شعر ، كلمات اغاني سودانية ودوبيت
21.7K subscribers
63 photos
166 videos
50 files
40 links
وصف القناة : شعر ، كلمات الاغاني ودوبيت رابط القناة : https://t.me/Diwansha3r
Download Telegram
(2) ان التنافس بدأ بين عمر البنا و سرور لانهما كانا على قمة الطرب و ان سرور استطاع ان يجلب اليه كل شعراء تلك الحقبة تقريبا و بقى عمر لوحده يؤلف و يغنى، و قد كان عمر و سرور من حى واحد و فى عمر واحد تقريبا
بما ان التنافس من طبعه ان يجّود عناصر العمل الفنى من شعر و لحن و أداء خصوصا اذا كان منزها من الاغراض المادية ... هناك حقيقة مهمة يجب الانتباه اليها، ان التنافس فى ذلك الوقت لم يكن من اجل المال كما يحدث حديثا - هذا اذا قبلنا ان هناك تنافس حقيقى- انما كان من اجل جودة العمل الفنى، لان المطربين فى ذلك الزمن الجميل لم يرتضوا ان ياخذوا مالا فى المناسبات او حتى تناول الطعام حيث كانوا يعتبرون ذلك من عناصر تدنيس العمل الفنى و الاخلاقى. وجدنا ان كل الجهد كان موجها و منصبا نحو هدف واحد فقط ألا و هو جودة العمل الفنى
و امثلة المنافسة كثيرة، ففى مجال الاداء بالاضافة الى المنافسة التى كانت بين عمر البنا و سرور كانت هناك منافسة بين سرور و كرومة و برهان، و كرومة و عوض شمبات ، الخ. و فى مجال الشعر، كانت هناك منافسة حامية الوطيس بين كل الشعراء تقريبا و فى كل المجالات تقريبا و بالاخص فى مجال المجاراة و لكن ازدادت فى فترة من الفترات و انحصرت بين ابو صلاح و عمر البنا و عتيق و كرومة من جهة و سيد عبد العزيز و بطران و ودالرضى و العمرى و سرور و سميت بفترة المضاربات و اعتبرت من المنافسات السالبة لانها خرجت عن اصول المنافسة البناءة.
من التنافس الغير مفيد ان يكون بين فئة و فئة مثل ان يكون بين الشعراء و المطربين فهذا التنافس لن يكون فى مصلحة العمل الفنى حيث يصبح تنافسا سلبيا و لقد اوردنا مثال لذلك التنافس فى مكان آخر من هذا المقال حيث اشرنا الى المنافسة التى قامت بين الشعراء و الملحنين (إبراهيم العبادى و الموسيقار إسماعيل عبد المعين) و بين الشعراء و المطربين (الشاعر إسماعيل حسن و الفنان محمد وردي). حيث لم يضيف هذا النوع من التنافس ائ إضافة فيها فائدة لكلا الفريقين
من أسباب الخلود كذلك إلهام "المناسبة". حيث كانت كثير من القصائد مصدرها التجربة الحقيقية الصادقة. فالقارئ يبحث عن أشراقات القصيدة بصورها المضيئة ولغتها النافذة… يبحث عن شحنات إيحائية تتجلى فيها مهارة الشاعر بما فيها من تفجر وتوهج… يبحث عن تجربة صادقة فيما تثيره القصيدة من الأحاسيس الموحية والدالة والبليغة ذلك أن من أسس الإبداع الشعري الوعي العميق للتجربة التي تضعه أمام رؤية وجدانية صادقة (44
مثال لذلك قصيدة في "المسالمة غزال" و "في بنانك ازدهت الزهور" و "بدور القاعة" و كذلك قصيدة "حاول يخفى نفسه" للشاعر سيد عبد العزيز عندما كان يسير مع صديقه عبيد عبد الرحمن و خالد .. هي مثال آخر للصلة الوثيقة التي كانت بين الشعراء و التي كانت عامل محفز و قوى لإنتاج إبداعات من مثل هذا القبيل
حاول يخفى نفسه *** و هل يخفى القمر فى سماه
أبدا لا .. و طبعا لا.... شفناه ...شفناه
كما كانت "مناسبات" الأفراح هي الباعث الحقيقي للإبداع و المنافسة و ينتظرها الشعراء و المطربين ليظهروا فيها إبداعهم و نسج شعراء الحقيبة فيها قصائد لاتزال محور احاديث و غناء حتى الآن مثل "جوهر صدر المحافل" " و تم دوره و اتدور" لخليل فرح التي نظمت في زواج محمد عثمان منصور سنة 1926وهو صديق لخليل فرح و لحنها و غناها كرومه و لقد رد عليه صديقه حدباى عبد المطلب في نفس المناسبة بأغنيته المشهورة "زهر الرياض في غصونه ماح" والتي نظمها في عام 1928 في زواج محمد الحسن عثمان منصور و لحنها و غناها كرومه مع الأمين برهان و سجلها في العام 1929 كما غناها حديثا الفنان أبو داود و شارك في نفس المناسبة الشاعر بطران بأغنية "فردوس الجنان" التي تغنى بها كرومه
كما كانت الصدمات العاطفية لها دور كبير في نسج درر من قصائد الحقيبة مثل ابداعات بطران حينما تركته حبيبته و تزوجت من غيره و كذللك سيد عبد العزيز مع بنت المسالمة (قائد الاسطول) و عبيد عبد الرحمن و خليل فرح فى واقعة مقابلة خليل فرح و حدباى لمجموعة من الحسان مصادفة بحي الترس حيث كان يعيش مع الخليل و التي ألهمته قصيدة "أذكر بقعة أم درمان" (انظر ترجمة الخليل
الليلة كيف امسيتوا يا ملوك ام در
يبقى لينا نسيتو .. المنام ابى لـــى
بالسقام لجسمى و خليل اكسيتـوه
مالو لو بى طيف المنام آسيتـــوه
فالعلاقة بين الذات المبدعة وموضوعها الشعري ترينا مدى إخلاص الشاعر وجهده المبذول في صياغة القصيدة التي لا تقدم وصفاً خارجياً للأشياء أو المواقف وفي هذا الصدد يرى الناقد المشهور "ريتشارد زان" أن المواقف التي تثيرها التجربة هي أهم جزء فيها وأن قيمة التجربة تعتمد على شكل المواقف التي تتضمنها والمادة التي تتركب منها هذه المواقف (44
مثال آخر لتأثير الرفقة و الاحتكاك بالشعراء مع بعضهم البعض في إنتاج درر خالدة....أثناء جلوس سيد مع بطران و كرومه و ود الرضي، اقترح سيد على بطران إدخال تعديل على كلمات أغنيته "امتى يا طيف بالزورة لي تجود" أحس بالذنب و
أودية ربوع السودان حتى تأتي له الانصهار في زمان و مكان موحد هو أمدرمان
و المتتبع للأصول الديموغرافية لشعراء الحقيبة يجد إنهم ينحدرون من بيئات اجتماعية ثقافية متباينة. و هذا هو الذي يفسر تنوع و خصوصية النص الإبداعي للحقيبة. فود الرضي القادم من أم ضوا بان (و هنا اختلف مع الاستاذ مصعب حيث إن ود الرضى ولد فى العيلفون و لكنه درس الخلوة و حفظ القرآن فى ام ضوبان) و الأمي من الجزيرة و خليل فرح خير من الشمالية أمثلة لذلك
أما علي مستوي الأسلوب أي فضاء الأخيلة و الصور الشعرية و الموضوعات، فإنه يحمل سمة هذا التباين. فبين مؤثرات الدوبيت و النم و الرباعيات عند إبراهيم العبادى المشبع ببيئة البطانة و تجليات البيان القرآني عند ود الرضي الغناي و حضور المدينة الأنيق عند سيد عبد العزيز و براعة "الاستهلال" و "المجاز العقلي" عند أبو صلاح الذي قرأ للمتكلمة و النحاة و المتصوفة، ينتظم عقد هذه المنظومة الجمالية المعرفية المسماة حقيبة الفن و التي هي بالأصل حقيقة الفن.(43)
و كان بيئة الريف السوداني بقراه و وهاده ونجاده و سهوله و قيزانه و طبيعته و حيواناته و مياهه نهرا و مطرا هي تلك البيئة الواسعة التي فرضت سيطرتها علي الإنتاج الفكري
حين تقرأ قصائد شاعر ذي خبرة شعرية طويلة تتمثل أمامك في تجربته خواص مهمة منها دقة منهجه الشعري وتخطيطه لتنيك القصيدة وتعبيره الوجداني عن جوهر الفكرة ثم تحس مناخها من خلال نبضات موضوعها الحي وما يختزن في ذاكرة الشاعر من رؤى حاشدة تورق فيها الصور كخلايا حية في جسد القصيدة كما تحس بالانسياب البارع الذي يسيطر على نظام القصيدة (44
تصديقا لذلك و على سبيل المثال لا الحصر سأقدم قصيدة "في الضواحي" لخليل فرح كمثال من شعر الحقيبة في وصف بيئة الريف. و يمكنك أن تري معي لماذا أصاب فن الحقيبة "الخلود" و تم و صمها بوصمة "العبقرية"
"يُشّرح" لنا أستاذنا علي المك هذه القصيدة فيقول: هي قصيدة قيلت في وصف محاسن الطبيعة، وقد جاراه فيها كثير من الشعراء من بينهم إبراهيم العبادي في قصيدته ومطلعها
(يا محاسن حسن المحاسن)
إن هذه القصيدة صورة فنية رائعة تعجز عن إبرازها ـ مكتملة الظلال والألوان ـ أيدي المصورين البارعين. ولكنها خرجت من مخيلة الشاعر النابه متناسقة الألوان، وارفة الظلال، بديعة النغمات والألحان
ينادي الشاعر صحبه بالهجرة من المدن إلي الضواحي للاستمتاع بمنظر الشفق عند الصباح في الأفق الواسع، حيث يطيب الصيد الذي يرتع في نجوع الفضاء، وقد اكتنز لحماً وطبق شحماً، فيخلو قنصه وطرده من مكان إلي مكان. وحينما يصير النهار حاراً يحسن اللجوء إلي الكمائن[ يلاحظ إن الشاعر قصد هنا أن القانصين للصيد يمعنون النظر الي تلك الكمائن [جمع كمين وهو المخبأ (2)] او المكامن ساعة الحر لان الصيد عادة يبحث عن الانجمامة علي ظلال تلك الكمائن (24) ]، ويبقي كلبنا "جمجوم" [اعرف أن للفرجوني كلب قنص يسمي جمجموم لعله اسماه علي كلب الخليل (الكاتب)] سارحاً وراء الملايين [الملاين هي القطعان (2)] من الصيد فيخطفها هارباً بها مبتعداً عن سراحها. [والقنيص هو الصيد.. و قانص أي متحفز ينتظر صيده الثمين وعادة ما يكون القانص مختبئ. ويستعان في القنيص بالكلاب ( كلاب الصيد ) والتي من أشهرها الكلاب السلوقية وهي كلاب يمنية من قرية سلوق التي اشتهرت بهذا النوع من الكلاب وهي ذات صدر واسع وخصر نحيف جداً وسريعة في الجري وذكية في التدريب (24
في الضواحي وطـرف المـــداين
يلّه ننظر شفـــــــــــق الصبـــاح
قوموا خلّوا الضيق في الجناين
شوفوا عز الصيد في العساين
يلّه نقنـص نطــرد نعــــــــــــاين
النهـار إن حــرْ الكمــــــــــــاين
كلبي يـا جمجـوم أصله خـــاين
شوفوا كيفن يبــرا المـــــــلاين
هَبّ شال وكشـح المـــــــــــراح
ثم ينتقل الشاعر إلي ذكر الخيل التي تأهبت للقنص والصيد وفي ذلك اشارة إلي وطنه قائلاً: إنه لا يهاب من مراسن (معاناة القوم) فنحن أصل المكارم والشجاعة لا نخاف المجهول ولا اقتحامه، وفي الشدة نشرب الماء الآسن المتعفن المر، كما وأننا لا نعشق سوي فضائل الأخلاق، التي نضيع فيها زماننا
للقنيص الخيـل خَفّ راســـــن
نحن مـا بنخـاف من مراســن
المكـارم غــرّقنـــــا ســاســـــــن
والمجـاهل من غيرنـــــــا ساسن
إن عطشنا نميزْ مُـر وآســــن
وإنْ عشقنا بنعشــــق محـاسن
في المحاسن كفي يومنــــــا راح
ثم يعرج إلي ذكر الخميلة وفيها تتجلي المحاسن، التي تأسر العيون وتفتن القلوب التي تتحرك لمشاهدة ما يكسو قدميها من الحرير، وشفتيها التي تزدان كالزهور رقة وحلاوة، وجسمها اللدن الناعم كالغصون في لينها وحركتها، وقد سار النسيم الفوّاح بعطر الملاح. [هذا المقطع فيه إطراء و اعتزاز بحسنائه (محاسن) و مقابلة طريفة بينها و بين (محاسن) الروضة الغناء مع ما فيها من تنوع و جمال (2
في الخميلة انجلت المحــــــاســــــــن
عيني حايرة ومشي قلبي جاســـن
بعض حسنك هي يا محاســـــــن
الحرير حين قدميك دامــــــــــــن
والزهور حين
صيدة "انا في التمنى" - من ناحية المعنى- أذا حللّتها و فككت أسرها من البناء الشعري و جردتها من الصياغة الفنية اى أصبحت نثرا فلا تزال تشدك حلاوتها و جمال صياغتها و معناها

سوف نتناول التشبيه و المحسنات البديعية و أوجه البلاغة الأخرى في "الحقيبة و البلاغة
العامل الديني
من المعروف أن معظم شعراء الحقيبة أن لم يكن كلهم قد درسوا في بدايات حياتهم بالخلوة و تتلمذوا علي أيادي الصالحين و الزّهاد فازدانت و ازدهرت و تعففت أشعارهم بالقران و السنة النبوية و السلف الصالح.(انظر الحقيبة و العقيدة)
و قد أشار الشاعر و المسرحي السر احمد قدور في عموده الصحفي الشهير "أساتذة و تلاميذ" الذي نشرته صحيفة "الخرطوم" إلي أن محمد احمد سرور مبتدع الغناء الحديث (الحقيبة) قد أجري كلمات أول أغنية وضع بها أساس الأغنية "الحقيبة" علي لحن أنشودة صوفية تنتمي إلي الطريقة القادرية، لذا يمكن القول إن فن الحقيبة قد استند علي تراث فني غني وخبرة عميقة من غناء الحكامات الدوبيت الذي كانت مجالسه العامرة تضج بفطاحله الشعراء، وغذاء روحي ثر يتمثل في الإنشاد وأدب المدائح في مدح المهدي وخليفته، ثم وصف محبة النبي محمد صلوات الله عليه وآله وسلامه في نفوس السودانيين.. وجاء المهدي محرراً يبشر بالثورة والسلام، وكانت الهجرة إليه في البقعة المباركة أم درمان. (1)
و يرجع د. الفاتح الطاهر سر التفوق الكبير للفنان محمد احمد سرور إلى حفظه للقرآن الكريم و تجويده ثم غنائه للقصائد و المدائح النبوية في فجر حياته و رعاية إبراهيم العبادى له في تدريبه على حسن الأداء مما جعله يحسن مخارج الألفاظ و تستقيم لها موسيقى اللغة العربية و إيمانه بالتطور.(22)
و يقول أيضا من خلال تحليله للإبداع الغنائي في فترة الحقيبة أن السمات الغنائية الخاصة بالحقيبة تتلخص في أن سرور كان يعتمد على الأغاني الدينية كالمدائح النبوية في أسلوبه كما نلاحظ أن كرومه في نهاية العشرينيات أصبح يعتمد تقاليد الإيقاعات الراقصة في حلقات الذكر حتى نهاية الأربعينيات و من الممكن الكشف عن ذلك من خلال التحليل الدقيق لأغنيات العشرينيات. أما خليل فرح فقد صهر الكثير من الألوان الغنائية في أعماله و أعطاها طابعه الذاتي الأمر الذي ارسي طرق تطوير الأغنية السودانية اللاحق على جيل المطربين الجدد إسماعيل عبد المعين، الكاشف، التاج مصطفي، عثمان حسين، وردي، محمد الأمين و أبو عركي و غيرهم.(22)
إن اثر المديح لم يكن مقصورا علي الشعر المغني و إنما علي الألحان أيضا، فمعظم ما عرف لاحقا بأغنيات الحقيبة قد نظمت في الحان المديح (و في ذلك أقول: و في الأسلوب المتخذ حاليا في اخذ لحن الأغاني و إضفاءه علي المديح لهو عبارة عن رد الجميل). بعض هذه الألحان كان رائجا و بعضها كان اقل شهرة و من تلك الأنشودة الصوفية الشهيرة
جلا جلاله
لا لو شريك و لالو مثالو

