كنت اجلس ليهو
....كنت الثم ثغرو.....و ايدى فى خديــــهو
ثم افضل اراقب ....و اشوف سحر عينيهو
و القى عينى إنبهرت ....من بروز نهديهو
ثم الثم جيــــدو ....و انسجم فى يـــــــــدو
و اروى منو غليلى .... يا ليـــــالى الغرام

ثم
كم نظمت الدر فى جمال سيقانــــــا
وهى تنظر لى بعيون خـــــــــــــجلانا
فى الخدود حمرة .. وفى الشفاه خمرة
ياليالى الغرام
و رائعة عبد المنعم عبد الحى الذى تغنى بها ابو داؤود (صبابة
و الجدول الهيمان حولنا عربدا
كانت ذراعاك لراسى مرقــــدا
ثم غير فى البيت الاخيرليقول
كانت ذراعاى لراسك مــــــرقدا
عجبا اتنساها و تنسى المشهدا
و مثلها كثير (اللقاء الاول) و (القبلة السكرى) و غيرهما...فلماذا التهجم على اغنية الحقيبة و مثلها نسمع به فى كل يوم فى اجهزة الاعلام

يرى الترزى (13) ان اشعار الحقيبة الممعنة فى الحسية مثل قول العبادى
الديسه مال و انتنى *** كمل جماعة مثـــــــلنا
الثوب شبك فى التنة *** يا ناس انحنا انكتلنا

و يقول ايضا
تسعة الحزاز *** و الرقبة قزاز
حق الابزاز *** بالمرة لـــــــذاذ

و قول ود الرضى
شفت الحسن الحافل رافــل
فى ثياب العز و العز كافـل
رائع واحل تائه غافــــــــل
هادل لادن ضامر كافـــــــل

و قول عتيق
من ردفو كسول *** بى عيونو و جيدو يسبـــى ظبــــــــــى
بالشوق يا نسيم ابقالى رسول*** لو يعطف ثانية يزيل البى

و قول ابو صلاح
الكتوف نازلات بانـــــهدال
و الشعر كاليل فى انسـدال
محيو ناير فى الظلمـة دال
فى خده تنظر صورتك بدال

هذا لا يعنى ان الشاعر ينظر الى البنت نظرة فجور او انحلال بل كان القصد هو اخذ صورة فوتغرافية بالكلمات لان الشاعر قد لايرى الفتاة ثانية و تكون القصيدة بالنسبة له بمثابة الصورة التذكارية
و يقول طارق شريف (18) بعد ان نصب اعداء الحقيبة لها محكمة من غير محامى و اصدروا قرار بان اغنية الحقيبة اغنية لاثارة غرائز الرجال و إهانة كرامة المرأة و قالوا انها تصور المراة لوحة جامدة ممعنة فى الحسية و خالية من تفاصيل الثقافة و الرؤى الفضاضة قالوا انهم يريدون ان تصور المرأة الموقف اصدروا قرارهم بعد طرد هيئة الدفاع و بعد ان مات اسيادها....ولكن اغانى الحقيبة تحمل الدليل الواضح كالشمس لبراءتها فهى قدمت فى جانب الغزل ثلاثة الوان
اولا: اتانا الاطار الحسى و هو يتجسد فى قول الشاعر ابو صلاح
بين نعساته يضوى الصارم الباتر
اللحاظ فاتر لامعة بروقه ت
نا و موروثاتنا و جمالياتنا. فهي الأساس لكل ألوان الغناء السوداني و هو كشعر لا يقل عن قصائد المعلقات من ناحية الوزن و القافية. و أغنية الحقيبة توافرت فيها عناصر الإبداع، فهي متجددة عميقة الأثر نفاذة الصدى." (43
إن العامل المؤثر في لغة أي شاعر هي روح الكلمة، والقدرة اللغوية تظهر عند الشاعر المبدع ركيزة ثقافية ذات قدرة بنائية خلاقة في اختيار الألفاظ المناسبة والحرص على تفجير روح الكلمة فتحس وأنت تقرأ قصائده أنه أمتلك ناصية اللغة التي تحمل التعابير غير المستنزفة والمفردات المتصلة بصميم تجربته الحياتية والشعرية كما تمتلك رهافتها بحيث تشعر أن الأداء اللغوي للقصيدة يثير فيك استجابات فنية وعاطفية بفعل اللغة الطيعة وتعاملها الرهيف مع الكلمات وان الذي يحدد قيمة الألفاظ في تقدير الناقدة – إليزابيث درو- ليست بساطتها أو جلالها وإنما الطاقة أو العاطفة أو الحركة التي يسبغها الشاعر عليها (44). مثال لذلك قصيدة "خمرة هواك" للعبادى
خمرة هواك يا مي صافية وجلية.....هي اللاعبة بالألباب لا البابلية
دقة الوصف وجمال التعبير و تجسيد الرؤية هذه سبكها أبو صلاح في قصيدته "لحظك الجراح". و لقد عبر فيها بصدق و أحاسيس دافقة عن ما يراه و يجسد معاني تجربته و رؤيته الوجدانية بألفاظ غاية في الدقة و البلاغة و عند قراءة قصيدته تكاد تقسم انك كنت معه حينما خاض تجربته تلك و تحس إحساس حقيقي بالنظرة الجانبية السريعة اللماحة من هذه الجميلة و ما تحدثه من جرح.
