قناة/ علي فريد
19.5K subscribers
15 photos
11 videos
2 files
23 links
القناة الرسمية لمقالات وكتابات علي فريد
Download Telegram
إني لأعلمُ أننا- لطولِ تَقَلّبِنَا في حَمأة الديكتاتورية والطغيان- نشتاق العدلَ الذي قامت عليه السموات والأرض.. وهذا مطلب فِطريٌ لا ينكره أحد.. بل إننا- كمسلمين- مأمورون ببذل الجهد والجهاد لتحقيق إعمار الأرض بالعدل من خلال تحقيق العبودية لله وحده.. بيد أننا نخطيء بشدة حين نَظنُّ أن استخدامنا لمنهجٍ ثَبَّتَ أركانَ الطغيان عندنا سيُحقق لنا العدل المنشود والكرامة الضائعة والحرية المؤودة.. ولئن خُدِعنا مرةً فلا يجوز أن نُخدَعَ أُخرى.
المُعَافِرون في الطريق الخَطأ قد يُشكَرُ جَهدُهم وجِهَادُهم، وتُقَدَّرُ تضحياتُهم ونضالاتهم، ولكنهم- في النهاية- ليسوا أكثر من "عاملةٍ ناصبة" يزرعون البحر ويَغزِلُونَ الهَواء ويبنون على الرمل.. وحقيقٌ بمن وضحت له الطريق ألا يُنكرَ فضلَ من خَلُصَت نيتُه وبَذلَ وُسْعَهُ منهم؛ فلو لم يَكنْ لهم من فضلٍ سوى أنهم أرشدونا بخطئهم إلى الصواب؛ لكفاهم ذلك فضلاً!!
نحن كغيرنا من الأمم تجري علينا سُننُ الله كما جرت عليهم، ولكننا- لضغط الواقع ومعايشة أهوال التفاصيل- نتعجل النصر؛ فنتعلق بالأوهام ونضل عن سواء السبيل؛ فيردنا الله إلى سبيله بالمصائب ويُرَبينا بالمِحَن حتى لا يبقى في قلوبنا سواه، ولا بين أعيننا سوى طريقه!!
اجتهدَ أوباشُ التُرك في اعتناقِ الطورانية، كما اجتهدَ أوشابُ العربِ في اعتناق العروبية.. حَكَمَ العربُ الدنيا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، وحكم الأتراكُ الدنيا بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم، وحَكَمَ اليهودُ الدنيا بسليمان صلى الله عليه وسلم!!
تَخَلَّى العرب عن محمد صلى الله عليه وسلم ليحصلوا على الغساسنة، والمناذرة، وجمعٍ لا يكاد يُحصى من آباء رغال.. وتخلى الأتراكُ عن محمد صلى الله عليه وسلم ليحصلوا على الأوغوز، والكرلوك، والأويغور، وجمعٍ لا يكاد يحصى من يهود الدونمة.. وتمسك بَقِيَّةُ السبي البابلي من بني إسرائيل بسليمان عليه السلام ليحصلوا على الأرضِ المقدسة ويتحكموا في الغساسنة والمناذرة والكرلوك والأوغوز!!
العقائدُ تكسب دائماً.. وإِنْ نَخَرَ المثقفون أولادُ المثقفين!!
لقد كانت الحقائقُ أظهرَ من أن تَخفى؛ بيد أَنَّ غِطَاء الوهم كان أكثفَ من قُدرةِ العينِ على البصر.. ومعَ سريانِ تيارِ الوعي في روحِكَ ستتداعى أوهامُكَ شيئاً فشيئاً كما بُنِيتَ شيئاً فشيئاً، ولن تشعر بتداعي بُنيانِ أوهامِك حتى يَسّاقط الحجرُ الأخير.. وَحْدَهُ الحَجَرُ الأخيرُ يُحْدِثُ دَوِيَّاً؛ لأنه لا يسقط على فراغ؛ بل على أحجارِ أوهامِكَ المتساقطةِ في القاع!!
إذا حَدَث هذا فمرحباً بك..
لقد نَجَوتَ من المنظومة.. ولا بأس عليك!!
لا معرفةَ دون عقل، ولا عقلَ دون تجربة!!
الحِكمَةُ أثرُ سِياطِ الدهرِ على ظَهرِ إنسان!!

**************************
رسالة إلى الأشعث الأغبر
*

لا يَأسَ..
ولا فَرَح..
اليأسُ كفر..
والله لا يُحِبُ الفَرِحِين..
مَدارُ الأمرِ على العمل والثبات..
مِن العَار أن تستسلم حين الهزيمة..
ومن خَطَلِ الرأي أن تَغفلَ حين الانتصار..
القيامةُ لن تقوم غداً.. وأنتَ لستَ صاحبَ الفسيلة، فإن كُنْتَ صَاحِبَهَا فَاغْرِسهَا، وإن لم تَكُنْه فَلا تذهب نفسُكَ على كَبوةٍ حَسَرات.. في الزمانِ متسعٌ للتدبيرِ كما في المكانِ متسعٌ للحركة؟!
أنتَ على الطريقِ ما دُمتَ حَيَّاً.. رَاجِعْ ولا تَتَرَاجَعْ؛ فإن خُيِّرتَ بين المُرَّيِنِ فَكُنْ لَحْمَ السيفِ ولا تَكُنْ بَقِيَتَهْ!!
*

لم يَفْهَمهُم سِواك..
ولم يَفْهَمْكَ سواهم..
أولئك الذين ظنوا أنهم امتلكوا سلطانَ الموتِ على روحِ الحياة؛ "فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا مَنْ أشدُّ منا قوة"؟!
جاؤوا من كُهوفِ الخراب كما تَأتي الطَّواعينُ والأوبئة: نفوساً مُظلِمةً تَعَتَّقتْ في دَرَكَاتِ جهنم، وأرواحاً مُحرِقةً تطايرت من زَفَرَاتِ جهنم، وأجساداً منتنة نَبَتَتْ من طِينة خَبالِ جهنم.. ثم تجسدوا وحوشاً في هيئة بشر: من (أوربان الثاني) إلى (بات روبرتسون)، ومن (ميكافيلي) إلى (كيسنجر)، ومن (شيلوك) إلى (مليتون فريدمان)، ومن (ليوبولد الثاني) إلى (رامسفيلد).. وكأنهم كانوا مقصد ملائكة الله حين قالوا: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء"؟!!
ولأن "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"؛ جئتَ أنتَ مِنْ أقصى المدائنِ تسعى، أشعثَ أغبر، تدفعكَ الأبوابُ، وتخلعكَ القبائلُ، ويأتمرُ بك المَلأ.. دَمُكَ وَضُوؤُك، وآيةُ السيفِ فاتحةُ صَلاتِك، ورُوحُكَ زكاةُ رُوحِك، وحَجُّكَ هَيْعَةٌ كلما سَمِعتَهَا طِرتَ إليها؛ ميقاتُها ثكنةٌ تُدك، أو قلعةٌ تُقتَحَم، أو مفخخةٌ تتبختر بها إلى الخلود!!
جئتَ- على فترة من السيف- أَبْصَرَ من زرقاء يمامة: ترى الخيانةَ فتقول خيانة ولا تجتهد، وترى الكفرَ فتقول كفر ولا تتأول.. جئت قصاصاً يُحْيِي، وقتلاً ينفي القتل، ورحمةً تَصُبُّ كوثرَ التوحيد على رؤوس المُدَنَّسِين في مستنقع الديمقراطية "تطهرهم وتزكيهم بها" وتُلبسهم أرديةَ العبودية بيضاءَ نقية، وتقلدهم سيفَ المفاصلة كشهابِ نارٍ مِنْ قَبَسِ نور.. فكأنك كنت رَدَّ اللهِ على ملائكته: "إني أعلم ما لا تعلمون"!!
***
وَحدكَ أيها الأشعث الأغبر فَهمتَ المعادلة..