في هذا اللحن الصوفي نظم أبو صلاح (وصف الخنتيلة) و نظم العبادي (الضاوي جبينه) و نظم سيد عبد العزيز (صفوة جمالك). (16)
لإيضاح اثر المهدية الديني في تقنيين فن الحقيبة هناك حقيقتان يجدر الإشارة إليهما (43
1- الإرث الفني المنتقل منذ عهد الأمام المهدي و خليفته عبد الله هو إرث سوداني أصيل حاول من خلاله الإمام تهذيب هذا الفن (حتى و إن تحجج البعض بان الغرض ديني في المقام الأول) و إبعاد كل ما من شأنه أن يثير حوله الشبهات، فما كان إبعاد الآلات الموسيقية المصاحبة إلا تعبير عن ذلك. أما مضمون الأغنية فقد جاءت مشبعة بكل ما يحمل الريف السوداني (انظر العامل البيئي). يقول العبادى
شوف حسن محاسن الطبيعة *** تلقي هيبة و روعة و جلال
صاحي شاهد هاهي الطبيعة *** زاهية زاهرة بي زهو ربيعه

2- يقول البروفسير محمد إبراهيم أبو سليم في كتابه (الحركة الفكرية في المهدية)
إن الاتجاه الفكري للمهدية كان اتجاها سلفيا، بمعني انه كان يري مثاله في عهد الرسول و خلفائه الراشدين، و يقتدي بما كانوا يفعلونه و يلتزم بان يكون مصدر الأمور القرآن و الحديث الصحيح و حسب و ينكر الشوائب التي دخلت الدين و جوانب الخرافة و ينشد صفاء العقيدة و التوحيد المطلق
لإيضاح قوة و مضاء أغاني الحقيبة عندما وجد بعضها طريقه إلي قلوب الصوفيين و المتبتلين في محراب الدين بما مسته هذه الأغاني من شغاف القلوب المتبتلة المتهجدة. من هؤلاء الشيخ قريب الله (22) الذي افتتن بغناء كرومه (و كان في حفل قريب يغني "يا ليل أبقالي شاهد") فيدعوه و يسأله : لقد سمعتك الآن تنشد كلمات طيبة عن الليل فهلا أسمعتني إياها؟
فيردد كرومه و معه عمر البنا كورس
يا ليل ابقي لي شاهد
علي نار شوقي و حنيني
و يتذكر الشيخ قصيدته التي تقول
يمر بها في آخر الليل شــــــاهد *** من الملا الأعلى يفـــــوح له عطر
علي صاحب التهليل عند نــــزول من *** تعالي مكانا لا يحيط به فكــر
هنيئا له بالله طابت حيـــــــــــــــــــــاته *** لياليه غُر ، ثم أيامه زهــر
هنيئا له قد فاز فوزا مؤيدا *** في مـــــــــلكوت الله كان له ذكـــــــــر
تلاشي لد
يه الهم و الغم و العنا *** و حان لديه القصد و أنجبر الكسر
ثم يستمر كرومه
يا ليل صار ليك معاهد
طرفوا اللي منامه زاهد
......الخ (أنظر ترجمة كرومه
و يقول الأستاذ حجازي إدريس (من علماء الاقتصاد)
" لقد كانت المدائح في السابق (بالطار) تشد و تشنف الآذان و تجعلنا نحلق في سماوات روحية و نعيش مع إيقاعات النوبة و الطار و نحن صغار نتمايل طربا و تصوفا و حبا في ما يقال و يصل لأسماعنا
و كذلك أغاني الحقيبة أخذتنا بعيدا عن مشاكل الحياة. و كنا و كان جيلنا و من أتي من بعدنا و من كانوا من قبلنا يطربون و هم يسمعون أغاني الحقيبة يترنم بها المساح و الجاغريو و عتيق و كرومه و سرور و أبو صلاح و البنا و خليل فرح و غيرهم من أساطين الكلمة الجميلة و اللحن الأجمل و الأداء الطروب". (43)
كما أورد في ذات المعني الأستاذ الحسين الحسن: " شعراء الحقيبة يتمتعون بثقافة دينية و عربية واسعة نلمسها في ألفاظهم و تعبيراتهم المقتبسة من القرآن الكريم و البيئة العربية. (43)
العامل الثقافي و الاجتماعي
يقول عاطف عبد الله عن فترة ما قبل الحقيبة؛ لم تأتي أغاني الحقيبة من فراغ بل تأسست علي أمجاد تراث فني وثقافي موغل في القدم
كان الرواد الأوائل لغناء الحقيبة أمثال محمد ود الفكي ومحمد أحمد سرور والأمين برهان هم في السابق من (الدوباتية) المعروفين، أي الذين يؤدون الدوبيت في المناسبات المختلفة، وكان كل منهم يسانده طنبارة يقومون بالكرير الحلقي خلف (المدوبي) بين كل مربع للدوبيت وآخر، وفن الدوبيت كما هو معروف ما يزال موجودا في كثير من بوادي السودان الشمالي. وكان شعراء الدوبيت حاضرين دوماً ومعظمهم من الذين أسسوا لغناء الحقيبة فيما بعد أمثال صالح عبد السيد أبو صلاح وود الرضي و العبادى.
وكان إبراهيم العبادى أصغر شعراء (منتدى الدوبيت) يحمل في أحشائه فكرة جديدة للشعر غير الدوبيت، رغم قبوله في مجلس الكبار (شعراء الدوبيت) جماعة يوسف حسب الله (سلطان العاشقين) ومحمد عثمان بدري وأبو عثمان جقود, احمد محمد صالح المطبعجي.. لكن العبادى كان شاعراً هائما مثل محمد ود الرضي يبحث عن الجمال في سماوات لا يغطيها الدوبيت ولا الكرير الذي يؤديه الطنبارة، ووجدا ضالتهما في المطرب محمد أحمد سرور فأسسا مدرسة فنية جديدة علي أنقاض الطنبرة والدوبيت، وهو ما يعرف الآن بأغاني الحقيبة والتي تعتبر الأغنية الوترية الحديثة امتدادا طبيعيا لها
و كان علي رأس شعراء أغنية الدوبيت كل من حاج عثمان جقود و محمد علي عثمان بدري و يوسف حسب الله (سلطان العاشقين) و عبد الرحمن خالد أبو الرؤوس و الحاج الخليفة يوسف الحسن والد حسن ابو العائلة
و كان إي شاعر لإيجاز عن طريق الثلاثة جقود و بدري و سلطان العاشقين لا يعتبر شاعرا و لا يعترف به كما سوف حدث عندما ذهب بدري و مركز و سلطان العاشقين لاختبار خليل فرح في الداخلية في أول ظهوره
و لإدراك سر حقيبة الفن و قوتها يكفي أن نقارن بما جاءت به مع ما كان من قبلها (الطنبرة) حيث كان فن غنائي بسيط شكلا و أسلوبا مثل
فوق قلبي جرت كيه
شالت بصر عينيـــه
أو
كلما جن ليل
ازداد هلواسي
و قارن بما جاء به عبيد عبد الرحمن حين يقول
يا أم ضفائر قودي الرسن *** و اهتـــــــــــفي فليحيا الوطــن
أصله موتا فوق الرقاب *** كان رصاص أو كان بالحـــــــراب
البدور عند الله الثــــــواب *** اليضحي و يأخذ العقـــــــــاب
يقول الأستاذ إبراهيم احمد عبد الكريم (المرجع): "مهما قيل فإن أغنية الحقيبة من أغاني التراث المحضور في وجدان الشعب السوداني. طرب لها آباؤنا و طربنا لها منذ نعومة أظفارنا و لا يزال أبناؤنا يرددونها في نشوة و طرب و هم من جيل جاء بعد ميلاد الحقيبة بما ينيف عن السبعين عاما مما يدل علي خلود هذه الأغاني
يقول الأستاذ مصعب الصاوي في مقال له "الحقيبة حية تسعي بين الناس". (جريدة سنابل-العدد الثاني- 27/5/96): "احتفظت أغنيات الحقيبة بسجل حافل للتاريخ الاجتماعي لتلك الحقبة يمكن بعد الرجوع إليه و تحليله إلي قراءة السيكولوجية الاجتماعية و اتجاهاتها و مناهجها فالمدخل إلي التعرف علي التراث هو السيكولوجية الاجتماعية. ثمة رافد آخر تغذت منه أغنيات الحقيبة هو تيار الأدب الصوفي في الثقافة السودانية، أو فلنقل هو النهر الجوفي للثقافة السودانية الذي تنهل من معينه كلما جفت ينابيعها الظاهرية ذلك الذي يجعل ابو صلاح يتحدث عن الجهد الفكري، مركز فلسفة الإشراق الفارسي عند السهرودي و يجعل عتيق يتحدث عن وحدة الذات العاشقة بهدفها الوجداني الاسمي الذي يصل درجة الاتحاد و الغناء و هي مؤثرات لا تخفي علي من نظر في فكر الشيخ محي الدين بن عربي و يجعل سيد عبد العزيز يتحدث عن طرف فتاة سودانية يغض في عصر السفور في رائعته (بت ملوك النيل
العامل البيئي
يقول الأستاذ مصعب الصاوي (المرجع السابق): "الحقيبة هي اتصال فكري عميق بجذور الظاهرة الاجتماعية التي أنتجت هذه التحولات و معبرا شرعيا هائلا لتراكم النتائج الشعرية الغنائية و القولية بدا بالشعر القومي المنثور في
في المزاج والحالات النفسية..ويمكن أن يكون دقيق الوصف فيما احتوي من تفاصيل يؤكد كل ذلك...انكسار الانقباض.وتفتح رؤى الأبصار علي ذلك المزيج البديع من سحر تداخل الجمال..والوصف التعبيري للقنص ..وكل تلك الأنشطة التي تعيد تغيير كيمياء الجسد بما تفعله من تغيير بيولوجي يساعد النفس والحس..ويني لبنات صحاح في قوام وفكر وخواطر الإنسان.(24)
البيئة الأم درمانية
توفرت لأم درمان كافة العوامل الجاذبة لانطلاقة الفن الجديد (الحقيبة) فهاجر إليها كل موهوب تواق لتقديم مساهمته في الغناء الحديث وكان أولهم محمد ود الفكي الذي انتقل من الخرطوم إلي أم درمان حي العرضة، وفي حي السيد المكي تجمع أساطين الغناء تحت سقف واحد: سرور والأمين برهان وكرومه، مجاورين لعمر البنا وليسوا ببعيدين عن إبراهيم العبادي ودار محمد عثمان بدري.. فلا عجب أن احتوت أم درمان دار الإذاعة والمسرح ودور الغناء الحديث والشعبي
صارت أم درمان وطنا لمعظم مطربي أغنية الحقيبة وما بات يعرف بالأغنية الحديثة، بداية بعبد الله الماحي والأمين برهان وعبد الكريم كرومه والحاج محمد أحمد سرور وعطا كوكو ومحمود عبد الكريم (ثنائي الموردة) و ميرغني المأمون وأحمد حسن جمعة وعبيد الطيب والتاج مصطفي وعبد الدافع عثمان وصلاح محمد عيسي وإبراهيم عبد الجليل و التوم عبد الجليل وفضل المولي زنقار وعثمان الشفيع ومحمد أحمد عوض وإبراهيم عوض وهاشم ميرغني وأحمد الجابري، وبادي محمد الطيب.. كما لا تزال تضم صلاح مصطفي ومحمد الأمين وزيدان إبراهيم وأبوعركي البخيت وكمال ترباس وعوض الكريم عبد الله، وأحمد الفرجوني والعديد من المطربين والموسيقيين.. إما ولد وترعرع بأم درمان، أو هاجر إليها واستوطنها
ربط بين عملاقي الحقيبة كرومه و سرور الكثير من الأشياء فمن ناحية البيئة فهما قد نشآ في بيئة أم درمان، و في حواري أم درمان تشكلت أجمل القصائد و فيها أقيمت الأعراس و الليالي الملاح و كان مسكن كرومه في حي السيد مكي القريب من حي ود ارو حيث يقطن سرور وما بينهما تقع خلوة الشيخ أرو و بيوت الجالوص و خلفهما يقع حي القلعة حيث منزل الشاعر توفيق صالح جبريل و بدور القلعة
لا يخفي علينا ماذا ستؤدي بيئة تحتوي علي كل هذا التنوع. الاختلاط و تلاقح الأفكار و التشاور و النقد البناء و التنافس و حفلات الأفراح و الجمال ... كل هذه العوامل امتزجت مع بعضها في بوتقة أم درمانية اسمها حقيبة الفن فأنتجت عطرا معتق عبّق المكان و ساد خلال الدهور و الأزمان فأصبحت حقيبة الفن كوكب منزه في علوها ...سحرها غريب ..شخصها بعيد او كان قريب ...أنوارها آخذه بدون سلوك ... يبرق ثناها في غيهب الليل الحلوك
الأصالة
الأصالة في قيم المجتمع السوداني هي أصالة فطرية تستمد أصولها من تراث ضارب في جذور النفس السودانية و من عادات و تقاليد و موروثات تتغلغل في وجدان الروح و البدن. من هنا نبتت شجرة الحقيبة، من تربة خصبة متّرعة بالحب و العفاف و هي مع مرور الزمن استمدت قوتها من عصير شعري يجري في عروقها و من نسمات ألحان تنساب بين أوراقها فأنبعثت أصوات تهمس بما فاض بها من شوق و حنين و أنين..... لهذا أصبحت حقيبة الفن خالدة...تأمل محمد عبد الله الأمي في قصيدة "ما بخاف" مع التزامه بلزوم ما لا يلزم (القافية ثلاثية الأحرف) حين أُتهم بالتعاون مع الإنجليز فكتب القصيدة يدافع فيها عن نفسه
ما بخاف من شيء برضي خابر *** المقدر لا بد يكـــــــون
إن أتاني الهم جيشه دافر *** يلقي يا خلاي صبري وافـــــر
يلقي عزمي التام ليه خافر *** ويلقي قلبي شجاع ما جبون
بالعداء معروف ما ببادر *** وما بخون الجار ماني غـــادر
وما بقول للناس متلي نادر *** بل بقول للخالــــــــق شؤون
ما عصيت مولاي ماني فاجر *** لا ولا بالعالم بتاجــــــــــر
نفسي يا أحباب ليها زاجر *** لم أكن كل يوم لي لـــــــــون
الثبات معروف لي مُعاصر *** لو بقيت في داخل مَعاصر
والإله غير شك لي ناصر *** رغم أنف الواشي الخــــــؤون
قول لشاهد الزور فيم ساير *** هدِّي روعك قبل الخساير
يا ما قبلك عميت بصاير *** من لساني وقولي الهتــــــــــون
قول لأهل الجور والمساخر *** ما في أول ما ليه آخــــــر
ما بِدوم العز والمفاخر *** وما بدوم الظل والحصـــــــــــون
عن سبيل الحق ماني نافر *** وما جحدت الخير ماني كـــافر
وما ضمرت السوء ماني حافر *** للصديق هاويات السجون
هذه القصيدة هي في الحقيقة مجموعة من الحكم و مآثر الأخلاق و فضائل السلوك والتعامل الراقي المتحضر انظر إلي هذه الفضائل و الصفات المتأصلة في نفسه؛ فضيلة الشجاعة (ما بخاف، قلبي شجاع ما جبون)، فضيلة الإيمان بالقضاء و القدر (المقدر لازم يكون)، فضيلة الصبر الوافر حين الشدة والعقل الراجح الموزون، فضيلة عدم التعدي علي الآخرين و عدم الخيانة و اخلاق رعاية حقوق الجار و التواضع (ما بقول مثلي نادر) وهو متوكل ومسلم أمره للخالق. فضيلة الطاعة للمولي عز و جل و حين يقع في المعصية فإنه لا يفجر و يتمادي فيها و سرعان ما يقلع عنها(ما عصيت م
ي و هرولت نحو منزل عبيد الذي لم يكن يبعد كثيرا عن بيتي ، طرقت الباب ، فخرج منزعجا ظنا منه أن مكروها قد حصل ، ففوجئ بى اطلب منه أن نجلس في الشارع لأسمعه اللحن
عزا الكاشف سرعة تلحين هذه القصيدة إلى "إننا بنعيش مع بعض أنا و عبيد و سيد عبد العزيز عشان كده كان تلحين أغانيهم ليس صعبا بالنسبة إلى". (برنامج مع "أهل الفن" تقديم عمر عثمان 1963
ويذكر أيضا أحد ملوك الطرب عبد الكريم كرومة ارتبط كثيرا بالحاج سرور فبعد أن كان ملحنا فقط شجعه سرور على الغناء وبرع كرومة في تنويع الغناء السوداني فأدخل التخت والإيقاع المرتبط برقص الفتيات في الحفلات برع كرومة في حسن الأداء (24)
و لايخفى علينا قصص التعاون بين سرور و كرومة و من امثلتها قصيدة "دمعة الشوق" التى اعطاها بطران و هو فى فراش المرض- لسرور و بدوره اعطاها الى كرومة و قال له "منّح بيهاكان للتعاون المباشر بين الشاعر و المطرب في وضع الحان أغنية الحقيبة أثر كبير في خروج الأغنية في صورة عمل متكامل و متجانس حيث يقول عبيد عبد الرحمن في ذات المعنى " اغلب شعراء الأغاني كانوا يضعون مخططا لحنيا لقصائدهم بعد نظمها، لان أساس الغناء كان الرقص. أنا و خليل فرح و احمد عبد الرحيم العمري و عبد الرحمن الريح كنا معروفين بأننا شعراء ملحنين. و على الفنان أن يضع التحسينات التي يريدها. كنت أعطى المطرب النص مكتوبا و أشرح له المخطط اللحني الذي نظمته بناء عليه. و من الإنصاف أن أقول اننى لم أضع لحنا مكتملا، فقط أضع اللحن الأساسي و أعطيه للفنان الذي يقوم بعمل التغييرات و التحسينات التي تناسب صوته و أدائه". (1)
كما كان الكاشف و عبيد يتشاورن في طريقة تلحين القصائد رغم أن الكاشف كان ملحنا ممتازا فيقول عبيد (1) " كنت أعطى الكاشف القصائد و اشرح له أسس تلحينها، و كان يمضى في بعضها و أحيانا يختار أن يفارقه ليضع له لحنه الخاص
وضع الشاعر للحن الاساسى ثم تكملة اللحن و ضع تفاصيله بواسطة المطرب لهو في رأى الشخصى إستراتيجية ناجحة بكل المقاييس. فالشاعر يعرف المناسبة و الظروف التي دعته إلى نظم القصيدة سواء كانت مفرحة أو محزنة، سياسية كانت أو اجتماعية، فهو أدرى بما يجب أن يحتويه اللحن لأنه ترجمة للمعانى التي نبعت من وجدانه في شكل كلمات وضعها في القصيدة. من جانب آخر لا يغفل جانب الأداء الصوتي في تركيب و صياغة اللحن و أن هناك عناصر في اللحن يجب أن تتناسب و تتناسق مع صوت المطرب و طريقة أداءه و مع طبيعة المناسبة التي يؤديها المطرب. فيترك الشاعر للمطرب أن يفصل هذا "القالب اللحني العام" حسب هذه العناصر فيخرج العمل متكاملا متجانسا ذو حس روحي مخبرا عما حدث الشاعر من وعى عميق للتجربة التي وضعته إمام رؤية وجدانية صادقة و معبرا عما يحتويه صوت المطرب من عناصر إبداعية خلاقة
أذكر هنا مثال حدث بين خليل فرح و الفنان سرور ...حينما طلب سرور من خليل فرح غناء أغنية من أغنياته "تم دوره و اتدور" فقال له خليل على شرط أن تغنيها بلحنها كما هو فقال سرور "ولكن لحنك دا ما فيه لا فدعة و لا هدعة و لا..." و هي التي يرقصن عليهن الفتيات. و لم يزل سرور به حتى اقنعه و غناها سرور بلحنه. و مثال آخر عندما ذكر الشاعر محمد على عبد الله (الأمي) أن خليل فرح أعطى قصيدة "تَمَّ دُوْر وادْوَّرْ" لكرومة لكي يلحنها فقرأها فلما سأله خليل فرح عن لحنها أجاب بالنفى. فقال له خليل: يمكن أن تُلحن على نهج لحن الأغنية الشعبية
الزين حننوا فوقك السيادة ***سيَّروا مرق كيَّة النــــدادة
لا يخفى على احد تأثير مجاورة المبدعين من مطربين و شعراء و ملحنين لبعضهم البعض في الخلق و الابداع حيث تسمح لهم بالتشاور الفاعل و التعديل المستمر السريع في كلمات و لحن الأغاني و التشجيع و التحفيز
في حي السيد المكي تجمع أساطين الغناء تحت سقف واحد: سرور والأمين برهان وكرومه، مجاورين لعمر البنا وليسوا ببعيدين عن إبراهيم العبادى ودار محمد عثمان بدري
و أيضا لفترة طويلة تزامل حدباى مع الخليل في السكن و المأكل و الصحبة يقول حدباى : كنت اسكن مع الخليل بمنزل إيجاره 50 قرشا حوالي عام 1924 و كنا نتناول طعامنا بمطعم علي الجبالي الذي كان يحاسبنا في آخر كل شهر في حدود 180 قرشا علي وجبتي الفطور و الغداء و كانت لنا جلسات بمنزل محمد داود حسين و هو الذي عرف خليل بشركة الاسطوانات لصاحبها الخواجة ميشان.(5)
عنصر المنافسة كان له الاثر الكبير فى تقدم و تطور و بالتالى خلود اغنية الحقيبة، و مما يزيد من التنافس اشتعالا و قوة كون المتنافسين يعيشون فى منطقة جغرافية واحدة فما بالك و هولاء كانوا يعيشون فى حى واحد لا تكاد تفصلهم عن بعض إلا بضعة أمتار. فى هذا الطار يقول ابراهيم البنا فى لقاء له مع المبارك ابراهيم فى حلقة من برنامج "حقيبة الفن" اذيعت فى العام 1962 و تم اعادتها فى 24 يوليو 2001 " ان المنافسة التى كانت بينه و بين سرور حين ابتدا بالغناء كان ملتهبة و كانت هى من الاسباب القوية التى ادت الى تطور غناء الحقيبة". و يقول مبارك المغربى
ان بطران ربما غضب من مداخلة شاعر ناشئ لشاعر في مثل قامة بطران. فعاد الى أهله مهموما عاتبا على نفسه، فبادرته والدته بالسؤال: مالك؟ ادوك عين؟ فرد عليها في الحال
اذاى و دواى خدود و عيون
يا ناس أنا ما معيـــــــــــــــون
و ايضا قصة قصيدة "سايق الفيات" للشيخ إبراهيم العبادى ليست بعيدة عن الاذهان و التى كان بطلها سرور ( سائق اللورى الفيات) ومعه أمين نابرى وزين العابدين كوكو و فى رواية اخرى معهم الامين برهان
من هذا المنطلق ليس غريبا أن يعتقد حدباى أن سر جودة و خلود قصائد "حقيبة الفن" يعزي إلي "أن معظم منظومات و قصائد أبناء جيله كالعبادي و أبو عثمان جقود و ود المحلق و بطران و العمري و العمرابي لها بواعث و مناسبات حقيقية كمسارح بيوت الأعراس و الصدمات العاطفية لذلك جاء نظما قويا متماسكا". (19)
كما كان المطربين و الشعراء أيضا في قارب واحد اتجاهه الإبداع حيث تزاملوا فى رحلاتهم الفنية و بالذات الى مصر حيث رافق الشاعر محمد علي عبد الله الأمي مع ود ماحي حينما ذهب إلي القاهرة في العام 1928 لتسجيل اسطواناته و معهم إدريس العجيل والطيب عبد الرحمن
كما رافق كرومه حين زار مصر سنة 1929 عمر البنا وعلى الشايقى والتوم عبد الجليل وحدباى عبد المطلب ومحمد الأمين بادي وزارها ثانية سنة 1931 مع الشاعر العبادى وسرور والأمين برهان ولم يسجل في هذه المرة وزارها للمرة الثالثة سنة 1933 مع عمر البنا والأمين برهان ثم زارها أخيرا سنة 1939 مع عمر البنا والأمين برهان وعلى ابو الجود. كما تزامل أكثر من شاعر في إنتاج قصيدة غنائية مثل قصيدة من الاسكلا
كما كان الشعراء و المطربين يجتمعون بصورة دورية و أسبوعية مثلما كان نحو 15 شاعرا غنائيا يجتمعون نهار كل يوم جمعة فى منزل احدهم و غالبا ما كانوا يجتمعون فى منزل الشاعر محمد عثمان بدرى. وفي منزل كرومه كذلك كان يلتقي كبار الشعراء ومؤلفو الأغنيات التي يشدو بها
ختام
إن الأعمال الكبيرة الخالدة لا يفرضها أحد علي الناس، و لكنها بقوتها و روعتها تفرض نفسها علي الناس. و أغنية الحقيبة توفرت لها كل عناصر النجاح من كلمة تحتكر النشوة و الطرب علي مر العصور، لا لشئ سوي روعتها و حلاوتها و قامت بأدائها حناجر مشهود لها بالحلاوة و التفرد. من أجل هذا بقيت و ستبقي أغنية الحقيبة. لا يقلل من قيمتها محدودية الآلات المصاحبة. يكفي أن موسيقاها في اللحن الأساسي تستوعب التوزيع العلمي للموسيقي و إدخال جميع الآلات الموسيقية و لقد قام بذلك معهد الموسيقي و المسرح و أدخل التوزيع الكورالي و الاوركسترالي، فزادها روعة علي روعة
لقد بني لنا شعراء و فناني حقيبة الفن أساس غنائي قوى وعلى أكتاف هؤلاء الأربعة خليل فرح و عمر البنا كرومه و سرور قامت نهضتنا الموسيقية الحديثة. (22
عندما تتكون الفراشة الكاملة داخل الغلاف الصلب في مرحلة العذراء أو الشرنقة تمر بمرحلة من المعاناة و المشقة من اجل الخروج فيفرز جسمها سائلا يخلصها من غلاف الشرنقة ، ثم ينتفخ صدر الفراشة الكاملة ليكسر غلاف الشرنقة ثم يخرج الرأس والصدر من الغلاف، وبعد ذلك تدفع الفراشة أرجلها إلى خارج الغلاف وتسحب باقي جسمها من داخل الغلاف إلى الخارج، وقد لا تستغرق هذه العملية بالكامل سوى عدة دقائق و قد تطول قليلا... هذه هي العملية الطبيعة. لكن أذا قام احدهم بشق الغلاف كي يساعد الفراشة على الخروج فان هذا بالطبع يساعدها على الخروج سريعا...ولكن
ستصبح الفراشة ضعيفة و سرعان ما تموت ...و ذلك لان حكمة الطبيعة و حكمة سبحانه و تعالى أن تعانى الفراشة و تقهر الغلاف القوي لكي تكون قوية عندما تخرج ... أنها طريقة عمل الطبيعة في تقوية عود الفراشة و جعلها قادرة على مجابهة صعاب الحياة
كذلك حقيبة الفن ...ولدت بصعوبة و مشقة بالغة و صعوبات جمة من المجتمع و العائلة و عانت من الظروف السيئة سواء الاقتصادية أو السياسية أو الفنية (الطنبرة و التم تم) و كانت تفتقر إلى الخبرة و وسائل الانتشار و طرق التعليم المكتوبة و السمعية و البصرية و عدم وجود القدوة و الرواد إلا قليلا و غير ذلك كثيرا.... رغم كل هذا خرجت حقيبة الفن قوية في عنفوان و شباب دائم و شقت طريقها في الحياة لا يعترضها معترض و لا يهون من قدرها شيء..... و ستدوم ما دامت هناك روح و إحساس و جمال
ملخص
من أسباب خلود أغنية الحقيبة
1- أغنية الحقيبة شكلت المرجع و الأصل و الهوية
2- جودة و تكامل العمل الفني
3- أشعرت المواطن باتصاله مع تاريخ وطنه و مجتمعه
4- التزمت أشعار أغنية الحقيبة الوزن و القافية "لزوم ما لا يلزم" والبلاغة و المحسنات البديعية
5- أغنية الحقيبة عبرت عن قيم و أصالة و موروثات و جماليات الإنسان السوداني
6- استند فن الحقيبة علي تراث فني غني وخبرة عميقة من غناء الحكامات و الدوبيت وغذاء روحي ثر يتمثل في الإنشاد وأدب المدائح و الذكر
7- تمتع شعراء الحقيبة بثقافة دينية و عربية واسعة
8- خضوع شعراء الحقيبة الأوائل الذين أسسوا لهذا الفن إلى اختبارات و تمحيص دقيق من اجل الاعتراف بهم من
قبل أساطين الشعر في ذلك الوقت
9- احتفاظ أغنية الحقيبة بسجل حافل للتاريخ الاجتماعي في ذلك الوقت مما مكن بعد تحليله من قراءة السيكولوجية الاجتماعية و اتجاهاتها و مناهجها
10- تنوع و خصوصية النص الإبداعي للحقيبة و تباين الأسلوب تبعا للبيئة التي نشأ فيها الشعراء
11- مجاورة و معايشة الشعراء و الملحنين و المطربين لبعضهم البعض و تعاونهم في وضع الأشعار و الألحان
12- البواعث و المناسبات الحقيقية (إلهام المناسبة) و التجربة و الرؤية الوجدانية الحقيقية الصادقة
13- الأداء المشهود له بالحلاوة و التفرد
14- تعرض حقيبة الفن في بداياتها إلى ولادة متعسرة و معاناة حقيقة مما اكسبها قوة و صلابة على البقاء و التغلب على كل التحديات التي جابهتها

