زلزال فتح دمشق .. كواليس وخفايا، وأحد عشر يوماً حاسمة.
عملية أمنية معقدة بتصفية قادة غرفة عمليات العصابة، واغتيال ضابط الحرس الثوري الإيراني مهد لفتح حلب
الحلقة الخامسة
لم يكن شيئاً يميز يوم السابع والعشرين من نوفمبر بالنسبة للكثير من السوريين، فكل شيء يشير إلى أنه لا جديد على ساحة العراك والسجال والجدال بين مؤيد للجولاني ومعارض له، لكن تحت جنح ظلام ذلك اليوم، كان تاريخ يُكتب من جديد، تاريخ ليس لسوريا الجديدة فقط، وإنما للمشرق العربي كله، تكتبه دمشق، التي هي عز الشرق كله، حسب وصف الشاعر أحمد شوقي رحمه الله.
سبق هذا هجوم صهيوني على مقر عمليات حزب الله في منطقة كريتين شرقي إدلب في السابع من نوفمبر، أي قبل عشرين يوماً على هجوم الجولاني. قمت بزيارة المقر بعد تحريره على أيدي مجاهدي جيش الأحرار بقيادة أبي صالح الطحان، والذي كان يعد جزءاً من غرفة عمليات ردع العدوان. كان المقر قد دُمر بشكل كامل وسُوي بالأرض تماماً، كانت وجوه أهالي المنطقة تعلوها البسمة والفرحة، بعد تهجيرهم منها لخمس سنوات.
داخل مدينة حلب الكئيبة بحكم آل الأسد لأكثر من نصف قرن، كانت تجري عملية أمنية معقدة، عملية هزّت العواصم المعنية، قبل أن تهزّ المدن السورية، كما سيظهر لاحقاً، إذ تمكن جهاز الأمن العام من اختراق النظام المجرم، بحيث زرع عملاءه في داخل غرفة عمليات المنطقة الشمالية، فتمكنت من الوصول حتى إلى مقر اجتماع قادة المحاور القتالية من آفس في الجنوب إلى شمال حلب، وبينما كان أكبر القادة الثمانية المسؤولين عن هذه المحاور في اجتماعهم لتدارك الأوضاع العسكرية الأخيرة للمنطقة، كانت العصائب الحمراء، وهي القوات الخاصة للجولاني، وتٌعرف بالعصائب الحمراء نسبة إلى الصحابي سماك بن خرشة أبو دجانة، الذي أخذ السيف الذي كان يعرضه النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة بدر على الصحابة، قائلاً من يأخذه بحقه؟، فأخذه أبو دجانة، بعد أن وضح له النبي عليه السلام أن حقه أن يضرب فيه هامات الكفار حتى ينكسر.
زرعت العصائب الحمراء الرعب في نفوس العصابات الأسدية وحلفائها طوال السنوات الماضية، وذلك من خلال العمليات النوعية التي اضطلعت بها، ولا أنسى يوماً في لقاء مع كشافة شبابية، حين سألت أحدهم ماذا تحب أن تغدو في المستقبل، فأجابني دون تردد، جندياً في العصائب الحمراء.
وبالعودة إلى العملية الأمنية المعقدة في حلب ، فقد تمكن عناصر العصائب الحمراء من خلال اقتحامهم غرفة العمليات بالتنسيق مع عملائهم في الداخل، من قتل كل من حضر في الاجتماع عبر مسدسات كواتم للصوت، وخرجوا من العملية ليخبروا القيادة العامة بإنجاز المهمة، ولكن لظروف لوجستية تأخر الإخبار بإنجاز العملية لساعة كاملة، كانت قيادة عمليات ردع العدوان والتي تضم قادة الفصائل المنخرطة في المعركة قد اتخذت من مكان حصين في الشمال المحرر مقراً لعملياتها، لكن بدا عليها التوتر لوصول خبر مقتل قادة العمليات، ومع وصول الخبر بنجاح عملية تصفية كبار المجرمين، تم تفجير النفق الذي لم يكتمل والذي بلغ طوله 700 متر باتجاه مقر العصابات الأسدية، وكانت زنة التفجير أكثر من طن من المتفجرات، مما خلق حالة من التخبط والفوضى، ومعه بدأ هجوم المقاتلين، فتمكن كما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين 350 مقاتل من هزيمة 30 ألف من جنود عصابات أسد.
عنصر المفاجأة والمبادة فاجأ الجميع، وانهارت دفاعات حلب، وتخبطت قيادات النظام السوري والإيراني التي غدت بلا رأس يقودها، ولا أحد يرد على الضباط على الأرض مع فصل الرأس عن الجسد، وتبع هذه العملية استهداف قائد القوات البرية الإيرانية الجنرال كيومرث بور هاشمي في حلب عبر طائرة درون الشاهين المحلية الصنع التي سهرت هيئة تحرير الشام لأكثر من خمس سنوات على تصنيعها، وهنا انهارت القوات الإيرانية وحليفاتها من المليشيات الطائفية العابرة للحدود..
هذا النجاح العسكري الباهر سبقه تعفن داخل منظومة النظام السوري إن كان باستخدام الكيماوي، أو من خلال استنزاف قواته ومقاتليه وضباطه طول السنوات الماضية من الثورة، بينما كان يعتمد النظام على تجنيد الأشخاص العاديين من الشوارع، ممن ليس لديهم خبرة قتالية، أو دافعية للقتال، وهو ما تحدث عنه الجنود الهاربون الذين كان يتم جمعهم من شوارع حمص وغيرها من المدن.
عملية أمنية معقدة بتصفية قادة غرفة عمليات العصابة، واغتيال ضابط الحرس الثوري الإيراني مهد لفتح حلب
الحلقة الخامسة
لم يكن شيئاً يميز يوم السابع والعشرين من نوفمبر بالنسبة للكثير من السوريين، فكل شيء يشير إلى أنه لا جديد على ساحة العراك والسجال والجدال بين مؤيد للجولاني ومعارض له، لكن تحت جنح ظلام ذلك اليوم، كان تاريخ يُكتب من جديد، تاريخ ليس لسوريا الجديدة فقط، وإنما للمشرق العربي كله، تكتبه دمشق، التي هي عز الشرق كله، حسب وصف الشاعر أحمد شوقي رحمه الله.
سبق هذا هجوم صهيوني على مقر عمليات حزب الله في منطقة كريتين شرقي إدلب في السابع من نوفمبر، أي قبل عشرين يوماً على هجوم الجولاني. قمت بزيارة المقر بعد تحريره على أيدي مجاهدي جيش الأحرار بقيادة أبي صالح الطحان، والذي كان يعد جزءاً من غرفة عمليات ردع العدوان. كان المقر قد دُمر بشكل كامل وسُوي بالأرض تماماً، كانت وجوه أهالي المنطقة تعلوها البسمة والفرحة، بعد تهجيرهم منها لخمس سنوات.
داخل مدينة حلب الكئيبة بحكم آل الأسد لأكثر من نصف قرن، كانت تجري عملية أمنية معقدة، عملية هزّت العواصم المعنية، قبل أن تهزّ المدن السورية، كما سيظهر لاحقاً، إذ تمكن جهاز الأمن العام من اختراق النظام المجرم، بحيث زرع عملاءه في داخل غرفة عمليات المنطقة الشمالية، فتمكنت من الوصول حتى إلى مقر اجتماع قادة المحاور القتالية من آفس في الجنوب إلى شمال حلب، وبينما كان أكبر القادة الثمانية المسؤولين عن هذه المحاور في اجتماعهم لتدارك الأوضاع العسكرية الأخيرة للمنطقة، كانت العصائب الحمراء، وهي القوات الخاصة للجولاني، وتٌعرف بالعصائب الحمراء نسبة إلى الصحابي سماك بن خرشة أبو دجانة، الذي أخذ السيف الذي كان يعرضه النبي عليه الصلاة والسلام في غزوة بدر على الصحابة، قائلاً من يأخذه بحقه؟، فأخذه أبو دجانة، بعد أن وضح له النبي عليه السلام أن حقه أن يضرب فيه هامات الكفار حتى ينكسر.
زرعت العصائب الحمراء الرعب في نفوس العصابات الأسدية وحلفائها طوال السنوات الماضية، وذلك من خلال العمليات النوعية التي اضطلعت بها، ولا أنسى يوماً في لقاء مع كشافة شبابية، حين سألت أحدهم ماذا تحب أن تغدو في المستقبل، فأجابني دون تردد، جندياً في العصائب الحمراء.