وحدكَ رأيتَ الملكَ عارياً..
وحدكَ كَشَفتَ فأرَ السَّدِ، ودابةَ المِنسَأة، وتسويلَ نَفْسِ السامري!!
لم يخدعك بريقُ الديمقراطية الزائف، ولا زهوُ القومية الكاذب، ولا شعاراتُ الوطنية الجوفاء.. رأيتَ (سايكس) يرسم أعلامَنا في عشرين دقيقة لنرفعها نحن مائة سنة ونموت من أجلها فرحين بوهم الدولة.. رأيتَ (كوكس) يضرب في القلب ويرسم حدودَ جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم وأرواحُ الأنصار- الذين أنفوا أن يعطوا ثلثَ تمورِ المدينة لأمثالهم من العرب- تَزفرُ في البقيع غضباً على الذين أعطوا الطارفَ والتليدَ لأعدائهم من العجم.. رأيتَ خَلفَ كل عسكري (مايلز كوبلاند) يصنع زعيماً خالداً ذِكْرُهُ في الهزائم والنكسات.. رأيتَ تحت كل عمامة سوداء خمينياً أسودَ القلبِ يرفع رايات الحسين على رماح قد ارتوت من دماء الحسين!!
رأيتَ في كلِ حَاكمٍ لِصاً، وفي كل حُكومةٍ عصابة، وفي كل دولةٍ خَرابة، وفي كل مستشرقٍ جاسوساً، وفي كل مركزِ أبحاثٍ حصانَ طروادة، وفي كل حمامةِ سَلامٍ أباتشي، وفي كل غُصنِ زيتونٍ مِشطَ رصاص، وفي كل تمثال حريةٍ فروةَ رأسٍ منزوعةً لهنديٍّ أحمر!!
رأيتَ ورأوا أنكَ رأيت.. فَهِمتَهُم وفَهِمُوك.. حتى إذا كَبُرَ عليهم مقامُك وتذكيرك بآية السيف استيأسوا منك فأجمعوا أمرهم وشركاءَهم وخَلصوا نجياً؛ قال كبيرُهم: خارجي.. ثم انطلقت أبواقُ السوء تصم آذان العامة، ودارت رحى الأكاذيب تطحنُ عقولَ الخاصة.. وإذ أنت بين الأبواق والرحى واسطةُ عِقدٍ في سلسلة ذهبية من الذين قال الله فيهم:" وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين".
الله يحب الصابرين؛ فلا تيأس!!
لا يأسَ اليومَ ولا مَخِيْلَةَ غداً.. اليومَ أمرٌ وغداً أمورُ!!
لَمْلِم جِراحَكَ واعصف بمجزرة أخرى..
الحِكمةُ الآن ليست ضالة المؤمن؛ بل القنبلة!!
قَاتِلْ للأَمرِ ولا تُقاتل للنصر- مَنْ قَاتَل للنصر فكأنما اشترط على الله، واللهُ لا يُشتَرَطُ عليه- فإن أدركتَ النصرَ فقد نَعِمتَ في الدنيا بتنفيذ أمره، وإن عُوجلتَ دونه فقد نَعِمتَ في الآخرة لتنفيذ أمره.. ومَا على مُتقلبٍ بين نعيمين بأساء!!
"ما لا تستطيع إنجازه بالعنف تستطيع إنجازه بعنفٍ أكبر"!!
هكذا يقول الروس وهكذا يفعلون، هكذا يفكر الأمريكان وهكذا يفعلون، هذه هي الدنيا؛ بُنيت على المدافعة وقامت على الصراع.. من العبث أن تُكَلِّفَهَا ضِدَ طباعها ومن الحمق أن تقضي عمرك في العبث!!
العظيمُ الذي قال له عَمُّه:" تباً لكَ سائرَ هذا اليوم، ألهذا جمعتنا".. هو نفسه صلى الله عليه وسلم الذي قال أبو سفيان لِعَمِّه بعد سنوات:" لقد صار ملكُ ابنِ أخيكَ عظيماً"!!
والصِدِّيقُ الذي منعوه عِقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُرسل لهم أبا ذر ليناقشهم بالحكمة والموعظة الحسنة، بل أرسل لهم سيفَ اللهِ ليفتتح المجزرة!!
ومُستَكبرٍ لم يَعرفِ اللهَ ساعةً
رأى سَيفَه في كَفِّهِ فَتَشَهَّدا
هكذا قال سيدُ شعراء الدنيا قديماً.. وأقدم منه قول أبي مسلم الخراساني (صاحب الدولة العباسية) حين جاءه كتاب عبد الحميد (كاتب الدولة الأموية)؛ فخشي على نفسه من بلاغة عبد الحميد (حين كانت البلاغةُ تقتلُ أهلَ العقول)؛ فضرب الكتابَ بسيفه قبل أن يقرأه، ثم أنشأ يقول:
محا السيفُ أسطارَ البلاغة وانتحى
عليكَ ليوثُ الغابِ من كل جانبِ
لم يقل الخراساني شعراً قبله ولا بعده.. كان بيتاً يتيماً قاله ذات حزم، ثم يَتَّم بعده آلافَ الأطفال لأن آباءَهم لم يكونوا على استعدادٍ لفهم طبيعة السنن الربانية في صُعودِ الدول وسقوطها!!
آخر الدواء الكي..
وما نيلُ المطالب بالتمني
ولكن تؤخذ الدنيا غِلابا
الأمويون، العباسيون، العثمانيون، الفاطميون، الأيوبيون، المماليك، الأغالبة، الأدارسة، البويهيون، السلاجقة.. لن تَجدَ دولةً قامت وتسلطنت إلا بالسيف وعلى السيف؛ يستوي في ذلك الدول الكافرة والدول المسلمة.. التغيير الجذري لا يتم إلا بالقوة؛ سواء أكان تغييراً من باطلٍ إلى حق أم من حقٍ إلى باطل..
الحقُ والباطلُ- واقعياً- نسبيان إلى الحد الذي يجعلهما كعجين الصلصال؛ تُشَكِّلُهُمَا يدُ القوة كيف شاءت!!
حَقُّ القوةِ يُغَيِّر..
قُوةُ الحقِ تُدِيم..
فإذا بَهَتت شُعلةُ الحقِ في نفوس أصحابها جَرَتْ عليهم سُنّةُ التداول بقوةٍ ناشئةٍ تجعلهم أثراً بعد عَين وشَواهِدَ بَعد مَشَاهِد.. وهكذا دواليك حتى يأتي أمر الله!!
لا شيء بين مشرقيها ومغربيها سوى هذا؛ فلا يستخفنك الذين يسارعون فيك "يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة".. لقد ارتضوا الوهم وتوهموا الرضا فأركسهم الله في الذل؛ "ومن يُرد اللهُ فتنته فلن تملك له من الله شيئا".
السُلطةُ أداتك لتحقيق غايتك؛ فاحرص على طلبها حرصك على تحقيق التوحيد بإخلاص العبودية؛ فإنهما لا يثبتان إلا بالسنان بعد اللسان.. وخل عنك وهم الواهمين الذين قالوا- طمأنةً لكلاب الحراسة- : "نريد أن نُحكَمَ بشرع الله لا أن نَحكُ
مَ بشرع الله"؛ فدارت بهم دواماتُ الوهم حتى لم يبق شرعٌ في الدنيا إلا حكمهم عدا شرع الله!!
إذا أردتَ إصلاحَ العالم فَسَاهِم في تسريع انهياره!!
ما حَولَكَ ليسَ عَالَمَاً..