البـــلاغـة فى حقيـــبة الفــن
من كتاب رواد حقيبة الفن

كلما جلست أستمع لأحدي أغنيات الحقيبة أظل أطلق العنان لفرس الخيال ليعدو عبر ذلك الزمن المؤتلق في حقبة العشرينات والثلاثينات حتى بدايات الخمسين من القرن المنصرم . وأظل أسائل نفسي كيف كان حال أولئك الناس الذين اثروا حياتنا الفنية والأدبية , وملأوا وجداننا وغمروا أرواحنا بهذا الكم الهائل وهذه الدرر النفيسة من الأغنيات ذات المعاني الراقية والقيم الجمالية العالية . وكم تزداد دهشتي ويتملكني الإعجاب بتلك المفردات ذات المضامين الحسية البعيدة عن كل شبق جنسي أو مادية بغيضة , ولا أظن أنني أضيف شيئا أو أسجل حدثا بخوضي في هذا الفن العجيب لعلمي التام أن ا لكثيرين ممن لهم اليد الطولي والفكر المتمرس والمتخصص قد أسهبوا وأجادوا , ولم يتركوا شاردة أو واردة في هذا المضمار الذي ( يقطع نفس خيل القصيد) إلا وتطرقوا إليه باحثين ومنقبين في بوادي وقمم ومتاهات هذا الإبداع .. غائصين في بحارة العميقة بحثا عن مكنونات درره وروائع لآلئه .. وبالطبع فان محاولتي هذه لا تعدو أن تكون مجرد فكرة وخاطرة انبعثت من دواخلي وأنا أتجول عبر هذه الحدائق الوارفة أستمع لشدو البلابل وهي تغني وتصدح في مواقف العواطف والسمو الوجداني تارة , ثم لا نلبث أن نسمع نشيدا يخرج كالزئير في المواقف الوطنية تارة أخري , فقد كان شعراء الحقيبة رغم محدوديتهم
"الأكاديمية" إلا أنهم استطاعوا أن يمتلكوا ناصية الكلمة , وصياغة الأحاسيس والشعور فكانت الكلمة لاتخرج الارصدا لخلجات النفس بعد وضعها في الإطار الذي يرضي ذوق الشاعر وفنه فكانت "عازة الخليل" واحدة من الأغنيات الوطنية إن لم تكن الأولي التي دثرها الشاعر بثوب الحبيبة , وهي من الأغنيات التي ألهبت مشاعر السودانيين فترة الاستعمار وكان لها فعل السحر في استنباط الهمم لإجلاء المستعمر . وهكذا فإن أغاني الحقيبة لم تكن فقط دغدغة لمشاعر فتيات ذلك العصر اللآتي لم تكن لديهن الفرصة متاحة للخروج وبالتالي إمكان مشاهدتهن من قبل الشباب إلا فيما ندر أو في مناسبات الأفراح , فبجانب هذا المنحي الإنساني كانت أغنية الحقيبة تدعو الفتاة للفواق من نومها وترك الكسل والدعة والخمول والإقبال علي الحياة والعلم والعمل