وبالعودة إلى العملية الأمنية المعقدة في حلب ، فقد تمكن عناصر العصائب الحمراء من خلال اقتحامهم غرفة العمليات بالتنسيق مع عملائهم في الداخل، من قتل كل من حضر في الاجتماع عبر مسدسات كواتم للصوت، وخرجوا من العملية ليخبروا القيادة العامة بإنجاز المهمة، ولكن لظروف لوجستية تأخر الإخبار بإنجاز العملية لساعة كاملة، كانت قيادة عمليات ردع العدوان والتي تضم قادة الفصائل المنخرطة في المعركة قد اتخذت من مكان حصين في الشمال المحرر مقراً لعملياتها، لكن بدا عليها التوتر لوصول خبر مقتل قادة العمليات، ومع وصول الخبر بنجاح عملية تصفية كبار المجرمين، تم تفجير النفق الذي لم يكتمل والذي بلغ طوله 700 متر باتجاه مقر العصابات الأسدية، وكانت زنة التفجير أكثر من طن من المتفجرات، مما خلق حالة من التخبط والفوضى، ومعه بدأ هجوم المقاتلين، فتمكن كما قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين 350 مقاتل من هزيمة 30 ألف من جنود عصابات أسد.
عنصر المفاجأة والمبادة فاجأ الجميع، وانهارت دفاعات حلب، وتخبطت قيادات النظام السوري والإيراني التي غدت بلا رأس يقودها، ولا أحد يرد على الضباط على الأرض مع فصل الرأس عن الجسد، وتبع هذه العملية استهداف قائد القوات البرية الإيرانية الجنرال كيومرث بور هاشمي في حلب عبر طائرة درون الشاهين المحلية الصنع التي سهرت هيئة تحرير الشام لأكثر من خمس سنوات على تصنيعها، وهنا انهارت القوات الإيرانية وحليفاتها من المليشيات الطائفية العابرة للحدود..
هذا النجاح العسكري الباهر سبقه تعفن داخل منظومة النظام السوري إن كان باستخدام الكيماوي، أو من خلال استنزاف قواته ومقاتليه وضباطه طول السنوات الماضية من الثورة، بينما كان يعتمد النظام على تجنيد الأشخاص العاديين من الشوارع، ممن ليس لديهم خبرة قتالية، أو دافعية للقتال، وهو ما تحدث عنه الجنود الهاربون الذين كان يتم جمعهم من شوارع حمص وغيرها من المدن.
الروائية العلوية سمر يزبك في لوموند الفرنسية: كان هناك خوف كبير من رؤية حرب أهلية أو اشتباكات طائفية تندلع عندما يدخل أعضاء من هيئة تحرير الشام إلى المناطق التي تؤوي الأقليات مثل العلويين أو المسيحيين. لكن ما رأيناه على الأرض بدا وكأنه معجزة: ميليشيات مسلحة سيطرت على الريف والمدن بطريقة سلمية تماما، وأظهرت في سلوكها انضباطا ووضوحا أذهل العالم كله.
على #تركيا والعرب أن يدركوا اللحظة الفارقة بانتصار الثورة السورية، وطرد المحتل الإيراني،فهذا ليس انتصاراً لسوريا وإنما انتصار للجميع الذي كان يهدده هذا الاحتلال، ولذا فإن تهديدات وزير خارجية إيران المبطنة اليوم، ومن قبلها الخامنئي، لا تمس السوريين بقدر ما تمس العرب والأتراك.
زلزال فتح دمشق .. كواليس وخفايا، وأحد عشر يوماً حاسمة.
الحلقة السادسة
تبددت كل آمال وطموحات وجهود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومعه حليفه المرشد الإيراني علي خامنئي في غضون 24 ساعة حين تمكن بتعبير بوتين 350 مقاتلاً من اجتياح الريف الغربي الحلبي فحرروا 150 كيلومتر مربع، وهزموا 30 ألف مقاتل تابعين للعصابة الأسدية والمليشيات الطائفية.
كانت الرسالة الأولية مدمرة للحلفاء وللعصابات على الأرض، فلا القوات قادرة على الصمود فضلاً عن تنفيذ تهديداتها باجتياح المناطق المحررة، ولا الحلفاء من الروس والإيرانيين قادرون على دعم نظام بدا متهالكاً متداعياً، لاسيما وأن الحليف الروسي غارق في مستنقع أوكرانيا، بينما الإيراني يواصل مغامراته في سوريا واليمن والعراق ولبنان.
بدت حلب المدينة التي كانت بالأمس حلماً للكثيريين قريبة من أبنائها الثوار وأهلها الأصليين، وبدت معه أبعد ما تكون عن الأغراب المحتلين الذين سكنوا فيها لقرابة العقد، يوم جاس قائد فيلق القدس قاسم سليماني عام 2015 في شوارعها متحدياً ليس السوريين والحلبيين ولكن متحدياً العرب والمسلمين، مما ذكر الكثيريين بتبختر وزير الدفاع الصهيوني إرييل شارون في بيروت يوم احتلها عام 1982، وقد عُقدت الأشباه والنظائر بين احتلال بيروت واحتلال حلب.
تدفقت حشود المجاهدين على الفوج 46 وهو الذي يعد بمثابة الدفاع المهم والأخطر على المدينة، إذ إنه كالسوار المحيط بالمعصم، وتمكن الثوار من السيطرة عليه في غضون ساعات قليلة، ونشروا قواتهم وبدؤا بالزحف على المدينة التي تهاوت حصونها أمامهم بسرعة مذهلة، فقد كانت أشبه ما تكون بالثمرة الناضجة على الشجرة بحاجة لمن تقع في حرجه، بعد أن نخر الفساد والضعف والهزال في جسد الاحتلال وعملائه.
لم تكن تتهاوى حلب لوحدها، وإنما كانت آخر معاقل روسيا في المنطقة العربية تتهاوى معها، حيث بوتين الذي كان يسعى إلى المكابرة أمام العالم كله بعد تحرير ليبيا من القذافي أن يثبت أنه لن يكرر في سوريا ما حصل في ليبيا، وها هو يتراجع أمام ضربات الثوار، وخور وهزيمة حلفائه الذين راهن عليهم لعقود بشكل غير مباشر، وعقد بشكل مباشر يوم احتلت قواته سوريا في الثلاثين من سبتمبر 2015.
كان مشهد البزات العسكرية على المداخل المؤدية إلى حلب تملء الشوارع، فقد خلع العسكريون وعناصر المليشيات الطائفية بزاتهم العسكرية وذابوا وسط المدنيين، خوفاً من بطش الثوار، الذين أعلنوا العفو العام عن الكل، إلاّ من لديه مظلمة أو حق عند عسكري، أما العربات العسكرية والدبابات فقد بدت محطمة مدمرة، متروكة في الشوارع، بعضها تركها أصحابها لا لشيء وإنما لأن الوقود قد انتهى منها، لكن الأجمل من هذه الصورة، الفتح الحضاري الذي تمثل بدخول المؤسسات المدنية التي بدت حريصة على مباني الدولة ومرافقها.
كان أساتذة جامعة إدلب مع 200 طالب من الجامعة يستعدون إلى دخول مباني جامعة حلب التي أشبه ما تكون بمدينة في سعة حجمها ومبانيها، وذلك من أجل تأمين كل مرافقها ومستلزماتها، ونفس الأمر حصل من تحرك مؤسسات إدلب من مؤسسات السجل المدني والكهرباء والمياه والتموين والشرطة وغيرها إلى مدينة حلب لحماية مؤسسات نظيرة لها، مما أثار جواً مريحاً لدى المدنيين الذين زرع النظام في نفوسهم الرعب والخوف والقلق من الثوار، ليجدوا اليوم أبناءهم وهم يوزعون لهم الخبز ، ويُشغلوا المخابز، ويعيدوا تشغيل محطة الكهرباء فتعود إلى حلب لـ 12 ساعة، بعد أن حرص النظام لتشغيلها فقط لساعتين، من باب العقوبة لأهالي حلب، بينما قدرتها جاهزة لمد المدينة بالكهرباء لـ 12 ساعة.