ما حَولَكَ ليس سوى مناطق توحش أداروها منذ ما يزيد على مائتي سنة حين قَطَّعُوهَا قِطَعَاً ثم نَصَّبُوا عليها كلابَ حراسةٍ تَحرسُ قواعد المكان التي قَعَّدُوهَا، ثم أطلقوا عليها مصطلحاتٍ تسحر أعينَ الناس وتسترهب قلوبهم: دولة، إمارة، مملكة، جمهورية، جماهيرية.. بينما لا يستطيع كلبُ الحراسة أن يتصرف في مَفْحَصِ قَطَاةٍ منها خارج إرادة الراعي الرسمي لمنطقة توحشه!!
إسقاطُ هذا التوحش فطرةٌ إنسانيةٌ قبل أن يكون فريضةً دينية؛ فلا يستخفنك المتعجلون الإنسانويون معتزلو الصراع السلطوي.. فإنهم آفة هذا التيار؛ بل هم- عَلِمُوا أم لم يَعلموا- أداةٌ من أدوات حراسة قواعد المكان في يد كلب الحراسة.. وما اعتزلوا إلا حين علموا أنهم سيدفعون ثمنَ الكلام؛ فأمسكوا ألسنتهم إلا عنك، وكفوا نُبَاحَهم إلا عليك، ثم اعتنقوا دين الإنسانية الذي يرى صوتَ صراخِ المُغتَصَبةِ عورة، وَقَتلَ مُغتَصِبِهَا إرهاباً!!
ولا يزال المتعجل فيهم يظن حَياتَه (لَبِنَةَ الحياة) وليسَ (لَبِنَةً في الحياة)؛ فإن لم يدرك مُناه في حياته توهم الفشل فنكص على عقبيه وارتكس في وحل الهزيمة؛ فلا يَبلغُ أعداؤُه منه-حينئذٍ- مثلَ ما يَبلغُه من نَفْسِه .. وما علم هذا المرتكس أن مدار الأمر على الفتح وليس على النصر.. الفتح حالة نفسية تراكمية تتخللها انتصارات وانكسارات، تَقَدمٌ وتراجع، كَرٌّ وفَر.. ولو عاش في زمن (مودود) وقال مثل ما يقول الآن لسخر منه من عاش في زمن (صلاح الدين) أو (الأشرف خليل)؛ فقد بدأ الأمير الصالح شرفُ الدين مودود الجهاد ضد الصليبيين في مطلع القرن السادس الهجري، وكان- ويا لغرابة الموافقات- أميراً للسلاجقة على الموصل (تلك المدينة التي يعلمنا التاريخ أنْ لا شيء فيها يشبه شيئاً في غيرها؛ كأنها- لتفردها- أرضُ قيامة؛ ليس فيها مَعْلَمٌ لأحد)، واستُشهد- ويا لغرابة الموافقات أيضاً- في مسجد دمشق على يد الرافضة الباطنية؛ (ليعلمنا التاريخ أيضاً أن الرافضي أداةُ قتل؛ إن لم يُقتَل قَتَل).. وسقط آخر معقل للصليبيين في بلاد الإسلام عام 690 ه على يد الملك الأشرف خليل بن المنصور قلاوون.. وبين الرجلين ستجد (آق سنقر وابنه عماد الدين زنكي وحفيده نور الدين)، ثم (صلاح الدين/حطين) ثم الدولة الأيوبية كلها بأمرائها وقادتها وحروبها وفتوحها وانكساراتها، ثم معركة المنصورة، ثم (شجر الدر)، ثم دولة المماليك: (أقطاي، أيبك، قطز/عين جالوت، بيبرس/أنطاكية، المنصور قلاوون.. ثم ابنه الأشرف خليل) فاتح عكا الذي قضى على الوجود الصليبي في بلاد الإسلام!!
الطريقُ طويلٌ وشاق.. ولكن لا طريق إلى الفتح سواه!!
وأولُ الفتحِ قِطعَةُ أرضٍ، يَحميها ويُوَسِّعها سلاحُ ردع.. ثم مفاصلة (عاقلة) تَعرِفُ من أين تؤكلُ الكتف وكيف تُقطع الرؤوس!!
إذا أردتَ السلامَ فَتَجَهَّز للحرب.. واصبر فإن الدنيا تتقلب والأيام دُوَل..
لم يَمضِ على دفع أمريكا الجزية لولاية الجزائر العثمانية أكثر من مائتي سنة.. فلا تُيئِسَنَّكَ كبوةٌ كبوتَهَا أو عثرةٌ عثرتَها.. إنما هي: "يومٌ علينا ويومٌ لنا، ويومٌ نُساءُ ويومٌ نُسَرّ"!!
الذين وَدُّوا أن غير ذات الشوكة تكون لهم- خوفاً من تبعات ذاتِ الشوكة- واختاروا السلام طلباً للعافية وصيانة للأرض وحفظاً للأموال والأولاد والأعراض؛ لم تُبق أساطيلُ الكفار لهم أرضاً ولا مالاً ولا عِرضا.. قُتل الأولاد وانتُهِكت الأعراض وشُردت الأُسَر، وبقيت "يدُ العار مرسومة بأصابعها الخمس فوق الجباه الذليلة"!!
هذه المدن المهدمة والأشلاء الممزقة والملايين المشردة أثمانٌ لازمةُ الدفع وديونٌ واجبةُ السداد.. ولو درستَ تاريخ الكفار لعلمتَ أن بذرة هذا النظام العالمي الذي نعيشه الآن لم تُبذر إلا بعد حرب الثلاثين عاماً التي أكلت الأخضر واليابس في أوروبا، ثم نمت وترعرعت تباعاً؛ كلما ذبلت سقوها بدمائهم ودماء أعدائهم حتى أينعت واستوت على سوقها بعد هيروشيما، ونجازاكي، وستالينجراد، ولندن، وباريس، وبرلين..
انظر إلى هذه المدن الآن وتذكر كيف كانت بُعَيْد الحرب العالمية الثانية؟!!
لم تكن أنتَ سبباً في خراب مُدُنِكَ العامرة.. كانت خراباً فجئتَ لتعمرها بالهدم وتداويها بالتي كانت هي الداء.. مُدُنِكَ العامرة بالهدم والعقيدة خيرٌ وأحبُّ إلى الله من مدنهم المهدمة بالعمار والكفر.. وما كُل عَمَارٍ عَمَاراً
مُدن الضِرار ليست مدناً!!
مُدن الصفيحِ ليست مدناً!!
مُدن العشوائيات ليست مدناً!!
مُدن سكان المقابر ليست مدناً!!
مُدن الكفر والكبت والقهر والسجون ليست مدناً!!
مُدن ناطحات السحاب التي استنسخت لاس فيجاس في جزيرة محمدٍ صلى الله عليه وسلم ليست مدناً!!
أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خيرٌ أم من أسس بنيانه على شفا جُرف هَارٍ فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين"!!
"لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم" حتى ينهار بيدك أو بأيديهم أو بأيدي أسيادهم حين ينتهي دورهم وتدور عليهم رحى المكر التي أداروها عليك.. وعما قليلٍ ليصبحن نادمين!!
اضرب ما استطعتَ فإنك أملُ من لا أملَ له.. وخل عنك أراجيفَ المرجفين أصحاب "لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده"؛ فما قَتَلَ جالوتَ سوى حجرٍ في يد صبي، وما نِسبةُ الحجر إلى سلاحِ جالوَت وجيشِه إلا كَنسبةِ سِلاحكَ إلى سِلاحِ أعدائِكَ وجيوشِهم.. والحاجة أم الاختراع.. ولن يحدث اختراع إلا إذا تراكمت خبراتك في القتل والقتال.. كما لن ينتصرَ الإسلامُ إلا إذا مَارَسْنَا على أعدائِه صَادقين بعضَ ما يَتَّهِمُونَه به كاذبين!!
*
أيها الأشعث الأغبر..
لا تيأس.. فقد بِعتَ واللهُ اشترى..
حَسْبُكَ أنكَ لن تموتَ وفي بندقيتك رصاصة..
نقطة... ومن أول الثأر!!