عازة قومي كفاك نومك وكفاك دلال يومك
أنتي ياالكبرتــــوك البنات فاتـــوك
في القطـــار الفـــات
ثم ندلف عبر هذه الروائع إلي حديقة الاستعارات البديعة عند شعراء الحقيبة من الشعر العربي القديم, ما يدل علي أنهم أطلقوا أشرعتهم في بحاره اللامتناهية فنجد "أبو صلاح " يترنم

صدرك مروحة متبوره خصرك ناحل
بالقيراط مشيك مثل السحاب الراحل

ولا أجد كلمات اقرب تشبيها ومعني لكلمات"ابوصلاح " سوي قول الشاعر العربي

كأن مشيتها من بيت جارتها مرّ السحاب لاريث ولا عجل

ومرة أخري ونحن مازلنا نتنقل عبر هذه الحديقة الزاهية الباهية نستنشق عبير هذه البدائع لنقف أمام واحدة من الأعاجيب والمقدرات الفائقة في الصنعة الساخرة وإظهار الملكة في تحد لا يحيطه التكبر ولا يدثره الغرور بقدر ماهو إظهار للمقدرة اللغوية عند الشاعر, وكيف لا تتملكنا الدهشة مع "ابوصلاح" وهو يستخدم حرفا واحدا فقط ما يقارب العشرين مرة مثل هذه "العين" المتكررة في مربعاته

عملت بالعند عادت علي معلومة عدت علي الصوابع كم تعد عـــزوله
عضعضت العنب بالمعدنة المعسوله عجزت من علاجي وبي عذابي عجوله

ولعل أكثر مايزيدني عجبا قول البعض واتهامهم لمعظم شعراء الحقيبة أنهم مبتذلين في أوصافهم الحسية وهم يتنقلون بكلماتهم عبر جسد المرأة من عضو إلي آخر, وهم أي أولئك "البعض" يعزون قولهم بأنه نتاج طبيعي أفرزته تلك الحقبةحيث كانت رؤية الفتاة أمرا صعب المنال إلا في مواقف قليلة ونادرة كما أسلفت.. غير أن الحقيقة الغائبة عن أولئك النفر هي أن الفتاة لم تكن بذلك الابتذال والانحلال والتفسخ الذي يسمح للشاعر أن يتلمس بعينيه في جسدها كيفما شاء ومتي ما شاء. وفي المقابل كان شعراء الحقيبة يضعون المحبوب موضع النجوم بين السماك الأعزل

( في الخيال أحيا لو تراني والنجوم من وصالك أسهل)
( شوف العين قالت ده لالا صدت من تيها ودلالـــه )
( في النجوم مجده يبنالو بين سماك أعزل حظي مانالو)

ومع ذل
ك فقد كان هؤلاء الشعراء بشرا وليسوا ملائكة يمشون علي الأرض وبالتالي فهم معرضون للخطأ و"للخطيئة" فهم ببشريتهم هذه كانوا يتلمسون مواضع الجمال ويترجمون أحاسيسهم وانفعالاتهم بكلمات لاتخرج من إطار بشريتهم في غير ما مس أو هتك بعرض , بل لاعجب أن نسمع لأغنية من أغاني الحقيبة يذكر فيها الشاعر اسم المحبوب إلا رمزا , وذلك صونا لكرامتها وعفتها وحفظا لها من حداد الالسنة فتري بعض شعراء الحقيبة قد ابتكر مصطلحا فنيا نادرا يعرفونه فيما بينهم فيسمون المحبوب "بالرقم" بدل الاستدلال بالأحرف التي قد تكشف اسم المحبوب فيقول احدهم

ماله "سبعة" أم صدرا علا في قليبي النار مشعلا
وفي مقطع آخر نجده يقول

"سبعة" أم لونا غامق الخضار فاقت السندس لمعة ونضار
وليس هناك أبلغ ردا علي هؤلاء الذين يتهمون شعراء الحقيبة بالسقوط والإسفاف من رد أحد فرسانها وهو الشاعر الكبير " محمد ود الرضي" بقوله
الحقيبة مابتمدح دعارة

لا ولا المحبة المستعـــــاره
أو ألاغاني المفضوح شعـــاره
مادخــل خايـن جــــداره
المحــامد جــــــوه داره
وباذلـه جهدهـا في الصــداره
وتأكيدا لهذا المبدأ السامي , ونفيا لكل محاولات المساس بهذا الفن الرفيع لا يألو الشاعر جهدا في إثبات هذا المبدأ فنجده يقول

إن رضا المحبــوب طربنــا
وإن تمنع ماغضبنــــــا
وإن طلب حالا أجبنــــــا
هذا يامــولاي دربنـــــا
نحن نفخــر بي كرمنـــا
بي عفافنـا وبي حرمنــــا
نحن مابنقـول فعلنــــــا
سـل وســل أشعارنا عنّــا
ثم لنتلمس معا هذا الحوار الرائع , والتذكير من المحبوب علي لسان الشاعر للعاشق الوله وهو يطلب ويستجدي ولو نظرة تطفيء نار وجده , وهي تمتنع " ولا أقول تتمنع" عن ذلك في عفة ممزوجة بكامل الأدب , قائلة أنها لاتقبل حمدا أو ثناءا ينقلب فيه المكروه المحدود بالنظرة الواحدة إلي الحرام المطلق بالتمادي في النظر , ويذلك يعطي الشاعر درسا مجانيا لكل عاشق دنف

في العذرية وصفاء النفس .

قت ليت الأيام بندن تبقي لانت وسحابه دندن
بلماك النيران يخمدن ليك روحي وأجزيك حمدا
قال لي كــــيف تستوجب ليّ حمــــدا
من تعاطي المكروه عمدا غير شك يتعاطى الحــرام
*******************
ولم تكن أغنية الحقيبة تقتصر علي الأغنيات العاطفية أو الوطنية فقط وإنما كانت كلمة شاملة بكل ما تحمله من معان .. فقد تطرقوا بفنهم لشتي المجالات , فغنوا للطبيعة والجمال , وتنادوا جميعهم بغرس القيم والفضائل , ونبذ الخصومة علي مستوي الأفراد والجماعات وتنادوا بفضيلة الكرم والشهامة والمروءة , مستلهمين كل ذلك ممّا نهلوه من منابع القرآن الكريم أولا , وماقرأوه من عيون الشعر العربي القديم .. الذي زودهم بذخيرة فنية رائعة , ومفردات لغوية بديعة .ولا غرو إن قلت أن الصفات الجليلة العظيمة التي يتصف بها أبناء السودان بكل أشكالهم وعرقياتهم من كرم وشهامة ومروءة كانت ازدواجا ما بين التربية الدينية والروحية والأسرية الفريدة ,وبين كلمة الحقيبة التي كان لها دورا ساميا في تهذيب روح الإنسان السوداني وامتلائه بالحياء والعفة دون أن ينقص ذلك من اعتزازه وعزته

إذا فأن هذا الذي ذكرته في هذه الخاطرة لا يعدو إلا أن يكون قطرة من محيط (حقيقة الفن في حقيبة الفن) وكما ذكرت في البداية فأنني مهما حاولت الإبحار في هذا الخضم فإن مراكبي ستظل أبدا قريبة من شواطيء "حقيبة الفن" فربما يأتي يوم يحمل فيه أحد شباب المستقبل مفتاح" الحقيقة" ويبهرنا بما خفي عنّا داخل الحقيبة أو لم تدركه عقولنا المتواضعة
وفي الختام , كلمة أهمس بها في أذن الفنانين الشباب عامة , والجادين منهم علي وجه الخصوص الذين يحملون الفن قضية لغايات نبيلة وأهداف سامية , أقول لهم بكل التواضع انهلوا من فن الحقيبة .. فأنه بحر لا ينضب و ...........استشراف لما وراء حقيقة الفن

( الوصف الحسى لفن الحقيبة ( الحسية
مـن كتـاب رواد حقيبـة الفـن

اود هنا ان اورد من اين اتت هذه التسمية و ليس هناك افضل من ود البنا حيث انه فى خضم الحدث
يتداخل عاصم البنا فى مقال "الحزن فى حقيبة الفن" فى سودانيز اونلاين " لفظ الحسية ومفهومها الغريب الذى لازم السودانيين هذه الايام ليس بالوصف الذى تستحقه الحقيبة لان كتاب مابعد الحقيبة ينحنون اجلالا للحقيبة وانا شاهد على ذلك . هذه العبارة (الوصف الحسى) ظهرت ايام الطيب مصطفى مدير التلفزيون ولم تكن متداولة من قبل..... ولكن غُرس هذا اللفظ فى اذهاننا عنوة فى منتصف التسعينات .... لم نسمع كلمة الوصف الحسى دى الا فى التسعينات ومن خلال برنامج الفريق ابراهيم احمد رحمه الله ثم بعد ذلك بدات الصحف تكتب عن الوصف الحسى مع شوية فلسفة (والمسالة جاطت).... و يوافقه د. احمد القرشى بقوله: إن الحملة على أغانى الحقيبة بالإضافة للطيب مصطفى قادها وبشراسة الدكتور عبدا لله حمدنا الله عندما قال إن أغنية الحقيبة أغنية مصنوعة وحسية ولكن تصدى له أهل هذا الفن وردوه على أعقابه

و فى تحديد الفترة التى ساد فيها ما يطلق عليه "الحسية" يصف الشاعر عبيد عبد الرحمن فترة
تضارب
من كسراتــــه يا ســـاتـــــــــــــر

ثانيا: اتانا الاطار الحسى ممزوجا بالاطار المعنوى و هو يتجسد فى قول الشاعر الأمى
ظبى الخدور ... جهر العيون بالنور
ما بين نعيم و سرور...تايه خلى و مسرور
بيه الجمال مغرور... شفا شوفته للمـــغرور
بدرى و مولد حور ... منه السحر مسحــور
ثالثا: اتانا فى الاطار الغزلى (المعنوى) و هو يتجلى فى قصيدة عبيد عبد الرحمن (اللحن الغنائى
علشان ازهارك و علشان ازدهارك
علشان كبريائك و عظمة بـــــهاك
معجب لى ذكاك و لى نسمة دهـــاك
الحير دهائى و الرأى النـــــهائى
اقدم ليك ولائى عنوان من وفـــاك
و الاغنية فى اساها وسيلة ترفيهية و لكنها تؤدى فى الحقيقة دورا اساسيا فى ترسيخ كثير من المثل العلياز فهاهو عبيد عبد الرحمن يدعو لليقظة الشعبية فى قصيدة (بلادى
الحب فى فؤادى قراه و بـــــــــــــــوادى *** اتغنى فى وادى و اعتز بســــــــوادى بفـــــاخر
وطنى الفسيح فاضى و الثروة فى اراضى *** من اسمى اغراضى يصحى و يعيد ماضى بفاخر
كما خاطب لشاعر سيد عبد العزيز الشباب فى فى قصيدته (النهضة الادبية
ياشباب سودانى الامة ما بتتكمل *** ان شباب اتوانى خلى واجبه مهمل
للشباب و ثبات تدعو من يتأمل *** فيها يعرف كيف القوى يتحمـــــــل
للشدايد صابر بل يقاوم و يعمل *** و العمل مقدار قيمة الانســـــــــــان

يقول د. احمد القرشى فى معرض رده على تعليق احدهم " أن شعراء الحقيبة ما انفكوا يركزون على الوصف الحسي الجسدي بحكم الحواجز التي كانت تحول بينهم وبين البنات، فوصفوا جمالا بعضه حقيقيا والبعض الآخر متخيلا
أن القول بان شعراء الحقيبة يركزون على الوصف الحسي الجسدي..فهذا حديث تنقصه الدقة.... و التعميم دائما مخل. فليس كل شعراء الحقيبة شعرهم وصفى أو حسي...حتى شعراء الجيل الأول ( ابوصلاح العبادى ، ودالرضى ، العبادى) لم يكن كل شعرهم وصفى بل تغنوا للطبيعة و الجمال والفضيلة ومحاربة العادات الضارة وتحرير المرأة وللوطن وخليل فرح خير مثال لذلك ..وكون بعض شعراء الحقيبة يصفون جمال الحسناء فهذا لايقدح في حقهم ولا ينقص من مقدارهم وإنما يدلل على عبقريتهم ومقدرتهم على وصف الجمال وهم في ذلك تأثروا بالشعر العربي. وحتى شعراء الأغنية الحديثة قالوا شعرا وصفوا فيه مفاتن المرأة وصفا حسيا ودونك مريا لصلاح احمد إبراهيم ..واللقاء الأول للشاعر الصوفي قرشي محمد حسن والقبلة السكري والوكر المهجور للرائع حسين بازرعة..أليس هذه القصائد من أجمل الاغانى السودانية.؟....ودعنيا نسال انفسنا سؤالا أخير ما سر خلود أغنية الحقيبة حتى ألان إذا كانت لا تمس وجدان الشعب السوداني؟

الرمزيات فى شعر حقيبة الفن
مـن كتـاب رواد حقيـبة الفـن

يقول الترزى (13): كان شعراء الحقيبة يوردون التورية في شعرهم لاخفاء اسم البنت و عدم الافصاح به لأن المجتمع في ذلك الوقت يرى الافصاح باسم البنت فيه تشهير لها و لاسرتها و لذلك استخدموا التورية في اشعارهم

من الامثلة
يا خلاصة حسن الغانيات في أم در ملكنى هواك يا (نفيسة) الدر
أو اشواق (كتيرة) الدموع رهودا و للمناما العيون زهودا
نسيم الروض زورنى في الماسية جيب لى الطيب من جناين (آسيا
نفيسة الدر: يعنى الشئ الغالى في الدر أو النفيس و هو في نفس الوقت يقصد به اسم البنت و هي نفيسة
اشواق كتيرة: اى من زحمة الاشواق و كثرتها عليه أو على قلبه و "كتيرة" يعنى اسم بنت
و آسيا: قد تكون آسيا القارة أو آسيا زوجة فرعون و في النهاية أسيا هي اسم المحبوبة. انتهى (13

و مزج شعراء الحقيبة بين ماهو عاطفى و ما هو وطنى بل وضعوا معان عميقة فى اشعارهم فى تلك الفترة التى شهدت العمل من اجل الحرية مثل قول ابو صلاح فى "جوهر صدر المحافل" "شرط الحاكم يبقى عادل" و هو هنا و إن كان يخاطب المحبوب و لكنه يذهب الى ما هو اعمق من ذلك.(16)
يقول المبدع د. احمد القرشى فى مقاله الرائع بسودانيز اونلاين "الحزن فى الحقيبة
ود الرضى له قصائد كثيرة قالها في زوجاته مثل ست البيت بريدها براها أما زوجته بتول فلقد قال فيها

المرنوعة ...زى شمس الغمام في طلوعه أتنين
واتنين هو الرقم المقابل لحرف الباء في الحروف الأبجدية وهو اختصار اسم بتول زوجته .....أيضا ملهمة شعراء الحقيبة مليم فلقد قال فيها ودالرضى عدة قصائد مثل من الاسكلا وحلا وتلفان من الأجفان حيث ذكر الاسم

أتناعس ونام...من غير منام...عال يا أنام....ميمين يا لام ...الخاتى ملام ..للااقدام
.أيضا أشار إلى اسم مليم في أغنيته الجميلة
مية وتمانية وستة وستة ....حبيبي حليلو القام يوم ستة
وهذه 108+6+6= 120وهذه مجموع حروف مليم ...حيث حرف الميم 40 واللام 30 والياء 10 والميم الاخيرة40 المجموع 120
هذه حسابات للحروف الأبجدية ( أبجد ....هوز... حطي...كلمنت الخ..) يعرفها رجال الدين من الصوفية حيث لكل حرف رقم ابتداء من واحد وحتى عشرة ثم عشرين ثم ثلاثين الخ..بمعنى إن حرف الألف واحد الباء اثنين الجيم ثلاثة الدال أربعة حتى عشرة حرف الياء ثم الكاف عشرين واللام ثلاثين والميم أربع
ين الخ...ومليم انشد فيها شعراء كثر حيث قال فيها مصطفى بطران