بدأ أهالي حلب بالتدفق على الشوارع ليقتروا من الفاتحين الجدد، ولا أنسى حين سألت بائع حلويات عن الفاتحين الجدد، فسارع بالقول لقد ظلمناهم، كنا نظن أنهم خطر علينا، وهو ما زرعه النظام في نفوسنا، لنرى اليوم أن لا مجال للمقارنة بينهم وبين مع عصابات أسد، حيث كان يدخل الضابط إلى محلاتنا فيطلب عدة كيلوغرامات من الحلويات دون أن نتجرأ أن نسأله عن دفع ثمنها.
توّج القائد الجديد أحمد الشرع يوم حلب بزيارة قلعة حلب، والتي سبق أن قال عنها صلاح الدين الأيوبي ما سررت بفتح كسروري بفتح حلب، ففتحها فتح لدمشق، وقد تكرر بعد أيام ما قاله صلاح الدين رحمه الله قبل قرون، ومعها بدأت الحالة الطبيعية تتحسن في المدينة، الأمر الذي أرسل رسائل مطمئنة للمدن السورية الأخرى، فقد نجح الثوار في تحدي اليوم التالي الذي تعقد له الندوات العالمية، فكان يوماً تالياً بنصر عسكري، وفتح مدني شهد له الجميع.
الحلقة السادسة
تبددت كل آمال وطموحات وجهود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومعه حليفه المرشد الإيراني علي خامنئي في غضون 24 ساعة حين تمكن بتعبير بوتين 350 مقاتلاً من اجتياح الريف الغربي الحلبي فحرروا 150 كيلومتر مربع، وهزموا 30 ألف مقاتل تابعين للعصابة الأسدية والمليشيات الطائفية.
كانت الرسالة الأولية مدمرة للحلفاء وللعصابات على الأرض، فلا القوات قادرة على الصمود فضلاً عن تنفيذ تهديداتها باجتياح المناطق المحررة، ولا الحلفاء من الروس والإيرانيين قادرون على دعم نظام بدا متهالكاً متداعياً، لاسيما وأن الحليف الروسي غارق في مستنقع أوكرانيا، بينما الإيراني يواصل مغامراته في سوريا واليمن والعراق ولبنان.
بدت حلب المدينة التي كانت بالأمس حلماً للكثيريين قريبة من أبنائها الثوار وأهلها الأصليين، وبدت معه أبعد ما تكون عن الأغراب المحتلين الذين سكنوا فيها لقرابة العقد، يوم جاس قائد فيلق القدس قاسم سليماني عام 2015 في شوارعها متحدياً ليس السوريين والحلبيين ولكن متحدياً العرب والمسلمين، مما ذكر الكثيريين بتبختر وزير الدفاع الصهيوني إرييل شارون في بيروت يوم احتلها عام 1982، وقد عُقدت الأشباه والنظائر بين احتلال بيروت واحتلال حلب.
تدفقت حشود المجاهدين على الفوج 46 وهو الذي يعد بمثابة الدفاع المهم والأخطر على المدينة، إذ إنه كالسوار المحيط بالمعصم، وتمكن الثوار من السيطرة عليه في غضون ساعات قليلة، ونشروا قواتهم وبدؤا بالزحف على المدينة التي تهاوت حصونها أمامهم بسرعة مذهلة، فقد كانت أشبه ما تكون بالثمرة الناضجة على الشجرة بحاجة لمن تقع في حرجه، بعد أن نخر الفساد والضعف والهزال في جسد الاحتلال وعملائه.
لم تكن تتهاوى حلب لوحدها، وإنما كانت آخر معاقل روسيا في المنطقة العربية تتهاوى معها، حيث بوتين الذي كان يسعى إلى المكابرة أمام العالم كله بعد تحرير ليبيا من القذافي أن يثبت أنه لن يكرر في سوريا ما حصل في ليبيا، وها هو يتراجع أمام ضربات الثوار، وخور وهزيمة حلفائه الذين راهن عليهم لعقود بشكل غير مباشر، وعقد بشكل مباشر يوم احتلت قواته سوريا في الثلاثين من سبتمبر 2015.
كان مشهد البزات العسكرية على المداخل المؤدية إلى حلب تملء الشوارع، فقد خلع العسكريون وعناصر المليشيات الطائفية بزاتهم العسكرية وذابوا وسط المدنيين، خوفاً من بطش الثوار، الذين أعلنوا العفو العام عن الكل، إلاّ من لديه مظلمة أو حق عند عسكري، أما العربات العسكرية والدبابات فقد بدت محطمة مدمرة، متروكة في الشوارع، بعضها تركها أصحابها لا لشيء وإنما لأن الوقود قد انتهى منها، لكن الأجمل من هذه الصورة، الفتح الحضاري الذي تمثل بدخول المؤسسات المدنية التي بدت حريصة على مباني الدولة ومرافقها.
كان أساتذة جامعة إدلب مع 200 طالب من الجامعة يستعدون إلى دخول مباني جامعة حلب التي أشبه ما تكون بمدينة في سعة حجمها ومبانيها، وذلك من أجل تأمين كل مرافقها ومستلزماتها، ونفس الأمر حصل من تحرك مؤسسات إدلب من مؤسسات السجل المدني والكهرباء والمياه والتموين والشرطة وغيرها إلى مدينة حلب لحماية مؤسسات نظيرة لها، مما أثار جواً مريحاً لدى المدنيين الذين زرع النظام في نفوسهم الرعب والخوف والقلق من الثوار، ليجدوا اليوم أبناءهم وهم يوزعون لهم الخبز ، ويُشغلوا المخابز، ويعيدوا تشغيل محطة الكهرباء فتعود إلى حلب لـ 12 ساعة، بعد أن حرص النظام لتشغيلها فقط لساعتين، من باب العقوبة لأهالي حلب، بينما قدرتها جاهزة لمد المدينة بالكهرباء لـ 12 ساعة.
بدأ أهالي حلب بالتدفق على الشوارع ليقتروا من الفاتحين الجدد، ولا أنسى حين سألت بائع حلويات عن الفاتحين الجدد، فسارع بالقول لقد ظلمناهم، كنا نظن أنهم خطر علينا، وهو ما زرعه النظام في نفوسنا، لنرى اليوم أن لا مجال للمقارنة بينهم وبين مع عصابات أسد، حيث كان يدخل الضابط إلى محلاتنا فيطلب عدة كيلوغرامات من الحلويات دون أن نتجرأ أن نسأله عن دفع ثمنها.
توّج القائد الجديد أحمد الشرع يوم حلب بزيارة قلعة حلب، والتي سبق أن قال عنها صلاح الدين الأيوبي ما سررت بفتح كسروري بفتح حلب، ففتحها فتح لدمشق، وقد تكرر بعد أيام ما قاله صلاح الدين رحمه الله قبل قرون، ومعها بدأت الحالة الطبيعية تتحسن في المدينة، الأمر الذي أرسل رسائل مطمئنة للمدن السورية الأخرى، فقد نجح الثوار في تحدي اليوم التالي الذي تعقد له الندوات العالمية، فكان يوماً تالياً بنصر عسكري، وفتح مدني شهد له الجميع.
Forwarded from مراسل أحرار الشام
Please open Telegram to view this post
VIEW IN TELEGRAM
نصيحتي للقوى الإعلامية الثورية النشطة في #سوريا وغيرها مواصلة فضح #جمهورية_صيدنايا التي ابتلعت عشرات الآلاف من السوريين قتلاً وحرقاً وكبساً بالمكابس، لتجديد الدورة الدموية العدائية مع هذه العصابات الطائفية المجرمة، وسدنتها المحتلين، مصير رموز الإجرام التعليق على مشانق المرجة..
زيدان للإعلام pinned «زلزال فتح دمشق .. كواليس وخفايا، وأحد عشر يوماً حاسمة. الحلقة الأولى كتب الكثيرون روايتهم عن زلزال فتح دمشق، اقترب بعضهم من الحقيقة، وحاد آخرون عنها، وبغض النظر عن الدوافع والحوافز والبواعث لكل واحد، إلاّ أن بعض الأصدقاء المؤيدين للثورة السورية في عصر المغرم…»
القوى الدولية والمحلية الطائفية التي شجعت على ذبح السوريين ل ١٣ سنة، هي من تحرض اليوم على جرّ طوائفها، لمحرقة أخرى… على عقلاء الطائفة أن يدركوا لحظة الحقيقة وهي أن مصيرهم داخل ١٨٥ ألف كيلومتر مربع وليسوا امتداداً لمشاريع خارجية…
زلزال فتح دمشق .. كواليس وخفايا، وأحد عشر يوماً حاسمة.