لحظ الـجراح أذاي فـيــه *** وفــيه الـطــــــرب والــــــــراح
مــنـــــــــــــايـا زهــرة الأفـراح *** للـــقــلــوب ســــــــــــــرّاح
مبتعد شي عجيب مسجـون وعنده سراح *** بيّ ضاق الكون لا أجد له براح
مـني فـارق وشال نوم عــيوني وراح *** عـمـري أضحي مـبــــــاح
في الغـرام لا اقـصد غير لـقاك إرباح *** سـرّي لـيــك يـُـبــــــــــاح
وفي الظـلام تتـبسم وليـلي يبقي صباح *** لـيــك مــغـرم صـــــــاح
يا خـلاصة حـسن العـجم والفــصّـاح *** بــي جـنــون يـا صـــــاح
مـن بـعادك هـل بي قربـك القي نصاح *** جــيــش غــرامـك زاح
هـدّ حـصـن المـهجة ولي دماي نزّاح *** عـقـلــي كــاد يـنــــــــزاح
وقولـّي هــجرك جـد يا جافي ولاّ مزاح *** لـيــك مــحـيّ وضّــــاح
وليك جـبين بي نـور ماء الجمال نضّاح *** والـــدمــع فــضّـــــــــــاح
بي سـر غرامي البي تعلمبو دون ايضاح *** تــعـبـت الاصــفـــــــاح
وطرفي جافي النوم من طيب عبيره الفاح *** بـيــن جــفـونه صفاح
وفي بسيمو عقـــــــد الـــــــــــــــــــــدر *** في صـدره جوز تفـــــاح
و كذلك قصيدة "أنا في التمني" الذي عند قراءتها ترى أمامك ما وصفه الشاعر و تحس انك حاضر في جلال المناسبة و لا تستطيع أن تمنع نفسك من الإحساس بوجود كل الوقائع من حولك و أن تتلمسها وتحسها بل تستطيع أن تتنسم عبق المكان
أسود شعره حالك أما صفاره فاقـــــــــــع *** تتلاصف خدوده لا حجـــــــــاب لا براقـــــع
يفر خيط بسمه يشبه برقا ليله هاجــــــــع *** اقيس الفم بودعة و القى الودع واســـــع
أقيس الليل بشعره و ألقى الفرق شاسع *** أشوف لعسه ونواعسه جل الباري صانــع
يرفع ناعساته و يسبل نظــــره واقــع *** أشوف في خده شخصي وفي صدره المصارع
داير أشوفه غافل داير أشوفه جـــازع *** محنن بدون قنلّة وحـــــــــــد و توبــه واقــــع
يتغطى بسواعد و يحنو كأنه واجــــــــع *** يلتجئ بي مرافقه..وأطـــــــراف المضاجــــع
كما يرتفع الشعر في قصائد الشاعر الحقيقي إلى درجة توضح قدرته الأصلية على الخلق الشعري والرؤية المركزة وقدرته على توليد الصور ببصيرة حساسة تستخدم رموزها وبدلالة قيمة في بلاغة القصيدة ذات التعبيرية العالية (44) .فان قدرة ود الرضي و كثير من شعراء الحقيبة على خلق الصور و تجسيدها في قالب بسيط و سهل إلى درجة خلق تجسيد حسي في نفس القارئ تجعل منهم شعراء حقيقيون متميزون
و القصيدة السابقة جاءت مليئة بالمعاني العميقة و الألفاظ الجزلة وكما جاءت موزونة و مقفاة. و نجد أن هذه العناصرالأربعة التي أتى بها ود الرضي توصف عند علماء الشعر باساسيات الشعر
فيُعرِّف ابن رشيق القيرواني الشعر في الإطار ذاته الذي وضعه ابن قتيبة من قبل، قائلاً: "الشعر يقوم من بعد النية من أربعة أشياء، وهي: اللفظ, والمعنى, والوزن، والقافية