عقلي انشغل بهواك والحكمة عيني.***لاجه ومجافية النوم يا اربعينى
وأربعين هو الرقم الذي يقابل حرف الميم أول حروف مليم

ناس الحقيبة دائما يستعملون الارقام للإشارة للملهمة وذلك لاسباب اجتماعية حتى لا ينفضح امرغرامهم واليك هذه الرميات والتى فيها يرمز الشاعر لاسم الحبيبه
اتنين وأربعين اسمك وراء وقــــــــــدام
والهضليم يا أم خد كساك بقى ليك اردام
رأس الدولة طايع يبقى ليك خــــــــــدام
وان خالف أوامرك حكمه بالإعـــــــــدام
وأيضاقال احدهم فى جميلة تسمى امنة (1=الف....اربعين= ميم
واحد وأربعين أنا جبت نماتــــه
بموية الدهب راسمين شليخاتــه
وين الزى علم ضايق عذاباتــها
مرتبة من جهنم...... بمخداتها
وقال أبو صلاح بعد أن زارته زوجته (زينب) بالمستشفى ويبدأ اسمها بحرف الزين ( يقابله الرقم 7
سبعة اتعطفت زارتني في الشفخانه
نار الحمه فجت وانكتم دخانـــــــــه
لمست جلدي قالت ما عليه سخانـــه
في رد الجواب تاهت علىّ الخانـــه
وأيضا قال أبو صلاح لفاتنة يبدأ اسمها بحرف السين (يقابله الرقم 60
سرى صافى النسيم رقص فروع الديــــــره
كم ميل ضمير ستيــــــــن وهزّ صديــــــره
مرّ على الرياض حضن الرخص في خديره
وفى النواره تقول شايله خمره يديــــــــره
نفحات النسيم....... احترت في تعبــــيره
سكران صاحي زى شاربلى قنطار بــــيره
بالحال العلى........ يابنيه انتى خبـــــيره
لو ارسلتى النسيم منك يكون تصبــــــيره
حتى الفنان الكبير بابكر ود السافل عليه الرحمة استعمل الارقام للإشارة لاسم محبوبته الذي يبدأ بحرف العين (يقابله الرقم 70) في أغنيته الشهيرة التي رقصت بها معظم عرائس السودان في الستينات والسبعينات..(.وهذه الملهمة كانت تلبس ثوب الحداد) .... من فريع البان البسوح نديان منه ياسلام...ويقول فيها
ديسك الكره من سواد مو شيب ناجى من حره
من غرام سبعين خائــــف انضـره
زولى ....فوق الجارعمره ما اتوره
*******
با السمح والزين ....زولى فايت النــد
مقدمك ....راجيك من تمانين جـــــــــد
لون جسيمها حريرمن يوم فطم ما بهد
والعجب سبعين يوم تفك الحــــــــــــد
******
با السمح والزين...نظرا قط ما كان
الظرف تامه خاتيه قول ان كـــان
من جمال سبعين اللبيب بركــــان
انت يا الفردوس جـــــنة الســكان

هذه الاغنية حاولت كتابتها من بابكر ود السافل ومبارك حسن بركات وعبدالعزيز محمد داود وهنالك اختلاف فى بعض الكلمات بينهم لا يؤثر على القصيدة. انتهى

يضيف "الترزى"و ابتكر شعراء الحقيبة ضرب جديد و هو استخدام الحروف الابجدية (ابجد..هوز..حطى..كلمن..الخ) و هذا الضرب اخذوه من الفقرا الذين يكتبون الحجبات و البخرات و يفتحون به الكتاب وهو مستخدم حتى الآن لدى الفقرا حيث يرمز للحروف الابجدية بالارقام

الرقم 2 يرمز للحرف ب: اذن البنت قد تكون بتول أو بدرية أو بنت وهب
الرقم 3 يرمز للحرف ج : اذن البنت تكون جليلة، جارة، جميلة
الرقم 4 يرمز للحرف د : اذن البنت دار السلام، دليلة، درية
الرقم 5 يرمز للحرف هـ: هدية، هدى، هانم، هاجر
الرقم 6 يرمز للحرف واو: وديدة ، وداد
الرقم 7 يرمز للحرف ز : زينب، زهرة، زليخة، زهور
الرقم 8 يرمز للحرف ح : حواء، حرم، حبيبة
الرقم 9 يرمز للحرف ط : طيبة، طاهرة
الرقم 10 يرمز للحرف ياء:
الرقم 20 يرمز للحرف كاف: كلتوم، كتيرة، كوثر
الرقم 30 يرمز للحرف لام: ليلى، ليالى
الرقم 40 يرمز للحرف م: مريم، مهلة، مهيرة، مى
الرقم 50 يرمز للحرف ن: نور، نعيمة، نعمة، نفيسة
الرقم 60 يرمز للحرف س: سكينة، سليمة، ست البنات، سلمى
الرقم 70 يرمز للحرف ف: فاطمة، فطومة، فريدة، فائزة
الرقم 80 يرمز للحرف ع: عائشة، عزة، عايدة، عاجبة
الرقم 90 يرمز للحرف ص: صفية، صافى النية
فلنخذ أمثلة بالشعر

واحد و اربعين بنت اللبيب عثمان
لاحامت فريق و لا جالست صبيان
***
و يقول مصطفى بطران
عقلى انشغل بهواك و الحكمة عينى
لاجة و مجافية النوم يا اربـــــعينى
***
ستين اسمك و الشعر كالليل
واحد و ثلاثين اربعة مئات
***
عينى قهرتيها يا ثمانية روحى ارتيها
واحد و اربعين (آمنة)، و سبعة (زينب)، و اربعينى (مى)، ستين (سليمة)، و ثمانية (حرم
المتتبع لهذه العملية يجد أن الحرف (أ) هو الرقم واحد ليس له اسم إلا إذا اضيف له حرف آخر أو رقم في الخانة العشرية مثلا

41 (آمنة) 61 ( آسيا) 31 ( العازة)
انتهى (المرجع 13

وابو صلاح عندما اراد ان يذكر طيبة (9) وصفية (90) فى اغنية(كنت رايق ساكن) وكان
ذلك صعب حينذاك اذ ان الخوجلاب كانت قرية فقال
الناس جروحهم تسعة
وانا بى جروح تسعين

و الجاغريو فى اغنية سميرى بقول " 600 الودودة" وهو يقصد خديجة
و يضيف د. القرشى
قال ابوصلاح في زينب زوجته الاولى عدة قصائد مثل

سبعه ام لونا غامق الخضار*** فائقه السندس لمعه ونضار

وكذلك قال فيها
ماله سبعة ام صدرا علا *** في قليبي النار تشعلا

وقال فيها أيضا أغنيته المشهورة
سبعة زينة الدنيا وسعوده *** منى فارق ياربى عو
السودانية (الكنكشة) ، مِن كنكش يُكنكش كنكشة
و يقدم مثالا على (الأوتوقراطية) الفنية السودانية فيقول أنه عندما انتهت فترة (حقيبة الفن) وأعقبها عدد من المبدعين، كان لكل منهم أغنية أو اثنتان من أغاني الحقيبة ، وهذا شيء طبيعي ، ولكن أعتمد البعض منهم اعتمادا كاملاً على أغاني الحقيبة بإدخال آلات حديثة عليها وإجراء بعض التعديلات في الأداء مما ضرب بعرض الحائط (الملكية الفكرية والإبداعية) و أذى كثيراً موسيقى تلك الفترة المتميزة .. هذا وأخذ البعض يصدح ليلاً بروائع الحقيبة وكأني به قد ورثها من أبيه !!"انتهي

أما من قاموا بترديد وتقليد أغاني بعض الفنانين وبصورة جيدة محببة تذكرك بالصوت الأصلي وتجد في ذلك بعض متعة كنت تجدها في أداء فنانها الأصلي و يؤدون هذه الأغاني إعجابا وفخرا بأصحابها الأصليين ولا يرجون من ذلك شهرة أو مالا .. فهؤلاء قلة لا يتعدون أصابع اليد الواحدة

الرجعة إلى أغاني الحقيبة ربما تكون ضرورية بالنسبة لبعض المطربين من حيث أن الحقيبة تمثل حجر الأساس للانطلاق "كانت الرجعة إلي حقيبة الفن احدي أسرار هذا الفن الخالد. و من الأسرار ما نستطيع بإمكانياتنا المحدودة أن نسبر غوره و ندرك كنهه و منه ما لا نستطيع لأنه سر تحوطه عظمة و تظلله عبقرية". (43

و هذا ما دعا الأستاذ عبد الحليم أبو قصيصة إلى الدعوة إلى وضع: "ضوابط إعادة أداء الأغنيات المعروفة أو إعادة إنتاجها. أولا وقبل كل شيء ينبغي فرز كل الأعمال الغنائية التي اعتاد الجميع على تسميتها بأغاني التراث وأغاني الحقيبة وأغاني الرواد وما إلى ذلك مما اعتبره الجميع ملكا مشاعا و"سبيل" يمكن أن يعب منه كل تسول له نفسه ذلك. يتم فرزها وفق المسئولية القانونية المترتبة على أدائها، بشكلها الأصلي أو بشكل مجدد، والمترتبة على إعادة توزيعها، والمترتبة على الاقتباس منها أو تجديد أو تحوير أحد عناصرها أو أكثر، وأخيرا المسئولية المترتبة على تسجيلها

غرض الفرز أولا ضمان حقوق الملكية المادية والمعنوية والتقيد بقوانين المصنفات الفنية المحلية المتماشية مع القواعد العالمية، وثانيا منع استغلال وتشويه هذه الأعمال، و قصر السماح بتناولها، بإعادة الأداء أو التطوير أو إعادة التقديم، بوجود رؤية فنية جديدة ووفق ضوابط تعمل على ضمان عدم العبث بمورثنا الغنائي، و وفق إستراتيجية تركز على الإنتاج الجديد لا التقوقع واجترار القديم

يقول الفنان محمد ميرغني أن الفنانين الشباب هم من قاموا بفصل سلسلة تواصل الأجيال بإرادتهم، وقال: قديماً كان هناك تواصل أجيال مميز، فعثمان حسين غنى «حارم وصلي مالك»، وكانت بمثابة جسر بين الحقيبة و الحديث، وأحمد المصطفى «أنا ما معيون»، وحسن عطية «حاول يخفي نفسو» فهذه الأجيال تغنت بالحقيبة، لكن في المقابل قدمت نموذجها الخاص بها، وكست الحقيبة ثوباً من التطور عبر الموسيقى، وهذا يعكس جدية الأجيال السابقة في التناول. ويحكي محمد ميرغني عن جيلهم فيقول: كان تواصل الأجيال يمر عبر سلسلة مميزة، فأنا تغنيت لعبد الرحمن الريح، وعتيق و أبو صلاح، وجاء بعدنا وردي والجابري و خليل، فكان التواصل قمة في الروعة، وكل هذه الأجيال كانت تقف على أرض صلبة وليست رملية، أما الآن فقد صار هناك استنزاف حقيقي للحقيبة ودون تقديم جديد مقنع، وهذا مدعاة للتوقف قليلاً

الموسيقار محمدحامد جوار، أكد بأن الحقيبة شكلت إرثا لأغنية الوسط تحديداً، وأضاف إنها شكلت قاعدة طيبة جداً لكل الفنانين الموجودين على الساحة، لكنه أكد انه ليس بالضرورة أن تستهلك الحقيبة إلى هذه الدرجة، فهي مثلت مرحلة من مراحل الأغنية السودانية
وأضاف جوار قائلاً: التسلسل الطبيعي للأجيال هو أن يبدأ الجيل القادم من حيث انتهى الآخرون، وأكد ان الارث السوداني كبير و متعدد ومتنوع، مضيفاً ان هناك اسباباً أدت للاقبال على الحقيبة من ضمنها ان لجنة الألحان قبل سنوات كانت تضع شرطاً ضمن شروطها لاجازة الصوت، ان يحفظ (5) أغنيات من الحقيبة، أما الآن فقد صار الفنان يغني كما يريد، وربما يمثل هذا اضطرارياً للحقيبة التي أجهدها الاستهلاك أما الفنان الكبير عوض الكريم عبد الله، فقد رفض تماماً فكرة فراغ الحقيبة من محتواها الجمالي، وقال إن الحقيبة ما انفك بداخلها"تلتين" لم يغنى بها، وأضاف قائلاً: الناس «تلوك» في أغاني معروفة ومعينة الآن، كما تحدث عن تناول الفنانين الشباب لأغاني الحقيبة، وقال بأنهم لا يتناولونها كما يجب، و هناك عدد كبير من المقاطع و"الكوبليهات" غير موجود، مؤكداً إن « فنانين اليومين ديل ما بسمعوا كلام زول»، كما أمن على أن الحقيبة هي ارث كبير ومهم للسودانيين

وأكد الفنان عصام محمد نور بأن أجمل ما تغنى عبر الأجيال هو غناءالحقيبة، وقال -عنه شخصياً- لم يتغنى بالحقيبة إلا عبر أغنية «كيف الحياة» للراحل عبد العزيز محمد داؤود، وأداها بنفس طريقته، وأوضح عصام إن الاقبال الكبير على الحقيبة يرجع إلى أن أغنياتها محببة لكل الشعب السوداني، فالفنان الذي يود الظهور الجيد لابد أن يغني «حقيبة»، لأنه
ده

ولكن ابوصلاح قال قصائد في ملهمات غير زوجته وهذا لايقدح في خلقه وأدبه وذوقه وتدينه وإنما يدل على رقته وشاعريته ..حيث قال في ملهمة رمز لها بالعدد سبعين وهو يقابل الحرف عين في ابجد هوز حطي كلمن سعفص.... حيث قال في أغنية ياحمام

يا حمام هل تدرى مابالى *** ولا طيف سبعين هبالى
يا حمام لو لىّ والغرام والى *** أو حكم ينظر لاقوالى
أما في أغنية الدلال والغرام عيوني فالملهمة هي فاطمة على الأرجح حيث رمز لها ( فا +تسعة) وتسعة تقابل حرف الطاء ..قال ابوصلاح
فاطره يقول لي فسروني *** ياكرام درا انثرونى
أما شلاخه اسرونى *** ديمه ف وتسعه ياسرونى
أما في أغنية العجب تيها فلقد رمز للمحبوبة بالحرف ثمانية وهو حرف الحاء حيث قال
الروح سحرتيها *** وأفكارنا فيك حرتيها
بى الغي قهرتيها *** ياتمانيه روحي ارتيها
أما في أغنية مستلم القليب البى هواك ممكون فقد رمز ابوصلاح لمحبوبته بالعدد خمسين والذى يقابل الحرف نون حيث قال
لازمت الفراش اتقلى كالمطعون *** بين لي بيان جمر العشق ملـــــــعون
ما الشارب له سم ما صب الطاعون *** ياخمسين لي حلمك يكون بالعون

وقال في نفس الملهمة أغنيته الشهيرة ( زوجته الثانية نفيسة صاحبة الرقم خمسين) ومطلعها هو
خمسين شبيهة البدر*** شوفة الفرضه ليلة قدرى

و هنا نتسال عن هل اخذ شعراء الاغنية المحدثون من شعراء الحقيبة فى ذلك الامر (الترميز) انظر ما يقوله يان اندرسون رئيس تحرير مجلة فولك روتس Folk Roots فى مايو 1986 حنيما تحدث مع البروفسير الماحى اسماعيل مؤسس معهد الموسيقى و المسرح و فريقه الفنى الذى ضم عبد العزيز المبارك و عبد القادر سالم و محمد جبارة فى لندن: "و حينما كان نظام نميرى يفرض رقابة مشددة على النصوص دأب الشعراء على اللجوء الى "الرمز" لتمرير اغنياتهم التى تنقل المعانى الوطنية و اشار بوجه خاص الى اغنية ناجى القدسى و المطرب حمد الريح "الساقية" . كما قدم البروفسير الماحى ترجمة لاحدى الاغنيات الرمزية للمطرب محمد جبارة و التى رمز شاعرها (السر عثمان الطيب) الى السودان باسم فتاة تدعى "نوره" . (1)