الحلقة السابعة
كان الشعور بالسرور والغبطة يعمّ كل أنحاء سورية، لم يكن أحد يصدق أن هذا الفتح سيصل بهم إلى العاصمة الاقتصادية للبلاد حلب ، فكل ما كان يتوقعه الشعب أن الثوار سيصلون ربما إلى أطراف المدينة، مع توسعهم لريف إدلب الشرقي، لكن أرادها الله كل سوريا. أصاب أهل حلب الذهول والدهشة، فلم تكن تصدق حلب الشهباء التي تعرضت لما تعرضت له في مطلع الثمانينيات من جرائم أسدية، أن تنتهي العصابة برمشة عين، وهي التي تعرضت في عام 1980 لثلاث مرات للتفتيش بيتاً بيتاً على يد الفرقة الثالثة بقيادة المجرم العميد شفيق فياض، إذ كانت يومها القوة الضاربة للطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين، وشكلت أول محافظة سورية تنتفض شعبياً ضد العصابة الأسدية في مظاهرات عارمة عام 1980 تطالب بإسقاط حكم الأسد.
هذه الخلفية عن حلب مهمة خصوصاً لمن يراها قد تأخرت عن ركب الالتحاق بالثورة، ولمن يراها مؤيدة للعصابة الأسدية، فالحقيقة كشاهد على تلك الفترة أقول للأمانة بأن حلب كانت متقدمة على كل المحافظات السورية بما فيها حماة وذلك قبل تعرض الأخيرة لمجزرة عام 1982. كانت حلب منتفضة ضد الطاغية المقبور حافظ أسد، ولذلك كانت مجزرة حي المشارقة مبكرة في حلب، أما العصابة الأسدية فقد اشتغلت على حلب، بحيث سعت إلى تبديل في النخب الحلبية من رجال أعمال ومشايخ ومثقفين معادين لها، عبر الاعتقال والقتل والتشريد، إلى أن تمكن آل أسد من فرض كثير من النخب المزيفة على المدينة، ولذلك حصل ما حصل فيها بداية الثورة، ولكن حلب الأصيلة اليوم تعود لأهلها، وتعود نخبها إليها بإذن الله، ولم ولن تكون إلاّ في طليعة بناء سوريا الجديدة، ولعل تحرك جحافل الفاتحين اليوم منها باتجاه دمشق شكل إعادتها إلى واجهة الاستقلال السوري الثاني.
وبدأت النخب تردد مع تحرير قلعة حلب مقولة الناصر صلاح الدين الأيوبي: ( ما سررت بفتح قلعة أعظم من سروري بفتح قلعة حلب، فإذا فُتحت حلب فتحت الشام كلها بعودن الله).
بالعودة إلى الأحداث المتسلسلة في تحرير مدينة حلب، انهارت العصابة الأسدية، فبين من يرى داخل العصابة أن حلب خانت وانضمت للثورة، فقادة عصابات أسد لم يكن يعرفون ما جرى من تصفية قادة غرفة العمليات، وبين من يرى أن مليشيات العصابة نخرها السوس، استبد بها التعفن والتكلس والفساد، فلم يعد بمقدورها أن تقف في وجه المجاهدين الزاحفين لاستئصال الفساد والشر الطائفي.
كانت الانهيارات كتأثير أحجار الدومينيو، فكما أن الهزائم والخسائر تأتي جماعياً، فالانتصارات تأتي كذلك، إذ كانت قوات الثوار متمركزة في ضواحي مدينة سراقب عقدة المواصلات السورية، الواصلة بين طريقي إم 4 وإم 5، فهي تصل بين دمشق وحمص وحماة، مع حلب، وتصل هذه المدن مع اللاذقية والساحل، ومع شن قوات الثوار هجماتها على معاقل عصابات حزب الله والعصابة الأسدية، وقعت معارك طاحنة استمرت لثلاثة أيام تقريباً مما أسفر عن سقوط أعداد كبيرة في القتلى والجرحى بصفوف قوات حزب الله التي كانت تتخذ من المنطقة معقلاً لها.
شرق تفتناز أو في ريف إدلب الشرقي كانت قوات حزب الله تتمركز في مناطق كريتين والطلحية والأربيخ، وجاءت الأوامر لجيش الأحرار بقيادة الشيخ أبي صالح الطحان للهجوم على المنطقة. تحركت قوات الأخير كما أخبرني وأنا أزور وإياه المنطقة بعد التحرير، ففوجئ بعطل في كاسحة الألغام، والمعلوم أن قوات حزب الله قد زرعت المنطقة بالألغام حماية لمواقعها، فطلب أبو صالح من الهيئة كاسحة ألغام، فأتاه الرد، أن لا شيء لدينا، وعليك التحرك سريعاً، فالتأخير ليس في صالحنا، فاستعد شاب يعمل مع جيش الأحرار من معرة النعمان، يقود جرافة " بلدوزر" للتقدم، فانفجر به لغم أرضي، بيد أنه خرج سليماً من الانفجار بفضل الله، فترجل وطلب من المجاهدين أن يلحقوا به، ويقتفوا أثره، وبالفعل فتحت المناطق الثلاثة التي استعصت لخمس سنوات مستمرة على المجاهدين، ولم يخسر المجاهدون أحداً سوى إصابة أحد الإخوة المجاهدين بجرح طفيف في أصبعه، بينما فرّ المحتلون الأغراب عن المنطقة التي كانت مليئة بالخنادق والأنفاق، لكن لم تمنعهم حصونهم وأنفاقهم من غضبة المجاهدين الأحرار.
الحلقة السابعة
كان الشعور بالسرور والغبطة يعمّ كل أنحاء سورية، لم يكن أحد يصدق أن هذا الفتح سيصل بهم إلى العاصمة الاقتصادية للبلاد حلب ، فكل ما كان يتوقعه الشعب أن الثوار سيصلون ربما إلى أطراف المدينة، مع توسعهم لريف إدلب الشرقي، لكن أرادها الله كل سوريا. أصاب أهل حلب الذهول والدهشة، فلم تكن تصدق حلب الشهباء التي تعرضت لما تعرضت له في مطلع الثمانينيات من جرائم أسدية، أن تنتهي العصابة برمشة عين، وهي التي تعرضت في عام 1980 لثلاث مرات للتفتيش بيتاً بيتاً على يد الفرقة الثالثة بقيادة المجرم العميد شفيق فياض، إذ كانت يومها القوة الضاربة للطليعة المقاتلة للإخوان المسلمين، وشكلت أول محافظة سورية تنتفض شعبياً ضد العصابة الأسدية في مظاهرات عارمة عام 1980 تطالب بإسقاط حكم الأسد.
هذه الخلفية عن حلب مهمة خصوصاً لمن يراها قد تأخرت عن ركب الالتحاق بالثورة، ولمن يراها مؤيدة للعصابة الأسدية، فالحقيقة كشاهد على تلك الفترة أقول للأمانة بأن حلب كانت متقدمة على كل المحافظات السورية بما فيها حماة وذلك قبل تعرض الأخيرة لمجزرة عام 1982. كانت حلب منتفضة ضد الطاغية المقبور حافظ أسد، ولذلك كانت مجزرة حي المشارقة مبكرة في حلب، أما العصابة الأسدية فقد اشتغلت على حلب، بحيث سعت إلى تبديل في النخب الحلبية من رجال أعمال ومشايخ ومثقفين معادين لها، عبر الاعتقال والقتل والتشريد، إلى أن تمكن آل أسد من فرض كثير من النخب المزيفة على المدينة، ولذلك حصل ما حصل فيها بداية الثورة، ولكن حلب الأصيلة اليوم تعود لأهلها، وتعود نخبها إليها بإذن الله، ولم ولن تكون إلاّ في طليعة بناء سوريا الجديدة، ولعل تحرك جحافل الفاتحين اليوم منها باتجاه دمشق شكل إعادتها إلى واجهة الاستقلال السوري الثاني.
وبدأت النخب تردد مع تحرير قلعة حلب مقولة الناصر صلاح الدين الأيوبي: ( ما سررت بفتح قلعة أعظم من سروري بفتح قلعة حلب، فإذا فُتحت حلب فتحت الشام كلها بعودن الله).