يقول ابن طباطبا العلوي في كتابه "عيار الشعر" متحدثا عن أهمية المعنى في الشعر "فمن الأشعِار أشعارٌ محكمةٌ متقنةٌ, أنيقَةُ الألفاظِ، حكيمةُ المعاني، عجيبةٌ التأليف، إذا نُقِضَتْ وجُعِلت نثرًا لم تُبْطلْ جودةُ مَعَانيها، ولم تفقد جزالة ألفاظها. ومنها أشعارٌ مموهةٌ مزخرفةٌ عذبةُ، تروقُ الأسماعَ والأفهامَ إذا مرت صَفْحًا, فإذا حُصِّلتْ وانتُقِدتْ بُهرِجَتْ معانيها، وزُيِّفَتْ ألفاظُها، ومُجَّتْ حلاوَتُها، ولم يَصْلُحْ نَقْضُها لبناءٍ يُسْتَأَنَفُ منه ..." و يسلك د.عبد الله الطيب مسلك ابن طباطبا في نقد الشعر
و ق
ولاي ماني فاجر). فضيلة الإنصاف و عدم الكذب و الغش (و لا بالعالم بتاجر) و فضيلة نهي النفس عن الهوى كما قال مولاه في محكم تنزيله " وما أبري نفسي إن النفس لأمارة بالسوء " و هو لا يتلون و يظهر بوجهين (لم أكن كل يوم لي لون) و فضيلة الثبات عند اللقاء و المجابهة (حتى في داخل معصرة) و فضيلة حسن الظن بالله (الإله غير شك لي ناصر
و يستمر في سرد المكارم و حسن الخلق فيقول بالأمر بالمعروف و النهي عن شهادة الزور و ينصح الآخرين بان كل نعيم لا محالة زائل. ثم يوالي بفضيلة الثبات علي الحق و انه لا يخشي في قول الحق لومة لائم و وينتهي بفضيلة حمده تعالي علي الموجود و انه لا يجحد الناس حقها ولا يضمر السوء لأحد
انظر إلي البلاغة و حسن التصوير و إلى كيفية جمع كل هذه الفضائل بصورة مبسطة وفي بضعة اسطر. هذه الحكم و الفضائل جاءت من أصوله العائلية و القروية و أخلاق البادية و الخلوة و تغلغلت في نفسه و سمت بها روحه فهو يتفاخر بها و يسمعها للعالم اجمع. ما الذي يمنع قصيدة كهذه أن تخلد إلي الأبد ... و ما يثنيها أن تتقبلها عقولنا و أرواحنا في آن واحد.. وتزهو بها أبداننا .. وتشدو بها ألسنتنا إلي أن تفني الفانية أم بناية قش؟
عامل الاحتكاك
اقصد بالاحتكاك عامل المكان (السكن و المجاورة و المنافسة) , أو المناسبة (حفلات الأفراح و الزيارات الفنية) أو الظروف (التي جمعتهم)
* عامل الاحتكاك له تأثير قوى و مهم على الإبداع عموما و ينتج من عامل الاحتكاك أو "التجمع" ما يطلق عليه "المحاورة" “Brainstorming” و يعرف بأنه هو وسيلة للإنتاج الجماعي is a group creativity" technique
اسمحوا لي بإعادة ما أوردته سابقا في بداية المقال لارتباطه بهذه الجزئية: يحلل الأستاذ عبد الحليم أبو قصيصة هذه العناصر الثلاثة (الشاعر و الملحن و المطرب) فيقول"طبيعة العمل الفني الغنائي هي طبيعة إنتاج جماعي، حيث أنه عادة ما يتداخل في إنتاج العمل الفني الغنائي شخصين فأكثر، ورغم أنه في تاريخ الإنتاج الغنائي السوداني تجارب إنتاج كامل بواسطة شخص واحد، إلا أن ذلك لم يكن القاعدة بل الاستثناء، فضلا عن أن ذلك لم يعد ممكنا في الوقت الراهن بطبيعة الاتجاه نحو التخصص، وأيضا مع تطور وتعدد عناصر العمل الفني والتي كانت تقتصر سابقا علي