*****************************
انتهى الدرس يا غبي

***

أنتَ الآن في الزاوية تماماً..
جداران متقاطعان عن يمينك وشمالك وأنت في عُنق المثلث، ليس بينك وبين السقوط سوى خطوةٍ تخطوها للأمام.. إن خطوتَها فقد وقعتَ في الفخ الجديد، وإن لم تخطُها فأنت محشورٌ بين متقاطعين كفأرٍ منهك!!
انتهى الدرس يا غبي!!
عاد الشاهنشاه مرة أخرى ..
عاد كورش، وقمبيز، وداريوش، وسابور ذو الأكتاف !!
هل تذكر سابورَ ذا الأكتاف؟!
لكَ الويل إن كنتَ نسيتَ الرجلَ الذي خَلّعَ أكتاف العرب ذات انتقام!!
لقد عادوا جميعاً..
هاهم يخرجون من عباءة الصفوي جزاراً جزاراً !!
عمامةٌ سوداء، وقلبٌ أسود، وخنجرٌ كربلائي يَدّعي وصلاً بالحسين ويطعن انتقاماً لذي قار والقادسية!!
النعمان بنُ المنذر ينتظرك تحت أرجل الفيلة!!
وربعيُ بنُ عامر يُغطّي وجهَه _أمام رستم_ خجلاً من أحفاده الحمقى!!
ماذا كسبتَ الآن؟!
لقد اتفق كسرى وقيصر.. فقل لي يا أخا النفط ماذا ستفعل ؟!
العمامة السوداء التي التفت حول رقبة صدام ذات أضحى مبارك تلتف الآن حول رقبتك!!
كان صدام طاغيةً مستبداً .. تماماً كأنت !!
ولكنه كان عليك حيناً ولك أحياناً !!
وكنتَ تستطيع _ بقليل من الحكمة_ أن تجعله لك دائماً.
أما كسرى وقيصر.. فلستَ _عندهما_ سوى كلبٍ تابعٍ أو بقرةٍ حلوب!!
مضى الآن زمنُ الحديث عن صدام وكوارثه.
هل كان بإمكانك تفادي ما حدث؟!
أظن أنه كان بإمكانك، لكنك لم تُرد، أو حتى لم تفكر في تفاديه.
لا بأس.. لقد استمتعتَ بحماية قيصر عقداً كاملاً من الزمن بعد التخلص من صدام، ولكنْ قيصر الآن مضطر للتعامل مع كسرى، وكسرى لا يرى عدواً له في الأرض سواك.. ماذا ستفعل ؟!

لن أحدثك عن شعبك الذي أخرجتَه من المعادلةِ مبكراً!!
كان بإمكانك أن تعتمد _بعد الله_ عليه، ولكنك لم تَرَ في شعبك إلا عدواً مفترضَاً .
وكثعبانٍ يأكل ذيله.. بَدَأتْ في قضم جسدك قطعةً قطعة!!
اسحب الخارطةَ الآن، وانظر حولك !!
في الشمال :
عراقٌ وشآم.. ساهمتَ أنتَ في تدميرهما؛ ليتناولهما كسرى كما يتناول الضبعُ الخسيسُ غزالَينِ مجروحَينِ لم يُجهد أقدامَه في الركضِ نحوهما !!
وفي الجنوب :
يَمنٌ.. لو ظَلَّ أهلُه ينتقمون منكَ مائةَ سنةٍ قادمة على ما فعلتَه بيَمَنِهم خلال مائة سنةٍ ماضية؛ لما شفى انتقامُهم لهم غليلاً !!
وفي الشرق :
آيات الله العظمى يشحذون خناجرهم وسيوفهم ليعيدوا تخطيط ما خطته أقلام وليم كوكس، وسايكس، وبيكو !!
وفي الغرب :
بحرٌ وراءه دولة كان يمكن أن تكون درعاً لك في وجه إيران؛ فأسقطتَ رئيسها المنتخب، وأصعدتَ فيها(خيرَ أجناد الأرض!!) لتصبح بسببكَ أضحوكة العالم!!

لقد أزلت بيديك بوابات بيتك، وجعلت الجبالَ التي كانت تعصمك من الماء هباءً منثورا!!
بيتُكَ الآن مُشرَعٌ للريح والأوبئة!!
أنت لم تبصق في البئر التي تشرب منها؛ بل بصقت للأعلى فسقطت بصقتك على وجهك!!
وتبجُحك بالعقيدة الآن لن ينفعك كثيراً.. فالذين يحاربون مع الشيطان في الشمال لا يمكن أن يحاربوا مع الله في الجنوب!!
والعقيدةُ السمحة ليست(بِشتاً) يُرتدى في المناسبات أو سيفاً يُرقص به في (عَرْضة)!! ولو كان ذلك كذلك لقنع ابن عبد الوهاب رحمه الله بالدرعية، ولما أهدف نحره للسيوف ليُثبّتَ أركان التوحيد في جزيرة محمد صلى الله عليه وسلم!!
لقد ملأت الدنيا تبجحاً بابن عبد الوهاب.. فما الذي أبقيتَ منه الآن؟!
ما الذي أبقيتَ من (كتاب التوحيد) و(ثلاثة الأصول)؟!
لم تُبق منه سوى لقاءات مراسميةٍ مع شيوخ التنمية البشرية الذين استبدلوا بالبخاري ومسلم (قبعات التفكير الست) و(العادات السبع للناس الأكثر فعالية)!! واكتفى الأقدمون منهم بفتاوى الحيض والنفاس والنمص وحف الشوارب وإعفاء اللحى ووجوب طاعة ولي الأمر!!
وحين تململ ابنُ عبد الوهاب من ألاعيبك أفسحتَ له في سجونك ذلك (المكان اللائق!!!)، ثم أطلقتَ نصارى لبنان ورافضتَها ودروزَها وعلمانييك في وسائل الإعلام _ككلاب مسعورة_ لينثروا الملح في الأرض الطيبة؛ تمهيداً لتحولاتٍ اجتماعية ودينية وفكرية كتلك التي حدثت في مصر منذ تسلم (تاجر التبغ) محمد علي مقاليدَ الأمور فيها ليؤسس_بقصد أو بدونه_ لكل هذا الخراب الذي نعيشه الآن.
لقد استبدلت بابن عبد الوهاب المستشرق جومار، والقس دنلوب، وتاجر البندقية دليسيبس، والاستعماري جوزيف أنتيلمي.. كما استقدمت للأرض الطيبة ألف شبلي شميل، وألف سليم تقلا، وألف جرجي زيدان، وألف هنري كوريل.. ثم استنبَتّ_ ببذور هجينة_ ألف لويس عوض، وألف سلامة موسى، وألف قاسم أمين، وألف هدى شعراوي، وألف صفية زغلول!!
ثم سرتَ في طريقٍ لا يكاد المدقق فيه يلمح كبيرَ فرقٍ بينه وبين الطريق التي سارت فيه الأسرة العلوية في مصر حتى صارت أثراً بعد عين!!

أَخرِج ابن عبد الوهاب من سجونك اللائقة!! أو كُفَّ عن رَفْعِهِ شعاراً!!
لم يَعُد ادعاؤك له مُقنِعاً!!
لقد امتلكتَ كلَّ ما يمكن أن يجعل منك قائد أمة.. فماذا فعلت أكثر مما فعل الوليد بن يزيد؟!
استهان الوليدُ بن يزيد بالأساسِ الذي قام عليه مُلك جَدِّه؛ فأخذ ينقضه حجراً حجراً ، ولم يكن في بني أمية آنذاك حكيمٌ يأخذ الرايةَ بحقها، فلما قام آخرُهم وأصبرُهم ليتدارك الأمرَ؛ كان الخرق قد اتسع على الراتق؛ فجالت الخيل فوق أجسادهم، وصالت السيوفُ على رؤوسهم، ورفرفت الراياتُ السودُ بين قصورهم.. ثم انطفأت شمسٌ عظيمة تراكمت أسبابُ انطفائها شيئاً فشيئاً حتى تجسدت في (حفيدٍ) لم يُحسن تربيتَه أبٌ ولم يردع نزقَه عَم !!