بالعودة إلى الأحداث المتسلسلة في تحرير مدينة حلب، انهارت العصابة الأسدية، فبين من يرى داخل العصابة أن حلب خانت وانضمت للثورة، فقادة عصابات أسد لم يكن يعرفون ما جرى من تصفية قادة غرفة العمليات، وبين من يرى أن مليشيات العصابة نخرها السوس، استبد بها التعفن والتكلس والفساد، فلم يعد بمقدورها أن تقف في وجه المجاهدين الزاحفين لاستئصال الفساد والشر الطائفي.
كانت الانهيارات كتأثير أحجار الدومينيو، فكما أن الهزائم والخسائر تأتي جماعياً، فالانتصارات تأتي كذلك، إذ كانت قوات الثوار متمركزة في ضواحي مدينة سراقب عقدة المواصلات السورية، الواصلة بين طريقي إم 4 وإم 5، فهي تصل بين دمشق وحمص وحماة، مع حلب، وتصل هذه المدن مع اللاذقية والساحل، ومع شن قوات الثوار هجماتها على معاقل عصابات حزب الله والعصابة الأسدية، وقعت معارك طاحنة استمرت لثلاثة أيام تقريباً مما أسفر عن سقوط أعداد كبيرة في القتلى والجرحى بصفوف قوات حزب الله التي كانت تتخذ من المنطقة معقلاً لها.
شرق تفتناز أو في ريف إدلب الشرقي كانت قوات حزب الله تتمركز في مناطق كريتين والطلحية والأربيخ، وجاءت الأوامر لجيش الأحرار بقيادة الشيخ أبي صالح الطحان للهجوم على المنطقة. تحركت قوات الأخير كما أخبرني وأنا أزور وإياه المنطقة بعد التحرير، ففوجئ بعطل في كاسحة الألغام، والمعلوم أن قوات حزب الله قد زرعت المنطقة بالألغام حماية لمواقعها، فطلب أبو صالح من الهيئة كاسحة ألغام، فأتاه الرد، أن لا شيء لدينا، وعليك التحرك سريعاً، فالتأخير ليس في صالحنا، فاستعد شاب يعمل مع جيش الأحرار من معرة النعمان، يقود جرافة " بلدوزر" للتقدم، فانفجر به لغم أرضي، بيد أنه خرج سليماً من الانفجار بفضل الله، فترجل وطلب من المجاهدين أن يلحقوا به، ويقتفوا أثره، وبالفعل فتحت المناطق الثلاثة التي استعصت لخمس سنوات مستمرة على المجاهدين، ولم يخسر المجاهدون أحداً سوى إصابة أحد الإخوة المجاهدين بجرح طفيف في أصبعه، بينما فرّ المحتلون الأغراب عن المنطقة التي كانت مليئة بالخنادق والأنفاق، لكن لم تمنعهم حصونهم وأنفاقهم من غضبة المجاهدين الأحرار.
شكل انهيار خط سراقب انهياراً للعصابة الأسدية حتى مدينة حماة أبي الفداء، ما دامت الخط الأول وخط الدفاع الأساسي والرئيسي للعصابة في الشمال السوري، لكن ظلت الطائرات الأسدية والروسية تصب حممها على إدلب المدينة الوادعة، وكذلك على القرى المجاورة لها، ولا زلت أتذكر القصف المدفعي والصاروخي الهمجي الذي طال مدينتنا الحبيبة تفتناز ومناطقنا المجاورة في معارة وبنش وسرمين وغيرهما، ولكن صمد الناس وكانوا حاضنة حقيقية للمجاهدين، فرحون بتقدمهم وانتصاراتهم، على الرغم من الحرائق التي التهمت محطات وقود إدلب، فالجبان الروسي والأسدي لم يبق لديه سوى الانتقام بضرب نموذج إدلب الناعم، وهو يرى تهاوي المناطق المحتلة أمام ضربات المجاهدين، ومع استمرار الأنباء عن تقدم المجاهدين، كانت مكبرات الصوت في المآزن تصدح بالتكبير والتهليل والتحميد على الانتصارات المتتالية، ومعه يتدفق الأطفال والكبار والصغار على المساجد ليتحلقوا في حلق يكبرون ويهللون عبر هذه المكبرات شكراً عما أنعم الله بها عليهم، أما النساء فكنت تسمع زغاريدهن في الشوارع، أملاً في إفراج بعضهن عن شبابهن القابعين في السجون، كان الجميع خلية نحل لا عمل لها سوى متابعة الانتصارات، ودحر عدوهم الذي أذاقهم سوء العذاب طوال 13 عاماً من الحرب الضروس مستمداً قوته ودعمه من قوة إقليمية بحجم إيران مع مليشياتها الطائفية العابرة للحدود، وكذلك من قوة دولية مجرمة بحجم روسيا وآخرون يمدونهم بالغي
زلزال فتح دمشق .. كواليس وخفايا، وأحد عشر يوماً حاسمة.
الحلقة الثامنة
كانت مع كل غارة جوية روسية أو أسدية لإدلب تزداد القناعة لدى سكان الشمال السوري المحرر الذين اعتادوا على مثل هذه الغارات، أن الصراخ على قدر الألم، وأن فجر الحرية بات أقرب من أي شيء، لاسيما وجحافل الثوار تتقدم على فلول الهاربين من عصابات أسد والمليشيات الطائفية المجرمة التي كانت تفرّ كالجرذان أمام تقدم الثوار، خالعة ثيابها وزيها، وهائمة على وجهها، ومعه يتقدم الثوار باتجاه شرقي حلب وشرقي إدلب لتطهير المنطقة من رجس هذه المليشيات التي دنّست الأرض وأرعبت البلاد والعباد لسنوات، وهو ما أمّن هذه المناطق من غدر غارات دباباتهم وقذائف صواريخهم ومدافعهم.
لقد غدا الطريق ممهداً إلى معرة النعمان، بل ومحمياً في الشرق بعد سيطرة الثوار على مطار أبو الضهور، والقرى والبلدات المحيطة بمعرة النعمان في دير شرقي حيث ضريح الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز والذي سنأتي على ذكره وزيارته في الحلقات المقبلة.
اتجهتُ يومها إلى مدينة حلب، فحلب قصدنا وأنت السبيل لأرى بأم عيني تلك المدينة التي لم يسبق أن زرتها كلها، باستثناء بعض أحيائها التي حررت عام 2012-2016، أما حلب الجديدة فقد حُرمت منها منذ أن زرتها في عام 1980 مع والدي رحمه الله، لتجدني طوال تلك الفترة مهاجراً ضد المقبور حافظ أسد، فكانت عودتي لسوريا كلها بعد 32 سنة من الهجرة والغربة، عودة ما كان لها أن تقع لولا فضل الله أولاً وأخيراً ثم انطلاق الثورة السورية المباركة.
دخلت مدينة حلب من طريق الأوستراد القادم من دمشق إلى المدينة الجميلة الصاخبة اقتصادياً سابقاً الوادعة الهادئة اليوم، حيث الدبابات المدمرة والألبسة العسكرية التي خلعها أصحابها تاركين إياها في الأرض كي يخفون هوياتهم، فشعارهم النجاة النجاة بالنفس. كانت المدينة واجمة خائفة مدهوشة مذهولة، حركة السير فيها كما علمنا ليست كالمعتاد، فالكثير قد التزم بيته، ومن خرج من بيته إنما يبحث عن ربطة خبز، فقد ربطت العصابة الأسدية مصير كل حلبي بربطة خبز أو بجرة غاز، إذ إن نصف وقت الحلبيين يقضونه في تأمين خبزهم، لكن ذلك كله بفضل الله بدأ يعود إلى حلب الإباء شيئاً فشيئاً.
كان كل همّي أن أشبع من رؤية مدينة حلب، وأنّى لي ذلك في يوم أو يومين، فضلاً عن ساعات، فهنا نهر قويق الجميل وعلى جنباته أشجار باسقة وارفة، تحكي قصة حضارة، وفي داخله طفت جثث الثوار بعد أن أوثقتها وقتلتها عصابات أسد والمليشيات الطائفية في يناير/ كانون ثاني 2013 والتي بلغ تعدادها 147 شخصاً، والظاهر أنهم أعتقلوا على مراحل وفترات متباعدة، ليتم العثور على جثثهم في هذا اليوم المشؤوم، وفي حي المشارقة الحلبي من قبل استشهد 83 على يد عصابات أسد في أول أيام عيد الفطر الحزين على حلب المصادف 11 آب / أغسطس من عام 1980، وتم دفنهم في مقبرة جماعية، وذلك لمجرد الاشتباه بأنهم من الإخوان المسلمين، وقد تراوحت أعمارهم بين 16- 72 عاماً.