الكلمة واللحن والأداء الصوتي. طبيعة تعدد عناصر العمل الفني الغنائي، وبالتالي تعدد المبدعين المشاركين في إنتاج العمل، تحرم العمل الغنائي من أن يخلق داخل مخيلة واحدة -مثل اللوحة أو القصيدة- وبالتالي فأنه ليس بمقدور أحد من المشاركين في إنتاج العمل الفني الغنائي تصور العمل بكامله من العدم داخل مخيلته منفردا. هذه الطبيعة تجعل تفاعل وتناسق وتكامل عناصر العمل الفني الغنائي مهمة صعبة بتعدد المشاركة فيه واختلاف طبيعتها ودرجتها ولكن هذا في النهاية ما يكسب العمل الفني الغنائي طعمه كعمل متكامل (أغنية) وليس كقالب يحتل فيه كل عنصر مكانا مستقلا داخل هذا القالب المشترك. لذلك في اعتقادي أن جودة عناصر العمل الغنائي منفردة لا تنتج بالضرورة عملا غنائيا جيدا، فالعمل الغنائي الجيد توليفة منسجمة ومتكاملة من جميع العناصر حتى ولو لم تكن أيا من العناصر بدرجة متفوقة من الجودة في الحالة المنفردة
يعتبر عامل الاحتكاك و بالخصوص المجاورة و المعايشة من أقوى عوامل خلود أغنية حقيبة الفن حيث كان أساس التفاهم بين المطربين و الشعراء و الملحنين و صقل لمواهبهم الفطرية. فالكثير منهم كانوا يعيشون و البعض في غرفة واحدة او في منزل واحد او حتى فى الحى نفسه يتفاكرون و يتعاونون و يشجعون بعضهم البعض و يضيفون لأشعار البعض، و نذكر هنا عندما أضاف خليل فرح لقصيدة "الليلة كيف امسيتوا يا ملوك أم در" لحدباى الذي كان يسكن معه فأضاف لها شطر البيت "المنام أبى لي"
يقول د. الفاتح: " لقد كانت العلاقات بين ممثلي المدرسة الفنية الأولي (حقيبة الفن) و خاصة بين أولئك الذين كانوا يعيشون في أم درمان علاقات متينة. فكثيرا ما كانت تربط بينهم علاقات تعاون فني و كان خليل فرح أكثرهم نفوذا فغالبا ما كان سرور و كرومه و عمر البنا و الأمين برهان يذهبون إليه في الخرطوم ليستمعوا إلى أغانيه و يسمعونه أغانيهم.(22
كما نعرف أن كرومه و عوض شمبات كانوا يعيشون في منزل واحد في فترة من الفترات. يقول عوض شمبات " سكنا أنا و كرومه في بيت واحد في ود ارو مع مستورة أم كرومه. استمرينا حوالي أربع سنوات
و لتبيان تأثير المجاورة في السكن و تأثيرها على إبداع الحقيبة و خلودها ... إليكم هذا المثال (1): حينما أراد الكاشف تلحين أغنية "الزيارة" ( التي نظمها عبيد عبد الرحمن في العام 1947عندما زار مستشفى أم درمان حيث وجد في حوش المستشفى جمع من الناس و من بينهم ابتسمت له و كانت هي محور القصيدة). أتم الكاشف تلحين الأغنية إلا الجزء الأخير استعصى عليه، يقول " و قضيت حوالي شهر و نصف اشعر بالقلق من صعوبة تلحينه و ذات يوم حوالي الساعة الحادية عشر و النصف ليلا جاءني اللحن ففرحت فرحا شديدا فارتديت ملابس
شفتيك باســـــــــن
والغصون من لدنـــك مياســــــــن
والنسيم فاح بكر الـمـــــــــــلاح