ولو تغاضينا عن أساسك الحقيقي فماذا فعلت بأساسك المُدعى؟!
لم تترك معركة بين مسلمين وكفار إلا وخضتها في صف الكفار؛ فلا أنت حافظت على ما ادعيت، ولا أنت تركت غيرَكَ يبني على أساسِك المُدّعَى!!
ما أشدّ غيظي منك وحزني عليك!!
لقد سِرتَ على نهج ابن عبد الوهاب.. ولكن بممحاة!!
وكأن الذي أنشأكَ إنما أنشأكَ لتكون كسراب الصحراء يتخايل أمام الموشك على الهَلَكَة؛ فيأمل في النجاة؛ فَيَجِدَّ في الطلب..حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً!!
ما تَرك الصفويون القتلةُ حزباً لهم في هذه الأكشاك العربية إلا ودعموه.. بل واشتروا ولاءات المتأسلمين الحمقى!!
وما تركتَ أنت هيئةً أو حزباً أو جماعة سُنيةَ إلا وسعيتَ في تدميرها وإنهائها والتخلص منها.. وكأنك سلاحٌ فاسدٌ لا يقتل إلا صاحبَه!!
أفسدتَ الجهاد الأفغاني قديماً.. ودعمت عسكر الجزائر في العشرية السوداء ضد مسلميها.. وهلهلتَ حركة السودان الإسلامية الوليدة بمساعدتك لجون قرنق، ولم تسترح حتى رأيتَ السودان نسخة أخرى من هذه الأكشاك العربية.. واستنبتَّ في الشام بنادقَ مرتهنة بقرارك وقرار أسيادك لتفسد جهاد الشام كما أفسدت جهاد أفغانستان حذو الخطة بالخطة والخسة بالخسة، حتى لتكاد حرب الشام أن تكون إعادةً مُعَرَّبَة لمسرحية أسيادك التي نُسجت خيوطُها في أفغانستان، وكنت أنت النول الذي نُسجت عليه.. وصنعتَ_مع غيرك_ انقلابَ مصر من ألفِهِ إلى يَائِه.. وأدخلت الحوثي صنعاءَ نكايةً في حزب الإصلاح ثم زعمت حربه في عاصفة حزمك، ثم اكتشفتَ _بعد مليارات الشعب التي أنفقتها_ أن الحوثي جارك وأن تنظيم القاعدة هو الخطر الداهم.. وعملتَ بالباع والذراع لإسقاط الثورات العربية، وتيئيس الشعوب من طلب العدل والحرية، ووأد أي حراك مسلم في كل بلد عربي من المحيط إلى الخليج، حتى وصل وباؤك للإسلاميين في ماليزيا فدعمت عدوهم بمئات الملايين!!
كُلُّ هذا_ وما خفي كان أعظم_ فَعلتَه رافعاً (كتاب التوحيد) على رمح (فيلبي)!!
من أنت وما أنت ؟!
لم تترك راية إسلامية إلا ونالها منكَ ما ينال الآمنُ ممن ظنه أخاه؛ فيوليه ظَهرَه؛ فلا يشعر إلا وخنجر الغدر يخترق ظَهره!!
مَن سيمد لك طوقَ نجاة إن أدركك السيل .. وإنه واللهِ لَمُدرِكُك!!
القرامطة الجدد صاروا _بسببك_ في شمالك وجنوبك وشرقك.. والرايات السود تتلمظ للانتقام منك.. والنسر الأمريكي يفتش في دفاترك القديمة ليعيد تهيئة الملعب للعبة جديدة.. فأين تذهب من هؤلاء الذين إن نجوتَ من أتون أحدهم لم تلبث أن تقع في أتون الآخر!!
وكان يُجيرُ الناسَ من سَيفِ مالكٍ
فَأصبحَ يَبغي نفسَهُ من يُجيرُهَا
فكانَ كعنز السوءِ قَامتْ بِظِلفِهَا
إلى مُديةٍ وسَط التُراب تُثيرُهَا
سَتعلمُ عبدُ القيس إن زالَ مُلكُهَا
على أي حَالٍ يَستَمرُّ مَرِيرُهَا

في طريقكَ إلى السقوط لا يقاتلك عدوٌ أشد عليكَ من نفسك!!
أنت تسير إلى هاوية سحيقة!!
هاويةٍ سار إليها قبلك الخديوي (الحفيد) إسماعيل حين قرر _ذات عَتَه_ أن يجعل مصرَ قطعة من أوروبا؛ فرهن مقدراتها المادية للأجانب حتى لم يبق شاذٌ من شُذاذ الآفاق إلا وتملك في مصر ما لم يكن يحلم أن يقف على بابه بواباً.. وحين ذَهَبَت السَكرةُ وجاءت الفِكرة انقلب شذاذ الآفاق على المعتوه ورموه للمنفى كخرقة بالية.. ثم لم يمت حتى عاين أحذيةَ جنود الإنجليز في قاعة عرشه!!
أنت _على الحقيقة_ لا تطرح اكتتاباً.. أنت تبيع أَبَرَّ أبنائك، وترهن درةََ تاجك، وتكسر عمودَ خيمتك، وتقامر بمقدرات شعبٍ هو أصل العرب ومادة الإسلام!!
طموحك لن يبتلع مشاكلَ الفقر والبطالة والإسكان!!
طموحك لن يبتلع سواك!!
واستنساخ (دبي) في (الرياض) لا يمكن أن يمر _إذا مر_ إلا بزلازل اجتماعية مرعبة ستخلخل أول ما تخلخل أركان عرشك!!
إن سباق التسلح الذي أدخلوك فيه، واقتصاديات الحروب التي وَقعتَ في فخها، والنهب المستمر لمقدرات البلد من قِبل الشركات الكبرى عابرة القارات، ومليارات الشعب التي تدفعها كإتاوة للغرب على شكل ودائع واستثمارات، والرشاوى المليارية التي ترسلها لخونة شعوبهم لتجفيف منابع الثورة بالحديد والنار، والأعباء الداخلية الباهظة.. كل هذا وغيره سيبتلعك ويبتلع طموحك المُدّعَى!!
ولو كانت (الرُؤى) المجردة تنفع أصحابَها لنفعَ عبدَ الناصر (ميثاقُه).. وقد كان أكثر نفيراً وجعجعة.. ثم لم تُنتج جعجعتُه الاشتراكية الفارغة سوى أن ازداد الغنيُ غنىً والفقيرُ فقراً.. مع صاروخين من خشب: (قاهرٍ وظافر)!!
وما الخصخصة والاكتتاب واقتصاديات السوق _في الدول الوظيفية_ سوى سُمٍ في دَسَم يتناوله _في مدرسة شيكاغو_أحمقٌ تيّاه يتلاعب بعقله المُطبلون والمحللون والخبراء الاستراتيجيون وذئاب صندوق النقد الدولي وثعالب الشركات العابرة للقارات؛ فيوغل في الرؤى والأحلام، حتى يصحو ومصير (النمور الآسيوية) _بالنسبة له_ ترفٌ يتمناه ولا يدركه!!
يُريدُ ما ليس يَعي، يبتدي
يَعي، وقد فات أوان البِذار
الموسم الوهمي لأغبى المُنى
يُعطي قُبيل الحرثِ وهمَ الثمار
يا هذا ..
قد كان يحزنني أن يذهبوا بكَ فيأكلكَ الذئب.. ثم لما تتابعت الأحداث وتراكمت البينات؛ أدركَ الأعمى أن الذئب لم يدخل إلا من خلالك.. وأنك _حين صاحبتَ الذئب_ لم يردعك عن مصاحبته أشلاءُ أصحابه القدامى.. ثم ازددتَ ضغثاً على إبّالة؛ فقتلتَ حراسَ بيتك.. فصرت كمحكومٍ بالإعدام اشتدّ خوفُه من الشنق صباحاً فشنق نفسه ليلاً!!