تجولت في ساحة سعد الله الجابري وفي الحديقة العامة، وزرنا قلعة حلب التي تحكي قصة صمود أسطوري بوجه الطغاة والمجرمين، فأعمار الطغاة قصار، وصروح حلب باقية رغم أنوف هؤلاء الطغاة. لقد حوّلتها العصابات الأسدية إلى مقرات عسكرية خلال فترة احتلالاتها، كما حوّلت كل سوريا لنفس الهدف والغاية، من أجل قتل شعبها وتدميره وتحطيمه، حتى أتى اليوم الموعود برحيل وتكنيس هذه العصابات عن الشام وأهله، ولن تكتمل زيارة حلب إلاّ بزيارة المسجد الأموي الذي سعت العصابات الإيرانية الإرهابية إلى العبث بعمارته، ووضع بعض الأحجار واللمسات الفارسية في محرابه، ولكن لكل أجل كتاب، حيث وصل المجاهدون الأبطال وسط عملية الترميم، ليعيدوا أموية المسجد كما بني على حقيقته.
كان الإخوة في حكومة الانقاذ ومؤسساتها التي بدأت تنتقل على عجل إلى حلب، خلية نحل حقيقية في السعي إلى إعادة الخدمات للمدينة، من كهرباء ومياه ومخابز، ومعها حماية المؤسسات الحكومية، وحتى أن الإخوة في الدفاع المدني " الخوذ البيضاء" الذين يحظون بسمعة قوية ورائعة في سوريا لدورهم المشهود طوال فترة الثورة السورية، منهمكين في تكنيس وغسل وشطف ساحة سعد الله الجابري، وعملية الغسل والشطف لها رمزيتها المهمة اليوم، حيث أن كل سوريا اليوم بحاجة إلى تكنيس وشطف أرضها وجدرانها مما علق بها من دنس ورجس الغزاة الداخليين والخارجيين على مدى 61 عاماً من حكم البعث اللعين.
الحلقة الثامنة
كانت مع كل غارة جوية روسية أو أسدية لإدلب تزداد القناعة لدى سكان الشمال السوري المحرر الذين اعتادوا على مثل هذه الغارات، أن الصراخ على قدر الألم، وأن فجر الحرية بات أقرب من أي شيء، لاسيما وجحافل الثوار تتقدم على فلول الهاربين من عصابات أسد والمليشيات الطائفية المجرمة التي كانت تفرّ كالجرذان أمام تقدم الثوار، خالعة ثيابها وزيها، وهائمة على وجهها، ومعه يتقدم الثوار باتجاه شرقي حلب وشرقي إدلب لتطهير المنطقة من رجس هذه المليشيات التي دنّست الأرض وأرعبت البلاد والعباد لسنوات، وهو ما أمّن هذه المناطق من غدر غارات دباباتهم وقذائف صواريخهم ومدافعهم.
لقد غدا الطريق ممهداً إلى معرة النعمان، بل ومحمياً في الشرق بعد سيطرة الثوار على مطار أبو الضهور، والقرى والبلدات المحيطة بمعرة النعمان في دير شرقي حيث ضريح الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز والذي سنأتي على ذكره وزيارته في الحلقات المقبلة.
اتجهتُ يومها إلى مدينة حلب، فحلب قصدنا وأنت السبيل لأرى بأم عيني تلك المدينة التي لم يسبق أن زرتها كلها، باستثناء بعض أحيائها التي حررت عام 2012-2016، أما حلب الجديدة فقد حُرمت منها منذ أن زرتها في عام 1980 مع والدي رحمه الله، لتجدني طوال تلك الفترة مهاجراً ضد المقبور حافظ أسد، فكانت عودتي لسوريا كلها بعد 32 سنة من الهجرة والغربة، عودة ما كان لها أن تقع لولا فضل الله أولاً وأخيراً ثم انطلاق الثورة السورية المباركة.
دخلت مدينة حلب من طريق الأوستراد القادم من دمشق إلى المدينة الجميلة الصاخبة اقتصادياً سابقاً الوادعة الهادئة اليوم، حيث الدبابات المدمرة والألبسة العسكرية التي خلعها أصحابها تاركين إياها في الأرض كي يخفون هوياتهم، فشعارهم النجاة النجاة بالنفس. كانت المدينة واجمة خائفة مدهوشة مذهولة، حركة السير فيها كما علمنا ليست كالمعتاد، فالكثير قد التزم بيته، ومن خرج من بيته إنما يبحث عن ربطة خبز، فقد ربطت العصابة الأسدية مصير كل حلبي بربطة خبز أو بجرة غاز، إذ إن نصف وقت الحلبيين يقضونه في تأمين خبزهم، لكن ذلك كله بفضل الله بدأ يعود إلى حلب الإباء شيئاً فشيئاً.
كان كل همّي أن أشبع من رؤية مدينة حلب، وأنّى لي ذلك في يوم أو يومين، فضلاً عن ساعات، فهنا نهر قويق الجميل وعلى جنباته أشجار باسقة وارفة، تحكي قصة حضارة، وفي داخله طفت جثث الثوار بعد أن أوثقتها وقتلتها عصابات أسد والمليشيات الطائفية في يناير/ كانون ثاني 2013 والتي بلغ تعدادها 147 شخصاً، والظاهر أنهم أعتقلوا على مراحل وفترات متباعدة، ليتم العثور على جثثهم في هذا اليوم المشؤوم، وفي حي المشارقة الحلبي من قبل استشهد 83 على يد عصابات أسد في أول أيام عيد الفطر الحزين على حلب المصادف 11 آب / أغسطس من عام 1980، وتم دفنهم في مقبرة جماعية، وذلك لمجرد الاشتباه بأنهم من الإخوان المسلمين، وقد تراوحت أعمارهم بين 16- 72 عاماً.
تجولت في ساحة سعد الله الجابري وفي الحديقة العامة، وزرنا قلعة حلب التي تحكي قصة صمود أسطوري بوجه الطغاة والمجرمين، فأعمار الطغاة قصار، وصروح حلب باقية رغم أنوف هؤلاء الطغاة. لقد حوّلتها العصابات الأسدية إلى مقرات عسكرية خلال فترة احتلالاتها، كما حوّلت كل سوريا لنفس الهدف والغاية، من أجل قتل شعبها وتدميره وتحطيمه، حتى أتى اليوم الموعود برحيل وتكنيس هذه العصابات عن الشام وأهله، ولن تكتمل زيارة حلب إلاّ بزيارة المسجد الأموي الذي سعت العصابات الإيرانية الإرهابية إلى العبث بعمارته، ووضع بعض الأحجار واللمسات الفارسية في محرابه، ولكن لكل أجل كتاب، حيث وصل المجاهدون الأبطال وسط عملية الترميم، ليعيدوا أموية المسجد كما بني على حقيقته.
كان الإخوة في حكومة الانقاذ ومؤسساتها التي بدأت تنتقل على عجل إلى حلب، خلية نحل حقيقية في السعي إلى إعادة الخدمات للمدينة، من كهرباء ومياه ومخابز، ومعها حماية المؤسسات الحكومية، وحتى أن الإخوة في الدفاع المدني " الخوذ البيضاء" الذين يحظون بسمعة قوية ورائعة في سوريا لدورهم المشهود طوال فترة الثورة السورية، منهمكين في تكنيس وغسل وشطف ساحة سعد الله الجابري، وعملية الغسل والشطف لها رمزيتها المهمة اليوم، حيث أن كل سوريا اليوم بحاجة إلى تكنيس وشطف أرضها وجدرانها مما علق بها من دنس ورجس الغزاة الداخليين والخارجيين على مدى 61 عاماً من حكم البعث اللعين.