ثم يناجي الشاعر الطبيعة في سكونها وهدوئها الذي لا يماثله شئ في الوجود، حيث تجد المتعة في شجر النال المنثور في ثري الوادي [النال نبات ينمو في اراضي الدندر وجهة القضارف والحواتة وعادة تفوح منه اجمل العطور ومن النال تبني القطاطي ومنه تعمل الصرفات فهو ينمو في الثري اي التراب عشان كدا الخليل قال يا جمال النال في ثراكن(24)] ، وتري حولها الغزلان ومن خلفها (المحل) ذكر الغزلان، بقرنه الماكن ترعي في أشجار الخزام والشيح والبراح. [ الشيح و الحزام (هكذا وردت) و البراح و الشاو نباتات خلوية لا تخلو من رائحة ذكية (2)]
يا الطبيعة الواديك ســـاكن
مافي مثلك قط في الاماكن
يا جمال النال في ثراكـــــن
يا حلاة الــبرعن أراكــــــن
في قفاهن تور قرنه ماكـن
لا غشن لا شافن مساكــن
في الخزام والشيح والبراح
ثم يحث صحبه قائلاً لهم: انظروا إلي الوادي في الصباح، حيث الخضرة والرمال، والصيد في اليمين وإلي اليسار. فتحس بنسيم الليل يهب بارداً، فتتمايل الأشجار في ضوء القمر الذي يستتر وراءها خجلاً. ثم يهل الصباح فيتجلي منظر الطبيعة وضوحاً وجمالاً ومتعة.
شوف صباح الوادي وجمــــاله
شوف خضاره وصيده ورماله
شوف يمينه وعاين شمـــــــــاله
شوف نسيم الليل صاحي ماله
شوف فريع الشاو مين أمــــاله
البدر خجلان مــن كمــــــــــــاله
والصباح لاح بهل الوشـــــاح

ثم يخاطب حبيبته ذاكراً دلالها الذي يتضح في عجمة لسانها الذي ينطق الكلمة متعثراً في حروفها (وردت "حروفه" عند المبارك ابراهيم). ثم يصف خدودها اللامعة، وعيونها التي تسبي الناظر خفراً وحياءً، ثم دموعها التي تسيل علي خديها من أول نظرة. ويصف كل هذا بالدلال الساحر الذي حيّر الأمهات

يا أم لسانا لســـــــع مـعجـــــن
كلمة كلمة وحروفهـــــــــا ضجن
ديل خدودك غير داعي وجن
ديل عيونك من نظــــرة سجن
ديل دموعك من نظــــرة شجن
ده دلال أيه..ده دلال معجن
مــحن الأمــــــات يـــــــا رداح

ثم يخاطب نسيم الليل العليل والأزهار التي نامت فوق خدودها. وتسمع للعصفور وهو يغرد بألحان بديعة فوق جسمها.وحين ذاك هدأت النفوس، ولم نعرف من هو العدو من الصديق وصرت أعاني من صدودك وأفقد أملي الذي ضاع
مال نسيم الليل بي بــــــرودك
نامت الأزهار فوق خــــدودك
غرد العصفور فــــوق عـــــودك
النفوس ما اتعـدت حــــــدودك
ما عرفنا عدوك مـــــــن ودودك
بس انا المقسوم لي صــــــدودك
يا حـياتي وأمــــــلي اللـــى راح
وقد وردت كلمة "شوف " في قصيدة الضواحي عدة مرّات كما تبيّن الأبيات التالية

شوف محاسن حسن الطبيعة *** تلقي هيبة وروعة وجمال
ــــــــــــ
شوف نواحي الوادي الخديرة *** والحمائم يشجيك هديرها
ــــــــــــ
شوف طبيعة البهاء والنضارة * شئ يعيد الروح في احتضارها
الخضار والماء والجمال

فكلمة "شوف" من كلمة أشتاف، أي تطاول ونظر. و"تشوف" تطلع إلي الخير من السطح. شفته شوفاً: أي جلوته. ودينار مشوف: أي مجلو.