حقيبة الفن ... وسيلة ... أم غاية
مـن كتـاب رواد حقيـبة الفـن

تناول المطربين الشباب لاغاني الحقيبة أبرز سمات سلبية عديدة لم تسهم فى تقدم الفن الغنائي السوداني منها تقوقع البعض داخل أغنية الحقيبة و رفضهم الخروج حيث اصبحت حقيبة الفن تمثل لهم البقرة الحلوب أو الدجاجة التي تبيض ذهبا، كما ذهب البعض الي تشويه أغاني الحقيبة بالتغيير في كلمات و الحان أغنية الحقيبة، كما أن هناك البعض الذي أخذ ينسب أغنيات الحقيبة لنفسه كما روى ود القرشي (24) "حدثني الفنان الكبير بادي محمد الطيب انه كان يتناول إفطاره ويستمع للإذاعة وهى تبث برنامج جماهيري على الهواء مباشرة مستضيفة احد الفنانين الجدد فتغنى بأغنية" أم جبين بدري" بلحن آخر وخلط بين أبياتها وقال إن اللحن له فقال لي بادي انه ترك الأكل في مكانه وركب تاكسي بسرعة واقتحم استديو الإذاعة فرحب به المذيع فقال له بادي وعلى الهواء إن هذه الأغنية لابوصلاح ولحنها لكرومه وسجلها قديما على الشايقى على الاسطوانات وتغنى بها بادي كاملة فصفق له الجمهور كثيرا فكان هذا الموقف درسا لهؤلاء الفنانين الجدد ألا يتلاعبوا بكلمات الاغانى ويسرقوا الحان العمالقة وينسبوها لأنفسهم ... له الرحمة لم يكن يجامل أبدا في أغاني الحقيبة". انتهي

يذكرنا هذا بحادثة الشاعر محمد علي عبد الله الأمي عندما سمع في منتصف الليل وهو يستلقي على سريره في فناء منزله، أحد المغنين يردد في أغنيته «عيون الصيد الناعسات عيوني وعيون الليل حاكن عيوني» وذلك بكسرالعين في نهاية الشطر الأول، فما كان من الشاعر الا أن نهض وحمل عصاه وهرول نحو مكان الحفلة ونزل ضرباً في ذلك المغني الذي نفد بجلده من بطش الشاعر المرهف الامي.(الصحافة العدد 5297

عن هذا التشويه فى اللحن و الكلمة يقول الموسيقار محمدية إن الحقيبة مثلت أهم محطاتنا الموسيقية والغنائية مكسور، فهل يصعب على المصريين تركيب أنف له؟، لكن أرى أن لديهم إحساسا بقيمة الأشياء التاريخية كما هي»، وختم محمدية حديثه بالقول: نحن لسنا ضد الشباب وتناولهم للحقيبة، لكن من حقنا أن نوجههم ونطالبهم بعدم التشويه

أغاني حقيبة الفن نقلت الكثيرين من المطربين من عالم النسيان إلي عالم الشهرة و من الظلام إلي الأضواء و لازلت أذكر أول أغنية أشتهر بها مصطفي سيد احمد ألا و هي أغنية عتيق " الأمان" ، و الكثيرين من الذين يبحثون عن الشهرة يبتدئون بأغاني الحقيبة أو المتجدد من أغاني الحقيبة بإعادة التوزيع و غيره و يبقي يرضع من أغاني الحقيبة و يأبي الفطام ، و القليل يمضي يبحث عن الجديد كما فعل مصطفي سيد احمد

يصف توفيق عبد الرحيم منصور في مدونته (له باب اسبوعى في صحيفة اخبار اليوم باسم "دنيا") هذه الظاهرة بالأوتوقراطية الفنية و يقول: "الأوتوقراطية الفنية المسئولة أولاً وأخيراً عن قتل روح الإبداع في شبابنا .. وهذا النوع من الأوتوقراطيات أسميه بالعامية
لو أدى أية أغنية أخرى سيتعرض للمساءلة القانونية، هذا ان لم يتعرض لسهام النقد، وأكد عصام ان هناك فنانين شباباً يقومون بأخذ الاذن قبل أداء أغنيات الحقيبة، وأضاف ان جماليات الحقيبة تكسر الحاجز مع المستمع. وعن الاستهلاك الذي تتعرض له الحقيبة قال: الحقيبة أغنيات متوارثة ولاتوجد بها مشاكل او مطالبات مادية، ولعل هذا سبب رئيسي في اتجاه الفنانين لها، لكنها ما زالت بخير وتعبر عن الجميع. (صحيفة الرأى العام – تحقيق دندش

من الجانب الآخر و يلوم الاستاذ توفيق اجهزة الاعلام على تردى الاغنية الحديثة و عدم افساح المجال المعنوى للشباب فيقول "على الرغم من ظهور نوع جديد من الفنانين المبدعين (حقاً) أبان الخمسينات والستينات والسبعينات إلا أن جميع البرامج والنقد والصحف والمجلات ما فتئت تمجد الحقيبة وتوحي للشباب بأن لا شيء ينجح إلا بها . سبحان الله .. فسنّة الحياة الجديد والتجديد .هذا وقمنا نحن ! بتشجيع هذا الأمر من خلال برامجنا التلفازية والإذاعية والمحاضرات والندوات فلم نعط أية فرص حقيقية وتجديدية وتشجيعية أو تشاورية للشباب . كذلك هضمنا الإبداعات الفنية لفترة ما بعد الاستقلال ولم نعطها حقها في العرض والدراسات والنقاش . هذا وأضحت لدينا برامج تلفازية يستضاف فيها مغني للحقيبة (وليس من أهلها رحمة الله عليهم) ومعه شاعر أو متبحر في علوم الحقيبة ونقضي معظم الليل نمجد في الماضي البعيد ونهز الرؤوس إعجاباً حتى تكاد (العِمم) الكبيرة أن تسقط من فرط الطرب ، فتذهب نسوتنا للنوم، وشبابنا للعب الورق ، وبعضنا يخلد للراحة مراعاة وخشية ل(عامل السن) ! ويستمتع بالسهرة فقط و (بكل أنانية) البعض من جيلنا (ممن لم يحمل المسبحة بعد) .. نحن الذين فات زماننا .. و (سني ماشي كبير

و يستطرد ... الميادين الرياضية تترك اللاعب إن لم يتركها ، أما الفنية فيمكن (لصباح) أن تغني ما شاء لها ولكن ..!! من المستمع ؟ وهل يظل الإبداع هو ذاك الإبداع القديم ؟ .. فالغناء في المقام الأول هو للشباب وبالشباب ومن خلال الشباب .. ومن تغنى زمن الحقيبة كانوا شباباً وغنوا للشباب و (تباطنوا) مع الشباب وكلماتهم كانت تناسب ذاك العصر ، أما بمقاييس زمننا هذا فمعظمها حقيقة لا يناسب شبابنا فلهم دنياهم وزمانهم وكلماتهم .. فلنترك لشبابنا صياغة الكلمات التي تناسبهم والألحان التي تناسبهم والأصوات التي تناسبهم والأداء الذي يحبون ما دام في سياق الأدب والذوق والأخلاق المرغوبة

في الختام اتفق تماما مع الفنان أبو بكر سيد أحمد حيث يقول "أن هناك عوامل كثيرة أدت إلى اتجاه الفنانين الشباب إلى أغنية الحقيبة واتخاذها كبداية حقيقية لهم، أهمها أن شكل الغناء هذه الأيام قد صار مجرد «زبد» ولا يشجع الشعراء الكبار على الإنتاج، وأكد أبو بكر أن هناك قصوراً واضحاً في تواصل الأجيال، وقال: الأجيال التي سبقتنا لم تسلمنا راية، ولا نعلم هل هذا استخفاف، أم استحقار؟ وأكد بأن الهجرة إلى أغاني الحقيبة ترجع إلى أنها متوافرة، وختم حديثه قائلاً: من المفترض أن يتعامل الفنان مع الحقيبة «كعتبة» يضع قدمه الأولى عليها وينتظر أقرب فرصة ليضع الثانية بأعماله الخاصة

حقيبة الفن و العقيدة
مـن كتـاب رواد حقيـبة الفـن

يقول الجقر و الترزى إن أغنية الحقيبة تنبع من وحي العقيدة وذلك لما تشتمل عليه الحقيبة من المعاني والاقتباسات، والجناس والطباق، وكل فنون البلاغة العربية المعروفة، وقد عمل شعراء الحقيبة على الاستفادة من كل هذا التراث الديني في القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة. و الأثر الديني في شعر الحقيبة بداً منذ حسان بن ثابت الذي قال له النبي (ص): أرمهم يا حسان.. ولم يكن حسان يملك سهماً أو قوساً الا شعره وكلماته ليذود بها عن الإسلام.. وأهل السودان في كل مكان كانوا يدخلون باكراً الى الخلاوي قبل الدخول الى المدارس والكتاّب، وهذا جعل الأثر الديني في شعر الحقيبة واضحاً

االمديح

يقول الجقر: كان فن المدائح النبوية في جانب الاسلوب الشعرى و في التراث النغمى يمثل الثرى الذي استقت منه التجارب الاولى للاغنية السودانية. ظل الشيخ محمد ابو شريعة و هو أكثر الشعراء التزاما بما لايلزم -اى القافية ثلاثية الحروف- الاكثر تاثرا على شعراء الفن الغنائى. و لقد جاروه في هذا الاسلوب و التزموا بالتثليث بل و تربيع القوافى في بعض الاحيان و منها قول العبادى:
يا ملاكى ظروفى العصيبة
حايلة دونك مالى صيبة
قال لى هاك اقوالا مصيبة
كل نفسا توجد نصيبة
إن اثر المديح لم يكن مقصورا على الشعر المغنى و انما على الالحان أيضا، فمعظم ما عرف لاحقا باغنيات الحقيبة قد نظمت في الحان المديح (و في ذلك اقول: و في الاسلوب المتخذ حاليا في اخذ لحن الاغانى و و اضفاءه على المديح لهو عبارة عن رد الجميل). بعض هذه الالحان كان رائجا و بعضها كان اقل شهرة و من تلك الانشودة الصوفية الشهيرة
جلا جلاله
لا لو شريك و لالو مثالوا
في هذا اللحن الصوفى نظم ابو صلاح (وصف الخنتيلة) و نظم العبادى ( الضاوى جبينة) و نظم سيد عبد
العزيز (صفوة جمالك). (16)

و يقول الترزى: و بالمدائح تأثروا تأثيرا واضح حيث كان يختم بعضهم قصائدهم بنفس الطريقة التي كان يختم بها شعراء المدائح قصائدهم حيث الدعاء بالخير و اليمن و البركات و ألايشقى المحبوب في حياته بل يعيش عيشة جميلة ساهلة ذاهية رغدة
في ذلك نجد سيد عبد العزيز يقول في قصيدة "انا ما معيون
بعد ما ناح الطير في غصون يبقاله سمير و سرير و حصون

اما عتيق في شادن الأرام فيقول
عد ما نظمت كلام في شــــــعرى من ألام
أو عازل أبدى ملام ما لاح بريق في ظلام
مليون تحيــــــــــــــــة ســـــــــــــــــــــلام (13)
و حتى الات الايقاعية لم تسلم من التأثر بالمدائح حيث كان استجلاب آلة الرق في الغناء السوداني بواسطة سرور من مصر فى الثلاثينات و عرفها عند اصحاب الطرق الصوفية في مصر وقتئذ. (15)

وقد أورد الأستاذ السر أحمد قدور في برنامجه الرمضاني (أغاني وأغاني 2007)، على تلفزيون النيل الأزرق أن عميد الفن السوداني الحاج محمد أحمد سرور قد ألبس أولى أغانيه في لحن لمدحة قادرية معروفة، و يؤكد ذلك معاوية (1) اذ يقول: و قد اشار الشاعر و المسرحى السر احمد قدور فى عموده الصحفى الشهير "اساتذة و تلاميذ" الذى نشرته صحيفة "الخرطوم"ة الى ان محمد احمد سرور مبتدع الغناء الحديث (الحقيبة) قد اجرى كلمات اول اغنية وضع بها اساس الاغنية "الحقيبة" على لحن انشودة صوفية تنتمى الى الطريقة القادرية، لذا يمكن القول إن فن الحقيبة قد استند على تراث فني غني وخبرة عميقة من غناء الحكامات والدوبيت الذي كانت مجالسه العامرة تضج بفطاحلة الشعراء، وغذاء روحي ثر يتمثل في الإنشاد وأدب المدائح في مدح المهدي وخليفته، ثم وصف محبة النبي محمد صلوات الله عليه وآله وسلامه في نفوس السودانيين.. وجاء المهدي محرراً يبشر بالثورة والسلام، وكانت الهجرة إليه في البقعة المباركة أم درمان

القرآن الكريم
من امثلة التاثر بالقران الكريم يورد الجقر هذه الامثلة
يقول ود الرضى (احرمونى و لا تحرمونى... سنة الاسلام السلام) و يقول عن أغنية عبيد عبد الرحمن أغنية (من حور الجنان

سبحان من نشاك حسنة وفي غاية الجمال
يهواك الجنوب وإليك ينـــــقاد الشمــــــــال
وبها مدخل إيماني عميق بتنزيه الخالق إننا نلحظ الأثر الديني واضحاً من خلال قوله (المقدر لا بد يكون)، وكذا في قوله (ما عصيت مولاي ماني فاجر... نفسي يا أحباب ليها زاجر)، , و قصيدة أبو صلاح (يا سمير)، من الحان كرومة، وهي من أشهر الأغنيات التي ورد بها اقتباس مباشر من القرآن الكريم في قوله

ليلي طـال عتّم نشر توب الحَـداد *** من نجومه توشّح الـدرر الجُـداد
طرفي سـاهر يتـلو آيـات الوداد *** الشّجر أقـلام جميع والنيـل مداد
لو كتب أشواقي ليك ما عدّدا
و اقتبس أبو صلاح من قوله تعالى في سورة الأعراف الآية (134): (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)، في أغنيتة (كم نظرنا هلال)

"لو أدار لحظو على جبل دكــــالو.
. لو بسم أنزل دمع السحاب أبكالو
و يقول ابو صلاح أيضا (15
فرع البانة البيرتع يقود *** نظم افكارى و لبسن عقـــود
فوقـــــــك عهــــــــــود *** براءة و طه و ياسين و هود

و يقول على المساح
انت بدر السما في صفاك
قولى من عينى من خفاك
يا حبيبى متى وفـــــــاك
أنــــــت كعبة للبـــــــطوف *** انت جنــة و دانية قطـوف
و انت كل الحياة و اللطوف *** إلا قلبك قاسى ما عطوف
و الأمى يقول
خمرة هواك يا مى صافية و جلية
هي اللاعبة بالالباب لا "البابليـــة"
كم ليل انوح سهران و الناس خلية
عينى سهاد و دموع امست مليـــة
لو في النساء رسول كنتى النبيـــة
ود الرضى يقول
و افرح بى شبـــــابنا يعود *** يوم الوقفة في المــــعشر
كلانا في عقدنـــــــا الثالث *** فراحــــــى بحظنا الاوفر
برحمة ربنـــــــا الواســـعة *** ننـــــهل منـــــهل الكوثر
نلبس سنـــــدس الجنـــــــة *** جوار الزهرة و الحــــيدر
هناك لا نجوع و لا نعرى *** و شباب لا نموت و لا نكبر
على المساح يقول
الشاغلين فؤادى و تايهين فايقين *** يكفى البى سارف دمـــــــع المــــايقــــين
سامرت الكواكب لما الفجر لاح *** منادى الفجر نادى و قال يا اهل الفــــلاح
صلوا الوقت حاضر قاموا اهل الصلاح *** و انا الليل قايموا لا خيال لى لاح
الأمى يقول
هلمى روحى ليك يا مى هديــــــة
كان النبى المعصوم قبل الهديـــة
ليك منى الف سلام و الآف تحية
تصلك مع النسام بروح شجيــــة