عدنا في نفس اليوم إلى تفتناز الحبيبة، لنستعد ليوم حافل في زيارة معرّة النعمان وهي بلدة أبي العلاء المعري وأحمد الخضري وبلدة والد زوجتي الحبيب الدكتور محمد ديب الجاجي رحمه الله، والذي شغل لفترة مراقباً عاماً للإخوان المسلمين في سوريا، والذي قلما أنساه في أيامي، فكيف لا أتذكره في هذه الأيام التي لطالما انتظرها، فرحمه الله ونوّر مرقده، وبلغه عنا هذا الأيام، أيام الله المجيدة التي فتح الله بها على الجيل الذي سعى إلى تربيته، وأعده لهذا اليوم الموعود.
الوقاحة والبجاحة والسفالة التي وصل إليها #نديم_قطيش لم يصلها تافه سافل من قبل، هذا التافه الذي يتباكى على #جمهورية_صيدنايا عليه أن يعلم أن سوريا الحرية عادت لأهلها، ولكافة أطيافهم، ولا أدل على ذلك فرحة الجميع بالتحرير… أيتام وثكالى جمهورية الخوف الأسدية لا عزاء لهم…
Media is too big
VIEW IN TELEGRAM
محافظ دمشق ماهر مروان ينفي ما تناقلته وسائل إعلامية بأنه يريد السلام مع إسرائيل ولا يريد العداء معها، ويؤكد أن سياق الحديث جاء عن السلم الأهلي الداخلي المحلي السوري
زلزال فتح دمشق .. كواليس وخفايا، وأحد عشر يوماً حاسمة.
الحلقة التاسعة
في اليوم التالي كانت وجهة سفرنا إلى سراقب ومعرة النعمان في جنوب محافظة إدلب، حيث لازالت قوافل المجاهدين تتقدم باتجاه حماة، لكن استعصت عليهم نقطتا قمحاني وهي قرية تشيّع أهلها قبل عقدين من الزمن أو أكثر ربما، وتقع على يمين مدخل مدينة حماة، بينما كانت العُقدة الثانية جبل زين العابدين الواقع على يسار القرية، وهو تلة عالية حاكمة للمدينة، وللطريق الرئيسي الواصل بين حماة وحلب، حيث تنتشر مليشيات عصابات أسد والمليشيات الإيرانية الموالية له.
في سراقب التي تمثل عقدة المواصلت بين حواضر سوريا، كان كل شيء يحكي قصص مغول العصر وكل عصر. لم يكن هناك باب ولا شباك، ولا سقف في البيوت المهجورة، فالكل قد انتزع من محله، ليتم بيعه في الأسواق، وقيل لنا بأن قوات العصابة الأسدية ومعها الإيرانية، كانت تقومان بعرض المدينة كلها على تجار حروب ليتعهدوها بمبلغ مقطوع يُدفع لقائد مليشيات المنطقة، مقابل نهب كل محتوياتها، بما فيها أسلاك الكهرباء وأنابيب المياه، وقضبان الحديد التي في سقوف البيوت.
هذا الواقع يشمل كل القرى التي سقطت محتلة بأيدي المليشيات الإيرانية خلال السنوات الماضية، فهل سمعتم عن هذا في عصر المغول والتتار وغيرهم من الغزاة الهمج؟! أما السكان فلا تجد أحدًا في البيوت، إذ كانت خاوية على عروشها تماماً، والريح تصفق في الشوارع والحارات والبيوت، فقرابة الخمسين ألف من سكانها تقريباً لا تجد بيتاً واحداً مسكوناً، وهو دليل واضح وعملي على تصويت الأهالي بأرجلهم هرباً من العصابات المغولية العصرية، الذين هاموا في مخيمات الشتات، ولا يزال الأهالي يتحدثون عن مقبرة لأهل سراقب شُيدت على الطريق الواصل بين تفتناز وآفس أطلق عليها مقبرة الجلطات، أي أن الكثير مات نتيجة نوبة قلبية وجلطة أصابته لتهجيره من سراقب، فيراها من بعد كيلومترات ولا يستطيع الوصول إليها سبيلاً خشية العصابات الإرهابية الإيرانية وعملائها.
نتقدم أكثر باتجاه مدينة معرة النعمان فنجد نفس الواقع السراقبي، فلا تجد عائلة واحدة تسكن فيها، بينما عدد سكانها ربما ضعف مدينة سراقب. الكل هجرها، وعلى مثلها يُقاس بلدات وقرى الريف المعري والريف السراقبي.. كان مركز المدينة قد ضج بالحركة النسبية بسبب وجود المجاهدين، وبعض موظفي خدمات النت الذين كانوا يحاولون استعادته، وكذلك استعادة الكهرباء، لتفعيل نشاط إدارة المنطقة، قادنا الأخ أبو سعد ابن المعرة البار في جولة سريعة على جامعها الكبير ومتحفها وضريح أبي العلاء المعري، والقشلة العثمانية الواقعة وسط المدينة، وهي الثكنة العسكرية العثمانية التي كانت مكلفة بحماية البلدة أيام الحكم العثماني.
كان كل شيء يصرخ بوجوهنا أن لا حياة هنا، فمن هنا مرّ مغول العصر وكل عصر، ولكن مع هذا كان أبو سعد وإخوانه يتحدّون هذا الصراخ بالعمل الدؤوب قائلين إننا نعمل على توفير أبسط وأدنى مقومات الحياة وذلك من أجل عودة الحياة النسبية للمهجرين، لعلهم يعودون إلى بيوتهم، مما يُنشط ويٌفعل الحالة المدنية في المعرة، فيتكاتف الجميع لاستعادة حياة المدينة الصاخبة التي كانت قبل مرور مغول العصر فوق أرضها.
طلبت أنا والأخ الفاضل الشيخ أنس عيروط من الأخ أبي سعد أن نزور بلدة دير شرقي الواقعة شرقي المعرة، حيث مدفن الخليفة الراشد الخامس والعادل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وبالفعل اتجه معنا الأستاذ الفاضل جمال شحود من جرجناز، الذي شغل مناصب مهمة في الحكومة بإدلب، وهو وعائلته من العائلات المعروفة في جرجناز بملكية الأراضي منذ القديم.
في الطريق روى لي الأخ الأستاذ جمال شحود قصة عجيبة قبل تحرير مدينة معرة النعمان وجرجناز بيومين أو ثلاثة، فقال لنا: بداية الثورة كنت متزوج من سيدة جزائرية، وقررنا أن تسافر مع الأولاد إلى الجزائر، فتعود بعد انتصار الثورة، ظناً منا أن الأمر لن يعدو أشهراً، وبالفعل سافرت، ولم تعد منذ ذلك الحين، وأخيراً بعد أن بعد الفراق وشدنا الحنين، بدأت أدعو قبل أيام بحرقة وتضرع بأن يمنّ الله علينا بعودتها مع الأولاد، ثم طمعت في فضل الله فقلت يارب أن تمنّ علينا باللقاء في جرجناز محررة، ولكن بعد أن دعوته شعرت أن الطلب كان أكبر مما ينبغي، فخجلت من ربي، ولكن لم يمض سوى يومين أو ثلاثة حتى فتح الله علينا المنطقة!!
بعد هذا الحديث التقيت في اسطنبول الدكتور نصر الحريري فروى لي قصة مشابهة عن أخ مهجر أمي في اسطنبول قال له وبلغته العامية، لقد حكيت مع الله بالأمس، فقلت له يا رب والله لقد قدمنا كل ما نملك، قدمنا البيوت والأولاد، وقدمنا الأموال ولم يبق لدينا شيء، يا رب لماذا تدير لنا ظهرك؟! يا رب امنن علينا بنظرة وانصرنا على أعدائنا، فأقسم الرجل أن الفتح جاء بعد يوم تقريباً، لكن لم أتوقف، فحكيت معه بعد الفتح فقلت يارب لك علي ألاّ أطلب منك شيئاً لعشر سنوات مقبلة.
الحلقة التاسعة
في اليوم التالي كانت وجهة سفرنا إلى سراقب ومعرة النعمان في جنوب محافظة إدلب، حيث لازالت قوافل المجاهدين تتقدم باتجاه حماة، لكن استعصت عليهم نقطتا قمحاني وهي قرية تشيّع أهلها قبل عقدين من الزمن أو أكثر ربما، وتقع على يمين مدخل مدينة حماة، بينما كانت العُقدة الثانية جبل زين العابدين الواقع على يسار القرية، وهو تلة عالية حاكمة للمدينة، وللطريق الرئيسي الواصل بين حماة وحلب، حيث تنتشر مليشيات عصابات أسد والمليشيات الإيرانية الموالية له.