ولتكونَنّ واللهِ شرَّ مأكولٍ يأكله صاحبه!!
وإني من ذلك وعليكَ لحزين!!

************************
نُشرَ هذا المقال (انتهى الدرس يا غبي) أول مرة في صفحة علي فريد الخاصة بالفيس بوك يوم 31 / مايو/ 2016 م
بنتُ الأكرمين وأُمُّهُم
***
(أمل عبد الفتاح عبده إسماعيل)
الكريمة بنت الكريم.. والكريمة أُمُّ الكرام!!
الابنة الصغرى للشهيد- بإذن الله- (عبد الفتاح عبده إسماعيل).
تجاوزت الخمسين من العمر، واختفت قسرياً منذ شهرٍ تقريباً!!
اختفى ابنُها (المثنى أحمد أحمد الماحي) قسرياً منذ سنتين!!
واعتُقل ابنُها (حنظلة أحمد أحمد الماحي) من ثلاث سنوات تقريباً!!
واختفى ابنُها (مصعب أحمد أحمد الماحي) قبل اختفائها هي بيوم واحد!!
وقُتَلَ ابنُها (سُهيل أحمد أحمد الماحي) تصفيةً سنة 2017م.. نسأل الله أن يتقبله في الشهداء وأن يرفع درجاته في عليين!!
***
تُذَكِّرُنا المآسي بالمآسي..
والويلُ لأُمَّةٍ تُذَكِّرُها مآسيها اللاحقة بمآسيها السابقة دون أن تكون قد سلكت طريقاً توقف به تكرار المآسي!!
" فُزتُ وربِّ الكعبة".. هكذا هتفَ الشهيد- بإذن الله- عبد الفتاح عَبْدُه إسماعيل (والد السيدة أمل) حين سَمِعَ حكمَ الإعدام عليه من فم القاضي الجاهل التيَّاه/ محمد فؤاد الدجوي!!
حدث ذلك منذ خمسين سنة تقريباً حين كان عبد الفتاح عبده إسماعيل ثالثَ ثلاثة من عظماء هذه الأمة في هذا الزمن يُحَاكم بتهمة العمل مع الله.. كانوا ثلاثةً قَدموا أرواحهم رخيصةً في سبيل الله، ورفضوا أن يخطوا بأيديهم الطاهرة اعتذاراً لطاغوت نجس اسمه جمال عبد الناصر!!
سيد قطب كان على رأس الثلاثة.. يليه عبد الفتاح عبده إسماعيل.. ثم محمد يوسف هواش.. رحمهم الله جميعاً، ولا رحم مغرز إبرة في أجساد وأرواح قاتليهم!!
غَطَّتْ شهرةُ سيد قطب الفكرية على سيرة الشهيدين الكريمين حتى لا تكاد تجد أحداً من الناس يذكرهما معه رغم أنهم استُشهدوا معاً.. ومَا ضَرَّ الشهيدين جهلُ الناس بهما ما دام الله يعرفهما!!
وكان القاضي الدجوي- الذي استُخدِمَ للحكم عليهم- من أسفل ما يمكن أن ترى من عبيدِ طغاةٍ يختارهم طاغيةٌ معتمداً على سيرتهم العفنة ونفسيتهم الحقيرة؛ ليسيطر عليهم وبهم؛ فيسمعوا له ويطيعوا دون أن يكون لهم من الشرف والكرامة ما يأنفون به من التلبس بالذل أو التقلب في العار.. وليس أسفل من رجال الطاغية سوى الطاغية نفسه حين يُدرك بحقارتِه حقارتَهم وبخستِه خستهم؛ فيختار أمثالَه وأشباهَه ليأتمروا بأمره وينتهوا بنهيه!!
يروي الصحفي المعروف مصطفى أمين طرفاً من معرفته بهذا الدجوي فيقول:" أعرف الدجوي منذ عام 1956م عندما هاجمت الجيوش البريطانية والفرنسية والإسرائيلية مصر، واحتلت سيناء وبورسعيد، واستدعاني الرئيس جمال عبد الناصر وطلب مني أن أركب وحدي أول طائرة مصرية مدنية تغادر مصر أثناء العدوان، وأن أحمل معي صور العدوان وأنشرها في جميع أنحاء العالم.. ووصلت إلى مدينة نيويورك وفوجئت بجميع تليفزيونات أمريكا تعرض فيلمًا للواء فؤاد الدجوي حاكم غزة، وهو يستسلم للجيش الإسرائيلي، كان الفيلم مُهينًا للجيش المصري ولمصر كلها، وكان الحاكم المصري يقف ذليلاً أمام ضابط إسرائيلي يقدم له خضوعًا، ويثني على الجيش الإسرائيلي وشجاعته وقوته ومروءته وإنسانيته، ويدلل على هذه المروءة بأن زوجته كانت مريضةً وأن اليهود نقلوها إلى مستشفى في تل أبيب لإجراء عملية جراحية لها.. وكان كل عربي سمع ورأى هذه الصورة المذلة المهينة للحاكم المصري وهو يثني على إنسانية قاتليه ومحتلي أرضه ومهيني شرفه.. كان كل عربي ينتفض غيظًا واحتقارًا للقائد الصغير الكبير.. وكان العرب في نيويورك يقولون: كيف يجوز أن يشكر هذا القائد المصري جنود الاحتلال الإسرائيلي الذين قتلوا العرب في غزة، وسبوا نساءهم، والذين قتلوا شبابنا في سيناء ومثلوا بجثثهم؟! هل يغفر لهم كل هذه الجرائم من أجل أنهم أجروا عمليةً جراحيةً لزوجة الدجوي؟! مع وجود أطباء مصريين أخصائيين ومستشفى مصري مجهز بجميع الأجهزة؟! وقد طلب منه الأطباء أن يجروا لها العملية وهي كيس دهني ولكنه رفض، وطلب نقلها إلى تل أبيب، والأطباء المصريون شهود الحادث أحياء يرزقون.. وعندما عدتُ إلى القاهرة، ورويت للرئيس ما قال اللواء الدجوي في التليفزيون قال لي الرئيس إنه سمع بنفسه في الإذاعات هذه الأقوال نفسها وصوت الدجوي نفسه من محطة إسرائيل، وإن الدجوي أسير حرب في إسرائيل الآن، وإنه ينتظر عودته مع الأسرى ليحاكمه محاكمةً عسكريةً وليُضرب علنًا بالرصاص.. وعاد اللواء محمد فؤاد الدجوي من الأسر، ولم يحاكَم، ولم يُعدَم رميًا بالرصاص!! وفوجئتُ بعد ذلك بأن الاختيار يقع دائمًا على الدجوي ليكون قاضيًا في أي محاكمة يرى المسؤولون أن أدلتها ضعيفةٌ أو لا أساسَ لها. وكان الدجوي في أحاديثه يفخَر بأنه لا يحمل شهادة ليسانس، وأنه لم يدرس الحقوق، ولا يعرف القانون، وأنه محل ثقة ولاة الأمور".
انتهت شهادة مصطفى أمين عن الدجوي الذي يماثل قضاةَ هذه الأيام في الخسة والضعة والجهل وسوء السيرة والسريرة!!
وأُحب أن أذكرك أن هذه الشهادة من مصطفى أمين لم يكتبها لعيون سيد قطب، وعبد الفتاح إسماعيل، ويوسف هواش.. بل كتبها ليرد بها بعضَ الاعتبار لنفسه حين غضب عليه سَيِّدُه عبد الناصر؛ فاستخدم الدجوي كقاضٍ خسيس في محاكمتة الشهيرة بتهمة الخيانة والتخابر مع الأمريكان.. وإني لا أدري بعد كتاب (لعبة الأمم) أيهما كان أكثر عمالة للأمريكان: مصطفى أمين أم جمال عبد الناصر!!