وفي هذه القصيدة تجد بعض كلمات تظنها عامية وهي عربية فصيحة، ونسوق إليك بعض الأمثلة : ـ
قوموا خَلُّوا الضيق في الجناين
شوفوا عزّ الصيد في العســاين
فالعساين جَمْع كلمة "عسن" وهي نجوح العلف والرعي في الدوّاب. فعسنت الدابة نجع فيها العلف والري. وأعسن إذا سمن. . [يقول الطيب شيقوق: في موسم الدرتية اي بعد ادبار الخريف المطير ( بكسر الميم والطاء والياء وهي تصغير جمع مطرة -امطار- و تصغير المفرد مطيرة) لما ينزل خلال تلك الفترة تنبت بعض النباتات التي تحافظ علي خضرتها من هبيّب الشتاء الزارق ( نسام فصل الشتاء الداخل جديد) وندي الصباح الباكر و هذه النباتات المخضرة هي التي قصدها الخليل حيث يرعي الصيد ذلك العسين او النبات الدرتي.) وفي رواية اخري العسين هو النبات الذي ينمو علي اطراف الميع او الاودية بعد انحسار المياه منها وغالبا تشبة البنت الجميلة وهي في ريعان شبابها بالفوسيبة والفوسيبة هي القصبة الخضراء التي تنمو علي اطراف الاودية ايضا بعد ان تنحسر منها المياه وتظل يانعة ومفرهدة ومخضرة بسبب نسيم الشتاء ورطوبة ارضها بدون اي مصدر آخر للري (24
ففي البيت التالي
كلبي يا جمجوم أصله خائن شوفوا كيف يبري الملاين
هَبَّ شاله وكشح المراح
قال الأزهري: كشح عن الماء: إذا أدبر عنه. والكشح ما بين الخاصرة والضلع الخلف. وشاله من شلت العين دمعها بمعني أرسلته
ويقول في بيت آخر
القمر خجلان من كماله والصباح لاح بهل الوشاح
فالوشاح: حلي النساء كرمان من لؤلؤ وجوهر منظومان أحدهما علي الآخر تتوشح به المرأة
(من مقدمة ديوان خليل فرح)
لعل في الدعوة المفتوحة في قصيدة في الضواحي..تحمل في جينات تفاصيلها ترياق الانفتاح علي جمال ما خلق الله في مدارات الطبيعة..ليتفقه الخلق في اتساع قدرة الله..وذلك الخروج إلي الطبيعة يتضمن معالجات نفسيه.وبيولوجيه..واستراحات عقليه.وحسية..وترويح للنفس .وتهدئه..وراحة.. تغير وتبدل
(2) ان التنافس بدأ بين عمر البنا و سرور لانهما كانا على قمة الطرب و ان سرور استطاع ان يجلب اليه كل شعراء تلك الحقبة تقريبا و بقى عمر لوحده يؤلف و يغنى، و قد كان عمر و سرور من حى واحد و فى عمر واحد تقريبا
بما ان التنافس من طبعه ان يجّود عناصر العمل الفنى من شعر و لحن و أداء خصوصا اذا كان منزها من الاغراض المادية ... هناك حقيقة مهمة يجب الانتباه اليها، ان التنافس فى ذلك الوقت لم يكن من اجل المال كما يحدث حديثا - هذا اذا قبلنا ان هناك تنافس حقيقى- انما كان من اجل جودة العمل الفنى، لان المطربين فى ذلك الزمن الجميل لم يرتضوا ان ياخذوا مالا فى المناسبات او حتى تناول الطعام حيث كانوا يعتبرون ذلك من عناصر تدنيس العمل الفنى و الاخلاقى. وجدنا ان كل الجهد كان موجها و منصبا نحو هدف واحد فقط ألا و هو جودة العمل الفنى
و امثلة المنافسة كثيرة، ففى مجال الاداء بالاضافة الى المنافسة التى كانت بين عمر البنا و سرور كانت هناك منافسة بين سرور و كرومة و برهان، و كرومة و عوض شمبات ، الخ. و فى مجال الشعر، كانت هناك منافسة حامية الوطيس بين كل الشعراء تقريبا و فى كل المجالات تقريبا و بالاخص فى مجال المجاراة و لكن ازدادت فى فترة من الفترات و انحصرت بين ابو صلاح و عمر البنا و عتيق و كرومة من جهة و سيد عبد العزيز و بطران و ودالرضى و العمرى و سرور و سميت بفترة المضاربات و اعتبرت من المنافسات السالبة لانها خرجت عن اصول المنافسة البناءة.