في سراقب التي تمثل عقدة المواصلت بين حواضر سوريا، كان كل شيء يحكي قصص مغول العصر وكل عصر. لم يكن هناك باب ولا شباك، ولا سقف في البيوت المهجورة، فالكل قد انتزع من محله، ليتم بيعه في الأسواق، وقيل لنا بأن قوات العصابة الأسدية ومعها الإيرانية، كانت تقومان بعرض المدينة كلها على تجار حروب ليتعهدوها بمبلغ مقطوع يُدفع لقائد مليشيات المنطقة، مقابل نهب كل محتوياتها، بما فيها أسلاك الكهرباء وأنابيب المياه، وقضبان الحديد التي في سقوف البيوت.
هذا الواقع يشمل كل القرى التي سقطت محتلة بأيدي المليشيات الإيرانية خلال السنوات الماضية، فهل سمعتم عن هذا في عصر المغول والتتار وغيرهم من الغزاة الهمج؟! أما السكان فلا تجد أحدًا في البيوت، إذ كانت خاوية على عروشها تماماً، والريح تصفق في الشوارع والحارات والبيوت، فقرابة الخمسين ألف من سكانها تقريباً لا تجد بيتاً واحداً مسكوناً، وهو دليل واضح وعملي على تصويت الأهالي بأرجلهم هرباً من العصابات المغولية العصرية، الذين هاموا في مخيمات الشتات، ولا يزال الأهالي يتحدثون عن مقبرة لأهل سراقب شُيدت على الطريق الواصل بين تفتناز وآفس أطلق عليها مقبرة الجلطات، أي أن الكثير مات نتيجة نوبة قلبية وجلطة أصابته لتهجيره من سراقب، فيراها من بعد كيلومترات ولا يستطيع الوصول إليها سبيلاً خشية العصابات الإرهابية الإيرانية وعملائها.
نتقدم أكثر باتجاه مدينة معرة النعمان فنجد نفس الواقع السراقبي، فلا تجد عائلة واحدة تسكن فيها، بينما عدد سكانها ربما ضعف مدينة سراقب. الكل هجرها، وعلى مثلها يُقاس بلدات وقرى الريف المعري والريف السراقبي.. كان مركز المدينة قد ضج بالحركة النسبية بسبب وجود المجاهدين، وبعض موظفي خدمات النت الذين كانوا يحاولون استعادته، وكذلك استعادة الكهرباء، لتفعيل نشاط إدارة المنطقة، قادنا الأخ أبو سعد ابن المعرة البار في جولة سريعة على جامعها الكبير ومتحفها وضريح أبي العلاء المعري، والقشلة العثمانية الواقعة وسط المدينة، وهي الثكنة العسكرية العثمانية التي كانت مكلفة بحماية البلدة أيام الحكم العثماني.
كان كل شيء يصرخ بوجوهنا أن لا حياة هنا، فمن هنا مرّ مغول العصر وكل عصر، ولكن مع هذا كان أبو سعد وإخوانه يتحدّون هذا الصراخ بالعمل الدؤوب قائلين إننا نعمل على توفير أبسط وأدنى مقومات الحياة وذلك من أجل عودة الحياة النسبية للمهجرين، لعلهم يعودون إلى بيوتهم، مما يُنشط ويٌفعل الحالة المدنية في المعرة، فيتكاتف الجميع لاستعادة حياة المدينة الصاخبة التي كانت قبل مرور مغول العصر فوق أرضها.
طلبت أنا والأخ الفاضل الشيخ أنس عيروط من الأخ أبي سعد أن نزور بلدة دير شرقي الواقعة شرقي المعرة، حيث مدفن الخليفة الراشد الخامس والعادل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وبالفعل اتجه معنا الأستاذ الفاضل جمال شحود من جرجناز، الذي شغل مناصب مهمة في الحكومة بإدلب، وهو وعائلته من العائلات المعروفة في جرجناز بملكية الأراضي منذ القديم.
في الطريق روى لي الأخ الأستاذ جمال شحود قصة عجيبة قبل تحرير مدينة معرة النعمان وجرجناز بيومين أو ثلاثة، فقال لنا: بداية الثورة كنت متزوج من سيدة جزائرية، وقررنا أن تسافر مع الأولاد إلى الجزائر، فتعود بعد انتصار الثورة، ظناً منا أن الأمر لن يعدو أشهراً، وبالفعل سافرت، ولم تعد منذ ذلك الحين، وأخيراً بعد أن بعد الفراق وشدنا الحنين، بدأت أدعو قبل أيام بحرقة وتضرع بأن يمنّ الله علينا بعودتها مع الأولاد، ثم طمعت في فضل الله فقلت يارب أن تمنّ علينا باللقاء في جرجناز محررة، ولكن بعد أن دعوته شعرت أن الطلب كان أكبر مما ينبغي، فخجلت من ربي، ولكن لم يمض سوى يومين أو ثلاثة حتى فتح الله علينا المنطقة!!
بعد هذا الحديث التقيت في اسطنبول الدكتور نصر الحريري فروى لي قصة مشابهة عن أخ مهجر أمي في اسطنبول قال له وبلغته العامية، لقد حكيت مع الله بالأمس، فقلت له يا رب والله لقد قدمنا كل ما نملك، قدمنا البيوت والأولاد، وقدمنا الأموال ولم يبق لدينا شيء، يا رب لماذا تدير لنا ظهرك؟! يا رب امنن علينا بنظرة وانصرنا على أعدائنا، فأقسم الرجل أن الفتح جاء بعد يوم تقريباً، لكن لم أتوقف، فحكيت معه بعد الفتح فقلت يارب لك علي ألاّ أطلب منك شيئاً لعشر سنوات مقبلة.
وصلنا إلى ضريح الخليفة عمر بن عبد العزيز، فوجدنا كما نشر في وسائل الإعلام يوم احتلاله عام 2019، وقد تم حرق المبنى الذي يرقد في الخليفة، وقيل لنا بأن عملية الحرق تمت بإشعال عجلات السيارات، حيث بدا الشحار الأسود على السقف والجدران، وحتى أن شواهد القبر قد انتزعت من مكانها، مما يشير إلى أن ما قيل يومها عن نبش القبر صحيحاً.
كانت عقدة قمحاني وزين العابدين قد بدأت بالحلحلة والتفكك أمام ضربات ثوار الشام، بعد أن أطبقوا على المنطقتين، ودارت في داخلهما معارك طاحنة، وشكل مختار قمحاني ظاهرة تحدي للإخوة المجاهدين، والمعلوم أن هذه المنطقة شكلت خزاناً بشرياً للقتال في صفوف المليشيات الإيرانية خلال فترة الثورة السورية، لكن فتح الله على المجاهدين، ومع فتح قمحاني وجبل زين العابدين بات الأمر ممهداً حتى حمص، لاسيما وأن الأهم من ذلك كله أن قواعد اتفاق استانة الذي يقف عند شمالي حماة قد كُسر اليوم، ولم يعد هناك مجال للاتفاقيات الدولية التي استهدفت الشعب ووجوده، الأمر الذي طمأنني وطمأن الكثيرين أن القصد بات دمشق كما بشّر بذلك الفاتح أحمد الشرع.
كانت عقدة قمحاني وزين العابدين قد بدأت بالحلحلة والتفكك أمام ضربات ثوار الشام، بعد أن أطبقوا على المنطقتين، ودارت في داخلهما معارك طاحنة، وشكل مختار قمحاني ظاهرة تحدي للإخوة المجاهدين، والمعلوم أن هذه المنطقة شكلت خزاناً بشرياً للقتال في صفوف المليشيات الإيرانية خلال فترة الثورة السورية، لكن فتح الله على المجاهدين، ومع فتح قمحاني وجبل زين العابدين بات الأمر ممهداً حتى حمص، لاسيما وأن الأهم من ذلك كله أن قواعد اتفاق استانة الذي يقف عند شمالي حماة قد كُسر اليوم، ولم يعد هناك مجال للاتفاقيات الدولية التي استهدفت الشعب ووجوده، الأمر الذي طمأنني وطمأن الكثيرين أن القصد بات دمشق كما بشّر بذلك الفاتح أحمد الشرع.