ولأن الشيء بالشيء يُذكر؛ فإني أحب أن أنبهك مرة أخرى إلى شيء آخر: الدجوي كان حاكماً عسكرياً لغزة.. هل تعرف غزة؟! هل عرفتَ الآن من سَلَّمَ غزةَ لليهود دون قتال؟! بل هل تعرف من سَلَّمَ السويس نفسها لليهود دون قتال لولا المقاومة الشعبية التي قادها ابنُ المساجد الشيخ حافظ سلامة.. إن كنتَ قد عرفتَ مَن سلَّمَ غزة آنذاك فأرجو أن تكفَّ عن السفه الذي تمارسه منطلقاً من وطنيةٍ قذرة حين تتهم الفلسطينيين- هكذا عموماً- ببيع أرضهم لليهود.. وليتَ المسلمين في أرض فلسطين يكفون عن جعل القضية فلسطينيةً خالصة.. كما أحب أن أنبهك إلى شيء مهم جداً للمرة الثالثة.. نحن كمسلمين غُلبنَا على أرضنا في فلسطين كما غُلبنَا على أرضنا في كل شبر من بلاد الإسلام.. أما نحن كمصريين (ولا أحب استخدام مصطلحات سايكس بيكو ولكني أستخدمها لتفهم)؛ فقد بِعنا تيران وصنافير لليهود.. بل بعنا كل سيناء لهم.. وإياك أن تظن أننا بعناها (للدب الداشر).. لقد بعناها لـ(تيودر هرتزل) وأبنائه.. وحتى لو بعناها للدب الداشر فإن وطنيتك القذرة يفترض أن تأبى عليك ذلك!!
كُفَّ إذن عن سَفَهِ الوطنية وحقارة المناطقية ولا توالي أو تعادي إلا على الإسلام وبالإسلام.. أو فَاحْثُ التراب على وجهكَ وطَيِّن الطينَ على رأسك حين بعت أرضكَ أو سكتَّ عمن باع أرضك!!
***
إن هذه المآسي التي تضرب المسلمين منذ أكثر من مائتي سنة لن تنتهي حتى يقتنع المسلمون تماماً أن القوة هي السبيل الأوحد لحفظ الدين والنفس والعرض والمال.. وأن كل طريقٍ غير طريق القوة والإعداد لها محكوم عليه بالفشل ولو قضوا في عَبَثِه أعمارهم كلها!!
علينا أن نكف عن جعل السجون والمعتقلات مفخرة لنا.. علينا أن نكف عن جعل الإسلامِ نصرانيةً تأمر أتباعها أن يُديروا خدهم الأيسر لمن يضربهم على خدهم الأيمن؛ فقد كف النصارى أنفسهم عن ذلك منذ انتهاء ما يُسمى بعصر الشهداء عندهم!!
وإني لأخشى- إذا بقينا على هذا الحال- أن يأتي بعد خمسين سنة أخرى صبيٌ آخر من صبيان عبد الناصر ليشنق عظيماً آخر من عظمائنا ثم يعتقل ويُصَفِّي أبناءه وأحفاده نساءً ورجالاً!!
ويكأن عبد الناصر لعنه الله لا يزال يقتلُ عبدَ الفتاح إسماعيل رحمه الله!!
***
إنَّ حالَ هذه السيدة الكريمة الصابرة، بنت ذلك الشهيد الكريم المجاهد؛ ليخبرنا أنَّ سلسلة الطغيان تستطيل وتقوى وتمتد، ما لم يقطعها سيفُ الحق أو يذيبها جمر الثأر.. وسيظلون هكذا ما دمنا نحن هكذا!!
اللهم عَلِّمنَا سُورة محمد..
اللهم اشفِ صُدُورَنَا بِسُنَّة الضحوك القَتَّالِ!!
*****************************
على مشارف التيه
******

نُشر هذا المقال أول مرة على صفحة علي فريد بالفيس بوك يوم 14/ مارس/2014م
****************

حسناً أيها السادة ..
نحن الآن على مشارف التيه ..
مشارف الخروج منه .. وليس الدخول فيه !!
ها نحن ننفض عن أجسادنا غبار ترابه ..
وعن نفوسنا ظلامَ دهاليزه ..
وعن أرواحنا علائقَ دروبه ..
وعلى مرمى البصر .. يلوحُ _ كالسراب _ (مغتسلٌ باردٌ وشراب) .
وثبةٌ أو وثبتان .. وينتهي الأمر !!
لقد كان تيهاً طويلاً مظلماً ..
ألقانا فيه نابليون منذ ما يزيد على مائتي سنة .. وأخرجنا منه السيسي منذ ثمانية أشهر !!
أغوانا نابليون فأكلنا من الشجرة .. فلما هبطنا إلى الأرض فتح لنا (صندوق باندورا) فانهالت كلُ شرور العالم علينا : الليبرالية ، العلمانية ، القومية ، الوطنية ، الماركسية ، الاشتراكية ، الديمقراطية !!
كان وحلاً متلاطماً .. وكنا نظنه جنات عدن .. وكلما صرخ فينا (موسى) وأخذ برؤوسنا يجرها إليه ليدخلنا الأرض المقدسة .. تفلتنا من يديه وآذيناه .. حتى مات موسى وألفُ موسى غماً وحزناً !!
وفي رابعة _ حين أيقظنا الرصاص _ علمنا أن الله بَرَأ موسى مما قلنا فيه ، وأن موسى كان يجر رؤوسنا إليه ليحفظها من رصاص السيسي !!
علمنا :
أننا لسنا " أبناء الله وأحباؤه " ، وأن الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا طاعته ، وأن الجبل الذي آوينا إليه لم يعصمنا من الماء ، وأن الأمر " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يُجز به " .
علمنا :
أن الديمقراطية ليست الركن السادس من أركان الإسلام ، وأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليس الجزء الحادي والثلاثين من المصحف ، وأن الذي قال :"عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي" لم يكن يقصد بالخلفاء الراشدين : جان جاك روسو ، وجون لوك ، وفولتير !!
علمنا :
أنه _ صلى الله عليه وسلم _ بُعث بالسيف بين يدي الساعة ، وأن آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح به أوله : شدة في غير عنف ولين في غير ضعف ، وأن وضع الندى في موضع السيف بالعلا مضرٌ كوضع السيف في موضع الندى ، وأننا أوتينا مُلكاً فلم نحسن سياسته وكلُ من لا يسوس الملك يخلعه !!
علمنا :
أن حصوننا مهددة من داخلها ، وأن السامري لم يكن شخصاً بل حالة ، وأن لوط عليه السلام كانت تنام في فراشه حية تسعى ، وأن الخندق الذي حفرناه حول المدينة ليحمي صدورنا من سيوف الأحزاب لم يحم ظهورنا من خناجر بني قريظة ، وأن الذي تسور الدار على عثمان لم يكن ابن سبأ بل كان ابن أبي بكر ، وأن سليل بيت النبوة قد يصبح في _ وقت ما _ ألعوبةً في يد لورنس العرب!!
علمنا :
أن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة ، وأن شهود بدر لم يعصم حاطب بن أبي بلتعة من الزلل ، وأن الصلاة على ابن سلول _ لتطييب خاطر ولده _ لم تُقبل ، وأننا كنا مسوخاً حين رضينا أن نعبد ربهم سنة ليعبدوا ربنا سنة ، وأن عمرو خالد وأمثاله لا يصلحون لتدريس (باب الجهاد) !!