و عندما عاد سرور من الحج كان في انتظاره كوكبة من الشعراء في المحطة يرددون
ليالى العود نعيم و ســــــــرور
الحج مبروك مبرور يا سرور
ابو صلاح
اجسامنا ليه جسمين روحنا واحدة كيف انقسمت قسمين
شئ عجيب في غرامــــــــــك يا فريع ياسمـــــــــــــين
شايقانى بســــــــــــمة فاهك در عقيــــــــــدة متيـــــــن
عندى الــــــــــــثلث من عقلى و عندك الثلثــ
ــــــــــين
صفـــــــــــــــحة هواك على قلبى تدونت تدويـــــــــن
دين محمــــــــــــــــد حق لا يقبـــــــــل التـــــــــــلوين
و أيضا

اعطـــف على يا ريم *** يا نــــــــافر الغزلان
خصرك دقيق و عليه *** قلبك حجــــر ما لان
ساكن بشاطئ النـــيل *** و بداخل الأبــــــدان
في حارة فيـــــــــــها *** محاسن جنة الولدان
أبو صلاح
قال لي لازم جرحك مدة الأزمان *** لا روايحى تطبك لا ولا لقمــــــــــان
البداوى جروحك إن شفتو يا سقمان *** في عصير الند البنضحو الرمان
الاشارة إلى لقمان

ابو صلاح
يا سمير بي نظرتك أوفي الميـعاد *** العيـون الشافـتك ما أسعــــــــــدا
قول لو يا المكحول طبع من غير سماد *** للصديره شـال وخصرو مــاد
يا المحجّب في غُـرف ذات العمـاد *** لو سهم عينيك صدف راس الجماد
غير شـــــــــــــــك دكّ الحـــــــــــــــــــــــــجارة وهمّــــــــــــــــــــــــــــدا

الاشارة إلى إرم ذات العماد

عبيد عبد الرحمن
صبوة جمالك صافي الماء على البــــــلور
ينعم صباحك خير ويسعد مساك النـــــور
أنا في شقاي ولهان يا الفي النعيم مغمور
فرشي القتاد ياجميل ثم اتسادي جمـــــور
يرضيني ما يرضيك والناس أمورها تمور
ومحال اسيبو هواك اذا السماء تمـــــــور
الاشارة إلى السماء تمور

سيد عبد العزيز
الجِنان في الدنيــا والليالي تــــــــدور
أم دي ليلة وجمعت بين شموش وبدور
وحاله حال الواقف في الحساب مأسور
رب محمد شفنا الدنيا نور في نــــــور
أنتهى (15

و يقول الترزى
يقول سيد عبد العزيز في قصيدة "مسوا نوركم"
"هل اتاك حديت الكوكب النضاح"

ونجد الآية الكريمة تقول "هل اتاك حديث الغاشية"

و ود الرضى يقول في قصيدة "مزارى"
" يا امانى من كل واقب مالو طيفك لى ما هو راغب"

و نجد الآية الكريمة
"و من شر غاسق إذا وقب"

و ابو صلاح اورد في شعره 20 شين و 20 عين و 20 كاف حيث قال في الشين
نشد الشاديات حشو البشم شاجيـــــــنا
شب شوقنا شوانا شكى الشغف ناجينا
شهد شف الشوادن شربه شوق راجينا
لاشك رشفة تشفى شعل شواظ وهجينا

و التأثر ياتى من الآية الكريمة 48 من سورة هود حيث ورد بها 16 ميم
قال تعالى " قيل يا نوح اهبط بسلام منا و بركات عليك و على أمم ممن معك و أمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب اليم"
انتهى. (13

وفى أغنية عزه وصالك يذكر بطران ألامه ومرضه وصعوبة علاجه حتى لو احضر له طبيب من مصر (ود القرشى
فكرى حار في رجوعه وحار معاه البصير

بيك أصبح جوفي جروحه فائقة الحصر

مابفيدنى طبيب لو كان يجئ من مصر

في فيافي غرامك... قلبي جارى السير
كيف أعيش دون قلبي عزه أين أسير
قلت أرسل طرفي..... لو يراك يسير
جاني دامع طرفي... وعاد لي حسير

هنا تأثر بالقران الكريم سورة الملك والآية التي تقول (ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير

المجاراة فى حقيبة الفن
مــن كتـاب رواد حقيبـة الفـن

المعارضة في أغاني الحقيبة

سأحاول هنا تقديم مقال عن المجاراة في حقيبة الفن و تأثيرها علي الفن الغنائي السوداني. سوف ابدأ بتعريف المجاراة و أنواعها و أغراضها ثم دراسة الفرق بينها و بين المجادعة ثم دراسة للمجاراة و علاقتها بفترة المضاربات ثم أنحرف بعد ذلك إلى ذكر المجاراة في العهود السابقة. هذه العهود تشمل المجاراة في عهد المهدية ثم عهد ما قبل 1920(الدوبيت) ثم أدلف بعمق إلى غرض هذا البوست من تقديم أمثلة وافية ترضي طموح عاشقي الحقيبة و دارسيها

معارضة أم مجاراة؟

هما كلمتان معناهما واحد و إن كان اتفق العرب على استخدام مصطلح المعارضة، أما في السودان فقد أطلق البعض عليها "مجاراة"، و حسب علمي الأصح هو "معارضة"

أعتمد البعض الكتاب و النقاد في السودان اصطلاح "معارضة" و منهم الناقد حمزة الملك طمبل فعندما هاجم في كتابه "الأدب السوداني و ما ينبغي أن يكون عليه" الشعراء التقليدين الذين يكتبون شعرهم تشطيرا و "معارضة" للشعر القديم قال لهم " هبوا إننا "عارضنا" بعض قصائد شعراء العرب فما هي النتيجة؟؟ النتيجة هي أننا لو وضعنا كل "معارضتنا" في كفة ميزان و أبيات الشيخ بابكر بدري الآتية (و التي جعلها البعض موضع سخرية) في الكفة الأخري لرجّحت كل "معارضاتنا" لانه يقول

جاء الخريف و صبت الأمطار=و الناس جمعا للزراعة ساروا

هذا بمفرده و ذاك بابنه=و الكل في "الحش" السريع تباروا

و بصرف النظر عن درجة حرارتها فهي تعطيك صورة صحيحة لوجه من وجوه الحياة في السودان". (38)

المعارضة

المعارضة لغة: قال ابن منظور في لسان العرب تحت مادة (عرض): "عارض الشيء بالشيء معارضة أي قابله، وعارضت كتابي بكتابه، أي قابلته، وفلان يعارضني أي يباريني". وقال الفيروز أبادي في القاموس: عارض الطريق: جانبه وعدل عنه وسار حياله، والكتاب قابله وعارضته مثل ما صنع أي : أتيتإليه بمثل ما أتى وفعلتُ مثلَ ما فعل

المجاراة لغة: في "أساس البلاغة" لأبو القاسم الزمخشري (جري): جاراه في كذا مجاراة، وتجاروا. وجرى على إجرياه، وهي طريقته وعادته التي يجري عليها. و في
خضر بشير قد تصرف فياللحن قليلا وأعطاه لونيته الرائعة...والأغاني التي على هذا اللحن (معارضة) هي..

- الشاغلين فؤادي للشاعر على المساح.

-الناعسات عيونن علي المساح وسجلهاللإذاعة الثنائي عوض شمبات واحمد يوسف



الجاغريو:


أغنية زهوري اليانعة (24) من أغاني احمدمحمد الشيخ الجاغريو وهى أغنية بها كلمات ومعاني جميلة ومعبرة دائما استمع لها بصوتمبارك حسن بركات لان لها لحن جميل وهى من أغاني المجاراة حيث جاراها شاعر توتي برمحمد نور بأغنية أفكاري تائهة في أوصاف عديدة والتي سجلها للإذاعة أولاد توتي وتغنىبها الفنان إبراهيم خوجلي.



أفكاري تايهه من أوصاف عديدة ظهرت بى قوافي

وفنونجديدة
*********
تطربني القماري في غصنك نشيده
يا الحزت المحاسن يا المنيةالوحيدة
أنا يا نور عيوني محبتي ليك أكيده
يا الصاين جمالك حسادكتكيده
********
قربك لي سعادة و شوفتك لي مفيدة
بشكي ليك حظوظي وظروفيالعنيدة
يا الناعسات عيونك لي عينا سيهده
بى حالي وسهادي نجوم الليلشهيدة
*********
يا حبيب انت جافي نيراني بتزيده
شايل قلبي عندك والروحانت سيده
يا عقد الجواهر يا معنى القصيده
تضرب بى سهامك أرواحناوتصيده
********
حبك يا حبيبي أصبح لي فريضة
في وصفك مكمل في ذاتكفريدة
أنت سلبت روحي وأنا روحك بريده
شفنا الصيده عارت من جيدكوريده
********
الروح تهوى ذاتك يا حبيب وأنت عيده
البدرين تهابك من حسنكبعيده
نظراتك دواى وما منظور تعيده
لو طيفك يزورني دى الليلةالسعيدة


و كذلك أغنية أنت كلك زينه أيضا منكلمات الشاعر بر محمد نور و وهى من أغاني المجاراة حيث تجاريها فياللحن أغنية النسيم هبالي لابو صلاح..



خليل فرح:


كما ذكرنا في المقدمة أن من أغراض المجاراة هي اختبار شاعرية الشعراء كان يتم بواسطة الشعراء الثلاثة سلطان العاشقين و بدري و جقود و أحيانا مركز. و في حادثة مشهورة و هي حادثة اختبار شاعرية خليل فرح عند أول قدومه للعاصمة يقول المبارك ابراهيم (5) روى لنا رجل الأعمال بشير عن ذكرياته مع الخليل في ورشة كليةغوردون "في عام كان خليل في قسم البرادين وعمره 15 او 16و بعدمرور سنتين أو ثلاثة ابتدأ يشتهر كشاعر دوبيت يعشق الجمال و انتقلت شهرته إلىالخارج حتى وصلت كبار شعراء الدوبيت بأم درمان و لقوتها لم يتجاهلوها و قرروا أنيمتحنوه و يجسوا نبضه لمعرفة مدى عمق شاعريته و مقدار تقديسه للجمال. فأرسل إليهالشاعر يوسف حسب الله "سلطان العاشقين" نيابة عنهم بيت من الدوبيت يتضمن هجاءمفتعلا لواحدة من البنات و طلب منه أن ينظم بيتا على منواله. استاء خليل و رد عليهيقول "أنت ما تستحق تكون تابع للعاشقين" فأدركوا أن خليل شاعر مثالي و محب و مخلصللجمال لان من تكون هذه صفاته فانه لا يوجه إساءة للبنات.

ثم حدد ثلاثة منهم يوملزيارته في الكلية و الشعراء هم يوسف حسب الله، محمد على عثمان بدري و مركز و عندالزيارة ذات مساء أجلسهم خليل على عناقريب في نجيلة الداخلية و دخل مركز مع خليل فيمجادعة مرتجلة (و أظنه هنا يقصد مجاراة و ليس مجادعة حيث إن الاثنان يختلفانفالمجاراة كما يقول فرح عيسى في كتابه"الإبداع في الشعر الشعبي" تستدعى الإتيانبجديد الشعر أما المجادعة فهي تستدعى حفظ الشعر للمشاركة) و يقول الراوي و كان شاهدعيان و كان ذلك في عام 1911: (من الجدير ذكره أن المجاراة هنا كانت في المعني و القافية)

قالمركز

يا محسن خضار النحن فيه جلسنا *** و يا ملطف أديب البيه تمانسنا
الطير في انشراح طنّ و رجع عاكسنا *** و حرك للشجون و من السهادالبسنا

و بعد مرور دقائق منالصمت اخذ خليل يبرم جزء منشعر رأسه لأنه لم يكن له شنب قال:

يا محلى الأنس ياإخوان في دي ليلة=دا قيس بن الملوح و جميل وعاشق ليلى
القاسوا العذاب لو يدركونالليلـــــــــــــــة

فقالمركز:

اليوم يا خليل حب الخليل صار صـــافي=زاد جسمي ابتهاج هذادليـــــــــــلا كافي
شيل الحب تقيل هدهد علىأكتافي=و إن رمت الوصال فالأمر ليكلاخافي

فقالخليل:

يا مركز إن كل الحلوق مايلالا= إن وصلت و إن صرت قيسخايلالا
حقا رق ساقها المعتدل شايلالا=رفقا يا نديم تشكى و تميلبدلالا

استمرت المجادعة (المجاراة) مدة وأخيرا أوقفهما الحكمان يوسف و محمد و شهدوا لهما بالبراعة و الشاعرية و سرعةالبداهة و عند توديعهما أشار مركز إلى إحدى مصابيح الإنارة المقامة عند ميدانالنجيلة بالكلية و قال:

زى كشم أم رشوم برقا قبلنايــــلإلي=و يهرج للعيون ذكرني نوره يـــــلإلي
يا أم جسما حكي التبري الصفايـلإلي=طول من جلوسها و جبهتها البتــــلإلي



حدباى احمد عبد المطلب الشهير بشاعرالجمال من أكثر أصدقاء الخليل تعلقا به و هو من رواة الخليل يحفظ أشعاره و يشرحها وقد جاراه في الكثير من الأغنيات و المشهور منها:

زهرالرياض بغصونه مـاح

و أتراخى في الساحة أمسماح
شايقنى طبعـهالجماح

و التي نظمها الشاعر في عام 1928 في حفل زواج صديقه محمد الحسن عثمان منصور و قد تغني بها الثنائي الأمين برهان و كرومه و أخيرا عبد العزيز داوود. و يقول عنها
.



يقول ابن رشيق القيرواني في كتابه "العمدة في محاسن الشعروآدابه": "التّوليد هو أن يستخرج الشّاعر معنى من معنى شاعر تقدّمه؛ أو يزيد فيهزيادة, ... والاختراع خلق المعاني التي لم يُسبق إليها... والإبداع إتيان الشاعرباللفظ المستظرف الذي لم تجر العادة بمثله... فصار الاختراع للمعنى والإبداع للّفظ،فإذا تم للشاعر أن يأتي بمعنى مخترعٍ في لفظ بديعٍ، فقد استولى على الأمد"


و بدأ التنافس و المجاراة، و أمثلة المنافسة كثيرة في تلك الفترة، حيث كانت هناك منافسة حامية الوطيس بين كلالشعراء تقريبا و في كل المجالات تقريبا و لكن ازدادت فيفترة من الفترات و انحصرت بين أبو صلاح و عمر البنا و عتيق و كرومه من جهة و سيدعبد العزيز و بطران و ود الرضي و العمري و سرور من جهة أخري و سميت بفترة المضاربات و اعتبرت منالمنافسات السالبة لأنها خرجت عن أصول المنافسة البناءة.



و عن علاقة المجاراة بالمضاربات يقول الأستاذ مبارك المغربي (2) "المجاراة يتناقلها المجتمع هنا و هناك لاسيما المحاورات أو قل المضاربات – إن صح ذلك – بين أبي صلاح و سيد و بين عمر و سرور و بين سيد وعتيق و كلها محاورات لم تخرج في بادي الأمر عن روح التنافس الشريف و التحدي الكريم، و لكنها تطورت آخر الأمر إلى سباب و مهاترات ووصلت إلى الأسماع من أصوات الفنانين أنفسهم". بينما يقول أستاذنا الضليع في هذا المجال ود القرشي (24) "المضاربات هي التي أظهرت وخلقت المجاراة في اللحن والمعنى". و من هذا يمكن أن نخلص إلى أن المجاراة هي التي أدت إلى ظهور المضاربات (راجع بوست المضاربات) مثلها مثل المزاح الذي سرعان ما يتحول إلى جد.



يري الأستاذ مبارك المغربي (2) أن المجاراة أثرت الأغنية السودانية و دفعت بها للأمام فيقول " شهدت حقبة العشرينات نهضة الغناء السوداني و كان لابد أن تلتقي أو تصطدم عناصر تلك النهضة مع بعضها البعض مما أثرى الأغنية السودانية و دفع بها للأمام".



بينما لا يتوافق رأي الأستاذ ود القرشي مع الرأي السابق للمغربي أو علي الأقل في مجال اللحن فيقول "المجاراة لم تثرى الغناء السوداني في اللحن لان الشاعر يجد لحنا جاهزا وينظم عليهالقصيدة ولكنها طورت الكلمة والمعنى الذي يتناوله الشعراء ...وهنالك قصائد مجاريةكلماتها أجمل من القصائد الأصلية ولكنها لم تجد حظها من الانتشار نسبة لان المستمعتعود على كلمات اللحن الأولى ورسخت في وجدانه ...فمثلا أغنية ضيع في هواك يامهفهفحرام جارى بها أبو صلاح نفسه والأغنية الأولى هي خلى العيش حرام والتي لحنها وسجلهاكرومه ونالت انتشاراً أكثر عندما سجلها للإذاعة أولاد المأمون وتغنوا بها فيالحفلات ...بينما أغنية أضيع في هواك سجلها للإذاعة أولاد الموردة ..... وأولادالمأمون كانوا أكثر انتشارا في الحفلات من أولاد الموردة مما أدى إلى انتشار أغنيةخلى العيش حرام".