من التنافس الغير مفيد ان يكون بين فئة و فئة مثل ان يكون بين الشعراء و المطربين فهذا التنافس لن يكون فى مصلحة العمل الفنى حيث يصبح تنافسا سلبيا و لقد اوردنا مثال لذلك التنافس فى مكان آخر من هذا المقال حيث اشرنا الى المنافسة التى قامت بين الشعراء و الملحنين (إبراهيم العبادى و الموسيقار إسماعيل عبد المعين) و بين الشعراء و المطربين (الشاعر إسماعيل حسن و الفنان محمد وردي). حيث لم يضيف هذا النوع من التنافس ائ إضافة فيها فائدة لكلا الفريقين
من أسباب الخلود كذلك إلهام "المناسبة". حيث كانت كثير من القصائد مصدرها التجربة الحقيقية الصادقة. فالقارئ يبحث عن أشراقات القصيدة بصورها المضيئة ولغتها النافذة… يبحث عن شحنات إيحائية تتجلى فيها مهارة الشاعر بما فيها من تفجر وتوهج… يبحث عن تجربة صادقة فيما تثيره القصيدة من الأحاسيس الموحية والدالة والبليغة ذلك أن من أسس الإبداع الشعري الوعي العميق للتجربة التي تضعه أمام رؤية وجدانية صادقة (44
مثال لذلك قصيدة في "المسالمة غزال" و "في بنانك ازدهت الزهور" و "بدور القاعة" و كذلك قصيدة "حاول يخفى نفسه" للشاعر سيد عبد العزيز عندما كان يسير مع صديقه عبيد عبد الرحمن و خالد .. هي مثال آخر للصلة الوثيقة التي كانت بين الشعراء و التي كانت عامل محفز و قوى لإنتاج إبداعات من مثل هذا القبيل
حاول يخفى نفسه *** و هل يخفى القمر فى سماه
أبدا لا .. و طبعا لا.... شفناه ...شفناه
كما كانت "مناسبات" الأفراح هي الباعث الحقيقي للإبداع و المنافسة و ينتظرها الشعراء و المطربين ليظهروا فيها إبداعهم و نسج شعراء الحقيبة فيها قصائد لاتزال محور احاديث و غناء حتى الآن مثل "جوهر صدر المحافل" " و تم دوره و اتدور" لخليل فرح التي نظمت في زواج محمد عثمان منصور سنة 1926وهو صديق لخليل فرح و لحنها و غناها كرومه و لقد رد عليه صديقه حدباى عبد المطلب في نفس المناسبة بأغنيته المشهورة "زهر الرياض في غصونه ماح" والتي نظمها في عام 1928 في زواج محمد الحسن عثمان منصور و لحنها و غناها كرومه مع الأمين برهان و سجلها في العام 1929 كما غناها حديثا الفنان أبو داود و شارك في نفس المناسبة الشاعر بطران بأغنية "فردوس الجنان" التي تغنى بها كرومه
كما كانت الصدمات العاطفية لها دور كبير في نسج درر من قصائد الحقيبة مثل ابداعات بطران حينما تركته حبيبته و تزوجت من غيره و كذللك سيد عبد العزيز مع بنت المسالمة (قائد الاسطول) و عبيد عبد الرحمن و خليل فرح فى واقعة مقابلة خليل فرح و حدباى لمجموعة من الحسان مصادفة بحي الترس حيث كان يعيش مع الخليل و التي ألهمته قصيدة "أذكر بقعة أم درمان" (انظر ترجمة الخليل
الليلة كيف امسيتوا يا ملوك ام در
يبقى لينا نسيتو .. المنام ابى لـــى
بالسقام لجسمى و خليل اكسيتـوه
مالو لو بى طيف المنام آسيتـــوه
فالعلاقة بين الذات المبدعة وموضوعها الشعري ترينا مدى إخلاص الشاعر وجهده المبذول في صياغة القصيدة التي لا تقدم وصفاً خارجياً للأشياء أو المواقف وفي هذا الصدد يرى الناقد المشهور "ريتشارد زان" أن المواقف التي تثيرها التجربة هي أهم جزء فيها وأن قيمة التجربة تعتمد على شكل المواقف التي تتضمنها والمادة التي تتركب منها هذه المواقف (44
مثال آخر لتأثير الرفقة و الاحتكاك بالشعراء مع بعضهم البعض في إنتاج درر خالدة....أثناء جلوس سيد مع بطران و كرومه و ود الرضي، اقترح سيد على بطران إدخال تعديل على كلمات أغنيته "امتى يا طيف بالزورة لي تجود" أحس بالذنب و