علمنا :
أن (حديبةً) دون وحي (أحدٌ) كاملة ، وأن ثورة دون دم حملٌ كاذب ، وأنه لا اجتهاد مع النص ، ولا خِيَرة لنا فيما قضى الله ورسوله ، وأن الثورات تسقط حين تُحاكم إلى القوانين التي ثارت عليها ، وأن المبادئ التي يتنازل أصحابها عن بعضها _ بدعوى التدرج _ تصبح كالسيدة الفاضلة التي يغتصبها أبناؤها بدعوى الحفاظ عليها !!
علمنا :
أن سيد قطب لم يكن مجنوناً حين كان يصرخ في الشوارع : الدواء فيه سم قاتل ، وأن حازم صلاح أبو إسماعيل لم يكن مريضاً بالوهم حين حَذَر من الذئاب والثعالب ، وأن المُلا عمر لم يكن مثالياً حالماً حين أضاع ملكه برفضه تسليم مسلم لكافر ، وأن ابن لادن لم يكن إرهابياً حين حمل معوله ليهدم قبور بيرسي كوكس وسايكس وبيكو التي عُبدت في جزيرة العرب من دون الله بعد موت محمد بن عبدالوهاب ، وأن الغترة البيضاء والثوب الأبيض واللحية الطويلة لا يصنعون سلفياً محترماً ، وأن المفتي قد يكون جزاراً ، والأزهر قد يصبح كاتدرائية ، وشاشة التلفاز قد تتحول لرشاش (عوزي) الإسرائيلي !!
علمنا أيضاً .. أن الدولة العميقة لم تكن عميقة إلا بقدر سطحيتنا نحن !!
علمنا كثيراً .. كثيراً .. كثيراً ..
وكان هذا العلم هو بوابة الخروج من التيه !!
ولأنه لا مخاض بدون ألم .. فقد كانت رابعة مخاضاً مؤلماً حد الفزع ، وكان السيسي بمثابة القابلة التي أخرجتنا " خلقاً من بعد خلقٍ في ظلمات ثلاث " : القومية والعلمانية والديمقراطية !!
نحن الآن على مشارف الخروج من التيه ..
بيد أن الأمر لم ينته بعد ..
إن الله مبتليكم بنهر ..
فمن شرب منه فليرض بالقعود مع الخوالف في الظلمات الثلاث .
ومن اكتفى بغرفة يده فأغلب ظني أنه سيقول _ بعد الجواز _ : " لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده " .
وأما الذين يظنون أنهم مُلاقو الله ؛ فكأني أسمعهم الآن يدعون :" ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ".
وكأن داود قد انحنى لالتقاط حجر مقلاعه !!
وكأن جالوت قد تشحط في دمه !!
وكأني أسمع من خلف الحُجب _ بعد انجلاء الغبار _ صوتَ الرحمة ينادينا : " اركض برجلك هذا مغتسلٌ باردٌ وشراب " .

**************************
لا أعرفُ فخاً وقعَ فيه المسلمون في القرن العشرين أبشع من فخ إِشْغَالِهم باحتلال القدس عن احتلال مكة !!
أَيْ بُنَي..
قنفذان يَتَسافدان بعنفٍ على قارعة الطريق، من الحمق أن تُدخل يديك بينهما!!
إن وجدتَ من أحدهما بَعضَ خيرٍ فلا تَستَأنسه كَهِرة.. هو قنفذ في النهاية!!
وإن استطعتَ أن تطأهما بحذائك فافعل، فإن لم يكن لك حذاء؛ فاصنع حذاءك..
اِصنع حِذاءَك وكُفَّ عن السيرِ حافياً في أرض القنافذ!!
قبضةٌ مِن أثَرِ الرسول
********************
نُشر هذا المقال أول مرة في صفحة علي فريد الخاصة في الفيس بوك يوم 6/سبتمبر/ 2016م
***************************
لا السلفية سلفية..
ولا الصوفية صوفية..
ولا الأشاعرة أشاعرة!!
(الثلاثة يشتغلوننا)!!
ولا يكتفون بذلك.. بل يضربوننا في خلاط التفاصيل لننشغل بتفاصيل الخلاط!!
لو عاد ابن تيمية ورأى أدعياء السلفية.. لَتبرّأ منهم أو كاد!!
أو عاد العز بن عبد السلام ورأى أدعياء الأشاعرة.. لباعهم- كما باع الأمراءَ- أو كاد!!
أو عاد إبراهيم بن أدهم ورأى أدعياء الصوفية لأوتر قوسه_التي مات قابضاً عليها في سبيل الله- ورماهم بسهامه.. أو كاد!!
لم تكن المعركةُ- يوماً- معركةَ سلفيةٍ أو صوفيةٍ أو أشعرية؟!
بل كانت- منذ الأزل- معركةَ توحيد!!
وليس التوحيد أن تعرف أسماء الله وصفاتِه حَسْبْ..
بل عماد التوحيد أن تُفْرِدَهُ بالعبادة.
وليست العبادة أن تصوم وتصلي حَسْب..
بل عماد العبادة ألا تُشرك- في عبادته- غَيرَه .
وليس الشرك أن تسجد لصنم حَسْب..
بل أكبر الشرك أن تعتقد منهجاً يُعبِّدُ الناسَ للناسِ بدلاً من تعبيد الناس لرب الناس!!
وما أفردَ اللهَ بالعبادةِ من اتخذ مع شَرْعِهِ شَرْعَاً، أو مَعَهُ- سبحانه- مُشرِّعاً.
وقد قرن اللهُ الحكمَ بالعبادةِ حين قال:" إنِ الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه".. فمن صرف شيئاً من الحكم لغيره فكأنما صرف شيئاً من العبادة لغيره.. يستوي في ذلك من نَصَبَ في معبده صنماً اعتقده؛ فسجد له.. ومن نصب في (برلمانه) قانوناً فرنسياً أو ياسقاً تترياً اعتقده؛ فحكم به.. كلا الرجلين عَبَدَ غير معبود حين قصد غير مقصود.. والحكم في برلمانٍ بغير ما أنزل الله كالسجود في معبد لغير وجه الله.. لا فرق بينهما إلا كالفرق بين الحَرَقِ والغَرق!!
ومنذ رفع الشيطانُ رأسَه أمام ربه قائلاً:"لأتخذن من عبادكَ نصيباً مفروضا".. بدأت المعركة.. فمن اتخذ سبيلاً غير سبيل الله صار- في معركة التوحيد- فرضاً للشيطان ونصيبا، وإن ظن نفسَه ولياً للرحمن وحبيبا!!
تكمن الكارثة في الانحراف الأول!!
والانحراف الأول يأتيك دائماً مغلفاً بمصلحةٍ دينيةٍ أو دنيوية.. بل ويُسَوّقُ لكَ- عادةً- على أنه درع يحمي المنهجَ من السقوط والذوبان. ومع تتابع الأزمنة وتناسل الأجيال.. تتناقص المصلحة شيئاً فشيئاً حتى لا يبقى بين يدي الجيل الأخير سوى الانحراف خالصاً!!
ذهبَ عمرو بنُ لُحَي الخزاعي إلى الشام؛ فرأى الأصنام؛ فأعجبته؛ فجلبها معه إلى مكة.. كم جيلاً احتاجته الأصنامُ لتصبح أمراً واقعاً لا يعترض عليه العرب، ثم عقيدةً راسخةً يقاتلون في سبيلها؟!
هل قاوم المكيون- آنذاك- دعوةَ الشرك كما قاوموا- بعد ذلك- دعوةَ التوحيد؟!
كيف تسرب إلى عقل العاقل أن الحجرَ الأصَمَّ يمكن أن يصبح رَبَّاً، والبقرةَ العجماء يمكن أن تصبح إلهاً؟!
تلك اللحظة المجنونة العاقلة أو العاقلة المجنونة.. كيف نرصد حركتها في العقل وتموجاتها في الروح؛ لنعرف متى وكيف ولماذا يُقنع العاقلُ نفسَه بغير المعقول؟!
لم يجد العرب سبباً يعقلون به ما لا يُعقل سوى أن يقولوا: ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى!!