يستطرد ود القرشي "والمجاراة تكون في اللحن والمعنى والمضمون بينما المعارضةتكون مجارة في اللحن فقط بينما يختلف المعنى والمضمون .... ومثال آخر للمعارضةوالمجاراة أغنية في الضواحي وطرف المدائن للشاعر خليل فرح والتي تغنى بها الحاجمحمد سرور وأهداها للفنان إبراهيم عبد الجليل الذي سجلها على الاسطوانات وساعد علىانتشارها الفنان عثمان الشفيع بينما عارضه عبيد عبد الرحمن بأغنية من محاسن وحسنالمحاسن والتي تغنى بها سرور واستمعنا لها من أولاد المأمون والأغنية الثالثة هيمجاراة لخليل فرح ومعارضة لعبيد عبد الرحمن وهى أغنية شوف محاسن وحسن الطبيعة للشاعرإبراهيم العبادى وسجلها في الاسطوانات الفنان الكبير الحاج محمد احمد سرور لشركةميتشجان سنة 1935 بمرافقة عطا محمد وعبد العزيز عطية وبشير سليمان ككورس والعازفالسر عبد الله على الكمان. أما الأغنية الرابعة فهي للشاعر الكبير المنسي والذي ظلمكثيرا عبد الله العشوق أغنية في التغزل وبين المسارح ليلنا أدبر والفجر لاح والتيسجلها للإذاعة الفنان الكبير بادي محمد الطيب ولم يتغنى بها فنان آخر.... وأيضا الشاعر عتيق جارى هؤلاء بقصيدته في الضواحي وطرفالقضارف ولم استمع لها من احد الفنانين...



أمثلة للمجاراة عند شعراء الحقيبة، تفوق الأستاذ أحمد القرشي (24) في سرد معظمها:

العبادي:


أبو صلاح لم ينضم للسلك الشعري الغنائي الجديد الذي أسسهالعبادي إلا بحلول عام 1924(حيث كان ينظم شعر الدوبيت قبلها) مبتدئا بقصيدة مطلعها(1) :

ليلة القدرنصحبهـــــا
ألف سهلا و مرحبا



و هي مجاراة لقصيدة العبادي التي يقول فيها:
نظرة يا ظبيةالســـــلام
تبقى من هجركســـــلام
دمت يا روضة الزهــور
تجرى في خدودكالنهور
تبقى زى سالف الدهور
خالية من ربقةالمهـــــور
الغرام عامل احتــــــلال
رشفة من نيلك الــزلال
يعيش حاجبكالهـــــلال

أغنية الناحر فؤادي (24) تغنى بها خضر بشير أو الناهب فؤادي كما سجلهاللإذاعة الفنان نور الدائم محمد وهو من فناني الحقيبة لكن لم يجد حظه من الانتشارولم يستمر في الغناء طويلا..وهى من أغاني المجاراة أيضا إلا أن
نيتينسجلهما الفنان عمر البنافي اسطوانات وهما قصيدة وصف الخنتيلاو قصيدة يا ربيع في روضالزهور.



أغنية يا حبيبي فؤادي (24) من أغاني المجاراة ولقد جارى بها أبوصلاح أغنية يا نعيم الدنيا لعمر البنا ولقد تغنى بنعيم الدنيا أولاد شمبات وأولادالموردة وسجلت في الإذاعة بصوتهما وكذلك سجلها بالموسيقى عبد العزيز محمد داود أماأغنية حبيبي فؤادي فلقد سجلها للإذاعة أولاد الموردة كما سجلها للإذاعة عبد العزيزمحمد داود..
أغنية يا عيني وين تلقى المنام (24) من أغاني عمر البنا المشهورةوالتي سجلها على الاسطوانات الفنان الأمين برهان وهى من أغاني المجاراة حيث جاراهاعمر البنا نفسه بأغنية طال وجدي بيك وبحق نبيك عيرني نظره لا تحرميني وهذه الأخيرةسجلها على الاسطوانات الفنان إبراهيم عبد الجليل وعلى أشرطة الإذاعة الثنائي المبدعميرغني المأمون واحمد حسن جمعه كما سجلها أيضا بادي محمد الطيب.

أغنية يا عيني وين تلقى المنام (24) من أغاني عمر البنا المشهورةوالتي سجلها على الاسطوانات الفنان الأمين برهان وهى من أغاني المجاراة حيث جاراهاعمر البنا نفسه بأغنية طال وجدي بيك وبحق نبيك عيرني نظره لا تحرميني وهذه الأخيرةسجلها على الاسطوانات الفنان إبراهيم عبد الجليل وعلى أشرطة الإذاعة الثنائي المبدعميرغني المأمون واحمد حسن جمعه كما سجلها أيضا بادي محمد الطيب لهم الرحمة جميعا.

عبيد عبد الرحمن:

أغنية ولهان هامي دمعي 024) و التي جاري بها عبيد أغنية مرضان باكي فاقد لمحمد على عثمان بدري من أغاني عبيد عبد الرحمن الفريدة لأنها تحوى كلمات ومعانيمعبرة وحزينة أيضا وسجلها للإذاعة الثنائي ميرغني المأمون واحمد حسن جمعة بصوتهمالجميل المعهود....و لأنها من أغاني المجاراة لم تجد حظها من الانتشار .

كثير من الشعراء ابتدأ إنتاجهم الشعري بالمجارة و أظن أن ذلك كان أدعي لإثبات جدارتهم (للمقارنة) عما لو كان إنتاجا جديدا و منهم عمر البنا و محمد على الأمي

سيد عبد العزيز:

من أمثلة المجاراة التي لم يتعرض لها أستاذنا ود القرشي المجاراة التي كانت بين عتيق و سيد عبد العزيز. فالاثنان كانا ينتميان إلى مجموعتين مختلفتين إبان فترة المضاربات، حيث كان عتيق من مجموعة أبو صلاح و البنا بينما سيد من مجموعة بطران و العبادي و هذا مما أشعل التنافس و المجاراة بينهما. ينتمي نوع المجاراة بينهما إلى المجاراة بغرض إظهار ضعف القصيدة التي تم مجاراتها و في نفس الوقت إظهار القدرة علي الإتيان بالأجمل و لكن يفتقد هذا التناول إلى خسران الأسبقية في تناول المعني . من أمثلة المجاراة بينهما، فقد جاري الشاعر محمد بشير عتيق بقصيدته المشهورة الأوصفوك و التي لحنها وغناهاالمبدع المرحوم خضر بشير قصيدة الشاعر سيد عبد العزيز في قصيدته حاول يخفي نفسه.

و جاري عتيق في المعني دون القافية و هو شاب لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره عند أول ظهوره في مجال الشعر الغنائي أغنية سيد عبد العزيز
يا أماني و جار بي زماني=لو أراكم أصبح سعيد
فقال:
يا منايا و زاد بي ضنايا=كيف علاجي و أنت الطبيب

كما جاري في المعني الشاعر عبد المحمودسلمان بقصيدته ياحقيبة الفن العظيمو التي لحنها و غناها عوض شمبات و احمديوسف و يقول فيها:
ياحقيبة الفن العظيم=أنت باقية و معنــــاك جســــــــيم
و هي مجاراة لقصيدة الشاعر عبد الرحمن الريح

يا حقيبة الفن الأصيل=أنت راقية و شعرك جميل
الفي دلاله للشاعر سيد عبد العزيز(24) هي أجمل ألحان الحاج محمد احمد سرور ولقد سجلها على الاسطوانات بمصاحبة آلة القربةوالتي عزف عليها الموسيقار السر عبد الله كما سجلها للإذاعة الفنان عبيد الطيبوعبد العزيز محمد داود وهذه الأغنية جاراها الشاعر على المساح بأغنية الفي خدوره.

ود الرضي تأثر كثيرا بقصيدة سيد عبد العزيز(1):

نظرة ياالسمحة أم عجـن=لو كان قليل يشفي الشجن

فقام بمجاراتها بأغنية:

مرة مرة يا نسيمالسحر

ود الرضي:

أغنية تيه يتاكى (24) والتي صاغ كلماتها الشيخ محمد ود الرضي ولقد سجلها في نهايةالخمسينات الفنان مبارك حسن بركات وهى من أغاني المجاراة ولقد تغنى بها الحاج محمداحمد سرور أولا و جارى بها ود الرضي الشاعر أبو صلاح في أغنيته المشهورة وصفالخنتيلة والتي سجلها على الاسطوانات الفنان عمر البنا وسجلها لاحقا للإذاعة الفنانعوض الجاك بلحن تقيل ثم تغنى بها الفنان عبد الكريم الكابلي وسجلها للإذاعةبالموسيقى بلحن قريب من لحن عوض الجاك .. وجاراهما أيضا الشاعر إبراهيم العبادىبأغنية الضاوى جبينه والتي سجلها على الاسطوانات الفنان عبد العزيز مصطفي ثم سجلهاللإذاعة أولاد شمبات في بداية الستينات وتغنى بها مؤخرا ثنائي العاصمة.

بلابل الدوح (24) وهى من أغاني المجاراة حيث جارى بها العباديأغنية ود الرضي ليالي الخير جادن هذه الاسطوانة بحوزة فيصل سرور ( نجل الفنان سرور ) لكنهرفض إهداء نسخة من التسجيل للإذاعة لأسباب خاصة به بالرغم من مناشدة الأستاذ عوضبابكر له كثيرا من خلال البرنامج ... ويقول الذين استمعوا لهذه الاسطو
أخاه في الحديث أو الشعر أي يبادلهفي الشعور ولكن على طريقته الخاصة ودائما ما يكون أسلوب المجادعة في موضوع واحدفقط وكل يدلي بدلوه

"المجادعات لا نعد تصنيفاً أدبياً منفصلاً (على الأقل حتى الآن) ـ وحسب ظني أنهاكمصطلح إجتراح سوداني خالص، خرج من رحم الدوبيت الذي لا تلتزم مجادعاته نظام (الموضوع الواحد)، ربما الفكرة العامة مثل: الغناء للطبيعة، أو الشجاعة. أيضاًمجادعات الدوبيت لا تعتمد أسلوب الحوارية أو الالتزام بالنصية المشتركة ولا حتىالقافية نفسها". (صلاح هاشم السعيد – منتديات البركل)

و يؤكد الأستاذ عبد الحميد محمد (42) أن الباحثون في الأدب الشعبي يطلقون على المساجلات التي تحدث بين الشعراء أسم "مجادعة" و كأن بمن يلتقون من الشعراء "يتجادعون" القول و الحديث فيما بينهم في موضوع واحد. و يورد المثال التالي لثلاثة شعراء جمعت بينهم ربما إنداية و حسناء جارية هذه الانداية. يقول الأول و يدعي عبد المنان (عمر كبوش - التراث الشعبي لقبيلة المرغوماب

جيت فوق أم شديدة الليلة ضيف و غريب

مبسوط قمت من الشارقة فوق داليب

آسف يال الجراح سيفك عُقُب ما بطيب

فات بي اللوري ما عندي المشبه خبيب

ام شديدة: بلدة بدار الشكرية، داليب: اسم بلد

و فال الثاني و يدعي حميده

ظبيا لاقي في قالب المهاوي عشيب

حسس غايس المرض البقالي سريب

لحت دوف هجين قارح معيز داليب

مُهره سبيكة و جدية لونه نيم و تليب

سريب: مرض الألتهاب، قارح: قوي

و قال الثالث و يدعي السيد

قوسيب الرقيقة الزرعو قام كوشيب

و لا طريفي مارق قرنوا دوبُو نشيب

جراحو الفي الضمير ما ... الخشيب

جميلا صوتوا لا يسع الرأس و رابدُ و الشيب

الرقيقة: بلاد زراعية يملكها الشاعر (المشروحات لعبد الحميد)، الخشيب: كلمة غير واضحة للمؤلف

الأخوانيات: هذا اللون الطريفمن الشعر يصور العلاقات الاجتماعية بين هؤلاء الشعراء وبين أصدقائهم وأحبائهم, ففيهالتعزية والشكوى والصداقة, والود, وفيه أيضا المداعبات والظرف والشعر الضاحك.‏

و يقول الشاعر الواثق عبد الرحمن "الأخوانيات في الشعر مصطلح شائع الاستخدام في الموروث الشعري العربي ويعني أن يردشاعر على قصيدة لشاعر آخر بنص شعري مقابل، أما على سبيل التفكه والمداعبة أو علىسبيل المعارضة والتحدي أو للتعبير عن عدم رضا الشاعر عن مضمون النص الأصلي وربمالأي سبب آخر، وقد غلبت تسمية الأخوانيات على هذه العملية الإبداعية لأن غالب هذهالمعارضات تمت في إطار ودي ولم تخرج على أصول العلاقات الاخوانية والحميمة بينالشعراء الذين كانوا في الغالب أصدقاء أو أخوان يجمعهم النسب الصادق تحت ظلال شجرةالكلمة المبدعة والموهبة السيالة والنظم الأنيق." ( أشعار في حضرة الشعر ـ مختارات من الأخوانيات واللطائف الشعرية

و يقول الأستاذ صلاح هاشم السعيد "الأخوانيات تختلف عن المجاراة ـ علىافتراض مجمل الرد على قصيدة بقصيدة (استناداً للموضوع المطروح) ـ ولا يمكن وصفالمجادعة (في الأخوانيات) بالجنس الأدبي المنفصل

و المجادعات في شعر الأخوانيات ـ غالباً ما تكون المجادعة قليلة الأبيات ـمع الضغط والتكثيف ـ أيضاً تناقش بالضرورة الموضوع المطروح في القصيدة السابقة ـوقد تلزم القافية ـ ومن سماتها السرعة في الرد مما يضفي على المشهد الحواري الشعرينوعاً آخر من الحيوية والفاعلية والحراك

نبذة تاريخية
المعارضات الشعرية هي أحد الفنون الأدبية في الأدب العربي،وهي نوع من المباريات الشعرية التي تجري بين الشعراء، وهي تختلف عن التقليد فهي نوعمن إثبات الذات والقدرة على الإبداع في ظل قيود معينة، وتبدأ بأن ينظم شاعر ماقصيدة، فيأتي شاعر آخر، إما للإبداع داخل هذا القالب لأنه أعجبه وإما لنقض معانيهذه القصيدة وأفكارها لأنه يتبنى وجهة نظر أخرى مضادة، لكنه إمعانًا في التحدي يلزمنفسه أن يبدع في نفس القالب الشعري الذي التزمه الشاعر الأول، فيلتزم نفس الوزنوالبحر والقافية، وقد ازدهر هذا الفن في عصرنا الحديث حيث يعد أمير الشعراء أحمدشوقي من أبرز رواده

وفي كتابه (تاريخ المعارضات في الشعر العربي) يقولالدكتور محمد محمود قاسم نوفل رئيس قسم اللغة العربية بجامعة النجاح في نابلس أنالمعارضات الشعرية تعود إلى أيام الإسلام الأولى، وأن هناك قصائد نالت إعجابالشعراء كثيراً فأكثروا من معارضتها كقصائد البوصيري وكعب بن زهير، ويعد هذا الفنإحياء للفن العربي ولتراث الشعراء السابقين في كل زمان ومكان، حيث تنشط فيه الحركةالأدبية الشعرية ويربط ماضي الشعر بحاضره

ولم تقتصر المعارضات على الشعرفقط فقد تعدته إلى النثر فشملت الرسائل والمقامات، كتلك التي ظهرت بين الخوارزميوبديع الزمان الهمذاني في مجال الرسائل، كما عارض ابن شرف الأندلسي بديع الزمانالهمذاني في مقاماته فعمل مقامة في ذكر الشعر والشعراء
وقد كانت المعارضات في تراث الشعر العربي توحي بقدرٍ من فحولة الشاعر المتأخر حين يُجيد في معارضة قصيدة متقدمة اكتسبت شهرة بقصيدة تجري في مضمارها، وتحقق لنفسها قدرًا موازيًا من الشهرة والقبول. لك